تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم11%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15485 / تحميل: 1843
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ويقولعليه السلام : « مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّ كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا »(١) .

ويقولعليه السلام في التحذير من الدنيا : « إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الفتيان بأيديهم »(٢) .

أقول : إن الرجل العاقل هو المجرّب الذي خبر الدنيا فعرف أنها لا تصفو من الكدر وأنها تخبئ كثيرا من الآلام والآفات والنكبات ، أما الغرّ غير المجرّب فهو كالطفل يرى حلاوتها ولم يشعر بمرارتها ، فيغترّ بها كما يغترّ بلين مسّ الحيّة وإن كان فيها السمّ القاتل ، والامامعليه السلام وجميع المصلحين يحذّرون من الاغترار بنعيم الدنيا ، لأنه يسبّب طغيان الانسان وعتوّه ونسيان الآخرة وما يجب من العمل لها في فرصة الحياة الدنيا. وإن شئت أن تبعد غورا في عرفانها فتبصّر بقوله في صفتها :

« إن هذه الدنيا وإن أمتعت ببهجتها ، وغرّت بزبرجها ، فإن آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع ، الذي يروق بخضرته ثمّ يهيج(٣) عند انتهاء مدته ، وعلى من نصح لنفسه وعرف ما عليه وله أن ينظر إليها نظر من عقل عن ربّه جلّ وعلا وحذر سوء منقلبه ، فإن هذه الدنيا خدعت قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها ، وأكثر ما كانوا اغتباطا بها ، طرقتهم آجالهم بياتا وهم نائمون ، أو ضحى وهم يلعبون ، فكيف أخرجوا عنها ، والى ما صاروا بعدها ، أعقبتهم الألم ، وأورثتهم

__________________

(١) الكافي ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها : ٢ / ٣١٦ / ٧.

(٢) كتاب الزهد للثقة الجليل الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران الأهوازي ، باب ما جاء في الدنيا ومن طلبها : ٤٥ / ١٢١.

(٣) ينبس.

٢١

الندم ، وجرعتهم مرّ المذاق وغصّصتهم بكأس الفراق ، فيا ويح من رضي عنها أو أقرّ عينا ، أما رأى مصرع آبائه ، ومن سلف من أعدائه وأوليائه أطول بها حيرة ، وأقبح بها كرّة ، وأخسر بها صفقة ، واكبر بها ترحة ، اذا عاين المغرور بها أجله وقطع بالأماني أمله ، وليعمل على أنه اعطي أطول الأعمار وأمدّها ، وبلغ فيها جميع الآمال ، هل قصاراه إلاّ الهرم ، وغايته إلاّ الوخم(١) نسأل الله لنا ولك عملا صالحا بطاعته ، ومآبا الى رحمته ، ونزوعا عن معصيته ، وبصيرة في حقّه ، فإنما ذلك له وبه »(٢) .

وتأمّل قوله في نعتها ونعت ذويها : « كم من طالب للدنيا لم يدركها ، ومدرك لها قد فارقها ، فلا يشغلنّك طلبها عن عملك ، والتمسها من معطيها ومالكها ، فكم من حريص على الدنيا قد صرعته ، واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتّى فني عمره وأدركه أجله »(٣) .

وما أصدق قوله في تحليلها وأطوار الناس فيها : « ما الدنيا وما عسى أن تكون ، هل الدنيا إلاّ اكل اكلته ، أو ثوب لبسته ، أو مركب ركبته ، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الآخرة ، دار الدنيا دار زوال ، ودار الآخرة دار قرار ، أهل الدنيا أهل غفلة ، إن أهل التقوى أخفّ أهل الدنيا مؤونة واكثرهم معونة ، إن نسيت ذكّروك ، وإن ذكّروك أعلموك ، فانزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء منه ، فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ، وكم

__________________

(١) الثقل والرداءة.

(٢) مهج الدعوات ، في باب أدعية الصادق ، وقد أشرنا إليها في فصل استدعاء المنصور له في أوّل مرّة.

(٣) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه في أحوال الصادقعليه السلام .

٢٢

من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه »(١) .

وانتبه الى قولهعليه السلام : « ما أنزلت الدنيا من نفسي إلاّ بمنزلة الميتة ، اذا اضطررت إليها اكلت منها ، إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون والى ما هم إليه صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت » ثمّ تلا قوله تعالى : « تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا »(٢) وجعل يبكي ويقول : « ذهبت والله الأماني عند هذه الآية » ثمّ قالعليه السلام : « فاز والله الأبرار ، الذين لا يؤذون الذر ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار جهلا »(٣) .

أقول : أراد بقوله « ذهبت والله الأماني » أماني أهل الأعمال السيّئة إذ يحلم الله عنهم فيظنّون أنهم في نجاة من عذاب الله في الآخرة ، ولكن الآية دالّة على أن الدار الآخرة مقصورة على هؤلاء الذين لا يريدون العلوّ ولا الفساد ، إذن فلا نصيب لغيرهم فيها ، وأين تكون أماني أهل الآمال الذين ليسوا من اولئك ، وقد قطعت الآية تلك الأماني من نفوسهم.

وشكا إليه رجل الحاجة ، فقالعليه السلام : « اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا » ثمّ سكت ساعة ، ثمّ أقبل على الرجل فقال : « اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال : أصلحك الله ، ضيق منتن ، وأهله بأسوإ حال ، فقالعليه السلام : إنما أنت في السجن فتريد أن يكون فيه سعة أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن ».

وتأمّل قولهعليه السلام : « من أصبح وأمسى والدنيا اكبر همّه جعل الله

__________________

(١) تحف العقول للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبي الفقيه الجليل : ص ٢٠٨.

(٢) القصص : ٨٣.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٣ / ٧.

٢٣

الفقر بين عينيه ، وشتّت أمره ولم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له ، ومن أصبح وأمسى والآخرة اكبر همّه جعل الغنى في قلبه وجمع أمره »(١) .

أقول : لأن من كان همّه الدنيا فإن شهواته تلحّ عليه وهو لا يستطيع إشباعها أبدا فهو دائما في حاجة ، وما يزال الفقر نصب عينيه ، ويكون همّه متشعّبا ، لتشعّب شئون هذه الحياة ، فيتشتّت عندئذ أمره ، ومع ذلك لا ينال من الدنيا الواسعة إلاّ ما قسم له ، وأمّا من كان همّه الآخرة فيجعل الله القناعة في قلبه ، ومن قنع استغنى ، فلا يكون همّه عندئذ متشعّبا بتشعّب جهات الحياة ، وبهذا يكون اجتماع أمره وهدوء فكره.

ويمثل لك حسرة طلاب هذه الفانية أيضا فيقولعليه السلام : « من كثر اشتباكه في الدنيا كان أشدّ لحسرته عند فراقها »(٢) .

وأحسن ما مثل فيه المنهمكين بالدنيا في قوله : « من تعلّق قلبه بالدنيا تعلّق قلبه بثلاث خصال : همّ لا يفنى ، وأمل لا يدرك ، ورجاء لا ينال »(٣) .

أقول : هذا نموذج من كلامه عن الدنيا والمغرورين بها ، أرسلهعليه السلام إيقاظا للغافلين ، وتحذيرا من زخارفها الخدّاعة.

الرياء :

الرياء : طلب المنزلة في قلوب الناس بخصال الخير أو ما يدلّ من الآثار عليها باللباس والهيئة والحركات والسكنات ونحوها.

وهو من الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة ، وقد تعاضدت الآيات والأخبار

__________________

(١) الكافي ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها : ٢ / ٣١٩ / ١٥.

(٢) نفس المصدر السابق : ٢ / ٣٢٠ / ١٦.

(٣) نفس المصدر : ٢ / ٣٢٠ / ١٧.

٢٤

على ذمّه. وقد ورد عن الصادقعليه السلام الكثير من الأحاديث في ذمّه وتنقص صاحبه ، فقال مرّة :

كلّ رياء شرك(١) إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله(٢) .

وقال اخرى في قوله تعالى : « فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا »(٣) : الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يريد به وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس ، يشتهي أن تسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه. ثمّ قالعليه السلام : ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام حتّى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت به الأيام حتّى يظهر الله له شرّا »(٤) .

وقال طورا : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا ، أليس يرجع الى نفسه فيعلم أن ليس كذلك ، والله عزّ وجلّ يقول : « بل الانسان على نفسه بصيرة »(٥) إن السريرة اذا صحّت قويت العلانية »(٦) .

أقول : ما أغلاها كلمة ، لأن المرائي يرجع الى نفسه فيعرف أنه يظهر غير ما يضمر ، فيظهر ذلك على أعماله من حيث يدري ولا يدري ، لأنه بالرجوع الى نفسه يشعر بهذا الضعف والخداع ولا بدّ أن يبدو الضعف على عمله فيختلج فيه.

__________________

(١) إذ أن من قصد بعبادة الله التقرّب الى الناس فلا يقصد ذلك إلاّ حيث يظن أن من قصد التقرّب إليه له الحول والقوّة والنفع والضرّ من دون الله تعالى ، وهذا هو الشرك بعينه.

(٢) الكافي ، باب الرياء : ٢ / ٢٩٣ / ٣.

(٣) الكهف : ١١٠.

(٤) الكافي : ٢ / ٢٩٥ / ١٢.

(٥) القيامة : ١٤.

(٦) الكافي : ٢ / ٢٩٥ / ١١.

٢٥

أمّا الذي توافق عنده السرّ والعلن في الصلاح فإنه يكون قويّا في عمله لأنه مطمئنّ من نفسه شاعر بقوّتها ، والشعور بالقوّة يسيطر على أقوال الإنسان وأفعاله.

وقال أيضاعليه السلام : من أراد الله بالقليل من عمله أظهر الله له اكثر ممّا أراد ، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه ، وسهر من ليله ، أبى الله عزّ وجلّ إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه.

وقال أيضا : ما يصنع الانسان أن يعتذر بخلاف ما يعلم الله منه ، إن رسول اللهص كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه الله رداها إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا.

وقالعليه السلام : إيّاك والرّياء ، فإنه من عمل لغير الله وكّله الله الى من عمل له(١) .

أقول : هذه شذرات من كلامه في الرياء ، أبان فيها عن سوء هذه النيّة الفاشلة ، وخيبة من يريد منها رضى الناس ، فتفضحه الأيام فلا عمله زكّاه ولا حصل على ما رائى لأجله.

الظلم :

قبح الظلم بمعنى الجور والاعتداء على الغير من أشهر ما تطابقت عليه آراء العقلاء وتسالمت عليه العقول ، وهو من الواضحات التي لا يشكّ فيها واحد ، ولذا أنّ الله تعالى لمّا أراد ذمّ الشرك واستهجانه ذمّه لأنه ظلم فقال : « إن الشرك لظلم عظيم »(٢) .

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٢٩٣ / ١.

(٢) لقمان : ١٣.

٢٦

وقد وردت الآيات والآثار الكثيرة في ذمّه وحرمته ومنها ما سيأتي عن إمامنا الصادقعليه السلام .

غير أنه يختلف كثرة وقلّة ، وشدّة وضعفا ، كما دلّت عليه الآية ، ولذلك يقولعليه السلام : ما من مظلمة أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلاّ الله.(١)

أقول : وآية ذلك أن الضعيف عاجز عن الانتصاف لنفسه ، فيكون الله تعالى نصيره والآخذ بحقّه ، وكيف حال من كان الله خصمه والمنتصف منه ، وهذا مثل ما يروى عن زين العابدينعليه السلام من قوله : إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلاّ الله(٢) .

ولا تحسبنّ أن الظالم هو المباشر فقط ، بل كما قال أبو عبد اللهعليه السلام :

العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به ، كلّهم شركاء ثلاثتهم(٣) .

بل زاد على هؤلاء الثلاثة بقولهعليه السلام : من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، إن دعا لم يستجب له ، ولم يؤجره الله على ظلامته.

ولشدّة قبح الظلم يكون من لا ينوي الظلم مأجورا ، كما قالعليه السلام : من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم ، ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما.

ودخل عليه رجلان في مداراة(٤) بينهما ومعاملة ، فلم يسمع لهما كلاما بل قالعليه السلام : « أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر ممّا يأخذه الظالم من مال المظلوم » ثمّ قالعليه السلام : « من

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٣٣١ / ٤.

(٢) الكافي : ٢ / ٣٣١ / ٥.

(٣) الكافي ، باب الظلم : ٢ / ٣٣٣ / ١٦.

(٤) منازعة.

٢٧

يفعل الشرّ بالناس فلا ينكر الشرّ إذا فعل به ، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع ، وليس يحصد أحد من المرّ حلوا ، ولا من الحلو مرّا » فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.

أقول : ما أبلغها عظة وما أصدق التمثيل ، غير أن النفوس طبعت على السوء وحبّ الاعتداء والغلبة فتعمى عن مثل هذه الآثار ، وإلاّ كيف يأمل أحد أن يحصد الحلو من المرّ والخير من الشرّ ، وهو نفسه لا يجازي المسيء بالإحسان والظلم بالصفح ، فكيف يرجو أن يكافأ وحده بغير ما يعمل دون الناس؟

ودخل عليه زياد القندي(١) فقالعليه السلام له : يا زياد ولّيت لهؤلاء؟

قال : نعم يا ابن رسول اللهص لي مروّة ، وليس وراء ظهري مال ، وإنّما اواسي اخواني من عمل السلطان ، فقالعليه السلام : يا زياد أما اذا كنت فاعلا ذلك ، فاذا دعتك نفسك الى ظلم الناس عند القدرة على ذلك فاذكر قدرة الله عزّ وجلّ على عقوبتك ، وذهاب ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء(٢) ما أتيت الى نفسك عليك والسلام(٣) .

أقول : إن الوالي معرّض للظلم ، ولكن الله تعالى أقدر على عقوبة الظالم والانتصاف منه ، ويستطيع أن يذهب عن المظلوم الظلامة وإرجاعها على الظالم ، فلو أن الانسان ساعة يريد الظلم يخطر هذه الحقائق بباله لكفّ عمّا أراد ،

__________________

(١) ابن مروان القندي الأنباري بقى الى أيام الرضاعليه السلام وذهب الى الوقف ، كان وكيلا للكاظمعليه السلام وتخلّفت عنده أموال كثيرة بسبب حبس الكاظم فطالبه الرضا بالمال بعد أبيه كما طالب علي بن أبي حمزة وعلي بن عيسى فقالوا بالوقف طمعا بالمال على أن زيادا ممّن روى النصّ على الرضا وهو ثقة في الرواية.

(٢) ذهاب وبقاء معا معطوفان على عقوبتك ، فالتقدير وعلى ذهاب وعلى بقاء.

(٣) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه ، المجلس / ١١.

٢٨

وهذه أجمل الوسائل للارتداع عن الظلم.

ولعظم جريمة الظلم عند الله سبحانه يستجيب دعوة المظلوم على ظالمه كما قال أبو عبد اللهعليه السلام : اتقوا الظلم ، فإن دعوة المظلوم تصعد الى السماء(١) .

أقول : إن صعود الدعوة الى السماء كناية عن الإجابة وعدم الردّ.

المؤمن :

الإيمان بكلّ شيء هو تمكّن العقيدة من النفس ، فيخلص لها ويتفانى في سبيلها ، لأن العقيدة اذا تمكّنت من الانسان تكون جزء لا يتجزأ من نفسه لا ينفكّ عنها ، بل هي نفسه حقيقة ، فاذا جاز أن يتخلّى الانسان عن نفسه ولا يخلص لها ، جاز أن يتخلّى عن عقيدته ولا يخلص لها.

والعقيدة الدينيّة خاصّة ـ بالاستقراء ـ ولا سيّما الإيمان بالله أقوى من كلّ عقيدة تمكّنا من النفس ، فاذا عرف الانسان ربّه مؤمنا بقدرته وتدبيره وعدله لا بدّ أن يكون مستهينا بجميع شهوات الدنيا غير حافل بحوادثها ، ولا بدّ أن يتّصف بالخصال التي سنقرؤها عن الصادقعليه السلام التي ينبغي أن يتّصف بها المؤمن.

ومن رأيته لا يتحلّى بها فاعلم أنه ليس بمؤمن حقا ، أو أنه ضعيف الإيمان لم تتمكّن العقيدة من نفسه.

قال أبو عبد اللهعليه السلام في صفة المؤمن : ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقورا عند الهزاهز ، صبورا عند البلاء ، شكورا عند الرخاء ، قانعا بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ، ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب ،

__________________

(١) الكافي ، باب من تستجاب دعوته : ٢ / ٥٠٩ / ٤.

٢٩

والناس منه في راحة.

ثمّ قال : إن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللين والده(١) .

أقول : إن الانسان إلاّ ما ندر يجد نفسه على جانب كبير من فاضل الصفات من أجل حبّه لذاته ورضاه عن نفسه فيتعامى عن عيوبها.

وفي الحقيقة إنّ هذا أوّل الرذائل ، بل مبدأ كلّ رذيلة ، ولكنه اذا قرأ أمثال هذه الكلمات عن صادق أهل البيت في صفة المؤمن متدبّرا فيها وفاحصا بحرّيّة وإخلاص عمّا عليه ذاته من الأخلاق والصفات لا بدّ أن يتطامن ويسخط على نفسه بعد عرفانها ، ثمّ لا بدّ أن يعرف لما ذا قال الله تعالى : « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين »(٢) .

وقالعليه السلام أيضا : المؤمن له قوّة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط في هدى ، وبرّ في استقامة ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمّل في فاقة ، وعفو في مقدرة ، وطاعة لله في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدّة ، في الهزاهز وقور ، وفي الرخاء شكور ، لا يغتاب ، ولا يتكبّر ، ولا يقطع الرحم ، وليس بواهن ، ولا فظ ، ولا غليظ ، ولا يسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسد الناس ، ولا يعيّر(٣) ولا يعيّر(٤) ، ولا يسرق ، ينصر المظلوم ، ويرحم المسكين ، نفسه منه في عناء ، والناس

__________________

(١) الكافي ، باب المؤمن وصفاته ، وباب نسبة الاسلام : ٢ / ٢٣٠ / ٢.

(٢) يوسف : ١٠٣.

(٣) بتضعيف الياء وكسرها.

(٤) بتضعيف الياء وفتحها.

٣٠

منه في راحة ، لا يرغب في عزّ الدنيا ، ولا يجزع من ذلّها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد شغله ، لا يرى(١) في حكمه نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه ضياع ، يرشد من استشاره ، ويساعد من ساعده ، ويكيع(٢) عن الخناء والجهل(٣) .

أقول : أترى أن إمام المؤمنين الصادقعليه السلام يعني بهذا الوصف الأئمة من أهل البيت ، وإلاّ فأين يوجد مثل هذا المؤمن الكامل؟ وهل عرف مؤمن من المسلمين على مثل هذه الصفة وإن كان الأحرى بكلّ من يدّعي الايمان بالله ورسوله حقّا أن يكون متحلّيا بهذه الخصال الحميدة ، ولكن « وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين »(٤) .

وقالعليه السلام أيضا : لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون كامل العقل ، ولا يكون كامل العقل حتّى تكون فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستقلّ كثير الخير من نفسه ، ويستكثر قليل الخير من غيره ، ويستكثر قليل الشرّ من نفسه ، ويستقلّ كثير الشرّ من غيره ، ولا يتبرّم(٥) بطلب الحوائج قبله(٦) ، ولا يسأم من طلب العلم عمره ، الذلّ أحبّ إليه من العز(٧) ، والفقر أحبّ إليه من الغنى ، حسبه من الدنيا القوت ، والعاشرة وما العاشرة لا يلقي أحدا إلاّ

__________________

(١) بالبناء للمفعول.

(٢) يجبن.

(٣) الكافي ، باب المؤمن وصفاته : ٢ / ٢٣١ / ٤.

(٤) يوسف : ١٠٣.

(٥) يتضجّر.

(٦) بكسر القاف وفتح الباء واللام أي إليه.

(٧) لعلّه يريد أن الذلّ في الطاعة أحبّ إليه من العزّ في المعصية ، لأن الكتاب صريح بقوله « العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين » أو يريد من الذلّ عدم نباهة الذكر ومن العزّ الظهور ونباهة الشخصيّة تجوّزا فيهما.

٣١

قال هو خير مني وأتقى ، إنما الناس رجلان ، رجل خير منه وأتقى ، ورجل شرّ منه وأدنى ، فإذا لقي الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به ، وإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى قال لعلّ شرّ هذا ظاهر وخيره باطن فاذا فعل ذلك علا وساد أهل زمانه(١) .

عظاته في امور شتّى :

ومن بليغ عظاته الجميل وقعها في النفس قولهعليه السلام وقد سأله رجل أن يعلّمه موعظة :

« إن كان الله قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لما ذا ، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لما ذا ، وإن كان الحساب حقا فالجمع لما ذا ، وإن كان التواب عن الله حقا فالكسل لما ذا ، وإن كان الخلف من الله عزّ وجلّ حقا فالبخل لما ذا ، وإن كان العقوبة من الله عزّ وجلّ النار فالمعصية لما ذا ، وإن كان الموت حقا فالفرح لما ذا ، وإن كان العرض على الله حقا فالمكر لما ذا ، وإن كان الشيطان عدوّا فالغفلة لما ذا ، وإن كان الممرّ على الصراط حقا فالعجب لما ذا ، وإن كلّ شيء بقضاء وقدر فالحزن لما ذا ، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لما ذا ».(٢)

أقول : كلّ هذا إنكار على الانسان في اتصافه بتلك الصفات غير المحمودة من الاهتمام والحرص والجمع والكسل الى آخرها مع علمه ومعرفته بأن الله تعالى متكفّل بالرزق وأنه مقسوم وأن الحساب حقّ إلى آخر ما ذكره الامام

__________________

(١) مجالس الشيخ الطوسي ، المجلس / ٥.

(٢) كتاب التوحيد للصدوق طاب ثراه ، باب الأرزاق والأسعار والآجال ، وكتاب الخصال : ٢ / ٦١ باب العشرة.

٣٢

عليه السلام .

ولكن الذي أوقع الناس في تلك السيّئات مع علمهم ومعرفتهم هو حبّهم لنفوسهم وتغلّب شهواتهم على عقولهم.

ومن بديع مواعظه قولهعليه السلام : إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة ، والموت يأتي بغتة ، من يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرّا يحصد ندامة ، ولكلّ زارع زرع ، لا يسبق البطيء منكم حظّه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، من اعطي خيرا فالله أعطاه ، ومن وقي شرا فالله وقاه(١) .

و ( منها ) قولهعليه السلام : تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ، ولا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون(٢) .

و ( منها ) قولهعليه السلام : من اتقى الله وقاه ، ومن شكره زاده ، ومن أقرضه جزاه(٣) .

و ( منها ) قوله لأبي بصير : أما تحزن؟ أما تهتمّ؟ أما تتألّم؟ قال : بلى ، قالعليه السلام : اذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك ، وسيلان عينيك على خدّيك ، وتقطّع أوصالك ، وأكل الدود من لحمك ، وبلاك وانقطاعك عن الدنيا ، فإن ذلك يحثّك على العمل ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا(٤) .

أقول : إن هذه الفكرة لو تمثلها الانسان في نفسه لكانت اكبر رادع عن

__________________

(١) إرشاد المفيد طاب ثراه في أحوال الصادقعليه السلام .

(٢) المصدر السابق : ٢٨٣.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٩ / ٢٤.

(٤) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه ، المجلس / ٥٥.

٣٣

ارتكاب الموبقة ، وأعظم دافع على اكتساب الطاعة ، وكيف يحرص على الدنيا ويقترف السيّئة ولا يأتي بالحسنة من يتمثل له تلك الحال الفظيعة في قبره التي لو شاهدها المرء لجزع من هذه الحياة ، ولمقت حتّى نفسه.

و ( منها ) قولهعليه السلام : ليس من أحد وإن ساعدته الامور بمستخلص غضارة عيش(١) إلاّ من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته ، لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت(٢) .

أقول : إن هذا الكلم من أبلغ الجمل الحكيمة المعبّرة عن حقائق الكون الواقعيّة ، أمّا القسم الأول وهو غضارة العيش فإن كلّ منّا يستطيع أن يجرّب في نفسه وفي غيره أن الدعة والغضارة لا تتمّ لنا خالصة من النكد والتنغيص مهما بلغت سلطتنا أو مقدرتنا الماليّة ، والسرّ أن الإنسان يعجز أبدا من اشباع كلّ شهواته ، وان واتته الحياة الدنيا ، وكذلك « الجنّة حفّت بالمكاره ».

وأمّا فيما يتعلّق بالقسم الثاني وهو « الفرصة » فإنها لا تمرّ على الإنسان إلاّ باجتماع آلاف الأسباب الخارجة عن اختياره فاذا مرّت وانتظر استقصاءها ففاتت عليه أي أنه لم يعمل السبب الأخير وهو اختياره وإرادته الجازمة فإنه على الأغلب لا يواتيه اجتماع الأسباب مرّة اخرى في نظام الكون وجمعها ثانيا ليس تحت اختياره ، ولأجل هذا سمّيت فرصة ، فعلى الحازم الكيّس أن ينتهزها عند سنوحها.

و ( منها ) قولهعليه السلام : إن المنافق لا يرغب فيما سعد به المؤمنون ، فالسعيد

__________________

(١) غضارة العيش طيبه وخصبه وخيره.

(٢) تحف العقول : ٢٨١.

٣٤

يتّعظ بموعظة التقوى ، وإن كان يراد بالموعظة غيره(١) .

هذه عقود من نفائس عظاته حلينا بها هذا السفر عسى أن يسعدنا الحظّ بالأخذ بها والعمل بنصائحها ، ومن هذه العظات تعرف موقفهعليه السلام من النصح للامّة واهتمامه بحملهم على المحجّة البيضاء إصلاحا لهم وتزكية لنفوسهم.

* * *

__________________

(١) روضة الكافي.

٣٥

٣ ـ وصاياه

إن قيمة المرء الاجتماعيّة بما يصنعه للمجتمع من خير ، كما أن قيمته الذاتيّة بما يحسنه ، ولو لم يكن للصادقعليه السلام إلاّ ما اخترناه من كلامه لكفى به دلالة على مقامه العلمي الإلهي وعلى اهتمامه بإصلاح الامّة ، وقد قرأت شطرا من مواعظه ، وهنا نقرؤك شيئا من وصاياه ، وستجد فيها جهد ما يبلغه رعاة الامم الربّانيّون وهداتها من الإرشاد الى مواطن الخير والرفق في الدعوة والإخلاص في التوجيه.

وصيّته لابنه الكاظم :

دخل عليه بعض شيعته وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه ، فكان ممّا أوصاه به أن قال :

يا بني اقبل وصيّتي ، واحفظ مقالتي ، فإنّك إن حفظتها تعش سعيدا ، وتمت حميدا ، يا بني إنّ من قنع استغنى ، ومن مدّ عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسمه الله له اتّهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره ، يا بني من كشف حجاب غيره انكشف عورته ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ، ومن داخل السفهاء

٣٦

حقّر ، ومن خالط العلماء وقّر ، ومن دخل مداخل السوء اتّهم ، يا بني قل الحقّ لك أو عليك ، وإيّاك والنّميمة فإنّها تزرع الشحناء في قلوب الرجال ، يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه ، فإنّ للجود معادن ، وللمعادن أصولا ، وللاصول فروعا ، وللفروع ثمرا ، ولا يطيب ثمر إلاّ بفرع ، ولا أصل ثابت إلاّ بمعدن طيّب ، يا بني إذا زرت فزر الأخيار ، ولا تزر الأشرار ، فإنّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضّر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها(١) .

أقول : وقد جاء بعض هذه الفقرات في نهج البلاغة ، ولا بدع فإن علمهم بعضه من بعض ، ولعلّ الصادقعليه السلام ذكرها استشهادا أو اقتباسا.

وصيّته لأصحابه :

بعد البسملة : أمّا بعد فاسألوا الله ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ، واتقوا الله وكفّوا ألسنتكم إلاّ من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا(٢) ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكرهه الله ممّا نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ، فإن ذلق اللسان فيما يكرهه الله وفيما ينهي عنه مرداة للعبد عند الله ، ومقت من الله ، وصمم وبكم وعمي يورثه الله إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا كما قال الله : « صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون »(٣) يعني لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، وعليكم بالصمت إلاّ فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويؤجركم عليه ، اكثروا من أن تدعوا الله فإن

__________________

(١) نور الأبصار للشبلنجيّ : ١٦٣ ، وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم : ٣ / ١٣٥.

(٢) تحدّوا وتذربوا.

(٣) البقرة : ١٧١.

٣٧

الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة عملا يزيدهم في الجنّة ، فاكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنّهار ، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين ، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلاّ ذكره بخير ، فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلاّ بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه ، قال في كتابه وقوله الحق : « وذروا ظاهر الإثم وباطنه »(١) واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه.

ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ، فإن أضلّ النّاس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وأحسنوا الى أنفسكم ما استطعتم ، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها ، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلاّ ما هو أهله ، وهو خير له ممّا أحبّ وكره.

وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمن في كتابه من قبلكم.

وإيّاكم والعظمة والكبر ، فإن الكبر رداء الله عزّ وجلّ ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّة يوم القيامة ، وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فإن من بغى صيّر الله بغيه على نفسه ، وصارت نصرة الله لمن بغى عليه ، ومن نصره الله غلب ، وأصاب الظفر من الله ، وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فإن الكفر أصله الحسد(٢) ، وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ،

__________________

(١) الأنعام : ١٢.

(٢) أحسب أنه إشارة الى ما كان من إبليس مع آدمعليه السلام .

٣٨

فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم ، فإن أبانا رسول اللهص كان يقول : إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ، وليعن بعضكم بعضا ، فإن أبانا رسول اللهص كان يقول : إن معاونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام.

واعلموا إنّ الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو الاسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له ، ومن سرّه أن يبلغ الى نفسه في الإحسان فليطع الله ، فإن من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان ، وإيّاكم ومعاصي الله أن ترتكبوها ، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنّة ولأهل الإساءة عند ربّهم النار ، فاعملوا لطاعة الله واجتنبوا معاصيه.

أقول : وهذه الوصيّة طويلة وقد اقتطفنا منها هذه الزهر النفّاحة ، وهي مرويّة في بدء روضة الكافي للكليني طاب ثراه ، وقال : وقد كتب بها الصادقعليه السلام إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها ، وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

أجل هكذا يجب أن نتعاهد مثل هذه الوصيّة فإن فيها جماع مكارم الأخلاق العالية.

وصيّته لعبد الله بن جندب :

عبد الله بن جندب البجلي الكوفي صحب الصادق والكاظم والرضا: ، وتوكّل للكاظم والرضا ، وكان عابدا رفيع المنزلة عندهما ، روى الكشي في رجاله أنه قال لأبي الحسنعليه السلام : ألست عنّي راضيا؟ قال : اي والله ، ورسول الله والله راض.

٣٩

وقد أوصاه الصادق بوصيّة جمعت نفائس من العظات والنصائح ، التقطنا منها الشذرات الآتية ، قالعليه السلام :

يا ابن جندب ، يهلك المتّكل على عمله ، ولا ينجو المجتري على الذنوب برحمة الله ، قال : فمن ينجو؟ قال : الذين هم بين الخوف والرجاء كأن قلوبهم في مخلب طائر ، شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب.

يا ابن جندب ، من سرّه أن يزوّجه الله من الحور العين ويتوجّه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.

يا ابن جندب ، إن للشيطان مصائد يصطاد بها ، فتحاموا شباكه ومصائده ، قال : يا ابن رسول اللهص وما هي؟ قال : أمّا مصائده فصدّ عن برّ الاخوان ، وأمّا شباكه فنوم عن أداء الصلاة التي فرضها الله ، أما أنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام الى برّ الاخوان وزيارتهم ، ويل للساهين عن الصلاة النائمين في الخلوات المستهزئين بالله وآياته في القرآن ، اولئك الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم.

يا ابن جندب ، الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل الله يوم بدر واحد ، وما عذّب الله أمّة إلاّ عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.

يا ابن جندب ، إن أحببت أن تجاور الجليل في داره ، وتسكن الفردوس في جواره ، فلتهن عليك الدنيا ، واجعل الموت نصب عينيك ، ولا تدّخر لغد ، واعلم أنّ لك ما قدّمت ، وعليك ما أخّرت.

يا ابن جندب ، من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ، ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوّه ، ومن يتّق الله يكفه ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته ، ويحفظ له ما غاب عنه ، وقد عجز من لم يعدّ لكلّ بلاء صبرا ، ولكلّ نعمة شكرا ، ولكلّ عسر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

[ترجمة معاوية بن وهب]

وأمّا معاوية : فهو ابن وهب البجلي ، أبو الحسن.

قال النجاشي : (عربي صميم ، ثقة ، حسن الطريقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتب إلخ )(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ «اطلبوا العلم » : قال جدّي الصالحرحمه‌الله : (إنَّ هذه الأُمور الثلاثة من أعظم الأُصول لتحصيل سعادة الدارين ، واستقامة أحوال الكونين ؛ إذ بالأول تُعرف الأحكام ، والحلال ، والحرام، وأحوال المبدأ والمعاد ، وأحوال السياسات البدنية ، والمنزلية ، والمدنية ، وبالأخيرين تُزيّن النفس بزينة الإناءة ، والرزانة ، والتحلّي بِحِلْيَةِ الصيانة والمتانة ، والتجنُّب عن تبعات الغضب من التضاغن ، والسفه ، والخِفَّة وغيرها ، وهذا أصل عظيم في جلب طيب عيش الدارین ، وطلب نظام النشأتين )(٢) .

[ب] ـ «تواضعوا لمن تعلّمونه العلم » : أمّا في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ، أو الأعمّ.

[ج] ـ «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم » : أي عند الطلب وبعده.

قال بعض العلماء : (حقُّ المعلّم الربَّاني ، والمربِّي الروحاني على المتعلّم أعظمُ وأولی من حقِّ أبيه الجسماني ).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٢ رقم ١٠٩٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٥.

٣٢١

وقال بعض الأكابر : (العلماء أرحم باُمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبائهم واُمّهاتهم ، قيل : فكيف ذلك؟ قال : لأنَّ أباءهم واُمَّهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة ).

وقيل لإسكندر : (ما بالُكَ تُحبُّ معلّمكَ أكثر ممَّا تحب أباك؟ فقال : لانَّ مُعلّمي سبب حياتي الروحانية الأُخروية ، وأبي وسيلة حياتي الجسمانية الدنيوية )(١) .

وبالجملة : فالتواضع معناه التذلُّل ، وهو من الأخلاق العالية التي قَدْ كثر عليها من الله تعالى في كلام الأئمةعليهم‌السلام في أدعيتهم ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في دعاء كميل بن زياد : «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً ، وفي جميع الأحوال متواضعاً »(٢) .

وفي الحديث : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه »(٣) .

قال بعض الشراح : (فيحتمل رفعه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وفي كليهما )(٤) .

وفيه أيضاً ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عنه قال : «سمعته يقول : إن في السماء ملکین موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه »(٥) .

ولعلَّ المراد من رفعه الثناء عليه ، أو بإعانته في الحصول على المطالب ، وتيسّر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبُّر بالعكس فيهما.

وفيه أيضاً : «أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه »(٦) .

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٤٤.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٣٨٦.

(٤) مجمع البحرين ٤ : ٥١٥.

(٥) الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ٩.

٣٢٢

أي : عند المجلس الَّذي يقتضي شرفة الجلوس فيه ، أو أدون (أدنى ـ ظ) منه ، والأخير أظهر.

وفيه أيضاً : «أنَّه نظر أبو عبد الله عليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قَدْ اشتری العياله شيئاً وهو يحمله ، فلمَّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو عبد الله : «اشتريته العيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثُمَّ احمله إليهم »»(١) .

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولی.

وفي الكافي : بإسناده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : «التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه ».

وفي حديث آخر قال : «قلت : ما حدُّ التواضع الَّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيِّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين»»(٢) .

أمّا معرفة قدر المرء نفسه فبملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه ، والحاصل التواضع عبارة عن ترك التكبُّر ، والتذلُّل لله ، ولرسوله ، ولأُولي الأمر ، وللمؤمنين ، وعدم حبّ الرفعة والاستيلاء ، وكلّ ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدَّين موجباً للقرب ، كان الآخر موجباً للبعد.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ١٠.

(٢) الكافي ٢ : ١٢٤ ح ١٣.

٣٢٣

[د] ـ «ولا تكونوا علماء جبّارين» : الجبار المتكبِّر ، والكبرياء من صفات الباري تعالى ، قال تعالى : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره »(١) .

فهو حقٌّ له ، وباطل في غيره ممَّن ادَّعاه لنفسه ، فالتكبُّر من العالم دليل على جهله ، وموجب لسقوط حقوقه التي من جملتها الرئاسة العظمی ، والخلافة الكبرى في الدين والدنيا ، وهو المراد بقوله : «فيذهب باطلُكُم بِحَقّكُم » ، والباء في (بحقّكم) للتعدية.

__________________

(١) الجواهر السنية : ١٦٧ وفيه : (قصمته) بدل : (قصمت ظهره).

٣٢٤

الحديث الثالث والعشرون

العالم من صدق قوله فعله

[ ٩٠] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(١) قال : «يعني بالعلماء من صدَّق قولَه فعلُه ، ومن لم يصدق قولَهُ فعله فليس بعالم»(٢) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة حمّاد بن عثمان]

و (حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري ، وأخوه عبد الله ، ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله ، وروی حمّاد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، ومات حمّاد بالكوفة سنة ١٩٠ ، كما هو المنقول عن ابن الجوزي في كتاب الجملة )(٣) .

[ترجمة النصري]

و (النصري ـ بالنون والصاد المهملة ـ : من بني نصر بن معاوية ، ثقة ثقة )(٤) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٢ ، وفيه : أن الفعل مقدم على القول.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٢ رقم ٣٧١.

(٤) رجال النجاشي : ١٣٩ رقم ٣٦١ ، وفيه : أنه روی عن أبي جعفر ، وجعفر ، وموسی بن جعفر ، وزيد بن عليعليهم‌السلام .

٣٢٥

[أ] ـ قَدْ تقدم شرح الآية مفصّلاً ، وقد ذكرنا هناك أنَّ القراءة المشهورة فيها هي نصب لفظ الجلالة ورفع العلماء على أن يكون الأول مفعولاً مقدَّماً والثاني هو الفاعل ، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر ، فكان المقصود من الآية انحصار الخشية من الله تعالی بصنف العلماء ، وأنَّ من يخشى الله من عباده مثلُ العالم ومن على صفته ، مِمَّن نظر في دلائل الحقّ فعرفه حق معرفته ، وأراد أن يعرفه كنه معرفته ؛ لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله.

[ب] ـ «فليس بعالم» : وذلك ؛ لأن ترکه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستیقن في علمه ، وأن العلم عنده مستعار مستودع ، وأنه عن قریب سیسليه ؛ لأنَّ مخالفة العالم علمه من أعظم الذنوب الموجبة لظلمة قلبه ، فلا تجتمع مع نور العلم ، فلا محالة زائل عنه.

٣٢٦

الحديث الرابع والعشرون

الفقيه حقّ الفقيه

[٩١] ـ قالرحمه‌الله : وعنه ، عن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح حال السند : ومرجع الضمير معلوم.

[ترجمة إسماعيل بن مهران]

وإسماعيل بن مهران : كوفي ، يُكنّى أبا يعقوب ، ثقة معتمد عليه ، روى عن جماعة من أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، صرّح بذلك النجاشي في (الفهرست) ، وکفی به شاهداً على الوثوق(٢) .

[ترجمة خالد القمّاط]

وأبو سعيد القمّاط : اسمه خالد ، کوفي ، ثقة(٣) .

__________________

(١) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٣.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦ رقم ٤٩.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٩ رقم ٣٨٧ ، وفيه : أنه روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٣٢٧

[ترجمة الحلبي]

والحلبي: يُطلق على محمّد بن علي بن أبي شعبة ، وعلى إخوته : عبيد الله ، وعمران ، وعبد الأعلى ، وعلى أبيهم علي بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمر بن أبي شعبة ، وأبيه عمر بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمران. وفي الأول ثُمَّ في الثاني أشهر ، كذا في نقد الرجال(١) .

وهؤلاء كلّهم ثقات إلا أحمد بن عمران ، وعمر بن أبي شعبة ؛ فإنّه لا نصَّ على توثيقهما ، إلّا أنَّه يُفهم التوثيق من توثيق آل أبي شعبة عموماً(٢) .

قال النجاشيرحمه‌الله : (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة ، أبو علي ، کوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون.

وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنّف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي اللهعليه‌السلام ، وصحّحه وقال عند قراءته : أترى لهؤلاء مثل هذا؟) انتهى(٣) .

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (الحلبي يُطلق على ثقات)(٤) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

__________________

(١) نقد الرجال ٥ : ٣٧٦ رقم ٦٤٠٨.

(٢) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٠ رقم ٦١٢.

(٤) الوجيزة في الرجال : ٢١٣ رقم ٢٣٤١.

٣٢٨

[أ] ـ «حق الفقيه » : أي كامل الفقه ، هو إمّا بدل من الفقيه ، أو صفة له ، ويكون ما بعده ـ أعني قوله : «من لم يقنِّط الناس » ـ خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) ، و (أنا) مبتدأ ، وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني والمقصود : أن الفقيه الكامل في فقهه لا محالة يكون كذلك ، وذلك ؛ لأنه إن فقه وضع الكتاب العزيز علم أن غرضه عزَّ وجلَّ جذب الناس إليه في سبل مخصوصة بوجوه من الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة وغيرها ، فمن ضرورته إذاً أن لا يقنِّط الناس من رحمة الله بآيات وعیده ونذارته ، ولا يؤيسهم بذلك من روحه لما يلزم اليأس من إغراء العصاة بالمعصية ، واتّباع الهوى ، والحاضر الَّذي يُرجى من نهي النفس عنه ثمرة في الآخرة ، ولذلك قال تعالى : ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ وقال : ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(٢) .

وأن لا يؤمِّنهم من مكر الله بالجزم بآيات وعده وبشارته ، لما يستلزم السكون إلى ذلك ، والاعتماد عليه من الانهماك في المعاصي واتباع الهوى ؛ ولذا قال تعالى : ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(٣) بل يكون تابعاً في وعظه وجذبه إلى مقاصد سنته ووضع شريعته ، فإنه قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلّا ويمزجه بالوعد ، والحكمة تقتضي ذلك ؛ ليكون المكلفّ متردِّداً بين الرغبة والرهبة.

__________________

(١) سورة الزمر : ٥٣.

(٢) سورة يوسف : من آية ٨٧.

(٣) سورة الأعراف : ٩٩.

٣٢٩

ويقولون في الأمثال المرموزة : «لقي موسى عليه‌السلام وهو ضاحك مستبشر عيسى عليه‌السلام وهو كالح قاطب ، فقال عيسى : مالك كأنك آمن من عذاب الله؟ فقال موسی عليه‌السلام : مالك كأنك آيس من روح الله! فأوحى الله إليهما : موسی أحبّكما إليّ شعاراً ، فإنّي عند حسن ظنِّ عبدي بي »(١) .

[ج] ـ «ولم يترك القرآن رغبة إلى غيره» : من الكتب السماوية وغيرها ، يعني الفقيه الكامل يأخذ بالأحكام وغيرها من كتاب الله ، ويتَّبع أوامره ونواهيه ، او يقتفي أثره في العالم ، والعمل ، والقراءة ، ويستنبط منه سائر العلوم الراجعة إلى الاعتقاد من معرفة الله تعالی بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحوال القيامة ، والمعاد الجسماني ، وطريق السلوك إليه تعالى ، والإقبال عليه كما قال : ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا(٢) ، أي انقطع إليه انقطاعاً ، ويعتبر بما حواه من شرح أحوال السالكين من قصص الأنبياء والأولياء ، كقصة : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسی ، وهارون ، وزکريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم ، وداود ، وشعيب ، وسليمان ، ويونس ، وإدريس ، والخضر ، وإلياس ، وجبرئيل ، والملائكة ، وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ويتنبّه من أحوال الجاحدين المنطوية في قصص : نمرود ، وفرعون ، وقارون ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم تُبّع ، وأصحاب الأيكة ، وكفّار مكّة ، وعبدة الأوثان ، وإيليس ، والشياطين ، وغيرهم ، ففيما ورد في ذلك من الآيات ماهو واف بالهداية ؛ لاشتمالها على العلوم العقلية ، والحكم البرهانية ، والآثار الإلهية ، والدلائل الوحدانية ، وشواهد ربوبية ، ومواعظ لقمانية ، هي مناهج الإيمان ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٢٤٣.

(٢) سورة المزمل : من آية ٨.

٣٣٠

ومعارج العرفان ، كما بشّر الله أهل العقل والفهم في كتابه العزيز أيضاً بما ذكر ، فقال تعالى : ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ(١) ، ففيها دلالة على التفخيم ، والتعظيم ، ومدح السالكين في نهج الصواب ، والتابعين للحق في كلّ باب.

[د] ـ «ألّا لا خير في علم ليس فيه تفهُّم » : أي طلب فهم حقيقته والغرض منه ، فإنَّ الاستدلال بوجود العالم على وجود الصانع ربّما يؤثر العلم في نفس المستدل علماً ظاهرياً يشاركه فيه سائر الناس من العوام ، بخلاف ما لو تأمَّل في كلّ واحد من أجزائه الساكنة ، والمتحركة ، والعلوية ، والسفلية ، والمركَّبة ، والبسيطة ، والنامية ، وغير النامية ، وفي كيفية حركتها ونُشوِّها ، واختلاف مقادیر تلك الحركات ، ومسافتها ، واقتراناتها ، واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوال التي دلَّت على كمال قدرة صانعها ، كما استدل بها خلیل الرحمن ، فيحصل له على ثابت ويقين جازم ، كما حصل لهعليه‌السلام حَتَّى قال له الروح الأمين حين رُمي بالمنجنيق وكان في الهوى مائلاً إلى النار : «ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا »(٢) .

فإعراضه عنه في تلك الحالة ، وإلجاؤه إلى ربِّه ليس إلّا ؛ لأنَّه رأى كلّ من سواه محتاجاً إليه ، خاشعاً لديه ، خاضعاً بين يديه ، مقهوراً لعزَّته ، مغلوباً لقدرته ، بل لم ير موجوداً سواه وملجأً إلّا إياه ، وبالجملة : ففيه الحثّ على الاطّلاع على بواطن الأشياء التي به تتنور قلوب العارفين ، والفرق بين علماء الظاهر والباطن ، أن علماء الباطن واصلون إلى الحق ، وعلماء الظاهر طالبون لطريقه.

__________________

(١) سورة الزمر : من آية ١٧ ـ ١٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٤٢.

٣٣١

[هـ] ـ «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» : التدبُّر في القرآن هو التفكُّر فيه والاعتبار به والَّذي هو المقصد الأصلي من سيره من الله إلى هذا العالم ، وهو طورٌ وراء حضور القلب ، فإن الإنسان قَدْ لا يتفكّر في غير القرآن ولكنه يقتصر اعلى سماع القرآن من نفسه ، وهؤلاء يتدبره ، والمقصود من التلاوة التدبر ، فقال سبحانه : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(١) ، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(٢) ، وقال : ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(٣) وإذا لم يكن التدبُّر إلّا بالترديد فليردِّد.

قال أبو ذر : «قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلةً يردِّد قوله تعالى : ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(٤) ». فمن لم يتدبَّر فيه كما هو المقصود منه كان بمنزلة منافق يتكلَّم بالحقِّ ظاهراً ، وهو غافل عنه باطناً.

[و] ـ «ألا لا خير في عبادة ليس فيا تفكُّر » : كما في رواية اُخرى : لأن العرض الأصلي من العيادة هو التقرُّب إلى المعبود ، وطلب رضاه ، والوصول إليه ، والانقطاع عمَّا عداه ، ولا يتحقَّق ذلك من دون يقظة في القلب ، ولذا جاء في الخير : «تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة »(٥) .

[ز] ـ «ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها » : لا ريب في أنَّ صلاة الفقيه المستنبط لأحكامها من السُنَّة والكتاب أعلى ثواباً وأقرب تناولاً للملائكة ممَّن

__________________

(١) سورة محمّد : ٢١.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة المزمل : من آية ٤ ، والحديث في بحار الأنوار ١٦ : ٣٩٣ ح ١٦٢.

(٤) سورة المائدة : ١١٨.

(٥) رياض السالکین : ٣٧٠.

٣٣٢

لم يفقه شيئاً من أحكامها ، بل أخذها من مقلّده من باب المتابعة والتسليم ورجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد من نفي الخير عنها قلَّة ثوابها لا عدم إجزائها.

[ح] ـ «ألا لا خير في نُسُكٍ لا ورع فيه » : المراد هنا بالنسك هو مطلق العبادة ، والورع هو الكفّ عن المحرَّمات ، ومعلوم أنَّ فعل الواجب من العبادات مع التلبُّس بالمحرَّمات غير منجية لصاحبها.

٣٣٣

الحديث الخامس والعشرون

للعالم ثلاث علامات

[ ٩٢] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة»(١) .

أقول : مرجع الضمير كما تقدم.

[حال علي بن معبد]

وعلي بن معبد : مجهول الحال(٢) ، والحديث مرسل.

وأمّا شرح المتن :

[أ] ـ «إنَّ للعالم » : المراد به العالم الكامل والراسخ في العلم ، أعني العم الربَّاني الَّذي يليق الاقتداء بأفعاله والاقتباس من مشكاة أقواله.

[ب] ـ «ثلاث علامات » : يُعرف هو بها : «العلم والحلم والصمت » : والمراد من الأول آثاره ، أعني العمل على طبق العلم ، وكذالك المراد بالثاني ، أعني سكون الأعضاء وعدم حرکتها بسهولة نحو الانتقام.

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٣٧ ح ٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٧٩ ، وقال عنه التفرشي في نقد الرجال ٣ : ٣٠٢ رقم ٣٧٠٦ / ٢٣٦ ما نصّه : (علي بن معيد ، روى عنه موسی بن جعفر كتابه ، (رجال النجاشي). له کتاب ، روی عنه إبراهيم بن هاشم ، (الفهرست)).

٣٣٤

وفي الحديث : «الزم الصمت تسلم »(١) ، أي : من آفات اللّسان والمعاصي ، وهي كثيرة(٢) ؛ ولذا عدّهعليه‌السلام من علامات العالم ، فإنَّ ملازمته له دليل على وفور علمه ، ومعرفته ، وصدقه.

[ج] ـ «وللمتكلّف » : والمراد به من يدّعي مثل ذلك تكلّفاً ، وليس له من تحصيل العلم إلا الرسم وتشهير الاسم ، وغرضه الأصلي ليس إلا الجدل والمراء ، والاستطالة على أشياهه من أشباه العلماء ، أو التوصيل إلى حطام الدنيا بالخبّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وكفى خزياً وذلاً تشبيهه في کلام الملك العلّام تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك هو الخزي الشنيع ، والذلُّ الفظيع.

[د] ـ «ينازع من فوقه » : من أهل العلم الَّذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له ، فكلّما تكلَّم هذا العالم الربَّاني الفوقاني بما فيه نشر للدين القويم ، وسلوك الصراط المستقيم ، ودفعاً للشبهات المظلمة ، تعرّضه المتكلّف بالمزخرفات.

[هـ] ـ «ويظلم من دونه » : في العلم والمعرفة بالغلبة ؛ لقوة ذهنه فيما اكتسبه من الباطل وضعف من دونه ، فلا يتمكّن من التخلُّص عنه.

[و] ـ «ويظاهر الظلمة » : أي يعينهم على الظلم ، ويمدحهم على ما هم عليه من العقائد الفاسدة ، والسِّير المبغوضة ؛ طلباً لرفعة المنزلة عندهم ، والتفوُّق على الضعفاء بسببهم ، وتحصيل المال بواسطتهم ، كما هو شأن غير واحد من أبناء عصرنا منّ الله تعالى على عباده بفنائه.

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٢٨٠ ح ٢٤.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٦٣٣.

٣٣٥

الحديث السادس والعشرون

إن العلم ذوفضائل

[ ٩٣] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واُذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حُسن النيَّة ، وعقله معرفة الأشياء والأُمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمَّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرُّه النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، ومأواه الموادعة ، ودليله الهدی ، ورفيقه محبَّة الأخيار»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدم.

[ترجمة نوح بن شعيب]

نوح بن شعيب : البغدادي(٢) من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي الثانيعليه‌السلام (٣) ، ذكر الفضل بن شاذان أنه : (كان فقيهاً ، عالماً ، صالحاً ، مرضياً ، ويظهر

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٤٨ ح ٢.

(٢) يظهر من صاحب جامع الرواة أنه هو النيسابوري أيضا. (منه).

(٣) خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١.

٣٣٦

من رجال الكَشِّي والشيخ أنَّ نوح بن صالح ونوح بن شعيب البغدادي واحد )(١) . وذكر الفضل بن شاذان في حق ابن صالح ما يشهد بأنه من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وكان فقيهاً(٢) ، وبالجملة فلا ريب في كون الرجل ممدوحاً بما يقرب من الوثوق ، وصرّح بممدوحيته العلّامة المجلسي في (الوجيزة) وصاحب (بُلغة المحدثین)(٣) .

[ترجمة عبيد الله الدهقان]

والدهقان : ضعيف ، كما صرّح به النجاشي والمجلسي أيضاً(٤) .

قيل : الدهقان ، اسم أعجمي مركب من (ده) و (قان) ومعناه : سلطان القرية ؛ لأن (ده) اسم للقرية ، و (قان) اسم للسلطان(٥) .

[ترجمة درست]

وأمّا درست ـ ومعناه صحيح ـ : ذكره النجاشي في (الفهرست)(٦) ، وذكر له في رجاله دليلاً على كونه من الشيعة الإمامية ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنَّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم ، دون غيرهم من الفرق ، وكذلك (الفهرست) للشيخ ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين ، فهو صحيح المذهب

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، رجال الطوسي : ٢٧٩ رقم ٥٦١٩ / ١ ، التحرير الطاووسي : ٥٧٧ رقم ٤٣٢.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١ و ٢.

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٩٠ رقم ٢٠٢٢ ، بلغة المحدثین : ٤٢٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٣١ رقم ٦١٤ ، الوجيزة في الرجال : ١١٤ رقم ١١٦٥.

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٦٤.

(٦) رجال النجاشي : ١٦٢ رقم ٤٣٠.

٣٣٧

ممدوح بمدحٍ عام يقتضيه الوضع ؛ لذكر المصنِّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشان کتبهم ، وذكر الطريق إليهم ، وذكر من روى عنهم ومن رووا عنه.

ومن ذلك يُعلم أنَّ إطلاق الجهالة على المذكورين في (الفهرست) للشيخ ، والنجاشي من دون توثيق أو مدح خاص ، ليس على ما ينبغي.

وكذا الكلام فيمن ذكره الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السَّروي في كتاب (معالم العلماء) ، ومن ذكره الشيخ علي بن عبيد الله بن بابویه في فهرسته ، وهذا ممَّا ينبغي أن يلحظ ، فقد غفل أكثرهم عنه(١) .

وفي خصوص (دُرُست) المذكور ، فرواية ابن أبي عمير عنه إشارة إلى وثاقته أيضاً(٢) ، فلا أقل من إدخال حديثه في القويّ ، وإخراجه بذلك من قسم الضعيف.

[ترجمة عروة]

وأمّا عروة : فلم أقف له على ترجمة في كتب الرجال فهو مهمل ؛ ولذا حكم العلّامة المجلسي بضعف الرواية(٣) .

وأمّا شعيب العقرقوقي ـ بالقاف ـ فهو : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحبی بن القاسم ، عين ، ثقة ، كما صرّح به النجاشي في (الفهرست) والعلّامة في (الخلاصة) وصاحب (المشتركات)(٤) .

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٤ : ١١٤ فائدة ١٠.

(٢) ينظر : خاتمة المستدرك ١: ٤٣.

(٣) ينظر : معجم رجال الحديث ١٢ : ٥١ رقم ٧٦٧٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٩٦ رقم ٥٢٠ ، خلاصة الأقوال : ١٦٧ رقم ١ ، هداية المحدثین : ٧٩.

٣٣٨

وأمّا أبو بصير : فهو كنية جماعة ، وعند الإطلاق ينصرف إلى الثقة كما هو المعروف في أمثاله ، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلَّق بشرح المتن :

[أ] ـ «ذو فضائل كثيرة » : ببَّههم على أن العلم إذا لم يكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره ، فهو ليس بعلم حقيقة ولا يُعدُّ صاحبه عالماً ، فشبّه العلم بإنسان له حواس ظاهرة وباطنة لزيادة الإيضاح والتقرير.

[ب] ـ «فرأسه التواضع » : شبّه التواضع بالرأس ؛ إذ كما أنَّ الإنسان ينتفي بانتفاء رأسه ؛ لكونه جزءه المقوّم له ، فكذلك التواضع إذا انتفى من صاحب العلم انتفى منه العلم ، والجهل مع التواضع خير من العلم مع الكبر ، وقد عرفت معنی التواضع وخواصه.

[في ذم الحسد]

[ج] ـ «وعينه البراءة من الحسد » : البراءة من الحسد شبيهة بالعين ، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما آلة للإدراك ، فالعين الجارحة آلة لإدراك المحسوسات ، وعدم الحسد آلة لإدراك المعقولات ، فإنَّ من لا حسد فيه يستعلم المجهولات من الَّذين يعلمونها بخلاف الحاسد ، فإنه لبغضه من يعلم لا يستعلم منه ما لا يعلم تحقيراً بعلمه وإيذاناً منه بأن ذلك غير قابل للتعليم وليس من الفضائل التي ينبغي اكتسابها ، ومع ذلك يُخفي ما حصله من العلوم عن غيره ،

__________________

(١) ينظر : هداية المحدثین : ٢٠٦ ، ٢٧٢.

٣٣٩

فهو بذلك غير مشاهد لغيره ما هو حاصل له من العلوم محروم من الزيادة عليه ، وفي هذه الفقرة دلالة على ذمِّ الحسد كما في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : «إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد ليأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب »(١) .

وفيه أيضاً باسناده عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر »(٢) .

وفيه أيضاً باسناده عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر »(٣) .

وفيه أيضاً عن داود الرقي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :قال الله عزَّ وجلَّ لموسی بن عمران عليه‌السلام : يا بن عمران ، لا تحسدنَّ الناس على ما آتيتهم (٤) من فضلي ، ولا تمدَنَّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسَك ، فإنَّ الحاسد ساخط لِنِعَمي ، صادّ لقسمي الَّذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني »(٥) .

وفيه أيضاً باسناده عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط »(٦) .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٠٦ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٥.

(٤) في الأصل : (ما رزقتهم) وما أثبتناء من المصدر.

(٥) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

(٦) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513