تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 5%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22143 / تحميل: 2448
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

روحانية صاحب المرقد عليه من الله السلام ، فلمَّا كان من اليوم الثاني أمر بقطع لسان المكذّب(١) .

وفي بعض المجاميع : أن السلطان ، ورجال دولته لمّا شاهدوا القُبَّة المنورة وترجّل بعضهم عن فرسه ، فسأل السلطان عن السبب ، فقال : إنَّ صاحب هذا المرقد كان أحد الخلفاء فنزلت إجلالاً له. فقال السلطان : وأنا أيضاً أفعل ذلك. فقال له بعض رجاله : إنك خليفة حي ، ووالي اُمور المسلمين ، والحيّ أفضل من الميِّت. فقال السلطان : نتفاءل بكتاب الله ، فخرجت الآية الكريمة ، فأمر السلطان بضرب عنق المزبور ، وأنشد هذين البيتين إشارة إلى القصة :

تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ

ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها

إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلت

وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها(٢)

وهما للشيخ أبي الحسن علي بن محمّد التهامي ، المقتول سنة ٤١٦.

وقد خمسَّها جدّي بحر العلوم بتخمیس نفيس وهو :

تَطوفُ ملوكُ الأرضِ حولَ جنابِة

وتَسعَى لكي تحظى بِلَثْمِ تُرابِهِ

فكانَ كَبيتِ اللهِ بيتٌ عَلا بِهِ

(تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ)

__________________

(١) دار السلام ٢ : ٥۸ ، عنه اليتيمة الغروية : ٤٨٦ ، وعنه الأنوار العلوية : ٤٢٤ ، وفيه أن الحكاية وقعت للسلطان مراد ، وقال البراقي مؤلِّف اليتيمة الغروية بعد إیرادها ، ما نصّه : (ونقل هذه الحكاية بعض المتبحرين المعاصرين من أهل الهند في کتاب روح القرآن ، إلا أنه نسبها إلى السلطان سليمان) ، انتهى.

و (روح القرآن) للسيد المفتي المير محمّد عبَّاس بن علي أكبر الموسوي الجزائري التستري اللكهنوي ، جمع في آيات مناقب أهل البيت وتكلم فيه بكلام لطيف طريف. (ينظر : الذريعة ١١ : ٢٦٥).

(٢) البيتان من قصيدة قوامها سبعون بيتاً قالها التهامي في مدح حسان بن جراح. (ديوان التهامي : ١٤٣ ـ ١٤٧).

٥٢١

(ويكثُرُ عندَ الازدحامِ استلامُها)

أتتهُ مُلوكُ الأرضِ طَوعَاً وأمَّلتْ

مَلِيكَاً سَحابُ الفَضْلِ مِنْهُ تَهامَلَتْ

وَمَهْمَا دَنَتْ زادتْ خُضُوعَاً بِهِ عَلَتْ

(إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ)

(وإن هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها)(١)

ولهرحمه‌الله في تشطير البيتين ، وهو تشطير بلا نظير :

(تزاحَمُ تيجانُ المُلوكِ ببابِهِ)

ليبلغ مَنْ قرب إليه سلامُها

وتَستَلمُ الأركان عند طوافها

(ويكثُرُ عندَ الاستلامِ ازدحامُها)

(إذا ما رأتْهُ من بعيدٍ تَرجَّلتْ)

لَيعلوَ فوقَ الفَرقَدَينِ مَقامُها

فإنْ فَعَلَتْ هاماً على هامِها عَلَتْ

(وإنْ هي لم تَفْعَل ترجَّلَ هامُها)(٢)

حديث مُزّة بن قيس

وأمَّا حديث مُرَّة بن قيس : فقد قال العلَّامة النوريرحمه‌الله في كتاب (دار السلام) : (إنه وإن لم يكن مذكوراً في الكتب المعتبرة إلا أنّه قَدْ بلغ عند الشيعة من التواتر حدّاً بحيث لا يخفى على أحد ، بل قلّ معجزة عندهم مثله في الشيوع ، بل قَدْ نظمه بعض شعراء الفرس من قبيل الحكيم سنائي المعروف ، وهو في حدود الخمسمائة ، وكذلك الفردوسي في (شاه نامة) وهو في حدود الأربعمائة ، والمولی حسن الكاشي الآملي معاصر العلَّامة الحلِّي (٣) )(١) .

__________________

(١) ديوان بحر العلوم : ١٣١ ، وفيه : (كأن) بدل (فكأن) ، و (تهللت) بدل (تهاملت).

(٢) ديوان بحر العلوم : ١٣١.

(٣) له قصائد سبع فارسية في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام تعرف بهفت بند ، وينظر ترجمته في : أعيان الشيعة ٥ : ٢٣١ رقم ٥٨٤ ، الذريعة ٢ : ٣٩١.

٥٢٢

وذكره شمس الدين محمّد الرضوي من علماء الدولة الصفوية في كتابه حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين)(٢) ، ونظمه في قصيدة مخصوصة لهذه المعجزة ـ وهذا السيِّد الجليل ينتهي نسبه إلى موسى المبرقع ، وله في أحوال كل أحد من الأئمةعليهم‌السلام كتاب ، وله في أحوال الرضاعليه‌السلام كتاب (وسيلة الرضوان) ، ألَّفه سنة ١١٣ ٥ ـ ونقل السيِّد محمّد صالح الترمذي ، المتخلص بالكشفي ، من علماء أهل السنة في كتاب المناقب) : (أنَّ مُرَّة بن قيس كان رجلاً كافراً ، له أموال وخدم وحشم كثيرة ، فتذاكر يوماً مع قومه في شأن آبائه ، وأجداده ، فقيل له : إن

__________________

(١) في المصدر زیادة أوردها للفائدة ، ونصّها : (الحكيم السنائي الغزنوي في حديقته ، وعدها من المناقب المسلمات وهو [وهي ـ ظ] في حدود خمسمائة :

خواب وآرام مرة وعنتر

کرده در مغز عقل زير وزبر

وكذا الحكيم الفردوسي وهو في حدود أربعمائة ، فقال :

آنست امام كزدو انكشت

جون مرة قيس کافري كشت

وللمولى حسن الكاشي الآملي المعاصر للعلامة المتقدم إليه الإشارة فيها قصيدة مخصوصة).

وقال الطهراني في الذريعة ١٣ : ٢۰ ما نصّه : وللفردوسي قصائد في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يظهر منها إخلاصه في التشيع ، منها قوله في قصيدة :

شهي كه زد بدو أنگشت مرة را بدو نيم

زبهر قتل عدو ساخت ذوالفقار أنگشت

شهي كه تا بدو أنگشت در زخيبر كند

بر آمد أز پس اسلام صد هزار انگشت

(٢) قال الشيخ أغا بزرك الطهرانيرحمه‌الله في الذريعة ٦ : ٢۹٣ رقم ١٣٢٦ ، ما نصّه : ((الحبل المتين) في المعاجز الظاهرة بعد دفن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام فارسي يقرب من ثمانية آلاف بيت ، ويزيد على ثلاثمائة معجزة من معجزاتهعليه‌السلام للسيد شمس الدين محمّد بن بديع الدين الرضوي الَّذي كان من رؤساء خدام الروضة الرضوية في أواخر عصر الصفوية ، وله (تزيين المجالس) ، رأيت نسخة ناقصة منه عند الشيخ على أكبر النهاوندي ، وهي من أول المعجزة الثالثة إلى المعجزة السابعة والثلاثمائة ، ونسخة منه كانت عند شيخنا النوري ينقل عنها في المجلد الأول من كتابه (دار السلام) ثلاثة منامات في آخرها إشارة إلى قضية مرة بن قيس وقتله بإصبعيهعليه‌السلام المعلم في الصندوق الَّذي في داخل الضريح بثقب لمكان الإصبعين ، توجد نسخة منه عند السيِّد محمّد باقر الدماوندي المشهور ببحر العلوم بطهران).

٥٢٣

أكثرهم قَدْ قتلوا بسيف علي بن أبي طالب ، فسألهم عن محلّ قبرهعليه‌السلام فدلُّوه على النَّجف.

فجهّز معه ألفي فارس ، وألوفاً من الرجالة ، وتوجَّه إلى النَّجف. فلمَّا قرب من نواحي البلدة تحصّن أهلها في داخل البلدة ، فحاربهم في مدَّة ستة أيام حَتَّی ثلم موضعاً من السور ودخل البلدة عنوة ، وفرَّ الناس وخرجوا هاربين على وجوههم.

فجاء حَتَّى دخل الروضة المقدَّسة ، وخاطب صاحب المرقد بقوله : يا علي ، أنت قتلت آبائي وأجدادي ، وأراد أن يشقَّ الضريح بسيفه ، فخرج منه إصبعان مثل ذي الفقار فقطعه نصفين ، وفي ساعته انقلب النصفان حجرين أسودين ، فجاؤوا بهما إلى باب النَّجف ، وكان كلُّ من يزور المرقد الشريف يرفُسهُما برجله ، ومن خواص ذلك : أنَّه كلَّما مرَّ عليهما حيوان بال عليهما ، ومضى مدَّة من الزَّمان ، وكان الحال على ذلك المنوال ، فجاء رجل من خدام مسجد الكوفة ، وحمل القطعتين إلى باب المسجد وطرحهما هناك ، واتَّخذهما مرتزقاً له من الزائرين والمتردِّدين).

قال السيِّد صاحب (المناقب) : (حدثني الشيخ يونس ، وهو رجل من صلحاء أهل النَّجف : أني رأيت عضواً من أعضائه هناك). انتهي(١) .

ويحكى عن الشيخ قاسم الكاظمي النَّجفي شارح الاستبصار : (أنه كان كثيراً ما يدعو على من أخرج الحجر المزبور من النَّجف ، ويقول : خذل الله من أخرج هذا الملعون من تلك العتبة المقدسة ، وأبطل هذه المعجزة الباهرة)(٢) .

وأشار إلى هذه القصّة أيضاً السيِّد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي النَّجفي المذكور في (الروضات) ، في ذيل ترجمة شارح (الزبدة) الفاضل

__________________

(١) المناقب للكشفي ، عنه الحبل المتین ، عنه دار السلام ٢ : ٥۸.

(٢) دار السلام ٢ : ٥۹ مع زيادة تطلب من محلها.

٥٢٤

الجواد ، وله عنه الرواية في رسالته التي ألفها لإثبات وجود جثّة الأنبياء والأوصياء في قبورهم ، قال : (إنَّ مُرَّة بن قيس الدمشقي ، كان لأبيه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام سابقة من حيث قتله أباه ، فحمله ذلك إلى أن يأتي قبرهعليه‌السلام ويستخف به ، فلمَّا أعدّ واستعدّ أتى الكوفة ، وسأل عن ظهرها ، وعن مكان القبر الشريف ، وتوجَّه إليه يقصده ، فجرى عليه ما جرى ، وقصَّته مشهورة بين الوری). انتهي(١) .

ويظهر من صاحب (الجواهر) في بحث اللّعان خصوصية لهذا المكان من الروضة المقدّسة ، حيث قال في شرح قول المحقِّق : (وقد يغلظ اللّعان بالقول والمكان) ما لفظه : بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة ، مثل ما بين الركن والمقام ـ أي : الحطيم ـ إن كان في مكّة ، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس ، وعند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان في المدينة ، وعند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام قريباً من مكان رأسه المعظَّم) ، انتهى(٢) .

وهذا المكان معلوم اليوم وعلامته الثقبة الواقعة في طرف الصندوق الخاتم ، وممّا يلي القبلة ، من جهة الرأس الشريف(٣) .

والصندوق من آثار السلطان محمّد خان الخواجة القاجاري ، المؤسِّس للدولة القاجارية ، المتوفى سنة ١٢١١(٤) ، وحمل نعشه إلى النَّجف ، ودفن جوار

__________________

(١) روضات الجنات ٢ : ٢١٦.

(٢) جواهر الكلام ٣٤ : ٦١.

(٣) ينظر بالتفصيل عن هذا المكان : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٤٥ ـ ٤٤٨.

(٤) اليتيمة الغروية : ٤٦٢.

٥٢٥

المرقد المطهَّر ، وأرسل الضريح في صحبة الفقيه المطلق : أغا محمّد علي الهزارجریبي ، نجل المرحوم الأغا محمّد باقر الهزارجریبي ، وكان الابن من تلامذة جدّنا بحر العلوم ، وتوفي سنة ١٢ ٤٥ ، ودفن الأب في الإيوان الجنوبي المعروف : بإيوان العلماء ، من الصحن المرتضوي(١) .

زيارة الملوك وآثارهم في النّجف

الثامن : في ذكر من زار النَّجف من الملوك والوزراء والعلماء ، ومن بنی شيئاً في ذلك المرقد المقدّس.

يستفاد من جملة من كتب التواريخ أنَّ التعميرات الحادثة في المرقد المرتضويعليه‌السلام أساسية كانت أو تزیینية ، هي على ما ستذكر :

داود العباسي

الأول: ما صدر من داود العبَّاسي ، حيث أرسل رجلين من العملة ، ومعهما غلام له ، يقال له الجمل ، إلى قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم : امضوا إلى هذا القبر الَّذي افتتن به الناس ، ويقولون إنه قبر علي حَتَّى تنبشوه ، وتجيئوني بأقصى ما فيه.

فمضوا إلى الموضع وقالوا : دونكم وما أمر به ، فحفر الحفّارون وهم يقولون : لا حول ولا قوة إلّا بالله في أنفسهم ، حَتَّى نزلوا خمسة أذرع ، فلمَّا بلغوا

__________________

(١) لم يذكر في كتاب (مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف) ، فهو ممَّا يستدرك عليه ، ومؤلفه المرحوم المحقق الأُستاذ كاظم عبود الفتلاوي کاظم عبود الفتلاوي شيخ إجازتنا فقدناه في هذه السنة ـ ١٤٣١ هـ ـ في ليلة ١٣ من شهر محرم الحرام ، وكان صاحب فضل علينا لتشجيعه الحثيث لي بالسير على خطى طريق التحقيق الَّذي أنعم الله عزَّ وجلَّ به عليّ في إحياء الدائر من المآثر ، فنحمده على نعمه دائماً وأبدا.

٥٢٦

إلى الصلابة قال الحفّارون : قَدْ بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوی بنقره ، فأنزلوا الحبشي ، فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنيناً شديداً في البرّ ، ثُمَّ ضرب ثانياً ، فسمعنا طنيناً أشد ممَّا تقدّم ، ثُمَّ ضرب الثالثة فسمعنا أشدَّ من ذلك ، ثُمَّ صاح الغلام صيحةً ، فقمنا وأشرفنا عليه ، وقلنا للذين كانوا معه اسألوه ما باله؟

فلم يجبهم ، وهو يستغيث ، فشدُّوه وأخرجوه بالحبل ، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم ، وهو يستغيث ولا يكلّمنا ، ولا يحارُ جواباً ، فحملناه على البغل ورجعنا طائرین ، ولم يزل لحم الغلام ينشر من عضده وجبينه وسائر شقه الأيمن ، حَتَّى انتهينا إلى داود. فقال : أيُّ شيء وراء كم؟ فقلنا : ما تراه ، وحدّثناه بذلك فالتفت إلى القبلة وتاب عمّا هو عليه ، ورجع عن المذهب ، وتولی وتبرّأ.

وركب بعد ذلك ليلاً إلى مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقاً ، ولم يخبره بما جرى بوجه من سوَّى مكان المرقد وطمَّه بالتراب ، وعمّر الصندوق عليه ، ومات الغلام الأسود من وقته ، والقصة مذكورة في كتاب (فرحة الغري)(١) .

وداود هذا هو أبو سليمان بن علي بن عبد الله بن العبَّاس ، عم السَّفاح ، وهو الَّذي نازع الصادقعليه‌السلام في إرث مولی لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفّي ولم يخلّف وارثاً ، فخاصم ولد العبَّاس الصادقعليه‌السلام وكان هشام بن عبد الملك قَدْ حجّ في تلك السنة ، فجلس لهم ، فقال داود : الولاء لنا.

__________________

(١) فرحة الغري : ١٥۹ ح ۹۸.

٥٢٧

فقال الصادقعليه‌السلام : «بل الولاء لي » ، فقال داود : إنَّ أباك قاتل معاوية.

فقالعليه‌السلام : «إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر »(١) .

قلت : وإنما كان حظ أبيه فيه الأوفر ؛ لأن أباه عبد الله بن العبَّاس كان مع أمير المؤمنين في قتال معاوية ، وكان يسعى فيه سعياً بليغاً ثُمَّ فرّ ، وهو الَّذي قتل المُعلَّی بن خنیس وكان من قوام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وإنَّما قتله بسببه ، وکان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه(٢) .

وأمره مشهور ، فروي عن أبي بصير ، قال : لمّا قتل داود بن علي المعلَّی بن خنیس وصلبه ، عظم ذلك على أبي عبد اللهعليه‌السلام واشتدّ عليه ، وقال له : يا داود! علامَ قتلت مولاي وقيّمي في مالي ، وعلى عيالي؟ والله إنَّه لا وجه عند الله منك(٣) .

وبالجملة : كان في أيام السَّفاح ، وصعد المنبر بالكوفة يوم بويع السَّفاح ، وقال : يا أهل الكوفة ، إنّه لم يقم فيكم إمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا علي بن أبي طالب ، وهذا القائم فيكم يعني : السَّفاح. ثُمَّ ولّاه المدينة ، والموسم ومكّة ، واليمن ، واليمامة(٤) .

وقال ابن عساكر في تأريخه : (لمّا بويع لبني العبَّاس كان مسنداً ظهره إلى الكعبة ، فقال : شكراً شكراً ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر بكم نهراً ، ولا لنبني قصراً ، ظن عدو الله لن نقدر عليه أمهل له في طغيانه ، وأرخى له من زمانه ، حَتَّى عثر في فضل

__________________

(١) الكافي ۸ : ٢٥۸ ح ٣٧٢.

(٢) خبر قتله إياه ورد في الكافي ٢ : ٥١٣ ، ح ٥.

(٣) الغيبة للطوسي : ٣٤٧ ح ٣۰۰.

(٤) تاریخ ابن خلدون ٣ : ١٧٣.

٥٢٨

خطامه. فالآن حيث أخذ القوس باريها ، وعاد النبال إلى النزعة ، وعاد الملك إلى نصابه ، في أهل بيت نبيِّكم ، أهلَ الرأفة والرحمة. والله إن كنّا لنشهد المرَّ ونحن على فرشنا ، أمن الأسود والأبيض لكم ذمّة رسوله ، وذمَّة رسوله ، وذمَّة العبَّاس ، ورب هذه البنية لا نُهيج منكم أحداً.

ثُمَّ نزل ، وسمع سالم بن حفصة يطوف بالبيت وهو يقول : لبيك مُمْهِلَ(١) بني أميَّة فأجازه داود بألف دينار )(٢) .

واستعمله السَّفاح على الكوفة ، ثُمَّ عزله وبعثه ، فصلّی بالموسم. وكان حجّه سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان أول من ولي المدينة من بني العبَّاس ، وأول من أقام الحج للناس في ولاية العبَّاسيين. وتوفي بالمدينة سنة ١٣٢ ، واستخلف عليها ولده موسی(٣) .

ولمّا كان أبو العبَّاس عبد الله بن محمّد بالكوفة صعد المنبر ليخطب الناس ، فحضر ولم يتكلَّم ، فوثب داود بين يدي المنبر فخطب وذكر أمرهم ، وخروجهم ، ومنَّى الناس ، ووعدهم العدل ، فتفرقوا عن خطبته.

وتوفّي وهو ابن اثنتين وخمسين سنة ، وكان أدرك من خلافتهم ثمانية أشهر ، وقيل تسعة أشهر(٤) ،(٥)

__________________

(١) في المصدر : (مهلك).

(٢) تاریخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٤ ضمن ترجمته.

(٣) تاریخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٥ ضمن ترجمته.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ١٧ : ١٦٧ ضمن ترجمته.

(٥) وفي مزار المشهدي : ٢٤٠ ح ٧ ، وعنه فرحة الغري : ١٢١ ح ٦٥ ما نصّه واللفظ للأول : (زيارة أخرى لهعليه‌السلام ) «حدّثنا الحسن بن محمّد ، عن بعضهم ، عن سعد بن عبد الله الأشعري ، قال : حدثني أحمد بن محمّد بن عيسى ،

٥٢٩

[هارون الرشيد]

الثاني : البناء الهاروني ، قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) ، وصاحب (عمدة الطالب) ، واللفظ للأخير : (فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفياً حَتَّى كان زمن الرشید هارون بن محمّد بن عبد الله العبَّاسي ، فإنه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة يتصيَّد ، وهناك حمر وحشية وغزلان ، فكان كلَّما ألقى الصقور والكلاب عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك ، فترجع عنها الصقور والكلاب. فتعجَّبَ الرشیدُ من ذلك ورجع إلى الكوفة ، وطلب من له علم بذلك ، فأخبره بعض شيوخ الكوفة : أنه قبر أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

فيحكى أنه خرج ليلاً إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي ، وأبعد أصحابه عنه ، وقام يصلّي عند الكثيب ، ويبكي ، ويقول : والله يا ابنَ عمّ إنّي لأعرف حقَّك ، ولا اُنكر فضلك ، ولكن ولدك ليخرجون عليّ ، ويقصدون قتلي ، وسلب ملكي. إلى أن قرب الفجر وعلي بن عیسی نائم ، فلمَّا قرب الفجر أيقظه هارون ، وقال : قم فصلّ عند قبر ابن عمِّك.

__________________

عن الحسن بن عيسى ، عن هشام بن سالم ، قال : حدثني صفوان الجمال قال : لما وافيت مع جعفر الصادقعليه‌السلام الكوفة نريد أبا جعفر المنصور ، قال لي : يا صفوان أنخ الراحلة فهذا حرم جدي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأنختها ، ونزل فاغتسل وغير ثوبه وتخفى وقال لي : افعل مثل ما افعله ، ثُمَّ أخذ نحو الذكوات وقال لي : قصر خطاك والق ذقنك إلى الأرض ، فإنه يكتب لك بكل خطوة مائة ألف حسنة ، ويمحى عنك ألف سيئة ، ويرفع لك مائة ألف درجة ، ويقضى لك مائة ألف حاجة ، ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل. ثُمَّ مشى ومشينا معه وعلينا السكينة والوقار ، ونسبح ونقدس ونهلل ، إلى أن بلغنا الذكوات ، فوقفعليه‌السلام ونظر يمنة ويسرة ، وخط بعكازته فقال لي : اطلبه ، فطلبت فإذا أثر القبر في الخط ، ثُمَّ أرسل دموعه على خده وقال : إنا لله وإنا إ راجعون ، وقال : السلام عليك أيها الوصي البر التقي ـ وذكر تمام الزيارة إلى أن قال صفوان ـ قلت : يا سيدي تأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به ، فقال : نعم ، وأعطاني دراهم وأصلحت القبر». (انتهی).

وهذا الخبر يدلّ على أن أول من عمّر قبره عليه‌السلام هو الإمام الصادق صلوات الله عليه ، فتدبر.

٥٣٠

قال : وأي ابن عمّ هو؟ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فقام علي بن عيسى فتوضأ وزار القبر ، ثُمَّ إنَّ هارون أمر أن تبنى عليه قُبَّة ، وأخذ الناس في زيارته ، والدفن لموتاهم حوله ، إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو ابن بویه. انتهى(١) .

وهارون هو : الخليفة الخامس من العبَّاسيين ، توفّي بطوس ، في ليلة السبت في الثالث من ربيع الثاني سنة ١۹٣(٢) .

الداعي الصغير مُحمّد بن زيد

الثالث : بناء محمّد بن زيد بن محمّد بن إسماعيل ـ حالب الحجارة(٣) ـ ابن الحسن بن زید بن الحسن المجتبىعليه‌السلام المعروف : بالداعي الصغير ، الَّذي ملك طبرستان في سنة ٢٧٣ ، بعد أن ملكها أخوه الحسن بن زيد ـ الملقَّب : بالداعي الكبير الأول ، وكان ظهوره بطبرستان سنة ٢ ٥ ۰ ، وتوفي سنة ٢٧۰ وله كتاب (الجامع في الفقه) وكتاب (البيان) ، وكتاب (الحجّة في الإمامة)(٤) ـ ولم يعقب.

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٢ ، الإرشاد ١ : ٢٥ ، غير أن المفيد ذكر الحكاية ولم يذكر أمر البناء الهاروني ، فلاحظ.

(٢) ينظر : تاریخ الخلفاء : ٢٦٣ ـ ٢٧٦ ، كما ينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤١ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

(٣) قال الدامغاني محقق کتاب المجدي في أنساب الطالبيين ص ٣٤٦ ما نصّه : (وإسماعيل هذا هو الملقّب بحالب الحجارة : لشدته وقوته وصلابته ، كما في تاريخ طبرستان ص ۹٤ ـ أو جالب الحجارة بالجحيم معجمة كما في منتقلة الطالبية ص ١٥٧ و١٥۸ ، وينقل الفاضل المغفور له السيِّد جلال الدين الحسيني الأرموي المعروف بالمحدثرحمه‌الله ، في الحاشية من ص ٤٥٩ من النقض من لباب الأنساب للبيهقيرحمه‌الله ما هذا نصّه : (وسمعت أيضا بالجحيم واللام ولا أدري وجهه من طريق مكتوب إلا أني سمعت السيِّد النسابة الونكي بالري إنه قال : كان إسماعيل ينقل الحجارة من الجبال ويبني بها المساجد والقناطر بيده فقيل له جالب الحجارة بالجيم ـ وقد نقل المحدّثرحمه‌الله هذا من مخطوطة من لباب الأنساب التي كانرحمه‌الله يملكها. والله العالم)).

(٤) ينظر : فهرست النديم : ٢٤٤.

٥٣١

واستولى على الأمر بعده خِتنُه على أُخته : أبو الحسين أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن الشَّجري ، ابن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسنعليه‌السلام ، وكان أخو الداعي : محمّد بن زید بجرجان. فلمَّا وصل إليه الخبر زحف إلى أبي الحسين من جرجان سنة ٢٧١ ، فقتله وملك طبرستان ، وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر ، واستولى على تلك الديار حَتَّى خطب له رافع بن هرثمة بنیشابور. ثُمَّ لمّا بلغه أسر عمر وابن ليث توجَّه نحو تسخیر خراسان. فتقدم لدفعه محمّد بن هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني فقتله في ظاهر كركان ـ یعنی جرجان ـ في شهر شوال سنة ٢۸٧ ، وحمل رأسه وابنه زيد بن محمّد إلى بُخاری ، ودفن بدنه بجرجان عند قبر الديباج محمّد بن الصادقعليه‌السلام ، وكان فاضلاً متديِّناً ، وحسن السيرة.

وكيف كان : فمحمّد بنى على المشهد الشريف قُبَّة وحائطاً حَتَّى قيل : إنه أول من أظهر مشهد جدهعليه‌السلام .

وهو الَّذي أخبر الصادقعليه‌السلام عنه بـ : «إنّه لا تذهب الأيام حَتَّی يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه في القتل ، يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً ».

قال حبيب بن الحسين : سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى على الموضع شيء ، ثُمَّ إن محمّد بن زيد وجّه فبنى عليه ، فلم تذهب الأيام حَتَّى امتحن محمّداً في نفسه بالقتل.

والخبر روي في (مدينة المعاجز)(١) .

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٥۹ ح ٤٣٩ / ٤٣ ، مدينة المعاجز ٦ : ١٥٧ ح ١٩١٥ / ٣٤٥ ، وينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤٢ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

٥٣٢

السيد أبو علي عمر

الرابع : بناء السيِّد أبو علي عمر الرئيس الجليل ، والَّذي ردّ الله علی يده الحجر الأسود ، لمَّا نهبت القرامطة مكّة في سنة ٣١٧ ، وأخذوا الحجر وأتوا به إلى الكوفة ، وعلَّقوه في السارية السابعة من المسجد ، والقصّة طويلة.

وكان السيِّد المزبور أمير الحاج فردّ الحجر إلى محلّه في سنة ٣٣۹ ، فكان لبثه عندهم ٢٢ سنة.

وهذا السيِّد الجليل بنی قُبَّة جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام من خالص ماله ، وهو من ذرية الحسين ذي الدمعة ، فهو أبو علي عمر بن يحيى القائم بالكوفة ابن الحسين النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدّث ابن أبي علي عمر ابن أبي الحسين يحيى ـ من أصحاب الكاظم ، المقتول سنة ٢ ٥ ۰ ، الَّذي حمل رأسه في قوصرة للمستعین ـ ابن أبي عبد الله(١) ، الزاهد العابد الحسين ـ ذي الدمعة ، الَّذي ربّاه الصادقعليه‌السلام وأورثه علماً جمّا ـ ابن زید الشهيد ابن السجادعليه‌السلام (٢) .

وقيل : ردّ الحجر على يد أبيه يحيى(٣) .

السلطان عضد الدولة الديلمي

الخامس : (بناء السلطان عضد الدولة الديلمي) جاء وأقام في النَّجف قريباً من سنة ، فأحضر المعماريين ، والبنّائين من أطراف البلاد ، وخرب العمارة العتيقة ،

__________________

(١) في الأصل : (أبي عاتقة) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) خاتمة المستدرك ٢ : ٢٩٧ ، وينظر حادثة رد الحجر في : عمدة الطالب : ٢٧٥.

(٣) ينظر عن هذه العمارة : أعيان الشيعة ١ : ٥٣٦.

٥٣٣

وصرف أموالاً كثيرة جزيلة ، وعمّر عمارة جليلة ، وقد ستر الحيطان بالخشب الساج المنقوش ، وأصحّ القناة الآتية قناة آل أعين ، وبنى المنهدم منها وأحكمها أشدَّ من الأول ، فاشتهرت بقناة آل بويه ، وما زالت تسقي أهل النَّجف عذبَ الماء حَتَّى أبلى الدهر جدَّتها بعد مئات من السنين(١) .

قال ابن كثير : (إنَّ عضد الدولة لمّا توفّي في بغداد سنة ٣٧٢ أوصى قبل وفاته بحمل جنازته إلى مشهد النَّجف ، فحمل ودفن جوار الروضة المتبرّكة ، وكتبوا على قبره : هذا قبر عضد الدولة وتاج المملكة (٢) أبي شجاع ابن رکن الدولة ، أحبَّ مجاورة هذا الإمام المُتّقي (٣) لطمعه في الخلاص ، ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا(٤) ، وصلواته الناظرة على محمّد وآله الطاهرة )(٥) .

قال : (ومن جملة مآثره : تجديد عمارة مشهد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ).

وفي حبيب السير : (أنه دفن عضد الدولة ممَّا يلي رجلي الإمام عليه‌السلام ، عند البابين اللذين يدخل منهما إلى الروضة )(٦) .

وفي (فرحة الغري) : (كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحائري في شهر جمادى الأُولى من سنة ٣٧١ ، وورد مشهد الحائر ، مشهد مولانا الحسينعليه‌السلام لبضع بقين من جمادی ، فزارهعليه‌السلام ، وتصدَّق وأعطى الناس على

__________________

(١) ذكر هذه القناة السيِّد البراقي في اليتيمة الغروية : ٤٦٠ ، وقال : وهو [وهي ـ ظ] ماء الآبار في وسط البلد. (انتهی) وینظر عنها : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۸٢.

(٢) في الأصل : (الملة) وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في الأصل : (المعصوم) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) سورة النحل : من آية ١١١.

(٥) البداية والنهاية ١١ : ٣٤٢ ضمن حوادث سنة ٣٧٢ هـ.

(٦) حبيب السير ٢ : ٤٢٧.

٥٣٤

اختلاف طبقاتهم ، وجعل في الصندوق دراهم ، فَفُرِّقت على العلويين ، فأصاب کلِّ واحد منهم : اثنان وثلاثون درهماً ، وكان عددهم ألفين ومائتي اسم.

ووهب لعوام المجاورين عشرة آلاف درهم ، وفرَّق على أهل المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم.

وخرج وتوجَّه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المؤرّخ ، ودخلها وتوجَّه إلى المشهد الشريف الغروي يوم الاثنين ، ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف ، وطرح في الصندوق دراهم ، فأصاب كل منهم واحداً وعشرين درهما ، وكان عدد العلويين ألفاً وسبعمائة اسم ، وفرق على المجاورين وغيرهم خمسة آلاف درهم ، وعلى الناحية ألف درهم ، وعلى القرَّاء والفُقهاء ثلاثة آلاف درهم ، وعلى المرتبين والخازن والبواب على يد أبي الحسن العلوي ، وعلى يد أبي القاسم بن أبي العابد ، وأبي بكر بن سیَّار)(١) .

شرف الدولة

وفي (تاريخ الذهبي) : (أنَّ في سنة ٣٧۹ مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة وله ٢۹ سنة ، وكانت دولته ثلاثين شهراً ، ودفن عند أبيه بالمشهد الأمجد.

وفي سنة ٤٠٣ مات صاحب بغداد السلطان بهاء الدولة ابن عضد الدولة وله ٤ ٢ سنة ، وكانت مدَّة ملكه ٢ ٤ سنة ، ودفن بالمشهد الأسعد)(٢) .

__________________

(١) فرحة الغري : ١٥٤ ح ٩٥.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ : ٢٤١.

٥٣٥

جلال الدولة البويهي

وذكر ابن كثير أيضاً : (أنَّ جلال الدولة البويهي توجَّه من بغداد نحو الغريّ لزيارة أمير المؤمنين ، وكان في أكثر الطريق يمشي على قدميه طلباً لمزيد الأجر والثواب ، وزار مشهد الحسينعليه‌السلام وذلك سنة ٤٣١ ، وتوفّي هو سنة ٤٣٥) ( ١).

ابن الحجاج الشاعر

والظاهر أنَّ القُبَّة التي هي بناء عضد الدولة هي المقصودة من قول أبي عبد الله حسين بن أحمد الحجَّاج ، الملقّب بابن الحجَّاج الشاعر ، الماهر في قصيدته المعروفة ، المشهورة التي أولها :

يا صاحِبَ القُبَّة البيضاء في النَّجف

مَنْ زارَ قَبرَكَ واستشفى لَدَيْكَ شُفِي

وتوفّي ابنُ الحجَّاج في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٣۹١ بالنيل ، وحُمِلَ إلى بغداد ودفن عند مشهد موسی بن جعفرعليه‌السلام ، وأوصى أن يكتب على قبره : ﴿وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ(٢) .

وكان من كبار الشيعة ، وكفى في فضله أن السيِّد الرضيرحمه‌الله انتخب شعره وسماه (الحَسَنُ من شِعْرِ الحُسَين) ، ويظهر من شعره أنه من أولاد الحجَّاج بن يوسف الثقفي.

قال ابن شبانة : (وهو مناف كونه من بلاد العجم إلّا أن يكون ولد فيها ، انتهى (١) )(٢) .

__________________

(١) البداية والنهاية ١٢ : ٥۹ ، وينظر عن زيارته : اليتيمة الغروية : ٥٤٤ ، وورد في الأصل تاریخ وفاته خطأ وما أثبتناه من النجوم الزاهرة.

(٢) سورة الكهف : من آية ١۸.

٥٣٦

وكيف كان ، فلم تزل عمارة عضد الدولة باقية إلى سنة ٧ ٥ ٣ فاحترق الحرم ، واحترق فيما احترق مصحف في ثلاثة مجلَّدات يقال إنّه كان بخط صاحب المرقدعليه‌السلام وإنه كان في آخره : وكتب علي ابن أبي طالب.

ويقال : إنَّ الَّذي كان في آخر ذلك المصحف : علي ابن أبي طالب ، ولكن الياء تشتبه بالواو في الخط الكوفي(٣) .

قال في (عمدة الطالب) : (وقد رأيت مصحفاً بالمذار في مشهد عبيد الله بن علي بخطّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلَّد واحد في آخره بعد تمام كتابة القرآن المجيد : بسم الله الرحمن الرحيم كتبه عليُّ بن أبي طالب. ولكنَّ الواو تشتبه بالياء في ذلك الخط )(٤) .

وسيأتي في المقام السابع زيادة لهذا المطلب ، فراجع حيث هناك(٥) .

السادس : البناء المتجدِّد بعد ما وقع من الحرق.

قال في (العمدة) : (وجُدِّدت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ، وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل ، وقبور آل بویه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق )(٦) .

__________________

(١) تتمة أمل الآمل (مخطوط) : ترجمة رقم ٢٧.

(٢) ينظر ترجمته في : الغدير ٤ : ۹۰ ـ ١۰١ ، الأعلام ٢ : ٢٣١ ، أعيان الشيعة ٥ : ٤٢٧ رقم ٩٦٥ ، الكنى والألقاب ١ : ٢٥٦.

(٣) عمدة الطالب : ٢۰ ، وفيه تاریخ احتراق الحرم الشريف سنة ٧٥٥ هـ.

(٤) عمدة الطالب : ٢١.

(٥) ينظر عن هذه العمارة : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٤٣ ـ ٧٤ ، أعيان الشيعة ١ : ٥٣٧.

(٦) عمدة الطالب : ٦٢.

٥٣٧

المستنصر العبَّاسي وما يتعلق بداخل الروضة المقدَّسة

وصاحب (العمدة) توفّي سنة ۸٢۸ وظنّي أنَّ مقصوده من هذا البناء ، الضريح الَّذي عمله الخليفة المستنصر العبَّاسي ، على ما ذكره صاحب (الفرحة) ، قال : (والخليفة المستنصر عمل الضريح الشريف ، وبالغ فيه )(١) .

وأقدم تاریخ یوجد الآن في داخل الحرم الشريف هي الكتيبة التحتانية المتَّصلة بالهزارة فإنَّ تاریخ کتابتها سنة ١١٣١(٢) ، وظنّي أنّ الكتابة الفوقانية التي هي باللّاجورد الأبيض الواقعة في منطقة القُبَّة المنوَّرة من داخل الحرم مع التزيينات الواقعة حول الكتيبة فما فوق ، كلُّها من آثار السلطان نادر شاه ؛ لأنَّ الكتيبة المزبورة قَدْ ختمت باسم کاتبها (مهر علي) في سنة ١١٥٦(٣) .

وهذا التأريخ موافق لتاريخ تذهیب القُبَّة الَّذي هو من آثار نادر ؛ إذ قَدْ كتب بالحروف الذهبية المارقة على جبهة الإيوان الشرقي المتَّصل بالرواق الشرقي ما نصُّه :

(الحمد لله تعالى قَدْ تشرف بتذهیب هذه القُبَّة المنوَّرة والروضة المطهَّرة : الخاقان الأعظم ، وسلطان السلاطين الأفخم ، أبو المظفَّر المؤيَّد بتأييد الملك القاهر ، السلطان : نادر أدام الله ملکه ، وأفاض على العالمين سلطته وبرَّه ، وعدله وإحسانه.

__________________

(١) فرحة الغري : ١٤٤.

(٢) هذا التاريخ الَّذي ذكره المؤلفرحمه‌الله هو داخل الحرم ، وإلا ففي الصحن الشريف من جهة باب الطوسي توجد لوحة قبر لامرأة موجودة فوق باب رواق عمران بن شاهين كتب فيها اسمها وتاریخ وفاتها في سنة (٧٧٦ هـ) ، فلاحظ.

(٣) ينظر : معارف الرجال ٣ : ٢٥۰ ، تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٣٣.

٥٣٨

وقيل في تاريخه : خلَّده الله ودولته سنة ستٍّ وخمسين ومائة وألف) انتهى(١) .

ولقد أجاد من أرَّخ ذلك بقوله : (آنست من جانب الطور ناراً) سنة ١١ ٥٦(٢) .

ولا أدري أن التزيينات الزجاجية ، والترصيعات المراتبة التي هي داخل الحرم الشريف في أيِّ تاريخ حدثت؟ ومَنْ الباذل لنفقتها؟ غير أنه يوجد من جهة الرأس الشريف من طرف القبلة وعكسها مرآتان كبيرتان مكتوب على كلّ منهما هذا البيت :

قُلْ لِمَنْ يسألُ عَنْ تاريخِها

هو صَرْحٌ من قواريرَ مُمَرَّدُ

أعني : (سنة ١٣۰١).

مشير السلطنة الشيرازي

وأمّا الضريح الفضّي الموضوع فعلاً على المرقد الشريف ، فهو من آثار مشير السلطنة الشيرازي ـ من رجال السلطان ناصر الدین شاه القاجاري ـ وتاریخ الفراغ منه : (تمّ ضريح الأمير) سنة ١٢٩٨(٣) .

العاضد الخليفة الفاطمي

وحكى ابن النَّجار في تاريخ المدينة : (أن العاضد آخر خلفاء الفاطميين عمل للحُجرة النبوية ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطُّرُز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر ، مكتوب عليها سورة (يس) بأسرها ، والخليفة العبَّاسي يومئذ

__________________

(١) ذکر محمّد على التميمي في كتابه مدينة النجف : ٢٣۰ أن هذه الكتابة موجودة على جهة الإيوان [الشرقي] الذهبي كتبت بالحروف الذهبية.

(٢) القائل هو السيِّد نصر الله الحائري ضمن قصيدة طويلة وردت في أعيان الشيعة ١۰ : ٢١٥.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٤٧.

٥٣٩

المستضيء بأمر الله. ولمَّا جهّزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا ـ أمير المدينة يومئذ ـ من تعليقها حَتَّى يأذن فيه المستضيء ، فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصداً إلى بغداد في استئذانه في ذلك ، فأذن فيه ، فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين ، ثُمَّ بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطراز والجامات البيض المرقومة ، وعلى دور خاماتها مرقوم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله. فقلعت الأُولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه بالكوفة ، وعُلّقت ستارة المستضيء مكانها)(١) .

وهذا ما يتعلَّق بداخل الروضة المقدِّسة.

[أروقة الحرم المقدَّس]

وأمَّا الرواق الشرقي الَّذي منه باب الحرم الشريف ، فقد زُيَّن بالترصیعات الزجاجية على ما هي الآن على نفقة الحاج حمزة التبريزي ، كان ساكناً في النَّجف ، وكان من التجَّار المعروفين بالتديُّن ، وكان يحب الخير ، وتوفي في النَّجف ودفن. وعلى ما بلغني : أنه أنفق على ذلك ثلاثة آلاف توماناً ، وفرغ من تعمیره سنة ١٢۸ ٤(٢) .

وفي سنة ١٣۰٧ شرعوا في تزيين الأروقة القبلية ، والشمالية ، والغربية ، على ما هي الآن على نفقة الحاجي أبو القاسم ، والحاجي على أكبر البو شهري ، وفرع منه سنة ١٣۰۹ (٣).

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٤٤ ، عن صبح الأعشى ٤ : ٣۰٦.

(٢) ينظر : اليتيمة الغروية : ٤٦٢ ، تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٢٣ ، وفيه أنه كان ذلك سنة ١٢۸٥ هـ.

(٣) ينظر : اليتيمة الغروية : ٤٦٣ ، تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤٢٣.

٥٤٠

وفي سنة ١٢۰ ٦ جُدِّد فرش الصحن على نفقة رجل من أهالي إيران يقال له (مير خير الله) ، كما هو المستفاد من مادة تاريخه الفارسي :

(بنای مهر خير الله بجا بود)(١) .

طلائع بن رُزّيك

وممَّن تشرَّف بتقبيل القبلة : الملك الصالح ، فارس المسلمين ، أبو الغارات ، نصیر الدین طلائع بن رزيك ، وكان شجاعاً ، كريماً جواداً فاضلاً ، محبّاً لأهل الأدب ، جيد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مُهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، محافظاً على الصلوات فرائضها ونوافلها ، شدید المغالاة في التشيّع.

وقد توجَّه في بدء أمره مع جماعة من مساكين الشيعة إلى زيارة النَّجف. وكان متولّي المشهد الشريف يومئذ رجلاً اسمه السيِّد معصوم ، فرأى في المنام : أنّ أمير المؤمنين يأمره أن يصل إلى أربعين شخصاً من فقراء الشيعة جاؤوا للزيارة ، وفيهم رجل يقال له : طلائع بن رزيك وهو من أكبر الشيعة والمحبين لنا ، وقل له : إنا أعطيناك إيالة مصر فتوجَّه إليه سريعاً ، فلمَّا أصبح السيِّد جاء إليهم ، وأخبر رزيك بمقالة أمير المؤمنینعليه‌السلام ، فتوجَّه من وقته إلى مصر ، فكان من أمره ما شحن به التأريخ ، وكانت وفاته في رمضان سنة ٥٥٦. ورزيك بضم الراء ، وتشديد الزاء المكسورة ، وسكون الياء المثناة(٢) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣٦۹ وفيه ذكر عدة تواريخ منظومة لهذا الفرش ، فلتراجع.

(٢) الخطط المقريزية ٤ : ٧٣ ـ ۸١ ، عنه تاريخ النجف الأشرف ٢ : ١٤٥ ، وفيها أن السيِّد هو ابن معصوم.

٥٤١

وممَّا قاله في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ولايتي لأميرِ المؤمنينَ علي

بهِ بَلَغتُ الَّذي أرجوهُ من أملِ

إن كان قَدْ أنكَرَ الحُسَّادُ رُتْبَتَهُ

في جُودِهِ فتمسَّك يا أخي بِهَلِ(١)

الشاه إسماعيل الصفوي

وفي سنة ٩١٤ توجَّه السلطان الشاه إسماعيل الصفوي نحو العراق. ولمّا وصل خبره إلى بغداد ـ وواليها يومئذ باريك بيك ـ غادرها وفرّ إلى الشام فدخل السلطان الشاه إسماعيل المزبور بغداد ، وملك العراق ـ أعني : بغداد وما والاها ـ بلا قتال ، ولا جدال ، فتوجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف وسائر الروضات المقدَّسة مع الإكرام والإنعام الملوكي على المعتكفين بتلك الأعتاب. وعيَّن الحفاظ ، والمؤذّنين ، والخَدَمة ، والقناديل من الذهب ، والفضة ، والأفرشة اللائقة ، والصناديق العالية ، وتنسيق بعض محال العراق على الإستانة المقدَّسة ، وبذل النقود على كثير من طبقات المجاورین ، وحفر نهراً من الفرات لسقي النَّجف ، وتوجَّه نحو بلاد خوزستان(٢) .

وفي (زبدة التواريخ) : (أنَّ السلطان الشاه عبَّاس الصفوي الكبير ، زار النَّجف الأشرف في سنة ١۰٣٢ ، ومكث فيه أسبوعين ، وكان يتولَّى كنس المشهد الشريف

__________________

(١) مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ١٤۹ ، و (بهل) إشارة إلى سورة (هل أتی) التي نزلت في حقهمعليهم‌السلام .

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٦۰.

٥٤٢

بيده في كلّ يوم ، وبذل الأموال الكثيرة على إصلاح النَّجف ، فأجرى الماء في آباره وصحنه)(١) .

الشاه صفي الصفوي

وفي سنة ١۰ ٤ ١ توجَّه الشاه صفي بن صفي ميرزا ابن السلطان الشاه عبَّاس الماضي لزيارة العتبات ، فأدَّى ما عليه من النذور ، والإكرام ، والإنعام ، وإطعام أرباب الحاجات ، ورجع إلى بغداد(٢) .

وفي سنة ١۰ ٤ ٢ أمر بتجديد القُبَّة المرتضوية ، وفسحة الحرم ووسعته. فاجتمع المعمارون في النَّجف ، واشتغلوا في تلك المصلحة الشريفة مدَّة ثلاث سنين ، ووجدوا في حوالي النَّجف معدن الصخر في غاية الجودة فعملوا منه ما يحتاج إليه. وأمر بشقِّ نهر عميق عريض من حوالي الحلَّة إلى مسجد الكوفة ، ومنه إلى الخورنق وأنزله إلى بحر النَّجف ، وأحدث هناك بحيرة يجتمع فيها الماء ، ثُمَّ بوسيلة القناة أوصل الماء داخل السور ، ثُمَّ باستعانة الدولاب أجرى الماء على وجه الأرض في الأزقّة والصحن المرتضوي.

وقال في ذلك شعراء العصر :

شاه إقبال فرين خسرو دين شاه صفي

انکه خال قَدْ مش زبور افسر آمد

يا فت توفيق که آرد بنجف آب فرات

وان بشارة بشه از حيدر صفدر آمد

ساکنان نجف از تشنگي آزاد شدند

رحمة حق همه را شامل وياور آمد

سال تاريخجه برسيدم از ايشان گفتند

آب ما از مدد ساقي کوثر آمد(١)

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢۸٧.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٩٥ ، وفيه أن زيارته كانت سنة ١۰٤٢ هـ.

٥٤٣

(سنة ١٠٤٢).

وفي سنة ١٣١٧ فتحوا باباً لسور النَّجف قرب باب القديم إلى جهة وادي السلام(٢) .

الأمير طاشتكين

وفي سنة ٦ ۰٢ توفّي الأمير مجد الدين طاشتكين المستنجدي أمير الحاج ، وحاكم خوزستان ، وكان حسن السيرة ، كثير العبادة ، جواداً ، وشجاعاً ، غالياً في التشيُّع ، ونقل تابوته إلى الكوفة ودفن في النَّجف بوصية منه ، ذكره صاحب (فوات الوفيات)(٣) .

الوزير المغربي

وفي تاريخ بن خلکان : (أنَّ أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن محمّد بن يوسف ، الوزير المغربي ، توفّي في منتصف شهر رمضان سنة ٤١٨ في الموصل ، ونقل إلى مشهد النَّجف بوصية منه ، وكان فاضلاً ، عاقلاً شاعراً ، شجاعاً حسن الخط جدّاً ، وكان ماهراً في فنِّ الوزارة لم يُرَ مثله )(٤) .

وذكر النجاشي له تصانيفَ ، وقال : (إنه من ذرِّية بهرام جور)(٥) .

الشيخ حسن نويان

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٩٥ ، عن تاریخ عالم آرا ١ : ٢٣٥ ، المنتظم الناصري ٢ : ١۸٢.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٤٤ مع تواريخها المنظومة.

(٣) فوات الوفيات ١ : ٤۹۹ رقم ٢۰۰.

(٤) وفيات الأعيان ٢ : ١٧٦.

(٥) رجال النجاشي : ٦۹ رقم ١٦٧.

٥٤٤

وممَّن فاز بحسن الجوار : الأمير الشيخ حسن نويان ، المعروف بالشيخ : حسن بزرك الإيلخاني الَّذي استقل بحكومة العراق مدّة ١٧ سنة ، ثُمَّ توفّي في بغداد حيث عاصمته ، ونقل إلى النَّجف ، ودفن بجوار الأميرعليه‌السلام وكانت وفاته سنة ٧ ٥ ٧ ، وقد شيَّد مباني فخمة في النَّجف ، وقد أنشأ دولته في بغداد سنة ٧٣٦(١) .

الشريف أحمد بن رميثة

وممَّن فاز بحسن الجوار مَيِّتاً : الشريف شهاب الدين أبو سليمان أحمد بن رميثة ، بعد أن قُتِلَ بالحلَّة بأمر السلطان الشيخ حسن الإيلكاني المذكور ، فصلَّی عليه ودفنه في داره ، ثُمَّ نقل إلى المشهد الغروي. والتفصيل في (عمدة الطالب)(٢) .

ملك أرا القاجاري

وفي سنة ١٢۸۸ في العاشر من ربيع الأول توفّي أبو الملوك كيومرث میرزا ، الملقَّب بملك أرا ابن السلطان فتحعلی شاه القاجاري ، وحمل تابوته إلى وادي السلام(٣) .

السلطان نادر شاه

وفي سنة ١١ ٥٦ توجَّه نادر شاه إلى زيارة العتبات المقدّسة ، وذلك بعد إبرام امر الصلح بينه وبين السلطان العثماني محمود خان الأوّل ، ولمَّا وصل شهربان واقفه سليمان بيك مختار بغداد ، ومحمّد أغا ، وجملة من الأشراف من أهالي

__________________

(١) ينظر : أعيان الشيعة ٥ : ٤٨ رقم ١٢٦.

(٢) عمدة الطالب : ١٤٦.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٢٧.

٥٤٥

بغداد ، ومعهم الهدايا ، والتحف اللائقة ، فأکرم ملتقاهم ، ورجعوا وهم رهين إحسانه ، مطوِّقین بطوق فضله وامتنانه ، فزار الإمامين الكاظمينعليهما‌السلام ، ثُمَّ عبر إلى قبر أبي حنيفة ، ورجع عصراً إلى الكاظمينعليهما‌السلام وفي اليوم الثاني توجَّه من طريق الحلَّة عازماً إلى النَّجف ، وكان في موكبه طبقات علماء إيران ، وأفغان ، وبخاری ، وسائر توران.

وكان جلّ غرضه من ذلك توحید مذهب الإسلام ، ورفع النزاع ما بين اُمَّة خير الأنام ، فلا جرم أن حضر جملة من علماء المشهدين الشريفين ، والحلَّة وتوابع بغداد ، وعقد لهم مجلس المذاكرة في الإستانة المقدّسة ، فجرت المفاوضات ، ورفعوا المواد المنافرة ، وما يوجب المغايرة ، وكتبوا بذلك وثيقة حاكية عن حقيقة الحال ، مختومة بخواتیم من حضرات الأعلام ، وجعلوا أصل الوثيقة في الخزانة المقدّسة الغروية ، وأرسلوا سوادها إلى الممالك المحروسة الإيرانية ، ودونك ترجمتها الحرفية بالعبارة العربية :

(الغرض من تحرير هذه النميقة هو أنه : لمّا كان بعد رحلة خاتم النبيين لكل واحد من الصحابة الراشدين مساعٍ مشكورة ، ومجاهدات مبرورة ، من حيث ترويجهم للدين المبين ، وبذلهم النفوس والأموال ، صار كل واحد منهم بذلك مشمولاً لقول الله تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ(١) ، وبعد رحلة سيِّد الأبرار بإجماع الصحابة الكبار تقررت الخلافة إلى الخليفة الأول ، ومن بعده بنص الأول إلى الثاني ، وبعده بحكم مجلس الشورى والاتفاق إلى ذي النورين ، وبعده إلى أسد الله الغالب ، ومظهر الغرائب ، والهزبر السالب علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

__________________

(١) سورة التوبة : من آية ١۰۰.

٥٤٦

وكل واحد من هؤلاء الخلفاء الأربعة في مدَّة خلافته قَدْ نهج منهج الالتئام والائتلاف ، وتخلّى عن شوائب الاختلاف ، ملاحظاً لرسم المصادقة ، محافظاً على حوزة الملَّة المحمّدية من تطرق الشرك والبغض ، وبعد انقضاء هذه المدَّة لمَّا انتقلت الخلافة إلى بني اُميَّة ، ومن بعدهم إلى بني العبَّاس أيضاً ؛ التزموا هذه الملَّة ، وثبتوا على هذه العقيدة إلى سنة ٩٠٦ ، الَّذي خرج فيها السلطان فاتح البلاد الشاه إسماعيل الصفوي ، وعرج معارج السلطنة ، عدل عن هذا النهج القويم وأخذ في تنقيص حقِّ الخلفاء ، وإمالة قلوب العوام بتعليم من علماء آذربایجان وکيلان ، وبالغ في ذلك حَتَّى أشاع الرفض والسبِّ ، وأعلن على المنابر أنواع الفظائع والفضائح ، وبذلك أعلنت أهل السنة والجماعة المعاداة فأوجب ذلك القتل ، وشن الغارات من الطرفين بين المسلمين.

وكانت هذه الأحوال جارية إلى دور الخاقان المغفور الشاه : سلطان حسین فانتهى الأمر في دوره : أنَّ تركمان الدشت ، وأفاغنة قندهار ، والروم ، والروسية وسائر الأطراف ، أخلُّوا ببناء ممالك إيران وأساس السلطنة ، وأوجبوا على أنفسهم تدمير تلك الممالك ، واستيصال الأمَّة الإيرانية.

ولكن إذا تعلَّقت مشية مالك الملك ، الَّذي لم يزل على أمر لابدّ له من البروز من ستر الحجاب إلى ساحة الشهود ، فنبغ كوكب الذات النيِّرة الوجود ، المشتملة على أنواع السعادات ، الحضرة الأعلى ، الخاقان ، القهرمان من نسل تركمان الرفيع الشأن ، البرق المحرق الذخائر العصاة من أبناء الزَّمان بالتأييد السبحاني ، واهب تيجان الملوك ، وممالك توران ، ظل حضرة السبحان نادر الدوران ، خلَّد الله ملكه من مطلعهِ ، فرفع بوجوده ظلمة ساحتها ، واسترجع تلك الممالك ـ التي بمقتضى الانقلابات الوقتية وقعت بيد الأجانب ـ بقوّة كفّه الكافية ، وكسر شوكة أرباب الفساد والنزاع ،

٥٤٧

إلى سنة ١١٤٨ التي عقد فيها مجلساً كبيراً شوروياً ، حاوياً لكل شریف ووضيع في بادية مغان ؛ لأجل اختيارهم من يريدون للقيام بأمر السلطنة ، فتمسَّكوا بذيل الإلحاح والإبرام.

وقالوا : إنَّ الله تعالى أكرمك بالسلطنة ، وأكرم السلطنة بك. ولا اختيار لأحد في تغيير أمر الله. إن هذه السلطنة حقٌّ من حقوقك ، فكما أنك في أول الحال صنت أعراضنا ونفوس سائر المسلمين ، وأنقذتنا من مخالب الأعداء فلتكن بعد في مقام المحافظة علينا ، لا نرضى أن تجعلنا في عهدة غيرك.

فأجابهم حضرة السلطان ، بأنّه : إن كنتم راغبين في سلطنتي ، وصيانة نفوسكم ، فلا أجيب مسؤولكم إلا بترك السبِّ والرفض ، اللَّتينِ هما روية مخالفة لروية أسلافي الكرام ، وآبائي العظام. وأن تنهجوا منهاج الإمام الناطق بالحق جعفر الصادقعليه‌السلام . فبادروا ذلك منه بالقبول من طريق الحق بلا شائبة وريب ، متَّفقين في هذا الحكم المقدَّس ، مصغین له بسمع الإذعان.

وكتبوا بذلك وثيقة لأجل مزيد التأكيد ، جعلوها في الخزانة العامرة ، ولما تم الأمر على ما هنالك أرسل حضرة الأعلى الشاهانية وزيراً إلى الدولة العليَّة العثمانية يطلب من أعلى حضرته ، الباسط لباسط الأمن والأمان ، والناشر لرايات : ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ(١) . سلطان البرَّين ، وخاقان البحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، ثاني إسكندر ذي القرنين : بادشاه إسلام بناه الروم أيَّد الله بقاه ؛ المطالب الخمسة الآتية بیانها :

__________________

(١) سورة النحل : من آية ٩٠.

٥٤٨

الأول : بما أنَّ أهل إيران عدلوا عن العقائد السابقة ، ونكلوا الرفض ، والسبَّ ، وقبلوا الجعفري الَّذي هو من المذاهب الحقَّة ؛ المأمول من القضاة ، والعلماء ، والأفندية الكرام : الإذعان بذلك ، وجعله خامس المذاهب.

الثاني : إنَّ الأركان الأربعة من الكعبة المعظمة في المسجد الحرام تتعلَّق بأئمة المذاهب الأربعة ؛ فالمذهب الجعفري يشاركهم في الركن الشامي ، وبعد فراغ الإمام الراتب فيه من الصلاة يصلّون بإمامهم على الطريقة الجعفرية.

الثالث : في كلّ سنة يعيَّنُ من حكومة إيران أمير للحجاج الإيرانيين ، كأمير مصر والشام في كمال العزة والاحترام ، يوصل الحاج الإيرانيين إلى كعبة المقصود ، ويكون في الدولة العليَّة العثمانية أعلى شأناً من الأمير المصري ، والشامي.

الرابع : فَكُّ الأسراء من الجانبين ، ومنع وقوع البيع عليهم.

الخامس : تعيين وکيلين من الدولتين في مقر السلطتين لأجل القيام بمصالح

المملکتین.

وبهذه الوسيلة ترتفع الاختلافات الصورية ، والمعنوية ما بين اُمَّة سيد الثقلين ، وبعد ذلك ، بمقتضى قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(١) ، تجري مراسم الأخوة والألفة بين الأُمَّة الإيرانية والعنصر الرومي.

ولمّا بلغ المنشور إلى اُمناء الدولة العثمانية قبلوا من ذلك مادة تعيين أمير الحاج ، ومادة إطلاق الأُسراء ومادة تعيين الوكيلين ، وحقّية المذهب الجعفري من دون جعله مذهباً خامساً رسمياً.

وطال البحث والكلام ما بين رجال الدولة في هذا الشأن ، وكان الأمل إنجاح والمهمة في بعض أيام ، ولكن استطالة مدة المذاكرة ثمان سنين ، ولمّا تتمّ.

__________________

(١) سورة الحجرات : من آية ١۰.

٥٤٩

وفي هذه السنة الموافقة سنة ١١ ٥٦ هجرية ؛ عزم السلطان على الدخول في حدود الروم لخلو أرضها عن الهواء النفساني ، فيجدِّد فتح باب المذاكرة إطفاء لثائرة الفساد ، ودفعاً للنزاع ما بين أهل الإسلام. فلا جرم أن أحضر جملة من الأُمَّة الإيرانية في موكبه المنصور الهمايوني ومن أهل بلخ ، وبخاری ، وشيوخ الإسلام ، والقضاة الكرام ، والعلماء الأعلام ؛ برسم الضيافة ، وتوجَّه بهم نحو العراق لأجل إنجاز المطالب المعهودة ، مع مقدمة مقام السلطنة المروية.

ولمَّا فاز بالتشرُّف بتقبيل تراب الروضة العلوية جلب جماعة من علماء النَّجف الأشرف ، وكربلاء ، والحلة ، وتوابع بغداد إلى حوزة المذاكرة ، وجدد الأمر الهمایوني بما صريحه : أنه حيث لا يوجد فتور ولا قصور في مذهب الإسلام إلّا شيوع السبِّ والرفض من بدوِّ الدولة الصفوية في هذه الأُمَّة ؛ فالواجب على العلماء الكرام الَّذين هم دعائم دين الإسلام أن يحتفلوا بمجلس للمحاورة ، والمذاكرة في هذه المهمة ، حَتَّى يصفو منهل عذب الملَّة النبوية الَّذي اُشيب من ازدحام اختلاف الاُمم عليه بالشكوك والشبهات ، ويطفئوا نائرة الفساد بزلال الماء الحق ، فاجتمعوا على النهج المقرر في المرقد الشريف ، بحضور أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشرعوا في المفاوضات وإظهار العقائد.

وقد حررت الواقعة طبقاً لما وقعت في المشهد الشريف ، بشهادة صاحب المرقدعليه‌السلام ، وهي :

نحنُ الداعين للدولة القاهرة النادرية علماء ممالك إيران عقيدتنا الإسلامية : أنه بعد رحلة سيد المرسلين تقررت الخلافة بإجماع الأُمَّة للخليفة الأول ، وبعده بنصّ الأوّل ، والاتفاق للثاني ، وبعده بالشورى والاتفاق لذي النورين ، وبعده لأسد الله الغالب ، ومطلوب كل طالب ، علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وبمضمون الآية الواقية

٥٥٠

بالهداية : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي‌الله‌عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ(١) .

وبفحوى الآية الشريفة : ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ(٢) .

والحديث الشريف : «أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتدیتم اهتديتم »(٣) ؛ الخلفاء الأربعة على الحق ، وكانت المواصلة والمرابطة بينهم مرعية : فقد سألوا علياًعليه‌السلام من بعد وفاة الخليفة الأول والثاني عن حالهما ، فقالعليه‌السلام : «هما إمامان قاسطان ، عادلان ، كانا على الحقّ »(٤) .

وكان يقول الخليفة الأوّل في حقِّ عليعليه‌السلام : (لست بخيركم وعليٌّ فيكم)(٥) .

والخليفة الثاني كان يكرر هذا الكلام في حقِّ عليعليه‌السلام : (لولا علي لهلك عمر)(٦) ، ونظائر ذلك ـ ممَّا يدل على رضاء كلّ منهم من صاحبه ـ کثیر.

وفي سنة ٩٠٦ خرج الشاه إسماعيل الصفوي ، وأشاع الرفض ، والسبِّ للخلفاء الثلاثة ؛ وهو السبب في ظهور الفساد ، ونهب أموال العباد ، وأورث البغض ، والمعاداة فيما بين المسلمين. ومقتضى قوله تعالى : ﴿قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ(٧) .

__________________

(١) سورة التوبة : من آية ١۰۰.

(٢) سورة الفتح : من آية ١۸.

(٣) ينظر : تفسير الثعلبي ٣ : ٣٣٤ ، تفسير النسفي ٢ : ٢٦٨.

(٤) ينظر : الصراط المستقیم ٣ : ٧٣ مع تأويل الحديث فيه ، وفيه أن المسئول هو الإمام الصادقعليه‌السلام ، فليراجع.

(٥) ينظر : الصراط المستقیم ٢ : ٢۹٤.

(٦) ينظر : الصراط المستقيم ٣ : ١٥ ، وينظر مصادر هذا الحديث في كتاب الغدير ٦ : ۸١ ـ ١١۰.

(٧) سورة آل عمران : من آية ٢٦.

٥٥١

انَّ الشاهنشاه ملجأ العالم ، مزيِّن تخت السلطنة ، وكما حرر أعلاه استكشف الحال من الداعين في المجلس الكبير الشوروي المعقد في بادية مغان ، ونحن أيضاً أبدينا عقائدنا الإسلامية في هذا الشأن ، وحالاً نحن المسؤولين في الروضة المقدّسة العلوية تظهر عقائدنا الإسلامية على النهج المسطور ، ونتبرّأ من الرفض.

وطبقاً لما وافق عليه العلماء الأجلّاء : شيخ الإسلام ، وسائر الأفندية العظام من ارباب الدولة العملية العثمانية ، من تصديق حقيّة المذهب الجعفري ، فنحن على هذه العقيدة راسخون ، وما تحرر ذلك إلا لمحض الخلود ، وتصميم القلب ، خالياً من شوائب البطش والقلب ، ومتى ما ظهر منا خلاف تلك العقيدة فنحن خارجون من ربقة الدين ، مستحقون لغضب الله تعالى ، وسخط سلطان الزَّمان.

عقيدة الداعين لدوام الدولتين العليَّتين علماء النَّجف وکربلاء ، والحلَّة ، وتوابع بغداد أن الإمام جعفراًعليه‌السلام من ذرِّية الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممدوح سائر الأُمم ، ومقبول عند أئمة الملل ، ومسلم.

وحسب ما قرره علماء بلاد إيران ، وحرَّروه ، تحقق أيضاً لدى الداعين : أن العقائد الإسلامية الإيرانية صحيحة ، وأن الفرقة المزبورة قائلون بحقّية الخلفاء الكرام ، وهم من أهل الإسلام ، وأُمَّة سيد الأنام ، ومن أظهر العداوة منهم فهو عار عن كسوة الدين ، والله ورسوله وأكابر الدين بريئون منه ، وفي دار الدنيا محاكمته مع سلطان العصر ، وفي العشبي مع جبار شديد البطش والقهر.

عقيدة أقلّ دعاة علماء قُبَّة الإسلام : بُخاری وبلخ : أنَّ العقائد الصحيحة الإسلامية للأمة الإيرانية على نحو ما ذكره العلماء أعلاه ، وأن هذه الفرقة داخلة في أهل الإسلام ، ومن أُمَّة سيد الأنام ، وكل من أظهر العداوة مع هذه الجماعة خارج عن الدين ، ومحروم من شفاعة خاتم النبيين ، وفي دار الدنيا هو مسؤول سلطان الآفاق ، وفي العقبى لسلطان السلاطين على الإطلاق ، والاختلاف لأهل هذه العقيدة في بعض

٥٥٢

الفروعات مع الأئمة الأربعة غير مناف ، ولا مغاير للإسلام ، وأصحابها من أهل الإسلام ، ويحرم على الفريقين المسلمين من اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخوين في الدين ، قتلُ كلّ واحدٍ منهما الآخرَ ، ونهبَهُ ، وأسرَهُ).

هذه تمام ترجمة صورة المعاهدة.

ثم أمر ببذل خمسين ألف تومان لتذهيب القُبَّة المنوَّرة ، وأحال حساب ذلك على صاحب المرقدعليه‌السلام ، وأيضاً : مائة ألف روبية إيرانية ؛ لترميث الكاشي الجدران الصحن المقدَّس ، من زوجته كوهر شاه بیکم ، وعشرين ألف تومان من السيدة رضية سلطان بیکم : بنت الشاه سلطان حسين الصفوي ؛ لأجل عمارة المسجد الواقع خلف الظهر.

وبعد قضاء وطره من الزيارة في مدة خمسة أيَّام ألوى عنان الانصراف من العراق ، وسار من طريق المسيَّب إلى بغداد ، أنعم علی خدام الأماكن الثلاثة للأئمة الأربعةعليهم‌السلام وأبي حنيفة بصفة النذر(١) .

ناصر الدين شاه القاجاري

وفي سنة ١٢۸٧ تشرف السلطان ناصر الدين الشاه القاجاري إلى زيارة النَّجف الأشرف ، وباقي العتبات المقدسة ، وأنعم على كافة طبقات المجاورین الإنعامات الملوكية ، خصوصاً طبقات العلماء الأعلام(٢) .

__________________

(١) ينظر : أعيان الشيعة ٨ : ١٧١ ـ ١٧٥ ضمن ترجمة الشيخ علي أكبر الملا باشي فإنهرحمه‌الله ذكرها بطولها عن رسالة الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية لعبد الله السويدي البغدادي ، تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٣٠ ـ ٣٣٣ باختصار ، وفي مكتبتي کتاب اسمه (مؤتمر النجف) فيه سرد الحادثة والمعاهدة بالتفصيل.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥١۹.

٥٥٣

وممَّن خص بمزيد الإكرام منه تعظيماً لأمره ، واعتناء بشأنه ، هو جدي العلّامة السيِّد علي صاحب البرهان القاطع ، فأعطاه ألف أشرفي ذهب ، وأتحفه بحُقة مرصَّعة بالمجوهرات ، وأرسل له بعد عودته إلى طهران عصا وعبا.

قال السيِّد صالح القزويني :

أيدري علي ناصر الدينِ لِمْ لهُ

عصاً وعباً للهِ أُهدي تَقرُّبا

رأی يَدَهُ البيضا فأهدى لَهُ العصا

ومُذْ كانَ مِن أهلِ العَبا أرسَلَ العَبا

فكلٌّ لَعمري ناصرُ الدين منهُما

ففي علمهِ هذا وذلِكَ بالظُّبا(١)

أحمد شاه القاجاري

وفي سنة ١٣٣۸ تشرّف السلطان أحمد شاه القاجاري بزيارة النَّجف ، ودخل البلدة الشريفة أول يوم من شهر رمضان ، وكان حاكم النَّجف يومئذ إنكليزياً ، وبقى ليلة واحدة ، وأنعم على العلماء ، وخدمة الروضة : اثني عشر ألف تومان(٢) .

[قصة الأسد الذي لاذ بالحرم المطهر]

وفي بعض السنين المتأخّرة ؛ جاء أسد من البادية ودخل النَّجف من الباب الَّذي ينتهي بسالكه إلى المرقد الشريف ، والناس تحاشياً منه تنکسر دونه ، وتفجّ له الطريق وكان يوم وروده عيد النوروز ، والبلدة مملوءة بالزوار ، ولما وصل الأسد إلى باب الصحن الشریف سدّوا عليه الباب فتمرَّغ بالعتبة المقدسة ،

__________________

(١) الرحيق المختوم فيما قيل في آل بحر العلوم (مخطوط).

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٢۸٤.

٥٥٤

ومسمس(١) بشيء كأنه يخاطب أسد الله الغالب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثُمَّ رجع من حيث أتی.

عبد الباقي العمري

وسمعت هذه القصّة ممن كان حاضراً في ذلك اليوم في الصحن الشريف ، ثُمَّ رأيت في ديوان أديب العراق على الإطلاق عبد الباقي العمري ، الفاروقي ، المتوفی سنة ١٢٧۸ ما لفظه : أنّه لمّا شاع ، وذاع ، وملأ الأسماع ورود الأسد الوارد الباب المشهد المقدَّس ، ومقعد الصدق الأنفس ، فقوبل من سكنة النَّجف الأشرف بالعكس والطرد. فقال معاتباً لهم بألطف عتاب على منعهم إياه عن التمرُّغ بتراب أعتاب ذلك الغالب المنيع الجناب ، الفسيح الرحاب ، الرفيع القباب :

عجبتُ لسكانِ الغريّ وخوفِهم

من الأسدِ الضاريَ إذ جاء مُقبِلا

ليلثمَ أعتاباً تَحُطّ ببابِها

ملائكةٌ السبعِ السماواتِ أرحُلا

وفي سوحِها كَم قَدْ أناخَتْ تواضُعَاً

قَسَاوِرَةُ الغابِ الربوبي كَلْكَلا

وهم في حِمىً فيه الوجودُ قَدْ احتمی

ومغناه كم أغني عديماً ومُرمِلا

وقد أغلقوا باب المدينة دونَهُ

وذلِكَ بابٌ ما رأيناهُ مُقفَلا

فمرَّغ خَدَّاً في ثرى بابِ حطَّةٍ

وردَّ وقد أخفى الزئيرَ مُهَرْوِلا

فلو عرفوا حقَّ الولاء لحيدرٍ

لما منعوا عنه مواليه لا ولا(٢)

__________________

(١) كذا ، والظاهر : (وهمس).

(٢) دیوان عبد الباقي العمري : ١٢٧ ، وقال الشيخ جعفر النقديرحمه‌الله في كتابه الأنوار العلوية : ٤١٥ ، ما نصّه : قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه : حدّثني جماعة من مشايخ النجف الأشرف على مشرفه الصلاة والسلام أن في سنة المائتين وخمس وخمسين بعد الألف من الهجرة ، جاء أسد وأراد الدخول إلى الحضرة العلوية للثم تلك الأعتاب السنيّة ، فتصايح

٥٥٥

قبور بعض الملوك قرب الحرم

وفي أوّل شهر شوال سنة ١٣١ ٥ شرع بهدم رأس المنارة الشمالية ، مع تجديد فرش الصحن الشريف بأمر المخلوع عبد الحمید خان العثماني ، وكان الفراغ من الجميع عشر جمادی الثانية سنة ١٣١ ٦(١) .

وعندئذ ظهرت مقابر تحت المقابر التي يدقون فيها ، فعلی ما رأينا ذلك كانت أرض الصحن منخفضة عما هي عليها الآن ، والقبور التي ظهرت مبنية بالكاشي الملون المنبت بالأجورد ، وعلی قبر منها مكتوب بالكتابة الحجرية ، هكذا : (المبرور شاه زادة سلطان بايزيد طاب ثراه توفّي في شهر جمادى الأول ، سنة ٨٣٣ هلالية).

وعلى قبر آخر : (هذا ضريح الطفل السعيد ، سلالة السلاطين ، شاه زادة الشيخ أويس طاب ثراه).

وعلى قبر آخر : (الله لا إله إلا هو ، هذا قبر الشاه الأعظم معز الدين عبد الواسع ، أنار الله برهانه ، توفّي في خامس عشر جمادى الأول ، سنة ٧٩٠).

وعلى قبر آخر : (هذا قبر السعيدة المرحومة : بابندة سلطان).

__________________

فتصايح الناس وسد بوّاب القلعة بابها بأمر الحكومة العثمانية ، فجعل الأسد يزأر من قريح قلبه واضعاً برائته على يده وبقى إلى اليوم الثاني ، ثُمَّ مضى ، وكان يأتي كل ليلة جمعة ويزأر خلف السور إلى الصباح ، وكانت الناس تهرب منه. فلمَّا طال مكثه عرفت الخلائق أنه لم يقصد أذية أحد ، فكانوا يمرون من حوله وينظرون إليه جمعاً بعد جمع وهو لا يلتفت إليهم ، بل هو شاخص ببصره نحو أسد الله وأسد رسوله ، وكان وقوفه في ليالي الجمعة عند ركن السور المعروف اليوم بقولة السبع ولما سار خبر هذا الأسد في البلاد ، وبلغ أهل بغداد قال عبد الباقي أفندي العمري معاباً للأولى أمروا بسد الباب ومنعوا ذلك الأسد من الدخول على ذلك الجناب :

عجبت لسكان الغري وخوفهم

من الأسد الضاريَ إذ جاء مقبلا

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ٤٠.

٥٥٦

والمقابر هي قريبة من باب الرواق الشمالي ، المعروف بباب الرحمة ، على يسار الداخل ، يبعد عن الجدار مقدار أربعة أذرع أو خمسة تقريباً. وقد أرّختُ هذا التجديد بقولي :

ومُذْ فَرَشَ السلطانُ ساحَةَ حيدرٍ

فِراشَ عُلّا أرَّخ لقد فَرَشَ العَرشا(١)

في سنة ١٣۰ ٥ : نصبت الساعة الكبيرة على باب الصحن الشريف ، أرسلها أمين الملك ، من رجال السلطان ناصر الدين القاجاري(٢) .

وفي سنة ١٢٧۹ : فتحوا باباً للصحن الشريف من جهة المغرب(٣) .

وفي سنة ١٢۸١ : عمّروا المنارة الجنوبية الواقعة بجنب المقدَّس الأردبيلي(٤) .

وفي سنة ١٣۰ ٤ في شهر ذي القعدة : قلعوا ذهب القُبَّة المنوَّرة وطوَّقوها بأطواق من حديد ، سدّاً لشقوقها ، وأعادوا إليها الذهب فنقصت الأحجار الكريمة لأجل مواضع الشقوق التي حشیت بالجصّ والآجر ، فأكملوها.

وفي سنة ٧۰۹ : زار السلطان محمّد شاه خدا بندة مشهد عليعليه‌السلام ، وبسبب رؤيا رآها اختار مذهب الشيعة ، وأمر بضرب الدنانير وعليها كلمة : (لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله). وفي ثلاثة سطور متوازية(٥) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢٥۰ ، وبالتفصيل ٣ : ٤٢ ـ ٤٣ منه.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٣ : ١٢ مع تواریخ شعرية.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥۰١ مع تواریخ شعرية.

(٤) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٥٠٥.

(٥) ينظر عن زيارته بالتفصيل : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٢١٢ ـ ٢١٤.

٥٥٧

الوزير أبو المعالي ابن حديد

وذكر ابن الأثير : (أنَّ في سنة ٦١٠ ، توفّي معز الدين أبو المعالي سعد بن علي ، المعروف بابن حديد ، الَّذي كان وزيراً للخليفة الناصر لدين الله ، وحمل تابوته إلى مشهد أمير المؤمنين بالكوفة )(١) .

ابن سهلان

وفي تاريخ الكامل في حوادث سنة ٣۹۹ : ( أنَّ أبا محمّد بن سهلان اشتد مرضه فنذر إنْ عوفي بني سوراً على مشهد أمير المؤمنين ، فعوفي ، فأمر ببناء سور عليه ، فبني في هذه السنة ، تولی بناءُه أبو إسحاق الأرجاني)(٢) .

وأبو محمّد هذا هو : الحسن بن مفضّل بن سهلان الرامهرمزي ، من وزراء الديلم ، وبني أيضاً سوراً للحائر الحسيني ، وتوفّي سنة ٤١٠(٣) .

التكية البكتاشية

وتكية البكتاش : غرفة في الصحن الشريف الغروي ، في نهاية الرصانة والإحكام.

والبكتاشية نسبة إلى الشيخ العارف بالله ؛ السيِّد محمّد الرضوي ، من أولاد الرضاعليه‌السلام ، وقيل من أولاد الإمام الكاظمعليه‌السلام من صلب إبراهيم الثاني ، جاء من بلاد خراسان إلى بلاد الروم ، وهو المعروف ببكتاش الولي الصوفي المشهور (أعني : الَّذي ينتسب إليه الطائفة القلندرية ، الموسومة بالبکتاشية ، الَّذي لهم كسوة معروفة).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١٢ : ٣۰٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ : ٢١۹.

(٣) البداية والنهاية ١٢ : ٢۰.

٥٥٨

وكان في عصر السلطان مراد ابن السلطان أورخان بن عثمان الغازي ، المشهور عند الناس بغازي خداوند کار ، المتوفى ـ أعني : هذا السلطان ـ سنة ٧۹١.

وكان الولي بكتاش المزبور من جملة أصحاب الكرامات ، وأرباب الولايات ، وقبره ببلاد التركمان المعروفة ببلاد الروم ، وعلى قبره قُبَّة ، وعنده زاوية ، ويتبرك به ، وتستجاب عنده الدعوات ، وقد اعتكف مدة من الدهر في النَّجف الأشرف ، ومكَّة المعظمة ، وله أياد عظيمة على السلطان المزبور ، وتوفّي سنة ٧٣۸ ، وتاريخه بکتاشية(١) .

وفي تاريخ (نزهة القلوب) لحمد الله المستوفي (المتوفّى سنة ٧ ٥٠) : (أن دورة النَّجف ألفان وخمسمائة خطوة)(٢) .

وأمّا الباب الفضّي للحرم المقدّس الَّذي منه دخول الزائر ، فهو من آثار الصدر الأعظم : الحاج محمّد حسین خان الأصبهاني ، من رجال فتح علي شاه(٣) .

سور النَّجف الحالي

وكذلك السور الحائط بالنَّجف حالاً الَّذي لم يكن من قبل ؛ قضيته مهملة ، إلّا أنّه تداعی بعضه لما أعرض عنه التعهُّد وأهمله ، ولولا أنَّ الحوادث لطّت فاهُ لفاهَ بدعوى الخلود ، ولكن تراه اليوم أخنى عليه الَّذي أخنى على لبد. ومن

__________________

(١) ينظر عنها بالتفصيل : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣۹۰ ـ ٣۹٣ ، وقد هدمت في أوائل القرن الحالي من قبل النظام البائد ، وصارت الآن محلاً لاستقبال ضيوف الحرم المطهر.

(٢) نزهة القلوب : ٣٢.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٤١٥ ، وفيه أنه كان ذلك في سنة ١٢١۹ هـ.

٥٥٩

المعلوم أنَّ النفقة المصروفة عليه في ذلك التاريخ تقصر دون بذلها همم الرجال(١) .

وذكر المؤرِّخ فرهاد میرزا القاجاري : (أنه قَدْ صرف في بنائه ، مع المدرسة الواقعة في داخل البلد المعروفة ، باسمه : خمسة وتسعين ألف تومانٍ من الذهب الأشرفي المثقالي. ووقع الفراغ منه سنة ١٢٢ ٦ ، وأرَّخه بعض الشعراء ؛ وهو أقا محمّد الأصفهاني ، المتخلص بطلعة بالفارسية :

اين قلعة که حکمش از سمانا سمك است

بركرد نجف که سجد كاه ملك استجون

کشت تمام كفت طلعت تاریخ

يك برج قلعة نجف ته فلك است

وكان وفاة الصدر المزبور في شهر صفر سنة ١ ٢ ٣۹ ، في دار السلطنة طهران ، وحمل إلى النَّجف ، ودفن في المدرسة المعروفة باسمه)(٢) .

الغارات الوهابية على النّجف

ومن بعد بناء هذا السور انقطع طمع الوهابي من النَّجف ، وإلّا فقبل هذا التاريخ في كل يوم كان يحمل على النَّجف ، ویشن الغارة على أهلها.

ففي سنة ١٢١ ٦ أغار علی مشهد الحسينعليه‌السلام ، وقتل الرجال والأطفال ، وأخذ الأموال ، وعاث في الحضرة المقدَّسة فخرَّب بنیانها ، وهدم أركانها. ثُمَّ إنه بعد ذلك استولى على مكَّة المشرَّفة ، والمدينة المنوَّرة ، وفعل بالبقيع ما فعل ، لكنَّه لم يهدم قُبَّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٥۸ ، ٣٤٣ ، ٣۸٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٧.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۸٣ ـ ٣۸٥.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683