تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم7%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15652 / تحميل: 1850
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

١
٢

٣

٤

المقام الرابع

في الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام

قال ابن خَلّكان : (هو أحد الأئمّة الاثني عشر ، وكان من سادات التابعين).

قال الزهري : (ما رأيت قرشياً أفضل منه ، إلى أن قال : وكان يقال لزين العابدین : ابن الخيرتين ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لله تعالى من عباده خیرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس») ، انتهى(١) .

في عبادتهعليه‌السلام

وقال في الصواعق : (وزين العابدين هذا : هو الَّذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضّأ للصلاة أصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك؟ فقال : ألا تدرون بین يدي من أقف.

قال : وحُكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة) ، انتهى(٢) .

وفي ربيع الأبرار للزمخشري : (أنه عليه‌السلام لمّا غسّلوه وجدوا على ظهره مجلاً (٣) ؛ ممَّا كان يستقي لضعفة جيرانه في الليل ، وممّا كان يحمل إلى بيوت المساكين في جرب الطعام ) ، انتهى(٤) .

وقال الجاحظ في رسالته التي في فضائل بني هاشم : (لم أجد أحداً يتماری في تفضيله ويشك في تقديمه )(٥) .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ : ٢٦٥ رقم ٤٢٢ ، الوافي بالوفيات ٢٠ : ٢٣٠ رقم ٣٢١.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٠٠.

(٣) يقال : مجلت يده تمجل مجلا ، ومجلت تمجل مجلا ، إذا ثخن جلدها وتعجر ، وظهر فيها ما يشبه البئر ، من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. (النهاية في غريب الحديث : ٤ : ٣٠٠).

(٤) ربيع الأبرار ٢ : ٣٠٥ ح ٣٢٣.

(٥) نقله عنه ابن عنبة في عمدة الطالب : ١٩٣.

٥

[وقال ابن عنبة :](١) (وفضائله أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف)(٢) .

قصيدة الفرزدق

وذكر أبو نعيم : (أنه لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه ، أو الوليد ، لم يمكنه أن يصل إلى الحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل زین العابدين ، فلمَّا انتهى إلى الحجر تنحَّى له الناس حَتَّى استلمه. فقال أهل الشام لهشام : من هذا؟ قال : لا أعرفه ـ مخافة أن يرغب أهل الشام في زین العابدین ـ.

فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثُمَّ أنشد :

هذا الَّذي تعرفُ البطحاءُ وطأتُهُ

والبيتُ يعرفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ

هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كُلِّهِمُ

هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ

إذا رأتهُ قريشٌ قال قائِلُهُمْ

إلى مكارِمِ هذا ينتهي الكَرَمُ

يُنمي إلى ذِروَةِ العزِّ التي قَصُرَتْ

عن نيلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ

إلى أن قال :

هذا ابنُ فاطمةٍ إن كُنتَ جاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أنبياءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا

فَلَيْسَ قولُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ

العُربُ تَعرِفُ مَنْ أنكَرتَ والعَجَمُ(٣)

والقصيدة مشهورة ، ذكر منها ابن الأثير في النهاية ، في (ج. ن. هـ) بيتاً ، وأشار إليها ، وقال : (إنها من شعر الفرزدق في علي بن الحسين ، زین العابدين)(٤) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) عمدة الطالب : ١٩٣.

(٣) حلية الأولياء ٣ : ١٦٣ رقم ٣٥٦٠ ، شرح دیوان الفرزدق : ٤٠٢ مع اختلاف في ترتيب الأبيات.

(٤) النهاية في غريب الحديث ١ : ٣٠٩ مادة : (ج. ن. هـ) ، و ٢ : ٢٨ مادة : (خ. ي. ز. ر. ا. ن).

٦

وذكرها الجنابذي ، وابن الشافعي ، وابن حجر(١) .

ومع ذلك : فمن الغريب ما عن ابن بكَّار في الموفَّقيات أنَّها للحزين اللَّيثي في بني اُميَّة(٢) ، وغلّطه في ذلك وأنكر عليه ابن عبد البرّ ، وقال : (إنه لا يصح)(٣) .

والزبيرُ هذا من أشدّ الناس عداوة لله ولأوليائه. وإنَّما صنّف الموفَّقيات تقرباً إلى الموفَّق العبَّاسي : وهو معروف بالعداوة الشديدة لأهل البيتعليهم‌السلام .

تاريخ ولادتهعليه‌السلام

ووُلد في الخامس من شعبان في المدينة المنورة سنة ٣٨ هـ ، وقُبض فيها سنة ٩٥ هـ ، في الخامس والعشرين من مُحرَّم ، كما في الكافي عن الصادقعليه‌السلام (٤) .

ويفهم من الرواية : أنَّ له حين قُتل أبوه اثنتين وعشرين سنة.

أمُّه المولود منها

وأمّا أمُّه الحقيقية : فقد روى الصدوقرحمه‌الله عن الرضاعليه‌السلام : «ماتت في أيام نفاسها به ، فسلّمه الحسين عليه‌السلام إلى اُمّ ولد له ، وكان يدعوها عليه‌السلام : بالأُمّ ، وهي التي زوّجها لمولى له ، لا اُمُّه الحقيقية ».

والسبب في إقدامه على تزويجها على ما رواه الصدوق : (أنه عليه‌السلام واقع بعض

__________________

(١) الجنابذي هو محمّد بن عبد العزيز المعروف بابن الأخضر ، وكتابه (معالم العترة النبوية) ولم أقف عليه ، وكذا مصدر قول ابن الشافعي ، وذكرها ابن حجر في الصواعق المحرقة : ٢٠٠ ، وفي مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٠.

(٢) الموفقيات : ٦٣٤.

(٣) الاستيعاب ٣ : ١٣٠٥ في ترجمة (قثُمَّ بن العبَّاس).

(٤) الكافي ١ : ٤٦٨ ح ١ وفيه : سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «قُبض علي بن الحسينعليه‌السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس (خمسة ـ ظ) وتسعين ، عاش بعد الحسين خمساً وثلاثين سنة».

٧

نسائه ثُمَّ خرج يغتسل ، فلقيته اُمُّه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك شيء من هذا الأمر فاتقي الله وأعلميني؟ فقالت : نعم ، فزوّجها. فقال الناس : زوّج علي بن الحسين عليه اُمُّه )(١) .

حَتَّى نقل ابن قتيبة في كتاب (المعارف) : (أنَّ اُمّ زین العابدین زوّجها بعد أبيه بزيد مولى أبيه ، وأعتق جارية له وتزوَّجها ، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيّره بذلك.

فكتب إليه زين العابدين : ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(٢) ، وقد أعتق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صفية بنت حييّ بن أخطب ، وتزوَّجها ، وأعتق زيد بن حارثة ، وزوّجه بنت عمَّته زينب بنت جحش»)(٣) .

ولكن حقيقة الحال ما عرّفناك ، فكيف لا؟ والنفس تستنكف عن قبوله ، والحال أنها كانت بنت يزدجرد ملك الفرس. ولمّا اُتي بها لم ترضَ إلّا بالحسينعليه‌السلام ، فكيف ترضى بعده بأحد الموالي(٤) .

وعلى كلّ حال ، إنَّ المتحقق من السّيَر والأخبار ، أن في اُسراء الفرس الَّذين جاؤوا إلى المدينة من بنات يزدجرد ثلاث فتيات :

تزوّج واحدة منهن عبد الله بن عمر ، فأولدها سالم. والاُخرى محمّد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم. والثالثة : الحسينعليه‌السلام ، فأولدها علي بن الحسينعليه‌السلام ، وهي

__________________

(١) عیون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١٣٥ ح ٦.

(٢) سورة الأحزاب : من آية ٢١.

(٣) المعارف لابن قتيبة : ٩٤.

(٤) ينظر رواية رضاها وعدمه : بصائر الدرجات : ٣٥٥ ح ٨ ، الكافي ١ : ٤٦٦ ح ١ ، مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ٢٠٧.

٨

شاه زنان(١) ، ولم تحضر وقعة الطف قطعاً.

ومن الممكن أن شهربانويه التي كانت في كربلاء ، هي زوجة محمّد بن أبي بكر ، قَدْ تزوّجها الحسينعليه‌السلام بعد وفاته ، وهي التي رمت نفسها في الفرات بعد قتل الحسينعليه‌السلام (٢) .

وبالجملة : فلا ينال عليَّ بن الحسينعليه‌السلام نقص من جهة اُمُّه ، وأنَّها من المجوس ، وأن ولادتها من غير عقد ، كما قاله صاحب العمدة(٣) ؛ فإنه ناشئ من عدم الخبرة بالأحكام الشرعية ، فإنَّ الكافر إذا أسلم على نكاح اُقرّ عليه ، إذا كان صحيحاً عندهم ؛ وإن كان فاسداً عندنا ، فإن لكل قوم نكاحاً ، ولا يجب الفحص عن كيفيته ؛ فإن كثيراً من الكفَّار أسلموا على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أزواجهم ، فأقرّهم على نكاحهم من غير استفصال ، نعم ، إذا اشتمل على ما يبطله استدامةً كنكاح المحارم ، كان باطلاً بعد الإسلام(٤) .

فصل

في أولادهعليه‌السلام

وُلد له ستة عشر ولداً :

محمّد الباقرعليه‌السلام : المكنّى بأبي جعفر ، اُمُّه أم عبد الله ، بنت عمّه الحسن بن

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٢٧٠ ، عن ربيع الأبرار.

(٢) ينظر : مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ٢٥٩ رواه عن أبي مخنف ، ونحن نجلّ زوجة الإمام الحسينعليه‌السلام أن ترمي بنفسها في الفرات ، وهي المصطفاة المختارة مع كون هذا الفعل يتعارض مع صريح الشرع المقدّس ، وينظر عن هذا المطلب : الأنوار النعمانية ٤ : ٨٧.

(٣) عمدة الطالب : ١٩٣.

(٤) تعرضت الكتب الفقهية إلى ذلك في باب نكاح الكافر ، فلتراجع.

٩

عليعليه‌السلام ، كما سيأتي.

قال الدميري في (حياة الحيوان) : (لم يكن للحسينعليه‌السلام عقب إلا من ابنه زين العابدين ، ولم يكن لزين العابدین نسل إلا من ابنة عمّه الحسنعليه‌السلام ، فجميع الحسينيين من نسله ، وكل حسيني لأب ، هو حسني لأم ، ولا عكس)(١) .

[عبد الله بن علي بن الحسينعليه‌السلام ]

وعبد الله كان يلي صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدقات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان فاضلاً فقيهاً ، يروي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه ، وحملوا عنه الآثار(٢) .

وفي أول (شرح المسائل الناصرية) : (روی أبو الجارود زياد بن المنذر ، قال : قيل لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أيّ إخوتك أحبّ إليك وأفضل؟ فقالعليه‌السلام : «أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها ـ وكان عبد الله أخاه لأبيه واُمُّه ـ (ويقال له : الباهر ؛ لجماله ، ما جلس مجلساً إلا بهر جماله وحسنه من حضر ، توفّي وهو ابن سبع وخمسين سنة ، وله عقب ذكره في العمدة )(٣) .

وأمّا عمر : فبصري الَّذي اُبصر به ، وأمّا زيد : فلساني الَّذي أنطق به ، وأمّا الحسين : فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً »(٤) )(٥) .

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ١٧٣ (مادة : البغل) ، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧٤.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٦٩.

(٣) ما بين القوسين من المؤلفرحمه‌الله للبيان نقله عن عمدة الطالب : ٢٥٢.

(٤) إقتباس من سورة الفرقان : من آية ٦٣.

(٥) الناصريات : ٦٤.

١٠

وهذا الخبر وإن كان مرسلاً إلا أن الظاهر من إيراد السيِّد له كونه عنده قطعياً ؛ ولعله ذُكر إظهاراً لمدح عبد الله ، وشاهداً على حسن حاله.

ولكن يعارض هذا الخبر ما رواه ابن شهر آشوب ، قال : «رُوي عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : فيما أوصاني به أبيعليه‌السلام أن قال : يا بني ، إذا أنا مِتُّ فلا يلي غسلي غيرك ، فإن الإمام لا يغسّله إلا إمام مثله بعده. واعلم أنَّ عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فامنعه ، فإنْ أبى ، فإنَّ عمره قصير.

قال الباقرعليه‌السلام : فلمَّا مضى أبي ادَّعي عبد الله الإمامة ، فلم أنازعه ؛ فلم يلبث إلا شهوراً يسيرة حَتَّى قضى نحبه (١) ، وتربته في الموصل »(٢) .

والحسن والحسين الأكبر : وهما مع عبد الله ، اُمُّمهم أم ولد(٣) ، وكان الحسينعليه‌السلام تابعياً مدنياً ، مات سنة ١ ٥ ٧ هـ ، ودُفن بالبقيع ، يكنّى أبا عبد الله ، وله أربع وستون سنة ، من أصحاب أبيه الباقر والصادقعليهم‌السلام .

كذا في رجال الشيخ(٤) .

وفي إرشاد المفيدرحمه‌الله : (إنه كان فاضلاً ورعاً) ، انتهی(٥) .

زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام

(وزيد : وهو الَّذي نُسب إليه الزيدية ، وهم جماعة قالوا بإمامته بعد أبيه ، وهو

__________________

(١) ينظر : مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٥١.

(٢) ذكره القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ١٥٢.

(٣) الأصح : (والحسن والحسين الأكبر أمهما أم ولد). (السيد محمّد الطباطبائي).

(٤) رجال الطوسي : ١١٢ رقم ١٠٩٨ / ٥ ، ١٣٠ رقم ١٣٢٨ / ٧ ، ١٨٢ رقم ٢١٩٧ / ٥٤ ، وفي المطبوع : (أربع وسبعون سنة).

(٥) الإرشاد ٢ : ١٧٤.

١١

جدّ شرفاء اليمن )(١) .

والروايات في مدح زيد وذمَّه متعارضة ، وما يدل على المدح أكثر.

قال في (الرجال الكبير) : (هو جليل القدر ، عظيم المنزلة ، قُتل في سبيل الله وطاعته سنة ١٢١ هـ. وله اثنتان وأربعون سنة ، وورد (ووردت ـ ظ) في علو قدره روايات تضيق (يضيق ـ ط) المقام عن إيرادها ) ، انتهى(٢) .

وفي الإرشاد : (كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه‌السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسين عليه‌السلام (٣) .

واعتقد كثير من الشيعة فيه أنه الإمام ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظنوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يریدها ؛ لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ) ، انتهى(٤) .

وليس المراد بالرضا الإمام الثامنعليه‌السلام كما لا يخفى ، بل المراد من يرضون به من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ما ورد فيه من الأخبار

ومن جملة ما ورد في مدحه ، ما رواه في الأمالي يسنده إلى ابن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، قال : «دخلت على الصادق عليه‌السلام ، فقال : من أين أقبلت؟

__________________

(١) ذكره القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ١٥٢.

(٢) منهج المقال : ١٥٤.

(٣) الإرشاد ٢ : ١٧١.

(٤) الإرشاد ٢ : ١٧٢.

١٢

فقلت له : من الكوفة. قال : فبكیعليه‌السلام حَتَّى بُلَّت لحيتُه ، فقلت له : يا ابن رسول الله مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : ذكرت عمِّي زيداً وما صُنع به فبكيت.

فقلت : وما الَّذي ذكرت منه؟ فقال : ذكرت مقتله ، وقد أصاب جبینه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فأنكبّ عليه ، وقال له : أبشر يا أبتاه ، إنك ترد على رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

قال : أجل يا بني ، ثُمَّ دعا بحدّاد ، فنزع السَّهم من جبينه ، فكانت خروج نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودُفن ، واُجري عليه الماء. وكان معهم غلام سندي لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر ـ الثقفي عامل هشام بن عبد الملك(١) ـ من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف بن عمر ، وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثُمَّ أمر به فاُحرق بالنار ، وذُري في الرياح. فلعن الله قاتله وخاذله. وإلى الله جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا ، وهو خير مستعان»(٢) .

إلى غير ذلك ممَّا لا يُحصى كثرة.

وأمّا العلماء المتصدون لمدحه ، فأولهم: الصدوقرحمه‌الله في العيون ، ثُمَّ تبعه شيخنا المفيد ، والطبرسي في كتاب إعلام الورى(٣) .

ومنهم : النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وشيخ الطائفة في الفهرست(٤) .

__________________

(١) ما بين الشارحتين من المؤلفرحمه‌الله للبيان ، فلاحظ.

(٢) آمالي الصدوق : ٤٧٧ رقم ٦٤٣ / ٣.

(٣) عیون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٨ باب ٢٥ وفيه ٧ أحادیث ، الإرشاد ٢ : ١٧١ ، إعلام الوری ١ : ٤٩٣.

(٤) رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢ ، الفهرست : ٦٢ رقم ٦٥ / ٣ ، رقم ١١٢٦ / ١.

١٣

ومنهم : شيخنا الشهيد في (الذكرى) في مسألة الصلاة على المصلوب ، ووافقه الشهيد الثاني في (الروضة البهية)(١) .

ومنهم : الأستر آبادي في رجاله(٢) .

[عمر الأشرف]

وعمر : وهو مع أخيه زيد لاُمِّ ولد واحدة. وسمعت مدحه في الخبر المتقدّم ، ونزيدك : أنه قال الطوسيرحمه‌الله (٣) : (إنَّه مدني تابعي ، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنیف)(٤) .

وفي الإرشاد : (كان عمر بن علي بن الحسين عليه‌السلام فاضلاً جليلاً ، ولِيَ صدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان ورعاً سخياً )(٥) .

وهو جدّ السيِّد الرضي والمرتضى [لأمهما](٦) ، قال المرتضیرحمه‌الله في شرح (المسائل الناصرية) ، عند وصف أجداده من قبل اُمّه : (وأمّا عمر بن علي بن الحسين عليه‌السلام ولقبه : الأشرف ، فإنه كان فخم السيادة ، جليل القدر والمنزلة في الدولتين معاً : الاُموية والعبَّاسية ، وكان ذا علم. وقد رُوي عنه الحديث ، ثُمَّ ذكر الخبر المذكور )(٧) .

__________________

(١) ذكرى الشيعة ١ : ٤٤٥ ، روض الجنان : ٣٠٨ للشهيد الثاني قدس سره ولم يذكر في الروضة كما ذكر المؤلفرحمه‌الله ، فلاحظ.

(٢) منهج الرجال : ١٥٤.

(٣) في الأصل : (قال الصدوق) وهو اشتباه ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) رجال الطوسي : ٢٥٢ رقم ٣٥٤٠ / ٤٤٩.

(٥) في الأصل : (متجنبا) وما أثبتناه من المصدر ، الإرشاد ٢ : ١٧٠.

(٦) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٧) الناصريات : ٦٣.

١٤

وإنما قيل له : الأشرف بالنسبة إلى عمر الأطرف عم أبيه ، فإن هذا لمّا نال فضيلة ولادة الزهراء البتولعليها‌السلام ، كان أشرف من ذلك ، وسُمي الآخر : الأطرف ؛ لأن فضيلته من طرف واحد ، وهو طرف أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

[بقية أولادهعليه‌السلام ]

والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان لاُمّ ولد ، وعلي ـ وكان أصغر أولاده ـ ومحمّد الأصغر اُمّه اُمُّ ولد ، وخديجة هي مع أخيها علي الأصغر ، من اُمّ ولد واحدة ، تزوجها محمّد بن عمر بن علي ، فولدت له عدة أولاد.

وفاطمة ، وعلية ـ ذكرها النجاشي في الفهرست ـ وصرّح بأنَّ لها كتاباً يرويه عنها أبو جعفر محمّد بن عبد الله ، عمّن روى عنهم ، عن زرارة بن أعين عنها(٢) .

واُم كلثوم : لاُمَّهات أولاد.

ومليكة : من اُمِّ ولد.

وذكر بعضهم موضع ولد وبنتين ، من الذكور القاسم ، واُمّ الحسن ، [ومن الإناث](٣) وأم الحسين ، وأنه من أولادهعليه‌السلام هذا لم يعقب(٤) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٣٠٥ ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف ٢ : ١١١ رقم ١٠٨.

(٢) رجال النجاشي : ٣٠٤ رقم ٨٣٢.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق للتوضيح.

(٤) ينظر في أولادهعليه‌السلام : المجدي في أنساب الطالبین : ٩٣ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ١٥٥ ـ ٢١٢ باب ١١ وفيه جمع من الأقوال.

١٥
١٦

المقام الخامس

الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام

لقّبه بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبلغه السلام على لسان جابر لمّا اُضرّ في آخر عمره. «وافاه الباقر عليه‌السلام في يوم من الأيام وسلّم عليه ، وكان حدث السن ، فردّ عليه جابر وسأله من أنت؟ فقال له عليه‌السلام : أنا محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، فقال : اُدنُ منّي ، فدنا منه عليه‌السلام ، فأخذ يده وقبله ، وقال له : يا بن رسول الله ، إنَّ رسول الله يقرؤك السلام.

فقال الباقر عليه‌السلام : على رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته. ثُمَّ قال عليه‌السلام :وكيف كان ذلك؟ فقال جابر : كنت يوماً مع رسول الله ، فقال : يا جابر لعلَّك تبقى حَتَّى توافي أحد ولدي ، يقال له : محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، أعطاه الله النور والحكمة. أبلغه سلامي »(١) .

قال صاحب (عمدة الطالب) : (ويُقال له : عمود الشرف ، ومناقبه متواترة بين الأنام ، مشهورة بين الخاص والعام ، وقصده المنصور الدوانيقي بالقتل مراراً ، فعصمه الله منه ) ، انتهى(٢) .

ويكنّى بأبي جعفر ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان يُكنّى بذلك في صغر سنّه ، ويؤيده ما رُوي عنه من : «إنّا لنُكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النّبز أن يُلحق بهم »(٣) .

__________________

(١) المؤلفرحمه‌الله نقل الحديث باختصار وتصرف يسير ، ورد تمامه في : روضة الواعظين : ٢٠٢ ، کشف الغُمَّة ٢ : ٣٣٥ ، مناقب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام للكوفي ٢ : ٢٧٥ ح ٧٤٣ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢٥ ـ ٢٢٩.

(٢) عمدة الطالب : ١٩٦ ، والحديث كما في المصدر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وليس عن أبيهعليه‌السلام ، فلاحظ.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠ ح ١١ ، وأمّا كنيتهعليه‌السلام من الصغر ، تظهر لنا من أحاديث لقائه بالصحابي جابر الأنصاريرضي‌الله‌عنه .

١٧

مولدهعليه‌السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة ، يوم الجمعة أول شهر رجب ، وقيل : (يوم الثالث من صفر )(١) .

والأول أصح ؛ لما رواه الشيخ في المصباح ، عن جابر الجعفي قال : (وُلد الباقر أبو جعفر بن علي عليه‌السلام يوم الجمعة ، غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة )(٢) .

اُمُّهعليه‌السلام

وكانت اُمُّه فاطمة ، المكنّاة : باُمّ عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الصادق فيها : «إنَّها كانت صدّيقة ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها »(٣) .

وفي (دعوات الراوندي) : رُوي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : «كانت اُمِّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فأشارت بيدها ، وقالت : لا وحقِّ المصطفى ، ما أذن الله لك في السقوط ، فبقي معلّقاً حَتَّى جازته ، فتصدّق عنها أبي بمائة دينار »(٤) .

وهو هاشمي من هاشميّين ، وعلوي من علويّين(٥) .

قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي : (واُمُّها اُمُّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر )(٦) .

وهذا من الاشتباه والغلط ؛ فإنَّ من المُسلَّم أنّ اُمَّ فروة بنت القاسم هذه زوجة

__________________

(١) المصباح للكفعمي : ٥١٠ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٢ باب في ولادته.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٠١.

(٣) الكافي ١ : ٤٦٩ ح ١.

(٤) الدعوات : ٦٨ ح ١٦٥ ، الكافي ١ : ٤٦٩ ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٧ باب ٢٤.

(٦) معالم العترة النبوية ، عنه کشف الغُمَّة ٢ : ٢٣١.

١٨

الباقرعليه‌السلام ، أم ولده الصادقعليه‌السلام ؛ فكيف يمكن أن تكون جدّة الباقر يعني : اُمّ اُمّه.

وأشنع من ذلك ما صدر من صاحب (جنات الخلود) ، من : (أنَّ الأصحّ : أنَّ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر )(١) ، مع أنّ اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ـ أيضاً ـ اُمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وصرّح به هو أيضاً ؛ ولذا كان الصادقعليه‌السلام يقول : «لقد ولدني أبو بكر مرّتين ». وذلك من حيث إنَّ اُمَّه اُمّ فروة ، كانت بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر من طرف الأب ، وبنت أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من طرف الأُم(٢) ، فأبو بكر جدّهعليه‌السلام لأُمه من الطرفين ، وثبت بالنص الصحيح : أنَّ أجداد الأئمةعليهم‌السلام كلُّهم أولاد حلال.

وعلى كل حال : فلا يجتمع القول : بكون زوجة الباقرعليه‌السلام بنت أسماء هذه ، مع القول : بكون اُمُّه بنت أسماء المزبورة.

فإن كان من المحقِّق : أنّ اُمّ عبد الله التي هي بنت الحسنعليه‌السلام أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلا نسلّم أنَّها اُمّ الباقرعليه‌السلام ، فقد ذكر الطريحي في المجمع : (أنَّ اُمَّ الباقر عليه‌السلام كانت بنت عبد الله بن الحسن بن علي عليه‌السلام )(٣) ، وذُكر في الدراية : (أنَّ اُمَّه اُم عبد الله بنت الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام )(٤) ، وإن كان الأخير باطلاً أيضاً ؛ فإن الحسن بن الحسن ، قَدْ تزوج بفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، فتكون بنته هذه بنت اُخت علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلا يصح له تزوَّجها ، ولعله لذلك عدل

__________________

(١) جنات الخلود : ٢٧.

(٢) کشف الغُمَّة ٢ : ٣٧٤ ، عمدة الطالب : ١٩٥.

(٣) مجمع البحرين ١ : ٥٧١.

(٤) جامع المقال : ١٨٨.

١٩

إلى ما في المجمع ؛ فإنَّه متأخّر تصنيفه عن الدراية.

والصحيح : أنَّ اُمَّها اُم ولد تدعى : صافية(١) ، كما تقدم بيانه في أولاد الحسنعليه‌السلام ، فعليك بالتأمُّل التام في هذا المقام ، فقد زلَّت فيه جملة من الأقدام.

وفاتهعليه‌السلام بالمدينة

وقُبض مسموماً بالمدينة ، من هشام بن عبد الملك بن مروان سنة ١١٤ من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، كما في الكافي. ودُفن بالبقيع ، في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه : علي بن الحسينعليه‌السلام (٢) .

فصل

في أولادهعليه‌السلام

وُلد لهعليه‌السلام سبعة أولاد : أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، وعبد الله ، من اُمٍّ واحدة ، اُمُّهما : اُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وكان عبد الله يشار إليه بالفضل والصلاح.

وفي مقاتل الطالبيين : (أن عبد الله هذا دخل على رجل من بني اُميَّة فأراد قتله ، فقال له عبد الله : لا تقتلني أكن لله عليك عيناً ، ولك على الله تعالى عوناً. فقال : لست هناك ، وترکه ساعة ، ثُمَّ سقاه سمّاً في شراب سقاه إياه فقتله(٣) )(٤) .

وإبراهيم ، وعبد الله ، اُمُّهما : اُمّ حكيم بنت الأسد بن المغيرة الثقفي.

__________________

( ١) ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام من طبقات ابن سعد : ٢٨ ح ٢٣.

( ٢) الكافي ١ : ٤٦٩.

(٣) في الأصل : (سقاه أيام فقتله) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) مقاتل الطالبين : ١٠.

٢٠

وعلي : وقبره في حوالي بلدة كاشان ، يُعرف بإمام زاده مشهد (بار کرس)(١) .

وزينب : لاُمِّ ولد ، واُم سلمة : لاُمِّ ولد.

وفي معجم البلدان : (أن في مصر قبر آمنة بنت محمّد الباقر عليه‌السلام )(٢) .(٣)

__________________

(١) ينظر : الكنى والألقاب ٢ : ٧.

(٢) معجم البلدان ٥ : ١٤٢.

(٣) ينظر في أولادهعليه‌السلام : المجدي : ٩٤ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٦٥ ـ ٣٦٨ وفيه جمع من الأقوال.

٢١

المقام السادس

الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام

مولدهعليه‌السلام

وكنيته : أبو عبد الله ، وُلدعليه‌السلام بالمدينة ، في السابع عشر من شهر ربيع الأول ، سنة ٨٣ من الهجرة. وعلى الأصح سنة ٨٠ ، وهو يوم شریف ، عظيم البركة ، من جملة الأعياد الأربعة الإسلامية(١) ، واُمّه اُم فروة ، واسمها قريبة(٢) ـ وعن الجعفي : أنَّ اسمها فاطمة ـ بنت الفقيه القاسم ابن النجيب محمّد بن أبي بكر(٣) ، واُمّها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ فالقاسم : هو جدّ مولانا الصادقعليه‌السلام لأُمِّه ، وابن خالة سيد الساجدینعليه‌السلام ؛ لأنّ اُمَّه واُمَّ القاسم بنتا یزدجرد.

قال الدميري في (حياة الحيوان) نقلاً عن كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة : إن الجفر جلد كتب فيه الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام لآل البيت كل ما يحتاجون إلى علمه ، وكل ما يكون إلى يوم القيامة ، قال : وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري بقوله :

لقد عجبوا لأهل البيت لمّا

أتاهم عِلمُهُم في مِسْكِ جَفْرِ

ومرآةُ المنجِّمِ وهي صغرى

أرته كلّ عامِرَةٍ وقفرِ(٤)

وقال صاحب (الملل والنحل) في مدح الإمام الصادقعليه‌السلام : (وهو ذو علم

__________________

(١) الأعياد الأربعة : عيد الفطر ، عيد الأضحى ، عيد الغدير ، يوم الجمعة [معجم ألفاظ الفقه الجعفري : ٦٢] ، فيوم مولدهعليه‌السلام ليس منها ، بل هو من الأيام الأربعة التي ورد فضل صيامها في السنة ، كما رُوي في وسائل الشيعة ١٠ : ٤٥٤ باب ١٩ وفيه ٧ أحاديث.

(٢) کشف الغُمَّة ٢ : ٣٧٤.

(٣) الدروس ٢ : ١٢.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢٤٦ (مادة : الجفرة) ، اللزوميات ١ : ٤٢٣.

٢٢

غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا(١) ، وورع تام عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثُمَّ دخل العراق وأقام بها مدّة ، ما تعرض للإمامة قطُّ ، ولا نازع أحداً في الخلافة قطُّ.

ومَن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شطّ ، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ. وقيل : مَن أنس بالله توحّش عن الناس ، ومَن استأنس بغير الله نهبه الوسواس ، وهو من جهة الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأُم إلى أبي بكر) ، انتهى(٢) .

القاسم بن محمّد بن أبي بكر

وبالحري أن نذكر شيئاً من فضل القاسم وأبيه ، فإنَّ ذلك مقصد نبيه :

قال ابن خَلّکان : (أبو محمّد القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه ، ونسبه معروف ؛ فلا حاجة إلى رفعه ، كان من سادات التابعين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكان من أفضل أهل زمانه ، روی عن جماعة من الصحابةرضي‌الله‌عنه ، ورَوي عنه جماعة من كبار التابعين.

قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا أحداً نفضّله على القاسم بن محمّد.

وقال مالك : كان القاسم من فقهاء هذه الأُمَّة.

وقال محمّد بن إسحاق : جاء رجل إلى القاسم بن محمّد ، فقال : أنت أعلمُ أم سالم؟ فقال : ذاك مبارك سالم. قال ابن إسحاق : کره أن يقول : هو أعلم منّي فيكذب ، أو يقول : أنا أعلم منه ، فيزكّي نفسه.

__________________

(١) في الأصل : (الدين) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الملل والنحل ١ : ١٦٥.

٢٣

وكان القاسم أعلمهما. وتوفي سنة ١٠١ هـ ، وقيل : سنة ١٠٢ هـ ، وقيل : سنة ١٠٨ ه ، وقيل : سنة ١١٢ هـ بقدید. فقال : كفّنوني في ثيابي التي كنت أُصلّي فيها وقميصي وإزاري وردائي.

فقال ابنه : يا أبتِ ، ألا نزيد ثوبين؟ فقال : هكذا كُفّن أبو بكر : في ثلاثة أثواب ، والحي أحوج إلى الجديد من الميِّت.

وكان عمره سبعين سنة ، أو اثنتين وسبعين سنة). انتهى(١) .

ورُوي في الكافي في باب مولد الصادقعليه‌السلام ، عن إسحاق بن حريز ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «كان سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين عليه‌السلام »(٢) .

وفي (قرب الإسناد) : (أنه ذُكر عند الرضا عليه‌السلام ،القاسم بن محمّد خال أبيه ، وسعيد بن المسيّب ؛ فقال عليه‌السلام : «كانا على هذا الأمر» ) ، انتهى(٣) .

وذكر الشهيد الثانيرحمه‌الله في (منية المريد) : (أنَّ القاسم بن محمّد بن أبي بكر أحد فقهاء المدينة المتفق على علمه وفقهه بين المسلمين ، قيل : إنه سُئل عن شيء؟ فقال : لا أحسِنُهُ. فقال السائل : إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك.

فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي ، وكثرة الناس حولي. والله لا اُحسِنُهُ. فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا بن أخي ألزمها ، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك مثل اليوم. فقال القاسم : والله لئن يُقطع لساني أحبّ إليّ من أن أتكلَّم بما لا علم لي به)(٤) .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٥٩.

(٢) الكافي ١ : ٤٧٢ ح ١.

(٣) قرب الإسناد : ٣٥٨ ح ١٢٧٨.

(٤) منية المريد : ٢٨٦.

٢٤

أبوه محمّد بن أبي بكر

وأمّا محمّد بن أبي بكر أبوه ، فهو جليل القدر ، عظيم المنزلة من خواص عليعليه‌السلام ، وُلد في حجّة الوداع ، وقُتل بمصر سنة ٣٨ من الهجرة في خلافة عليعليه‌السلام ، واُحرق في جيفة حمار بمصر القديمة ، ولم يبق إلا رأسه الشريف ، فدفنه مولاه بمحراب المسجد ، وقيل تحت المئذنة ، وكان عاملاً على مصر من قبل عليعليه‌السلام ، فمکث دون السنة ، ثُمَّ قتل(١) .

قال في (معجم البلدان) عند ذكر من دُفن بالقرافة : (وقبر خال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو أخو حليمة السعدية ـ ، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق )(٢) .

وقد ذكرنا سابقاً حديث أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في شأن المحمّدين الأربعة(٣) .

وفي المروي عن موسی بن جعفرعليه‌السلام ، المتضمن الذكر حوارييّ كل إمام ، قالعليه‌السلام : «ثُمَّ ينادي منادٍ : أين حوارييّ علي بن أبي طالب وصي محمّد بن عبد الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟فيقوم عمرو بن الحمق ، ومحمّد بن أبي بكر ، وميثُمَّ التمار : مولى بني أسد ، واُويس القرني »(٤) .

وعن الرضاعليه‌السلام : «أنه دخل عليه جماعة من الشيعة ، فلم يأذن لهم بالجلوس : فقالوا : يابن رسول الله ، ما هذا الجفاء العظيم؟! قال : لدعواكم أنكم شيعة أمير

__________________

(١) ينظر مقتله وأحوالهرضي‌الله‌عنه في : الغدير ١١ : ٦٦ ـ ٧١ ، والكتب الرجالية لهجت بأريج ذكره.

(٢) معجم البلدان ٥ : ١٤٣ ، وينظر عن مرقده : مراقد المعارف ٢ : ٢٤٤ رقم ٢١٦.

(٣) حديث المحامدة ورد في اختيار معرفة الرجال ١ : ٢٨٦ ح ١٢٥ ونصّه : عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إن المحامدة تأبى أن يُعصى الله عز وجل ، قلت : ومن المحامدة؟ قال : محمّد بن جعفر ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد ابن أبي حذيفة ، ومحمّد ابن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أما محمّد بن أبي حذيفة ، فهو ابن عتبة بن ربيعة ، وهو ابن خال معاوية ».

(٤) اختيار معرفة الرجال ١ : ٣٩ ح ٢٠.

٢٥

المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .ويحكم! إنما شیعته : الحسن والحسين عليهما‌السلام وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، ومحمّد بن أبي بكر ، الَّذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ، ولم يرتكبوا شيئاً من زواجره الحديث »(١) .

واُمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، كانت تحت جعفر الطيار ، اُمُّ ولديه : عبد الله ، ومحمّد ، وفي السنة العاشرة لمّا توفّي جعفر بمؤتة ، تزوجها أبو بكر ، فولدت منه محمّداً في طريق حجّة الوداع ، ثُمَّ تزوَّجها أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة أبي بكر ، فكان محمّد في تربيتهعليه‌السلام ، وكان عمره حينئذ سنتين(٢) .

مدفنهعليه‌السلام

وقُبض الصادقعليه‌السلام مسموماً ، سمّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي ، في يوم النصف من شهر شوال ، وقيل : (في النصف من رجب سنة ١٤٨ هـ ، وله خمس وستون سنة. عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، ودُفن بالبقيع في القبر الَّذي دُفن فيه أبوه صلوات الله عليهما )(٣) .

__________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣١٣.

(٢) ينظر عن أحوالهارضي‌الله‌عنه ا : الطبقات الكبرى ٨ : ٢٨٠.

(٣) الكافي ١ : ٤٧٢ ، الارشاد ٢ : ١٨٠ ، بحار الأنوار ٤٧ : ١.

٢٦

فصل

في أولادهعليه‌السلام

وُلد له عشرة أولاد : موسىعليه‌السلام ، وهو الإمام بعده ، وإسماعيل ، وعبد الله الأفطح ، وأم فروة ـ اسمها عالية ـ ، أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسينعليه‌السلام .

ونُقل عن ابن إدريسرحمه‌الله أنه قال : (أم إسماعيل ، فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام )(١) .

وإسحاق لأم ولد ، والعبَّاس ، وعلي ، ومحمّد ، وأسماء ، وفاطمة لأمهات أولاد شتَّى.

وكان إسماعيل أكبر أولاد الصادقعليه‌السلام ، وهو جدّ الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر ، ومصر الجديد (الجديدة ـ ظ) من بنائهم(٢) .

قبران مذمومان في بغداد

وفي بغداد قبران مذمومان : أحدهما علي بن إسماعيل ابن الصادقعليه‌السلام ، ويعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي ، والآخر : أخوه محمّد بن إسماعيل جدّ الفاطميين ، ويعرف عندهم : بالفضل. والمحلة التي فيها محلة الفضل(٣) .

__________________

(١) نصّ عليه التستري في قاموس الرجال ١٢ : ١٩١ رقم ١٤ ، والنمازي في مستدركاته ٨ : ٥٥٠ رقم ١٧٩٥١ دون الإشارة إلى ذكر العلّامة ابن أدريسرحمه‌الله .

(٢) ينابيع المودة ٣ : ١٥٣.

(٣) ينظر : مراقد المعارف ١ : ٣٦١ رقم ١٢١ (قبر سلطان علي) ، ٢ : ١٦٩ رقم ١٩٤ (قبر الفضل).

٢٧

إسماعيل ابن الإمام الصادقعليه‌السلام

وكانعليه‌السلام شديد المحبة لإسماعيل ، والبرِّ به ، والإشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له ؛ لما ذكرنا من كبر سنه ، وميل أبيه إليه ، وإكرامه له ؛ ولما كان عليه من الجمال ، والكمال الصوري والمعنوي ، توفّي في حياة أبيه ، وحينما حُمل إلى البقيع للدفن كان الصادقعليه‌السلام يضع جنازته على الأرض ويرفع عن وجهه الكفن ، بحيث يراه الناس ، فعل ذلك في أثناء الطريق ثلاث مرّات ليرى الناس موته ، وأنه لم يغب ، كما كان يظن به ذلك. ولمّا تحقّق موته رجع الأكثرون عن القول بإمامته ، وفرض طاعته ، وقال قوم : إنه لم يمت ، وإنَّما لُبس على الناس في أمره.

وقالت فرقة : إنَّه مات ، ولكن نصّ على ابنه محمّد : وهو الإمام بعد جعفر ، وهم المسمّون : بالقرامطة ، والمباركة ، وذهب جماعة : إلى أنه نصّ على محمّد جدّه الصادق دون إسماعيل ، ثُمَّ يسحبون الإمامة في ولده إلى آخر الزَّمان(١) .

قال جدّي الأمجد السيِّد محمّد جدّ جدِّنا بحر العلوم : (وسخافة مذهبهم وبطلانه أظهر من أن يُبيّن ، مع أنه مبيّن بما لا مزيد عليه في محلّه)(٢) .

__________________

(١) ينظر عن أحوالهرضي‌الله‌عنه : معجم رجال الحديث ٤ : ٤٠ رقم ١٣١٦.

(٢) رسالة في تاريخ المعصومين : ١٥٣ ، وقال السيد بحر العلومرحمه‌الله في (الفوائد الرجالية) ٣ : ٣٤٢ عند ترجمته ما نصّه : (المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن سعد. تبناه الأسود بن يغوث فأضيف إليه ، أحد الحواريين وثاني الأركان من السابقين الأولين ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، هاجر الهجرتين ، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد ، وهو القائل ـ ببدر ـ : والله يا رسول الله : ما نقول كما قالت بنو إسرائيل : ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن خلفك. فسر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حَتَّى رثي البشري في وجهه ، تجمعت فيهرضي‌الله‌عنه أنواع الفضائل ، وأخذ بمجامع المناقب من السبق ، والهجرة ، والعلم ، والنجدة ، والثبات ، والاستقامة ، والشرف ، والنجابة. زوّجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ضباعة) بنت الزبير بن عبد المطلب أخي عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو عُرض علم مقداد على سلمان الكفر ، ولو عرض علم سلمان على أبي ذر لكفر » وحديث الحضرمي عن ابي

٢٨

وقبر إسماعيل ليس في البقيع نفسه ، بل هو في الطرف الغربي من قُبَّة العبَّاس في خارج البقيع ، وتلك البقعة [هي](١) ركن سور المدينة من جهة القبلة والمشرق ، وبابه من داخل المدينة ، وبناء تلك البقعة قبل بناء السور ، فاتَّصل السور به ، وهو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر(٢) .

قبر المقداد بن الأسود الكندي

وقبر المقداد بن الأسود الكندي في البقيع أيضاً ، فإنه مات بالجرف ، يبعد عن المدينة بفرسخ ، وحُمل إلى المدينة. فما عليه سواد أهل شهروان(٣) من أن فيه قبر مقداد بن الأسود ؛ هذا اشتباه.

ومن المحتمل قوياً كما في (الروضات) : (أن القبر المشهور الَّذي في شهروان هو للشيخ الجليل الفاضل المقداد صاحب المصنَّفات ، من أجلّ علماء الشيعة )(٤) .(٥)

__________________

جعفرعليه‌السلام : «إن أردت الَّذي لم يشك ولم يدخله شيء ، فالمقداد ». وروي : «أنه لم يبقَ أحد إلا وجال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد» ، وروى الترمذي في جامعه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «إنّ الله تعالى أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنه يحبّهم ، وهم : علي ، ومقداد ، وسلمان ، وأبو ذر ». وفضائل هؤلاء الثلاثة ومناقبهم أكثر من أن تُحصى ، وكفى لهم شرفاً وفخراً ، ضمّتهم إلى أمير المؤمنين ـعليه‌السلام ـ في حبّ الله وحبّ رسوله. توفي المقدادرضي‌الله‌عنه بالجرف ، وهو على ثلاثة أميال من المدينة ، وهو ابن سبعين سنة من الهجرة ، فحُمل على الرقاب حَتَّى دفع بالبقيع. وينظر عن مرقده أيضا : مراقد المعارف ٢ : ٣٢٨ رقم ٣٤٣.

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٢) وفاء الوفا ٢ : ١٠٤.

(٣) شهروان : قضاء يقع الآن ضمن مدينة ديالى ، ويقال له شهربان ، واشتُهر أخيراً بالمقدادية نسبة إلى هذا القبر ، (ينظر : مراصد الاطلاع ٢ : ٨٢٢).

(٤) روضات الجنات ٧ : ١٧٥.

(٥) قال سماحة السيِّد المحقق مهدي الخرسان حفظه الله في هامش بحار الأنوار ٤٨ : ٢٩٦ ما نصّه : (قال في الروضات) : ومن جملة ما يُحتمل عندي قوياً هو أن تكون البقعة الواقعة في بريّة شهروان بغداد والمعروفة عند أهل تلك الناحية بمقبرة مقداد ، مدفن هذا الرجل الجليل الشأن ، يعني الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري المعروف

٢٩

وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلق بتاريخ المدينة المنورة : (أن أي أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دُفنوا في البقيع).

وذكر القاضي عيّاض في (المدارك) : (أنَّ المدفونين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هناك عشرة آلاف)(١) ، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عيناً وجهة. وسبب ذلك : أن السابقين لم يُعلّموا القبور بالكتابة والبناء ، إضافةً إلى أن تمادي الأيام يوجب زوال الآثار.

نعم ، إن من يُعرف مرقده من بني هاشم عيناً وجهة ، قبر إبراهيم ابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بقعة قريبة من البقيع ، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة ، وهو أول من دُفن في البقيع.

وفيه أيضاً قبر أسعد بن زرارة ، وابن مسعود ، ورُقيَّة ، واُمّ كلثوم ـ بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

__________________

بالفاضل المقداد بناءً على وقوع وفاتهرحمه‌الله في ذلك المكان أو إيصائه بأن يُدفن هناك ؛ لكونه على طريق القافلة الراحلة إلی العتبات العاليات. قال : وإلا فالمقداد بن الأسود الكنديرحمه‌الله ، الَّذي هو من كبار أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مرقده المنيف في أرض بقيع الغرقد الشريف ، لما ذكره المؤرخون المعتبرون من أنهرضي‌الله‌عنه توفي في أرضه بالجرف ، وهو على ثلاثة أميال من المدينة ، فُحمل على الرقاب حَتَّى دُفن بالبقيع) ، انتهى. قلت : لكنه من عجیب الاحتمال ، حيث إن المسمّين بالمقداد كثيرون ، وليس لنا أن نقول بأن المقبرة المشهورة عندهم لمّا لم تكن للمقداد بن أسود الكندي فلتكن للمقداد بن عبد الله الفاضل السيوري ، مع أن الفاضل المقدادرحمه‌الله كان قاطناً في النجف الأشرف ، وليس شهروان في طريق النجف الأشرف إلى كربلاء ، ولا إلى الكاظمية ، ولا سامراء. بل الفاضل السيوري قَدْ توفّي بالمشهد الغروي في النجف الأشرف على ساكنه آلاف الثناء والتحف ، ضحی نهار الأحد السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٨٢٦ هـ ودُفن بمقابر المشهد المذكور كما صرّح به تلميذه الشيخ حسن بن راشد الحلي. (ينظر : الذريعة ج ١ ص ٤٢٩ و ٤٦٥ ، روضات الجنات ٧ : ١٧٦).

(١) ترتيب المدارك : ٢٣.

٣٠

[قبر عثمان بن مظعون]

وفي الروايات من العامة والخاصة ، أنه : (لمّا توفت رقية ودفنها صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون )(١) .

قال السمهودي : (إنّ الظاهر أن بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلهن مدفونات عند عثمان بن مظعون ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا وضع حجراً على قبر عثمان ، قال : بهذا اُميّز قبر أخي ، وأدفن معه كل من مات من ولدي )(٢) .

وروى الدولابي المتوفَّى سنة ٣١٠ هـ في كتاب (الكنى) : (أنه لمّا مات عثمان بن مظعون ، قالت امرأته : هنيئاً لك يا أبا السائب الجنّة ، وإنه أول من تبعه إبراهيم ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٣) .

قبر عثمان بن عفان

وبالجملة : فما يقال : (من أن قبر عثمان بن عفان هناك غلط ، فإنَّ قبره خارج البقيع )(٤) .

قال ابن الأثير في (النهاية) : (في (حشش) ومنه حديث عثمان : أنه دُفن في (حش کوکب) ، وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع ) ، انتهى(٥) .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤١ ح ٤٧٣٠ / ١٨ ، مسند أحمد ١ : ٢٣٧.

(٢) وفاء الوفا ٢ : ٨٦ وفيه : (والظاهر أنهن جميعاً عند عثمان بن مظعون لما تقدّم من قوله صلى الله عليه وسلم : وأدفن إليه من مات من أهلي).

(٣) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ : ١٠٥٣.

(٤) وفاء الوفا ٢ : ٩٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث ١ : ٣٩٠.

٣١

قبر عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام

وقبر عقيل بن أبي طالب ، ومعه في القبر ابن أخيه : عبد الله الجواد ابن جعفر الطيّار.

وقريب من قُبَّة عقيل ، بقعة فيها زوجات النبي ، وقبر صفية بنت عبد المطلب ، عمّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على يسار الخارج من البقيع(١) .

قبر الصدّيقة الطاهرةعليها‌السلام

وفي طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح ، والعامَّة يعتقدون : أنه قبر الزهراءعليها‌السلام (٢) .

وأنَّ قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قُبَّة عثمان ، وهو اشتباه ؛ فإن من المحقّق : أن قبر فاطمة الزهراءعليها‌السلام إما في بيتها ، أو في الروضة النبوية ، على مشرفها آلاف الثناء والتحيَّة.

وإنَّ القبر الواقع في الطرف القبلي من البقعة ، هو قبر فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما في بعض الأخبار أنَّ الأئمةعليهم‌السلام الأربعة نزلوا إلى جوار جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

وإنَّ القبر الواقع في المقبرة العمومية هو : مشهد سعد بن معاذ الأشهلي ، أحد

أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة.

وممَّن عُين قبر فاطمة بنت أسد حيثما ذكر لنا السيِّد على السمهودي في وفاء

__________________

(١) وفاء الوفا ٢ : ٩٨.

(٢) وفاء الوفا ٢ : ٩٤.

٣٢

الوفا بأخبار دار المصطفی(١) .

ولنختم الكلام في أمر البقيع بما رُوي عن سليمان الشاذكوني(٢) : (أنه رجفت قبور البقيع في عهد عمر بن الخطاب ، فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون بسكون الرجفة ، فما زالت تزيد في كل يوم إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها إلى الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فحضر ، فقال : يا أبا الحسن ، ألا ترى إلى قبور البقيع ورجيفها حَتَّى تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وقد همّ أهلها بالرحلة منها؟ فقال عليعليه‌السلام : «عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من البدريين» ، فجاؤوا بهم ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين من ورائهم ، ولم يبقَ بالمدينة ثيّب ولا عاتق إلا خرجت ، ثُمَّ دعا بأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد ، وعمّار ، فقال لهم : «کونوا بين يديَّ حَتَّى توسّط البقيع». والناس محدقون به ، فضرب الأرض برجله ، ثُمَّ قال : «مالَكِ؟» ثلاثاً فسكنت.

فقال : «صدق الله وصدق رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أنبأني بهذا الخبر ، وهذا اليوم ، وهذه الساعة ، وباجتماع الناس له. إنّ الله تعالى يقول في كتابه : ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(٣) . وأخرجت لي

__________________

(١) وفاء الوفا ٢ : ٨٦ ، واحتوى الفصل السادس منه (٨٣ ص ـ ١٠٧) على تعيين بعض من دُفن بالبقيع من أهل البيتعليهم‌السلام والصحابة ، فليراجع.

(٢) في الأصل : (سلمان الفارسي) ، والصحيح ما أثبتناه كما سيأتي في صدر الحديث ، وترجم له في رجال النجاشي : ١٨٤ رقم ٤٨٨ ، فليراجع.

(٣) سورة الزلزلة : ١ ـ ٤.

٣٣

أثقالها» ، ثُمَّ انصرف الناس معه ، وقد سكنت الرجفة)(١) .

عبد الله ابن الإمام الصادقعليه‌السلام

هذا وكان عبد الله أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيهعليه‌السلام منزلة غيره من إخوته الأكرام ، وكان متَّهماً في الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : إنه كان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذهب المرجئة ، وادّعی بعد أبيه الإمامة محتجّاً بأنّه أكبر أولاده الباقين بعده ، فاتَّبعه جماعة من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ثُمَّ رجع أكثرهم عن القول ، ولم يبقَ عليه إلا نفر يسير منهم. وهم الطائفة الملقّبة بالفطحية ؛ لأن عبد الله كان أفطح الرجلين ، ويقال : إنهم لُقبوا بذلك ؛ لأنَّ رئيسهم وداعيهم إلى هذا المذهب يقال له : عبد الله بن أفطح(٢) .

إسحاق ابن الإمام الصادقعليه‌السلام

وأمّا إسحاق فقد قال في (الإرشاد) : (وكان إسحاق بن جعفرعليه‌السلام من أهل الفضل ، والصلاح ، والورع ، والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار. وكان ابنُ کاسب إذا حدّث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفرعليه‌السلام ، وكان يقول : بإمامة أخيه موسی بن جعفرعليه‌السلام ، وروي عن أبيه النصّ على إمامته)(٣) .

__________________

(١) الثاقب في المناقب ٢٧٣ ح ٢٣٨ / ٧ وصدر الحديث فيه : عن الحسين بن عبد الرحمن التمار ، قال : (انصرفت عن مجلس بعض الفقهاء ، فمررت بسليمان الشاذكوني ، فقال لي : من أين أقبلت؟ قلت : من مجلس فلان العالم. قال : فما قوله؟ قلت : شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقال : والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي).

كما ورد في : شرح مئة كلمة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ٢٥٨ ، تأويل الآيات الظاهرة ٢ : ٨٣٧ ح ٥ ، بحار الأنوار ٤١ : ٣٧٢ عنه ، مدينة المعاجز ٢ : ١٠٠ ، والمؤلِّفرحمه‌الله نقله بتصرف يسير.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢١٠ ، عنه شرح اُصول الكافي ٦ : ١٧٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٢١٠.

٣٤

وقال في (العمدة) : (ويكنّى أبا محمّد ، ويُلقّب المؤتمن. ووُلد بالعريض ، وكان. أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمُّه اُمُّ أخيه موسى الكاظم عليه‌السلام ، وكان محدّثاً جليلاً ، وادَّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضا إسحاق بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام )(١) .

محمّد ابن الإمام الصادقعليه‌السلام وقبره

وكان محمّد بن جعفرعليه‌السلام سخياً شجاعاً ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يصرف في مطبخه كل يوم شاتاً ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة ١٩٩ هـ بمكّة ، وتبعه الجارودية ، فوجَّه عليه المأمون جنداً بقيادة عيسى الجلودي ، فكسره وقبض عليه ، وأتی به إلى المأمون ، فأكرمه المأمون ولم يقتله ، وأصحبه معه إلى خراسان(٢) .

وقبره في بسطام(٣) ، وهو الَّذي ذكرنا سابقاً أن قبره في جرجان ، فإن جرجان اسم لمجموع الناحية المعينة المشتملة على المدينة المدعوة بالأسترآباد وغيرها ، مثل مصر والقاهرة ، والعراق والكوفة.

قال في (مجالس المؤمنين) في ضمن أحوال بايزيد البسطامي : (إنَّ السلطان أولجایتوخان أمر ببناء قُبَّة على تربته).

وقد ذهب إلى إمامته بعد أبيه قوم من الشيعة يقال لهم : السمطية ؛ لنسبتهم إلى

__________________

(١) عمدة الطالب : ٢٤٩.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢١١ بتصرف يسير.

(٣) بسطام (بالكسر ثُمَّ السكون) : بلدة كبيرة بقومس على جادة الطريق إلى نيسابور بعد دامغان بمرحلتين ، قال مسعر بن مهلهل : بسطام قرية كبيرة شبيهة بالمدينة الصغيرة ، منها أبو يزيد البسطامي الزاهد. (معجم البلدان ١ : ٤٢١).

٣٥

رئيس لهم يقال له : يحيى بن أبي السمط(١) .

علي بن جعفر العُرَيْضِيْ

وكان علي بن جعفر كثير الفضل ، شديد الورع ، سديد الطريق ، راوية للحديث من أخيه موسىعليه‌السلام (٢) .

وهو المعروف بعلي بن جعفر العُرَيْضِيّ ، نشأ في تربية أخيه موسی بن جعفرعليه‌السلام ، ومن أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم(٣) ، وأدرك من الأئمّة أربعة أو خمسة.

وقال السيِّد في الأنوار : (كان من الورع بمكان لا يدانى فيه ، وكذلك من الفضل ، ولزم أخاه موسی بن جعفرعليه‌السلام ، وقال بإمامته وإمامة الرضا والجوادعليهما‌السلام . وكان إذا رأى الجوادعليه‌السلام مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة ، وينكبّ على أقدامه ، ويمسح شیبته على تراب رجليه ، ويقول : قَدْ رأى الله هذا الصبيّ أهلاً للإمامة ، فجعله إماماً ولم يَر شيبتي هذه أهلاً للإمامة ؛ لأنَّ جماعة من الشيعة كانوا يقولون له : أنت إمام فادّع الإمامة ، وكانرضي‌الله‌عنه لا يقبل منهم قولاً.

ورُوي أنَّ الجواد إذا أراد أن يفصد أخذ الدم ، يقول عليّ بن جعفر للفصّاد : إفصدني حَتَّى أذوقَ حرارة الحديد قبل الجوادعليه‌السلام ) ، انتهى(٤) .

وله مشاهد ثلاثة :

الأول : في (قم) ، وهو المعروف ، وهو في خارج البلد ، وله صحن وسيع ، وقُبَّة

__________________

(١) ينظر عن أحواله : قاموس الرجال ٩ : ١٧١ رقم ٦٥٣٨.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢١٤ مع تقديم وتأخير في النص.

(٣) كذا ، ولعل الصحيح : (وهو من أهل التصنيف وكتابه بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم).

(٤) الأنوار النعمانية ١ : ٣٧٨.

٣٦

عالية ، وآثار قديمة ، منها : اللوح الموضوع على المرقد المكتوب فيه اسمه واسم والده ، وتاريخ الكتابة سنة ٧٤(١) .

قال المجلسيرحمه‌الله في (البحار) : (من جملة من هو معروف بالجلالة والنبالة علي بن جعفرعليه‌السلام ، مدفون في (قم) ، وجلالته أشهر من أن تذكر.

وأمّا كون مدفنه في (قم) ، فلم يُذكر في الكتب المعتبرة ، لكن أثر القبر الشريف الموجود قدیم ، وعليه مكتوب اسمه). انتهى(٢) .

وفي (تحفة الزائر) : (يوجد مزار في (قم) ، وفيه قبر كبير ، وعلى القبر مکتوب : قبر على بن جعفر الصادقعليه‌السلام ، ومحمّد بن موسی.

ومن تاريخ بناء ذلك القبر إلى هذا الزَّمان قريب من أربعمائة سنة) ، انتهى(٣) .

وقال الفقيه المجلسي الأول في (شرح الفقيه) في ترجمة علي بن جعفرعليه‌السلام بعد ذکر نبذة من فضائله : (وقبره في (قم) مشهور.

قال : سمعت أن أهل الكوفة طلبوا منه أن يأتيهم من المدينة ، ويقيم عندهم ، فأجابهم إلى ذلك ، ومكث في الكوفة مدَّة ، وحفظَ أهل الكوفة منه أحاديث ، ثُمَّ طلب أهل (قم) النزول إليهم ، فأجابهم إلى ذلك. وبقي هناك إلى أن توفّي وله ذرِّية منتشرة في العالم.

وفي أصفهان قبر بعضهم ، منهم : قبر السيِّد كمال الدين في قرية (سين برخوار) ، وهو مزار معروف) ، انتهى(٤) .

__________________

(١) كذا ، ولعلَّه سنة ٧٤٠ هـ أو ٧٤٤ هـ ، فلاحظ.

(٢) بحار الأنوار ٩٩ : ٢٧٣.

(٣) تحفة الزائر : ٦٦٧.

(٤) روضة المتقين ١٤ : ١٩١ ، عنه خاتمة المستدرك ٤ : ٤٨١.

٣٧

وظنّي القوي : أن محمّد بن موسى المدفون معه ، هو من ذرِّية الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وهو محمّد بن موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ابن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفرعليه‌السلام .

قال صاحب (تاريخ قم) : (وُلد من أبي محمّد موسی بن إسحاق ولدٌ وبنت ، ولكن لم يُذكر اسم الولد )(١) .

وذكر صاحب (العمدة) : (أنه أعقب موسی بن إسحاق بن إبراهيم العسكري ، أبا جعفر محمّد الفقيه بقم ، وأبا عبد الله إسحاق الخ )(٢) .

الثاني : في خارج قلعة سمنان ، في وسط بستان نضرة مع قُبَّة ، وبقعة ، وعمارة نزهة.

ولكن المنقول عن المجلسي أنه قال : (لم يُعلم أنَّ ذلك قبره ، بل المظنون خلافه )(٣) .

الثالث : في العُريض ـ بالتصغير ـ على بعد فرسخ من المدينة : اسم قرية كانت ملکه ، ومحلّ سكناه وسکنی ذرِّیته ؛ ولهذا كان يُعرف بالعُرَيْضِيّ. وله فيها قبر وقُبَّة ، وهو الَّذي اختاره المحدّث النوري في خاتمة المستدرکات(٤) ، مع بسط تام وهو الظاهر ، ولعل الموجود في قم هو لأحد أحفاده(٥) .

__________________

(١) تاريخ قم : ٥٩٢.

(٢) عمدة الطالب : ٢١٤.

(٣) تحفة الزائر : ٦٦٧.

(٤) خاتمة المستدرك ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٨٧.

(٥) ينظر عن أحوال علي بن جعفررضي‌الله‌عنه وموضع قبره : مسائل علي بن جعفر : ٩ ـ ٨٠ المقدمة ، وفيها ترجمة وافية عنه ، وخاتمة المستدرك ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٨٧.

٣٨

وأمّا العبَّاس بن جعفر ، فقد قال المفيد في الإرشاد : (كان فاضلاً نبيلاً)(١) .

مقام الإمام الصادقعليه‌السلام في كربلاء

تتميم : لا يخفى أنه يوجد على ضفة نهر كربلاء المشرّفة المعروفة بالحسينية ، مقام یُعرف بمقام جعفر الصادقعليه‌السلام ، على لسان سواد أهل تلك البلدة ، ولعلَّه هو الَّذي عبّر عنه الصادقعليه‌السلام في حديث صفوان الَّذي نقله المجلسي في تحفة الزائر عن مصباح الشيخ الطوسيرحمه‌الله ، الوارد لتعليمه إياه آداب زيارة جدّه الحسينعليه‌السلام ، وفيه : فإذا وصلت إلى نهر الفرات ـ يعني : شريعة الصادق ، بالعلقمي ـ فقل : كذا ، والتفسير من الشيخين(٢) ، وظاهره : أن المقام المقدّس كان منسوباً إلى الصادقعليه‌السلام في عصرهما.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١٤.

(٢) مصباح المتهجد : ٧١٧ ، تحفه الزائر : ٣٧٦ ، والمراد بالشيخین : المفيد والطوسي رحمهما الله ، وقال العلّامة المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ٩٨ : ٢٠٥ عنه ما نصّه : قوله : يعني شرعة الصادقعليه‌السلام بالعلقمي ، هذا التفسير من المفيد والشيخ رحمهما الله. والشرعة بالكسر ، والمشرعة مورد الشاربة من النهر ، والآن النهر العلقمي مطموس ، وشرعة الصادقعليه‌السلام غير معلوم ، لكن بنسب إليهعليه‌السلام : موضع في تلك الجهة فلعله هي.

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513