الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

الإمام الصادق عليه السلام20%

الإمام الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 186

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10171 / تحميل: 1288
الحجم الحجم الحجم
الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وتوفي محمّد بن جعفر في خراسان فركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به ، فلمّا نظر الى السرير نزل فترجّل ومشى حتّى دخل بين العمودين فلم يزل بينهما حتّى وضع ، فتقدّم وصلّى عليه ، ثمّ حمله حتّى بلغ به القبر ، ثمّ دخل قبره فلم يزل فيه حتّى بني عليه ، ثمّ خرج فقام على القبر حتّى دفن ، فقال له عبد الله ابن الحسين ودعا له : يا أمير المؤمنين إنك قد تعبت اليوم فلو ركبت ، فقال المأمون : إن هذه رحم قطعت من مائتي سنة.

وكان عليه دين كثير فأراد إسماعيل بن محمّد اغتنام هذه الفرصة من المأمون ليسأله قضاء دينه ، فقال لأخيه وهو الى جنبه والمأمون قائم على القبر : لو كلّمناه في دين الشيخ ، فلا نجده أقرب منه في وقته هذا ، فابتدأهم المأمون فقال : كم ترك أبو جعفر من الدين؟ فقال له إسماعيل : خمسة وعشرين ألف دينار ، فقال له : قد قضى الله عنه دينه ، الى من أوصى؟ فقالوا له : الى ابن له يقال له يحيي بالمدينة ، فقال : ليس هو بالمدينة هو بمصر ، وقد علمنا بكونه فيها ولكن كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلاّ يسوؤه ذلك ، لعلمه بكراهتنا لخروجه عنها(١)

علي :

بلغ علي بن جعفر من الجلالة شأوا لا يلحق ، ومن الفضل محلاّ لا يسبق ، وأمّا حديثه وثقته فيه ، فهو ممّا لا يختلف فيه اثنان ، ومن سبر كتب الحديث عرف ما له من أخبار جمّة يرويها عن أخيه الكاظمعليه السلام تكشف عن علم ومعرفة.

__________________

(١) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٧.

١٢١

وقال فيه الشيخ المفيد طاب ثراه في إرشاده : وكان علي بن جعفر راوية للحديث ، سديد الطريق ، شديد الورع ، كثير الفضل ، ولزم أخاه موسىعليه السلام ، وروى عنه شيئا كثيرا من الأخبار ، وقال في النصّ عليه ، وكان شديد التمسّك به ، والانقطاع إليه ، والتوفّر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات سماعا عنه ، والنصّ على أخيه الكاظمعليه السلام روى من أخويه إسحاق وعلي ابني جعفر ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.

ومن شدّة ورعه اعترافه بالأئمة بعد أخيه الكاظمعليه السلام مع كبر سنّه وجلالة قدره ، وكبير فضله ، ولم تثنه هذه الشؤون عن الاعتراف بالحقّ والعمل به ، بل زادته بصيرة وهدى.

كان رجل يظنّ فيه علي بن جعفر أنه من الواقفة سأله عن أخيه الكاظم فقال له علي : إنه قد مات ، فقال له السائل : وما يدريك بذلك؟ قال له :

اقتسمت أمواله ، ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق بعده ، قال : ومن الناطق بعده؟ قال علي : ابنه ، قال : فما فعل؟ قال له : مات ، قال : وما يدريك أنه مات؟ قال علي : قسّمت أمواله ، ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق من بعده ، قال : ومن الناطق من بعده؟ قال علي : ابنه أبو جعفر ، فقال له الرجل : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد٨ ، تقول هذا القول في هذا الغلام ، فقال له علي : ما أراك إلاّ شيطانا ، ثمّ أخذ علي بلحيته فرفعها الى السماء ثمّ قال : فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلا(١) .

__________________

(١) الكشي : ص ٤٢٩ / ٨٠٣.

١٢٢

هذا لعمر الحقّ هو الورع ، ورضوخ النفس للحق ، وعدم الاغترار بشئون التقدم من الفضل والسنّ والجلالة ، التي قد تغترّ النفس الأمّارة بما دونها من الخصال العالية.

وكان يعمل أبدا مع أبي جعفر عمل المأموم العارف بمنزلة الإمام ، دون أن يحجزه عن هذا أنه عمّ أبيه ، بل ربّما تمنّى أن يفديه بنفسه ، أراد أبو جعفرعليه السلام ليفتصد ودنا الطبيب ليقطع له العرق ، فقام علي بن جعفر فقال : يا سيّدي يبد أني لتكون حدّة الحديد فيّ قبلك ، ثمّ أراد أبو جعفرعليه السلام النهوض فقام علي بن جعفر فسوّى له نعليه حتّى يلبسهما(١) .

ودخل أبو جعفرعليه السلام يوما مسجد الرسولص فلمّا بصر به علي بن جعفر وثب بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له أبو جعفر :

يا عمّ اجلس رحمك الله ، فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ، فلمّا رجع أبو جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ، فقال : اسكتوا اذا كان الله عزّ وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ، نعوذ بالله ممّا تقولون ، بل أنا له عبد(٢) .

هذه هي النفس القدسيّة التي عرفت الحقّ فاتّبعته ، وما اقتفت أثرا الحميّة والعصبيّة ، واغترّت بالنفس ، بل كان من حبّ النفس أن يطيع المرء خالقه جلّ شأنه في أوليائه واولي الأمر من عباده.

هذه بعض حال علي بن جعفر التي تكشف عمّا انطوى عليه ضميره من

__________________

(١) الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٤.

(٢) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب النصّ على أبي جعفر الثانيعليه السلام ، ولا يراد من العبوديّة في مثل المقام الرقية والملكيّة ، بل الطاعة والامتثال : ١ / ٣٢٢ / ١٢.

١٢٣

القدس والنسك والطاعة والعلم بالله وبالحجج من خلقه.

وكان رضوان الله عليه يسمّى بالعريضي ، نسبة الى العريض ـ بضم وفتح ـ محلّ قرب المدينة كان يسكنه ، وبه مات إسماعيل ، ولعلي أولاد ينسبون إليه بعنوان العريضي.

العبّاس :

قال الشيخ المفيد; في إرشاده : وكان العبّاس بن جعفر; فاضلا نبيلا(١) قلت : ولم أظفر بشيء من أحواله غير هذه النبذة التي أوردها الشيخ المفيد طاب رمسه.

موسى الكاظمعليه السلام :

وهو الامام بعد أبيه الصادقعليه السلام على رأي الاماميّة وعسى أن نتوفّق يوما لتأليف كتاب في حياته ، ومنه تعالى نستمدّ المعونة والتوفيق.

* * *

__________________

(١) إرشاد الشيخ المفيد : ٢٨٧.

١٢٤

رواته

كان رواة أبي عبد اللهعليه السلام أربعة آلاف أو يزيدون كما أشرنا إليه غير مرّة ، قال الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد : فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقامات ، فكانوا أربعة آلاف رجل(١) ، وذكر ابن شهرآشوب أن الجامع لهم ابن عقدة وزاد غيره أن ابن عقدة ذكر لكلّ واحد منهم رواية ، وأشار الى عددهم الطبرسي في أعلام الورى ، والمحقق الحلّي في المعتبر ، وذكر أسماءهم الشيخ الطوسي طاب رمسه في كتاب الرجال.

ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر ، وإنما يزداد الرواة فضلا وعلوّ شأن بالرواية عنه ، نعم إنما يكشف هذا عن علوّ شأنه في العلم وانعقاد الخناصر على فضله من طلاّب العلم والفضيلة على اختلافهم في المقالات والنحل.

أعلام السنّة :

أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمتهم ، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاستاذ ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم متّفقون على إمامته وجلالته

__________________

(١) الارشاد للمفيد : ٢٧١.

١٢٥

وسيادته ، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها ، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ، ونحن اولاء نورد لك شطرا من اولئك الأعلام.

أبو حنيفة :

منهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة ، وبها نشأ ودرس ، وكانت له فيها حوزة وانتقل الى بغداد وبها مات عام ١٥٠ ، وقبره بها معروف ، وهو أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة ، وحاله أشهر من أن يذكر.

وأخذه عن الصادقعليه السلام معروف ، وممّن ذكر ذلك الشبلنجي في نور الأبصار ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى غير هؤلاء ، وقال الآلوسي في مختصر التحفة الاثنى عشريّة ص ٨ : وهذا أبو حنيفة وهو هو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : « لو لا السنتان لهلك النعمان » يريد السنتين اللتين صحب فيها ـ لأخذ العلم ـ الامام جعفر الصادقعليه السلام .

مالك بن أنس :

ومنهم مالك بن أنس المدني أحد المذاهب الأربعة أيضا ، قال ابن النديم في الفهرست : هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش ، وحمل به ثلاث سنين ، وقال : وسعى به الى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له : إنه لا يرى ايمان بيعتكم. فدعى به وجرّده وضربه أسواطا ومدّده فانخلع كتفه وتوفى عام ١٧٩ عن ٨٤ سنة ، وذكر مثله ابن خلكان.

١٢٦

وأخذه عن أبي عبد اللهعليه السلام معلوم مشهور ، وممّن أشار الى ذلك النووي في التهذيب ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والسبط في التذكرة ، والشافعي في المطالب ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى ما سوى هؤلاء.

سفيان الثوري :

ومنهم سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ورد بغداد عدّة مرّات ، وروى عن الصادقعليه السلام جملة أشياء ، وأوصاه الصادق بأمور ثمينة مرّت في الوصايا ، وناظر الصادق في الزهد كما سلف ، وارتحل الى البصرة وبها مات عام ١٦١ ، وولادته في نيف وتسعين ، قيل شهد وقعة زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك.

جاء أخذه عن الصادقعليه السلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول المهمة ، وغيرها ، وذكره الرجاليّون من الشيعة في رجالهعليه السلام .

سفيان بن عيينة :

ومنهم سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام ١٠٧ ومات بمكّة عام ١٩٨ ، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة.

ذكر أخذه عن الصادقعليه السلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول ، وما سواها ، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضا.

١٢٧

يحيى بن سعيد الأنصاري :

ومنهم يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي ، كان قاضيا للمنصور في المدينة ، ثمّ قاضي القضاة ، مات بالهاشميّة عام ١٤٣.

انظر المصادر المتقدّمة في روايته عن الصادقعليه السلام وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.

ابن جريح :

ومنهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكّي ، سمع جمعا كثيرا من العلماء ، وكان من علماء العامّة ، الذين يرون حلّيّة المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم ، وجاء في طريق الصدوق في باب ما يقبل من الدعاوى بغير بيّنة ، وجاء في الكافي في باب ما أحلّ الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادقعليه السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علما ، فأتاه فأملى عليه شيئا كثيرا عن المتعة وحلّيّتها.

وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين ، وكانت ولادته سنة ٨٠ للهجرة وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور ، وتوفى سنة ١٤٩ وقيل ١٥٠ ، وقيل ١٥١.

وذكرت المصادر السابقة أخذه عن الصادقعليه السلام ، كما ذكرته رجال الشيعة.

القطّان :

ومنهم أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري ، كان من أئمة الحديث بل

١٢٨

عدّ محدّث زمانه ، واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم ، توفى عام ١٩٨ ، وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة ، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها.

ذكره في رجال الصادقعليه السلام التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ ، وابن داود ، والنجاشي ، وغيرهم من الشيعة.

محمّد بن إسحاق :

ومنهم محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير ، ومدنيّ سكن مكّة ، أثنى عليه ابن خلكان كثيرا ، وكان بينه وبين مالك عداء ، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر ، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي.

وقدم بغداد وبها مات عام ١٥١ على المشهور ، ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ في رجاله ، والعلاّمة في الخلاصة ، والكشي في رجاله ، وغيرهم من الشيعة.

شعبة بن الحجّاج :

ومنهم شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وقيل كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد الله.

وعدّه في أصحاب الصادقعليه السلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب ، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ، والفصول ، والتذكرة وغيرها ، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضا.

١٢٩

أيوب السجستاني :

ومنهم أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري ، وقيل السختياني ، والأول أشهر ، مولى عمّار بن ياسر وعدّوه في كبار الفقهاء التابعين ، مات عام ١٣١ بالطاعون بالبصرة عن ٦٥ سنة.

عدّه في رجال الصادقعليه السلام في نور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والحلية ، والفصول ، وغيرها ، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضا.

وهؤلاء بعض من نسبوه الى تلمذة الصادقعليه السلام من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين ، وقد عدّوا غير هؤلاء فيهم أيضا ، انظر في ذلك حلية الأولياء ، على أن غير أبي نعيم أشار الى غير هؤلاء بقوله وغيرهم ، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد.

* * *

١٣٠

مشاهير الثقات من رواته

من الشيعة

اذا كان الرواة الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون فليس من الصواب أن نذكرهم جميعا هاهنا ، على أن كتب الرجال قد استقصت اكثرهم ذكرا وترجمة ، كما أنه ليس من الصحيح إهمالهم فإن استطراد ذكرهم دخيل في القصد ، فرأينا أن نذكر المشاهير عن ثقاتهم خاصّة فإن به إيرادا لناحية من نواحي حياتهعليه السلام ، وبعدا عن السعة المملّة.

أبان بن تغلب :

أبو سعد أبان بن تغلب الكبرى الجريري ، روى عن السجّاد والباقر والصادق: ومات أيام الصادقعليه السلام ١٤١ ، وقيل عام ١٤٠ ، ولمّا بلغ نعيه أبا عبد اللهعليه السلام قال : « أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان » وهذا ينبيك عن كبير مقامه لديه ، وعظيم منزلته عنده ، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الصادقعليه السلام ؟

وكان غزير العلم قويّ الحجّة ، ويشهد لذلك قول الباقرعليه السلام له : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احبّ أن يرى في شيعتي مثلك. وقول الصادقعليه السلام له : ناظر أهل المدينة فإني احبّ أن يكون مثلك من

١٣١

رجالي.

فلو لم يكن بتلك الغزارة من الفضل ، والقوّة في الحجّة ، لما عرّضاه لتلك المآزق والمخاطر ، فإن فشله فشل لهما.

وقد روى عن الصادق فحسب ثلاثين ألف حديث ، كما أخبر عن ذلك الصادق نفسه ، وأمر أبان بن عثمان أن يرويها عنه.

وما كان متخصّصا بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلّعا في عدّة علوم جليلة ، كالتفسير والأدب واللغة والنحو والقراءة ، وسمع من العرب وحكى عنهم وصنّف كتاب الغريب في القرآن ، وذكر شواهده من الشعر.

ومن سموّ مقامه اتّفاق الفريقين على وثاقته ، فقد وثّقه جهابذة القوم في الحديث مع اعترافهم بتشيّعه ، منهم أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن عجلان والحاكم والعقيلي وابن سعد وابن حجر وابن حيّان وابن ميمونة والذهبي في ميزان الاعتدال ، وعدّوه في التابعين ، وكفى بهذا دلالة على بلوغه من الوثاقة والفضل حدّا لا يسع أحدا إنكاره.

أبان بن عثمان :

أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي ، كان يسكن الكوفة مرّة ، والبصرة اخرى ، وقد أخذ عنه أهل البصرة أمثال أبي عبيدة معمّر بن المثنى ، وأبي عبد الله محمّد بن سلام ، واكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام.

روى عن الصادق والكاظم٨ ، وله كتاب كبير حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة ، هكذا قال النجاشي.

وهو من الستة أصحاب أبي عبد اللهعليه السلام ، الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وهم جميل بن درّاج ، وعبد الله

١٣٢

بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان هذا.

إسحاق الصيرفي :

إسحاق بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي ، كان من الثقات الذين رووا الحديث عن الصادق وابنه الكاظم٨ ، واخوته يونس ويوسف وإسماعيل ، وهو بيت كبير من الشيعة ، وابنا أخيه علي وبشير ابنا إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث ، وكان الصادق اذا رآه ورأى أخاه إسماعيل قال : « وقد يجمعهما لأقوام » يعني الدنيا والآخرة ، لأنهما كانا من ذوي الثروة والمال الوافر ويصلان به أصحابهما وينيلان منه ، ورويت فيه مدائح اخرى.

السكوني :

إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، والسكون حيّ من عرب اليمن ، قيل إنه كان قاضيا في الموصل ، وكان ثقة في الرواية وقد أجمع أصحابنا على العمل بروايته وذكر بعض الرجاليّين أنه عامّي ولم يثبت ، وله حديث كثير في الفقه ، وكلّه معمول به اذا صحّت الرواية إليه.

إسماعيل الصيرفي :

إسماعيل بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي ، أخو إسحاق المتقدّم الذكر ، وقد سبق في إسحاق قول الصادقعليه السلام اذا رآهما : « وقد يجمعهما لأقوام » والذي يزيد في علوّ شأنه ما رواه في الكافي في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حيّان أبي إسماعيل هذا ، قال : أخبرت أبا عبد اللهعليه السلام ببرّ

١٣٣

إسماعيل ابني فقالعليه السلام : « لقد كنت أحبّه ولقد ازددت له حبّا » وكفاه هذا فضلا وعلوّا.

بريد العجلي :

بريد بن معاوية العجلي ، كان ممّن روى عن الباقر والصادق٨ معا ، ومات في أيام الصادقعليه السلام ، وقد بلغ من الجلالة وعظم الشأن عند أهل البيت حدّا فوق الوثاقة ، وارتقى مقاما لديهم يعجز القلم عن وصفه ، وكيف ترى منزلة من يقول الصادقعليه السلام في حقّه : « أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين » ، ويقول في حديث : « إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، أعني زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، ومنهم ليث المرادي ، وبريد العجلي ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء القوّامون بالصدق ، هؤلاء السابقون السابقون اولئك المقرّبون » وقال فيهم في حديث آخر : « أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه » ويقول في آخر : « هؤلاء حفّاظ الدين وامناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة » الى كثير أمثال هذا من التقريظ والمدح ، وهو من أصحاب الباقرعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه.

بكير بن أعين :

بكير بن أعين الشيباني أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق معا٨ ، ومات في حياة الصادق ، ولمّا بلغه خبر موته قال كما رواه الكشي ص ١٢٠ « أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات

١٣٤

الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين » وذكره الصادقعليه السلام يوما فقال : « رحم الله بكيرا وقد فعل » يقول عبيد الله بن زرارة : فنظرت إليه وقد كنت يومئذ حديث السن ، فقالعليه السلام : اني أقول إن شاء الله ، وكفى هذا شهادة له بعلوّ الدرجة ، وسموّ المقام ، وهو من ثقات أولاد أعين وصلحائهم وما اكثر فيهم الثقات الصلحاء ، وقد روى عنه عدّة من الثقات.

أبو حمزة الثمالي :

أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار ، روى عن السجّاد والباقر والصادق: ، وبقي الى زمن الكاظمعليه السلام ، قيل مات عام ١٥٠ ، فتكون وفاته بعد مضي سنتين من إمامة الكاظم وقيل أدرك موت المنصور عام ١٥٨.

وكان أبو حمزة من جلالة القدر وعظم المنزلة بالمحلّ الأرفع حتّى قال فيه الرضاعليه السلام « أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه ، وذلك أنه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وبرهة من عصر موسى ابن جعفر: » وفي اخرى « كسلمان الفارسي في زمانه ».

وأرسل إليه الصادقعليه السلام وكان أبو حمزة بالبقيع فقال له بعد أن جاء : « إني لأستريح اذا رأيتك » وقال فيه أبو الحسن موسىعليه السلام : « كذلك يكون المؤمن اذا نوّر الله قلبه » الى ما سوى هذه من كلمات الأئمة فيه ، التي دلّت على تقديرهم له وإعجابهم به.

وهو الراوي للدعاء الطويل العظيم الشأن في بلاغته ومقاصده العالية عن زين العابدينعليه السلام الذي يقرأ في سحر شهر رمضان ، المعروف بدعاء أبي حمزة. وقد وثّقه أهل السنّة أيضا ورووا عنه.

١٣٥

جابر الجعفي :

جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق٨ وقضي نحبه أيام أبي عبد اللهعليه السلام عام ١٢٨ وقيل عام ١٣٢ ، وقد روى عن الباقر خاصّة سبعين ألف حديث ، ومن تتبّع أحاديثه عرف أنه كان ممّن يحمل أسرارهما ، ويروي الكرامات الباهرة لهما.

أمره الباقرعليه السلام بإظهار الجنون فأظهره ، فكان يدور في رحبة مسجد الكوفة والصبيان حوله وهو يقول : أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور ، فما مضت الأيام حتّى ورد من هشام بن عبد الملك الى واليه بالكوفة أن انظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ، فالتفت الى جلسائه وسألهم عن جابر ، فقالوا : كان رجلا له فضل وعلم وحديث وحجّة فجن ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب فأشرف عليه فاذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله ، ومن ثمّ انكشف السرّ في أمر الباقرعليه السلام له بإظهار الاختلاط ، ثمّ لمّا اطمأنّ عاد الى حالته الاولى ، ولم تمض الأيام حتّى كان ما قاله في منصور بن جمهور.

وذكر اليعقوبي في تاريخه ( ٣ : ٨١ ) حديثا عن جابر وإخباره عمّا سيقع من أمر بني العبّاس والدعوة لهم وشأن قحطبة فيها ، وكان قحطبة بالقرب منهم يستمع فأشار إليه جابر ، وقال : لو أشاء أن أقول هو هو لقلت.

ومن هذا ومثله تعرف أنه كان مستودع الأسرار ، وجاءت فيه مدائح جمّة وترحّم عليه الصادقعليه السلام ، وقيل إنه ممّن انتهى إليه علم الأئمة: ، ولذلك ترى أرباب الحديث والرجال من العامّة بين موثّق له وطاعن فيه بأنه رافضي غال يقول بالرجعة ، مع اعتراف الذهبي بأنه من اكبر

١٣٦

علماء الشيعة.

جميل بن درّاج :

جميل بن درّاج بن عبد الله النخعي روى عن الصادق والكاظم٨ ، وكفّ بصره آخر عمره ، ومات أيام الرضاعليه السلام وهو من الستة أصحاب الصادقعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وسبق في أبان بن عثمان عدّهم وقيل إن جميلا كان أفقههم.

وجاءت فيه مدائح تكشف عن علوّ في الدرجة ، منها أن الصادقعليه السلام تلا هذه الآية : « فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين »(١) ثمّ أهوى بيده الى جماعة كانوا عنده وفيهم جميل بن درّاج ، فقالوا :

أجل جعلنا الله فداك لا نكفر بها ، وكان معروفا بالعبادة وطول السجود.

الحارث بن المغيرة النصري :

الحارث بن المغيرة النصري ، روى عن الباقر والصادق والكاظم عليهم سلام الله ، وكان من ذوي الدرجات الرفيعة ، كما شهدت بذلك عدة أحاديث ، منها قول الصادقعليه السلام لجماعة منهم يونس بن يعقوب : « أما لكم من مستراح تستريحون إليه ، ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري » على أن يونس بن يعقوب كان من ذوي المنازل العالية ، ومع علوّ شأنه أمره الصادق بالرجوع الى الحارث ، والشواهد على جلالته وعلوّ منزلته كثيرة.

__________________

(١) الأنعام : ٨٩.

١٣٧

حريز :

حريز بن عبد الله الأزدي الكوفي السجستاني ، ونسب الى سجستان لإكثاره السفر والتجارة إليها فعرف بها ، وكان من فقهاء الرواة وله عدّة كتب في الفقه وقد روى عن الصادقعليه السلام مشافهة وبالواسطة أخبارا كثيرة ، وقيل إنه لم يرو عن الصادقعليه السلام مشافهة إلاّ حديثين ، ولكن هذا الزعم يخالف ما هو مرويّ عنه في كتب الفقه بلا واسطة ، ومن سبر كتب الحديث عرف أنه كثير الرواية عنه مشافهة ، وكتبه تعدّ من الاصول ، وقد قتل في سجستان في جماعة من الشيعة ، وسبب ذلك أن له أصحابا يقولون بمقالته ، وكان الغالب على أهل سجستان الشراة ـ الخوارج ـ وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنينعليه السلام وسبّه ، فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فيأذن لهم ، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل ، فلا يتوهّمون على الشيعة لقلّة عددهم ، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم ، وما زال الأمر هكذا حتّى وقفوا على الأمر فطلبوا الشيعة ، فاجتمع أصحاب حريز إليه في المسجد ، فهدموا عليهم حيطان المسجد وقلبوا أرضه عليهم ، رحمة الله عليهم.

حفص بن سالم :

أبو ولاد الحنّاط حفص بن سالم الجعفي مولاهم الكوفي ، كان ممّن روى عن الصادقعليه السلام ، وله أصل رواه عنه عدّة من الثقات ، وهو متّفق على وثاقته ، ولم يغمز فيه أحد بشيء.

وقيل : خرج مع زيد وصوّب خروجه الصادقعليه السلام وليس تصويبه بمستغرب ، وإنما كان يدع أمر زيد لئلاّ ينسب إليه فيكون هدفا لبلاء نبي اميّة.

١٣٨

حفص بن غياث القاضي :

حفص بن غياث النخعي الكوفي القاضي ، ولّى القضاء لهارون الرشيد ببغداد الشرقيّة ، ثمّ ولاّه قضاء الكوفة ، وبها مات عام ١٩٤ كما ذكر ذلك النجاشي ، وذكر أن كتابه الذي يرويه عن جعفر بن محمّد٨ مائة وسبعون حديثا أو نحوهما.

وهو على الأشهر عامّي المذهب ثقة في الرواية ، وقد أجمعت الطائفة على العمل برواية جماعة ليسوا من الشيعة ، وحفص أحدهم وليس التشيّع السبب الوحيد لقبول الرواية ، وإنما المدار على وثاقة الراوي مهما كان مذهبه.

وربّما استظهر بعضهم من رواياته أنه شيعي إمامي ، ولكن العامّية عنه أشهر ، وكان اذا حدّث عن الإمام الصادقعليه السلام يقول : « حدّثني خير الجعافرة جعفر بن محمّد » ولا يخفى عليك أن مثل هذا البيان من الراوي يرشدنا الى عدم تشيّعه ، إلاّ أن يريد إخفاء تشيّعه.

حمّاد بن عثمان :

حمّاد بن عثمان بن زياد الرواسي الكوفي الملقّب بالناب ، روى عن الصادق والكاظم والرضا: ، مات بالكوفة عام ١٩٠ وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات ، وهو من أصحاب الصادقعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه ، وقد مرّ عدّهم في أبان بن عثمان ، ولحمّاد اخوان وهما الحسين وجعفر ولدا عثمان ، وهما أيضا من الرواة الثقات الأخيار الأفاضل.

١٣٩

حمّاد بن عيسى :

أبو محمّد حمّاد بن عيسى الجهني البصري غريق الجحفة ، روى عن الصادق والكاظم٨ وعاش الى زمن الجوادعليه السلام ولم تعرف له رواية عن الرضا والجواد٨ ، وهو من الستّة أصحاب الصادقعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه كما سلف في أبان بن عثمان ، وكان صدوقا متحرّزا في حديثه ، فقد روي عنه أنه قال : سمعت من أبي عبد اللهعليه السلام سبعين حديثا فلم أزل أدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين ، وقد سبق في استجابة دعائهعليه السلام « ج ١ : ٢٥٤ » أن حمّادا سأله في أن يدعو له بكثرة الحجّ ، وأن يرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة ، وزوجة من أهل البيوتات صالحة ، وأولادا أبرارا ، فدعا له الصادق بما طلب ، وقيّد الحجّ بخمسين حجّة ، فاستجاب الله دعاء الصادقعليه السلام له ، فكان حاله كما طلب ، ولما حجّ في الحادية والخمسين أيام الجوادعليه السلام ووصل الى الجحفة وأراد أن يحرم دخل وادي قناة ليغتسل ويحرم ، وهو واد يسيل من الشجرة فأخذه السيل ومرّ به ، فتبعه غلمانه وأخرجوه من الماء ميّتا ، فمن ثمّ سمّي غريق الجحفة.

وقيل : إن الذي دعا له بتلك الطلبات هو الامام الكاظمعليه السلام وكان غرقه عام ٢٠٩.

حمران بن أعين :

حمران بن أعين الشيباني مولاهم أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق٨ ، منزلته عندهم لا يضارعه فيها من رجالهم إلاّ نادر ، وكيف ترى

١٤٠

مقام من يقول له الباقرعليه السلام : « أنت من شيعتنا في الدنيا والآخرة » ويقول فيه : « حمران من المؤمنين حقا لا يرجع أبدا » ويقول فيه الصادقعليه السلام : « مات والله مؤمنا » ويقول فيه : « حمران مؤمن من أهل الجنّة لا يرتاب أبدا ، لا والله لا والله » ويقول فيه : « ما وجدت أحدا أخذ بقولي ، وأطاع أمري ، وحذا حذو أصحاب آبائي غير رجلين رحمهما الله ، عبد الله بن أبي يعفور ، وحمران بن أعين ، أما إنهما مؤمنان خالصان من شيعتنا » ويقول فيه :

« حمران مؤمن لا يرتدّ أبدا » ويقول فيه : « نعم الشفيع أنا وآبائي لحمران بن أعين يوم القيامة نأخذه بيده ولا نزايله(١) حتّى ندخل الجنّة جميعا » الى نظائر هذه الكلمات الواردة فيه عنهما8 ، وهذه كما ترى تنبئ عن ارتفاع مقامه عندهم درجة لا يشاركه فيها إلاّ قليل ، على كثرة رجالهم ، وكثرة أهل الورع والهدى فيهم ، كما قرأت وستقرأ ، وكما دلّت هذه الكلم على ارتفاع منزلته لديهم دلّت على رسوخ إيمانه ، وثبات يقينه ، الى حدّ يؤمن من تضعضعه ، وإن مرّت على العواصف وساورته المحن ونهشته النوائب ، على أن عصره من أهمّ العصور التي اختبرت المحن والفتن فيها سرائر الرجال ، لا سيّما أهل العلم والفضيلة منهم لما لهم من المكانة بين الناس يوم ذاك.

وما كان حمران فقيها فحسب ، بل كان من علماء الكلام ، وحملة الكتاب ، ويذكر اسمه في أهل القراءات ، وكان أيضا من علماء اللغة والنحو فهو جامع لجهات الفضل.

حمزة بن الطيّار :

حمزة بن الطيّار كان ثقة عظيم الشأن ، من رجال الفقه والكلام ، مات

__________________

(١) نفارقه.

١٤١

أيام الصادقعليه السلام ، وجاءت فيه أحاديث تعرب عن إيمان راسخ ، وولاء ثابت لأهل البيت: ، وقوّة دفاع عنهم ، وحجّة قاطعة ، مثلما رواه الكشي ص ٢٢٣ عن هشام بن الحكم « قال : قال لي أبو عبد اللهعليه السلام :

ما فعل ابن الطيّار؟ قال : قلت : مات ، فقالعليه السلام :; ولقّاه نضرة وسرورا فقد كان شديد الخصومة عنّا أهل البيت ».

ومثله ما رواه عن مؤمن الطاق أيضا ، وما رواه عن أبان الأحمر عن الطيّار « قال : قلت لأبي عبد اللهعليه السلام : بلغني أنك كرهت مناظرة الناس وكرهت الخصومة ، فقال : أمّا كلام مثلك فلا يكره ، من اذا طار أحسن أن يقع ، وان وقع أحسن أن يطير ، فمن كان هكذا فلا نكره كلامه ».

والطيّار لقب له ولأبيه محمّد بن عبد الله مولى فزارة ، وكان من أصحاب الباقرعليه السلام وكان الباقر يفاخر به ، روى الكشي ص ٢٢ عن حمزة ابنه « قال : سألني أبو عبد اللهعليه السلام عن قراءة القرآن ، فقلت : ما أنا بذلك ، قال : لكن أبوك ، قال : وسألني عن الفرائض ، فقلت : وما أنا بذلك ، فقال :

لكن أبوك ، ثمّ قال : إن رجلا من قريش كان لي صديقا وكان عالما قاريا فاجتمع هو وأبوك عند أبي جعفرعليه السلام ، وقال : ليقبل كلّ واحد منكما على صاحبه ، ويسأل كلّ واحد منكما صاحبه ، ففعلا ، فقال القرشي لأبي جعفرعليه السلام : قد علمت ما أردت ، أردت أن تعلمني أن في أصحابك مثل هذا ، قال : هو ذاك ، فكيف رأيت ».

فكيف ترى من يحمله الباقرعليه السلام على المناظرة؟ ومن يحمله الصادقعليه السلام على المخاصمة؟ فهما إذن من ذوي الحجج النواصع ، والقوّة في الخصومة.

١٤٢

داود بن فرقد :

داود بن فرقد الأسدي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم8 ، وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات ، وله كلام مع بعض الزيديّة دلّ على اشتهاره بالتشيّع وسرعة جوابه وحسنه حتّى ضحك منه أبو عبد اللهعليه السلام ، وذلك ما رواه الكشي ص ٢٢١ عنه « قال : قلت لأبي عبد اللهعليه السلام : إن رجلا خلفي حين صلّيت المغرب في مسجد رسول اللهص فقال :

« ما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله »(١) فعلمت أنه يعنيني ، فالتفتّ إليه وقلت : « إن الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم »(٢) فاذا هو هرون بن سعد(٣) قال : فضحك أبو عبد اللهعليه السلام ، ثمّ قال : أصبت الجواب قبل الكلام بإذن الله ، وقال داود :

جعلت فداك لا جرم والله ما تكلّم بكلمة ، فقال أبو عبد اللهعليه السلام : ما أحد أجهل منهم ، إن في المرجئة فتيا وعلما وفي الخوارج فتيا وعلما ، وما أحد أجهل منهم ».

داود الرقي :

داود بن كثير الرقي الكوفي الأسدي مولاهم ، روى عن الصادق والكاظم8 وعاش الى أيام الرضاعليه السلام ، وله حديث كثير لا سيّما في الكرامات والفضائل ، وله أصل رواه عنه جماعة من الثقات ، ولكثرة ما رواه

__________________

(١) النساء : ٨٨.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) الكوفي الزيدي ، وقد جاء عن الصادقعليه السلام ذمّه سوى ما ذكر هاهنا.

١٤٣

من كراماتهم نسبوه الى الغلوّ وهو سهو.

وجاء فيه حديث كثير يدلّ على علوّ منزلته مثلما رواه الكشي ص ٢٥٤ عن أبي عبد اللهعليه السلام قال : « أنزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد من رسول اللهص » ونظر الى داود الرقي وقد ولّى فقال : « من سرّه أن ينظر الى رجل من أصحاب القائمعليه السلام فلينظر الى هذا » وفي موضع آخر : « أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد » فهذا ومثله يرشدنا الى سموّ منزلته في الدين واليقين سوى الوثاقة في الرواية.

زرارة

زرارة بن أعين الشيباني مولاهم ، روى عن الباقر والصادق8 ، ومات عام ١٥٠ ، فأدرك من أيام الكاظمعليه السلام سنتين.

وما ذا يقول القائل في زرارة؟ وهل يستطيع ذو براعة ويراعة أن يأتي بكلمة تجمع فضل زرارة؟ وكفى عن بيان مقامه ، ورفيع شأنه ، ما جاء فيه عن أئمة الهدى: ، وكفى منه ما سبق ذكره في بريد العجلي ، بيد أننا نذكر هاهنا شيئا لم يسبق ذكره هناك ، فإن الصادقعليه السلام قال له مرّة : « يا زرارة إن اسمك في اسامي أهل الجنّة بغير ألف » قال : « نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقّبت زرارة » وقال : « لو لا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب » وقال للفيض بن المختار(١) : « فاذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس واومىء بيده الى زرارة » وقال في حديث آخر : « رحم الله زرارة(٢) لو لا

__________________

(١) الجعفي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق والكاظم: وهو من ثقات رواتهم.

(٢) ظاهر هذا الحديث أن زرارة مات أيام الصادقعليه السلام ، إلاّ أن يكون الصادق ترحّم عليه وهو حي.

١٤٤

زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي » وقال الرضاعليه السلام : « أترى أن أحدا أصدع بحقّ من زرارة » الى أمثال هذه الأحاديث ، وهذه الأحاديث تغنيك عن قول كلّ فصيح يريد أن يترجم زرارة معربا عمّا له من فضل وعلم ومقام لدى أهل البيت.

وما كان زرارة فقيها فحسب بل كان يجمع عدّة فضائل حتّى قال ابن النديم في الفهرست في شأنه : زرارة أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيّع.

وقال النجاشي : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم ، وكان قارئا فقيها متكلّما شاعرا أديبا ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، وقال أبو غالب الزراري كما حكي عنه : روي أن زرارة كان وسيما جسيما أبيض ، فكان يخرج الى الجمعة وعلى رأسه برنس أسود وبين عينيه سجادة وفي يده عصا فيقوم الناس سماطين ينظرون إليه لحسن هيئته فربما رجع من طريقه ، وكان خصما جدلا لا يقوم أحد بحجّته صاحب إلزام وحجّة قاطعة إلاّ أن العبادة أشغلته عن الكلام ، والمتكلّمون من الشيعة تلاميذه.

فزرارة قد جمع الفضل كلّه ولكن شهرته في الفقه غلبت على فضائله الأخر ، ومن غاض في بحر الفقه عرف ما لهذا الرجل من حديث ، حتّى لتكاد لا تجد بابا من أبواب الفقه إلاّ وله فيه حديث أو أحاديث ، وهو أحد الستة الاول أصحاب أبي جعفرعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه ، ولا غروّ لو عدّ زرارة أفقههم.

وكان زرارة معروفا بالعلم والفضيلة والقرب من أهل البيت وهذا اكبر جرم عند أعدائهم ، فما زال في خطر من جراء ذلك ، فكان الإمام ينال منه أحيانا ليدفع بذلك عنه الخطر ، ومن ثمّ جاءت أحاديث تطعن فيه ، وقد كشف

١٤٥

عن سبب ذلك القدح الصادق نفسه ، فقال في حديث طويل رواه الكشي ص ٩١ : إني أنا أعيبك دفاعا مني عنك فإن الناس والعدوّ يسارعون الى من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه ـ الى أن قال ـ فأحببت ان أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منّا دافع شرّهم عنك ، الحديث ، فمن هاهنا نعرف مكانة زرارة لديهم وشأن تلك الأحاديث القادحة.

زيد الشحّام :

أبو اسامة زيد الشحّام الازدي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق8 ، وقيل : وعن الكاظم أيضا ، وهو من الوثاقة وجلالة القدر بمكان رفيع ، وقد حكي عن الشيخ المفيد طاب رمسه قوله فيه : إنه من فقهاء أصحاب الصادقين8 الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا وأحكام الدين.

وجاءت فيه أحاديث تشهد له بعلوّ الدرجة ، منها ما رواه الكشي ص ٢١٦ عن زيد نفسه « قال : قلت لأبي عبد اللهعليه السلام : اسمي في تلك الأسامي؟

ـ يعني في كتاب أصحاب اليمين ـ قال : نعم » وما رواه أيضا عنه : « قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه السلام فقال لي : يا زيد جدّد التوبة واحدث عبادة ، قال :

قلت : نعيت إليّ نفسي ، قال : فقال : يا زيد ما عندنا لك خير وأنت من شيعتنا ـ الى أن قال ـ : يا زيد كأني أنظر إليك في درجتك في الجنّة ، ورفيقك فيها الحارث بن المغيرة النصري »(١) الى غير هذا ممّا يرشدنا الى علوّ مقامه ورفيع

__________________

(١) هذا الحديث دالّ على أن موته كان أيام الصادقعليه السلام فلا يكون ممّن روى عن الكاظمعليه السلام .

١٤٦

درجته.

زيد الشهيد :

زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: ، روى عن أبيه السجّادعليه السلام وكفي من روايته عنه روايته للصحيفة السجّادية التي جمعت فنونا من العلم والأدب والفصاحة والبلاغة والتي تعرّفك كيف الخضوع للمولى في دعائه ومسألته والتي هي وحدها دلالة واضحة على إمامة الأئمة من أهل البيت ، لأن ديباجتها تدلّك على أن الناطق بها ليس من أمثال البشر ، الذين يقع عليهم البصر.

وروى عن أخيه الباقر وابن أخيه الصادق أيضا8 وكان يرى إمامة الصادق ويدعو له في السرّ ، وما ادّعى الإمامة لنفسه أيام حياته وجهاده قط ، وإنما ادّعيت فيه بعد وفاته ، وقد استشهد في الكوفة عام ١٢١ فبكاه الصادقعليه السلام وترحّم عليه ، وأنفق على عيال من قتل معه ، وقد جمع زيد صفات فاضلة قلّما تجتمع برجل سوى المعصومين ، كالفقه والورع والسخاء والشجاعة والزهادة والعبادة وغيرها ، ولكن بأعلى مراتب هذه الصفات ، وقد سبقت الاشارة الى شيء من حاله « ١ : ٤٨ »

سدير الصيرفي :

سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي الكوفي مولى ، روى عن ثلاثة من الأئمة: السجّاد والباقر والصادق ، وروى عن كثير من الثقات ، وبعض منهم من أصحاب الإجماع ، جاء فيه مدائح وتقدير له مثل قول الصادقعليه السلام لزيد الشحّام : « يا شحّام إني طلبت الى إلهي في سدير وعبد السلام

١٤٧

ابن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما الله لي وخلّى سبيلهما » وقوله وكان عنده سدير : « إن الله اذا أحبّ عبدا غته(١) بالبلاء غتا ، وإنا وإيّاكم يا سدير لنصبح به ونمسي » فاستيهابه من الله دلالة على كبر منزلة عنده وتقدير له ، وكفى بعلوّ درجته أنه ممّن يحبّه الله ويغمره بألطاف بلائه ، الى ما سوى ذلك من الأحاديث.

الأعمش :

أبو محمّد سليمان بن مهران الاعمش الأسدي الكوفي ، اتفقت الخاصّة والعامّة على وثاقته وفضله وجلالته ، وقد أثنى العامّة عليه الثناء الجميل ، واعترفوا له بالمزايا الحميدة مع اعترافهم بتشيّعه ، فهذا الذهبي في ميزان الاعتدال يقول : « أبو محمّد أحد الأئمة الثقات عداده في صغار التابعين » ويقول : « فالأعمش عدل صادق ثبت ، صاحب سنّة وقرآن » الى غيره من مؤلّفي الرجال والتراجم.

وكان راوية لفضائل أمير المؤمنينعليه السلام ، حتّى أن الخاصّة والعامّة روت أن المنصور سأله : كم تحفظ من الحديث في فضائل عليعليه السلام ؟ قال له : عشرة آلاف حديث ، وفي بعض الروايات على بعض النسخ أو ألف حديث ، ولعلّ هذا الترديد منه كان حذرا من المنصور لعلمه بما يحقده على أولاد عليعليه السلام ، ولمّا انتبه المنصور لقصد الأعمش من الترديد أراد أن يطمئنّه عمّا اختلج في نفسه ، فقال له : بل عشرة آلاف كما قلت أوّلا.

قيل : إن ولادته كانت سنة قتل الحسينعليه السلام وهي سنة ٦١ ،

__________________

(١) الغت يأتي لمعان أظهرها في المقام ـ الغط.

١٤٨

ووفاته في الخامس والعشرين من ربيع الأول عام ١٤٨ ، وهي سنة وفاة الصادقعليه السلام .

سماعة

سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن8 ، مات بالمدينة ، وله حديث كثير في الفقه وروى كثيرا من زيارات الأئمة ومن دعاء الصادقعليه السلام ، وله كتاب رواه عنه ثقات الرواة ، ومنهم جماعة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وقد نسبوه الى الوقف ولم يثبت ، وعلى أيّ حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب.

صفوان الجمّال :

صفوان بن مهران الجمّال الأسدي الكاهلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم8 ، وكان جمّالا فلزمه هذا اللقب ، وكان شديد التمسّك بأهل البيت: ، عاملا بأوامرهم ، مواظبا على القيام بخدماتهم وقد سبق في عنوان ـ الصادق في العراق ـ ( ١ : ١٢٩ ) ما يشهد لذلك كما يدلّ عليه بيعه لجماله امتثالا لأمر الكاظمعليه السلام ، وأنّبه الرشيد على ذلك وقال له :

إني لأعلم من أشار إليك بهذا ، أشار عليك موسى بن جعفر ، فو الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.

وكفى هذا العمل منه استماعا لأمر إمامه وإن عرّض نفسه للهلاك ، وكان من أجلّة الرواة وأعلامهم الثقات ، وحديثه جمّ كثير يرويه عنه الثقات الأعلام ، وله كتاب رواه عنه رجال الوثاقة والإجماع.

١٤٩

عبد الرحمن بن الحجّاج :

عبد الرحمن بن الحجّاج البجلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم8 وعاش حتّى لقي الرضاعليه السلام ، ومات في أيامه ، وكان من شيوخ أصحاب أبي عبد اللهعليه السلام وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، وجاء الشيء الكثير في إطرائه والثناء عليه من الأئمة: وقد بشّروه بالموت بالمدينة وبحسن المنقلب ، وله كتب يرويها عنه الثقات الأعلام ، وبعضهم من أهل الإجماع ، وكان من رجال الكلام البارزين ذوي الحجّة اللازمة والقوّة في العارضة ، حتّى قال له أبو عبد اللهعليه السلام : « يا عبد الرحمن كلّم أهل المدينة فإني أحبّ أن يري في رجال الشيعة مثلك » على أنه ما كان ليسمح بالكلام لأصحابه إلاّ لقليل منهم أمثال أبان بن تغلب والطيّار ونفر سواهما ، حذرا من العثار والخروج عن ربقة التقيّة ، فلا يسمح لأحد إلاّ لمن يعتمد على حجّته وحسن أدبه في المناظرة.

عبد السلام بن سالم :

عبد السلام بن سالم البجلي الكوفي ، روى عن أبي عبد اللهعليه السلام وله كتاب يرويه ثقات الرواة ، وكان من فقهاء أصحاب الصادقين8 والرؤساء الأعلام والمأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، والذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق الى ذمّ أحد منهم ، كما عن الشيخ المفيد طاب ثراه.

عبد السلام بن عبد الرحمن :

عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي ، عدّه ابن شهر اشوب في المناقب

١٥٠

من خواصّ الصادقعليه السلام ، وقد سبق في سدير قول الصادقعليه السلام لزيد الشحّام ودموعه تجري على خدّيه : يا شحّام إني طلبت الى إلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلّى سبيلهما ، وهذا ممّا ينبىء عن تقدير أبي عبد اللهعليه السلام وحبّه لهما ، وعطفه عليهما وكفاهما هذا.

شأنا وعلوّ منزلة.

عبد الله بن أبي يعفور :

عبد الله بن أبي يعفور العبدي الكوفي ، كان من أصحاب الصادقين8 ، ومات زمن أبي عبد الله ، ولا تحضرني كلمة تفرغ عن علوّ مقامه ، وتفصح عن جلالة قدره ، وما كان عليه من صلابة الايمان ، وقوّة اليقين ، والاستقامة في العقيدة ، ولنترك ذلك الى مخرّجه ومثقّفه الإمام الصادقعليه السلام ليعرب لنا عن حاله ، فإنه أعلم بشأنه وبسيرته وسريرته فإنه كتب الى المفضّل بن عمر الجعفي حين مضى لربّه عبد الله بن أبي يعفور : « يا مفضّل عهدت إليك عهدي ، كان الى عبد الله بن أبي يعفور ، فمضى2 موفيا لله جلّ وعزّ ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود لله ، وقبض صلوات الله على روحه محمود الأثر ، مشكور السعي ، مغفورا له ، مرحوما برضى الله ورسوله وإمامه عنه ، بولادتي من رسول اللهص ما كان في عصرنا أحد أطوع لله ولرسوله ولإمامه منه ، فما زال كذلك حتّى قبضه الله إليه برحمته ، وصيّره الى جنّته ، ساكنا فيها مع رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، أنزله الله بين المسكنين ، مسكن محمّدص ومسكن أمير المؤمنينعليه السلام وإن كانت المساكن واحدة ، والدرجات واحدة فزاده الله رضى من عنده ومغفرة من فضله برضاي عنه ».

١٥١

لو لا أن الصادقعليه السلام هو المخبر عن عبد الله وعمّا كان عليه من تقوى وطاعة لما كنا نعتقد بأن أحدا من البشر يبلغ تلك المرتبة وذلك الرضى.

ولقد جاء فيه من الإطراء والإفصاح عن علوّ مقامه وثبات يقينه ما لم يجىء في أحد سواه إلاّ القليل ، وقد سبق شيء منه في حمران ، وهو القائل لإمامه الصادق : لو فلقت رمّانة بنصفين ، فقلت هذا حلال وهذا حرام لشهدت أن الذي قلت حلال حلال ، وأن الذي قلت حرام حرام ، فقال : رحمك الله ، رحمك الله.

وهذا التسليم والتفويض والطاعة والامتثال هو الذي صيّره بتلك الرتبة الرفيعة ، وإن كان من عرف إمامه وجب أن يكون كما كان عليه عبد الله ولكن أنّى لنا بتلك النفوس الزكيّة المطيعة.

عبد الله بن بكير :

عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني مولاهم ، روى عن الباقر والصادق8 وهو من الستة أصحاب الصادق الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم كما سبق في أبان بن عثمان ، وعدّ في أجلّة الفقهاء والعلماء ، ومن أصحاب الاصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة ، وقد رمي بالفطحيّة ، فإن صحّ فلا يضرّ فساد عقيدته في وثاقته في روايته ، وعلى أيّ حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب ، وقد سبق ذكر أبيه بكير وجلالة شأنه.

عبد الله بن سنان :

عبد الله بن سنان بن طريف الكوفي مولى قريش أو بني هاشم خاصّة ، روى عن الصادقعليه السلام ، وقيل : وعن الكاظم أيضا وهو غير بعيد لأنه قد عاصره ، وكان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، ومع ذلك فقد كان

١٥٢

من شيعة أهل البيت والفقهاء الصلحاء ، والثقات الأجلاّء ، الذين لا يطعن عليهم بشيء ، ولقد قال فيه الصادقعليه السلام : « أما أنه يزيد على السنّ خيرا ».

وقد شاهد من الصادقعليه السلام كرامة باهرة دلّت على كريم مقامه عند أبي عبد اللهعليه السلام ، وأنه من حملة أسراره ، وله كتب يرويها عنه أجلّة الرواة ومشاهير الثقات.

عبد الله بن شريك :

أبو المحجل عبد الله بن شريك العامري ، صحب الباقر والصادق8 ، وكان عندهما وجيها مقدما ، وعدّوه في حواريهما ، وروي عن الصادقعليه السلام أنه يخرج لنصرة القائم المهدي عجّل الله فرجه ، وهذا هو الفضل والفوز ، والرفعة والجلال ، نسأله جلّ شأنه أن نكون ممّن يخفق على رأسه لواؤه المنصور.

عبد الله بن مسكان :

عبد الله بن مسكان الكوفي مولى ، روى عن الصادق والكاظم8 وهو من الستة أصحاب الصادقعليه السلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه كما مرّ في أبان بن عثمان ، ويعدّ من أجلّة الفقهاء العظام والرؤساء الأعلام ، والمأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الذين لا طريق للطعن عليهم بشيء ، وله كتب عديدة يرويها عنه أجلّة الثقات وأعلام الرواة.

١٥٣

عبد الله بن النجاشي :

أبو بحير عبد الله النجاشي الأسدي ، كان زيديّا ثمّ عدل الى القول بإمامة الصادقعليه السلام حين شاهد كرامة منه ، انظر ذلك في « ١ : ٢٦٠ » ، وكان واليا على الأهواز من قبل المنصور ، وكتب الى الصادقعليه السلام يسأله عن السيرة في العمل ، وعمّا يصنعه في أمواله وعن غير ذلك من شئون ولايته ، وأجابه الصادق بكتاب طويل وهي الرسالة المعروفة برسالة عبد الله النجاشي ، وقد اقتطفنا منها فقرات ثمينة ، ذكرناها في وصاياه من هذا الجزء ص ٤٤ ، وكان محمود السيرة في ولايته مرضيّا عند الإمام ، موثقا عند العلماء الأعلام ، حتّى أن شيخ الطائفة الطوسي طاب ثراه في التهذيب كتاب المكاسب منه عدّه من الزهاد على أنه عامل المنصور على الأهواز.

عبد الله الكاهلي :

عبد الله بن يحيى الكاهلي الكوفي ، روى عن الصادق والكاظم8 ، وكان ابو الحسن يرعاه ويحبّه ، حتى قال لعلي بن يقطين : اضمن لي الكاهلي أضمن لك الجنّة ، فضمن للإمام ما أراد ، حتّى أن نعمته كانت تعمّ الكاهلي وقراباته ، وكان يجرى عليهم النفقات مستغنين حتّى بعد موت الكاهلي.

وقد بشّره أبو الحسنعليه السلام بحسن المآل ، فقد قال له يوما : اعمل خيرا في سنتك هذه فإن أجلك قد دنا ، فبكى الكاهلي ، فقال له أبو الحسنعليه السلام : ما يبكيك؟ قال له : جعلت فداك نعيت إليّ نفسي ، قال : ابشر فإنك من شيعتنا وأنت الى خير ، ثمّ ما لبث بعدها إلاّ يسيرا حتّى مات.

فمن هذا ومثله تعرف كرامة الكاهلي عليهم وارتفاع محلّه عندهم ، وله كتاب

١٥٤

رواه عنه أعيان الثقات وبعض أهل الإجماع.

عبد الملك بن أعين :

أبو ضريس عبد الملك بن أعين الشيباني مولاهم أخو زرارة وحمران ، روى عن الباقر والصادق8 ، ومات أيام الصادق ، ولمّا بلغه خبر وفاته وهو بمكّة رفع يده ودعا له واجتهد في الدعاء وترحّم عليه ، ولمّا قدم المدينة زار قبره بالمدينة مع أصحابه ، وقال زرارة : قال أبو عبد اللهعليه السلام بعد موت عبد الملك : اللهمّ إن أبا الضريس كنّا عنده خيرتك من خلقك فصيّره في ثقل محمّد صلوات الله عليه وآله يوم القيامة ، الى غير هذا ممّا ورد في حقّه ، وهذا كما ترى يرشدك الى علوّ درجته ، ورفيع محلّه ، كما يرشد الى معرفته بأئمته.

وأمّا ابنه ضريس الذي يكنّى به فكان من رواة الصادق أيضا وثقاتهم وروى عنه الثقات ، وكانت تحته ابنة عمّه حمران.

عبيد بن زرارة :

عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني مولاهم ، ممّن أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله8 ، وله كتاب رواه عنه أجلّة الرواة ، وبعض أهل الإجماع ، وهو من عيون الثقات الذين لا لبس فيهم ولا شك ، ومن الفقهاء البارزين ، والأعلام الرؤساء الذين اخذ عنهم الحلال والحرام ، ومن أرباب الاصول المدوّنة ، والمصنّفات المشهورة.

عبيد الله الحلبي :

عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الكوفي الحلبي ، وآل أبي شعبة بيت معروف

١٥٥

من الشيعة بالكوفة كان متجرهم الى حلب فنسبوا إليها ، وقد روى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين8 وكانوا جميعهم ثقات ، وكان عبيد الله هذا كبيرهم ووجههم ، واذا اطلق الحلبي فعلى الغالب يراد به عبيد الله هذا ، وإن كان قد يراد به أحيانا أخوه محمّد ، وهو أوّل من صنّف من أصحاب أبي عبد اللهعليه السلام ، ولما صنّف كتابه المعروف في الفقه عرضه على أبي عبد اللهعليه السلام فاستحسنه وصحّحه ، وقال عند قراءته له : أترى لهؤلاء مثل هذا؟

وقد رواه عنه عدّة من أعلام الرواة وثقاتهم جزاهم الله عن الدين وأهله خير جزاء المحسنين.

العلاء بن رزين :

العلاء بن رزين القلا الكوفي مولى ثقيف ، روى عن الصادقعليه السلام وكان وجها جليل القدر ضبطا متقنا لم يرد غمز فيه من أحد ، بل متّفق على جلالته ووثاقته ، صحب محمّد بن مسلم وتفقّه عليه ، وله كتب رواها عنه أعيان الثقات من الرواة ، وبعضهم من أصحاب الإجماع.

علي بن يقطين :

علي بن يقطين بن موسى الكوفي البغدادي ، روى عن الصادق والكاظم8 ، وشأنه في الوثاقة والوجاهة والجلالة معروف ، ومقامه عند الرشيد لا يجهل ، وأخباره معه مسطورة ، وما اكثر ما جاء فيه من الثناء والإطراء والبشارة بحسن العقبى ، والانقلاب الى رضوانه وجنانه ، مثل قول أبي الحسنعليه السلام : ضمنت لعلي بن يقطين الجنّة وألاّ تمسّه النار ، وقولهعليه السلام وقد أقبل علي بن يقطين : من سرّه أن يرى رجلا من أصحاب رسول الله

١٥٦

ص فلينظر الى هذا المقبل ، فقال له رجل من القوم : هو إذن من أهل الجنّة ، فقال أبو الحسن : أمّا أنا فأشهد أنه من أهل الجنّة ، وقوله : من سعادة علي بن يقطين أنه ذكرته في الموقف ، وقوله : إني استوهبت علي بن يقطين من ربي جلّ وعزّ فوهبه لي ، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودّته ، فكان لذلك مستوجبا ، الى كثير من أمثال هذه الأحاديث.

وأعماله الصالحة ، وخدماته لأهل البيت ، وقضاؤه لحوائج أوليائهم لا تحصر بحساب ، كان ينيب في كلّ سنة من يحجّ عنه واحصي له بعض السنين ثلاثمائة ملبّ له ، وكان يعطي بعضهم عشرين ألف وبعضهم عشرة آلاف للحج ، مثل الكاهلي وعبد الرحمن بن الحجّاج وغيرهما ، ويعطي أدناهم ألف درهم ، وكان يحمل الأموال في كلّ سنة لأبي الحسنعليه السلام من مائة ألف الى ثلاثمائة ألف درهم ، وزوّج أبو الحسن ثلاثة أو أربعة من بنيه منهم أبو الحسن الرضاعليه السلام ، فكتب له علي بن يقطين : وإني قد صيّرت مهورهم إليك وزاد عليه ثلاثة آلاف دينار للوليمة ، فبلغ ثلاثة عشر ألف دينار في دفعة واحدة(١) .

وكفى من قضائه لحوائج أوليائهم قيامه بنفقات الكاهلي وعيالاته وقراباته ، وقيامه بحوائج كلّ من يأتيه من اولئك الأولياء.

وكفى في علوّ شأنه ورفيع قدره قول أبي الحسنعليه السلام له : يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي ، قال له ذلك حين قدم أبو ابراهيم موسى العراق ، وقال له علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه(٢) .

__________________

(١) الكشي : ٤٣٣ / ٨١٩.

(٢) نفس المصدر : ٤٣٣ / ٨١٧.

١٥٧

وجملة القول أن علي بن يقطين كان عينا لله وملجأ لأولياء الله بين أعدائه ، يقوم بأداء حقوقهم ، ويدفع عادية السوء عنهم ، هذا سوى صلاحه في أعماله الأخر ، وروايته لأحكام الدين ، وإن مثله ليعجز القلم عن استيفاء محاسنه وجميل خصاله.

كانت ولادة علي بالكوفة عام ١٢٤ ، وكان أبوه يقطين من وجوه الدعاة للدولة الهاشميّة ، فطلبه مروان الحمار فهرب ، وهربت زوجته بولديها علي وعبيد من الكوفة الى المدينة ، الى أن ظهرت الدولة العبّاسيّة ، فلمّا قامت ظهر يقطين ، فلم يزل بخدمة السفّاح والمنصور ، وهو مع ذلك كان يتشيّع ويقول بالإمامة ، وكذلك كان ولده ، وكان يقطين يحمل الأموال الى الصادقعليه السلام ونما خبره الى المنصور والمهدي فصرف الله كيدهما عنه.

وتوفي علي بن يقطين بمدينة السلام ـ بغداد ـ عام ١٨٢ ، وصلّى عليه وليّ العهد محمّد الأمين بن الرشيد ، وتوفي أبوه يقطين من بعده عام ١٨٥ فرحمة الله عليهما.

عمّار الدهني :

أبو معاوية عمّار بن خباب البجلي الدهني الكوفي ، ودهن حيّ من بجيلة ، كان من عيون أصحاب الصادقعليه السلام الثقات وبيته من بيوتات الشيعة المعروفة في الكوفة في يومهم ، وقيل : إن أباه يسمّى بمعاوية أيضا.

قيل للصادقعليه السلام : إن عمّارا الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى(١)

__________________

(١) هو محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ، تولّى محمّد هذا قضاء الكوفة ثلاثا وثلاثين سنة ، ولّي أولا لبني اميّة ثمّ لبني العبّاس ، كانت ولادته عام ٧٤ ، ووفاته بالكوفة عام ١٤٨ وهو على القضاء ، وعدّه الشيخ; من أصحاب الصادقعليه السلام إلاّ أن الظاهر أن ممّن يحارب.

١٥٨

قاضي الكوفة شهادة فقال له القاضي : قم يا عمّار فقد عرفناك ، لا نقبل شهادتك لأنك رافضي ، فقام عمّار وقد ارتعدت فرائصه ، وقد استغرقه البكاء ، فقال له ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان ليسوؤك أن يقال لك رافضي فتبرّأ من الرفض وأنت من اخواننا ، فقال له عمّار : ما ذهبت والله حيث ذهبت ، ولكن بكيت عليك وعليّ ، أمّا بكائي على نفسي فنسبتني الى مرتبة شريفة لست من أهلها ، زعمت أني رافضي ، ويحك لقد حدّثني الصادقعليه السلام إن أوّل من سمّي السحرة الذين شهدوا أنه موسى في عصاه ، ثمّ آمنوا به واتّبعوه ورفضوا أمر فرعون واستسلموا لكلّ ما نزل بهم ، فسمّاهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه ، فالرافضي من رفض كلّما كرهه الله ، وفعل كلّما أمره الله ، وأين في الزمان هذا ، فإنما بكيت عليّ خشية أن يطبع على قلبي وقد تقبّلت هذا الاسم الشريف على نفسي ، فيعاتبني ربّى ويقول : يا عمّار كنت رافضا للأباطيل؟ عاملا للمطاعات كما قال لك؟ فيكون ذلك مقصّرا لي في الدرجات أن يسامحني ، موجبا لشديد العقاب على أن ناقشني ، إلاّ أن يتداركه مولى بشفاعتهم ، وأمّا بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك عذاب الله تعالى إن صرفت أشرف الأسماء إليّ أن جعلتها أرذلها ، كيف تصبر بذلك على عذاب كلمتك هذه ، فقال الصادقعليه السلام « لو أن على عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السموات والأرضين لمحيت عنه بهذه الكلمات ، وأنها لتزيد في حسناته عند ربّه » الحديث.

وهذا كما ترى كاشف عن صلابة إيمانه ، وثباته في عقيدته وأن العواصف لم تملّ به ، وله كتاب يرويه جماعة من الثقات.

__________________

الصادق في أعماله.

١٥٩

وروى عن جماعة من أعلام السنّة ، كما روى عنه منهم جماعة ومن ثمّ وثّقوه مع اعترافهم بتشيّعه ، وذكره ابن النديم في الفهرست وعدّه من فقهاء الشيعة ، وذكر في القاموس في ـ دهن ـ بني دهن وقال : بالضم حي منهم معاوية بن عمّار ، فقال في التاج : أبوه عمّار يكنّى أبا معاوية روى عن مجاهد وأبي الفضل وعدّة ، وعن شعبة والسفيانان ، وكان شيعيّا ثقة مات سنة ١٣٣.

عمّار الساباطي :

أبو اليقظان عمّار بن موسى الساباطي ، كوفي سكن المدائن ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن8 ، وقد نسب إلى الفطحيّة فإن صحّ فلا يخدش ذلك في وثاقته في الرواية ، لا سيّما بعد أن ورد فيه عن الكاظمعليه السلام قوله :

« استوهبت عمّارا من ربي فوهبه لي » وقد ذكر ذلك الكشي في ثلاثة مواطن ص ١٦٤ و ٢٥٦ و ٣١٣ ، وقد عدّوه في الرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، وقد عمل الأصحاب بأحاديثه ، وهو كثير الرواية ، ومن سبر كتب الحديث عرف كثرة روايته ، وقال الشيخ في الفهرست : له كتاب كبير جيّد معتمد.

وإن له أخوين هما قيس وصباح ، وقد رويا عن الصادق والكاظم8 وهما من ثقات رواتهما أيضا.

عمرو بن أبي المقدام :

عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز العجلي الكوفي ، روى عن السجاد والباقر والصادق: ، وعداده في التابعين ، وقد سبق ( ١ : ١٣٦ ) قوله : قال لي أبو عبد اللهعليه السلام في أول دخلة دخلت عليه « تعلّموا الصدق

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186