تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم3%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15806 / تحميل: 1864
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

[و] ـ ثُمَّ أخذ في بيان ذلك وحصره في ثلاث :«آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنَّة قائمة» ، وقد اختلفت أراء الأكابر في تفسير هذه الفقرات ، فقال بعضهم : (إنَّ (الآية المحكمة) إشارة إلى اُصول العقائد ، فإنّ براهينها الآيات المحكمات عن العالم ومن القرآن ، وفي القرآن وفي غير موضع : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ﴾ أو ﴿لَآيَة(١) ، حيث يذكر دلائل المبدأ والمعاد.

و (الفريضة العادلة) إشارة إلى علوم الأخلاق التي محاسنها من جنود العقل ، ومساوئها من جنود الجهل ، فإنَّ التحلّي بالأول والتخلّي عن الثاني فريضة ، وعدالتها كناية عن توسُّطها بين طرفي الإفراط والتفريط.

و (السنَّة القائمة) إشارة إلى شرائع الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، وانحصار العلوم الدينية في هذه الثلاثة معلوم)(٢) .

وعن السيِّد الدامادرحمه‌الله : (أنَّ المراد بالفريضة العادلة هو العلم بالشرائع ، والسنن ، والقواعد ، والأحكام في الحلال والحرام ، والمراد من السنَّة القائمة ، هو علم تهذيب الأخلاق ، وتكميل الآداب ، والسفر الى الله تعالی والسير إليه )(٣) .

وقال جدّي الصالح في شرحه : (والأول إشارة إلى التعلم بالمحكمات القرآنية المتعلقة باُصول الدين وفروعه ، وبالمواعظ والنصائح ، والعبرة بأحوال الماضين.

والثاني : إشارة إلى العلم بكيفية العمل ، وجميع الأُمور المعتبرة فيه شرعاً من غير إفراط وتفريط.

__________________

(١) وردت هذه الفقرات في القرآن الكريم في أكثر من موضع يطول سردها.

(٢) ذكر هذا الشرح الفيض الكاشاني في الوافي ١ : ١٣٤ ح ٥٠ / ١ باب صفة العلم ، وهو المراد به بالبعض.

(٣) الوافي ١ : ١٣٣ ح ٥٠ / ١ بالهامش.

٣٦١

والثالث : إلى العلم بالأحاديث التي بعضها في التوحيد وما يليق به ، وبعضها في المعاد وما يناسبه ، وبعضها في الأخلاق وما يتعلَّق بها ، وبعضها في الأحكام وما يُعتبر فيها ، وبعضها في عادات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام ) ، انتهى ملخّصاً(١) .

ووجه الحصر في الثلاثة ظاهر ، فإنَّ العلوم النافعة إمّا متعلقة باُصول الدين أو بفروعه ، والثانية إمّا متعلّقة بأعمال الجوارح أو بأفعال القلب عن محاسن الأخلاق ومقابحها.

[ز] ـ«وما خلاهُنَّ فهو فضل» : أي زيادة لا خير فيه في الآخرة ، وإن كان بعضه ممدوحاً في حدِّ ذاته كعلم الرياضي والهندسة(٢) .

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٢٣.

(٢) المصدر نفسه.

٣٦٢

الحديث التاسع والعشرون

الفقه في الدين

[ ٩٧] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فَقَّهُه في الدين »(١) .

أقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، ورجال السند مذكورون فيما تقدّم ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن ، فقد قال شيخنا البهائيرحمه‌الله :

(ليس المراد بالفقه الفهم ، ولا العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية ، فإنَّه معنی مستحدث ، بل المراد به البصيرة في أمر الدين ، والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى ، والفقيه هو صاحب هذه البصيرة ، وإليها أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «لا يفقه العبد كلّ الفقه حَتَّى يمقت الناس في ذات الله ، ويری للقرآن وجوهاً كثيرة » ، ثُمَّ يُقبل على نفسه ، فيكون لها أشدَّ مقتاً) ، انتهى(٢) .

وهو المراد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام حين أرسله إلى اليمن :«اللهُمَّ فقّهه في الدين» (٣) ، وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام لولده الحسنعليه‌السلام :«وتفقَّه يا بني في الدين» (٤) ، وقوله تعالى : ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(٥) حيث جعل العلَّة الغائية من الفقه الإنذار والتخويف ، ومعلوم

__________________

(١) معالم الدين : ٢٢ ، الكافي ١ : ٣٢ ح ٣.

(٢) ذكره عنه المازندرانی فی شرح اُصول الكافي ٢ : ٢٩.

(٣) ذكره المؤرخون في حوادث سنة ١٠ هـ.

(٤) نهج البلاغة ٣ : ٣٩.

(٥) سورة التوبة : ١٢٢.

٣٦٣

أن ذلك لا يترتَّب إلا على معرفة دقائق آفات النفوس ، ومفسدات الأعمال ، والتطلُّع إلى نعيم الآخرة ، ومراتب الخذلان ، والبعد عن رحمة الملك المنَّان(١) .

__________________

(١) ينظر : شرح اُصول الكافي ٢ : ٢٩ وما بعده في شرح الحديث.

٣٦٤

الحديث الثلاثون

الصبر على النائبة

[٩٨] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال :«الكمالُ كلّ الكمال : التفقُّه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة» (١) .

أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، ومرجع الضمير كما تقدّم ، وأمّا شرح المتن :

[أ] ـ«الكمال كلّ الكمال» : أي البالغ حدّ كماله ، وقد عرفت معنى التفقُّه في أمثال هذه الأخبار.

[ب] ـ«والصبر على النائبة» : أي ترك الجزع والشكاية منها إذا نزلت به ، وفيه إشارة إلى أنَّ شدَّة الجزع موجب لنقص الدين ؛ لاستلزامه كراهية قضاء الله ، وسخطه ، وعدم الالتفات إلى ما وعد به من ثواب الصابرين ، حيث قال تعالى : ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(٢) ، وهو لمحو الحسنات وسقوط ما يلزمها من ثواب الآخرة ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :«ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره» (٣) ، وقالعليه‌السلام :«الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عما تحب» (٤) .

ولا ريب أن الأول أشق من الثاني ؛ لأن الأول صبر على مضرَّة نازلة ، والثاني مير علی محبوب متوقَّع لم يحصل.

__________________

(١) معالم الدين : ٢٣ ، الكافي ١ : ٣٢ ح ٤.

(٢) سورة الإنسان : ١٢.

(٣) تحف العقول /٢٣١.

(٤) نهج البلاغة ٤ : ١٤.

٣٦٥

وسئل بزرجمهر في بليَّته عن حاله ، فقال : (هون عليّ ما أنا فيه فکري في أربعة أشياء : أولها أنَّي قلت : القضاء والقدر لابدَّ من جريانهما ، والثاني أنّي قلت : إن لم أصير فما أصنع ، والثالث أنّي قلت : قَدْ كان يجوز أن تكون المحنة أشد من هذه ، والرابع أني قلت : لعلَّ الفرج قريب )(١) .

قال أنوشروان : (جميع أمر الدنيا منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما : أمّا ما في دفعه حيلة فالاضطراب دواؤه ، وأمّا ما لا حيلة فيه فالصبر شفاؤه )(٢) .

وكان يقال : (الصبر مر ، لا يتجرعه إلا حر )(٣) .

وكان يقال : (إنَّ للأزمان المحمودة والمذمومة أعماراً وآجالاً كأعمار الناس وآجالهم ، فاصبروا لزمان السوء حَتَّى يفنى عمره ، ويأتي أجله )(٤) .

وكان يقال : (إذا تضيفتك نازلة فأقرِها الصبرَ عليها ، وأكرم مثواها لديك بالتوكُّل والاحتساب لترحل عنك وقد أبقت عليك أكثر ممَّا سلبت منك ، ولا تنسها عند رخائك ، فإن تذكُّرك لها أوقات الرخاء يبعد السوء عن فعلك ، وينفي القساوة عن قلبك ، ويوزعك حمد الله وتقواه )(٢) .

وقال الله : ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ(٦) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغه ١٨ : ١٩٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٨ : ١٩٢.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ : ٣٢٠.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٩٠.

(٥) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٩٠.

(٦) سورة النحل : من آية ١٢٧.

٣٦٦

وقال عليعليه‌السلام :«الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (١) ، فإنَّ الإنسان ما دام في تلك النشأة هو مورد للمصائب والآفات ، ومحل للحوادث والنوائب والعاهات ، ومبتلى بتحمُّل الأذى من بني نوع الإنسان في المعاملات ، ومكلّف بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات ، وكل ذلك ثقيل على النفس غير ملائم لطبعها ، فلابد من أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على (عن ـ ظ) هذه الأُمور الشاقة ، ورعاية ما يوافق الشرع والعقل فيها ، وترك الجزع والانتقام وسائر ما ينافي الآداب المستحسنة المرضية عقلاً وشرعاً وهي المسمَّاة بالصبر ، ومن البيّن أنَّ الإيمان الكامل ، بل نفس التصديق أيضاً يبقى ببقائه ويفنی بفنائه ؛ فلذلك هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

وسئل الفضيل عن الصبر؟ قال : (تجرع المرارة من غير تعبيس ).

وقال رويم : (الصبر ترك الشكوى ).

وقال عليعليه‌السلام :«الصبر مطية لا تكبو» .

وقف رجل على الشبلي فقال : (أيّ صبر أشدُّ على الصابرين؟ الصبر في الله تعالی؟

فقال : لا ، قال : فالصبر لله تعالی.

فقال : لا ، قال : الصبر مع الله تعالی.

فقال : لا ، قال فأي شيء؟ فقال : الصبر عن الله ، فصرخ الشبلي صرخة عظيمة ووقع).

__________________

(١) نهج البلاغة ١١ : ٢٠٢.

٣٦٧

ويقال : (إن الشبلي حُبس في المارستان ، فدخل عليه قوم فقال : من أنتم؟ قالوا : محبُّوك جئناك زائرين ، فرماهم بالحجارة فهربوا ، فقال : لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي ).

وعن طريق العامة عن الله عزَّ وجلَّ :«بعيني ما يتحمَّلُ المتحمَّلون من أجلي» (١) .

وفي الكافي بإسناده عن حمزة بن عمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :«الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنَّة ، وجهنم محفوفة باللَّذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذَّتها وشهوتها دخل النار» (٢) .

وهذا المضمون متفق عليه بين الخاصّة والعامَّة ، فقد روى مسلم عن أنس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات» (٣) .

وهذا من بديع الكلام ، والمراد من المكاره الطاعات ، ومن الشهوات المعاصي ، ورُوي :«أن الله تعالى لمّا خلق الجنَّة قال لجبرائيل : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ لا يتركها أحد إلا دخلها ، فلمَّا حفّها بالمكاره ، قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ ، أخشى أن لا يدخلها أحد ، ولمّا خلق النار قال له : انظر إليها ، فلمَّا نظر إليها قال : يا ربّ ، لا يدخلها أحد ، فلمَّا حفّها بالشهوات قال : انظر إليها ، قال : يا ربّ أخشى أن يدخلها كلّ أحد» (٤) .

__________________

(١) وردت هذه الأقوال الستة تباعاً في شرح نهج البلاغة ١١ : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٢ : ٨٩ ح ٧.

(٣) صحيح مسلم ٨ : ١٤٢.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٤٢٢ ح ٤٧٤٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣٣٢ وغيرها والحديث اختصره المؤلفرحمه‌الله .

٣٦٨

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«إنّا صُبَّر وشيعتنا أصبر منّا» ، قلت : جعلت فداك ، كيف صار شيعتكم أصبر منكم؟ قال :«لأنّا نصبر على ما نعلم ، وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون» (١) .

و «الصُبَّر» : ـ بضمِّ الصاد وتشديد الياء المفتوحة. جمع الصابر.

«أصبر منا» : أي الصبر عليهم أشقّ وأشدّ ؛ لأنّا نصبر على ما نعلم ، وأظهر احتمالات الخبر : إنّا نصبر على ما تعلم نزوله قبل وقوعه وهذا ممَّا يهوَّن المصيبة ويسهِّلها ، وشيعتنا تنزل عليهم المصائب فجأة مع عدم علمهم بها قبل وقوعها ، فهي عليهم أشد ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم كته ثوابه ، والحكمة في وقوعه ، ورفعة الدرجات بسببه ، وشيعتنا ليس علمهم بجميع ذلك كعلمنا ، وهذه كلُّها ممَّا يسكّن التنفس عند المصيبة ويعزّيها ، ويحتمل أن يكون المراد : إنا تصبر على ما تعلم عواقبه وكيفية زواله ، وتبدُّل الأحوال بعده ، كعلم يوسفعليه‌السلام في الجبّ بعاقبة أمره ، واحتياج الإخوة إليه ، وكذا علم الأئمةعليهم‌السلام برجوع الدولة إليهم ، والانتقام من أعدائهم ، وابتلاء أعدائهم بأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة(٢) .

قيل : (ولأجل أنَّ الصوم من الصبر قال تعالى : كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنَّه لي وأنا أجزي به )(٣) .

وقال بعضهم :

__________________

(١) الكافي ٢ : ٩٣ ح ٢٥.

(٢) هذا البيان ذكره العلّامة المجلسيرحمه‌الله في شرحه للحديث في بحار الأنوار ٦٨ : ٨٠.

(٣) ورد معناه في مسند أحمد ٣ : ٤٤٣ ، سنن أبي داود ٣ : ١٥٨ وغيرها.

٣٦٩

أما والَّذي لا يعلمُ الغيبَ غيرُه

ومَنْ ليسَ في كُلِّ الأُمورِ لَهُ كُفْوُ

لَئِنْ كانَ بدءُ الصبرِ مرٌّ مذاقُهُ

فَقَدْ يُجتنى مِن بَعدِهِ الثَّمرُ الحُلْوُ

ورُوي : «أن عيسیعليه‌السلام مرّ برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنين بالفالج ، وقد تناثر لحمه من الجذام ، وهو يقول : الحمد لله الَّذي عافاني ممَّا ابتلی به كثيراً من خلقه.

فقال له عيسىعليه‌السلام : يا هذا ، وأيّ شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟

قال : يا روح الله ، أنا خير ممَّن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته.

فقال له : صدقت ، هات يدك ، فتناوله يده ، فإذا هو أحسن الناس وجهاً ، وأفضلهم همينة ، قَدْ أذهب الله عنه ما كان به ، فصحب عيسیعليه‌السلام ، وتعبّد معه»(١) .

وقال بعضهم : (قصدت عبادان في بدايتي ، وإذا أنا برجل أعمى مجذوم مجنون قَدْ صُرع ، والنمل تأكل لحمه ، فرفعت رأسه ، ووضعته في حجري ، وأنا اُردّد الكلام ، فلمَّا أفاق قال : من هذا الفضولي الَّذي يدخل بینی وبین ربي؟ فوحقه لو قطَّعني إرباً إربآً ما ازددت له إلا حبّاً )(٢) .

ورُوي : «أن يونسعليه‌السلام قال لجبرئيل : دُلَّني على أعبد أهل الأرض ، فدلَّهُ على رجل قَدْ قطع الجذام يديه ورجليه ، وذهب ببصره وسمعه ، وهو يقول :

__________________

(١) مسکن الفؤاد : ٨٧.

(٢) مسكن الفؤاد : ٨٧.

٣٧٠

إلهي متّعتني بهما ما شئت ، وسلبتني ما شئت ، وأبقيت لي فيك الأمل ، يا بَرُّ يا وَصول»(١) .

ورُوي : «أنَّمؤذّناً كان لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل منزله ، فرأى فيه خادمة فهواها ، وكلَّما التقى معها ، قال : اصبر حَتَّى يحكم الله وهو خير الحاکمين ، ثُمَّ إنَّ الخادمة أتت علياً عليه‌السلام وأخبرته بهوي المؤذّن إياها ، فقال : ما قال لك؟ قالت : كلَّما رآني قال : اصبر حَتَّى يحكم الله ، فطلبه عليّ فقال : يا فلان الآن حكم الله ، فزوَّجها إياه ، فاستمتع منها حلالاً »(٢) .

شعر :

فلمَّا رأيتُ النفسَ أوفَتْ على الرَّدى

فٌزِعْتُ إلى صبري فأسلَمَني صبري

وقال آخر :

على قَدْرِ فَضلِ المرءِ تأتي خُطوبُهُ

ويُحمَدُ منهُ الصبرُ مِمَّا يُسيبُهُ

فمَنْ قَلَّ فيما يبتغيهِ اصطيارُهُ

لقد قَلَّ مِمَّا يَرتجيهِ نصيبُهُ(٣)

فعليك يا أخي بتحمل تلك الأعمال المفضية إلى الجنَّة ، والتجنُّب عن الأعمال الموصلة إلى النار ، وفَّقنا الله وجميع إخواننا المؤمنين لما فيه الفوز بدار جنَّات النعيم والخلاص من درکات الجحيم ، وقد مدح الله تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة ، وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافاً إلى الصبر ، وأثنی على فاعله ، وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه ، وحثّ على التثبُّت في الأشياء ومجانية

__________________

(١) مسكن الفؤاد : ٨٧.

(٢) الأنوار النعمانية ١ : ٣١.

(٣) الشعر لابن المظفر ، وفيات الأعيان ٤ : ٣٩٧.

٣٧١

الاستعجال فيها ، فمن ذلك قوله تعالى : ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا(١) .

وبالجملة : فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه العزيز في نيِّف وسبعين موضعاً ، وأمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله به فقال : ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ(٢) ، وإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا صبر كما اُمر ، أسفَرَ وجهُ صبرِهِ عن ظفره ونصره ، وكذلك الرسل ـ الَّذين هم اُولو العزم ـ لمّا صبروا ظفروا وانتصروا.

حُکي : (أنَّ امرأة من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة ، فسرقها سارق فصبرت وردَّت أمرها إلى الله تعالى ، ولم تدعُ عليه ، ولمّا ذبحها السارق ونتف ريشها نبت جميعه في وجهه ، فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتي حبراً من أحبار بني إسرائيل ، فشکی له ، فقال : لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك هذه المرأة ، فأرسل إليها من قال لها : أين دجاجتك؟ فقالت : سُرقت ، فقال : لقد آذاك من سرقها؟ قالت : قَدْ فعل ، ولم تدعُ عليه ، قال : وقد فجعك في بيضها؟ قالت : هو كذلك ، فما زال بها حَتَّى أثار الغضب منها ، فدعت عليه ، فتساقط الريش عن وجهه ، فقيل لذلك الحبر : من أين علمت ذلك؟ قال : لأنها لمّا صبرت ولم تدعُ عليه انتصر الله لها ، فلمَّا انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش عن وجهه )(٣) .

فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدَّة ، ويحمد الله تعالی ، ويعلم أن النصر مع الصبر ، وأن مع العسر يسرا.

__________________

(١) سورة الأعراف : من آية ١٣٧.

(٢) سورة الأحقاف : من آية ٣٥.

(٣) مغني المحتاج ٤ : ١٥٧.

٣٧٢

[ج] ـ«وتقدير المعيشة» : بجعلها مقدرةً بقدر يليق بحاله من غير إفراط وتفريط ، ويمكن عطفها على النائبة فتكون مجرورةً ، أي الكمال كلّ الكمال الصبر على النائبة وعلى تقدير المعيشة ، وهو ضيقها.

٣٧٣

الحديث الواحد والثلاثون

إبليس يحبُّ موت الفقيه

[٩٩] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«ما من أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موت فقيه» (١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة إبراهيم الخراز]

والخراز ـ بالخاء المعجمة والراء المهملة ـ وقيل : المعجمة ـ والزاي المعجمة بعد الألف ـ : اسمه إبراهيم بن عيسى(٢) ، وقيل : ابن زياد ، وقيل : ابن عثمان(٣) .

وفي (الخلاصة) : (ثقة)(٤) .

[ترجمة سليمان بن خالد]

وسليمان بن خالد بن دهقان : ثقة ، صاحب القرآن(٥) . وقد رواه بحذف لفظ :«من المؤمنين» بهذا السند في (الفقيه)(٦) .

__________________

(١) معالم الدين : ٢٣ ، الكافي ١ : ٣٨ ح ٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٦١ ح ٦٧٩.

(٣) ينظر : معجم رجال الحديث ١ : ٢٠٣.

(٤) خلاصة الأقوال : ٥٠ رقم ١٣.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٣ رقم ٤٨٤.

(٦) من لا یحضره الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٥٥٩.

٣٧٤

ورواه في (الكافي) أيضاً ، هكذا : (عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخراز ، عن سليمان بن خالد ، عنهعليه‌السلام )(١) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

وإنَّما قيّد الأحد بالمؤمنين ؛ لأن إبليس لا يحب موت الكافرين ، بل يغتمّ ؛ لأنَّهم من أعوانه وأنصاره ، وإنَّما كان موت الفقيه أحبّ إليه من موت سائر المؤمنين مع أنه لا شيء أشد عليه من خروج أحد من الدنيا وهو مؤمن ؛ لأن شأن الفقيه : إفادة العلم ، وتعليم الحقّ ، وإرشاد السبيل ، والحثّ على الطاعة ، والزجر عن المعصية ، وشأن إبليس : إلقاء الشك والوسوسة في النفوس ، وإراءة الباطل بصورة الحق ، والإضلال ، والحث على المعاصي ، فإذا كان منه على طرف الضدّ ، فلا محالة أحبّ فقده ، وليس موت سائر المؤمنين عنده بهذه المنزلة.

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٨ ح ١.

٣٧٥

الحديث الثاني والثلاثون

موت الفقيه ثلمة

[ ١٠ ٠] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال :«إذا مات المؤمن الفقيه ، ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء» (١) .

أقول : عمدة ما يتعلق بشرح الحديث هو التكلُّم في رجاله ، فنقول : مرجع الضمير كما تقدّم ، وذهب جماعة من علمائنا الأُصوليين إلى أنَّ ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البيزنطي ، لا يرسلون إلا عن ثقة ، وردّه المحقِّق(٢) ، وشيخنا الماتن بناءً على أن في رجالهم من طعنه الأصحاب ، فإذا أرسل واحد منهم احتمل أن يكون المطعون أحدهم(٣) ، وأجاب عنه شيخنا البهائي بأن هذا لا يقدح ؛ إذ المنقول عدم إرسالهم عن غير الثقة لا عدم روايتهم عنه ، فيحصل بسبب هذا النقل الظن بعدم إرساله عن غير الثقة ، وفيه نظر ؛ لأن العلم بعدم إرساله عن غير الثقة إن كان مستنداً إلى إخبار الراوي بانه لا يرسل إلا عن ثقة ، فيردّ ذلك أنه غير كاف ؛ لجواز أن يكون له جارح لا يعلمه وإن كان مستنداً إلى استقراء مراسيله ، والاطلاع من الخارج على أن المحذوف فيها لا يكون إلا ثقة ، فهذا في معنى الإسناد.

فإن قلت : إخبار الراوي بذلك تزكية للمحذوف ، فيحصل لنا ظن بعدالته إن كان الراوي عدلاً ، فوجب القبول ، واحتمال وجود الجارح لا يقدح في ذلك كما لا يقدح مع العلم بعين الذات ، على أن كون ذلك في معنى الإسناد إنّما هو بالنظر

__________________

(١) معالم الدين : ٢٣ ، الكافي ١ : ٣٨ ح ٢.

(٢) المعتبر ١ : ٤٦.

(٣) استوفى تمام البحث في ذلك مع سرد المصادر شيخنا النوريرحمه‌الله في خاتمة المستدرك ٥ : ١٢٠ ، فليراجع.

٣٧٦

إلى المتفحِّص لا بالنظر إلينا ؛ لأنّا لا نعلم عدالته بالاستقراء ، بل حصل لنا الظن بها يقول المتفحِّص ؛ لكونه عدلاً.

قلت : قول المتفحِّص وإخبار الراوي بذلك تزكية ، ولا يجوز العمل بها إلا بعد حصول الظن بعدم الجارح بالفحص عنه اتفاقاً ، ولا يمكن ذلك مع عدم تعيين الذات ، ولا يندفع احتمال وجود الجارح احتمالاً قوياً بدونه ، فلا يتوجَّه القبول.

وأمّا ما يتعلق بمتن الحديث : فالثلمة ـ بالضم ـ : فرجة المكسور والمهدوم ، شبّه الإسلام بالمدينة ، والعلماء بمنزلة الحصن لها ، وموت كلّ واحد منهم بمنزلة انعدام حصن من حصونها ، وانتظر لتمام البيان في شرح ما يأتي.

٣٧٧

الحديث الثالث والثلاثون

بكاء الملائكة على الفقيه

[ ١٠١] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا الحسن موسی بن جعفرعليه‌السلام يقول : «إذا مات المؤمن ـ الفقيه(١) ـ بكت عليه الملائكة ، وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله ، وثُلم في الإسلام ثُلمة لا يسدُّها شيء ؛ لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام ، كحصون سور المدينة لها»(٢) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة علي بن أبي حمزة]

علي بن أبي حمزة : وردت فيه أخبار فيها ذمُّه ، ووقفُه ، واللَّعنُ عليه ، ومنها اشتهر ضعفه ، وضعف الخبر الَّذي هو فيه ، ولا حاجة إلى نقل كلماتهم بعد تكرُّرها في الكتب(٣) ، ومع ذلك فقد ادّعى المحقِّق في (المعتبر) إجماع الأصحاب على العمل بروايته ، قال في بحث الأسآر ـ بعد أن استدلّ على طهارة سؤر الطيور بروايتي علي بن أبي حمزة وعمّار ـ : (لا يقال : علي بن أبي حمزة

__________________

(١) ليس في المصدر والكافي كلمة : (الفقيه) وإنما هي زيادة من المؤلِّفرحمه‌الله للبيان ، وقال المازندراني في شرحه بعد كلمة (المؤمن) ما نصّه : (لا يبعد تقييده بالفقيه ، كما يرشد إليه آخر الحديث). (شرح اُصول الكافي ٢ : ٨٩).

(٢) الكافي ١ : ٣٨ ح ٣.

(٣) ينظر : اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٥ ، التحرير الطاووسي : ٣٥٤ رقم ٢٤٥ وغيرها.

٣٧٨

واقفي ، وعمَّار فطحي ، فلا يُعمل بروايتهما ؛ لأنّا نقول : الوجه الَّذي لأجله عُمل برواية الثقة قبول الأصحاب ، وانضمام القرينة ، لأنَّه لولا ذلك ؛ لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ؛ إذ لا وثوق(١) بقوله ، وهذا المعنى موجود هنا ، فإنَّ الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك ، ولو قيل : فقد ردّوا رواية كلّ واحد منهما في بعض المواضع ، قلنا : كما ردوا رواية الثّقة في بعض المواضع متعلّلين بأنه خبر واحد ، وإلا فاعتبر کتب الأصحاب ، فإنَّك تراها مملوءة من رواية علي المذكور) ، انتهى(٢) .

أقول : فالظاهر من الأصحاب أنهم لا يرون ما نُسب إليه قدحاً في رواياته ، وضعفاً في أخباره ؛ لعدم منافاة ما ورد في ذمّه ممَّا يتعلق بمذهبه ، كونه ثقة عندهم في غير ما يتعلق بالمذهب الباطل.

نعم ، ينافيه ما في رجال الكَشِّي قال : (قال ابن مسعود ، حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضّال ، قال : ابن أبي حمزة كذّاب متَّهم)(٣) .

وقال في موضع آخر : (قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذّاب ملعون ، قَدْ رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلُّه من أوله إلى آخره ، إلا أنّي لا أستحلُّ أن أروي عنه حديثاً واحداً)(٤) .

والجواب ، أولاً : إن قول ابن فضال واعتقاده في علي بن أبي حمزة لا يعارض عمل الأعاظم بخبره حسب ما نقل المحقِّقرحمه‌الله الإجماع عليه.

__________________

(١) في الأصل : (لا قطع) وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المعتبر ١ : ٩٤.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٥ ح ٧٥٥.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٦ ح ٧٥٦.

٣٧٩

وثانياً : إن ما قاله فيه داخل في جملة ما رآه ، وقد قالوا في بني فضّال : (ذروا ما رأوا ، وخُذُوا ما رووا )(١) .

وثالثاً : إن التأمُّل الصادق يشهد أنه سقط من كلام الكَشِّي هذا شيء ، أن ما قاله ابن فضّال إنَّما هو في حقّ الحسن بن علي بن أبي حمزة لا في حق أبيه علي ، والاشتباه إنَّما هو في نسخة الكَشِّي التي كانت عند ابن طاووس ، وما ذكره في (الخلاصة) إنَّما هو تبعاً لابن طاووس(٢) ، والنجاشي ذكره ولم يذكر له ما يوجب طعناً في غير مذهبه بأنه واقفي ، بل وهو أحد عمد الواقفة.

نعم ، قال في ترجمة الحسن ابنه : (قال أبو عمرو الكَشِّي فيما أخبرنا به محمّد بن محمّد بن جعفر بن محمّد عنه ، قال : قال محمّد بن مسعود : سألت علي بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، فطعن عليه ) ، انتهى(٣) .

ولعلَّه نظراً إلى ما ذكرنا تردَّد المجلسيرحمه‌الله في (الوجيزة) في حال علي بن أبي حمزة المذكور ، حيث قال : (إنَّه ضعيف ، وقيل : مُوثَّق : لأنَّ الشيخ قال في العدّة : عمل الطائفة بأخباره ، ولقوله في الرجال : له أصل ، ولقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه ) ، انتهى(٤) .

فتراه لا يمكنه الجزم بطرف من الضعف والوثوق ، والحقّ ما عرفته ، والعجب من الشيخ أبي علي في رجاله ، حيث لم يرض من المجلسي بالتردُّد

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٣٨٩ ح ٣٥٥ وفيه : (خذوا بما رووا وذروا ما رأوا).

(٢) التحرير الطاووسي : ١٢٩ رقم ٩٦ ، خلاصة الأقوال : ٣٣٤ رقم ٧.

(٣) رجال النجاشي : ٨٩ رقم ٧٣.

(٤) الوجيزة في الرجال : ١١٨ رقم ١٢١٤ ، عدّة الأُصول ١ : ١٥٠ ، الفهرست للطوسي : ١٦١ رقم ٤١٨ / ٤٥ ، رجال ابن الغضائري : ٥١ رقم ٣٣ / ٦.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513