تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم7%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16054 / تحميل: 1878
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المقام الحادي عشر

في الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام

ولادته ووفاتهعليه‌السلام

ويُلقّب بصاحب الناحية أيضاً كما في كتب الرجال(١) ، وبهذا يصحّ سند زيارة الناحية المرويّة في الإقبال ، قال : (خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين إلخ)(٢) .

وخروجها بهذا التاريخ يكون مقدّماً على ولادة الحجّة بأربع سنين ، فالمراد منه العسكري(٣) .

وكنيته : أبو محمّد ، وُلد بالمدينة على المشهور ـ وقيل بسُرَّ من رأى(٤) ، ولعله خطأ كما صرّح به جدّي الأمجد(٥) ـ في يوم الجمعة ، الثامن من شهر ربيع الآخر ـ وقيل غير ذلك ، والأول أشهر ـ في سنة ٢٣٢ من الهجرة(٦) ـ وقيل في سنة الثلاثين فوق (ثلاثين بعد ـ ظ) المائتين ، ونقل عن المفيدرحمه‌الله قال جدّي الأمجد : (لعله سهو في النقل ؛ إذ ليس فيما رأينا من كتبه ذلك)(٧) ـ(٨) .

__________________

(١) قاموس الرجال ٩ : ٥٠٤.

(٢) إقبال الأعمال ٢ : ٧٣.

(٣) ينظر عن سند هذه الزيارة : أنصار الحسينعليه‌السلام : ١٥٤ ـ ١٥٦.

(٤) ذكر المفيد في الإرشاد ٢ : ٣١٠ ، والإربلي في كشف الغُمَّة ٣ : ١٧٦ أن سنة ورود والده الإمام الهاديعليه‌السلام بأمر المتوكل إلى سر من رأى هي ٢٤٣ هـ ، فيكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام حينها ١١ سنة ، فلاحظ.

(٥) رسالة في تاريخ المعصومين : ٢١١.

(٦) الإرشاد ٢ : ٣١٢.

(٧) ذكر الشيخ المفيدرحمه‌الله في الإرشاد ولادته سنة ٢٣٢ هـ كما ورد أعلاه ، فلاحظ.

(٨) رسالة في تاريخ المعصومين : ٢١٣.

١٢١

وكانت اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها حديث ، وكانت في غاية الورع والتقوى ، فأقامعليه‌السلام بسُرَّ من رأى بعد أبيهعليه‌السلام قريباً من ستّ سنين ، ثُمَّ سمّه المعتمد أبو عيسی ابن المتوكّل على ما ذكره الصدوقرحمه‌الله (١) .

وقال الطبرسي : (ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه مضى مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّةعليهم‌السلام )(٢) .

فقُبض يوم الجمعة ـ وقيل يوم الأحد ، وقيل يوم الأربعاء والأول أشهر ـ الثامن من شهر ربيع الأول ـ وقيل في غيره ، والأول هو المعتمد ـ وكان ذلك في عام الستّين فوق (ستين بعد ـ ط) المائتين ، وكانعليه‌السلام يومئذ ابن ثماني وعشرين سنة ، ومدّة إمامته ستّ سنين ، ودُفن بسامراء في داره في البيت الَّذي دُفن فيه أبوهعليه‌السلام ، ومرقده خلف ظهر أبيه ، وعلى قولٍ : إنّ ذرِّيتهعليه‌السلام منحصرة في ابنه الإمام صاحب الأمر محمّد بن الحسن ، وبنت واحدة غير موسومة ولا مذكورة في الكتب ، والأصح انحصار ولده في الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف(٣) .

تنبيهان

[حكيمة بنت الإمام الجوادعليه‌السلام ]

الأول : قال المجلسيرحمه‌الله في مزار البحار : (إن في القُبَّة الشريفة ـ يعني قُبَّة الإمامين العسكريينعليهما‌السلام ـ قبراً منسوباً إلى النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقية الرضية حكيمة بنت أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، ولا أدري لِمَ لَمْ يتعرضوا لزيارتها مع ظهور فضلها

__________________

(١) الاعتقادات : ٩٩.

(٢) إعلام الوری ٢ : ١٣١.

(٣) ينظر عن أحواله وما يتعلق بهعليه‌السلام : الإرشاد ٢ : ٣١٣ ـ ٣٣٩ ، مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ٥٢٢ ـ ٥٤١ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ ـ ٣٣٨ ، وغيرها في غيرها.

١٢٢

وجلالتها؟! وأنها كانت مخصوصة بالأئمّةعليهم‌السلام ومودعة أسرارهم ، وكانت اُمُّ القائم عله السلام عندها ، وكانت حاضرة عند ولادتهعليه‌السلام ، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكريعليه‌السلام ، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى الله على اللَّسان ممَّا يناسب فضلها وشأنها والله الموفق) ، انتهى كلامه(١) .

قال جدّي بحر العلومرحمه‌الله بعد نقل هذه العبارة : (قلت : عدم التعرُّض لزيارتها ـرضي‌الله‌عنه ا ـ كما أشار إليه الخال المفضال عجيب ، وأعجب منه عدم تعرض الأكثر لها ـ کالمفيد في الإرشاد ، وغيره في كتب التواريخ والسِّيَر والنسب ـ في أولاد الجوادعليه‌السلام ، بل حصر بعضهم بناتهعليه‌السلام في غيرها :

قال المفيدرحمه‌الله : وخلّف أبو جعفر الجوادعليه‌السلام من الولد عليّاً ـ ابنه الإمام من بعده ـ وموسی ، وفاطمة ، وأمامة ، ولم يخلّف ذكراً غير من سمَّيناه.

وقال الطبرسي في إعلام الوری : وخلّف من الولد عليّاً ـ الإمام ـ وموسی ، (ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم)(٢) .

ويقال : خلّف فاطمة وأمامة ابنتيه ، ولم يخلف غيرهم.

وقال السروي في المناقب : وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة ، وخديجة ، واُمّ كلثوم. قال : وقال ـ (أيوب الأنصاري)(٣) ـ أبو عبد الله الحارثي : خلّف فاطمة وأمامة فقط) ، انتهى(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٩ : ٧٩.

(٢) ما بين القوسين غیر موجود في نسخة إعلام الوری المطبوعة التي اعتمدناها ، ويؤيده قول التستري في قاموس الرجال ١٢ : ٢٣٨ رقم ٨١ بعد إيراده هذا الكلام ما نصّه : (أقول : نقل المصنّف كلام الطبرسي كالمفيد لعدم ذكر حكيمة) في أولاد الجوادعليه‌السلام مع أنها مذكورة في ما نقل ، ولعله حُرّف عليه).

(٣) ما بين الشارتین زيادة من المؤلفرحمه‌الله لا أعرف مناسبتها ، ولعلها من سهو القلم ، وأبو عبد الله الحارثي هو الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي المعروف بالمفيدرحمه‌الله ، وهو إشارة إلى ما ذكره في كتابه الارشاد ، ولعلّ المؤلفرحمه‌الله ظن بالحارثي بشر النخاس المعاصر للإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام ، من ولد أبي أيوب الأنصاري ، فسقطت (ابن أبي) في الطباعة ، فلاحظ.

١٢٣

أقول : فهذه الجليلة بنت الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، واُخت الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، وعمّة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وقد أدركت أئمّة أربعة بزيادة إمام العصرعليه‌السلام إلى من تقدّم ، وأن الهاديعليه‌السلام أمر نرجس خاتون أن تتعلم منها معالم الدين وأحكام الشرع والتأدُّب بالآداب الإلهية(٢) ، وكان لها منصب السفارة بعد العسكريعليه‌السلام من قبل إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكانت توصل عرائض الناس إليه ، والتوقيعات الصادرة منهعليه‌السلام إلى الناس(٣) ، ومرقدها الشريف ممَّا يلي قدمي العسكريينعليهما‌السلام ، ولها صندوق على حِدَة.

وبجنب ضريح العسكريعليه‌السلام أيضاً ، ضریح نرجس خاتون اُمّ الإمام صاحب الزَّمانعليه‌السلام ، واقع خلفه.

عدم اللصوق بضريحهعليه‌السلام

الثاني : قال الشيخ الجليل والفقيه النبيل الشيخ خضر شلّال النَّجفي المتوفى ١٢ ٥٥ هـ ، ـ وقبره في محلّة العمارة من النَّجف ، معروف تقصده الناس ؛ لقراءة الفاتحة وإسعاف الحوائج(٤) ـ في مزاره في باب زيارة العسكريين : (أنه لا شكّ أنَّ

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٢ : ٣١٧ ، الإرشاد ٢ : ٢٩٥ ، إعلام الوری ٢ : ١٠٦ ، مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ٤٨٧.

(٢) إشارة إلى قول الإمام الهاديعليه‌السلام المروي في الإكمال ، ونصّه : قال أبو الحسنعليه‌السلام : «يا کافور ادعُ لي أختي حکيمة ، فلمَّا دخلت عليه ، قالعليه‌السلام لها : هاهيه ، فاعتنقتها طويلاً ، وسُرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمّد ، وأم القائمعليه‌السلام ». (ينظر كمال الدين : ٤٢٣).

(٣) ينظر : كمال الدين : ٤٢٦ ح ٢.

(٤) هُدِّم قبره في أوائل القرن الحالي ، وهو الخامس عشر الهجري من قبل النظام البعثي البائد ، ونقله بعض الصلحاء إلى وادي السلام ، وقبره معروف هناك يُزار.

١٢٤

الأرجح عند زيارة الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، تأخُّر الزائر عن الضريح المبارك بمقدار ذراع أو أزيد ، ولا يلصق نفسه بالشبَّاك كما هو المتعارف في آداب زيارة الأئمَّةعليهم‌السلام .

قالرحمه‌الله : إذ من المحقَّق الواصل إلينا أنَّ الشبَّاك الواقع على الضريح المقدِّس في زماننا هو متأخّر عن موضع القبر ، وأنَّ القبر الشريف قُدَّام الشبَّاك.

قالرحمه‌الله : ويؤيد هذه المقالة أنّي وجماعة من العلماء والصلحاء تشرفنا إلى زيارته وكان معنا أحد العلويين الحاملين للعلم ، فأخبرني بشيء كان أوجب تشويشهم واضطرابهم ، وهو أنه كان واقفاً بقرب الضريح مستدبر القبلة ، فسمع صوتاً من الضريح يقول له : تنحّ عن موقفك إلى ورائك. قال : وليس سبب ذلك إلّا ما ذكرناه من أنَّ الضريح خارج عن الشبَّاك) ، انتهى(١) .

ولا يخفى أنَّ الضريح هو الضريح الفولاذي الَّذي هو من آثار الشاه سلطان حسين الصفوي خاتمة السلاطين الصفوية ، كما أن تذهيب القُبَّة الموجودة الآن من آثار السلطان ناصر الدین شاه القاجاري المقتول سنة ١٣١٣ هـ ، بنظارة الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني المتوفّى سنة ١٢٨ ٦ هـ ، وعدد أحجارها الذهبية هكذا ٢٧٧ ٤ ٨ ، کتیبة ١٦٠ ، حاشية ٣٢٠.

والمراد من العلوي هو السيِّد جدّنا بحر العلوم (طاب ثراه) كما صرّح به العلّامة النوريرحمه‌الله في تحية الزائر ، وكان اضطرابه ؛ لتأخُّره عن موقفه دفعة(٢) .

__________________

(١) أبواب الجنان : ٥٠٤ بتصرف ، عنه تحية الزائر : ٢٢٥.

(٢) تحية الزائر : ٢٢٤.

١٢٥

[داهية عظمى]

ونقل المجلسي في آخر المجلّد الثاني عشر من البحار : (أنه وقعت داهية عظمی ، وفتنة كبرى ، في سنة ستّ ومائة بعد الألف من الهجرة في الروضة المنورة بِسُرَّ من رأى ، وذلك أنه لغلبة الأروام(١) وأجلاف العرب على سُرَّ من رأى ، وقلَّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة ، وجلاء السادات والأشراف الظلم الأروام عليهم منها ، وضعوا ليلة من الليالي سراجاً داخل الروضة المطهَّرة في غير المحل المناسب له ، فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفروش أو الأخشاب ، ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش والصناديق المقدَّسة والأخشاب والأبواب ، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنُصَّاب من المخالفين ؛ جهلاً منهم بأن أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلَّة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلّام ، وإنَّما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور المعجز في كل وقت ، وإنَّما هو تابع للمصالح الكلّية والأسرار في ذلك خفية ، وفيه شدَّة تكليف ، وافتتان وامتحان للمكلَّفين ، وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبوية بالمدينة أيضاً صلوات الله على مشرِّفها وآله.

قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد (قدس الله روحه) في كتاب (جامع الشرائع) في باب اللّعان : إنه إذا وقع بالمدينة يستحب أن يكون بمسجدها عند منبرهعليه‌السلام .

ثُمَّ قال : وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ، ثُمَّ عُمل بدل المنبر)(٢) .

__________________

(١) الأروام : يراد بهم رجال دولة الروم.

(٢) بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣٧ ، والمؤلفرحمه‌الله أوردها باختلاف يسير وما أثبتناه من المصدر ، جامع الشرائع : ٤٨١.

١٢٦

المقام الثاني عشر

في الغوث الأعظم ، والملاذ الأفخم ، ناموس الدهر ، وصاحب العصر ، الإمام محمّد بن الحسن ، الملقَّب بالحجّة ، والصاحب ، وصاحب العسكر ، وصاحب الأمر ، وصاحب الناحية ، وصاحب الدار ، وصاحب الزَّمان ، والغريم ، والمهدي ، والقائم ، والمنتظر ، والهادي ، والخلف الصالح ، والبلد الأمين ، والخاتم ، المکنَّی بأبي عبد الله ، وأبي القاسم(١) .

ولادته وغيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف

وُلد في سُرَّ من رأى ، في دار أبيه العسكري ، يوم الجمعة ـ وعلى الأصح ليلة الجمعة ـ في ليلة النصف من شعبان سنة ٢ ٥٦ هـ ، بعد انقضاء أحد وأربعين يوماً من خلافة المعتمد على الله العبَّاسي.

واُمُّه نرجس خاتون بنت قيصر الروم ، وعلى قولٍ بنت یشوعا بن قیصر من نسل شمعون من حواري عيسیعليه‌السلام ، وذكر بعض المؤرِّخين أن قيصر كان عازماً على تزويجها من ابن أخيه ، واحتفل بمأدبة عظيمة ، فلم يتم الأمر في تلك الحفلة ، فلمَّا أن جاء الليل رأت نرجس خاتون في منامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فأسلمت على يديهما ، وعقداها للحسن العسكريعليه‌السلام ، ورأته في المنام ، ومن شدَّة شوقها إليه ألقت نفسها بين اُسارى المسلمين ، فجاء المسلمون بها إلى بغداد وجعلوها في البيع ، فأرسل الإمام علي بن محمّد الهاديعليه‌السلام مع

__________________

(١) ينظر: النجم الثاقب في احوال الحجّة الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف ، الباب الثاني من المجلد الأول منه ، فقد ذكر مؤلّفهرحمه‌الله فيه (١٨٢) ما بين اسم ولقب له عجل الله تعالى فرجه الشريف.

١٢٧

بشر بن سليمان مائتين وعشرين ديناراً ذهباً إلى بغداد ، فشراها ، ثُمَّ أعطاها إلى ابنه العسكريعليه‌السلام ، وفي عرض الطريق سمّت نفسها نرجس خاتون(١) .

ومدّة عمرهعليه‌السلام من حين ولادته إلى التحرير يوم الخامس عشر من شهر شعبان سنة ١٣ ٤ ٣ هـ ألف وثماني وأربعون سنة ، وغيبته يوم الأحد ـ وقيل : يوم الجمعة ـ من خوف الأعداء عاشر شهر شوال سنة ٢ ٦ ٢ هـ ، وعلى قول سنة ٢ ٦٥ هـ(٢) .

شمائله وعلامات ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف

وشمائله على ما نقله السيِّد الشبلنجي : (شاب أكحل العينين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف ، كثُّ اللّحية ، على خدِّه الأيمن خالٌ.

قال : وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما : المهدي من ولدي ، وجهه كالكوكب الدرِّي ، اللّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ـ أي طويل ـ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً) ، انتهى(٣) .

وقال صاحب (الفتوحات) : (واعلم أنَّ المهديعليه‌السلام إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصَّتهم وعامَّتهم ، وله رجال إلهيّون يقيمون دعوته وينصرونه ، ثُمَّ الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ، ويعينونه على ما قلّده الله ، ينزل عليه عيسی بن مریم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق ، متَّكئاً على ملكين ، ملك عن

__________________

(١) ينظر : كمال الدين ٤١٧ ، ح ١ ، دلائل الإمامة : ٤٨٩ ح ٤٨٨ / ٩٢ ، الغيبة للطوسي : ٢٠٨ ح ١٧٧ ، روضة الواعظين : ٢٥٢.

(٢) ينظر ما يتعلق به صلوات الله عليه وعلى آبائه الكتب التي ألّفت حوله ، والتي تُعرف بكتب الغيبة ك : کمال الدين للصدوق ، وغيبة النعماني ، وغيبة الطوسي ، وغيبة المجلسي من بحار الأنوار ، والنجم الثاقب للنوري ، وغيرها في غيرها.

(٣) نور الأبصار : ١٧٠ ، الصواعق المحرقة : ١٦٤.

١٢٨

يمينه ، ملك عن يساره ، والناس في صلاة العصر ، فيتنحى له الإمام عن مكانه ، فيتقدَّم فيصلي بالناس ، يؤمّ الناس بسُنَّة سيدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله إليه المهدي طاهراً مطهِّراً ، وفي زمانه يُقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويُخسف بجيشه البيداء ، فمن كان مجبوراً من ذلك الجيش مكرهاً يُحشر على نيَّته) ، انتهى(١) .

وفي سنن أبي داود ، عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً من أهل بيتي ، يملؤها عدلاً كما ملئت جورا »(٢) .

وأخرج أبو داود والترمذي ، عن أبي سعيد الخدري ـرضي‌الله‌عنه ـ ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «المهدي منّي ، أجلى الجبهةِ ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».

وزاد أبو داود : «يملك سبع سنين »(٣) .

وأخرج ابن شیرویه ـ وهو من أكابر العامَّة ـ في كتابه (فردوس الأخبار) في باب الألف واللام ، عن ابن عبَّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «المهدي طاووس أهلِ الجنَّة »(٤) .

__________________

(١) الفتوحات المكية ٣ : ٣٢٧ باختلاف يسير ، وبلفظه ورد في نور الأبصار : ١٧٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ ح ٤٢٨٣ وفيه : (الدهر) بدل (الدنيا) ، عنه بلفظه نور الأبصار : ١٧٠.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ ح ٤٢٨٥ ، ولم نجده في سنن الترمذي ونقل عنه في مطالب السؤول : ٤٨٣ ، ونور الأبصار : ١٧٠.

(٤) فردوس الأخبار ٢ : ٣٥٩ ح ٦٩٤١ ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.

١٢٩

وعنه أيضاً بإسناده ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «المهديّ [رجلٌ من] (١) ولدي ، وجهه كالقمر الدرّي ، اللَّون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلاً ، كما مُلئت جوراً ، يرضى بخلافته أهلُ السموات والأرض ، والطير في الجو ، يملك عشرين سنة »(٢) .

وأخرج الحافظ أبو نعيم ، عن ثوبان ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا رأيتم الرايات السود قَدْ أقبلت من خراسان ، فأتوها ولو حَبْواً على الثلج ، فإنَّ فيها خليفة الله المهدي »(٣) .

وأخرج أيضاً ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة »(٤) .

وأخرج الحافظ أبو عبد الله محمّد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسی بن مریمعليه‌السلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وذكر الدجَّال ـ فقال : «إنَّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم (يوم الخلاص) » ، قالت اُمّ شريك بنت أبي العسكر : فأين العرب يومئذ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم يومئذ قليل ، وجلّهم بيت المقدس ، وإمامهم المهدي ، وقد تقدّم ليصلّي بهم الصبح إذ نزل عيسی بن مريم ، فرجع ذلك

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) فردوس الأخبار ٢ : ٣٥٩ ح ٦٩٤٠ ، وفي الأصل : (عشر سنين) ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.

(٣) الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة ٣ : ٢٧٢ ح ٢٦ ، عنه الصواعق المحرقة : ١٦٤ ، نور الأبصار : ١٧٠.

(٤) الأربعون حديث المندرج في كشف الغُمَّة ٣ : ٢٦٩ ح ٧ ، وفيه اسم القرية : (كرعة) ، عنه نور الأبصار : ١٧٠.

١٣٠

الامام ينكص عن عيسى القهقرى ؛ ليتقدم عيسى يصلّي بالناس ، فيضع عيسی يده على كتفيه ثُمَّ يقول له : تقدّم»(١) .

وروى البخاري ومسلم في صحيحهما ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مریم فیکم وإمامكم منكم »(٢) .

وههنا فوائد ذكرها صاحب (الصواعق المحرقة) يناسب لنا نقلها :

(الأولى ـ قال : الأظهر أنَّ خروج المهدي قبل نزول عيسی ، وقيل بعده.

الثانية ـ قال : تواترت الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه من أهل بيته ، وأنه يملأ الأرض عدلا.

الثالثة ـ تواترت الأخبار على أنه يعاون عيسى على قتل الدجَّال بباب (لُد) بأرض يقال لها فلسطين بالشام.

الرابعة ـ قال جاء في بعض الآثار أنه يخرج في وتر السنين ، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.

الخامسة ـ بعد أن تعقد له البيعة بمكَّة يسير منها إلى الكوفة ، ثُمَّ يفرّق الجند إلى الأمصار.

السادسة ـ أنَّ السَّنة من سِنِيِّه مقدارُ عشر سنين.

السابعة ـ أنَّ سلطانه يبلغ المشرق والمغرب ، تظهر له الكنوز ، لا يبقى في الأرض خراب إلا عمّره)(٣) .

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٥٩ بتفصيل ، عنه بلفظه نور الأبصار : ١٧٠.

(٢) صحيح البخاري البخاري ٤ : ١٤٣ ، صحیح مسلم ١ : ٩٤ ، عنهما نور الأبصار : ١٧٠.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٦٥ ، نور الأبصار : ١٧١.

١٣١

وهذه علامات قيام القائم ، مروية عن أبي جعفررضي‌الله‌عنه ، قال : «إذا تشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وأمات الناس الصلوات ، واتَّبعوا الشهوات ، واستخفُّوا بالدماء ، وتعاملوا بالربا ، وتظاهروا بالزنا ، وشيّدوا البناء ، واستحلوا الكذب ، وأخذوا الرشا ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، وقطعوا الأرحام ، وظنوا بالطعام ، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، والأمراء فجرة ، والوزراء كذبة ، والأمناء خونة ، والأعوان ظلمة ، والقرّاء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق ، وبدأ الفجور ، وقُبلت شهادة الزور ، وشُربت الخمور ، وركبت الذكور الذكور ، واستغنت النساء بالنساء ، واتَّخِذ الفيء مغنماً ، والصدقة مغرماً ، واتُّقي الأشرار مخالفة ألسنتهم ، وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء بين مكَّة والمدينة ، وقتل غلام من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بين الركن والمقام ، وصاح صائح من السماء بأنَّ الحقَّ معه ومع أتباعه.

قال : فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه ، فأول ما ينطق به هذه الآية : ﴿بَقِيَّةُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(١) ، ثُمَّ يقول : أنا [بقية الله وخليفته وحجَّته عليكم ، فلا يسلّم عليه أحد إلا قال : السلام عليك يا](٢) بقية الله في الأرض ، فإذا اجتمع عنده العقد ـ عشرة آلاف رجل ـ فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممَّن يعبد غير الله تعالى إلا آمن به وصدّقه ، وتكون الملَّةُ واحدة ، ملّة الإسلام وكل ما كان في الأرض من معبود سوى الله تعالى تتزل

__________________

(١) سورة هود : ٨٦.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٣٢

عليه نار من السماء فتحرقه ، والله أعلم(١) . انتهى ما في الصواعق ؛ وإنَّما آثرت نقله بطوله ؛ لكونه أدخل في إثبات الحجَّة وإيضاح المحجّة»(٢) .

قال ابن أبي الحديد في شرحه ، عند قولهعليه‌السلام في آخر الخطبة التي خطبها في المدينة «بنا فتح الله لا بكم ، وبنا يختم لا بكم » : إنه إشارة إلى المهديعليه‌السلام الَّذي يظهر في آخر الزَّمان(٣) .

وما أحسن قوله في إحدى معلقاته :

ولقد عَلِمْتُ بأنه لا بدَّ مِنْ

مَهدِيِّكُمْ ولِيَومِهِ أتوقَّعُ

تحميهِ مِنْ جُندِ الإلهِ کتائِبٌ

کاليمِّ أقبلَ زاخِراً يَتَدَفَّعُ

فيها لآلِ أبي الحديد صوارِمٌ

مشهورَةٌ ورِماحُ خَطٍّ شُرَّعُ

ورجالُ موتٍ مُقدِمون كأنَّهم

أُسُدُ العرينِ الرُّبْدُ لا تَتَكَعْكَعُ

تِلكَ المُنى إمّا أغِبْ عنها فَلِي

نفسٌ تُنازِعُني وشوقٌ يَنزَعُ(٤)

وألطف منه قول الحافظ الشيرازي :

مژده ايدل كه مسيحا نفسي مي آيد

كه انفاس خوشش بوى كسى مي آيد

از غم هجر مكن ناله وفرياد كه من

زده ام فالي وفرياد رسى مي آيد

كس ندانست كه منزل گه معشوق كجاست

اين قدر هست كه بانك جرسي مي آيد

__________________

(١) نور الأبصار : ١٧١ ، ومن طرقنا ورد بالتفصيل في كمال الدین : ٣٣٠ ح ١٦ ، إعلام الوری ٢ : ٢٩١ ، کشف الغُمَّة ٣ : ٣٤٢.

(٢) لم يرد هذا الحديث في صواعق ابن حجر ، وإنما نقل الشبلنجي کلاماً له ـ أعني السابق ـ وتبعه بحديث أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، فظنّ المؤلِّفرحمه‌الله أنه من كتاب الصواعق المحرقة ، فلاحظ.

(٣) وردت في مقدمة التحقيق لشرح نهج البلاغة ١ : ١٤.

١٣٣

ولعلَّ الحكمة في نزول عيسىعليه‌السلام واقتدائه به في صلاته ، أنَّ ملوك الأرض من الكفَّار كلّهم اُمّة عيسىعليه‌السلام كما هو المشاهد الآن ، فإذا نزلعليه‌السلام وكان من أعوانهعليه‌السلام ورأوه يصلّي خلفه وهم يعرفونه أنه عيسی ، فتحصل لهم الرغبة في الإيمان به وقبول أوامره ، وفيه من المصالح مالا يخفی ، فتدبّر.

هداية ، فيها مطلبان

المطلب الأول

[في سبب غيبتهعليه‌السلام ]

إن قيل : ما السبب في غيبتهعليه‌السلام ، وما الوجه فيها؟

فالجواب : السبب من الأعداء والخصوم ، فإنَّ الواجب عليه تعالی إعلامهم به ، وقد فعل ما وجب عليه من تتميم اللُّطف.

وقد يقال : إنَّ السبب فيها استخلاص النطف التي يحصل منها أهل الإيمان من أصلاب أهل النفاق ، فإنّ بسط اليد يقتضي القيام بالسيف الموجب لقتل أهل الخلاف ، فيفوت بقتلهم وجود تلك الذراري الصالحة من أصلابهم ، هذا مع ضبط القواعد الكلّية الشرعية في غيبته ، فمتى تعذّر الانتفاع به في الجزئيات بقي الانتفاع به في الكلّيات المهمة ـ التي هي الأُصول بحالها ـ فإنه الحافظ للشريعة ، والعالم بقوانينها ، والعارف بأحكامها ، فبقاؤه مستلزم لبقائها وحفظها عن التغيّر والزوال ؛ وذلك هو الأصل في وجوب نصبه في الحكمة الإلهية.

وأمّا تصرفه في الأحكام الجزئية ، وإنفاذ السياسات ، وإصلاح أفراد النوع ، فربّما منع منه تغلّب الظلمة ، ورُوي عن الحسينعليه‌السلام أنه كان يوم الطف إذا حمل

١٣٤

على عسكر ابن زياد يقتل بعضاً ويترك بعضاً [مع تمكُّنه من قتلهم](١) ، فقيل له في ذلك ، فقالعليه‌السلام : «كُشف عن بصري ، فأبصرت النطف التي في أصلابهم فعرفت من يخرج من أهل الإيمان ، فتركته عن القتل لاستخلاص تلك الذرِّية»(٢) .

وهذا شأن أهل الولاية في تدبير أمور الخلق.

المطلب الثاني

(تفسير مراتب الأئمّةعليهم‌السلام )

في ذكر مراتب الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين وتفضيل بعضهم على بعض في المرتبة ، فنقول : لا ريب أنَّ مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل من الحسن والحسينعليهما‌السلام ، والأخبار في ذلك مشحونة ، وأنه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير خلق الله ، وسيد من دخل في عالم الوجود.

ومختصر الدليل على ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير خلق الله بالكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين ، وعليعليه‌السلام نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بنصّ القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ(٣) ، ولا ريب أنه ليس المراد أن نفسهعليه‌السلام نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقيقة ، فالمراد المساواة معه في جميع الخصوصيات سوى النبوة ، بقاعدة أنه إذا تعذَّرت الحقيقة فالمراد أقرب المجازات ، وتذكّر هنا البيت من القصيدة المتقدِّمة لجدّي بحر العلومرحمه‌الله في ردّ مروان بن أبي حفص حيث يقول :

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) أسرار الشهادة ٣ : ١٥.

(٣) سورة آل عمران : من آية ٦١.

١٣٥

عليٌّ أبونا کانَ کالطُّهرِ جدّنا

لَهُ ما لَهُ إلَّا النُّبوَّة مِنْ فَضْلِ

ويدل على ذلك أيضاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحسنين حين حملهما : «نعم الراكبان وأبوهما خير منهما »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت ، ولا عرفني إلا الله وأنت ، ولا عرفك إلا الله وأنا »(٢) ، صريح بأنهعليه‌السلام لا يعرفه إلا الله ورسوله ، فيكون الحسنانعليهما‌السلام قاصرين عن رتبة ذات عليعليه‌السلام .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت نفسيَ التي بين جنبيّ »(٣) تبعاً للآية الشريفة(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد »(٥) .

والحسنعليه‌السلام أفضل من الحسينعليه‌السلام ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه الصدوقرحمه‌الله في كتاب (إكمال الدين) بإسناده إلى هشام بن سالم ، قال : «قلت للصادقعليه‌السلام : الحسنعليه‌السلام أفضل أم الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : الحسنعليه‌السلام أفضل من الحسين. قلت : فكيف صارت الإمامة من بعد الحسينعليه‌السلام في عقبه دون ولد الحسنعليه‌السلام ؟ فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى لم يرد ذلك إلا أن يجعل سنّة موسی وهارون جارية في الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ألا ترى أنهما كانا شريكين في

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ١٧٤ ، ذخائر العقبی : ١٣٠.

(٢) ورد في مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥ ، المحتضر : ٧٨ ، تأويل الآيات ١ : ١٣٩ ، مدينة المعاجز ٢ : ٤٣٩ ، والمؤلفرحمه‌الله أورده بتقديم وتأخير في النص ، وما أثبتناه من المصادر.

(٣) ورد في المصادر الحديثية في كل من : الشهب الثواقب لرجم شياطين النواصب : ١٠٦ ، الخصائص الفاطمية للكجوري ١ : ٥٢٢ ، اللمعة البيضاء : ٥٩.

(٤) أي : آية المباهلة.

(٥) مشارق أنوار اليقين : ٢٥٦.

١٣٦

النبوة ، كما كان الحسن والحسينعليهما‌السلام شريكين في الإمامة ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون»(١) .

وأمّا فضل الحسن والحسينعليهما‌السلام على الأئمّة التسعةعليهم‌السلام فيحديث «سيدا شباب أهل الجنة»(٢) ، خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام بالنص ، وبقي كلٌّ من سواهما وهو ممَّا عليه الإجماع.

وأمّا فاطمةعليها‌السلام ، فاختلف العلماء في شأنها ، فقال قوم : إنها بعد عليعليه‌السلام أفضل من بنيها الأحد عشرعليهم‌السلام .

وقال قوم : إنها بعد الحسن والحسينعليهما‌السلام أفضل من التسعةعليهم‌السلام .

وقال آخرون : إن الأئمّة الاثني عشر كلّهم أفضل منها. وسبب الاختلاف اختلاف الروايات ، والَّذي يترجَّح عندنا أن فضلها بعد الأئمّة الاثني عشر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ(٣) ، وهو عام لا يلزم منه ترجيح كل ذکر عليها ؛ ولما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعض الأئمّةعليهم‌السلام أنها أفضل نساء العالمين(٤) ، ولم يرد أنها أفضل الرجال من العالمين.

ولما رواه الصدوقرحمه‌الله في (الفقيه) ، في ما أوصى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام : «يا علي ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أشرفَ على الدنيا ، فاختارني منها على رجال العالمين ،

__________________

(١) کمال الدين : ٤١٦ ح ٩.

(٢) ورد الحديث في : قرب الإسناد : ١١١ ح ٣٨٦ ، الأمالي : ١١٢ ، الخصال : ٣٢٠ ح ١ وغيرها في غير ها.

(٣) سورة آل عمران : من آية ٣٦.

(٤) ينظر : شرح الأخبار ١ : ١١٩ ، ٣ : ٦٤.

١٣٧

ثُمَّ أطَّلع ثانية ، فاختارك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الثالثة ، فاختار الأئمّةعليهم‌السلام من ولدك على رجال العالمين ، ثُمَّ اطَّلع الرابعة ، فاختار فاطمةعليها‌السلام على نساء العالمين»(١) ، وهو مشعر بتفضيلهم عليها.

وأمّا أفضلية القائمعليه‌السلام ، فمن تتبع الأخبار والأدعية ، مثل دعاء الندبة المرويّ عن الصادقعليه‌السلام (٢) لم يُشك أنه أفضل التسعة من ذرِّية الحسينعليه‌السلام ، قالعليه‌السلام في جملة ما قال في الدعاء المزبور : «اللهُمَّ ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك ، المذكّر بك وبنبيِّك ، خلقته لنا عصمة وملاذاً ، وأقمته لنا قواماً ومعاذاً ، وجعلته للمؤمنين منَّا إماماً ، فبلغه منَّا تحية وسلاماً ، وزدنا بذلك يا ربّ إكراماً ، واجعل مستقره لنا مستقراً ومقاماً ، وأتمم نعمته بتقديمك إيَّاه أمامنا حَتَّى توردنا جنانك ، ومرافقة الشهداء من خلصائك »(٣) .

وممَّا صُرّح به من الأحاديث ما رواه الفاضل المقداد في شرح باب الحادي

عشر : «تسعة من ذرِّية الحسين عليه‌السلام تاسعهم قائمهم ، أعلمهم »(٤) .

وفي رواية اُخرى : «تاسعهم قائمهم ، أعلمهم ، [أحكمهم] (٥) ، أفضلهم »(٦) .

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٧٤.

(٢) نصّ على ذلك العلّامة المجلسيرحمه‌الله في زاد المعاد : ٣١٠ باب زيارة صاحب الزَّمانعليه‌السلام ، وتبعه الإصفهاني في مکيال المکارم ٢ : ٨٦ ، ولم ينصّ على ذلك غيره ، وإلا فالدعاء ورد في مزار المشهدي عن كتاب محمّد بن أبي قرّة نقلاً من كتاب أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري دون تصريح بأنه للإمام الصادقعليه‌السلام ، فلاحظ.

(٣) مزار المشهدي : ٥٧٣ / ٢ ، إقبال الأعمال ١ : ٥٠٤.

(٤) كذا والوارد في النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : ١١٥ ، نصّه : (النص من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن ذلك قوله للحسينعليه‌السلام : «هذا ولدي الحسين ، إمام ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، أفضلهم»).

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) مقتضب الأثر : ٨ ، تقريب المعارف : ١٨٢.

١٣٨

وفي حديث الوصية في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في أمر الوصية : «وأنا دنيا اليك يا علي ، وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد ، حَتَّی تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدَك » الحديث(١) .

خرج من عموم قوله بعدك تفضيل الحسنينعليهما‌السلام بما عرفت من حديث السيادة وبقي من سواهما.

لا يقال : إنّا إذا سلَّمنا واعتقدنا أن بعضهمعليهم‌السلام أفضل من بعض ، فما وجه ما ورد في بعض الأخبار أنهم قالوا : «إنّا كلَّنا خلقنا من نور واحد وطينة واحدة ». وورد : «إنّا كلّنا سواء ، أولنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد ، فلا تفرَّقوا بيننا »(٢) . وأمثال ذلك.

لأنا نقول : إن المراد التساوي في الفضيلة على الغير ، وهو لا يستلزم المساواة بينهم ، أو أنهمعليهم‌السلام أرادوا أنهم متساوون فيما يحتاج إليه جميع الخلق ، فكلّهم فيهم الكفاية في مرحلة الهداية ، وإراءة الطرق(٣) وتبلیغ أحكام سيّد الأنام ، وإن تفاضلوا في درجات أنفسهم ، وفيما يختصون به من معرفة الله سبحانه كما سمعت من قول النبي : «ولا يعرف الله إلا أنا وأنت ».

__________________

(١) الأمالي للصدوق : ٤٨٨.

(٢) الغيبة للنعماني : ٨٧ ح ١٦ ، المحتضر : ٢٧٧ ، بحار الأنوار ٢٦ : ١٦.

(٣) كذا ، والظاهر مراد المؤلفرحمه‌الله طرق الهداية أو طرق الأحكام.

١٣٩

وروى الحسن بن سليمان الحِلّي في مختصر کتاب سعد بن عبد الله الأشعري بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قلنا له : الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال : «نعم ، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد »»(١) .

هذا ، وأنت خبير بأن مقتضى آية المباهلة وحسب ما أشرنا إليه أفضلية عليعليه‌السلام على سائر الأنبياء حَتَّى اُولي العزم منهم ، عدا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ لا مانع من مشارکتهعليه‌السلام معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الخصوصية.

ويدل عليه ما هو المتفق عليه بين الفريقين من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ». رواه ابن أبي الحديد في شرحه ، عن أحمد بن حنبل في المسند ، وعن أحمد البيهقي في صحيحه(٢) ، والدلالة على المطلوب واضحة ، فإن كل واحد منهمصلى‌الله‌عليه‌وآله امتاز عن سائرهم بخصلة واحدة من هذه الخصال فمن اجتمعت فيه جميعها يكون أفضل من جميعهم.

وما في (تفسير النيشابوري) من أنه : (كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من سائر الأنبياء ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم على أن النبي أفضل ممَّن ليس بنبي)(٣) .

فهو جواب عار من الصواب ؛ لأنَّ ترجيحه على خصوص من عدا النبي يلزم مساواته مع سائر الأنبياء في الرتبة وهو خلاف ضروري للمسلمين.

__________________

(١) مختصر البصائر : ٧٣ ح ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة ٩ : ١٦٨ ، كنز العمال ١١ : ٦٣٤ نحوه.

(٣) تفسير النيسابوري ٢ : ١٧٩.

١٤٠

[شرح الأخبار والأحاديث المتضمنة لفضيلة العلم وفضل العلماء]

وهذا أوان الشروع في شرح الأخبار والأحاديث المتضمِّنة لفضيلة العلم وفضل العلماء ، ورأينا أن نبحث في كل حدیث منه على صحَّة السند وإبطاله ، وما اشتمل عليه المتن من المباحث الأُصولية ، وما يُستنبط منه من الأحكام الشرعية وغيرها.

الحديث الأوّل

في ثواب العالم والمتعلم

[٦ ٣] ـ قالرحمه‌الله : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن سلكَ طريقاً يطلب فيه علماً سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة ، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حَتَّى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ (١) الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورَّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر »(٢) .

أقول : وفي هذا الخبر من الدلالة على ثواب العالم والمتعلِّم ما لا يخفی.

[أ] ـ «مَن سلكَ طريقاً » : أي من دخل في طريق.

[ب] ـ «يطلب فيه علماً » : الجملة في محل النصب ، على أنها حال من فاعل سلك ، أو صفة لطريق ، والضمير فيها للطريق ، والمراد بهذا العلم المعارف الربانيّة ، والنوامیس الإلهية ، والأحكام النبويّة ، ويمكن حمله على العموم بناءً على أنّ

__________________

(١) في الأصل : (وإنَّ) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) معالم الدين : ١٠ ، الكافي ١ : ٣٤ ح ١.

١٤١

العلم من حيث إنّه عِلم له شرف وكمال ، ومن طريق هذا العلم الفكر ، والأخذ من العالم ابتداء أو بواسطة أو وسائط.

[ج] ـ «سلكَ الله به طريقاً إلى الجنّة » : الباء للتعدية ، أي : أدخله الله في طريق يوصل سلوكه إلى الجنّة في الآخرة أو في الدنيا ، بتوفيق عمل من أعمال الخير يوصله إلى الجنّة.

ومن طريق العامّة : «سهّل الله له طريقاً من طرق الجنّة »(١) .

وحاصل المراد : من سلك في الدنيا طريق العلم سلك في الآخرة طريق الجنّة ؛ لأنَّ سلوك طريق الجنّة لا يمكن بدون العلم به وبكيفية سلوكه ، فالسلوك والعبور في طريق العلم سلوك وعبور في طريق الجنّة ، ادعاء لكمال الأوّل في السببية حَتَّى كأنه لم يتخلف أحدهما عن الآخر.

[د] ـ «إنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به » : قال ابن الأثير : (أي تضعها لتكون وطاءً له إذا مشى. وقيل : هو بمعنى التواضع [له] تعظيماً لحقّه. وقيل : أراد بوضع الأجنحة ، نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران. وقيل : أراد به إظلالهم بها)(٢) .

[هـ] ـ «مَن في السماء ومَن في الأرض إلخ » : لفظ (مَن) هنا ليس مختصاً بذوي العقول كما يقتضيه الوضع اللُّغوي ، بل يعمّ كل ذي حياة ، كما يظهر من بعض الأخبار أنّ لسائر الحيوانات تسبیحاً وتقديساً ، وإنّما ذكر الحوت بعد حتّى ؛ لبُعد المناسبة بينه وبين العالم من حيث الطبيعة والتحيّز وسائر الأوصاف ، بحيث

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ٣ : ١٥٠.

(٢) النهاية في غريب الحديث ١ : ٢٩٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

١٤٢

لا تكون مشاركة بينهما إلا في مجرد الروح الحيواني ، وإنّما يستغفرون لطالب العلم ، لأنّ بقاء طالب العلم وصلاح حاله وطهارة ظاهره وباطنه من الذنوب سبب لقاء الكائنات كلّها وصلاح حالها وتمام نظامها ، فكلّ ذي حياة سواء كان عاقلاً أو جاهلاً ، ناقصاً أو غير ناقص ، يطلب لطالب العلم مغفرة الذنوب وصلاح الحال ؛ العلمه بأن صلاح ذلك راجع إلى صلاح نفسه في الحقيقة ، وذلك في العاقل المعلوم ، وأمّا في الأخيرين ؛ فلأنَّ كلّ ذي وجود يحب وجوده وبقاءه وصلاح حاله ، فهو يستغفر لطالب العلم من جهة أنه من أسباب وجوده من حيث لا يعلم.

[و] ـ «وفضل العالم على العابد إلخ » : لمّا كان العلم والعبادة كل منهما نوراً يُمشی به على صراط الحق ، غير أن كونهما كذلك لا ينافي زيادة أحدهما على الآخر ، كما في القمر وسائر النجوم أراد دفع توهَّم عدم الزيادة بهذا الكلام ، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس في المقدار زيادة للإيضاح.

[ز] ـ «وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء » : الوارث من يرث رجلاً بعد موته ، والعلماء هم الوارثون لعلوم الأنبياء.

[ح] ـ «إنَّ الأنبياء لم يورَّثوا ديناراً ولا درهماً » : والمراد أنَّ الأنبياء لم يكن من شأنهم جمع الأموال وتخلّفها(١) ، لمن بعدهم كما هو شأن أبناء الدنيا ، وهذا لا ينافي انتقال ما في أيديهم من الضروريات کالمساكن والمراكب والملبوسات ونحوها ، وإلا كان منافياً لظاهر ما دلَّ من الآيات والروايات على توريثهم ؛ فلذا عدالت العامّة : (دُفن أبو بكر وعمر في بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من نصيب بنتيهما)(٢) .

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهي غلط واضح.

(٢) ينظر : الغدير ٦ : ١٨٩ ـ ١٩١ وفيه عرض المصادر هذا القول.

١٤٣

ونقل السيِّد محمود الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) من بعض أهل السُنَّة : (أنه أجاب عن أصل البحث بأنَّ المال بعد [وفاة](١) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صار في حكم الوقف على المسلمين ، فيجوز لخليفة الوقت أن يخصّ من شاء بما شاء إلخ)(٢) .

وعليه فكان من الإنصاف إعطاء فدك لفاطمةعليها‌السلام بعد ادِّعائها وإظهار رغبتها فيه ، كما رُوي عن عثمان أنه أعطى الحكم بن العاص ـ طرید رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ثلث مال أفريقية ، وقيل : ثلاثين ألفاً(٣) .

وإن كان صدقة ، فمن البيِّن أن تلك الصدقة لم تكن صدقة واجبة محرَّمة على أهل البيت ، بل إنَّما كانت مستحبة مباحة عليهمعليهم‌السلام ، مع أنَّ فدك كانت في قبضة الزهراء وتحت تصرُّفها في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإعطائه إياها(٤) .

وكان ذلك عند نزول الآية : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ(٥) .

كما روى ذلك أبو سعيد الخدري ، وجماعة من الصحابة(٦) .

ويدل عليه قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة : «بلی ، كانت في أيدينا فدك (٧) من كل ما أظلّته السماء ، فشحَّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) روح المعاني ٤ : ٢٢٠.

(٣) ينظر الغدیر ٨ : ٢٥٨ وما بعدها ، وفيه عرض المصادر هذا القول.

(٤) ينظر : الصوارم المهرقة : ١٥٢.

(٥) سورة الإسراء : ٢٦.

(٦) ينظر : تفسير مجمع البيان ٦ : ٢٣٤.

(٧) في الأصل : (كانت فدك في أيدينا) وما أثبتناه من المصدر.

١٤٤

آخرين. ونِعمَ الحكمُ اللهُ. وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مظانُّها في غد جدث (١) »(٢) .

[ط] ـ «فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر » : المراد من الأخذ هو أخذ دراية وفهم ، لا مجرد النقل والرواية فإنَّ ذلك ليس من التورّث للعلم ، وإن كان يُعد خِدمةً للعلم والفاعل خادم العلماء ، كما يدل عليه قوله : «بحظّ وافر» ؛ إذ من المعلوم أنَّ الحظّ الوافر من العلم الَّذي يُعد قليله خير من الدنيا وما فيها لا يكون إلا في الأوّل : ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا(٣) .

قال بعض العلماء : (لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم الحاربونا بالسيوف ، ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا(٤) .

قيل : (أراد واحد خدمة ملك ، فقال الملك : اذهب وتعلَّم حَتَّى تصلح لخدمتي ، فلمَّا شرع في التعلم وذاق لذّة العلم ، بعث الملك إليه وقال : اتركِ التعلُّم ، فقد صرت أهلاً لخدمتي.

فقال : كنت أهلاً لخدمتك حين لم ترني أهلاً لخدمتك ، وحين رأيتني أهلاً لخدمتك رأيت نفسي أهلاً لخدمة الله ، وذلك لأني كنت أظنُّ أنَّ الباب بابك ؛ لجهلي والآن علمت أنَّ الباب باب الربّ)(٥) .

__________________

(١) القوم الآخرون الَّذين سخت نفوسهم عنها هم : بنو هاشم. المظان : جمع مظنة ، وهو المكان الَّذي يظن فيه وجود الشيء ، وموضع النفس الَّذي يُظن وجودها فيه. في غد جدث : بالتحريك أي قبر.

(٢) نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده : ٣ : ٧١.

(٣) سورة البقرة : ٢٦٩.

(٤) الوافي ١ : ١٥٦ بيان ح ٧٣ ، سورة الإسراء : ٢١.

(٥) تفسير الرازی ٢ : ١٩٣.

١٤٥

الحديث الثاني

تعلم العلم حسنة

[٦٤] ـ قالرحمه‌الله : وبالإسناد عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّيرحمه‌الله ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد العطار ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«تعلَّموا العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وهو عند الله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، وسالك بطالبه سبل(١) الجنّة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الإخلّاء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم ، تُرمق أعمالهم ، وتُقتبس آثارهم ، وترغب الملائكة في خلَّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأنَّ العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، وقوَّة الأبدان من الضعف ، يُنزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة. [وبالعلم يُطاع الله ويُعبد ، وبالعلم يُعرف الله ويُوحَّد](٢) ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يُعرف الحلالُ والحرامُ. والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يُلهمه(٣) السعداء ، ويحرمه الأشقياء»(٤) .

أقول : وشرح الحديث يستدعي بسطاً في موضعين :

__________________

(١) في أمالي الصدوق والخصال : (سبيل).

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في أمالي الصدوق والخصال : (يلهمه الله).

(٤) معالم الدين : ١٢ ، الخصال : ٥٢٢ ح ١٢ ، أمالي الصدوق : ٧١٣ ح ٩٨٢ / ١ ، ولم أعثر عليه في كتب الشيخ المفيدرحمه‌الله .

١٤٦

الموضع الأوّل

فيما يتعلق بالسند وترجمة رجاله من دون تکرار ذكر مَن تقدَّم ذكره ، وكذلك الحال في الأحاديث الآتية ، فإنّا نتعرض لذكر رجال سند كل حدیث بحذف مَنْ تقدَّم ذكره ، فنقول :

[ترجمة الشيخ الصدوقرحمه‌الله ]

أمّا الصدوق فهو : محمّد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمِّي أبو جعفر ، نزيل الريّ ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السِنّ. وله كتب كثيرة لا حاجة في تعدادها ، مات ـرضي‌الله‌عنه ـ بالريّ سنة ٣٨١ هـ(١) .

قال جدّي بحر العلوم في رجاله ـ بعد أن أطال الكلام في ترجمة حاله وما يدل على علو شأنه وسمو مقامه ـ ما لفظه : (وكيف كان فوثاقته أمر ظاهر جليّ ، بل معلوم ضروري ، کوثاقة أبي ذر وسلمان)(٢) .

وقال الاُستاذ في (تعليقاته) : (نقل المشايخ معنعناً عن شيخنا البهائيرحمه‌الله وقد سئل عنه ، فعدَّله ووثّقه وأثنى عليه وقال : سئلت قديماً عن زکريا بن آدم والصدوق محمّد بن علي بن بابویه : أيُّهما أفضل وأجلّ مرتبة؟ فقلت : زکريا بن آدم ، لتوافر الأخبار بمدحه ، فرأيت شيخنا الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ عاتباً عليَّ وقال : من أين ظهر لك فضل زکريا بن آدم؟ وأعرض عنّي) ، انتهی(٣) .

__________________

(١) ينظر : رجال النجاشي : ٣٨٩ ـ ٣٩٣ رقم ١٠٤٩ وفيه تعداد كتبهرحمه‌الله .

(٢) الفوائد الرجالية : ٣ : ٣٠١.

(٣) بلغة المحدثین : ٣٦٢ ، عنه تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ٣١٨.

١٤٧

وفي كتاب (بُلغَةُ المحدِّثين) : (كان بعضٌ من مشايخنا يتوقَّف في وثاقة شيخنا الصدوق رحمه‌الله ، وهو غريب مع أنه رئيس المحدِّثين المعبّر عنه في عبارات الأصحاب بالصدوق ، وهو المولود بالدعوة ، الموصوف في التوقيع بالمقدَّس الفقيه. وصرّح العلّامة في (المختلف) بتعديله وتوثيقه ، وقبله ابن طاووس في [كتاب] (١) (فلاح السائل) وغيره.

ولم أقف على أحد من الأصحاب يتوقَّف في روايات (من لا يحضره الفقيه) إذا صحّ طريقها ، بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصحَّة ، ويقولون : إنها لا تقصر عن مراسیل ابن أبي عمير ، ومنهم العلّامة في (المختلف) ، والشهيد في (شرح الإرشاد) ، والسيّد [المحقِّق](٢) الداماد ـ قدّس الله أرواحهم ـ)(٣) . وسنذكر لك التوقيع في ترجمة أبيه.

ومرقده الشريف في الريّ قريب من مشهد الشاه زاده عبد العظيم في وسط بستان وعليه قُبَّة تزوره الناس.

[ترجمة والد الشيخ الصدوقرحمه‌الله ]

وأمّا علي فهو أبوه ، أعني علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّي ، أبو الحسن ، شيخ القمّيين في عصره ، [ومتقدمهم](٤) ، وفقيههم ، وثقتهم.

وكان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روحرحمه‌الله وسأله مسائل ، ثُمَّ كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود ، يسأله أن يوصل له

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٣) بلغة المحدثین : ٤١٠ ، عنه تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ٣١٨.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٤٨

رقعة إلى الصاحبعليه‌السلام ويسأله فيها الولد. فكتب إليه : «قد دعونا الله لك بذلك ، وسترزق ولدین ذکرین خيِّرين ».

فوُلد له أبو جعفر وأبو عبد الله من اُمّ ولد.

وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول : سمعت أبا جعفر يقول : (أنا وُلدت بدعوة صاحب الأمرعليه‌السلام )) ، وكان ـ طاب ثراه ـ يذكر أنَّ جميع ذلك التوقيع عنده بخط الإمامعليه‌السلام ويفتخر بذلك.

وكان قدومه بغداد سنة ٣٢٨ هـ وماترحمه‌الله سنة ٣٢٩ هـ وهي سنة تناثر النجوم ، وقد أخبر عن وفاته في قم علي بن محمّد السّمريرحمه‌الله وهو في بغداد ، فقال : (رحم الله علي بن الحسين بن بابويه ) ، فقيل له : هو حيّ ، فقال : (إنه مات في يومنا هذا ). فكتب اليوم ، فجاء الخبر بأنه مات فيه(١) .

هكذا ذكره غير واحد من علماء الرجال كالنجاشي ومن تأخّر عنه ، والظاهر من ذلك أنَّ قدومه بغداد كان قبل وفاته بسنة ، فتكون ولادة ابنيه قبل وفاته بأقل من سنة ؛ لأنَّ طلب الولد منهعليه‌السلام كان بعد رجوعه إلى قم وهو غير ملائم ؛ لما يظهر من موارد من كلماته في (الفقيه) حيث قال : (قال والدي في رسالته إليّ )(٢) ؛ لوضوح أنَّ الظاهر منه أنه كان في حال حياة والده على حد يليق أن يرسل إليه رسالة ، مضافاً إلى أن الظاهر من العبارة المنقولة عنهعليه‌السلام في باب الدعوة للولد ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦١ رقم ٦٨٤ باختلاف يسير.

(٢) ينظر عن أحاديث هذه الرسالة من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٧ ، ٨١ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٨ ، ١٦٥ ، ١٦٩ ، ١٧١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٩ ، ٢٧٧ ، ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٤١٤ ، ٤٨٤ ، ٤٩٦ ، ٥٦١ ، ٥٦٣ ، ٢ : ١٧ ، ٨٥ ، ١٠٠ ، ١٢٩ ، ١٨٢ ، ٣٢٨ ، ٥١٣ ، ٣ : ٦٦ ، ٥١٥ ، ٥١٧ ، ٤ : ٥٦ ، وغرضي من نقل مواضع قولهرحمه‌الله : (قال والدي في رسالته إلي) في (الفقيه) هو ؛ ليوفّق لاستخراجها أحد المحققين ويطبعها رسالة على حدة.

١٤٩

أنَّ الولدين كانا من اُمّ ولد واحدة ، فعند كونهما في سنة واحدة لا يمكن أن وُلدا توأماً ، ومرقده الشريف في المقبرة الكبيرة في قم وله بقعة وسيعة وقبة رفيعة(١) .

[ترجمة سعد بن عبد الله الأشعريرحمه‌الله ]

وأمّا سعد ، فهو ابن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي ، يُكنى أبا القاسم ، جلیل القدر ، واسع الأخبار ، كثير التصانیف ، ثقة ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها ، ولقی مولانا أبا محمّد العسكريعليه‌السلام . وإن تردَّد في ذلك النجاشي(٢) ، توفّيرحمه‌الله سنة ٣٠١ هـ ، وقيل : مات يوم الأربعاء للسابع والعشرين من شوال سنة ٣٠٠ هـ في ولاية رستم ، ووثّقه صاحب (المشتركات)(٣) .

[ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيرحمه‌الله ]

وأمّا محمّد بن عيسی ، فربّما يُظن فيه التضعيف ؛ لاستثناء محمّد بن الحسن بن الوليد إيّاه في رجال (نوادر الحكمة) ، ولا دلالة في ذلك على الضعف ، وله عدّة دلائل ناهضة بتوثيقه كما صرّح به في (الرواشح)(٤) .

وكيف يُتوقف منه مع أنَّ النجاشي قَدْ صرّح بأنه : (جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف ، روي عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام مكاتبة ومشافهة ) ،

__________________

(١) وقد ترجمه مفصلاً سماحة السيِّد محمّد رضا الجلالي (حفظه الله) في مقدمة كتابه (الإمامة والتبصرة من الحيرة) في تسعين صفحة.

(٢) ينظر : رجال النجاشي : ١٧٧ رقم ٤٦٧.

(٣) ينظر : الفهرست للطوسي : ١٣٥ رقم ٣١٦ / ١ ، خلاصة الأقوال : ١٥٥ رقم ٣ ، عدة الرجال ٢ : ١٣٥ ، هداية المحدثین : ٧١.

(٤) ينظر : الرواشح السماوية : ١٦٥.

١٥٠

ثُمَّ ذکر کلام ابن الوليد وقال : (إنَّ أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَنْ مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى سكن بغداد. وهذا إشارة منه إلى إجماع الأصحاب على إنكارهم ذلك منه ).

وقال القتيبي : وهو علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ـ الَّذي اعتمد عليه الكَشِّي في كتاب (الرجال) وهو تلميذ فضل بن شاذان ـ (كان الفضل بن شاذان رحمه‌الله يحب العبيدي ـ يعني محمّد بن عيسى ـ ويثني عليه ، ويمدحه ، ويميل إليه ، ويقول : ليس في أقرانه مثله ، وحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه‌الله )(١) .

وأمّا الجواب عن مسألة الاستثناء ، فهو أنه ليس قدحاّ لابن عيسى لأجل نفسه ، بل لأمر آخر ، والَّذي ذكره بعض المحقّقين المتأخّرين : أنَّ الداعي لذلك هو أنَّ شيخنا ابن الوليد كان يعتقد أنه يُعتبر في الإجازة أن يقرأ على الشيخ ، أو يقرأ الشيخ عليه ، وكان السامع فاهماً لما يرويه ، وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة بأن يقول : أجزت لك أن تروي عنّي ، وكان محمّد بن عيسى صغير السن ولا يُعتمد على فهمه عند القراءة ، ولا على إجازة يونس له ، ويؤيد ذلك ما حكاه الكَشِّی عن نصر بن الصباح أنه قال : [إنَّ](٢) محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين اصغر في السن من أن يروي عن ابن محبوب(٣) . ـ وهو الحسن بن محبوب ـ وحصل الجواب :

أوّلاً : إنَّ البلوغ يُعتبر في الراوي حال الرواية لا حال التحمُّل.

__________________

(١) ينظر : رجال النجاشي : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ رقم ٨٩٦ ، اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨١٧ رقم ١٠٢١.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ينظر : خاتمة المستدرك ٤ : ١٤٤ عن التقي المجلسي في روضة المتقين ١٤ : ٥٤ باختلاف يسير ، رجال النجاشي : ٣٣٤ رقم ٨٩٦ ، اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨١٧ رقم ١٠٢١.

١٥١

وثانياً : إنَّ وفاة يونس على ما في رجال النجاشي سنة ٢٠٨ هـ(١) ، ومقتضاه أنه أدرك من إمامة مولانا الجوادعليه‌السلام خمس سنين ؛ لأنَّ وفاة مولانا الرضاعليه‌السلام كان في سنة ٢٠٣ هـ ـ أوّل سنة إمامة الجواد ـ وأمّا حسن بن محبوب فإنه عاش بعد يونس ستَّ عشرة سنة(٢) ، ومحمّد بن عيسى أيضاً ممَّن روى عن مولانا الرضاعليه‌السلام كما صرّح به شيخ الطائفة في (التهذيب)(٣) .

فمن أين يقال : إنه لم يكن قابلاً للإجازة؟! مع أنه قَدْ أدرك يونساً في زمن مولانا الرضاعليه‌السلام وقد روي عنه ، وممّا يدل على صحَّة ما نقول ، ما رواه الشيخرحمه‌الله في طلاق (التهذيب) في الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن الرضاعليه‌السلام أنه فرض إليه الحج وإلى يونس بن عبد الرحمن ، قال : «بعث إليَّ أبو الحسن الرضا عليه‌السلام رزم ثياب وغلماناً ودنانير (٤) وحجّة لي وحجّة لأخي موسى بن عبيد ، وحَجّة ليونس بن عبد الرحمن ، فأمرنا أن نحجّ عنه ، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا ، فلمَّا أردت أن اُعبِّى الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً! فقلت للرسول : ما هذا؟ فقال : ليس يوجّه بمتاع إلا جعل فيه طيناً من قبر الحسين عليه‌السلام

__________________

( ١) رجال النجاشي : ٤٤٦ رقم ١٢٠٨ ترجمة يونس بن عبد الرحمن وليس فيها ذكر سنة وفاته ، إنما ذكرها العلّامة الحلي في خلاصة الرجال : ٢٩ ٦ باب ٤ / ١ ، فلاحظ.

( ٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨ ٥ ١ ح ١٠٩ ٤ ، وفيه : ومات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع وعشرين ومئتين ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة.

(٣) وسيأتي حديثه لاحقاً ، فتأمَّل.

(٤) ليس في المصدر : (ودنانير).

١٥٢

[ثُمَّ](١) قال الرسول : قال أبو الحسنعليه‌السلام : هو أمان باذن الله ، وأمرنا بالمال باُمور : من صلة أهل بيته ، وقوم محاويج لا يؤبه لهم(٢) ، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم امرأة كانت له ، وأمرني أن أطلّقها عنه واُمتّعها بهذا المال ، وأمرني أن اُشهد على طلاقها صفوان بن يحيي وآخر ، نسي محمّد بن عيسی اسمه»(٣) .

بيان : الرِّزمة بتقديم المهملة وكسرها ما شُدّ في ثوب واحد ، ورزم الثياب ترزيماً شدّها(٤) ، والتعبية تهيئة الأشياء في موضعها(٥) ، فكيف يحكم بأن محمّد بن عيسی حال إدرا که يونس كان صغير السن؟!

وممّا يدل على ما ذكر أيضاً ما في رجال الكَشِّي في ترجمة محمّد بن سنان : (روى عنه الفضل وأبوه يونس ومحمّد بن عيسى ، وذكر جماعة اُخرى ـ إلى أن قال ـ : وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم )(٦) .

فإن المستفاد من هذا الكلام اعتقاد وثاقته كمن ذكرهم ، وقد حققنا أنَّ جبع ما في رجال الكَشِّي هو اختيار الشيخرحمه‌الله ، فالشيخ أيضاً موافق في هذا الكلام.

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في الأصل : (لا مؤنة لهم) وما أثبتناه من المصدر.

(٣) ينظر : تهذيب الأحكام ٨ : ٤٠ ح ١٢١ / ٤٠.

(٤) ينظر : لسان العرب ١٢ : ٢٣٩ (ر. ز. م).

(٥) ينظر : لسان العرب ١ : ١١٧ (ع. ب. أ).

(٦) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٩٦ ح ٩٧٩.

١٥٣

ويدل على ذلك أيضاً قول خالنا المجلسيرحمه‌الله في (الوجيزة) : (إنَّ الأصحَّ عندي أنَّ محمّد بن عيسى العبيدي ثقة ، صحيح الحديث ، فقد وثّقه أبو عمرو الكَشِّي)(١) .

[كتاب نوادر الحكمة]

تنبيه : ولمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمِّي كتب ، منها : كتاب نوادر الحكمة ، وهو كتاب حسن [كبير](٢) ، يعرفه القمّيون بـ(دَبَّة شبيب) ، قال : (وشبيب (فامِيّ) (٣) كان بقم ، له دبّة ذات بيوت ، يُعطي منها ما يُطلب منه من دهن ، فشبَّهوا هذا الكتاب بذلك )(٤) .

وقد استثنی محمّد بن الحسن الصفّار صاحب کتاب (بصائر الدرجات) من رجال أسانيد (نوادر الحكمة) ثلاثين رجلاً ، وتبعه على ذلك ابن الوليد ، ثُمَّ تبعه على ذلك الصدوق ؛ لكونه من تلامذة ابن الوليد ، فترى كثيراً ممَّا يحكم بصحَّته إنما يحكم بذلك اعتماداً على تصحيح شيخه ابن الوليد المذكور(٥) .

__________________

(١) الوجيزة في الرجال : ١٦٩ رقم ١٧٧٢ و ٢٤٦ رقم ٣٢١.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في الأصل : (وشبيب قاض) ، والصحيح ما أثبتناه ، وفامي : بياع الفوم ، والفوم : الزرع أو الحنطة ، وقال بعضهم : (الفوم الحمص لغة شامية ، وبائعه فامي مغير عن فومي ، والفوم : الخبز أيضاً ، وقيل : الفوم لغة في الثوم). ينظر لسان العرب : ١٢ / ٤٦٠ (ف. و. م).

(٤) ينظر : رجال النجاشي : ٣٤٨ رقم ٩٣٩.

(٥) كذا ورد في الأصل من استثناء محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار لثلاثين رجلاً من كتاب (نوادر الحكمة) وهو غريب ، إذ إنَّ النجاشي لم يصرّح بهذا ، ونصّ عبارته : (وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثنی من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني إلى أن قال : قال أبو العبَّاس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابویهرحمه‌الله ملى ذلك). وبحسب استقصائي لم أعثر على مصدر يؤيد هذا القول ؛ لأنَّ المعروف عند الرجاليين أنَّ المستثني هو محمّد بن

١٥٤

قال في بحث الصوم من كتاب الفقيه : (وأمّا خبر صوم يوم غدیر خم والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فإنَّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي‌الله‌عنه كان لا يصحّحه ، ويقول إنه من طريق محمّد بن موسى الهمداني وكان [كذّاباً] (١) غير ثقة ، وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدس الله روحه ، ولم يحكم بصحَّته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح ) ، انتهى(٢) .

وإنَّما لم يعمل بهذه الرواية ؛ لأن الصفّار استثناه فيمن استثناه من رجال أسانید نوادر الحكمة(٣) .

الوضوء والغسل بماء الورد

إذا عرفت ذلك فنقول : ذهب الصدوق في أوّل الفقيه في باب المياه إلى أنه (لا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة بماء الورد )(٤) .

مع كون المستند في ذلك رواية محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس وهو من المستثنَين كما عرفت ، وقد استثناه هو وشيخه ، وأنه لا يجوز العمل بما تفرّد به ، وهذه الرواية ممَّا تفرّد به العبيدي ، عن يونس مع أنه قَدْ ضمن في أوّل الفقيه

__________________

الحسن بن الوليد لا الصفّار ، ولعل منشأ القول عبارة الصدوق في الفقيه التالية لها والتي ذكر فيها محمّد بن الحسن دون ذکر جدّه الوليد أو لقبه ، فمع الاشتراك بالاسم واسم الأب ، وتقارب الطبقة يمكن الاشتباه ، فإنَّ ابن الوليد يروي عن ابن الصفّار على ما ذكره الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه. ينظر من لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٣٤ رجال النجاشي : ٣٤٨ رقم ٩٣٩ ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي مؤلِّف كتاب (نوادر الحكمة) ، الذريعة ٢ : ١٢٤ رقم ٤١٦ باسم (بصائر الدرجات) ، و ٢٤ : ٣٤٦ رقم ١٨٥٧ باسم (نوادر الحكمة).

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) ينظر : من لا يحضره الفقيه ٢ : ٩٠ ح ١٨١٧.

(٣) راجع : التعليقة السابقة في أنَّ المستثنيات هي لابن الوليد وليس للصفار.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٦ : ١ وفيه : (ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والإستياك بماء الورد).

١٥٥

أن يورد فيه ما هو حجّة بينه وبين ربّه(١) ، وهذا من المصدوق ربّما يكون مؤيداً لقبول رواية العبيدي المذكور أيضاً فتدبّر ، وبذلك كفاية لمن كان من أهل المعرفة والدراية.

[ترجمة يونس بن عبد الرحمن]

(وأمّا يونس) فهو ابن عبد الرحمن ، مولی علي بن يقطين بن موسی ، مولی بني أسد ، أبو محمّد ، كان وجهاً في أصحابنا ، متقدِّماً ، عظيم المنزلة ، وُلد في أيام هشام بن عبد الملك ، ورأى جعفر بن محمّدعليهما‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسی والرضاعليه‌السلام ، وكان الرضا يشير إليه في العلم والفتيا ، وكان ممَّن بُذل له على الوقف مال جزیل وامتنع من أحذه وثبت علی الحق ، ويكفيه فضلاً وشرفاً ووثوقاً قول الرضاعليه‌السلام ـ لوكيله وخاصّته عبد العزيز بن المهتدي حين سأله : إنّي لا أقدر على لقائك في كل وقت ، فممَّن آخذ معالم ديني؟ ـ : «خُذ عن يونس ».

فإنَّها منزلة عظيمة ، وقول أبي محمّد صاحب العسكرعليه‌السلام في حقّ كتابه (يوم وليلة) بعد أن سألعليه‌السلام :تصنيفُ مَنْ هذا؟ فقيل له : تصنيف يونس بن عدن الرحمن [مولى] (٢) آل يقطين .

[فقال:] (٣) أعطاء الله بكل حرف نوراً يوم القيامة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٥٦

ولذا قال النجاشي : (ومدائح يونس كثيرة ، ليس هذا موضعها ، وإنَّما ذكرنا هذا حَتَّى لا نخليه من بعض حقوق ه)(١) .

وعلى كل حال ، فلا ينبغي الالتفات إلى بعض ما ورد فيه من الذَّم ، وإن شنت الاطلاع التام فعليك بمراجعة تعليقات الأُستاذ البهبهاني(٢) .

[ترجمة الحسن بن زياد العطار]

(وأمّا الحسن) فهو ابن زياد العطّار ، وثّقه النجاشي وصاحب المشتركات(٣) ، ويُميّز عن غيره برواية ابن أبي عمير عنه.

[ترجمة سعد بن طريف الحنظلي]

(وأمّا سعد) بن طريف بالطاء المهملة الحنظلي ، الإسكاف ، مولى بني تميم الكوفي ، ويقال : سعد الخفّاف.

قال النجاشي فيه : (إنه يُعرّف ويُنكّر )(٤) .

وذكره العلّامةرحمه‌الله في القسم الثاني في كتاب (الخلاصة)(٥) : (ويظهر من صاحب المشتركات ـ حيثُ لم يصفه بشيء ـ التوقُّف فيه أيضاً )(٦) ، وعدّه في (الوجيزة) : مِنَ المختَلفِ فيهِ(٧) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٤٦ رقم ١٢٠٨.

(٢) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ٣٦٦.

(٣) قال النجاشي : ٤٧ رقم ٩٦ ، هداية المحدثین : ١٨٨.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٨ رقم ٤٦٨.

(٥) خلاصة الأقوال : ٣٥٢ رقم ١.

(٦) هداية المحدثین : ٧١.

(٧) الوجيزة في الرجال : ٨٥ رقم ٨٢١.

١٥٧

[ترجمة الأصبغ بن نباتة]

(وأمّا الأصبغ) فهو ابن نُباتة ـ بضم النون ـ المُجاشعي ـ بضم الميم ـ كان من خاصَّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعمّر بعده.

قال في (الخلاصة) :وهو مشکور (١) .

وفي (الحاوي) عدّه في الحسان(٢) .

وفي (الوجيزة) :أنه ممدوح (٣) .

الموضع الثاني

في شرح متن الحديث :

[أ] ـ «فإن تعلُّمه حسنة » : فيه دلالة على أنه سبب لتكفير الذنوب ، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ(٤) ، والمراد بالعلم في هذا المقام هو العلم المتكفِّل المعرفة الله وصفاته ، وما يتوقف عليه المعرفة ، والعلم المتعلق بمعرفة الشريعة. والواجب من القسم الأول مرتية يحصل بها الاعتقاد بالحق الجازم ومن القسم الثاني العلم بما يحتاج إلى علمه من العبادات وغيرها ولو تقلیداً ، وطلب هذا المقدار فرض عين.

[ب] ـ «ومدارسته تسبيح » : من حيث إن مدارسة العلم توجب زيادة البصيرة في ذات الباری تعالی وصفاته ، وكلَّما ازداد الإنسان معرفة بالله وبصفاته

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٧٧ رقم ٩.

(٢) حاوي اقرال ٣ : ٩٣ رقم ١٠٥٦.

(٣) الوحيرة في الرجال : ٣٣ رقم ٣٢٩.

(٤) سورة هود : عن آية ١١٤.

١٥٨

ازدادت خشيته ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(١) ، ومراتب الخشية لا تُحصى حسب مراتب العلم والعرفان ، وكلما زاد خشية من الله زاد تسبیحاً وتنزیهاً له بولی ولخشية سبب لهما ، والحمل مجاز من باب إطلاق المسبَّب على السبب.

[ج] ـ «والبحث عنه جهاد » : إذ لا ريب أن العالم ببحثه يُظهر الحق الَّذي فيه ترویج الشرع الشريف ، واستقامة دعامته ، فهو كالمجاهد في هذا الغرض ، وعن طريق العامّة أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد ، أمّا أهل العلم فدلُّوا الناس على ما جاء به الرسل ، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل »(٢) .

وقالعليه‌السلام : «يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء »(٣) .

[د] ـ «وتعليمه من لا يعلمه صدقة » : فيه تحريض وترغيب على التعليم ، حيث إنه كالصدقة ولكن الغرض المشابهة في اقتضاء الثواب لا في كمِّيته ، فإنَّه ربّما يزيد على ثواب الصدقة ، فإن الروايات الواردة في هذا الباب كثيرة ، (فمنها) ما في الكافي بإسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «إنَّ الَّذي يعلّم العلم منكم ، له أجر مثل المتعلّم ، وله الفضل عليه ، فتعلّموا العلم من حملة العلم ، وعلّموه إخوانكم كما علَّمَكُمُوه العلماء »(٤) . أي من غير تغيير في النقل.

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) المحجة البيضاء ١ : ١٤ ، وصدره في كنز العمال ٤ : ٣١٠ رقم ١٠٦٤٧ ، و (أسياف) جمع تقليل أو قلّة فهي لا تناسب المقام والأصح (سيوفهم)

(٣) كشفف الخفاء ٢ : ٢٠٠ رقم ٢٢٧٦.

(٤) الكافي ١ : ٣ ح ٢.

١٥٩

وفيه أيضاً عن أبي جعفرعليه‌السلام ، [قال](١) : «من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أجورهم شيئاً ، ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من أوزارهم شيئاً »(٢) .

وفيه أيضاً عن حفص بن غياث ، قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : «من تعلّم العلم وعمل به وعلّم لله ، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً ، فقيل : تعلّم لله ، وعمِلَ لله ، وعَلَّمَ لله »(٣) .

[د] ـ «لأهله قربة » : إذ بالعلم يحصل القرب إلى الله تعالى ، لأنه بالعلم يُعرف الحلال والحرام ، فيُتّبع الأول ويُجتنب الثاني ، ولذا قالعليه‌السلام : «وسالِكٌ بطالبهِ إلى الجنَّة ».

[هـ] ـ وكذلك «هو أنيسٌ في الوحشة » : أي رافع للهمِّ من حامله ، فإنه إن كان للآخرة فالعلم سبب للنجاة منه ، وإن كان لأسباب دنيوية كالفقر ، والفاقة ، والضيق ، والمرض ، فالعالم يعلم أن ذلك كلّه موجب لمزيد أجره ، وذخيرة لآخرته ، فيهوّن عليه ذلك ، ويتمسَّك بعرى الصبر كما صبر اُولوا العزم.

[و] ـ وكذلك «هو صاحب في الوحدة » : نُقل عن بعض الأكابر : (أنّه كان يحترز عن مجالسة الناس ومصاحبتهم ، فقيل له في ذلك ، فقال : أيّ صاحب أفضل ممَّا في صدري )(٤) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) الكافي ١ : ٣٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٢ : ٤.

(٤) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513