الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

الإمام الصادق عليه السلام40%

الإمام الصادق عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 186

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9957 / تحميل: 1275
الحجم الحجم الحجم
الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
العربية

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي منّ علينا بالإسلام ، وعرّفنا خيرته من الأنام ، وصلاته وسلامه على خاتم الأنبياء وعلى آله الأئمة الأوصياء.

٢

المختار من كلامه

إن كلام أبي عبد اللهعليه السلام لا تنزفه الدلاء ، ولا تلمّ به صحائف ، وما اكثر اصوله ، وأوفى فروعه ، وإنما نريد هاهنا أن نذكر منه فصولا أربعة ، هي :

الخطب ، والعظات ، والوصايا ، والحكم ، فإن بها نجعة الرائد ورواء الظمآن ، وحياة النفس ، اجتهدت في جمعها واختيارها من خيرة الكتب وصفوة المؤلّفات.

١ ـ خطبه

لم يعرف عنه أنه رقى الأعواد للإرشاد ولم تكن ظروفه تواتيه أن يخطب على الجماهير ، ومع ذلك فقد عثرت قدر الوسع في التنقيب على خطبتين إحداهما طويلة ، والاخرى قصيرة.

أمّا الاولى فهي على فصلين : [ الفصل ] ( الأوّل ) في صفة النبيّ خاصّة وهو قوله(١) : فلم يمنع ربّنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم أن انتجب لهم أحبّ أنبيائه إليه واكرمهم عليه ، محمّد بن عبد اللهص ، في

__________________

(١) لا يصلح أن يكون هذا الكلام ابتداء الخطبة ، فلا بدّ أن يكون لها ابتداء غير هذا ، ولقد تتبّعت أبواب الكافي فلم أجد فيها زيادة على ما أوردناه.

٣

حومة العزّ(١) مولده ، وفي دومة الكرم محتده(٢) غير مشوب حسبه ، ولا ممزوج نسبه ، ولا مجهول عند أهل العلم صفته ، بشّرت به الأنبياء في كتبها ، ونطقت به العلماء بنعتها ، وتأمّلته الحكماء بوصفها ، مهذّب لا يدانى ، هاشميّ لا يوازى ، أبطحيّ لا يسامى ، شيمته الحياء وطبيعته السخاء ، مجبول على أوقار(٣) النبوّة وأخلاقها ، مطبوع على أوصاف الرسالة وأحلامها الى أن انتهت به أسباب مقادير الله الى أوقاتها وجرى بأمر الله القضاء فيه الى نهاياتها ، أدّى محتوم قضاء الله الى غاياتها يبشّر به كلّ أمّة من بعدها ، ويدفعه كلّ أب الى أب من ظهر الى ظهر ، لم يخلط في عنصره سفاح ، ولم ينجسه في ولادته نكاح ، من لدن آدم إلى أبيه عبد الله في خير فرقة ، واكرم سبط ، وأمنع رهط ، وأكلأ حمل ، وأودع حجر ، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه ، وآتاه من العلم مفاتيحه ، ومن الحكم ينابيعه ، ابتعثه رحمة للعباد ، وربيعا للبلاد ، وأنزل الله إليه الكتاب ، فيه البيان والتبيان ، قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون ، قد بيّنه للناس ونهجه بعلم قد فصّله ، ودين قد أوضحه ، وفرائض قد أوجبا ، وحدود حدّها للناس وبيّنها ، وامور قد كشفها لخلقه وأعلنها ، فيها دلالة الى النجاة ومعالم تدعو الى هداة ، فبلّغ رسول اللهص ما ارسل به ، وصدع بما امر به ، وأدّى ممّا حمّل من أثقال النبوّة ، وصبر لربّه ، وجاهد في سبيله ، ونصح لامّته ، ودعاهم الى النجاة ، وحثّهم على الذّكر ، ودلّهم على سبيل الهدى ، بمناهج ودواع أسّس للعباد أساسها ، ومنازل رفع لهم أعلامها ، كي لا يضلّوا من بعده ، وكان بهم رءوفا

__________________

(١) أي في أرفع موضع من العز.

(٢) الدومة ـ بالضم ـ الشجرة ، والمحتد ـ بفتح الميم وكسر التاء ـ الأصل.

(٣) أثقال.

٤

رحيما(١) .

( الفصل الثاني ) ما كان منها في صفة الأئمة: ، ذكره الكليني طاب ثراه في الكافي ، كتاب الحجّة ، باب نادر جامع في فصل الإمام وصفاته ، وذكره المسعودي علي بن الحسين(٢) في كتاب الوصيّة ص ١٣٩ ، قال : ولمّا أفضى أمر الله عزّ وجل إليه ـ يعني الصادقعليه السلام ـ جمع الشيعة وقام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكّرهم بأيّام الله ، ثمّ ذكر الفصل الذي سنذكره ، وبين رواية الكليني ورواية المسعودي اختلاف قليل ، ونحن نورده على رواية الكليني لأن فيها زيادات.

قالعليه السلام : إن الله تعالى أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج(٣) بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّدص واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة(٤) إسلامه ، لأن الله تعالى نصب الإمام علما لخلقه ، وجعله حجّة على اهل مواده(٥) وعالمه ، وألبسه تعالى تاج الوقار ، وغشاه من نور الجبّار ، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عنه مواده(٦) ولا ينال ما عند الله إلاّ بجهة

__________________

(١) الكافي ، باب مولد النبيص ، قال بعد أن ذكر السند عن أبي عبد اللهعليه السلام : في خطبة له خاصّة يذكر فيها حال النبيص والأئمة: وصفاتهم ، فذكر هاهنا ما اختصّ بالنبيص ، وذكر في باب فضل الإمام وصفاته ما اختص بالإمام.

(٢) أبو الحسن الهذلي البغدادي صاحب التآليف القيّمة ومن أشهرها مروج الذهب وهو إماميّ المذهب ويعتمد عليه الفريقان ، ولم تضبط سنة وفاته ، وقيل : إنه كان حيّا الى عام ٣٤٥.

(٣) أوضح وأنار.

(٤) الطلاوة ـ مثلثة الطاء ـ الحسن والبهجة والقبول.

(٥) جمع مدة ـ بالضم ـ البرهة من الدهر ، أي أهل زمانه.

(٦) جمع مادة.

٥

أسبابه ، ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته(١) فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ، ومعميات السنن ، ومشتبهات الفتن ، فلم يزل الله تعالى مختارهم لخلقه من ولد الحسينعليه السلام من عقب كلّ إمام إماما ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم ، كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما ، علما بيّنا ، وهاديا نيّرا ، وإماما قيّما ، وحجّة عالما ، أئمة من الله يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه ، يدين بهداهم العباد وتستهلّ بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد(٢) جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للاسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها ، فالامام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى(٣) والقائم المرتجى(٤) اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذّر حين ذرأه ، وفي البريّة حين برأه ، ظلاّ قبل خلق الخلق نسمة عن يمين عرشه ، محبوا بالحكمة في عالم(٥) الغيب عنده ، اختاره بعلمه ، وانتجبه لطهره ، بقيّة من آدمعليه السلام ، وخيرة من ذرّيّة نوح ، ومصطفى من آل إبراهيم ، وسلالة من إسماعيل ، وصفوة من عترة محمّدص ، لم يزل مرعيّا بعين الله يحفظه ويكلأه بستره ، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق(٦) ونفوث كلّ فاسق(٧) ،

__________________

(١) كما قالص : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، أي كأنه لم يسلم ولم يعمل عملا في الاسلام عبادة أو غيرها.

(٢) أي النتاج المتأخّر.

(٣) بالبناء للمفعول أي المنتخب أو المخصوص بالسرّ من الانتجاء الاختصاص بالمناجاة.

(٤) المرتضى في نسخة.

(٥) علم « خ ».

(٦) الوقوف : الدخول ، والغواسق : جمع غاسق الظلام ، ويراد منه كلّ ما يطرق بالليل من سوء من الهوام والسباع والفسّاق.

(٧) النفث : السحر.

٦

مصروفا عنه قوارف السوء(١) مبرأ من العاهات ، معصوما من الفواحش كلّها ، معروفا بالحلم والبرّ في يفاعه(٢) منسوبا الى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسندا إليه أمر والده ، صامتا عن المنطق في حياته ، فاذا انقضت مدّة والده الى أن انتهت به مقادير الله الى مشيّته ، وجاءت الإرادة من الله فيه الى محبّة(٣) وبلغ منتهى مدّة والده صلّى الله عليه فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ، وقلّده دينه وجعله الحجّة على عباده ، وقيّمه في بلاده وأيّده بروحه وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه ، ونصبه علما لخلقه ، وجعله حجّة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه ، والقيّم على عباده ، رضي(٤) الله به إماما لهم ، استودعه سرّه ، واستحفظه علمه ، واستخبأه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأحيى به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحيّر أهل الجهل ، وتحيير أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء النافع ، بالحقّ الأبلج ، والبيان اللائح من كل مخرج ، على طريق المنهج الذي مضى عليه الصادقون من آبائه: ، فليس يجهل حقّ هذا العالم إلاّ شقي ، ولا يجحده إلاّ غوي ، ولا يصدّ عنه إلاّ جريء على الله تعالى.

أقول : لعلّك تخال بأن هذه النعوت كبيرة على الإنسان بحكم العادة ، وأين من يحمل هذه الصفات ولكنّك لو نظرت الى أن الإمامة خلافة الرسول ، وأن خليفته يجب أن يقوم بوظائفه ، مرشدا لامّته ، مصلحا للناس عامّة ، لا يقنت أن هذه النعوت لا تنفكّ عنه ، وأنه لا بدّ أن يكون في الامّة من يتحلّى بهذه

__________________

(١) قوارف السوء : أعماله ومقارباته.

(٢) شبابه.

(٣) حجّته « خ » حجبه « خ ».

(٤) جواب « فاذا انقضت ».

٧

السمات(١) .

( الخطبة الثانية ) هي المرويّة في مناقب ابن شهر اشوب « ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤ » قال : لمّا دخل هشام بن الوليد المدينة أتاه بنو العبّاس وشكوا من الصادقعليه السلام أنه أخذ تركات ماهر الخصي دوننا ، فخطب أبو عبد اللهعليه السلام فكان ممّا قال :

إن الله لمّا بعث رسول اللهص كان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه والناصر له ، وأبوكم العبّاس وأبو لهب يكذبان ويوليان عليه شياطين الكفر وأبوكم يبغي له الغوائل ، ويقود إليه القبائل في بدر ، وكان في أوّل رعيلها وصاحب خيلها ورجلها ، المطعم يومئذ ، والناصب له الحرب ، ثمّ قال :

فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا ، وأسلم كارها تحت سيوفنا ، ولم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط ، فقطع الله ولايته منّا بقوله : « الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء »(٢) ثمّ قال :

مولى لنا مات فخرنا تراثه ، إذ كان مولانا ولأنّا ولد رسول اللهص ، وأمنّا فاطمة أحرزت ميراثه.

أقول : إن الصادق أرفع من أن يواقف بني العبّاس من جراء المال ، ولكن إخال أنه يريد أن يكشف حالا للعبّاس كانت مجهولة ، لأن الملك سوف يوافي بنيه فيعلم الناس شأن من يملك منهم الرقاب.

وهذه الكلمات على وجازتها تفيد التاريخ فوائد جمّة ، ولا أحسب أن التاريخ يذكر للعبّاس تلك المواقف.

__________________

(١) سبق في الطليعة صدر الكتاب برهاننا على الإمامة ، واستوفينا ما يجب أن يتصف به الإمام مع البرهان عليه في رسالتنا « الشيعة والإمامة ».

(٢) الأنفال : ٧٢.

٨

وقد سبق أن قلت : إني لم أجد حسب الجهد في التتبّع خطبا لصادق أهل البيت غير ما ذكرنا ، نعم إلاّ أن يكون وقوفه في وجه شيبة بن عفال والي المنصور على المدينة يعدّ من الخطب ، فتكون ثلاثا ، وقد أوردناها في مواقفه مع المنصور وولاته في الجزء الأول.

* * *

٩

٢ ـ عظاته

ما زال إمامناعليه السلام ينشر مواعظه الخالدة بين الناس لتهذيبهم وإرشادهم الى طريق الله تعالى اللاّحب ، وحرصا على سعادتهم في الدارين ، والذي وصل إلينا منها الشيء الكثير الذي يفوت الحصر وهو مبثوث في غضون الكتب التي بين أيدينا.

وقد رأينا أن نورد أهمّ ما وصل إلينا من هذه المواعظ مرتّبا على الأبواب على نحو ما يأتي :

المعرفة :

معرفة الله تعالى أوّل الواجبات ، وأساس الفضائل والأعمال ، بل هي غاية الغايات ، ومنتهى كمال الانسان ، وعلى قدر التفاضل فيها يكون التفاضل بين الناس ، ولأجله جعلناها في طليعة مواعظه ، وكفى من كلامه فيها أن نورد هذه الشذرات الآتية التي يدعو فيه الى المعرفة ، ويحثّ عليها كاشفا عن جليل آثارها وعظيم لذّتها ، فقالعليه السلام :

« لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عزّ وجلّ ما مدّوا أعينهم الى ما متّع الله به الأعداء من زهرة هذه الحياة الدنيا ونعيمها ، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم ، ولنعموا بمعرفة الله عزّ وجل وتلذّذوا به تلذّذ من لم يزل في

١٠

روضات الجنّات مع أولياء الله ، إن معرفة الله عزّ وجل أنس من كلّ وحشة ، وصاحب من كلّ وحدة ، ونور من كلّ ظلمة ، وقوّة من كلّ ضعف ، وشفاء من كلّ سقم ».

ثمّ قالعليه السلام : « قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير ، وتضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عمّا عليه شيء ممّا هم فيه ، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، فاسألوا درجاتهم ، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم »(١) .

إنّهعليه السلام يصف المعرفة كمن ذاقها ، فيحبّذ هذا الطعم الشهي للناس ، ونحن لاسترسالنا في الغفلة لا نعرف ذلك المذاق ، سوى أننا نفقه أن من اتّجه الى معرفة الله تعالى ودنا من حظيرة القدس شبرا بعد عن متاع هذا الوجود ميلا ، وكلّما تجرّد عن زخرف هذا الوجود استزهد ما دون معرفة واجب الوجود.

الخوف والرجاء :

إنّ الله سبحانه جمع بين العظمة والرأفة ، وبين الغضب والرضى ، فعلى سعة رحمته عظيم سخطه ، وعلى جزيل ثوابه كبير عقابه ، ومن كانت رحمته واسعة كان الأمل بشمولها للمجرم قريبا ، ومن كان عقابه شديدا كان الخوف من سخطه أكيدا ، فلا بدّ للمؤمن إذن أن يكون دائما بين الخوف والرجاء ، لأنه لا يدري بأيّة زلّة يؤخذ فيكتب في ديوان المجرمين ، ولا يعلم على أيّة حسنة يثاب

__________________

(١) الكافي : ٨ / ٢٠٧ / ٣٤٧.

١١

فيحسب من المحسنين ، فيجب عليه أبدا أن يحذر الزلّة فيتّقيها ، ويرعى الحسنة فيوافيها ، وتعاليم الصادقعليه السلام الواردة عنه هي من أعظم ما ورد في هذا الباب تشرح حقيقة الخوف والرجاء وكيف يجتمعان وضرورة اجتماعهما في المؤمن وأثر انعدامهما على الانسان ، وما الى ذلك ، فقال في الخوف :

« خف الله كأنك تراه وإن كنت لا تراه فانّه يراك ، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم أنه يراك ثمّ بدرت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك »(١) .

أقول : أمّا الكفر بإنكار رؤيته للناس فلأن معناه إنكار علمه بالموجودات وهو يساوق إنكار خلقه بل إنكار وجوده.

وأمّا أنه يكون أهون الناظرين فواضح لأن المرء إذا أحسّ أن أحدا ذا شأن وبطش وقوّة مشرف على عمله ساخط عليه قادر على الفتك به ، فإنه لا محالة يكفّ عن العصيان خجلا أو حذرا وخوفا ، وإنما يكون التهاون بالناظر والمطّلع إذا كان ممّن لا يتّقى أو يخشى أو كان ممّن يستهان برضاه وغضبه وثوابه وعقابه ، فالمبادر بالمعصية مع علمه بأنه تعالى يراه لا محالة قد جعله أهون الناظرين.

وقالعليه السلام أيضا : من عرف الله خافه ، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا(٢) .

وقالعليه السلام : إن من العبادة شدة الخوف من الله عزّ وجل ، يقول الله عزّ وجل : « إنما يخشى الله من عباده العلماء »(٣) وقال جلّ ثناؤه : « فلا تخشوا الناس واخشون »(٤) وقال تبارك وتعالى : « ومن يتّق الله يجعل له مخرجا »(٥) ، إن

__________________

(١) الكافي ، باب الخوف والرجاء : ٢ / ٦٧ / ٢.

(٢) نفس المصدر : ٢ / ٦٨ / ٤.

(٣) الملائكة : ٢٨.

(٤) المائدة : ٤٤.

(٥) الطلاق : ٢.

١٢

حبّ الشرف والذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب(١) .

وقالعليه السلام في قوله عزّ وجل : « ولمن خاف مقام ربّه جنّتان »(٢) : من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ، ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه ، ونهى النفس عن الهوى.

وقالعليه السلام : المؤمن بين مخافتين ، ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه ، وعمر قد بقى لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلاّ خائفا ولا يصلحه إلاّ الخوف(٣) .

أقول : كذلك صلاح المؤمن يكون بالخوف أبدا ، لأنه إذا خاف اتجه بكلّ جارحة وجانحة لدفع ما يخاف منه ، فينصرف عن العصيان ويقبل على الطاعة.

وقالعليه السلام : من خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء ومن لم يخف الله أخافه من كلّ شيء(٤) .

وقالعليه السلام في الخوف والرجاء معا : ينبغي للمؤمن أن يخاف الله تعالى خوفا كأنه مشرف على النار ، ويرجو رجاء كأنه من أهل الجنّة ـ ثمّ قال ـ : إنّ الله تعالى عند ظنّ عبده إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا(٥) .

أقول : كذلك ينبغي للمؤمن أن يكون بين الخوف والرجاء كما قال تعالى :

« يدعون ربّهم خوفا وطمعا »(٦) لأن الخوف وحده قد يبعث على اليأس والقنوط ،

__________________

(١) الكافي ، باب الخوف والرجاء : ٢ / ٦٩ / ٧.

(٢) الرحمن : ٤٦.

(٣) الكافي : ٢ / ٧١ / ١٢.

(٤) مجالس الشيخ الطوسي ، المجلس / ٤٢ ، والكافي : ٢ / ٦٨ / ٣.

(٥) الكافي : ٢ / ٧٢ / ٣.

(٦) السجدة : ١٦.

١٣

واليأس من رحمة الله مذموم يثبّط العبد عن العمل الصالح ، والرجاء وحده قد يدفع بالعبد على الأمن من مكر الله وهو ضلال وخيبة يقعد بالعبد عن النشاط للعبادة ، وأمّا المراد من أن الله تعالى عند ظنّ عبده فلا يبعد أن يكون أنه في رعاية العبد ومكافاته على حسب ما يظن ، لا أنه يكون كذلك بمجرّد الظن وإن عمل ما لا يرتضيه الله تعالى من السوء وهو يظنّ فيه الخير ، كما سينبّه عليه.

وقالعليه السلام : لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون خائفا راجيا حتّى يكون عاملا لما يخاف ويرجو(١) .

أقول : لأن العمل مظهر الخوف والرجاء فإن لم يعمل كان كاذبا في دعوى الخوف والرجاء ، وعليه الوجدان ، فإن من خاف أحدا على نفسه أو نفيسه اجتهد في الحيطة والحذر ، ومن رجا توسّل بالذرائع التي تقرّبه من المرجو.

وقالعليه السلام : حسن الظنّ بالله ألاّ ترجو إلاّ الله ولا تخاف إلاّ ذنبك(٢) .

أقول : لأن رجاء غير الله لا يكون إلاّ عن شكّه في قدرة الله ورحمته لعباده أو عن توهّم أن غير الله له قدرة مستغنية عنه تعالى وهذا سوء ظنّ بالقادر الرحيم ، وكذلك خوف غير الذنب من نحو الخوف من الموت والانسان والمخلوقات الأخرى فإنه يستلزم الشكّ في قدرة الله ورحمته.

وقيل له : قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقالعليه السلام : هؤلاء يترجّحون(٣) في الأماني ، كذبوا ليسوا

__________________

(١) الكافي ، باب الخوف والرجاء : ٢ / ٧١ / ١١.

(٢) الكافي ، باب حسن الظن بالله : ٢ / ٧٢ / ٤.

(٣) يتذبذبون.

١٤

براجين ، من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شيء هرب منه(١) .

أقول : فإن المرجو لا ينال بغير السعي والطلب إلاّ صدفة ، والمخاف لا يسلم منه بغير الهرب إلاّ صدفة ، وهل يتّكل العاقل الرشيد في أمريه على الصدف.

الورع والتقوى :

إنّ من آثار معرفته تعالى والخوف منه تقواه والورع عن محارمه ، ولذلك حذّر أبو عبد اللهعليه السلام من التورّط في المخالفة ورغّب في الإحاطة بالتقوى ، والورع في الدين.

فيقول مرّة : « اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع » واخرى بعد أن رغّب في الزهد : « عليكم بالورع »(٢) وثالثة : « من أشدّ ما فرض على خلقه ذكر الله كثيرا ، ولا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله اكبر ، وإن كان منه ، ولكن ذكر الله عند ما أحلّ وحرّم ، فإن كان طاعة عمل بها ، وإن كان معصية تركها »(٣) .

أقول : حقّا أنّ موقف الإنسان لشديد أمام الواجب والمحرّم ، بأن يجعل الله نصب عينيه عندهما ، فيعمل ما يجب ، ويرفض ما حرّم ، وان الورع ليعلم في هذه المواقف حين لم يكن القاهر غير النفس والدين.

وسئل مرّة عن تعريف الورع من الناس ليعرفوا بذلك حقيقة الورع فقالعليه السلام : الذي يتورّع عن محارم الله عزّ وجل(٤)

__________________

(١) الكافي ، ٢ / ٦٨ / ٥.

(٢) الكافي ، باب الورع : ٢ / ٧٦ / ٣.

(٣) الكافي ، باب اجتناب المحارم : ٢ / ٨٠ / ٤.

(٤) الكافي ، باب الورع : ٢ / ٧٧ / ٨.

١٥

وسئل عن قوله الله عزّ شأنه : « وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا(١) » فقالعليه السلام : أما والله إن كانت أعمالهم أشدّ بياضا من القباطي(٢) ولكن اذا عرض لهم حرام لم يدعوه(٣) .

وقال المفضّل بن عمر(٤) يوما : أنا ما أضعف عملي ، فقالعليه السلام له : مه استغفر الله ، إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى ، فقال له : كيف يكون كثيرا بلا تقوى؟ قالعليه السلام : نعم مثل الرجل يطعم طعامه ، ويرفق جيرانه ، ويوطىء رحله(٥) فاذا ارتفع له الباب من الحرام دخله(٦) .

وهذا نظير قول النبيص : إن من قال لا إله إلاّ الله غرست له شجرة في الجنّة ، فقال له بعض أصحابه : إذن إن شجرنا في الجنّة لكثير ، فقال رسول اللهص : ولكن لا ترسلوا عليها نارا فتحرقوها.

الزهد :

الزهد : هو الإعراض عن الدنيا بقلبه وجوارحه ، رغبته في الآخرة وفي ما عند الله تعالى ، وهو أحد منازل الدين وأعلى مقامات العارفين.

وحقّا أن العارف بالله لا ينبغي أن يعبأ بالدنيا إن أقبلت عليه أو أدبرت عنه ، لأن الإقبال عليها يشغله عن التماس تلك الرتب ، التي لا يحسّ بحلاوتها إلاّ

__________________

(١) الفرقان : ٢٣.

(٢) الثياب المنسوبة الى قبط مصر.

(٣) الكافي ، باب اجتناب المحارم : ٢ / ٨١ / ٥.

(٤) الجعفي الكوفي ممّن أخذ عن الصادق والكاظم٨ وكان من وكلاء الصادق في الكوفة وسنذكره في ثقات المشاهير من رواته.

(٥) كناية عن استعداده لقبول الأضياف وغشيانهم داره.

(٦) الكافي ، باب الطاعة : ٢ / ٧٦ / ٧.

١٦

من تجرّد عن هذه الشواغل.

ولذلك يقول صادق أهل البيت: : جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.

ويروي هو لنا عن المرشد الاكبر جدّه النبيص قوله : لا يجد الرجل حلاوة الإيمان حتّى لا يبالي من أكل الدنيا.

ثمّ يقول الصادقعليه السلام : حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا.

ويقول مرّة ترغيبا في الزهد : ما أعجب رسول اللهص شيء من الدنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا.

ويقول تارة : إذا أراد الله بعبده خيرا زهّده في الدنيا ، وفقّهه في الدين وبصّره عيوبها ، ومن اوتيهنّ فقد أوتي خير الدنيا والآخرة.

أقول : حقّا أنّ الخير كلّه في هذه الثلاث ، لأن فيها الراحة والطمأنينة والبصيرة ، وهذا هو الخير في هذه العاجلة ، والحظوة بالرتب العليّة في تلك الآجلة كما وعد الله.

ويقول أيضا : لم يطلب أحد الحقّ بباب أفضل من الزهد في الدنيا ، وهو ضدّ لما طلب أعداء الحقّ من الرغبة فيها ، ألا من صبّار كريم ، فإنما هي أيام قلائل.

أقول : إن الذي يحول بين المرء وبين الحقّ هو الحبّ للدنيا والرغبة فيها ، فإن الرغبة في وفرة المال تمنعه عن أداء حقّه ، والحبّ للجاه يحجزه عن القول بالحقّ ، والميل الى الراحة يصدّه عن القيام بالفرض ، فلا يطيق المرء إذن أن يقول الحقّ أو يعمله أو يبلغه إن لم يعرض عن هاتيك الأماني النفسيّة ، نعم إن الإعراض عن هذه الرغائب يحتاج الى صبر وسخاء نفس ، ومن ثمّ ندب الصادق الى هذا الصفح أرباب الصبر والكرم ثمّ أشار الى أن الصبر والكرم لا ينبغي أن

١٧

يكونا عزيزين في الناس اذا انتبهوا الى أن البقاء في الدنيا لا يكون إلاّ أياما قلائل ، لأن الانسان اذا عرف أن الشدّة لا تدوم وطّن نفسه على السخاء والصبر على تلك المكاره.

ثمّ أنهعليه السلام رغّب في الزهد من طريق نفعه العاجل ، وهو أحسن ذريعة للرغبة في الشيء ، لأن المرء يريد أبدا أن يكون لعمله نتيجة عاجلة ، فقال : ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وانطلق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه الله سالما الى دار السّلام(١) .

نعم يجب أن نعرف الزهد وحقيقته ، لئلاّ نخبط في التلبّس به خبط عشواء ، فقد سأله بعض العارفين من أصحابه عن حدّ الزهد في الدنيا ، فقالعليه السلام : فقد حدّه الله في كتابه ، فقال عزّ من قائل : « لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم »(٢) ثمّ قال : إن أعلم الناس أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها(٣) .

أقول : إن تحديده للزهد بما في الآية الكريمة يفهمنا أن الزهد في الدنيا ليس كما يتبادر الى بعض الأفهام من الجشوبة في العيش والخشونة في الملبس ، وإن كانتا من آثاره أحيانا ، وإنّما هو أعلى وأرفع من ذلك.

إن المرء اذا كان معرضا عن الدنيا هانت عليه فلا يحزن بما فات ، ولا يفرح بما هو آت ، ولو كان مقبلا عليها لأحزنه الفائت وأسرّه الآتي ، فأحسن كاشف عن حقيقة الزهد في الدنيا هذا الحزن والفرح.

ولو كان الزهد الصفح عن نعيم هذا الوجود وما فيه من ملذّات كما

__________________

(١) الكافي ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها : ٢ / ١٢٨ / ١.

(٢) الحديد : ٢٣.

(٣) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٣ / ٧.

١٨

تصنع المتصوّفة لما خلق الله هذه الطيّبات منّة على العباد ، أفهل يا ترى يمنّ عليهم بشيء وهو الجواد ويكره أن ينالوا منه البلغة ، فلمن إذن خلق تلك الطيّبات من الرزق « قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرّزق »(١) .

ويكشف لنا عن جليّة الحال بقولهعليه السلام : « فأمّا اذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها ، ومؤمنوها لا منافقوها ، ومسلموها لا كفّارها » وقد قال ذلك عند ما رأوه وعليه ثياب بيض وعابوا عليه تلك البزّة وحسبوها من الرغبة في الدنيا ، وكان شعار آبائه الزهد.

نعم إنّما يراد من العبد ألاّ يكون شغله الطيّبات وهمّه هذه الحياة ، بل أن يكون شغله ما هو أرفع ، وهمّه فيما هو أبقى وأنفع.

إن الله سبحانه قد فرض فرائض ، وحدّد حدودا لم يسأل العباد عمّا وراءها ، ولذلك تجد الصادقعليه السلام يرشدنا الى تلك الحقيقة فيقول : أورع الناس من وقف عند الشبهة ، وأعبد الناس من أقام الفرائض ، وأزهد الناس من ترك الحرام ، وأشدّ الناس اجتهادا من ترك الذنوب(٢) .

الدنيا :

ليست دنيا الانسان إلاّ نفسه وما فيها من غرائز وشهوات وأفكار واعتقادات ، وكلّ شيء ما عدا نفسه فهو خارج عن ذاته أجنبيّ عنه ، بل ليس من دنياه في شيء ، ولا يرتبط به إلاّ بمقدار ما يرتبط في أفكاره وآرائه وإشباع شهواته وتحقيق ما تدفع إليه الغرائز.

فاذا اشبعت شهواته كلّها فقد حاز على كلّ ما في دنياه بحذافيرها وإلاّ فهو

__________________

(١) الأعراف : ٣٠.

(٢) بحار الأنوار : ٧٨ / ١٩٢ / ٥.

١٩

محروم منها بمقدار بقاء بعض شهواته جائعة أو مكبوتة.

غير أن إشباع جميع الشهوات من المستحيل على الانسان في هذه الحياة الدنيا ، ولنضرب مثلا بشهوة حبّ الاستعلاء والسيطرة التي هي أشدّ الشهوات عرامة وقوّة ، فإن الإنسان مهما بلغ من السلطان والاستطالة لا بدّ أن تكون هنا جهات اخرى لم يشملها سلطانه أو تزاحمه عليه وتضايقه أو متمرّدة عليه ، فشهوة السلطان والحال هذه لا تشبع أبدا مهما حاول صاحبها إشباعها ، على أنها كلّما غذيت تقوى وتشتدّ ولا تصل الى حدّ الإشباع ، ومثلها أيضا من هذه الناحية شهوة التملّك والحيازة ، فإن كلّ ما تحقق لصاحبها التملّك من الأموال فإن الأموال ـ بطبيعة الحال ـ لا يحوزها كلّها بل الأكثر يبقى ممتنعا عليه ، وهو يزيد كلّما زادت أمواله شهوة وحرصا على جمعها.

مضافا الى أن إشباع مثل شهوة السيطرة والتملّك لا يتمّ حتّى بعضه إلاّ بالتنازل عن كثير من الشهوات مثل شهوة الراحة والاستقرار والأمن لأن الاحتفاظ بالسيطرة والتملّك أو توسعتهما يستدعي كثيرا من مدافعة المزاحمين ومناهضة المتمرّدين ، وكلّما زادت سيطرته وتملّكه زادت المزاحمة فتزيد محروميّته من اشباع كثير من الشهوات ، وهكذا كلّما زاد الإنسان انغمارا في الشهوات وحرصا على دنياه زادت شهواته عرامة وقوّة وبقيت اكثر شهواته بلا إشباع تلحّ عليه وتؤلمه وتنغّص عليه عيشه وراحته حتّى يموت في سبيل ذلك.

وما أعظم تصوير هذه الناحية في الإنسان في كلمات إمامناعليه السلام إذ يقول : « إنّ مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله »(١) .

__________________

(١) الكافي ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها : ٢ / ١٣٦ / ٢٤.

٢٠

باب

الطواف واستلام الأركان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال طف بالبيت سبعة أشواط وتقول في الطواف : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا ما أحببت من الدعاء وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ » وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير وإني خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي.

باب الطواف واستلام الأركان

الحديث الأول : حسن كالصحيح. يقال : مشى على طلل الماء بالتحريك أي على ظهره ، والجدد محركة الأرض الغليظة المستوية.

قوله عليه‌السلام : « ما أحببت » بيان لكذا وكذا وفي التهذيب لما أحببت.

قوله عليه‌السلام : « ولا تغير جسمي » أي لا تبتلين في الدنيا ببلاء يشوه خلقي أو في الآخرة بذلك في القيامة وفي النار ، وإما تبديل الاسم بأن يكتبه من الأشقياء أو يسمى كافرا بعد ما كان مؤمنا وفاسقا بعد ما كان صالحا.

وقيل : بأن يبتلي ببلاء يشتهر ويلقب به كان يقال فلان الأعمى وفلان الأعرج ، ولا يخفى ما فيه.

٢١

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان قال حدثني أيوب أخو أديم ، عن الشيخ قال قال لي أبي كان أبي عليه‌السلام إذا استقبل الميزاب قال : اللهم أعتق رقبتي من النار وأوسع علي من رزقك الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام دخلت طواف الفريضة فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد وسعيت فكان كذلك فقال ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما أعطيت.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما أقول إذا استقبلت الحجر فقال كبر وصل على محمد وآله قال وسمعته إذا أتى الحجر يقول الله أكبر السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن عاصم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول : اللهم أدخلني الجنة برحمتك وهو ينظر إلى الميزاب وأجرني برحمتك من النار وعافني من السقم وأوسع علي من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لما انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر : يا ذا المن والطول والجود والكرم إن عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني «إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ».

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : حسن.

٢٢

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يستحب أن تقول بين الركن والحجر : اللهم «آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ » وقال إن ملكا موكلا يقول آمين.

٨ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يستلم إلا الركن الأسود واليماني ثم يقبلهما ويضع خده عليهما ورأيت أبي يفعله.

٩ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان فقلت إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استلم هذين ولم يعرض لهذين فلا تعرض لهما إذا لم يعرض لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال جميل ورأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلها.

١٠ ـ أحمد بن محمد ، عن البرقي رفعه ، عن زيد الشحام أبي أسامة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه‌السلام وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبله وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه فقلت جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلتزم

الحديث السابع : صحيح. والمراد بالركن : اليماني.

الحديث الثامن : موثق. ويدل على عدم تأكد استحباب استلام الشامي والمغربي. واختلف الأصحاب في استلام الأركان فذهب الأكثر إلى استحباب استلام الأركان كلها وإن تأكد استحباب استلام العراقي واليماني ، وأسنده العلامة في المنتهى إلى علمائنا ، ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي والمغربي والمعتمد الأول.

الحديث التاسع : صحيح. وقال في المنتهى : الشيخ حمل ما تضمنه صدر هذا الحديث من ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استلام الركنين على عدم تأكد استحباب الاستلام فيهما كما في الآخرين فلا ينافي أصل الاستحباب المستفاد من العجز.

الحديث العاشر : صحيح. وفي بعض النسخ رفعه عن أبي أسامة زيد الشحام

٢٣

اليماني؟ فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه.

١١ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن علي ، عن ربعي ، عن العلاء بن المقعد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله عز وجل وكل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمن على دعائكم.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن العلاء بن المقعد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات والأرضين ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم فلينظر عبد بما يدعو فقلت له ما الهجير فقال كلام من كلام العرب أي ليس له عمل وفي رواية أخرى ليس له عمل غير ذلك.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن

فيكون مرفوعا. ويدل على أن التزام اليماني أكد من التزام ركن الحجر.

الحديث الحادي عشر : موثق :

قوله عليه‌السلام : « هجيرا » لعله كان هجيراه فسقطت الهاء من النساخ أو هجيرة فصحف الهاء بالألف يقال : هذا هجيراه وهجيرة بالكسر ، وتشديد الجيم أي دأبه وديدنه وعادته ، ويحتمل أن يكون فعيلا من الهجرة أي هجر السماوات ولزم الركن وأن يكون ظرفا بمعنى الهاجرة نصف النهار أي يلازم الركن حتى هذا الوقت والأول أظهر :

وقيل : فعيل مبالغة في هجر ككتف وهو الفائق الفاضل على غيره أي ملكا عظيما فائقا فاضلا ولا يخفى بعده كما ستعرف.

الحديث الثاني عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام : « أي ليس له عمل » بيان لحاصل المعنى ويرجع إلى ما ذكرنا ويؤيد الوجه الأول.

الحديث الثالث عشر : حسن وآخره مرسل. ولعل تشبيهه بالباب لأن

٢٤

أبي عبد الله عليه‌السلام قال الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله منذ فتحه.

وفي رواية أخرى بابنا إلى الجنة الذي منه ندخل.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن إبراهيم بن سنان ، عن أبي مريم قال كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام أطوف فكان لا يمر في طواف من طوافه : بالركن اليماني إلا استلمه ثم يقول اللهم تب علي حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبي الفرج السندي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت أطوف معه بالبيت فقال أي هذا أعظم حرمة فقلت جعلت فداك أنت أعلم بهذا مني فأعاد علي فقلت له داخل البيت فقال : الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد مسدود عن غيرهم وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله حجاب.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن في هذا الموضع يعني حين يجوز الركن اليماني ملكا أعطي سماع أهل الأرض فمن صلى على

باستلامه والدعاء عنده يستحقون دخول الجنة.

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

قوله : « تب على » أي ارجع إلى باللطف والتوفيق حتى أتوب ، والتوبة منه تعالى يعدى بعلى ومن العبد بإلى.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث السادس عشر : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « حين » كأنه استعمل بمعنى حيث.

قوله عليه‌السلام : « سماع أهل الأرض » أي قوة سماع كلام أهل الأرض ، والضمير

٢٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين يبلغه أبلغه إياه.

١٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي أو غيره ، عن حماد بن عثمان قال كان بمكة رجل مولى لبني أمية يقال له ابن أبي عوانة له عنادة وكان إذا دخل إلى مكة ـ أبو عبد الله عليه‌السلام أو أحد من أشياخ آل محمد عليهم‌السلام يعبث به وإنه أتى أبا عبد الله عليه‌السلام وهو في الطواف فقال يا أبا عبد الله ما تقول في استلام الحجر فقال استلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له ما أراك استلمته قال أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى قال فقال قد زعمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استلمه قال نعم ولكن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأوه عرفوا له حقه وأنا فلا يعرفون لي حقي.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام أن عليا صلوات الله عليه سئل كيف يستلم الأقطع الحجر قال يستلم الحجر من حيث القطع فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله.

١٩ ـ محمد بن يحيى عمن ذكره ، عن محمد بن جعفر النوفلي ، عن إبراهيم بن عيسى ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طاف بالكعبة حتى إذا بلغ الركن اليماني رفع رأسه إلى الكعبة ثم قال : الحمد لله الذي شرفك وعظمك والحمد لله الذي بعثني نبيا وجعل عليا إماما اللهم أهد له خيار خلقك وجنبه شرار خلقك.

في يبلغه راجع إلى الموضع ، وفي أبلغه إلى الصلاة بتأويل الدعاء والقول.

الحديث السابع عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « وأنا » أي وأما أنا بقرينة الفاء.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور. وعليه الأصحاب.

الحديث التاسع عشر : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « اللهم اهد له » الضمير راجع إلى علي عليه‌السلام ، أو إلى الركن أو البيت والأوسط أظهر.

٢٦

(باب)

(الملتزم والدعاء عنده)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له من أين أستلم الكعبة إذا فرغت من طوافي قال من دبرها.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن استلام الكعبة فقال من دبرها.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار اللهم من قبلك الروح والفرج ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن

باب الملتزم والدعاء عنده

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « إذا فرغت من طوافي » أي في الشوط الأخير على مجاز المشارفة ، والمراد بدبرها المستجار ، ويحتمل الركن اليماني والأول أظهر.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « فائت المتعوذ » اسم مكان سمي الملتزم به لأنه يتعوذ عنده من النار ، وبالمستجار لأنه يطلب عنده الإجارة من العذاب ، والروح الراحة والرحمة.

الحديث الرابع : حسن

٢٧

أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه أميطوا عني حتى أقر لربي بذنوبي في هذا المكان فإن هذا مكان لم يقر عبد لربه بذنوبه ثم استغفر الله إلا غفر الله له.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت وألصق بطنك وخدك بالبيت وقل اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار ثم أقر لربك بما عملت فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله وتقول اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك ثم تستجير بالله من النار وتخير

قوله عليه‌السلام : « أميطوا عني » أي تنحوا عني ، أو نحوا الناس عني فإنه جاء لازما ومتعديا ، والإماطة إما لعدم سماعهم ، أو الفراغ البال والله أعلم بحقيقة الحال.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « بحذاء المستجار » قال السيد صاحب المدارك : يستفاد من هذه الرواية أن موضع الالتزام حذاء المستجار وقد عرفت أنه حذاء الباب فيكون المستجار نفس الباب وكيف كان فموضع الالتزام حذاء الباب والأمر في التسمية هين انتهى.

أقول : يحتمل أن يكون المراد إذا بلغت الموضع الذي يحاذي المستجار من المطاف.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالمستجار الحطيم فإنه أيضا محل الاستجارة والدعاء بتوسع في المحاذاة وسيأتي إطلاق المستجار عليه وصحف بعض الأفاضل بعد حمل المستجار على المعنى الأخير تارة معنى بأن حمل المحاذاة على المشابهة في

٢٨

لنفسك من الدعاء ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود.

(باب)

(فضل الطواف)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن يوسف ، عن زكريا المؤمن ، عن علي بن ميمون الصائغ قال قدم رجل على علي بن الحسين(١) عليهما‌السلام فقال قدمت حاجا فقال نعم فقال أتدري ما للحاج قال لا قال من قدم حاجا وطاف بالبيت وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة وشفعه في سبعين ألف حاجة وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبي يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة وقضى له ستة آلاف حاجة فما عجل منها فبرحمة الله وما أخر منها فشوقا إلى دعائه.

الشرف وأخرى لفظا ومعنى فقرأ بحد المستجار بدال المهملة وإسقاط الألف أي بمنزلته.

باب فضل الطواف

الحديث الأول : ضعيف.

الحديث الثاني : حسن أو موثق. ولعل اختلاف الثواب لاختلاف الطائفتين فيما يرعونه من الشرائط والآداب والنيات مع أنه يحتمل أن يكون الأول محمولا على ما إذا وقع في الحج كما هو الظاهر ، وهذا على غيره والأول أظهر كما يدل عليه الخبر الآتي.

__________________

(١) في المحاسن على أبي الحسن.

٢٩

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى عمن أخبره ، عن العبد الصالح عليه‌السلام قال دخلت عليه وأنا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة فلما رأيته عظم علي كلامه فقلت له ناولني يدك أو رجلك أقبلها فناولني يده فقبلتها فذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدمعت عيناي فلما رآني مطأطئا رأسي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه ويغض بصره ويستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ولا يقطع ذكر الله عز وجل عن لسانه إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم وشفع في سبعين من أهل بيته وقضيت له سبعون ألف حاجة إن شاء فعاجله وإن شاء فآجله.

(باب)

(أن الصلاة والطواف أيهما أفضل)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا ومن أقام ثلاث سنين

الحديث الثالث : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « فذكرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » وفي بعض النسخ قول رسول الله فالمعنى أنه ذكر ما ذكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فضائلهم أو من مظلوميتهم أو من شهادته عليه‌السلام خصوصا كما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل : المراد بقول رسول الله نهيه عن كثرة السؤال وفيه ما ترى.

قوله عليه‌السلام : « إن شاء » أي إن شاء الله تعالى ، ويحتمل العبد على بعد.

باب أن الصلاة والطواف أيهما أفضل

الحديث الأول : حسن كالصحيح. وهذا التفصيل مشهور بين الأصحاب.

٣٠

كانت الصلاة أفضل له من الطواف.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة والصلاة لأهل مكة أفضل.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال طواف قبل الحج أفضل من سبعين طواف بعد الحج.

(باب)

(حد موضع الطواف)

١ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن ياسين الضرير ، عن حريز بن عبد الله ، عن محمد بن مسلم قال سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت قال كان الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوفون بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت

الحديث الثاني : حسن. ويستفاد منه ومما تقدم أن المجاور في السنة الثالثة يصير من أهل مكة.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « قبل الحج » أي بعد الإحلال عن عمرة التمتع وقبل التلبس بحجة ، وفيه ترغيب بالمبادرة إلى الحج وعدم تأخيره إلى ضيق الوقت.

باب حد موضع الطواف

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ما بين المقام » هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عن ابن الجنيد : أنه جوز الطواف خارج المقام عند الضرورة.

قوله عليه‌السلام : « والحد قبل اليوم » أي لم يتغير الحكم بتغيير المقام بل المعتبر

٣١

من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لأنه طاف في غير حد ولا طواف له.

(باب)

(حد المشي في الطواف)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البرقي ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف فقلت أسرع وأكثر أو أبطئ قال مشي بين المشيين.

(باب)

(الرجل يطوف فتعرض له الحاجة أو العلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبان بن تغلب

الموضع الذي فيه المقام اليوم وهذا القدر من البعد ، ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا في أنه هل يحسب المسافة من جهة الحجر من البيت أو منه. والأشهر الثاني ، والأحوط بل الأظهر الأول.

باب حد المشي في الطواف

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « مشي بين المشيين » هذا هو المشهور. وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يستحب في طواف القدوم الرمل في الثلاثة الأول. والمشي في الأربعة الباقية وفي دليله ضعف.

باب الرجل يطوف فتعرض له الحاجة أو العلة

الحديث الأول : حسن. وما تضمن من الفرق بين الفريضة والنافلة في البناء

٣٢

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة فقال إن كان طواف نافلة بنى عليه وإن كان طواف فريضة لم يبن عليه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه قال يخرج فيتوضأ فإن كان جاز النصف بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن فضال ، عن حماد بن عيسى ، عن عمران الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثلاثة

وعدمه هو المشهور بين الأصحاب ، وقيدوا الاستئناف في الفريضة بعدم تجاوز النصف.

قال في الدروس : لو قطعه في أثنائه ولما يطف أربعة أعاد سواء كان لحدث أو خبث ، أو دخول البيت أو صلاة فريضة على الأصح أو نافلة أو لحاجة له أو لغيره أم لا ، أما النافلة فيبني فيها مطلقا ، وجوز الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة وهو نادر ، كما ندر فتوى النافع بذلك ، وإضافته إلى الوتر وإنما يباح القطع لفريضة أو نافلة وخاف فوتها ، أو دخول البيت أو ضرورة أو قضاء حاجة مؤمن ، ثم إذا عاد بين من موضع القطع ، وفي مراسيل ابن أبي عمير إذا قطعه لحاجة أو لغيرة أو لراحة جاز وبنى وإن نقص عن النصف.

الحديث الثاني : حسن وموافق للمشهور.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح. ويدل على وجوب الاستئناف إن كان القطع لدخول البيت قبل مجاوزة النصف. وقال سيد المحققين في المدارك المتجه الاستئناف مطلقا إن كان القطع لدخول البيت وأما القطع لقضاء الحاجة فقد اختلف الروايات فيه ، ويمكن الجمع بحمل روايات البناء على النافلة ، أو تخصيص رواية أبان بن تغلب(١) بالطواف الواجب إذا كان قد طاف منه شوطين خاصة ،

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٤٤٨ ح ٥.

٣٣

أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع فقال يقضي طوافه وقد خالف السنة فليعد طوافه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثم اشتكى أعاد الطواف يعني الفريضة.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على تمام الطواف فقال إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه وإن كان طاف ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فإن هذا مما غلب الله عليه فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما ويومين فإن خلته العلة عاد فطاف أسبوعا وإن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا ويصلي هو ركعتين ويسعى

وبعض الروايات صريحة في جواز قطع طواف الفريضة لقضاء الحاجة والبناء عليه مطلقا ، ولعل الاستئناف في طواف الفريضة مطلقا أحوط ، وأما القطع لصلاة الفريضة فقد صرح في النافع بجوازه بذلك وإن لم يبلغ النصف ، وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك ، وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين بلوغ النصف وعدمه ، فما ذكره الشهيد في الدروس من نسبة هذا القول إلى الندرة عجيب وقد ورد بجواز القطع والبناء في هذه الصورة روايات ، والحق الشيخ والمحقق في النافع ، والعلامة في جملة من كتبه بصلاة الفريضة صلاة الوتر إذا خاف فوت وقتها.

الحديث الرابع : حسن. ويدل ظاهرا على وجوب الاستئناف وإن جاز النصف والمقطوع به في كلام الأصحاب وجوب البناء بعد مجاوزة النصف ولعل الأحوط الإتمام ثم الاستئناف.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ، ويدل على المشهور.

٣٤

عنه وقد خرج من إحرامه وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عزة قال مر بي أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف فقال لي انطلق حتى نعود هاهنا رجلا فقلت له إنما أنا في خمسة أشواط فأتم أسبوعي قال اقطعه واحفظه من حيث تقطع حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه.

٧ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن سكين بن عمار ، عن رجل من أصحابنا يكنى أبا أحمد قال كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في الطواف يده في يدي إذ عرض لي رجل له إلي حاجة فأومأت إليه بيدي فقلت له كما أنت حتى أفرغ من طوافي فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ما هذا قلت أصلحك الله رجل جاءني في حاجة فقال لي مسلم هو قلت نعم فقال لي اذهب معه في حاجته فقلت له أصلحك الله فأقطع الطواف فقال نعم قلت وإن كنت في المفروض قال نعم وإن كنت في المفروض قال وقال أبو عبد الله عليه‌السلام من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة.

الحديث السادس : مجهول ، وموافق للمشهور لمجاوزة النصف.

الحديث السابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « أو يدي في يده » الترديد من أبي أحمد أو من راويه والثاني لا يحتاج إلى تكلف ويمكن توجيه الأول كما لا يخفى ثم إن الخبر يدل على جواز قطع طواف الفريضة والنافلة مطلقا ولا يدل على البناء والاستئناف ،

٣٥

(باب)

(الرجل يطوف فيعيي أو تقام الصلاة أو يدخل عليه وقت الصلاة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن شهاب ، عن هشام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة قال يقطع طوافه ويصلي الفريضة ثم يعود ويتم ما بقي عليه من طوافه.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فيطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع إلى مكانه فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الإسفار قال ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان في طواف الفريضة فأقيمت الصلاة قال يصلي معهم الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن

باب الرجل يطوف فيعيى أو تقام الصلاة أو يدخل عليه وقت صلاة

الحديث الأول : صحيح. وظاهره جواز القطع والبناء للفريضة مطلقا.

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « فيطلع الفجر » لعل المراد به الفجر الأول ، ويدل على ما تقدم من جواز القطع للوتر.

الحديث الثالث : حسن. ويدل أيضا على جواز القطع للفريضة مطلقا.

الحديث الرابع : صحيح. ويدل على جواز الاستراحة في أثناء الطواف

٣٦

رئاب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يعيي في الطواف أله أن يستريح قال نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يستريح في طوافه فقال نعم أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها.

(باب)

(السهو في الطواف)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال فليعد طوافه قلت ففاته قال ما أرى عليه شيئا

والسعي وأنها لا توجب قطع الطواف ، و « الإعياء » الكلال.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

باب السهو في الطواف

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « ما أرى عليه شيئا » لا خلاف بين الأصحاب في أنه لا عبرة بالشك بعد الفراغ من الطواف مطلقا ، والمشهور أنه لو شك في النقصان في أثناء الطواف يعيد طوافه إن كان فرضا ، وذهب المفيد وعلي بن بابويه ، وأبو الصلاح ، وابن الجنيد وبعض المتأخرين إلى أنه يبني على الأقل وهو قوي ولا يبعد حمل أخبار الاستئناف على الاستحباب بقرينة قوله عليه‌السلام « ما أرى عليه شيئا » بأن يحمل على أنه قد أتى بما شك فيه أو على أن حكم الشك غير حكم ترك الطواف رأسا ، وربما يحمل على أنه لا يجب عليه العود بنفسه بل يبعث نائبا ، وعوده بنفسه أفضل

٣٧

والإعادة أحب إلي وأفضل.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة قال يستقبل.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال سألته عمن طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أو سبعة قال يستقبل قلت ففاته ذلك قال ليس عليه شيء.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة.

ولا يخفى بعده.

قال المحقق الأردبيلي « قدس‌سره » لو كانت الإعادة واجبة لكان عليه شيء ولم يسقط بمجرد الخروج وفوته ، فالحمل على الاستحباب حمل جيد.

وقوله عليه‌السلام : « والعبادة(١) أحب إلى » مشعر بذلك ، ويمكن الجمع أيضا بأن يقال : إن كان الشك بعد تيقن التجاوز عن النصف تجب الإعادة وإلا فلا ، ولكن لا يمكن الجمع بين الكل.

ثم إنه على تقدير وجوب الإعادة فالظاهر من الأدلة أن ذلك مع الإمكان وعدم الخروج عن مكة والمشقة في العود لا مطلقا ولا استبعاد في ذلك ، وحمل الأخبار على وقوع الشك بعد ذلك كما فعله في التهذيب بعيد جدا ، انتهى كلامه المتين حشره الله مع أئمة الدين.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « يستقبل » يمكن حمله على استقبال ما شك فيه لكنه بعيد.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح. وهو مثل الحديث الأول.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في الكافي « الإعادة ».

٣٨

عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شك في طواف الفريضة قال يعيد كلما شك قلت جعلت فداك شك في طواف نافلة قال يبني على الأقل.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال يعيد حتى يثبته.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير قال قلت رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية قال يعيد طوافه حتى يحفظ قلت فإنه طاف وهو متطوع ثماني مرات وهو ناس قال فليتمه طوافين ثم يصلي أربع ركعات فأما الفريضة فليعد حتى

قوله عليه‌السلام : « كلما شك فيه »(١) أي في أي وقت شك أو كل شوط شك فيه ، وآخر الخبر يؤيد الأول.

قوله عليه‌السلام : « يبني على الأقل » هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وجوز الشهيد الثاني (ره) البناء على الأكثر وفيه إشكال.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « حتى يثبته » أي يأتي به من غير سهو ، وفي بعض النسخ حتى يتبينه من التبين وهو الظهور فيرجع إلى الأول ، وفي التهذيب حتى يستتمه فعلى ما في التهذيب موافق للمشهور من أنه إذا زاد شوطا سهوا أو أكثر أكمل أسبوعين ، وعلى ما في الكتاب من النسختين يدل على ما نسب إلى الصدوق في المقنع أنه أوجب الإعادة لمطلق الزيادة وإن وقعت سهوا بل يمكن أن يقال : نسخة التهذيب أيضا ظاهرة في ذلك ثم على المشهور الإكمال على الاستحباب ومقتضاه أن الطواف الأول هو الفريضة ، ونقل عن ابن الجنيد ، وعلي بن بابويه : الحكم بكون الفريضة هو الثاني فيكون الإتمام واجبا.

الحديث السادس : مجهول. والخبر الأول موافق للمشهور في الشك ،

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في الكافي « كلّما شكّ ».

٣٩

يتم سبعة أشواط.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في رجل طاف فأوهم فقال طفت أربعة أو طفت ثلاثة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أي الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة قال إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده وليستأنف وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له.

٨ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا والمروة فبينا هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه بالبيت قال يرجع إلى البيت فيتم طوافه ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية قال سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكيف يطوف ستة أشواط قال استقبل الحجر وقال الله أكبر وعقد واحدا فقال

والثاني موافق لما ذهب إليه الصدوق في السهو ويمكن حمله على الاستحباب.

الحديث السابع : موثق. وقد مر الكلام فيه.

الحديث الثامن : موثق. ويدل على البناء في الطواف والسعي وإن لم يتجاوز النصف وهو أحد القولين في المسألة ذهب إليه الشيخ في التهذيب ، والمحقق في النافع ، والعلامة في جملة من كتبه ، والقول الآخر وهو الأشهر بين المتأخرين إنه إن تجاوز النصف في الطواف يبني عليهما وإلا يستأنفهما.

ثم إن ظاهر الخبر أنه لا يعيد ركعتي الطواف مع البناء ، وكلام الأكثر في ذلك مجمل.

الحديث التاسع : حسن.

قوله عليه‌السلام : « استقبل الحجر » أي كان منشأ غلطه أنه حين ابتداء الشوط

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186