الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

الإمام الصادق عليه السلام10%

الإمام الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 186

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9817 / تحميل: 1266
الحجم الحجم الحجم
الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ولادته ووفاته

ولادته

المعروف بين أهل الحديث والتأريخ أن ولادتهعليه السلام كانت في السابع عشر من ربيع الأوّل ، إمّا عام ٨٠ للهجرة ، أو ٨٣ ، وكلا القولين مشهوران بينهم.

ولكن تقدم أنهعليه السلام قال في بعض وقفاته أمام المنصور : « وها أنا ذا قد ذرفت على السبعين » أي زدت عليها ، وروى عن محمّد بن الربيع حاجب المنصور لمّا جاء بالصادق ليلا الى المنصور وقال عنه : وكان قد جاوز السبعين ، وذكر المجلسي طاب ثراه في أحوالهعليه السلام رواية عن محمّد بن سعيد أنهعليه السلام قبض وهو ابن إحدى وسبعين سنة ، وهذا كما ترى لا يتفق مع القول الثاني ، ولا الأوّل ، لأنهم متّفقون على أن وفاته كانت عام ١٤٨ ، فعليه تكون ولادته قبل الثمانين بثلاث سنين أو اكثر.

وبهذا تكون الروايات في سنة وفاته ثلاثا ، وأوسطها رواية الثمانين ، ولعلّها أولاها.

وفاته :

وقيل : كانت وفاتهعليه السلام في الخامس والعشرين من شوّال ، وقيل :

١٠١

في النصف من رجب ، والأوّل هو المشهور ، واتّفق المؤرّخون من الفريقين على أن وفاته كانت عام ١٤٨ كما قلنا.

كما اتّفق مؤلفو الشيعة على أن المنصور اغتاله بالسمّ على يد عامله بالمدينة ، وقيل أن السّم كان في عنب كما ذكر ذلك الكفعمي في المصباح.

وذكر بعض أهل السنّة أيضا موته بالسمّ ، كما في « إسعاف الراغبين » و « نور الأبصار » و « تذكرة الخواص » و « الصواعق المحرقة » وغيرها.

عند الموت :

ولمّا كاد أن يلفظ النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ من بينه وبينهم قرابة ، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطبا لهم :

إن شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة(١) .

وهذا يدلّنا على عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة ، فلم تشغل إمامناعليه السلام ساعة الموت عن هذه الوصيّة ، وما ذاك إلاّ لأنه الإمام الذي يهمّه أمر الامّة وإرشادها الى الصلاح حتّى آخر نفس من حياته ، وكانت الصلاة أهم ما يوصي به ويلفت إليه.

وأحسب إنما خصّ أقرباءه بهذه الوصيّة ، لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه الوصيّة على ألسنتهم أنفذ ، ولأنهم عترة الرسول فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من النبي وسيلة للشفاعة بهم وإن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة ، فأراد الصادق أن يلفتهم الى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢ / ٥ ، محاسن البرقي : ١ / ٨٠.

١٠٢

قائمين بفرائض الله.

وكانت زوجته أمّ حميدة(١) تعجب من تلك الحال وأن الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة ، فكانت تبكي اذا تذكّرت حالته تلك(٢) .

وأمر أيضا وهو بتلك الحال لكلّ واحد من ذوي رحمه بصلة ، وللحسن الأفطس(٣) بسبعين دينارا ، فقالت له مولاته سالمة : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال : تريدين ألاّ أكون من الذين قال الله عزّ وجل فيهم : « والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب »(٤) نعم يا سالمة إن الله خلق الجنّة فطيّب ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم(٥) .

وهذا أيضا يرشدنا الى أهميّة صلة الأرحام بعد الصلاة وقد كشف في بيانه عن أثر القطيعة.

وما اكتفىعليه السلام بصلة رحمه فقط بل وصل من قطعه منهم بل من همّ بقتله ، تلك الأخلاق النبويّة العالية.

بعد الموت :

ولمّا قبضعليه السلام كفّنه ولده الكاظمعليه السلام في ثوبين شطويين (٦)

__________________

(١) هي أمّ الكاظمعليه السلام .

(٢) محاسن البرقي : ١ / ٨٠ / ٦.

(٣) أشرنا الى شيء من حاله في تعليقة ج ١ ٢٢٩.

(٤) الرعد : ٢١.

(٥) المناقب : ٤ / ٢٧٣ ، والغيبة للشيخ الطوسي : ١٢٨.

(٦) شطا : اسم قرية في مصر تنسب إليها الثياب الشطويّة.

١٠٣

كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسينعليه السلام ، وفي برد اشتراه بأربعين دينارا(١) .

وأمر بالسراج في البيت الذي كان يسكنه أبو عبد اللهعليه السلام الى أن اخرج الى العراق كما فعل أبو عبد اللهعليه السلام من قبل في البيت الذي كان يسكنه أبوه الباقرعليه السلام (٢) .

وقال أبو هريرة(٣) لمّا حمل الصادقعليه السلام على سريره واخرج الى البقيع ليدفن :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ما ذا تحملون الى الثرى

ثبير ثوى(٤) من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

ترابا وأولى كان فوق المفارق

أيا صادق ابن الصادقين إليه

بآبائك الأطهار حلفة صادق

لحقّا بكم ذو العرش أقسم في الورى

فقال تعالى الله رب المشارق

نجوم هي اثنى عشرة كن سبقا

الى الله في علم من الله سابق

ودفنعليه السلام في البقيع مع جدّه لامّه الحسن وجده لأبيه زين العابدين ، وأبيه الباقر عليهم جميعا صلوات الله ، وهو آخر من دفن من الأئمة في البقيع ، فإن

__________________

(١) الكافي ، باب مولد الصادقعليه السلام : ١ / ٤٧٥ / ٨.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الظاهر أنه العجلي وقد عدّه ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهدين ، وروي أن الصادقعليه السلام ترحّم عليه ، وهذا يقتضي أن يكون موته قبل الصادق ، إلاّ أن يكون الترحّم عليه وهو حي ، أو أن الكاظم هو المترحّم ونسب الى الصادق خطأ.

(٤) الأنسب أن يكون ـ هوى ـ ولعلّ الخطأ من النسّاخ.

١٠٤

أولاده دفنوا بالعراق إلاّ الرضا في خراسان.

كناه وألقابه :

كان يكنّى بأبي عبد الله ، وأبي إسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها ، ويلقّب بالصادق ، والفاضل ، والقائم ، والكافل ، والمنجي ، وغيرها وأوّلها أيضا أشهرها لقّبه بالصادق أبوه رسول اللهص ، كما في الخرائج والجرائح ، وكما في البحار ج ١١ في أحوالهعليه السلام عن علل الشرائع ، وكما في كفاية الأثر لعلي بن محمّد بن علي الخزاز عند ترجمة الصادقعليه السلام مسندا عن أبي هريرة عن النبيص في حديث طويل ، ومنه أنه قالص : ويخرج الله من صلبه ـ أي صلب محمّد الباقر ـ كلمة الحقّ ، ولسان الصدق ، فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبيّ الله؟ قال :

يقال له جعفر ، صادق في قوله وفعله ، الطاعن عليه كالطاعن عليّ ، والرادّ عليه كالرادّ عليّ ، الحديث.

وبلغ من شهرته بهذا اللقب أنه صار كالاسم له ، حتّى أنه ليستغنى به عن ذكر اسمه ، ويعرف به اذا اطلق ، ومن ثمّ جعلناه عنوان كتابنا.

وكذلك كنيته بأبي عبد الله صارت كالاسم له يستغنى بها عن اسمه ولقبه لا سيّما في الأحاديث.

صفته :

قال ابن شهرآشوب في المناقب في أحواله : وكانعليه السلام ربع القامة

١٠٥

أزهر الوجه ، حالك الشعر جعده(١) أشمّ الأنف(٢) أنزع(٣) رقيق البشرة(٤) على خدّه خال اسود على جسده خيلان حمرة(٥) .

زيارته :

إن لزيارة المؤمن في الله حيّا وميّتا من الفضل ما لا يبلغ مداه ، كما يشهد به النقل ، فكيف بإمام المؤمنين ، على أن في زيارة مراقد الأنبياء والأوصياء إحياء لذكرهم واشادة بفضلهم ، وجمعا للقلوب عليهم ، وترغيبا للناس على الاقتداء بأعمالهم ، وذلك ما تحبّذه جميع عقلاء الامم لإحياء مآثر العظماء وتجديد ذكرى فضلهم والتشجيع على الاحتذاء بهديهم ، مضافا الى أن في زيارة مراقد النبيّ والأئمة تعظيما لشعائر الله تعالى وهو من تقوى القلوب.

والنقل في فضل زيارتهعليه السلام من وجهين ، الأوّل : ممّا جاء في فضل زيارة قبورهم عامّة ، الثاني : ممّا جاء في فضل زيارة قبره خاصّة.

أمّا الأوّل فكثير جدا ، ومنه قول الرضاعليه السلام : إن لكلّ إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة(٦) .

__________________

(١) الجعد في الشعر خلاف البسط.

(٢) الشمم : ارتفاع قصبة الأنف وحسنها وارتفاع في أعلاها وانتصاب الأرنبة ـ طرف الأنف ، ويكنّى به عن الإباء.

(٣) النزع : انحسار الشعر عن جانبي الجبهة.

(٤) وفي نسخة : دقيق المسربة ، والمسربة : الشعر وسط الصدر الى البطن.

(٥) أي يخال أن على جسده حمرة ، هذا اذا قرئ بفتح الخاء المعجمة ، وأما اذا قرئ بالكسر فهي جمع خال ، ومعناه أن الخال الذي على جسده هو من الحمرة ، وفي نسخة حبلان حمرة ، بحاء مهملة وباء موحّدة.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥٣ / ٥.

١٠٦

وقول أمير المؤمنينعليه السلام : أتمّوا برسول اللهص اذا خرجتم الى بيت الله الحرام ، فإن تركه جفاء ، وبذلك أمرتم ، وأتمّوا بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها(١) .

وقول الصادقعليه السلام : من زار إماما مفترض الطاعة وصلّى عنده أربع ركعات كتب الله له حجّة وعمرة(٢) الى ما لا يحصى من أمثال هذه الأحاديث ، وقد ذكرت كثيرا منها كتب المزارات.

وأمّا الثاني فمثل قول الصادقعليه السلام : من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا(٣) .

وقول العسكريعليه السلام : من زار جعفرا أو أباه لم تشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى(٤) ، الى كثير سواها.

* * *

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥٥ / ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ، كتاب المزار من كتاب الحج : ٥ / ٢٦٠ / ٢٥.

(٣) المقنعة للشيخ المفيد : ص ٧٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٢٦ / ٢.

١٠٧

أولاده

اختلفوا في عدد أولاده والمشهور فيهم ما ذكره الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد ، قال : وكان أولاد أبي عبد اللهعليه السلام عشرة : إسماعيل وعبد الله وأمّ فروة امّهم فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي٨ وموسىعليه السلام وإسحاق ومحمّد لأمّ ولد(١) والعبّاس وعليّ وأسماء وفاطمة لامّهات شتّى.

إسماعيل :

كان إسماعيل اكبر أولاد الصادقعليه السلام ، وكان شديد المحبّة له والبرّ به والاشفاق عليه(٢) .

حتّى أنهعليه السلام قال للمفضّل بن عمر وهو من وكلائه وخواصّ أصحابه الثقات وأبو الحسن موسىعليه السلام غلام : هذا المولود ـ يعني موسى الكاظم ـ الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه ، ثمّ قال : لا تجف

__________________

(١) وتكنى أمّ حميدة ،.

(٢) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٤.

١٠٨

إسماعيل(١) .

إن هذا الكلام يدلّ على صرف الإمامة عن إسماعيل الى موسى ، ولكن لمّا خشي أن يكون ذلك أيضا صارفا عن اكرامه قال : لا تجف إسماعيل.

وقالعليه السلام : كان القتل قد كتب على إسماعيل مرّتين فسألت الله تعالى في رفعه عنه فرفعه(٢) وأقواله وأعماله التي كانت تنبئ عن ذلك الحبّ والعطف كثيرة ، وحتّى ظنّ قوم من الشيعة أنه القائم بعد أبيه بالإمامة لذلك البرّ وتلك الرعاية ولأنه اكبر اخوته سنّا ، واكبر الاخوة سنّا أحد علائم الإمامة ، ولكن موته أيام أبيه أزال ذلك الظن.

وأظهر الصادقعليه السلام بموت إسماعيل عجبا ، فإنه بعد أن مات وغطّي أمر بأن يكشف عن وجهه وهو مسجّى ، ثمّ قبّل جبهته وذقنه ونحره ، ثمّ أمر به فكشف وفعل به مثل الأوّل ، ولمّا غسّل وادرج في اكفانه أمر به فكشف عن وجهه ثمّ قبّله في تلك المواضع ثالثا ، ثمّ عوّذه بالقرآن ، ثمّ أمر بإدراجه.

وفي رواية اخرى أنه أمر المفضّل بن عمر فجمع له جماعة من أصحابه حتّى صاروا ثلاثين ، وفيهم أبو بصير وحمران بن أعين وداود الرقي ، فقال لداود :

اكشف عن وجهه ، فكشف داود عن وجه إسماعيل ، فقال : تأمّله يا داود فانظره أحيّ هو أم ميّت؟ فقال : بل هو ميّت ، فجعل يعرض على رجل رجل حتّى أتى على آخرهم ، فقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ أمر بغسله وتجهيزه ، ثمّ قال : يا مفضّل احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه ، فقال : حيّ هو أم ميّت؟ انظروه

__________________

(١) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب النصّ على الكاظمعليه السلام : ١ / ٣٠٩ / ٨.

(٢) رجال الشيخ أبي علي.

١٠٩

جميعكم ، فقالوا : بل هو يا سيّدنا ميّت ، فقال : شهدتم بذلك وتحققتموه؟ قالوا :

نعم ، وقد تعجّبوا من فعله ، فقال : اللهمّ اشهد عليهم ، ثمّ حمل الى قبره فلمّا وضع في لحده قال : يا مفضّل اكشف عن وجهه ، فكشف فقال للجماعة :

انظروا أحيّ هو أم ميّت؟ فقالوا : بل ميّت يا وليّ الله ، فقال : اللهمّ اشهد ، ثمّ أعاد عليهم القول في ذلك بعد دفنه ، فقال لهم : الميّت المكفّن المحنّط المدفون في هذا اللحد من هو؟ فقالوا : إسماعيل ولدك ، فقال اللهمّ اشهد(١) .

قد يعجب المرء من إصرار الإمام على أن يعرف الناس موت إسماعيل حتّى لا تبقى شبهة ولا ريب بموته ، ولكن لا عجب من أمر الإمام العالم بما سيحدث في هذا الشأن ، إنه يعلم أن قوما سيقولون بإمامته لأنه الأكبر زعما منهم أنه لم يمت ، فما فعل ذلك إلاّ ليقيم الحجّة عليهم ، وقد كشف بنفسهعليه السلام عن هذا السرّ ، فإنه قال بعد أن وضع إسماعيل في لحده وأشهد القوم على موته : فإنه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور الله ، ثمّ أومى الى موسىعليه السلام ، ولمّا أن دفن إسماعيل وأشهدهم أخذ بيد موسى فقال : هو حقّ والحقّ معه الى أن يرث الله الأرض ومن عليها(٢) .

وظهر على الصادق الحزن الشديد حين حضر إسماعيل الموت وسجد سجدة طويلة ، ثمّ رفع رأسه فنظر الى إسماعيل قليلا ونظر الى وجهه ، ثمّ سجد اخرى أطول من الاولى ، ثمّ رفع رأسه فغمضه وربط لحييه وغطّى عليه ملحفته ، ثمّ قام ووجهه قد دخله شيء عظيم حتّى أحسّ ذلك منه من رآه ، وعلى أثر ذلك دخل المنزل فمكث ساعة ، ثمّ خرج على القوم مدهنا مكتحلا وعليه ثياب

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٥٤.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ١٨٨.

١١٠

غير التي كانت عليه ، ووجهه قد تسرّى عنه ذلك الأثر من الحزن فأمر ونهى ، حتّى اذا فرغ من غسله دعا بكفنه فكتب في حاشيته : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ الله(١) .

فتعجّب الناس من انقلاب حاله وذهاب ذلك الحزن الشديد فبدر إليه بعض أصحابه قائلا : جعلت فداك لقد ظننا أننا لا ننتفع بك زمانا لما رأيناه من جزعك ، فقالعليه السلام : إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فاذا نزلت صبرنا.

وقدّم لأصحابه المائدة وعليها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان ودعاهم الى الأكل وحثّهم عليه ، ولا يرون للحزن أثرا على وجهه ، فقيل له في ذلك ، فقال :

ومالي لا اكون كما ترون وقد جاء في خبر أصدق الصادقين : إنّي ميّت وإيّاكم.

ولكنه لمّا حمل ليدفن تقدم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وهذا أعظم شعار للحزن ، وكان يأمر بوضع السرير على الأرض يكشف عن وجهه يريد بذلك تحقيق موته لدى الناس ، فعل ذلك مرارا الى أن انتهوا به الى قبره(٢) .

ولمّا فرغ من دفنه جلس والناس حوله وهو مطرق ، ثمّ رفع رأسه فقال :

أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء ، لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع ، ولوعة لا ترد ، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحّة الفكرة ، فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ، ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ، ثمّ تمثل بقول أبي خراش الهذلي :

ولا تحسبن أني تناسيت عهده

ولكن صبري يا اميم جميل(٣)

__________________

(١) وما زال الناس يكتبون الشهادة على اكفان الموتى من ذلك اليوم ، اقتداء بعمل الإمام ، وقد بلغني عن بعض أهل الجمود أنهم يكتبون لكل ميّت منهم : إسماعيل يشهد

(٢) ارشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٥.

(٣) اكمال الدين : ١ / ١٦٣ ، والأمالي للشيخ الصدوق : ٢٣٧.

١١١

ولمّا مات إسماعيل استدعى الصادقعليه السلام بعض شيعته وأعطاه دراهم وأمره أن يحجّ بها عن ابنه إسماعيل ، وقال له : إنك اذا حججت عنه لك تسعة أسهم من الثواب ولإسماعيل سهم واحد(١) .

ومات إسماعيل بالعريض(٢) وحمل على الرقاب الى المدينة(٣) وقبره فيها معروف ، وهدمه ابن السعود كما هدم قبور آبائه الأئمة في البقيع والى اليوم لم يسمح بإعادة البناء عليها.

فتلك الأعمال من الصادقعليه السلام مع ابنه إسماعيل تدلّنا على كبير ما يحمل له من الحبّ والبرّ والعطف ، وعلى ما كان عليه إسماعيل من التقوى والفضل ، ولكن هناك أحاديث قدحت في مقامه ووصمت قدسيّ ذاته ، وإني لا أراها تعادل تلك الأحاديث السالفة ، بل إن بعض الأخبار كشفت لنا النقاب عن كذب هذه الأخبار القادحة ، أو انها صدرت لغايات مجهولة لنا ، فمن تلك الأحاديث الكاشفة ، ما رواه في الخرائج والجرائح عن الوليد بن صبيح(٤) قال : جاءني رجل فقال لي : تعال حتّى اريك ابن إلهك(٥) فذهبت معه فجاء بي الى قوم يشربون ، فيهم إسماعيل بن جعفر ، فخرجت مغموما فجئت الى الحجر فاذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٥٥.

(٢) بضمّ أوله وفتح ثانيه ، من أعمال المدينة.

(٣) إرشاد الشيخ المفيد : ٢٨٥.

(٤) أبي العباس الكوفي ، كان من رواة الصادقعليه السلام وثقاتهم وله كتاب رواه الحسن بن محبوب عن ابنه العباس عنه.

(٥) يعني بالاله الصادقعليه السلام زعما من هؤلاء أن الشيعة ترى ألوهيّة الأئمة ، ما اكبرها فريّة عليهم ، وقد سبق منا « ١ / ٥٤ » ما كتبناه عن معتقد الاماميّة في الامام ، وهذا سوى رسالتنا « الشيعة والامامة » نعم توجد بعض الفرق الغالية ولكن الاماميّة بل والفرق الاخرى الشيعية تبرأ منهم.

١١٢

بدموعه ، فرجعت أشتد فاذا إسماعيل جالس مع القوم ، فرجعت فاذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه ، قال : فذكرت ذلك لأبي عبد اللهعليه السلام ، فقال : لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل على صورته.

فهل يا ترى زكاة لإسماعيل أفضل من هذا الحديث ، فلا بدّ إذن من طرح الأحاديث القادحة أو حملها على غايات غير ما دلّت عليه بظاهرها ، ولو كان إسماعيل كما قدحت فيه تلك الأحاديث لما لازمه الصادقعليه السلام في الحضر والسفر ، ولنحّاه كما نحّى ابنه عبد الله.

ولمّا مات إسماعيل انصرف عن القول بإمامته من كان يظنّ أن الإمامة فيه بعد أبيه وحدث القول بإمامته بعد أبيه الصادق ، والقائلون بإمامته يسمّون بالاسماعيليّة ، وقد أشرنا الى هذه الفرقة في ١ : ٥٢.

وذكر هنا الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد أن الذين أقاموا على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه ولا من الرواة عنه وكانوا من الأباعد والأطراف ، ولمّا مات الصادقعليه السلام انتقل فريق منهم الى القول بإمامة موسىعليه السلام بعد أبيه ، وافترق الباقون فريقين ، ففريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل ، لظنّهم أن الامامة كانت في أبيه ، وأن الابن أحقّ بمقام الأب من الأخ ، وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ، وهم اليوم شذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى إليه ، وهذان الفريقان يسمّيان بالاسماعيليّة ، والمعروف منهم الآن من يزعم أن الامامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده الى آخر الزمان.

عبد الله الأفطح :

كان عبد الله اكبر ولد الصادقعليه السلام بعد إسماعيل ، ومن ثمّ اشتبه

١١٣

الأمر على فئة فقالوا بإمامته ، لأن الإمامة في الأكبر وجهلوا أنها في الأكبر ما لم يكن ذا عاهة ، وعبد الله كان أفطح الرجلين ، ولذا سمي الأفطح ، والقائلون بإمامته ـ الفطحيّة ـ.

وكان متّهما في الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال أنه يخالط الحشويّة ويميل الى مذهب المرجئة ، ولذلك لم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الإكرام(١) .

ولربّما عاتبه أبوه ولامه ووعظه ، ولكن ما كان ليجدي معه ذلك الوعظ والعتب ، وقد قال له يوما : ما منعك أن تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه ، فقال عبد الله : لم أليس أبي وأبوه واحدا؟ وامّي وامّه واحدة ، فقال له الصادقعليه السلام : إنه من نفسي وأنت ابني(٢) .

أحسب أنه أراد الصادقعليه السلام من قوله ـ أخيك ـ إسماعيل خاصّة ولذا أجابه عبد الله بقوله : أليس أبي وأبوه واحدا؟ وأمي وامّه واحدة؟ لأن أخاه من الأبوين هو إسماعيل لا موسى.

وكفى بهذا الحديث دلالة على فضل إسماعيل وعلوّ مقامه عند الله وعند أبيه ، وعلى جهل عبد الله وانحطاط منزلته عند الله وعند أبيه.

وادّعى عبد الله الإمامة بعد أبيه محتجّا بأنه اكبر اخوته ، ولقد أنبأ الصادق ولده الكاظم٨ بأن عبد الله سوف يدّعي الإمامة بعده ويجلس مجلسه ، وأمره ألاّ ينازعه ولا يكلّمه لأنه أول أهله لحوقا به ، فكان الأمر كما أنبأعليه السلام (٣) .

__________________

(١) إرشاد الشيخ المفيد : ٢٨٥.

(٢) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب النصّ على الامام الكاظمعليه السلام : ١ / ٣١٠ / ١٠.

(٣) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٦١ / ٢٩ ، والكشي : ١٦٥.

١١٤

ولما ادّعى الإمامة تبعه جماعة من أصحاب الصادقعليه السلام رجع اكثرهم بعد ذلك الى القول بإمامة موسى الكاظمعليه السلام ، لمّا تبيّنوا ضعف دعواه ، وقوّة الحجّة من أبي الحسنعليه السلام ودلالة إمامته(١) .

وممّن دخل عليه مستعلما صحّة دعواه هشام بن سالم ومؤمن الطاق ، والناس مجتمعون حوله محدقون به ، فسألاه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال : في مائتين خمسة ، قالا : ففي مائة؟ قال : درهمان ونصف ، فقالا له : فو الله ما تقول المرجئة هذا ، فرفع يده الى السماء فقال : لا والله ما أدري ما تقول المرجئة ، فعلما أنه ليس عنده شيء ، فخرجا من عنده ضلالا لا يدريان أين يتوجّهان فقعدا في بعض أزقّة المدينة باكيين حيرانين وهما يقولان : لا ندري الى من نقصد الى من نتوجّه الى المرجئة ، الى القدريّة ، الى الزيديّة ، الى المعتزلة ، الى الخوارج ، فبيناهما كذلك إذ رأى هشام شيخا لا يعرفه يومئ إليه بيده ، فخاف أن يكون من عيون المنصور ، لأنه كان له جواسيس وعيون بالمدينة ينظرون على من اتّفق شيعة جعفرعليه السلام فيضربون عنقه ، فقال لمؤمن الطاق : تنحّ عني فإني أخاف على نفسي وعليك ، وإنما يريدني ليس يريدك ، فتنحّ عني لا تهلك وتعين على نفسك ، فتنحّى أبو جعفر غير بعيد ، وتبع هشام الشيخ ، فما زال يتبعه حتّى أورده باب أبي الحسن موسىعليه السلام ، ثمّ خلاّه ومضى ، فاذا خادم بالباب ، فقال له : ادخل رحمك الله ، فلمّا دخل قال له أبو الحسنعليه السلام ابتداء : إليّ إليّ إليّ ، لا إلى المرجئة ، ولا الى القدريّة ، ولا الى الزيديّة ، ولا الى المعتزلة ، ولا الى الخوارج.

ثمّ خرج هشام من عند الكاظمعليه السلام ولقي أبا جعفر مؤمن الطاق

__________________

(١) إرشاد الشيخ المفيد : ٢٨٥ ، والكشي : ١٦٥.

١١٥

فقال له : ما وراك؟ قال : الهدى ، فحدّثه بالقصّة ، ثمّ لقي المفضّل بن عمر وأبا بصير فدخلوا عليه وسلّموا وسمعوا كلامه وسألوه ثمّ قطعوا عليه ، ثمّ لقي هشام الناس أفواجا فكان كلّ من دخل عليه قطع عليه إلاّ طائفة مثل عمّار الساباطي وأصحابه ، فبقي عبد الله لا يدخل عليه إلاّ قليل من الناس ، فلمّا علم عبد الله أن هشاما هو السبب في صدّ الناس عنه أقعد له بالمدينة غير واحد ليضربوه

(١) .

وبقي عبد الله مصرّا على دعوى الإمامة الى أن مات ، وما كانت أيامه بعد أبيه إلاّ سبعين يوما ، فلمّا مات رجع الباقون الى القول بإمامة أبي الحسنعليه السلام إلاّ شاذا منهم(٢) وهم الذين لزمهم لقب الفطحيّة ، وإنما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبد الله وهو أفطح الرجلين(٣) أو أفطح الرأس ، وانقطع أثر هذه الطائفة بعد ذلك العهد بقليل ، وكان آخرهم بنو فضال.

إسحاق :

كان من أهل الفضل والصلاح ، والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار ، وكان ابن كاسب(٤) اذا حدّث عنه يقول :

حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان يقول بإمامة أخيه موسى

__________________

(١) رجال الكشي : ١٦٥.

(٢) رجال الكشي : ١٦٥.

(٣) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٦.

(٤) لم أجد قدر الوسع في التتبّع ذكرا لابن كاسب في كتب الرجال وجعل الطريحي والكاظمي تمييز إسحاق برواية ابن كاسب عنه ولم يذكرا اسمه ولا شيئا من حاله ، وهذه الكلمة في حقّ إسحاق تنسب الى سفيان بن عيينة أيضا وليس هو ابن كاسب.

١١٦

عليه السلام ، وروى عن أبيه النصّ على أخيه موسىعليه السلام ، كما روى النصّ بها عليه من اخوته علي بن جعفر أيضا ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان(١) .

وكان إسحاق من شهود الوصيّة التي أوصي بها الكاظمعليه السلام الى ابنه الرضاعليه السلام ، وممّا يشهد لفضله وورعه مدافعته عن الرضاعليه السلام ، فإنه لمّا مضى الكاظمعليه السلام قدّم أبناء الكاظم أخاهم الرضا الى القاضي فقال العبّاس بن موسىعليه السلام : أصلحك الله وأمتع بك إن في أسفل الكتاب كنزا وجوهرا ، ويريد أن يحتجبه ، ويأخذه هو دوننا ، ولم يدع أبونا; شيئا إلاّ ألجأه إليه وتركنا عالة ، ولو لا أني اكفّ نفسي لأخبرتك بشيء على رءوس الملأ ، فوثب إليه إبراهيم بن محمّد(٢) فقال : إذن والله تخبر بما لا نقبله منك ، ولا نصدقك عليه ، ثمّ تكون عندنا ملوما مدحورا ، نعرفك بالكذب صغيرا وكبيرا ، وكان أبوك أعرف بك لو كان فيك خير ، وإن كان أبوك لعارفا بك في الظاهر والباطن ، وما كان ليأمنك على تمرتين ، ثمّ وثب إليه عمّه إسحاق بن جعفر هذا فأخذ بتلبيبه فقال له : إنك لسفيه ضعيف أحمق ، أجمع هذا مع ما كان بالأمس منك ، وأعانه القوم أجمعون(٣) .

وممّن روى عنه غير ابن كاسب وابن عيينة جماعة : منهم بكر بن محمّد الأزدي ، ويعقوب بن جعفر الجعفري ، وعبد الله بن إبراهيم الجعفري ، والوشاء(٤) .

__________________

(١) إرشاد الشيخ المفيد في أحوال الصادق والكاظم٨ : ٢٨٩.

(٢) الظاهر أنه ابن اسماعيل بن الصادقعليه السلام .

(٣) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب النصّ على الرضاعليه السلام : ١ / ٣١٨.

(٤) أما بكر فهو ممّن روى عن الصادق والكاظم والرضا: وكان من ثقات الرواة وروى عن الثقات ، وأمّا يعقوب فهو يروي عن إسحاق وروى عنه الكليني في باب مولد أبى الحسن

١١٧

محمّد :

كان محمّد سخيّا شجاعا ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وقالت زوجته خديجة بنت عبد الله بن الحسين(١) : ما خرج من عندنا محمّد يوما قط في ثوب فرجع حتّى يكسوه ، وكان يذبح كلّ يوم كبشا لأضيافه(٢) وكان يسمّى الديباجة لحسن وجهه وجماله(٣) .

وكان يرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة ١٩٩ بمكّة واتبعته الزيديّة الجاروديّة(٤) .

ولمّا بويع له بالخلافة ودعا لنفسه ، ودعي بأمير المؤمنين ، دخل عليه الرضاعليه السلام فقال له : يا عم لا تكذّب أباك وأخاك ، فإن هذا الأمر لا يتمّ ، ثمّ لم يلبث قليلا حتّى خرج لقتاله عيسى الجلودي فلقيه فهزمه ، ثمّ استأمن إليه ، فلبس السواد(٥) وصعد المنبر فخلع نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق(٦) .

__________________

الكاظمعليه السلام وفي باب السحاق من أبواب النكاح ، وهذا مما يشهد لوثاقته ، ولكن أرباب الرجال لم يذكروا له ترجمة مستقلّة ، وما اكثر من أهملوه ، وهو ابن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وأما عبد الله فهو عمّ يعقوب المتقدم ، وهو أبو محمّد الثقة الصدوق وأمّا الوشاء فهو الحسن بن علي بن زياد من أصحاب الرضاعليه السلام ورواته الثقات.

(١) ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: .

(٢) إرشاد الشيخ المفيد في أحواله : ٢٨٦.

(٣) كتب الرجال في ترجمته.

(٤) الارشاد : ٢٨٦.

(٥) وهو شعار العبّاسيّين ، فكأنه أراد أن يجعل شعاره كشعارهم ، أمّا العلويّون فكان شعارهم الخضرة.

(٦) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٤٦ / ٥.

١١٨

ولمّا أراد الموافقة مع جيش الجلودي أرسل الرضا إليه مولاه مسافرا وقال له : قل له لا تخرج غدا فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك ، وإن قال لك من أين علمت غدا فقل رأيت في النوم ، فلمّا أتاه ونهاه عن الخروج وسأله عن سبب علمه بذاك وقال له رأيت في النوم ، قال محمّد : نام العبد فلم يغسل استه ، فكان الأمر كما أعلمه به مسافر عن الامام(١) .

ولمّا خلع نفسه وتخلّى عن الأمر أنفذه الجلودي الى المأمون ولمّا وصل إليه اكرمه المأمون وأدنى مجلسه منه ، ووصله وأحسن جائزته ، فكان مقيما معه بخراسان يركب إليه في موكب من بني عمّه ، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمله السلطان من رعيّته.

وأنكر المأمون يوما ركوبه إليه في جماعة من الطالبيّين ، الذين خرجوا على المأمون في سنة ٢٠٠ فأمنهم ، فخرج التوقيع إليهم : لا تركبوا مع محمّد بن جعفر واركبوا مع عبد الله بن الحسين ، فأبوا أن يركبوا ولزموا منازلهم ، فخرج التوقيع :

اركبوا مع من أحببتم ، فكانوا يركبون مع محمّد بن جعفرعليه السلام اذا ركب الى المأمون وينصرفون بانصرافه(٢) .

ولمّا خرج على المأمون جفاه الرضاعليه السلام وقال : إني جعلت على نفسي ألا يظلّني وإيّاه سقف بيت ، ويقول عمر بن يزيد وكان حاضرا عند أبي الحسنعليه السلام : فقلت في نفسي هذا يأمر بالبرّ والصلة ، ويقول هذا لعمّه ، فنظر إليّ فقال : هذا من البرّ والصلة ، إنه متى يأتيني ويدخل عليّ فيقول فيّ فيصدقه الناس ، واذا لم يدخل عليّ ولم أدخل عليه لم يقبل قوله اذا قال(٣) .

__________________

(١) الارشاد : ٣١٤.

(٢) الإرشاد : ٢٨٦.

(٣) بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٤٦ / ٤.

١١٩

ومن معاجز أبي الحسن الرضاعليه السلام في شأن محمّد أن محمّدا مرض فأخبروا الرضاعليه السلام أنه قد ربط ذقنه ، فمضى إليه ومعه بعض أصحابه ، واذا لحياه قد ربطا واذا إسحاق أخو محمّد وولده وجماعة آل أبي طالب يبكون ، فجلس أبو الحسن عند رأسه ونظر في وجهه فتبسّم ، فنقم من كان في المجلس على أبي الحسن ، فقال بعضهم : إنما تبسّم شامتا بعمّه ، ولمّا خرج ليصلّي في المسجد قال له أصحابه : جعلنا فداك قد سمعنا فيك من هؤلاء ما نكرهه حين تبسّمت ، قال أبو الحسنعليه السلام : إنما تعجّبت من بكاء إسحاق وهو والله يموت قبله ويبكيه محمّد ، فبرئ محمّد ومات إسحاق(١) .

ولمّا كانت خراسان دار مقرّه لم تخضع نفسه لوجود ذي الشوكة والتاج فيها ـ أعني المأمون ـ فكان إباؤه يأبى له من الرضوخ وإن كان سجين البلد ومغلوبا على أمره ، فإنه أخبر يوما بأن غلمان ذي الرئاستين(٢) قد ضربوا غلمانه على حطب اشتروه ، فخرج متّزرا ببردين ومعه هراوة(٣) يرتجز ويقول : ـ الموت خير لك من عيش بذلّ ـ وتبعه الناس حتّى ضرب غلمان ذي الرئاستين وأخذ الحطب منهم ، فرفعوا الخبر الى المأمون ، فبعث الى ذي الرئاستين فقال : ائت محمّد بن جعفر فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانك ، فخرج ذو الرئاستين الى محمّد ، فقيل لمحمّد : هذا ذو الرئاستين قد أتى ، فقال : لا يجلس إلاّ على الأرض ، وتناول بساطا كان في البيت فرمى به هو ومن معه ناحية ، ولم يبق في البيت إلاّ وسادة جلس عليها محمّد ، فلمّا دخل عليه ذو الرئاستين وسّع له محمّد على الوسادة فأبى أن يجلس عليها وجلس على الأرض فاعتذر إليه وحكّمه في غلمانه.

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه السلام : ٢ / ٢٠٦ / ٧.

(٢) هو الفضل بن سهل وزير المأمون ، وسمّي ذا الرئاستين لجمعه بين رئاستي السيف والقلم.

(٣) عصا.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186