تاريخ ابن يونس المصري الجزء ٢

تاريخ ابن يونس المصري6%

تاريخ ابن يونس المصري مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 2364 / تحميل: 219
الحجم الحجم الحجم
تاريخ ابن يونس المصري

تاريخ ابن يونس المصري الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

بسنة. ومات زكرياء قبله بسنتين(١) ، وكان زكرياء أشد بأصحاب الحديث(٢) .

ذكر من اسمه «يونس» :

٦٩٨ ـ يونس بن يزيد الأيلىّ(٣) : يكنى أبا يزيد. كان من موالى بنى أمية(٤) . مات سنة اثنتين وخمسين ومائة(٥) .

__________________

(١) كذا ورد فى (تهذيب التهذيب) ١١ / ٣٦٧. والصواب ما جاء فى (سير النبلاء) ١٠ / ٤٨٦ (مات قبل يوسف بعشرين سنة. وهو أحفظ وأجلّ من أخيه (يوسف بن عدى). ويؤكد تاريخ وفاته ما ورد فى ترجمة (زكريا بن عدىّ) فى (تهذيب التهذيب) ٣ / ٢٨٦ ، والتقريب ١ / ٢٦١ ، فورد فيهما أنه توفى ببغداد سنة ٢١١ ، أو ٢١٢ ه‍.

(٢) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٦٧. وأضاف قائلا : روى عن عبيد الله بن عمرو الرقى ، ومالك ، ورشدين بن سعد ، والهيثم بن عدى ، وأبى بكر بن عياش. روى عنه البخارى ، وابنه (محمد) ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الرازيان. ثقة ، ذهب إلى مصر تاجرا ، فمات بها.

(٣) فى نسبه زيادة : (ابن أبى النّجاد. ويقال : ابن النجاد ، مولى معاوية بن أبى سفيان (تاريخ الإسلام ٩ / ٦٧٤ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٩٥).

(٤) السابق ١١ / ٣٩٧ (قال ابن يونس).

(٥) تاريخ الإسلام ٩ / ٦٧٤ (قال أبو سعيد بن يونس). وفى (تهذيب التهذيب) ١١ / ٣٩٧ : قال القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر : زعموا أنه توفى بصعيد مصر سنة ١٥٩ ه‍. وأضاف الذهبى فى (تاريخ الإسلام) ٩ / ٦٧٤ : أنه روى عن عكرمة ، والقاسم ، وسالم ، ونافع ، والزهرى. روى عنه الليث ، وابن وهب ، وابن أخيه (عنبسة بن خالد الأيلى). وهو أفضل من روى عن الزهرى ، وكان الأخير ينزل عليه ب (أيلة) ، ثم يزامله إلى المدينة. ثقة.

٢٦١

باب الكنى

حرف الطاء :

٦٩٩ ـ أبو طعمة(١) الأموى : هو هلال مولى عمر بن عبد العزيز. يكنى أبا طعمة. كان يقرئ القرآن بمصر(٢) .

حرف العين :

٧٠٠ ـ أبو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن كثير بن الصّلت : هو مدينى ، قدم مصر ، وحدّث بها ، وخرج إلى الإسكندرية ، فحدّث بها أيضا. وكانت وفاته سنة اثنتين وستين ومائتين. يروى عن إسماعيل بن أبى أويس(٣) .

٧٠١ ـ أبو عروة المراوحىّ : بصرىّ ، قدم مصر قديما. روى عنه المفضل بن فضالة. وكان أول من عمل المراوح بمصر(٤) .

حرف الفاء :

٧٠٢ ـ أبو الفضل الزّبادىّ : أندلسى. والزّباد : ولد كعب بن حجر بن الأسود بن الكلاع. توفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. حدّث هو وأخوه عبد الرحمن(٥) .

__________________

(١) بضم أوله ، وسكون المهملة (التقريب) ٢ / ٤٤٠.

(٢) تهذيب الكمال ٣٣ / ٤٣٧ (قال أبو سعيد بن يونس) ، وتهذيب التهذيب ١٢ / ١٥٣ (قال ابن يونس) ، وطبقات القراء لابن الجزرى ٢ / ٣٥٦ (ذكره ابن يونس فى تاريخه). وأضاف ابن حجر فى (تهذيب التهذيب) ١٢ / ١٥٣ : أنه شامى ، سكن مصر. روى عن مولاه ، وعبد الله ابن عمر. روى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وابن لهيعة ، وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر. ثقة ، ولم يصح رمى مكحول له بالكذب. ويحتمل أنه طعن من فوقه فى الرواية (من روى عنه مكحول). (السابق ، والتقريب ٢ / ٤٤٠).

(٣) الأنساب ٥ / ٣٥ (قال أبو سعيد بن يونس).

(٤) السابق ٥ / ٢٥٠ (قال أبو سعيد بن يونس فى آخر كتاب الغرباء). والأدق : ورد قرب نهاية كتاب الغرباء).

(٥) السابق ٣ / ١٢٧ (ذكره أبو سعيد بن يونس).

٢٦٢

حرف الميم :

٧٠٣ ـ أبو المهاجر الرّيّىّ(١) الأندلسى العامل : ذكره الخشنى فى كتابه ، وقال : كان على أحسن طريقة ، وأجمل مذهب(٢) .

* * *

تم ـ بحمد الله تعالى ـ تجميع ما تيسر لى من بقايا كتاب : «تاريخ الغرباء» للمؤرخ المصرى ابن يونس الصدفى.

__________________

(١) نسبة إلى (ريّة) من بلاد الأندلس.

(٢) السابق ٣ / ١١٨ (هكذا قاله أبو سعيد بن يونس).

٢٦٣
٢٦٤

التعريف بالمؤرخ

«ابن يونس»

ودراسة كتابيه

٢٦٥
٢٦٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

التعريف بالمؤرخ ابن يونس ، وأسرته ، ودراسة كتابيه

(٢٨١ ـ ٣٤٧ ه‍)

تقديم :

ها نحن أولاء ندلف إلى دراسة المؤرخ المصرى (ابن يونس) ، وهو من المهتمين بالكتابة فى مجال «التراجم» ، ويمكن تحديد نقاط البحث فيه ، فيما يلى :

أولا ـ التعريف العام بأسرته :

١ ـ جده. ٢ ـ والده. ٣ ـ إخوته.

ثانيا ـ التعريف بالمؤرخ (ابن يونس).

ثالثا ـ دراسة كتابيه : «تاريخ المصريين ، وتاريخ الغرباء».

أولا ـ التعريف العام بأسرة «ابن يونس» :

١ ـ جده(١) :

هو أبو موسى ، يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيّان

__________________

(١) يمكن مراجعة ترجمة (يونس بن عبد الأعلى) فى المصادر ، والمراجع التالية ، مرتبة ترتيبا زمنيا : (الجرح والتعديل ، لابن أبى حاتم : مجلد ٤ ، قسم ٢ ص ٢٤٣ ، ومروج الذهب للمسعودى ٢ / ٥٧٧ ، وتاريخ المصريين لابن يونس (ترجمة ١٤١٧) ، وكتاب القضاة للكندى ص ٤٥٤ ـ ٤٥٦ ، والثقات لابن حبان ٩ / ٢٩٠ ، وطبقات فقهاء الشافعية للعبادى ص ١٨ ـ ١٩ ، والانتقاء لابن عبد البر ص ١١١ ـ ١١٢ ، وطبقات الفقهاء للشيرازى (ط. إحسان عباس) ص ٩٩ ، وترتيب المدارك مجلد ٢ ص ٧٨ ـ ٨٠ ، والأنساب ٣ / ٥٢٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووى : ج ٢ من القسم الأول ص ١٦٨ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٤ ، وتهذيب الكمال ٣٢ / ٥١٣ ـ ٥١٦ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٤٨ ـ ٣٥١ ، ومعرفة القراء الكبار للذهبى ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث العربى) : ج ٢ من مجلد ١ ص ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، ومرآة الجنان ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى ٢ / ١٧٠ ـ ١٨٠ ، وطبقات

٢٦٧

الصّدفىّ(١) المصرى. وأمه : فليحة بنت أبان بن زياد بن نافع التّجيبى ، مولى بنى الأوّاب من تجيب(٢) .

وعلى ذكر والدة جد مؤرخنا «ابن يونس» ، فإن بعض المصادر لم تضن علينا ببعض مادة ، ألقت بها الأضواء على شخصية والد جد مؤرخنا «أى : جده الثانى» ، وهو «أبو سلمة ، عبد الأعلى بن موسى» ، الذي يعد من أهل مصر ، وكان رجلا صالحا. والظاهر أنه كان يمتلك فضل عقل وحكمة ـ ورثها ابنه يونس عنه من بعد ، كما سنرى ـ إذ أثر عنه قوله لابنه : «يا بنىّ ، من اشترى ما لا يحتاج إليه ، باع ما يحتاج إليه». قال ابنه يونس معقّبا : والأمر ـ عندى ـ كما قال. ولد عبد الأعلى سنة إحدى وعشرين ومائة ، وتوفى سنة إحدى ومائتين «فى شهر المحرم»(٣) .

__________________

الشافعية للإسنوى ١ / ٣٣ ـ ٣٤ ، والبداية والنهاية ١١ / ٤٠ ، وطبقات القراء ، لابن الجزرى ٢ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، والكواكب السيارة ١٠٤ ـ ١٠٥ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، والتقريب ٢ / ٣٨٥ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ (من الأئمة المجتهدين) ، ٤٨٦ (من أئمة القراءات) ، وخلاصة الخزرجى ٣ / ١٩٣ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩ ، والتاج المكلل ص ١٥٥ ، والأعلام للزركلى ٨ / ٢٦١).

(١) هذه النسبة إلى (الصّدف) بكسر الدال ، وهى قبيلة من حمير نزلت مصر ، وتنسب إلى (الصدف بن سهل بن عمرو). (الأنساب ٣ / ٥٢٨). وذكر ابن خلكان : أنها بكسر الدال ، وفتحها (نقلا عن السّهيلىّ). وفتحوا الدال فى النسب مع كسرها فى غير النسب ؛ كى لا يوالوا بين كسرتين قبل ياءين. وقد وردت بعض تعليلات لتسمية الصدف بهذا ، فقيل : لأنه صدف بوجهه عن قومه ، جهة حضرموت ، لما عزموا على ردم سيل العرم. وقيل : سمى (الصّدف بن سهيل ـ لا سهل ـ بن عمرو) بذلك ؛ لأنه قتل رسول أحد ملوك غسّان إليه ، ثم فرّ ، فكلما سئل عنه حىّ من أحياء العرب ، قالوا صدف عنّا. ثم لحق بكندة ، فنزل بهم. وأكثر الصدف بمصر ، وبلاد المغرب. (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤). وهكذا ، فإن أسرة مؤرخنا ابن يونس من اليمن أصلا ، وإن كنا لا ندرى من أى القبائل تحديدا ؛ لأن ابن يونس ذكر أنهم ليسوا من أنفس (الصدف) ، ولا من مواليهم (تاريخ المصريين : ترجمة ١٤١٧). فلعلهم ألحقوا بهم إلحاقا فى (ديوان مصر).

(٢) ذكر ابن يونس أمّ جده (فليحة) فى كتابه : (تاريخ المصريين) حوالى ثلاث مرات فى تراجم أرقام : (٥١٣) ، و (١٤١٧) ، و (١٤٥٩) ، وذلك عند الترجمة لجدها (زياد بن نافع التجيبى) ، وفى ترجمة ابنها (يونس بن عبد الأعلى) ، وأخيرا فى ترجمتها فى (باب النساء).

(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣.

٢٦٨

علومه ، ومعارفه :

عاش «يونس بن عبد الأعلى» عمرا طويلا ، امتد ما بين مولده فى «ذى الحجة» سنة سبعين ومائة (١٧٠ ه‍) ، حتى وفاته ـ غداة الاثنين ـ ليومين مضيا ـ أو بقيا ـ من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين (٢٦٤ ه‍)(١) . وهو عمر مديد ـ كما نرى ـ يقارب أربعة وتسعين (٩٤) عاما(٢) ، يمكن تلخيصه فى الأفكار الآتية :

أولا ـ فى مجال القراءات ، والتفسير :

تلقى يونس بن عبد الأعلى القرآن الكريم على يد القارئ المشهور «ورش ، ولد ١١٠ ـ ت ١٩٧ ه‍)(٣) ، الذي كان أجلّ تلاميذ القارئ «نافع المدنى ت ١٦٩ ه‍)(٤) . ويبدو أن يونس صار إماما فى القراءات ، إذ ضمّ ـ إلى ذلك ـ قراءة حمزة(٥) . ويكفى أن نذكر أن الإمام الطبرى (٢٢٤ ـ ٣١٠ ه‍) ، الذي وفد إلى مصر ، أواسط القرن الثالث الهجرى(٦) ، قد تلقى على يونس بن عبد الأعلى القراءة ، فسمع منه حرف نافع ،

__________________

(١) تاريخ المصريين ، لابن يونس (ترجمة رقم ١٤١٧) ، والثقات ٩ / ٢٩٠ (مات هو والمزنى سنة ٢٦٤ ه‍) ، وطبقات الفقهاء للشيرازى ص ٩٩ (شرحه) ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨ (ولم يحدد يوم الوفاة) ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٤٨ ، ٣٥١ (توفى فى اليوم الثانى من ربيع الآخر) ، وحسن المحاضرة ٢ / ٣٠٩. ويلاحظ أن تاريخ ميلاده حرّف إلى سنة ١٠٧ ه‍ فى (معرفة القراء الكبار) ١ / ١٥٦.

(٢) سير النبلاء ١٢ / ٣٥١. وقد سلكت بعض المصادر مسالك شتى فى تقدير عمر يونس ، فذكر المسعودى أنه بلغ ٩٢ سنة (المروج) ٢ / ٥٧٧. واقترب ابن العماد من الصواب ، فجعل عمره (٩٣ سنة) ـ (شذرات الذهب) ٢ / ١٤٩. وأخيرا ، فقد ابتعد ابن حجر عن الصواب ، لمّا ذكر أن يونس عاش ٩٦ سنة (التقريب) ٢ / ٣٨٥.

(٣) راجع تعريفى به فى كتابى : (الحياة الثقافية) ج ١ ص ٨١ ـ ٨٢.

(٤) راجع تعريفى به فى (المرجع السابق) ١ / ٧٨.

(٥) صرح بجمعه قراءة حمزة ابن عبد البر فى (الانتقاء) ص ١١٢. وورد أن الطبرى أخذ القراءة على يونس ، عن علىّ بن كيسة ، عن سليم بن عيسى ، عن حمزة (معجم الأدباء ١٨ / ٦٦ ـ ٦٧) ، والقرآن وعلومه فى مصر ص ٢٤٨). وحمزة المذكور هو ابن حبيب الزيات الكوفى (ولد ٨٠ ه‍ ، وتوفى سنة ١٥٨ ه‍). تلقيت قراءته بالقبول ، (تهذيب التهذيب) ٣ / ٢٤ ـ ٢٥. وحول إمامة يونس فى القراءات ، وتصدره للإقراء ، راجع : (سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩).

(٦) وردت روايتان فى (معجم الأدباء) لياقوت : إحداهما : تفيد أنه سار إلى الفسطاط سنة ٢٥٣ ه‍ (ج ١٨ / ٥٢). والثانية : تذكر أنه ورد إلى مصر سنة ٢٥٦ ه‍ (ج ١٨ / ٥٥).

٢٦٩

برواية ورش عنه. ويبدو أن الطبرى حذق هذه القراءة ، فصار الناس يقصدونه ؛ ليعلمهم إياها بعد عوده إلى بغداد(١) .

وبالنسبة للتفسير ، فقد كان ل «يونس بن عبد الأعلى» أثر كبير فى الاحتفاظ بقدر عظيم من تفسير «ابن وهب» ؛ إذ كان يونس كثير الرواية عنه. ولما قدم الطبرى إلى مصر ، روى تفسير ابن وهب ، عن يونس ، فضمن له البقاء ، وحفظه من الضياع والاندثار ؛ إذ ضمّنه الطبرى مرويات تفسيره الكبير(٢) .

ثانيا ـ فى مجال الحديث :

١ ـ اهتم «يونس بن عبد الأعلى» برواية حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبلغ فى ذلك المدى. ومن أساتيذه الذين روى عنهم : عبد الله بن وهب «وهو من أروى الناس عنه»(٣) ، وشعيب بن الليث(٤) ، وأنس بن عياض الليثى(٥) ، وسفيان بن عيينة ، والوليد

__________________

(١) طبقات القراء ، لابن الجزرى ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٨ ، ورسالتى للماجستير ج ٢ ص ١٠.

(٢) دكتوراه (مدارس مصر الفقهية) للدكتور نبيل غنايم ص ٧٦ ، ورسالتى للماجستير ج ٢ ص ١٣ (هامش ١ وبه نماذج عديدة لمرويات تفسيرية رواها الطبرى فى تفسيره عن يونس عن ابن وهب).

(٣) الانتقاء ، لابن عبد البر ص ٤٩.

(٤) قال ابن أبى حاتم فى (الجرح والتعديل) ، مجلد ٢ ق ١ ص ٣٥١ : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن شعيب بن الليث. ومن ثم ، فإنى أعتقد عدم صحة ما ورد فى (الكواكب السيارة) لابن الزيات ص ١٠٥ ، عندما زعم أن يونس كان وكيل الليث (أى : على ضياعه) ، وكان يجلس فى حلقة الليث إذا غاب. وكذلك لا يصح فيه ما ورد عن شعيب ، أنه روى عن أبيه الليث قوله : وددت لو قاسمنى يونس على شطر مالى ، ولكن يمنعه ورعه. كل ذلك لا يجوز ؛ لأن يونس كان ابن خمس سنوات عند وفاة الليث ، فعلاقته أحرى أن تكون مع ابنه شعيب (ت ١٩٩ ه‍) ، لا مع الليث نفسه. وقد رأى ذلك ـ أيضا ، من قبل ـ محمود محمود حسن فى رسالته للماجستير عن (الحياة العلمية فى مصر من قيام الطولونيين إلى سقوط الإخشيديين) ص ١١١. وبناء على ما تقدم يجب تأويل ما ورد فى (سير النبلاء) ١٠ / ٢٣ ، من أن يونس قال للشافعى : صاحبنا الليث يقول : لو رأيت ذا هوى يمشى على الماء ، لرفضته. قال الشافعى : قصّر. لو مشى فى الهواء ، ما قبلته. فتعبير (صاحبنا الليث) لا يعنى رواية يونس عن الليث ، لكنه يقصد شيخنا وعالم مصرنا ، ممن سمعنا مروياته عن ابنه مثلا.

(٥) هو أبو ضمرة المدنى. ولد سنة ١٠٤ ه‍ ، وتوفى سنة ٢٠٠ ه‍. وقد أثنى عليه يونس ، فقال : ما رأيت أحدا أحسن خلقا من أبى ضمرة ، ولا أسمح بعلمه منه. قال لنا : «لو تهيأ لى أن أحدّثكم بكل ما عندى فى مجلس ، لفعلت». (تهذيب الكمال ٣ / ٣٥٢ ، وتاريخ الإسلام ١٣ / ١١٣).

٢٧٠

ابن مسلم ، والشافعى ، وأشهب ، ويحيى بن حسان التنيسى ، وغيرهم كثيرون(١) . ولم يكن يستنكف أن يروى عمن هو دونه سنا وعلما ، ما وجد لديه جديدا(٢) .

٢ ـ بلغ يونس بن عبد الأعلى منزلة سامية بين نقّاد الحديث النبوى الشريف ، فأثنوا على علمه وعمله ، ووصفوه بالورع والصلاح والعبادة(٣) . قال عنه يحيى بن حسان : يونسكم هذا من أركان الإسلام(٤) . وكان أبو محمد «عبد الرحمن بن أبى حاتم» يحكى أن أباه «أبا حاتم الرازى» كان يوثّق يونس ، ويرفع من شأنه(٥) . وليس هذا فقط ، فقد وثقه النسائى(٦) ، وابن حبّان(٧) ، وعدّه غيره من جلّة المصريين(٨) .

٣ ـ ويغلب على الظن أن المحدّث «يونس بن عبد الأعلى» لم يكن يعتمد على حفظ الحديث وفهمه ، والقيام به فحسب(٩) ، وإنما كانت له مدوّنات ، بها الأحاديث التى يرويها ، أو تروى له ؛ بدليل أن حفيده المؤرخ ابن يونس كان عنده كتاب جده ، فنظر فيه ، فرأى به سماع أحد أقران يونس من ابن وهب(١٠) . وهذه إشارة مهمة إلى البيئة

__________________

(١) راجع : (سير النبلاء) ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.

(٢) وخير مثال على ذلك : روايته عن (أبى حاتم الرازى تلميذه المتوفى سنة ٢٧٧ ه‍ ، وهو أكبر منه). (سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، والبداية والنهاية ١١ / ٦٣).

(٣) توالى التأسيس ، لابن حجر ص ٤١ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩.

(٤) سير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩.

(٥) الجرح والتعديل مجلد ٤ / ق ٢ ص ٢٤٣ ، وتوالى التأسيس ٤١.

(٦) تهذيب الأسماء واللغات ، للنووى ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١.

(٧) الثقات ٩ / ٢٩٠. هذا ، وقد أنكر البعض حديثا رواه يونس عن الشافعى ، ووصف بالغرابة ، وهو حديث : «لا يزداد الأمر إلا شدة ولا مهدىّ إلا عيسى ابن مريم» وردّ ابن حجر على ذلك ، وصوّب الحديث ، وذلك فى (توالى التأسيس) ص ٤١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨.

(٨) الانتقاء : ١١٢.

(٩) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، والتاج المكلل ١٥٥.

(١٠) تاريخ المصريين لابن يونس (ترجمة رقم ٥٣٣) ، وهى ترجمة (سعد بن مالك التجيبى) ، وورد بها أن عم المترجم له ، واسمه (خلاوة بن عبد الله) كان قرين يونس فى الطلب ، يكتب معه الحديث ، وهو الذي رأى مؤرخنا ابن يونس سماعه من ابن وهب فى كتاب جده (يونس ابن عبد الأعلى).

٢٧١

الحديثية ، التى نشأ بها ابن يونس المؤرخ ، وكان لها انعكاسها على ثقافته ، وكتابته التاريخية ، كما سنرى بعد.

٤ ـ شجعت المكانة العلمية المتميزة ل «يونس بن عبد الأعلى» طلاب العلم على التتلمذ على يديه ، فممن روى عنه من المصريين : ابنه «أحمد بن يونس»(١) ، وأبو جعفر الطّحاوى(٢) ، وأبو بكر محمد بن سفيان بن سعيد المصرى المؤذن(٣) ، ومحمد بن إدريس الأسود «جار يونس»(٤) ، وعبد الله بن محمد بن الحجاج الدّهشورىّ(٥) . وهناك بعض طلاب العلم الأندلسيين ، الذين قدموا إلى مصر ؛ للتلقى على يونس ، مثل : أسلم بن عبد العزيز القاضى(٦) ت ٣١٩ ه‍ ، وعبد الله بن محمد الأعرج الشّذونى (ت حوالى ٣١٠ ه‍)(٧) ، وإبراهيم بن عجنّس(٨) الوشقىّ(٩) ، (ت ٢٧٥ ه‍) ومحمد بن أسلم اللّاردىّ (ت ٢٩٥ ه‍)(١٠) ، وبقىّ بن مخلد القرطبى (ت ٢٧٦ ه‍)(١١) ، ومحمد بن غالب القرطبى (المعروف بابن الصفّار المتوفى سنة ٢٩٥ ه‍)(١٢) . وأحيانا ، كان السماع من يونس صعبا ـ ربما لازدحام حلقة علمه بالطلاب ـ مما يضطر

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.

(٢) سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.

(٣) سير النبلاء ١٢ / ٣٤٩.

(٤) تاريخ المصريين (ترجمة رقم ١١٦٧) ، لابن يونس.

(٥) توفى سنة ٣٢٢ ه‍ ، وهو أحد المنتسبين إلى قرية (دهشور) قبلى الجيزة من مصر. (ضبطها السمعانى بالحروف ، وبالشكل فكسر (الدال). (الأنساب ٢ / ٥١٦). وضبطت بفتح الدال فى (معجم البلدان) ج ٢ ص ٥٥٩.

(٦) هو أسلم بن عبد العزيز بن هاشم (لا هشام ، كما حرّفت فى تاريخ الإسلام). وهو قاضى الجماعة بالأندلس فى عهد الناصر. (ذكر الحميدى ترجمته ، وحدّد وفاته سنة ٣١٠ ه‍). (راجع الجذوة) ١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨. وذكر الذهبى فى (تاريخه) ٢٣ / ٥٨٠ : أنه رحل إلى مصر سنة ٢٦٠ ه‍ ، ولقى بها علماءها ، مثل : يونس بن عبد الأعلى ، وغيره. وجعل وفاته سنة ٣١٩ ه‍.

(٧) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٨) حرفت إلى (عجيس) فى (معجم البلدان) ٥ / ٤٣٤.

(٩) المصدر السابق. وفيه ذكر ياقوت : أنه له رحلة ، سمع فيها بمصر من يونس بن عبد الأعلى.

(١٠) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ٢ / ٢٢.

(١١) تهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.

(١٢) تاريخ ابن الفرضى (ط. الخانجى) ٢ / ٢٢ ـ ٢٣.

٢٧٢

معه بعض التلاميذ للرواية عن غيره ، والاكتفاء بنسخ ومقابلة بعض كتب الحديث ، التى يرويها(١) . لم يكن تلاميذ يونس من خارج مصر قادمين من بلاد الأندلس فحسب ، وإنما وفد غيرهم ؛ للتلقى عليه من الأقاليم الإسلامية الأخرى. ومن هؤلاء : أبو زرعة الرازىّ (ت ٢٦٤ ه‍) ، وأبو حاتم الرازى (ت ٢٧٧ ه‍)(٢) وأبو بكر بن زياد النيسابورى ، وأبو بكر ابن خزيمة ، وأبو عوانة الإسفرايينى ، ومسلم ، والنسائى ، وابن ماجه(٣) .

وهكذا ، شغل علم الحديث عالمنا «يونس بن عبد الأعلى» ، ومثّل جانبا مهما من جوانب ثقافته ، وبلغت مروياته منه كثرة وغزارة ، بحيث اتسعت مروياته ، واتصفت بالوثاقة ، حتى تزاحم عليه طلاب العلم من داخل مصر وخارجها ، يروون عنه حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . ويلاحظ أنه لم يؤثر عن يونس الارتحال عن بلده مصر(٤) ، لكنه عوّض ذلك ـ فيما يبدو ـ بالنقل عن علماء بلده وأعلامها ، وأخذ وأعطى للمرتحلين وللوافدين عليها من الأقاليم الإسلامية الأخرى ، وظل مرتبطا ببلده ، مقيما بأرضها ، حتى ضم

__________________

(١) ورد أن (سعيد بن عثمان الأعناقى ، وسعد بن معاذ ، ومحمد بن فطيس) أتوا إلى مصر ؛ للسماع من يونس ، فوجدوا أمره صعبا ، فقرأوا على (أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) ، وهو محدث معاصر ليونس ، وابن أخى (عبد الله بن وهب) ، قرأوا عليه (موطأ عمه ، وجامعه) ، مقابل دنانير أعطوها إياه. (سير النبلاء ١٢ / ٣٢٢). ثم لما خفّ الطلب على يونس ، انتهزوا الفرصة ، وطلبوا إليه أن يعطيهم كتبه عن ابن وهب ، فقابلوها على ما لديهم من كتب (ابن أخى ابن وهب) ، ثم سألوا يونس : كيف يؤدون روايتها؟ فخيّرهم بين (حدثنا) ، و (أخبرنا).

(تاريخ ابن الفرضى ، ط. الخانجى) ١ / ٣١٤.

(٢) لقى أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أبا حاتم الرازى ، وتعجب كيف قدم مصر ، وأقام بها منذ شهر ، ولم يأخذ عن يونس. استجاب أبو حاتم لحث أبى الطاهر ، فأقام سبعة أشهر يكتب عنه. (الجرح والتعديل : مجلد ٤ ، ق ٢ ص ٢٤٣). هذا ، وقد كان يونس يعرف لأبى حاتم ، وأبى زرعة الرازيين قدرهما وعلمهما ، فقال عنهما : هما إماما خراسان ، ودعا لهما ، وقال : بقاؤهما صلاح للمسلمين (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٣٠ ، وسير النبلاء ١٣ / ٢٥١).

(٣) المصدر السابق ١٢ / ٣٤٩ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٧.

(٤) ولعله مما يستأنس به على عدم ارتحاله خارج مصر ، خلو المصادر المترجمة له من ذكر ذلك ، وتصريحه للشافعى أنه لم يزر بغداد ، وقد كانت موئل طلاب العلم آنذاك (سأله الشافعى قائلا : يا أبا موسى ، دخلت بغداد؟ قال : لا. قال : ما رأيت الدنيا ، ولا رأيت الناس (وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ ، والفضائل الباهرة ص ١٨٩).

٢٧٣

ثراها الطيب جسده الطاهر(١) .

وسوف نلحظ عند دراسة حفيده «ابن يونس» ما مثّله علم «الحديث» من جانب كبير من مكونات ثقافته ، التى انطبع بها مؤلّفاه ، كما سنرى تأثر ذلك الحفيد بجده فى تفضيله المكث بأرض مصر ، وعدم الارتحال إلى خارجها.

ثالثا ـ الفقه :

١ ـ يبدو أن «يونس بن عبد الأعلى» كان على صلة وثيقة بالمذهب المالكى ـ قبل قدوم الشافعى إلى مصر سنة ١٩٩ ه‍ ـ بدليل صلاته الوثيقة ب «عبد الله بن وهب» المتوفى سنة ١٩٧ ه‍ ، الذي كان من أخص تلاميذ الإمام مالك بن أنس «رضى الله عنه». وقد روى عنه يونس بعض الروايات ، عن الإمام مالك(٢) .

٢ ـ بعد قدوم الإمام الشافعى إلى مصر تبع يونس مذهبه ، حتى عدّ أحد أصحابه ، والمكثرين فى الرواية عنه ، والملازمة له(٣) . وجعله الإمام النووى أحد رواة النصوص الجديدة عنه(٤) «أى : مذهبه الجديد الذي ألّفه فى مصر». هذا ، وقد توطدت الصلات وتعمقت بينهما(٥) ، ووقف الشافعى على عقل وفكر يونس ، حتى قال : لم أر أعقل منه(٦) بمصر.

__________________

(١) ارتبط يونس ببلده مصر ، فنقل ابن خلكان عن القضاعى فى (خطط مصر) أن ليونس حبسا فى الديوان ، وله عقب بمصر ، ودار مشهورة فى خطة (الصدف) ، مكتوب عليها اسمه ، وتاريخها سنة ٢١٥ ه‍. (وفيات الأعيان) ٧ / ٢٥٠. وفى (المصدر السابق) ٧ / ٢٥٣ : ذكر ابن خلكان : أن وفاة يونس كانت بمصر ، ودفن بمقابر الصدف ، وقبره مشهور بالقرافة.

(٢) راجع بعض هذه الروايات فى (الانتقاء) لابن عبد البر ص ٣٣ ، ٣٧.

(٣) السابق : ص ١١١ (أخذ عن الشافعى كثيرا) ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٤٩ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٠٩ (تفقه بالشافعى) ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩ (شرحه).

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ من ق ١ ص ١٦٨.

(٥) توجد شواهد عديدة لعمق الصلات والروابط بين يونس والشافعى (توجيه الشافعى له إلى تعلّم الفقه (الانتقاء ص ٨٤) ، واستثناسه بوجوده فى مناظراته (السابق ٧٨) ، ودخوله عليه فى مرضه الشديد ، وطلب الشافعى إليه أن يقرأ عليه آيات ما بعد العشرين والمائة من آل عمران ، ولمّا همّ يونس بالقيام ، قال له : لا تغفل عنى ، فإنى مكروب. وعلّق يونس قائلا : إنما قصد بالآيات ما لقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه (مناقب الشافعى للبيهقى ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣).

(٦) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٠ ، وسير النبلاء ١٢ / ٣٥٠ ، وطبقات السبكى ٢ / ١٧١ ، وتهذيب التهذيب ١١ / ٣٨٨ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٤٩.

٢٧٤

وجدير بالذكر أن يونس استفاد من مصاحبة الشافعى ، فلم يكن مقلدا ، وإنما كان يناقشه ويناظره ، ويختلف معه أحيانا ولا يتفق. لقد تناظرا فى مسألة يوما ، فافترقا ، ثم لقيه الشافعى ، وأخذه بيده ، وقال له : أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا ، وإن لم نتفق فى مسألة؟(١) .

٣ ـ وأخيرا ، فقد خلّف لنا يونس ثروة فقهية طيبة ، إذ نقل لنا جانبا من مناظرات الشافعى مع الفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى»(٢) ، بالإضافة إلى ما احتفظ لنا به السبكى من مسائل فقهية كثيرة ، نقلها يونس بن عبد الأعلى عن أستاذه الإمام الشافعى «رضى الله عنه»(٣) . وإلى جانب ما تقدم ، فإنه يبدو أن يونس امتدت صلاته إلى بعض فقهاء إفريقية لدى مجيئهم إلى مصر ، ولعله تناقش معهم ، وعرف ما ل «سحنون المالكى ت ٢٤٠ ه‍) من قدر فى العلم عظيم(٤) . وإذا كنا قد رأينا إشارة ما إلى وجود بعض مدونات حديثية ليونس ، فإننا لم نقف على أية إشارة تفيد تركه أى مصنّف فقهى. وعلى كل ، فلعل ليونس صلات عديدة بعلماء إفريقية ، وغيرها من بلاد المغرب والأندلس لدى نزولهم مصر ، فربما عمرت هذه اللقاءات بمناظرات ومناقشات فقهية.ولعل هذا هو الذي لفت نظر الحفيد المؤرخ «ابن يونس» ، فيما بعد ، لكتابة تراجم هؤلاء العلماء وغيرهم فى كتابه «تاريخ الغرباء».

رابعا ـ اللغة والأدب :

ولا أعنى بذلك أن يونس كان ذا إسهام فى عالم اللغة والأدب ، لكنى أرجح أنه اكتسب من مصاحبة الشافعى فصاحة وبلاغة(٥) . ومن هنا ، فقد نقل لنا عن أستاذه

__________________

(١) سير النبلاء ١٠ / ١٦. وعلّق الذهبى قائلا : هذا يدل على كمال عقل الشافعى ، وفقه نفسه ، فلا يزال النظراء يختلفون.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٣) طبقات السبكى ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٧.

(٤) قال عنه : هو سيد أهل المغرب. فردّ حمديس القطّان : أو لم يكن سيد أهل المشرق والمغرب؟! فأكثر يونس من الثناء عليه. (معالم الإيمان ٢ / ٨٢).

(٥) كان يونس أحد المواظبين على حضور حلقات الشافعى العلمية ، وقد كانت جلساته متعددة ، وعلومه كثيرة ومتنوعة. ونتوقع أن يقتبس منه قدرا لا بأس به من فصاحته وبلاغته. لقد عبّر يونس عن بيان الشافعى الساحر بقوله : كانت ألفاظه كأنها سكر (مختصر تاريخ دمشق) ٢١ / ٣٩١. ويمكن مراجعة مجالس الشافعى اليومية ، وبرنامجه اليومى للتدريس والمناظرة فى

٢٧٥

الشافعى بعض الحكم النثرية ، والأشعار الحكميّة الطيبة. ومن ذلك قوله : قال لى الشافعى «رضى الله عنه» : «يا أبا موسى ، رضا الناس غاية لا تدرك. ما أقوله لك إلا نصحا ، ليس إلى السلامة من الناس سبيل ، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ، ودع الناس وما هم فيه»(١) .

ومما رواه يونس من شعر الشافعى قوله :

ما حكّ جلدك مثل ظفرك

فتولّ أنت جميع أمرك

وإذا قصدت لحاجة

فاقصد لمعترف بقدرك(٢)

وأعتقد أن الرجل الذي صحب هذا الإمام العظيم ، الذي يعد آية من آيات البيان الرائع ، والأداء اللغوى الجميل ، ولازمه فى مجالس علمه ، وحضر مناقشاته فى اللغة ، والنحو ، والشعر ، وغير ذلك ، لابد أن يكتسب منه قدرا لا بأس به من بيانه الساحر ، وبلاغته الراقية.ومن هنا ، فأنا أرجح أن تكون هناك بعض مدونات ، سجّلها يونس ، تنطق بالفصاحة والبلاغة. ولعل حفيده المؤرخ «ابن يونس» طالعها ـ فيما بعد ـ وأضاف إليها إضافات ، أسهمت فى تشكيل سماته الأسلوبية ، كما سنرى فى دراسة كتابيه.

خامسا ، وأخيرا ـ وما ذا عن التاريخ؟

لقد طوّفت ـ فيما مضى ـ بمناحى ثقافة «يونس بن عبد الأعلى» ، وعرضتها بإيجاز وتركيز ، محاولا الربط بين الجد والحفيد «ابن يونس المؤرخ» ، على اعتبار أن له تأثيرا كبيرا فى مؤرخنا. والشيء الذي ينبغى أن نلتفت إليه هو موقف «يونس» من التاريخ ، وهل كانت له اهتمامات برواية أحداثه ، تقارب ـ مثلا ـ اهتماماته بالقراءات ، والحديث ، والفقه؟ إننا يمكن تركيز الإجابة عن ذلك فى النقاط الآتية :

بالنظر فى عدد من مرويات «يونس بن عبد الأعلى» ذات الصبغة التاريخية ، فإنه يمكن تقسيمها على النحو الآتى :

__________________

القرآن ، والحديث ، والفقه ، والعربية فى (معجم الأدباء ١٧ / ٣٠٠ ، ٣٠٤). وقد صدرت كلمات بليغات ـ لعلها شعر محفوظ ـ على لسان يونس ، نطق بها لمّا بلغه موت أحد أعدائه ، فقال : (حبذا موت الأعداء بين يديك وأنت تنظر). (القضاة) للكندى ص ٤٧١.

(١) معجم الأدباء ١٧ / ٣٠٤ ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٢ (باختصار).

(٢) السابق ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٢١ / ٤٠٧.

٢٧٦

١ ـ فى تاريخ الأنبياء قبل الإسلام :

توجد روايات ثلاث ، رواها عن ابن وهب ، تتعلق بقصص أنبياء الله : داود(١) ، ويونس(٢) ، والذّبيح إسماعيل(٣) .

٢ ـ فى أحداث السيرة النبوية :

وردت ـ فى ذلك الصدد ـ عدة روايات ، رواها يونس بن عبد الأعلى ، عن أستاذه ابن وهب ، وهى تتصل ب «موقف السيدة خديجة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى الوحى أول مرة(٤) ، وحالهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اتصل به الوحى ، ففرّ منه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزلت آيات سورة المدثّر(٥) ، والأنصار فى بيعة العقبة الثانية(٦) ، وأول خطبة خطبها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة(٧) ، وتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة»(٨) .

٣ ـ فى تاريخ الراشدين :

من الروايات التى تنسب إلى يونس فى هذا الشأن : «رواية تتعلق باسم أبى بكر : عتيق(٩) ، وحوار طويل دار بين أبى بكر ، وعبد الرحمن بن عوف على فراش أبى بكر فى مرضه ، الذي مات فيه ، بثّ من خلاله شجونه ومخاوفه على المسلمين(١٠) ، وجزء من خطبة لعمر بن الخطاب ، تبرز عظم تحمله مسئولية الخلافة ، وخشيته من الله(١١) ، ورواية تفيد شدة علىّ وصرامته فى الحفاظ على مال المسلمين»(١٢) .

__________________

(١) تاريخ الطبرى ١ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

(٢) المصدر السابق ٢ / ١٦.

(٣) السابق ١ / ٢٦٨.

(٤) السابق ٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(٥) السابق ٢ / ٣٠٦.

(٦) البداية والنهاية ٣ / ١٦٠.

(٧) تاريخ الطبرى ٢ / ٣٩٤ ـ ٣٩٦ ، والبداية والنهاية ٣ / ٢١١ ـ ٢١٢.

(٨) تاريخ الطبرى ٢ / ٤١٧.

(٩) السابق ٣ / ٤٢٥.

(١٠) السابق ٣ / ٤٢٩ ـ ٤٣١.

(١١) السابق ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(١٢) السابق ٥ / ١٥٦.

٢٧٧

٤ ـ فى تاريخ القضاة بمصر :

توجد العديد من النصوص التاريخية ، التى تنسب إلى «يونس بن عبد الأعلى» ، وتتعلق بأخبار القضاء والقضاة بمصر. من ذلك : «ما ذكره عن تظاهر أستاذه ابن وهب بالجنون أخريات حياته سنة ١٩٧ ه‍ ؛ كى يفر من تولى منصب القضاء بمصر(١) ، وكذلك انصراف «على بن معبد الرّقىّ ، نزيل مصر» من عند المأمون سنة ٢١٧ ه‍ ، بعد أن رفض ما عرضه عليه من قضاء مصر»(٢) . هذا فيما يتصل ببعض من عرض عليهم قضاة مصر ، فأبوا المنصب. وهناك مزيد من النصوص المتعلقة بعدد من قضاة مصر ، منها : «ظروف وملابسات عزل القاضى إسماعيل بن اليسع الكندى الحنفى سنة ١٦٧ ه‍(٣) ، وما ورد عن خلافات القاضى محمد بن مسروق الكندى (١٧٧ ـ ١٨٤ ه‍) مع أهل مصر وذمهم إياه ؛ لتعاليه عليهم(٤) ، وما ذكر عن إدخاله النصارى ـ لأول مرة ـ المسجد ؛ لفض خصوماتهم(٥) . وهكذا ، عرضت ـ فى إيجاز ـ لثقافة ومعارف «يونس بن عبد الأعلى» جد «المؤرخ المصرى ابن يونس الصدفىّ». ولم يكن ذلك على سبيل الاستطراد ، وإنما كان ذلك العرض ؛ لأجل تلمس الصلات بين الجد والحفيد ، ومدى تأثر مؤرخنا بهذا العالم الثقة الثبت. وقد اتضح لنا من خلال ما مضى ما يلى :

أ ـ أن يونس كان ملما بثقافات وعلوم العصر الذي عاش فيه ، وإن غلبت عليه صفتا «المحدّث الفقيه». وسيكون لثقافته الحديثية تأثير فى مؤرخنا «ابن يونس».

ب ـ أن التاريخ كان يشكل أحد ملامح ثقافته ، وأنه كان على معرفة وإلمام بتاريخ الإسلام والأنبياء بعامة ، وبتاريخ القضاء فى مصر خاصة(٦) . ولعل مرد ذلك يرجع إلى

__________________

(١) سير النبلاء ١٤ / ٤٢٤.

(٢) القضاة للكندى ص ٤٤٢ ، وسير النبلاء ١٠ / ٦٣١ ـ ٦٣٢.

(٣) القضاة للكندى ص ٣٧٢.

(٤) السابق ٣٩٠.

(٥) السابق ٣٩٣.

(٦) هذا هو القدر الموضوعى الذي نستطيع نسبته إلى يونس فى ضوء ما لدينا من مادة. وقد وصفه ابن خلكان بأنه «علّامة فى الأخبار ، والصحيح والسقيم ، ولم يشاركه فى زمانه أحد». (وفيات الأعيان) ٧ / ٢٤٩. وهذه مبالغة من ابن خلكان. وأعتقد أن يونس شاركه فى علمه بل فاقه بعض معاصريه. وأسماء الفقهاء فى عصره كثيرة ، منهم : (البويطى ت ٢٣١ ه‍) ، وكان شيخ

٢٧٨

كونه أحد الشهود بمصر فترة ستين عاما(١) ، إضافة إلى ثقافته الفقهية ، التى استمدها من الإمام الشافعى ، والتى جعلت له مكانة متميزة لدى قضاة مصر ، وإن كان تداخله مع رجال السلطة والحكم قد عرّضه للظلم والاضطهاد فى فترة من فترات حياته(٢) ، لكنه خرج من هذه المحنة سليما معافى ، مبرّأ الساحة ، ضاربا أروع الأمثلة فى العفو عمن ظلمه ، والإحسان إلى من أساء إليه(٣) .

ح ـ أعتقد أن عمل «يونس» فى مجال القضاء ، قد أطلعه على كثير من المعلومات التاريخية ، التى يتوقع أن يكون احتفظ بقدر منها مدوّن لديه(٤) ، إضافة إلى بعض

__________________

حلقة الشافعى من بعده ، والمزنى الفقيه العظيم (ت ٢٦٤ ه‍) ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الفقيه المالكى الشافعى فى آن (ت ٢٦٨ ه‍) ، والربيع المرادى تلميذ الشافعى وملازمه (ت ٢٧٠ ه‍). وأعتقد أن تعبير الزركلى عن علم يونس ، يمكن قبوله ووصفه بالاعتدال ، إذ قال : (عالم بالأخبار ، والحديث). (الأعلام) للزركلى ٨ / ٢٦١.

(١) وفيات الأعيان ٧ / ٢٥٠.

(٢) نقصد بذلك ما تعرض له يونس من ظلم واضطهاد فى إحدى القضايا المعروفة (وخلاصتها : أن أحمد بن أبى أمية دفع بأمواله البالغة ثلاثة وثلاثين ألف دينار إلى عدد من الأوصياء على ابنته (وكان منهم : يونس بن عبد الأعلى) ، فأدوا الأموال إلى يونس إلا واحدا ، كانت عليه ديون ، سددها مما لديه من أموال الوصية. ثم جاء القاضى ابن أبى الليث ، وطالب يونس بالأموال كلها ، وحكم عليه بالسجن بعد أن شهد عليه البعض زورا بتبديد جانب من أموال الوصية (وكان حبسه من سنة ٢٢٨ ـ ٢٣٥ ه‍). (القضاة) للكندى ص ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، والمدارك ٢ / ٨٠ ـ ٨١.

(٣) ويتضح ذلك من موقف يونس من القاضى (ابن أبى الليث) ، فقد سجنه (قوصرة) ، لما قدم إلى مصر لمحاسبته ، فقيل له : أخرج يونس من محبسه ، فسوف يشهد عليه ، فلما أخرج قوصرة يونس ، قال الأخير : «ما علمت إلا خيرا». وذكر أن الشهود الزور هم الذين ظلموه. ولما أطلق القاضى ابن أبى الليث ـ بعد ذلك ـ للحكم فى قضية أموال الجروىّ ، حكم ليونس بالبراءة (القضاة : ٤٥٥ ، والمدارك ٢ / ٨١). من أجل ذلك ، عرف القاضى ابن أبى الليث فضله عليه ، فلما أخرج من مصر إلى العراق ، قابله القاضى الجديد لمصر (بكار بن قتيبة سنة ٢٤٦ ه‍) ، وسأله أن يشير عليه بمن يستشيره فى مصر ، فكان يونس أحد من أشار به عليه ، وعلّل ذلك بقوله : لقد قدر علىّ ، فحقن دمى بعد أن كنت سعيت فى دمه. (رفع الإصر ، نشر : جست ص ٥٠٦ ، والطبقات السنية ٢ / ٢٤٤).

(٤) نقل عنه ابن يونس قدرا من المادة فى ترجمة القاضى المصرى إبراهيم بن الجراح ، الذي ولى سنة ٢٠٤ ه‍ حتى ٢١١ ه‍ ، وتوفى سنة ٢١٥ ه‍). (راجع : تاريخ الغرباء) لابن يونس ، ترجمة (رقم ٧ ، وهوامشها).

٢٧٩

الوثائق(١) ، التى لابد أن حفيده المؤرخ قد طالعها ، واستفاد منها ، باعتبارها من الموارد المهمة ، التى استعان بها فى كتابة مؤلّفيه التاريخيين.

٢ ـ أعمامه ، ووالده ، وإخوته :

لم تقف المصادر المتاحة ـ بقدر كاف ـ عند ذكر أبناء المحدّث والفقيه الشافعى «يونس ابن عبد الأعلى». ويبدو أن شهرة الأب العريضة غطّت على أبنائه ، أو أن هؤلاء الأبناء لم يحظوا بالعلوم الغزيرة المتنوعة ، ولا المكانة الاجتماعية المتميزة ، ولا المشاركة الإيجابية فى حركة المجتمع ، فتضاءلت إمكانات ظهورهم ، وبزوغ نجمهم ، فلم يلفتوا أنظار المؤلّفين المترجمين ، ولم يجدوا فى أخبارهم ما يدفعهم للكتابة عنهم ، والاهتمام بهم ، كما اهتموا بالوالد «يونس ، عليه رحمة الله».

من خلال المعلومات اليسيرة ، التى وقفت عليها ، تبيّن لى أن ل «يونس» عددا من الأبناء هم :

١ ـ موسى : ولعله الابن الأكبر ، وبه كان يكنى. ولا ندرى عنه شيئا بعد هذا.

٢ ـ محمد : ولا أدرى عنه سوى أنه توفى مستهل شهر رجب سنة خمسين ومائتين(٢) .

٣ ـ عبد الأعلى : ويكنى أبا سلمة. ويبدو أنه كان مهتما بالحديث. كتب عن سعيد بن أبى مريم ، وأبى صالح الحرّانىّ ، وعبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد. ولد سنة ٢٠٤ ه‍ ، وتوفى فى صفر سنة ٢٤٩ ه‍(٣) .

٤ ـ أحمد : وهو ـ فى الغالب ـ أصغر أبناء يونس ، وهو والد المؤرخ «عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس». هذا ، وقد عرّف به ابنه المؤرخ المصرى ، فقال(٤) : أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا الحسن. كان عديدا للصّدف ،

__________________

(١) راجع إحدى تلك الوثائق التى طالعها ابن يونس ضمن كتب جده يونس ، واحتفظ بها حتى وقت تأليفه كتاب (تاريخ الغرباء). (راجعها فى ذلك الكتاب المذكور ، ترجمة رقم ٣٦٠).

(٢) المقفى ٧ / ٥٢١.

(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩.

(٤) سقطت هذه الترجمة المهمة لوالد مؤرخنا (ابن يونس) سهوا من كتاب (تاريخ المصريين) لابن يونس المؤرخ ، وحقّها أن تذكر به برقم (٦٣ أ).

٢٨٠

وليس من أنفس الصّدف ، ولا من مواليهم. حدّث عن أبيه ، وعيسى بن مثرود ، وابن مجدّر(١) ، وغيرهم. ولد فى ذى القعدة سنة أربعين ومائتين ، وتوفى يوم الجمعة ـ أول يوم من رجب ـ سنة اثنتين وثلاثمائة(٢) .

ويمكن تلخيص معلوماتنا عن والد مؤرخنا «أحمد بن يونس» فيما يلى :

١ ـ أنه كان من المشتغلين بالعلم ، المهتمين برواية الحديث النبوى الشريف ، فكان يغشاه العلماء المحدّثون فى داره ؛ لمذاكرة العلم(٣) . وكان يروى الحديث عن العلماء الغرباء الذين يفدون إلى مصر(٤) . وكان يتوجه بنفسه إلى أقاصى مصر «بالصعيد» ؛ لكتابة ورواية الحديث عن العلماء هناك ، ولعله كان يدعوهم إلى زيارته بالفسطاط ـ بعد ذلك ـ لاستكمال تدارس الحديث ، وروايته(٥) .

٢ ـ مات «أحمد بن يونس» سنة ٣٠٢ ه‍ ، وكان مؤرخنا ابن واحد وعشرين ربيعا «ولد ٢٨١ ه‍». وأعتقد أنها سن كافية ـ فى ذلك الزمان ـ لاكتساب قدر طيب من العلم ، خاصة أن مؤرخنا كان يعيش فى بيئة علمية «الجد ، والأب ، والأعمام ، وكذلك

__________________

(١) كذا ضبط بالشكل فى (تاريخ بغداد) ٣ / ٣٥٧ ، وبالشكل والحروف فى (الأنساب) ٥ / ٢٠١ ، وقال السمعانى : تقال لمن كان به الجدرىّ ، فذهب وبقى الأثر. أما ابن ماكولا ، فضبط الدال بالكسر مع التشديد (الإكمال ٧ / ٢١٠). ولعل المذكور هو أبو بكر محمد بن هارون بن حميد البغدادى. يروى عن محمد بن حميد ـ لا جبير ، كما وردت محرفة فى «الأنساب» ـ الرازى ، وأبى مصعب الزهرى ، وغيرهما. روى عنه أبو الفضل عبد الله بن عبد الرحمن الزهرى ، وأبو عمر بن حيّويه ، وغيرهما. توفى يوم الأربعاء سلخ ربيع الآخر سنة ٣١٢ ه‍. وكان ثقة فى الحديث ، لكنه كان منحرفا عن علىّ (رضى الله عنه). (تاريخ بغداد ٣ / ٣٥٧ ، والإكمال ٧ / ٢١٠ (باختصار) ، والأنساب ٥ / ٢٠١ (باختصار).

(٢) الأنساب ٣ / ٥٢٩ (ولم ينسب إلى ابن يونس ، والمادة له) ، ووفيات الأعيان ٧ / ٢٥٣ (ذكره ابنه أبو سعيد عبد الرحمن فى تاريخه).

(٣) راجع (تاريخ المصريين) لابن يونس (ترجمة ٢ ، ١٠٢٧).

(٤) مثل : روايته عن يزيد بن سنان البصرى ، نزيل مصر (تهذيب الكمال) ٣٢ / ١٥٣ (روى عنه أحمد بن يونس بن عبد الأعلى ، والد أبى سعيد بن يونس).

(٥) كما هو الحال مع المحدّث (العباس بن محمد بن يحيى الصعيدى) ، الذي أتى ـ بعد ذلك ـ إلى الفسطاط ، ومات بها سنة ٣٠٠ ه‍ (فى جمادى الآخرة لست خلون منه يوم السبت) ، فى اليوم الذي توفى فيه (محمد بن عيسى بن شيبة). (راجع تاريخ المصريين ، ترجمة ٧٠٧).

٢٨١

الإخوة كما سنرى». ومن هنا فقد كان يحضر مجالس العلم التى كانت تعقد فى دار أبيه(١) ، وكان يصطحبه معه والده فى رحلاته لطلب الحديث(٢) .

٣ ـ لعب الوالد «أحمد بن يونس» دورا مهما فى نقل علم والده يونس إلى «مؤرخنا الحفيد المستنير». ومن هنا ، فإن المطالع لبقايا «تاريخ المصريين» ، و «تاريخ الغرباء» للمؤرخ ابن يونس يلحظ وجود عدد من الروايات يحدّث فيها ابن يونس ، عن أبيه ، عن جده(٣) ، وغالبا يحدّث جده عن أستاذه «ابن وهب»(٤) . وفى أحيان قليلة يحدث ابن يونس ، عن أبيه فقط(٥) . أما موضوع هذه المرويات ، فيدور حول تراجم المحدّثين ، وتواريخ وفياتهم(٦) ، وأخبارهم فى طلب العلم(٧) ، وأنباء صلاحهم وتقواهم(٨) . وتجدر الإشارة ـ أيضا ـ إلى أن عددا غير قليل منها كان يتضمن فتاوى فقهية(٩) ، وترجمة لأحد الصحابة(١٠) ، وأخرى لأحد القضاة فى مصر(١١) . وهذا يدلل على أن ثقافة الأب تشمل «الحديث ، والفقه ، والتاريخ» ، وأنه أفاد ابنه «المؤرخ ابن يونس» إفادة طيبة فى كتابة مؤلّفيه التاريخيين ، وأنه كان امتدادا لأبيه «يونس» فى الصلاح والتقى وحب العلم ، ورواية أخبار الصالحين ؛ مما سينعكس بدوره على «مؤرخنا ابن يونس» فى شخصيته ، وثقافته ،

__________________

(١) قال ابن يونس عن (أحمد بن إبراهيم بن بيلبرد) المحدّث : أنا أعرفه ، كان يغشى والدى. (تاريخ المصريين : ترجمة رقم ٢). وراجع ـ كذلك ـ ترجمة (عمرو بن عبد الله بن عبد الوهاب) فى (المصدر نفسه رقم ١٠٢٧).

(٢) قال ابن يونس عن (العباس بن محمد بن يحيى الصعيدى) : سمعت منه مع والدى. كتبنا عنه بالصعيد ، وأملى عليه من حفظه حديثا واحدا. (السابق : ترجمة ٧٠٧).

(٣) راجع (تاريخ المصريين) : تراجم أرقام (٢٨١ ، ٣٤٠ ، ٦٤٩ ، ٧٨٥ ، ٨٢٦ ، ١٤٥٢). وفى (تاريخ الغرباء) : ترجمة (١٢٨).

(٤) كما هو الحال فى (التراجم السابقة). وأحيانا يقف السند عند جده ، كما فى (تاريخ المصريين) ترجمة (٨٢٦ ، ١١٢٣). وفى (تاريخ الغرباء) ترجمة (٩٦).

(٥) دون ذكر جده (كما فى تاريخ المصريين) ترجمة (٤٧٣ ، ١٣٧٩). وفى (تاريخ الغرباء) ترجمة (٤٦١).

(٦) تاريخ المصريين : (ترجمة ٨٢٦ ، ١٣٧٩).

(٧) السابق : ترجمة (٦٤٩ ، ٧٨٥).

(٨) السابق : (ترجمة ١٠٢٧ ، ١١٢٣).

(٩) السابق : (تراجم : ٢٨١ ، ٣٤٠ ، ٤٧٣).

(١٠) السابق : ترجمة ١٤٥٢.

(١١) تاريخ الغرباء : ترجمة رقم (٩٦).

٢٨٢

وتصنيفه من بعد.

٤ ـ من الملاحظ أن «أحمد بن يونس» حذا حذو والده «يونس» فى عدم الرحلة خارج مصر(١) ، والاكتفاء فى طلب العلم بالتلقى على العلماء داخلها «سواء كانوا مصريين ، أم غرباء». وأعتقد أن ابن يونس المؤرخ قد نهج النهج نفسه. وإذا كنا قد رجحنا وجود بعض مدونات ، كتبها يونس لعدد من مروياته الحديثية ، انتقلت ـ من بعد ـ إلى ابنه «أحمد» ، وحفيده المؤرخ «عبد الرحمن» ؛ فإننا لا نجد أية إشارة إلى شىء من ذلك ، قام به «الوالد أحمد بن يونس».

وأخيرا ، فإننا نعتقد أننا لا زلنا فى حاجة ماسّة لمزيد من المادة العلمية ، التى تكشف لنا أكثر وأكثر عن معالم شخصية «أحمد بن يونس والد مؤرخنا». والحق أن شهرة الجد «يونس بن عبد الأعلى» ـ من قبل ـ وشهرة الحفيد «مؤرخنا ابن يونس» ـ من بعد ـ قد حجبت الأضواء عن أحمد بن يونس الوالد» ، لدرجة أن المصادر الناقلة عن «مؤرخنا ابن يونس» كثيرا ما تتجاهل ذلك الوالد ، وتنسب مؤرخنا إلى جده الأشهر(٢) .

إخوته : من خلال المادة القليلة التى بين أيدينا ، يمكن القول : إننا نعرف من أولاد «أحمد بن يونس» الأشخاص الآتية أسماؤهم :

١ ـ الحسن : ولعله الابن الأكبر ، الذي به يكنى «أحمد بن يونس». ولا أعرف عنه شيئا.

٢ ـ يونس بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا سهل. سمع من عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبى مريم ، والنسائى. حدث عنه أخوه عبد الرحمن بن

__________________

(١) لقد عاش على أرض مصر ، وبها توفى ، وقبر فى مقبرة الصدفيين مع (أبيه يونس) فى أول مقابر بنى (الصدف). (الكواكب السيارة) ص ٨٣. ولا يصح ما ذكره ابن الزيات ـ بعد ذلك ـ من أنه حدّث عن الليث ، وكان وكيله ، إلى آخر ما سبق أن قاله عن (يونس) ، وخطأناه.

(٢) تتنوع أساليب المصادر فى التعبير عن ذلك كالآتى : أحيانا تقول : (ذكره حفيد يونس) ، كما فى (الألقاب ٢٣ ، ٣٩ ، والاستيعاب ١ / ١٧٧ ، ١٨٩). وأحيانا تقول : (وذكره أبو سعيد حفيد يونس) ، كما ورد فى (الألقاب ٤٣ ، ٤٩ ، وتاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ج ١ / ٢١٨). وأحيانا ينسب إلى جده الثانى (رغم عدم اشتهاره) ، مثل : (حكى عن أبى سعيد بن عبد الأعلى) ، كما جاء فى (مخطوط معرفة الصحابة لأبى نعيم) ، و (ذكره ابن عبد الأعلى) ، كما فى (رياض النفوس ، ط. مؤنس ١ / ٨٦ ، ٩٣ ، وط. بيروت ١ / ١٣٦ ، ١٤٦).

٢٨٣

أحمد بن يونس المؤرخ(١) . وكان من أفضل أهل زمانه «يعنى : فى العبادة». توفى ليلة الثلاثاء لعشر خلون من صفر سنة ٣٣١ ه‍(٢) .

٣ ـ عبد الأعلى بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى : يكنى أبا سلمة ، وهو فقيه حنفى صاحب «الطحاوى». سمع ، وسمع منه(٣) ، وحدثونا عنه(٤) . ولد غداة الثلاثاء ، لثمانى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ٢٧٤ ه‍(٥) . وتوفى عن ثلاث وسبعين سنة بمصر «سنة ٣٤٧ ه‍»(٦) .

٤ ـ عبد الرحمن «مؤرخنا المصرى» : ولعله أصغر إخوته ، وهو أشهرهم فى مجالى : «الحديث ، والتاريخ» ، كما سنرى فى ترجمته فى الصفحات الآتية.

__________________

(١) تاريخ المصريين (ترجمة ١٤١٦). وفى تاريخ الإسلام ٢٥ / ٦٥ ، أضاف الذهبى إلى تلاميذه :

(عبد الملك بن حبّان).

(٢) تاريخ المصريين (ترجمة ١٤١٦) ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٦٥ (ذكره فى تراجم وفيات سنة ٣٣١ ه‍).

(٣) الأنساب ٣ / ٥٢٩.

(٤) مخطوط (تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان ق ٢٤٦.

(٥) الأنساب ٣ / ٥٢٩.

(٦) تاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٧٨.

٢٨٤

ثانيا ـ التعريف بالمؤرخ المصرى «ابن يونس الصدفى»(١)

يعد مؤرخنا «أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفى» من كبار مؤرخى القرن الرابع الهجرى «العاشر الميلادى». وقد استعرضنا ـ منذ قليل ـ البيئة العلمية ، التى نشأ فى رحابها ، وأشرنا إشارات سريعة إلى أن لجده تأثيرا ملحوظا فيه ، كما أن لأبيه دورا فى تثقيفه ، وعلّلنا ضعف شهرة والده بالقياس إلى جده. والآن ، نحاول تخصيص الحديث عن مؤرخنا فى النقاط الآتية :

١ ـ ابن يونس وتحصيل العلم :

لمسنا ـ فى حديثنا الماضى عن جده ، ووالده ـ حب ابن يونس للعلم ، ومطالعته مرويات جده الحديثية ، واستفادته مما لديه من وثائق تاريخية. وكذلك رأينا مصاحبته أباه فى رحلة علمية داخلية إلى (الصعيد) ؛ لكتابة الحديث النبوى الشريف على أحد أعلامه هناك. وأودّ التنويه ـ هنا ـ إلى أبرز معالم حياته العلمية على النحو الآتى :

أ ـ أن مؤرخنا ابن يونس ـ علاوة على الجو العلمى الذي نشأ فيه ـ كان يلقى حثا وتشجيعا كبيرا على طلب العلم. ولعل والده ـرحمه‌الله ـ كان يدفعه إلى ذلك دفعا منذ طفولته المبكرة ؛ كى يكون امتدادا طيبا له. ومن هنا كان يقص على مسامعه بعض

__________________

(١) يمكن مطالعة ترجمة مؤرخنا فى المصادر والمراجع الآتية : (مخطوط تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان ق ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ومخطوط تاريخ القضاعى ق ١٣١ ، والأنساب ٣ / ٥٣٠ ، وإنباه الرواه ٢ / ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث العربى) ، مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ ، والعبر للذهبى ٢ / ٧٧ ، ومخطوط عيون التواريخ للكتبى (مصور عن الظاهرية) ق ١٠٢ ، وفوات الوفيات ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩ ، ومرآة الجنان ٢ / ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨ ، ومخطوط عقد الجمان (رقم ٣٣٤ تاريخ) ١٠ / ق ٣٣ ـ ٣٤ ، والنجوم ٣ / ٣٦٥ ، وحسن المحاضرة ١ / ٣٥١ ، ٥٥٣ ، والتاج المكلل ١٦١ ـ ١٦٢ ، وتاريخ الأدب العربى (طبعة الهيئة العامة) ٢ / ٨٤ (وفيه حرّف الصدفى إلى الصفدى) ، وتاريخ التراث العربى ١ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩ (طبعة الهيئة العامة) ، وظهر الإسلام ١ / ١٦٥).

٢٨٥

الروايات ذات المغزى العميق فى ذلك الصدد. فها هو ابن يونس يقول : حدثنى أبى ، عن جدى ، قال : سمعت ابن وهب يقول : «ما رأيت ابنا ـ لعالم ـ أفضل من شعيب بن الليث»(١) . وكأن والده يطلب إليه أن يكون أفضل من شعيب هذا فى خلقه وعلمه ، فإن لم يكن ، فلا أقل من أن يساويه فى فضله ، الذي شهد له به فقيه مصر ومفتيها ، وعالمها «ابن وهب».

ب ـ صاحب ذلك التشجيع النظرى خطوات عملية تطبيقية ، تمثلت فى حضور ابن يونس مجالس العلماء ، سواء كان ذلك فى منزل والده ، أم فى حلقاتهم العلمية التى كانوا يعقدونها. وإذا عرفنا أن «يحيى بن أيوب العلّاف المصرى» ، ذلكم المحدّث المشهور ، ذكر لنا ابن يونس أنه رآه ، وأن هذا العالم ما إن تقع عيناه على مؤرخنا ، حتى يضمّه إليه ، ويقبّل رأسه ، ويدعو له(٢) ؛ دلّ ذلك على نجابة وذكاء ، كان يتوسمه فيه ذلك الرجل ، ودلّ ـ أيضا ـ على طلب مؤرخنا العلم فى سن مبكرة ؛ لأن هذا المحدّث توفى سنة ٢٨٩ ه‍(٣) «أى : فى وقت كان مؤرخنا فيه قد بلغ الثامنة من عمره ؛ إذ إن مولده كان سنة ٢٨١ ه‍(٤) ».

ح ـ ظل ابن يونس على جده ومثابرته فى تلقى العلم فى شبابه المبكر(٥) ، حتى توفى والده ـ كما ذكرنا من قبل سنة ٣٠٢ ه‍ ـ وهو ابن واحد وعشرين ربيعا. وأعتقد أن مؤرخنا ـ عندئذ ـ قد شبّ عن الطّوق ، واستوى على سوقه ، وانفسحت أمامه مجالات العلم رحبة فسيحة ، فظل ينهل من موارده العذبة ، يتلقى العلم ، ويقوم

__________________

(١) تاريخ المصريين (ترجمة رقم ٦٤٩).

(٢) المصدر السابق (ترجمة رقم ١٣٨٢).

(٣) المصدر السابق (ترجمة رقم ١٣٨٢).

(٤) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ (قال ابنه أبو الحسن على بن عبد الرحمن : كانت ولادة أبى فى سنة ٢٨١ ه‍) ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨١ ، وتذكرة الحفاظ (ط. دار إحياء التراث) مجلد ٢ ج ٣ / ٨٩٨ ، ومخطوط عيون التواريخ (مصور عن الظاهرية) ق ١٠٢ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨. ومن ثم ، فلا صحة مطلقا لما زعمه السمعانى فى (الأنساب) ٣ / ٥٣٠ : أن مولد ابن يونس كان سنة ٢٤٠ ه‍.

(٥) فمثلا : ذكر ابن حجر أن ابن يونس حدّث عن (أحمد بن حماد بن مسلم التجيبى ، المتوفى سنة ٢٩٦ ه‍). (تهذيب التهذيب) ١ / ٢٢. وهذا يعنى أن مؤرخنا كان عمره (١٥ سنة) عند وفاة ذلك المحدّث. (راجع ترجمته فى «تاريخ المصريين» ترجمة رقم (١١).

٢٨٦

بالتدريس والرواية ، والتأليف فى «التاريخ» ، حتى أخريات حياته(١) ، رغم بلوغه السادسة والستين من عمره ، لم ترتعش له يد ، ولم يسقط منه قلم ، ولم يركن إلى الدعة والسكون ، وإنما ظل فى جهاده العلمى المتواصل ، حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فى يوم الأحد لخمس وعشرين ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣٤٧ ه‍ ، ودفن فى اليوم التالى ـ يوم الاثنين ـ وصلّى عليه أبو القاسم بن حجاج(٢) . وبذلك انتهت حياة ذلك المؤرخ المصرى العظيم بملامحها ومعالمها الرئيسية ، وبقى الوقوف على ما تيسر من بعض تفصيلاتها.

٢ ـ أساتيذه :

ليس المقصود بذكر أساتيذ مؤرخنا «ابن يونس» القيام بحصرهم ؛ إذ لا سبيل إلى تحقيق ذلك ؛ نظرا لغزارة من تلقى على أيديهم العلم فى شتى فروع المعرفة. وسوف نكتفى ـ هنا ـ بالإشارة ـ فقط ـ إلى عدد من هؤلاء الأساتذة ، سواء كانوا مصريين ، أم

__________________

(١) وخير مثال على ذلك : أنه ترجم فى كتابه (تاريخ المصريين) للمحدّث (أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع المصرى) برقم (٦) ، وقال عنه : ثقة ، توفى فى المحرم سنة ٣٤٧ ه‍. وهذا يعنى أنه ترجم لهذا العالم (قبل وفاة ابن يونس نفسه بحوالى خمسة شهور ؛ إذ إنه توفى أواخر جمادى الآخرة من العام نفسه ، كما سيأتى بعد قليل).

(٢) مخطوط (تاريخ علماء أهل مصر) لابن الطحان : ق ٢٤٦ ، وإنباه الرواه : ٢ / ١٥٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وفوات الوفيات للكتبى ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، والبداية والنهاية ١١ / ٢٤٨. هذا ، ولم يكن السمعانى موفقا فى ذكر تاريخ الوفاة (جعله سنة ٣٤٩ ه‍) ، كما لم يكن موفقا فى تحديد تاريخ الميلاد من قبل (الأنساب) ٣ / ٥٣٠. وربما تحرفت لفظة (سبع) إلى (تسع) بفعل النسّاخ. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور محمود مكى ، والدكتور محمد عبد الحميد صقر ، والدكتور عبد الله جمال الدين تفردوا بجعل تاريخ الوفاة (سنة ٣٣٦ ه‍). (بحث مصر والمصادر الأولى للتاريخ الأندلسى) فى (مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد) ، ع ٥ ، ١٩٥٧ (ص ٣٣٠) ، و (بحث نشأة المدرسة التاريخية فى الأندلس) ، مجلة (الجامعة الإسلامية بالمغرب) العدد رقم : ٢٠٤ ، ١٩٩٠ (ص ٣٦٥ ، ٣٧٧) ، و (التاريخ الأندلسى : تدوينه ، ومروياته حتى نهاية القرن الثالث الهجرى) ص ٣٧ (للباحثين المذكورين على التوالى). وأعتقد أنه تاريخ غير دقيق ؛ لعدة أسباب : أنهم لم يذكروا مصدرهم الذي رجعوا إليه ، وأن جميع المصادر التى ترجمت لابن يونس ، والمراجع الناقلة عنها ـ فيما أعلم ـ أجمعت على تاريخ ٣٤٧ ه‍ ، وأخيرا ـ وهو الأهم ـ أن مؤرخنا ابن يونس ترجم فى كتابه (تاريخ المصريين) لعلماء توفوا بعد سنة ٣٣٦ ه‍ (راجع تراجم أرقام : ٦ ، ١١٥٩ ، ١١٦١ ، ١١٦٢) ، فوفياتهم على الترتيب سنوات (٣٤٧ ه‍ ، ٣٤٣ ه‍ ، ٣٣٩ ه‍ ، ٣٣٨ ه‍).

٢٨٧

من خارج مصر مع الوضع فى الاعتبار أن ابن يونس لم يرتحل ، ولم يسمع بغير مصر(١) ، لكنه ـ بالتأكيد ـ تتلمذ على أيدى علماء مصر ، وعلى أيدى الوافدين إليها من كافة الأقاليم الإسلامية الأخرى ؛ مما عوّضه ـ إلى حد كبير ـ عن عدم الارتحال.

ولعل سر عدم مفارقته بلده مصر يرجع إلى حبه الشديد لوطنه ، بحيث لا يقدر على مغادرته ، مقتفيا فى ذلك أثر والده وجده يونس من قبل ، فلم يؤثر عنهما ارتحال خارج بلدهما مصر. ولعله كان يرى أن مصر لا تقل عن بغداد وغيرها من حواضر العالم الإسلامى الأخرى ، فهى غنية بعلمائها ، والعلماء يقصدونها من كل حدب وصوب ، كما أنه يمكنه استخدام المراسلات والمكاتبات مع بعض العلماء من خارج مصر ؛ للحصول على ما يريد من مادة علمية ، تعينه على تصنيف مؤلفاته(٢) . والمعتقد لدىّ أن طلب العلم خارج حدود الوطن أكثر فائدة لطالبه ، ولو أن ابن يونس زار الأقاليم الإسلامية الأخرى ، ما وقفت مؤلفاته التاريخية عند حدود بلده مصر ، ولازدادت معارفه ، وتنوعت مصنفاته.

من أساتيذ ابن يونس المصريين : والده «أحمد بن يونس» ، وعلى بن قديد ، وعلى بن أحمد علّان ، وأحمد بن حماد زغبة ، وعبد الملك بن يحيى بن بكير(٣) ، وأحمد بن عبد الوارث بن جرير الأسوانى(٤) ، والعباس بن محمد الفزارى «وقد أكثر ابن يونس فى الأخذ عنه»(٥) ، وغيرهم كثير.

وممن روى عنهم من الأندلسيين ، الذين قدموا إلى مصر : عبد الله بن محمد ابن حسين(٦) ، وعبد الله بن حنين بن عبد الله المالكى(٧) ، وعيسى بن محمد

__________________

(١) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٢) كما هو الحال فى علاقته بالمؤرخ الأندلسى الخشنىّ ، على نحو ما سنوضح فى (موارد تاريخ الغرباء) لابن يونس.

(٣) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢.

(٤) سير النبلاء ١٥ / ٢٤.

(٥) راجع ترجمته فى (تاريخ المصريين) لابن يونس (برقم ٧٠٦).

(٦) يعرف ب (ابن أخى ربيع). سمع بمصر محمد بن زبّان ، وغيره. وسمع منه بها ابن يونس وغيره. وكان من أهل الحديث ، ومعرفة علله ، وله فيه مؤلفات. توفى سنة ٣١٨ ه‍. (تاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣).

(٧) قرطبى حج آخر عمره ، وسمع بمصر من محمد بن زبان الباهلى. وسمع منه بها ابن يونس ، وغيره. توفى سنة ٣١٩ ه‍. (الديباج ١ / ٤٣٦ ، وطبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨).

٢٨٨

الأندلسى(١) ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج القرطبى(٢) ، وغيرهم.

وأخيرا ، فمن أساتيذه الذين روى عنهم من غير مصر ، والأندلس : أبو عبد الرحمن النسائى(٣) ، وعلى بن سعيد الرازى(٤) ، ومحمد بن إدريس بن وهب البغدادى(٥) ، وعبد السلام بن سهل البغدادى(٦) ، والعباس بن يوسف بن عدى الكوفى(٧) ، ومحمد بن أحمد بن جعفر الكوفى(٨) ، ومحمد بن صالح بن عبد الرحمن الدمشقى(٩) ، ومحمد بن عبد السلام بن عثمان الدمشقى(١٠) ، ومحمد بن عيسى بن عيسى بن تميم المصيّصىّ(١١) ، وغيرهم.

٣ ـ ثقافته :

ألمّ مؤرخنا ابن يونس بعلوم ومعارف عصره ، مثل : القراءات ، والحديث. والفقه ، واللغة ، والأنساب ، والخطط ، والتاريخ. ونحب ـ هنا ـ أن نلقى الضوء ـ بإيجاز ـ على الخطوط العامة لملاح ثقافته ، على أساس أن ذلك كله يدخل فى تشكيل ملامح

__________________

(١) لقيه ابن يونس بمصر ، لما رحل إلى المشرق. وروى عنه خبر (ياسين بن محمد بن عبد الرحيم البجّانى). (راجع : تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٦٦٧) ، وتكملة كتاب الصلة (ط. مدريد) ص ٢٣٩.

(٢) ولد سنة ٣١٥ ه‍ ، وقدم فى رحلة إلى المشرق سنة ٣٣٧ ه‍ ، ثم عاد إلى الأندلس ـ بعلم غزير ـ سنة ٣٤٥ ه‍. وهو ممن روى عنهم ابن يونس بمصر ، وهو من أقرانه. له صلة طيبة بالحكم المستنصر. توفى سنة ٣٨٠ ه‍ (راجع ترجمته فى : تاريخ ابن الفرضى ـ ط. الخانجى ـ ٢ / ٩٣ ـ ٩٥ ، والجذوة ١ / ٧٦ ، ومخطوط تاريخ دمشق ١٤ / ٧١٧ ، والبغية ص ٤٩ ـ ٥٠ ، وتاريخ الإسلام ٢٦ / ٦٦٣ ، وتذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ١٠٠٧ ـ ١٠٠٩).

(٣) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٤) المصادر السابقة.

(٥) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٤٩٣).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨.

(٧) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة رقم ٢٧٦) ، وتاريخ الإسلام ٢٣ / ٤٥٤.

(٨) تاريخ الغرباء ، لابن يونس (ترجمة ٤٨٤).

(٩) المصدر السابق (ترجمة ٥٤٨).

(١٠) السابق (ترجمة ٥٧٣).

(١١) السابق (ترجمة ٥٨٩).

٢٨٩

وسمات شخصيته ، ويدخل ـ أيضا ـ فى تكوينه العلمى ، فيساعدنا على دراسته «مؤرخا». والآن ، مع استعراض سريع لجوانب هذه الثقافة :

أ ـ القراءات :

لا نجد تفاصيل كافية ، تسهم فى معرفة واضحة متكاملة عن المكانة التى وصل إليها مؤرخنا ابن يونس فى ذلك العلم القرآنى. ولكننا نرجح أنه كان أحد اهتماماته ؛ لأنه يمثل أحد الروافد الثقافية فى ذلك العصر ، ولكون جده «يونس» أحد المتصدرين للإقراء فى مصر(١) ، وقد يكون نقل ذلك عنه والد «ابن يونس» ، ثم انتقل ذلك بدوره إلى مؤرخنا. وعلى كل ، فقد كان لابن يونس ـ وفى ضوء ما تم تجميعه من «تاريخ المصريين» ـ اهتمام بالترجمة لعدد من القراء فى مصر(٢) ، كما أنه قرأ على بعضهم(٣) ؛ مما يفيد نوعا من الاهتمام بذلك العلم. ولم يقف اهتمامه عند القراء المصريين ، بل ترجم لبعض القراء الوافدين إلى مصر ، ممن لهم تأثير ونشاط ملحوظ فى حلقات الإقراء ، ومراجعة كتابة المصحف الشريف(٤) .

ب ـ الحديث :

يمثل هذا العلم قمة فروع معارف وثقافة مؤرخنا ابن يونس ، ويعد الركيزة الأساسية التى بنى عليها ، واستمد منها مادة مؤلّفيه التاريخيين ، على نحو ما سنرى فيما بعد ، وبه

__________________

(١) تجدر الإشارة إلى أن ابن يونس ترجم فى (تاريخ الغرباء ، ترجمة ٤١٣) ل (على بن يزيد بن كيسة الكوفى المقرئ ، نزيل مصر) ، الذي عرض عليه (يونس بن عبد الأعلى) القرآن ، وعرضه عليه.

(٢) من هؤلاء الذين لعبوا دورا مهما فى مدرسة القراءات فى مصر الإسلامية (عدد من الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم). راجع (تاريخ المصريين : تراجم أرقام : ٥٩٠ ، ٧٦٧ ، ٧٦٩ ، ٨٤٣ ، ٨٥٣ ، ٩٠٢ ، ٩٢٣).

(٣) قرأ مؤرخنا ابن يونس على القارئ المصرى المشهور ، الذي كان يجيد قراءة ورش ، وهو (أحمد بن أسامة بن أحمد بن أسامة التجيبى ، المتوفى سنة ٣٤٢ ه‍). (حسن المحاضرة ١ / ٤٨٨).

(٤) مثل : (أبى طعمة) القارئ المشهور بمصر (تاريخ الغرباء ، ترجمة ٦٩٩) ، و (ثوابة بن مسعود التنوخى) المقرئ ، الذي كان شيخا لابن وهب (السابق : ترجمة ١٢٧) ، والقارئ الكوفى (زرعة ابن سهيل الثقفى) ، الذي اكتشف خطأ من النساخ فى مصحف (عبد العزيز بن مروان) ، وكافأه على ذلك. (السابق : ترجمة ٢٠٧).

٢٩٠

اشتهر ابن يونس وعرف ، حتى لقّب ب «الحافظ المحدّث» ، قبل أن يوصف ب «المؤرخ»(١) . ومن هنا ، فإننا نعتقد أن عرض جوانب ثقافته الحديثية ـ ولو بإيجاز وتركيز ـ من الأهمية البالغة ؛ كى تنجلى الأمور ، وتتضح عند بيان «ملامح منهجه التاريخى».

ويمكن عرض هذه الجوانب الحديثية فيما يلى :

أولا ـ اهتمامه البالغ برواية حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : سماعا وتحديثا(٢) ، وكتابة(٣) ، ومذاكرة فى مجالس العلماء والرواة «سواء كان ذلك مع المحدّثين المصريين ، أم الغرباء(٤) ».

ثانيا ـ روايته عن بعض العلماء الموجودين خارج مصر ، عن طريق المكاتبة والمراسلة(٥) .

__________________

(١) ورد فى عدد من المصادر أن ابن يونس كان حافظ ديار مصر ، وبعد وفاته (سنة ٣٤٧ ه‍) احتل تلك المكانة ، وشغلها الحافظ (حمزة بن محمد الكنانى المولود سنة ٢٧٥ ه‍ ، والمتوفى سنة ٣٥٧ ه‍). (تاريخ الإسلام ٢٦ / ١٦١ ، والوافى بالوفيات ١٢ / ١٧٤ ، والمقفى ٣ / ٦٧٠). ويلاحظ أن الأدفوى لقبه ب (الحافظ) فى كتابه : (الطالع السعيد) ص ٢٨٦ ، وترجم له السيوطى فى (حفّاظ الحديث فى مصر) ، وذلك فى (حسن المحاضرة) ١ / ٣٥١.

(٢) اهتم ابن يونس برواية عدد من أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسناده فى كتابيه (تاريخ المصريين) ، و (تاريخ الغرباء). راجع فى الكتاب الأول ـ مثلا ـ تراجم : (٨٨ ، ٩٠ ، ٢٥٢ ، ٣٨٢ ، وغيرها). وفى الكتاب الآخر (راجع الترجمتين رقم : ٧ ، ٣٩٨). ويمكن مراجعة (تذكرة الحفاظ) للذهبى (ط. دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٩ ، فقد أورد فيه حديثين بإسناد ابن يونس (أحدهما : قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما زال جبريل يوصينى بالجار ، حتى كاد يورّث»).

(٣) صرّح مؤرخنا ابن يونس بكتابته الحديث عن عدد من المحدّثين المصريين (راجع : تاريخ المصريين ، تراجم أرقام : ٢٣ ـ ٢٤ ، ٢٦ ، ٦٨٦ ، وغيرها) ، وراجع ـ أيضا ـ كتابته الحديث عن بعض المحدّثين المنتسبين إلى (حمص ، والكوفة ، وبغداد) ، وذلك فى (تاريخ الغرباء ، تراجم أرقام : ٦٩ ، ١٥٥ ، ١٥٩ ، ١٦٥ ، وغيرها).

(٤) ذكر ابن يونس فى (المصدر السابق ترجمة ٦٦) : أنه حفظ بعض الأحاديث عن (المحدّث أحمد ابن محمد بن زكريا البغدادى) أثناء مذاكرته معه. وفى (السابق ترجمة ٦٠٠) : أوضح لنا ابن يونس حضوره مجلس علم الإمام النسائى ، وكان يقصده طلاب العلم المصريون والغرباء. وبالطبع كانت تتم فيه رواية الأحاديث.

(٥) من الأمثلة التى احتفظ لنا بها ابن ماكولا فى هذا الصدد : قوله فى ترجمة (عبد الرحمن بن

٢٩١

ثالثا ـ معرفته التامة بأحوال نقلة الحديث ورواته ، فهو يدرك منزلة الرجال(١) ، ويعرف أسانيد الأحاديث(٢) ، ويحفظ الأساتيذ والتلاميذ(٣) ، ويعرف أحوالهم وأخبارهم(٤) ، ويطالع مصنفات المحدّثين ، ويحسن البحث والتنقيب فيها(٥) .

من أجل ذلك كله ، حقّ للإمام الذهبى «عليه رحمة الله» أن يصف حافظ مصر ومحدّثها «ابن يونس المصرى» بأنه «إمام بصير بالرجال ، فهم متيقظ»(٦) . وأن يصفه الحافظ السيوطى بقوله : «إمام فى هذا الشأن ، متيقظ حافظ مكثر»(٧) .

ج ـ الفقه :

لم يؤثر عن ابن يونس معرفته بمذاهب فقهية محددة ، ولم تذكر لنا المصادر ـ التى طالعتها فى ترجمته ـ أن له مكانة فقهية ما ، أو أن له مصنفات فى هذا المجال ، أو روى

__________________

الخليل التونسى ، المكنى بأبى زيد) : حدث عن شجرة بن عيسى. روى عنه ابن يونس مكاتبة. توفى سنة ٣٢٠ ه‍ (الإكمال ١ / ٥٢٥).

(١) كان ابن يونس لا يتورع عن إبداء رأيه ـ من واقع علمه ـ فى رواة الأحاديث ، فمن كان منهم موضع المدح والتوثيق ، وثقه (راجع تاريخ المصريين ، تراجم أرقام : ٣٩٢ ، ٤٥٩ ، ٥٦٧). ومن كان منهم ليس أهلا للتحديث ، أو حديثه لا تقوم به حجّة ، قام بنقده (راجع المصدر السابق : ٣٤ ، ٥٤ ، ٦٠) ، و (تاريخ الغرباء : ترجمة رقم ٦٢١).

(٢) راجع : (تاريخ المصريين) : ترجمة (٤٠٤) ، (٦٧٥).

(٣) وعلى ذلك أمثلة عديدة ، منها : ما جاء فى ترجمة (حىّ بن عبد الله المعافرى) : أن آخر الرواة عنه ابن وهب (السابق : ترجمة ٣٨١) ، وكذلك ما جاء فى ترجمة (خالد بن عبد السلام) رقم ٣٩٢ : أن آخر من حدث عنه محمد بن محمد بن الأشعث الكوفى. وأيضا ما ورد فى ترجمة (سعيد بن حى الخولانى ، رقم ٥٤١) : أنه لم يحدّث عنه غير عيّاش بن عباس.

(٤) كما هو الحال فى ترجمة (الربيع المرادى) فى (تاريخ المصريين) رقم (٤٥٩) ، وترجمة (محمد ابن إسحاق بن يسار المدنى) فى (تاريخ الغرباء) برقم (٤٩٤).

(٥) من أمثلة ذلك : ما ذكره عن (خالد بن ثابت بن ظاعن) : أن له حديثا فى كتاب (الزكاة) من (موطأ ابن وهب الكبير). (تاريخ المصريين) ، ترجمة (٣٨٥) ، ومطالعته كتب المحدّث (أحمد ابن محمد بن فضالة الحمصى) ، وقوله عنها : كانت كتبه جيادا (تاريخ الغرباء : ترجمة ٧٢) ، وكذلك اطلاعه على كتاب المحدّث النّسوىّ الخراسانى (خشيش بن أصرم) ، الذي ردّ فيه على أهل الأهواء باستخدام الحديث المروى (السابق : رقم ١٨٥).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ (كان إماما فى هذا الشأن) ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ (شرحه بزيادة لفظة : متيقظ).

(٧) حسن المحاضرة ١ / ٣٥١.

٢٩٢

آثارا فقهية ، يمكن أن نستشف منها اتجاهه الفقهى. وعلى كل ، فلعله كان على مذهب جده الشافعى ، باعتبار تأثيره الكبير فيه.

هذا ، وقد دّققت النظر فى مؤلّفيه ، اللذين وضعهما فى «تراجم المصريين ، والغرباء» ، لعلى أعثر على نصوص فقهية فى ثنايا التراجم. وبالفعل وجدت عدة نصوص مروية ، لها طابع فقهى ، وهى ـ بطبيعة الحال ـ لا تعنى أن ابن يونس فقيه من فقهاء عصره ، لكنها تشير إلى إلمامه ببعض المعارف الفقهية فى حدود ما سمحت به المادة المتاحة. وجدير بالذكر أن ابن يونس ترجم للعديد من الفقهاء فى «كتابيه المذكورين» ، وسوف نحصر تلك التراجم ، ونبين مدى اهتمامه بتراجم الفقهاء بالنسبة لبقية التراجم الواردة «وذلك عند دراسة المحتوى».

والآن ، أكتفى بمجرد الإشارة إلى عدد من رءوس الموضوعات الفقهية ، التى وردت فى مصنّفى ابن يونس ، وهى : «حكم بيع البعير بالبعيرين ، والشاة بالشاتين فى «مجال المعاملات»(١) . وفى مجال «الأحوال الشخصية» : أهمية النية فى اللفظ المحتمل إيقاع الطلاق(٢) ، وحكم تفريق السيد بين عبده وأمته بعد تزويجه إياهما(٣) . ثم حكم النّذر فى الفقه المالكى(٤) «فى مجال العبادات».

وأخيرا فإنه يغلب على الظن أن ابن يونس كانت له مطالعات فى كتب الفقه المختلفة مثل : «كتب الفقيه المصرى ابن عليّة» ، التى وصفها بأن بها حجاجا عقليا يشبه الجدل(٥) .

وكذلك كتاب «الجامع الكبير» للفقيه الحنفى «محمد بن الحسن الشيبانى»(٦) . وكذلك معرفته بكتب الجعفرية «وهى على فقه الشيعة»(٧) . ويضاف إلى ذلك معرفته ببعض المسائل الفقهية المروية له عن الفقهاء القدامى ، مثل : «محمد بن سحنون المالكى»(٨) ،

__________________

(١) تاريخ المصريين ، لابن يونس (ترجمة ٢٤٩).

(٢) المصدر السابق : (ترجمة رقم ٢٨١).

(٣) تاريخ الغرباء لابن يونس (ترجمة ٤٦١).

(٤) تاريخ المصريين (ترجمة ٨٨٤).

(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة رقم ٦).

(٦) السابق : (ترجمة ٧٩).

(٧) السابق : (ترجمة ٣٧١).

(٨) السابق (ترجمة ١٠٣). ويمكن مراجعة ترجمة ابن سحنون (ت ٢٥٥ ه‍) من (علماء إفريقية) ، للخشنى (ط. الخانجى) ص ١٧٨ ـ ١٨٢.

٢٩٣

والحسن البصرى ، ومحمد بن سيرين(١) .

د ـ اللغة :

من الراجح أن ابن يونس ـ كعادة المثقفين فى عصره ـ قرأ القرآن الكريم ، وتلقى الحديث النبوى الشريف ، وقدرا لا بأس به من الشعر والنثر العربى البليغ. ولا شك أن لذلك أثره الكبير فى تقويم لسانه ، ودقة استخدام اللغة فى كتاباته. ولعله طالع شيئا من قواعد العربية ، مما كتبه النحويون واللغويون فى أيامه ، ولعل منهم النحوى المفسّر «ابن النحاس المصرى المتوفى سنة ٣٣٨ ه‍»(٢) .

ومن الأمثلة الدالة على حسن فهم ابن يونس لمدلولات الألفاظ العربية ، وحسن استخدامه لها فى موقعها الصحيح المناسب لها تماما ، وتراثية هذه الألفاظ «الدالة على معرفته بمعاجم اللغة» إيراده الألفاظ الآتية : «مواحيز(٣) ، وعنفقة(٤) ، ودقة وعمق ربطه بين : طحطوطى ، ولفظة الضّراط»(٥) .

وفى النهاية ، أشير إلى وقوع ابن يونس فى مأخذ لغوى ـ لعله تحريف من النساخ ـ عندما قال عن أحد المترجم لهم : «يوثق فيه». والصواب : يوثق به(٦) . وعلى كل ، فسوف نزيد الحديث عن لغته توضيحا ، ولكن على مستوى «أسلوب العرض التاريخى ، وسماته ، ومدى تلاؤمه مع مؤلّفيه وموضوعهما ، وطبيعة تراجمه» ، وذلك من خلال الحديث عن «المنهج التاريخى» ، بإذن الله.

__________________

(١) علماء إفريقية (ترجمة ٥٤٥). حكم ابن يونس ـ بعد مقارنة بين علمهما فيما يبدو ـ أن ابن سيرين كان أفطن من الحسن فى أشياء.

(٢) تاريخ المصريين (ترجمة ٤٧). وذكر فيها ابن يونس أن له مصنفات فى النحو والتفسير ، فلعله طالع شيئا منها.

(٣) المصدر السابق ، (ترجمة ٧٥ ، وهامشها).

(٤) المصدر السابق : (ترجمة ١٣٦ ، وهامشها) ، وذلك فى ترجمة الفقيه المالكى (أشهب بن عبد العزيز المتوفى سنة ٢٠٤ ه‍) ، وقال عنه فى ترجمته : «يخضب عنفقته».

(٥) السابق (ترجمة ٥١ ، وهامشها).

(٦) راجع (تاريخ الغرباء) لابن يونس (ترجمة على بن الحسن بن على بن الجعد) برقم (٣٩٩ ، وهامشها).

٢٩٤

ه ـ معرفته بالأنساب ، وضبط الأعلام :

عند دراسة «طريقة العرض التاريخى» لابن يونس ، فيما بعد ، سنرى أن السمة الغالبة على تراجم «تاريخ المصريين» هى حرص مؤرخنا على إيراد الأنساب المطوّلة للمترجمين ، وذلك يتطلب ـ بالطبع ـ ثقافة عالية فى هذا المجال ، ومصادر يرجع إليها ابن يونس ؛ كى يعرض هذه الأنساب كاملة مضبوطة ، بطريقة دقيقة صحيحة. والحق أن مؤرخنا لم يصرح لنا ـ فيما بقى من تراجم ـ بموارده التى استقى منها هذه الأنساب ، لكنى ـ بعد الفحص الشامل ـ وقفت على طريقتين اثنتين ، لعلهما من الطرق التى استمد بها ابن يونس مادته فى «الأنساب» ، وهما : الرجوع إلى مصادر هذا الشأن(١) ، وسؤال أهل العلم(٢) .

أعتقد أنه غنىّ عن البيان المطوّل أن نقول : إن الإحاطة بالأنساب ، والمعرفة بوجوه ضبط الأعلام من العلوم المساعدة للمؤرخ ، خاصة عندما يكتب فى مجال «التراجم» كمؤرخنا ابن يونس. ولعل المطالع بقايا كتاب «تاريخ المصريين» لمؤرخنا ، يدرك براعته فى ذلك الشأن ، فهو حريص على توضيح ما أشكل من ضبط بعض الأعلام ، وذلك بالحروف ؛ منعا للبس والشك(٣) ، ويقوم بضبط أسماء بعض بطون القبائل(٤) ، وأحيانا يعرّفنا بأصلها(٥) . ومن مظاهر ثقافته ومعرفته بالأنساب ـ أيضا ـ توضيحه ما أبهم من

__________________

(١) على نحو ما ورد فى (تاريخ المصريين) ، ترجمة (١٧٢) المتعلقة ب (برح بن عسكر) ، الذي رأى ابن يونس نسبه فى مصدر قديم ، وعبّر عن ذلك بقوله : «ورأيت فى بعض الكتب القديمة فى النسب بخط ابن لهيعة».

(٢) كقوله فى ترجمة (هارون بن يوسف بن هارون الأسوانى) : نسبه أهل أسوان فى (موالى عثمان ابن عفان ، رضى الله عنه). (السابق : ترجمة ١٣٥٣).

(٣) كما فى قوله فى ترجمة (جعثل) : بضم الجيم ، ومثلثة. (السابق : ترجمة ٢٣٤ ، وهامشها). وثمة مثال بارز على ذلك فى ترجمة الصحابى (بحر بن ضبع) فى (السابق : ترجمة ١٦٤) ، حيث قال : من لم يقل : بحر بن ضبع ، فقد أخطأ. الاسمان مضمومان : الباء ، والحاء فى (بحر) ، والضاد والباء فى (ضبع).

(٤) راجع (تاريخ المصريين) لابن يونس ، ترجمة (٧٦٥) ، عن (عبد الله بن كليب) ، قال عنه : من موالى رضا من مراد (والمقصود : بضم الراء فى (رضا).

(٥) كما فى قوله عن (العريفى) : نسبة إلى (عريف بن مالك بن الخزرج بن مالك بن أبذى بن الصّدف). (السابق : ترجمة ٢٥٤). وكذلك قوله عن (الجدادىّ) : نسبة إلى (الجديدة) بالضم ، وهى قبيلة من خولان ، وهم من ولد (رازح بن مالك بن خولان) (السابق : ترجمة ٧١٦).

٢٩٥

أسماء بعض الأعلام الواردة فى النسب(١) ، ودقته فى تحديد نسب المترجمين(٢) .

و ـ معارفه التاريخية العامة :

ويقصد بذلك محاولة قياس ما لدى مؤرخنا ابن يونس من معلومات عن أحداث التاريخ العام للأمة الإسلامية «السيرة النبوية ، وتاريخ الراشدين ، والأمويين ، والعباسيين ، إلى غير ذلك من الأحداث التى مرت بها أمتنا حتى عصر مؤرخنا». ولا يدخل فى ذلك ـ بالطبع ـ تاريخ «مصر الإسلامية» ؛ فمن المسلّم به أن ابن يونس علّامة فى ذلك المجال.

ولما لم يكن بين أيدينا من تراث ابن يونس التاريخى سوى ما تيسر تجميعه من بقايا «تاريخيه» ؛ فإن مجال بحثنا عن تلك الجزئية قد انحصر فى تلك البقايا. ومن ثم ، فإن ما لدينا من نصوص لا يكفى للحكم على ثقافته التاريخية العامة على سبيل القطع واليقين ؛ لأن ما سجله من تراجم العلماء المصريين موجز ومركز فى معظمه ، ويدور حول التاريخ المحلى لمصر. وبالنسبة لتراجم الغرباء الوافدين على مصر ، فإنه قد يتطرق ـ أحيانا ـ إلى ذكر بعض أحداث التاريخ العام ، لكنها مجرد إشارات خاطفة ، ليست مقصودة لذاتها ، وإنما يلمح إليها مجرد إلماحة ، إذا كان للمترجمين علاقة بها.

وعلى كل حال ، فإننا نرجح أن تكون لدى مؤرخنا حصيلة جيدة من معارف التاريخ العام ؛ إذ لا يعقل تقوقعه فى حيز التاريخ المحلى المصرى ، خاصة أن الأخير لا يفهم حق الفهم ، إلا فى ضوء الفهم الصحيح لأحداث الأمة ككل. وينضاف ـ إلى ذلك الملمح المنطقى ـ ملمح نصّىّ ، يتمثل فى الإشارات العديدة الواردة فى كتابى مؤرخنا ، تلك التى تفيد معرفته وإلمامه بأحداث التاريخ الإسلامى بعامة.

ومن هذه النماذج ما يلى :

١ ـ فى مجال السيرة النبوية : «إلمامه بالعديد من أحداث السيرة من خلال معرفته

__________________

(١) ومثال ذلك : توضيحه اسم والد (بسر بن أبى أرطأة) ، قال : هو عمير بن عويمر بن عمران إلخ. (تاريخ المصريين : ترجمة ١٧٤).

(٢) كما حدث فى ترجمة (عبد الملك بن هشام) فى (تاريخ الغرباء : ترجمة ٣٥٦ ، وهامشها) ، فقد حدد ابن يونس نسبه بأنه ذهلىّ ، خلافا لما ذكره البعض من أنه حميرى معافرى. وقد رجّح القفطى ما قاله ابن يونس ؛ لعلمه بهذا الشأن ، فهو إمام الحديث والتاريخ فى مصر (إنباه الرواه) ج ٢ ص ٢١١.

٢٩٦

بتاريخ الصحابة الذين وفدوا على مصر ، وشهد الكثير منهم فتحها ، واختط بعضهم دورا لهم ، وأقاموا بها»(١) .

٢ ـ فى مجال تاريخ الراشدين : «إلمامه وعرضه جوانب من الصراع بين علىّ ومعاوية(٢) ، وتناوله ـ قبل ذلك ـ بعض ما يتصل بخلافة عمر بن الخطاب ، مثل : أحداث تسلمه بيت المقدس من يد الروم(٣) ، وجانب من سياسته الاقتصادية فى توزيع العطاء(٤) .

٣ ـ فى تاريخ الأمويين : «أشار إلى يوم الخازر(٥) ، ومقتل عمرو بن سعيد بن العاص(٦) ، وجانب من أحداث ثورة ابن الزبير ـ وقد انضم إليه حنش بن عبد الله الصنعانى ـ على عبد الملك بن مروان(٧) ، وفتوح حسان بن النعمان بالمغرب(٨) ، وغزو القسطنطينية فى خلافة الوليد على يد «مسلمة بن عبد الملك»(٩) ، ثم أحداث من خلافة عمر بن عبد العزيز فى : طبيعة نظرته إلى عطاء الشعراء(١٠) ، ومجلسه الذي يجلسه بعد صلاة الصبح ؛ للنظر فى أمور الرعية(١١) ، وجهوده فى إرسال عشرة من التابعين ؛ لتفقيه أهل إفريقية(١٢) .

٤ ـ فى تاريخ العباسيين : «مقتل ابن الحبحاب مع ابن هبيرة بواسط ـ فى بداية الخلافة العباسية ـ على يد المنصور العباسى «فى عهد خلافة أخيه السّفّاح سنة ١٣٢ ه‍»(١٣) ، وإنهاء الخليفة المتوكل العباسى محنة خلق القرآن ، وإخراجه المحبوسين من

__________________

(١) تاريخ المصريين : تراجم أرقام : (٨٧ ـ ٨٨ ، ٩٠ ، ٩٢ ، ١١٩ ، ١٥٦ ، ١٦٤ ، ١٧٢ ، ١٩٢ ، ٢٢٨ ، وغيرها).

(٢) راجع ترجمة (بسر بن أبى أرطأة) المطولة فى (تاريخ المصريين) برقم (١٧٤).

(٣) المصدر السابق (ترجمة رقم : ٣٨٥).

(٤) السابق : (ترجمة ٣٠٦).

(٥) تاريخ الغرباء (ترجمة ٢٥٢ ، وهامشها).

(٦) السابق : (ترجمة ٤٢٦).

(٧) السابق : (ترجمة ١٦٨).

(٨) السابق : (ترجمة ١٤٤).

(٩) تاريخ المصريين : (ترجمة ٨٤).

(١٠) تاريخ الغرباء : ترجمة ٧٦ (موقفه من الشاعر المشهور جرير).

(١١) السابق : (ترجمة ١٢٣).

(١٢) السابق : (ترجمة ٩٣).

(١٣) السابق : (ترجمة ٣٦٥).

٢٩٧

سجون بغداد(١) .

٥ ـ جانب من «تاريخ عبد الرحمن الداخل» أمير الأندلس ، وصلته ب «معاوية بن صالح» ، وتوليته القضاء(٢) .

٦ ـ جانب من «تاريخ الأغالبة فى إفريقية» : من خلال بيان علاقة الأمير إبراهيم بن الأغلب بالقاضى «محمد بن عبد الله بن قيس الكنانىّ»(٣) .

٤ ـ منجزاته العلمية :

ونعنى بذلك : ما خلّفه ابن يونس من تراث منقول ومكتوب ، وذلك يتمثل فيما تركه ـ من بعده ـ من تلاميذ ، أخذوا على يديه علمه ، ورووه ، وحدّثوا به ، مضافا إلى ذلك ما سطّره قلمه ، وخطّته يمناه من مؤلفات ، نقلت عنها المصادر التالية. ومن هنا ينقسم تناول هذه المنجزات إلى قسمين :

أ ـ تلاميذه :

من تلاميذ مؤرخنا ابن يونس المصريين ، الذين حدّثوا عنه ، ونقلوا علمه : ابنه على(٤) ، والحسن بن على بن سوادة الفهمى المصرى(٥) ، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس(٦) ، وعبد الرحمن بن محمد الأزدى(٧) ، وغيرهم. ومن تلاميذه غير المصريين : عبد الواحد بن محمد بن مسرور البلخىّ(٨) ، وأبو عبد الله

__________________

(١) تاريخ المصريين : (ترجمة ٢٦٩).

(٢) تاريخ الغرباء (ترجمة ٦٢٧).

(٣) المصدر السابق : (ترجمة ٥٦٦).

(٤) ميزان الاعتدال ٣ / ١٣٢ (أسمعه والده). وسوف نترجم له فى (المدخل التمهيدى لدراسة تاريخى ابن يونس) ، بإذن الله (تعالى).

(٥) تاريخ الإسلام ٢٤ / ١٢٨ (مولاهم المصرى. سمع ابن يونس ، وتوفى فى رمضان سنة ٣٢٣ ه‍).

(٦) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ (أبو محمد بن النحاس) ، وتذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ (شرحه) ، ومخطوط (عيون التواريخ) للكتبى (نسخة مصورة عن الظاهرية) : ق ١٠٢.

(٧) ترتيب المدارك مجلد ٢ ص ٦١٥.

(٨) سير النبلاء ١٥ / ٥٧٩ ، وتاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، وتذكرة الحفاظ مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٨ ، ومخطوط عيون التواريخ (مصور عن نسخة الظاهرية) : ق ١٠٢.

٢٩٨

ابن منده(١) ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرّج القرطبى(٢) ، وإبراهيم بن محمد الغافقى قاضى أطرابلس(٣) ، وإسحاق بن إبراهيم البغدادى(٤) ، والحسين بن على الحلبى(٥) ، وجماعة غيرهم من الرّحّالة والمغاربة(٦) .

ب ـ مؤلفاته :

رغم تعدد نواحى ثقافة مؤرخنا «ابن يونس» ، إلا أننا لم نقف على مؤلفات له «خاصة فى الحديث النبوى الشريف» ، ولم تذكر أى من المصادر التى طالعتها فى ترجمته ـ على كثرتها ـ شيئا من ذلك.

وقد انحصرت المؤلفات المنسوبة إليه فى «مجال التاريخ» فقط ، وهى ثلاثة(٧) على النحو الآتى :

__________________

(١) المصادر المذكورة فى هامش (٨) ص ٢٩٨. وسوف أترجم له ، وللذى قبله فى المدخل التمهيدى لدراسة (تاريخى ابن يونس).

(٢) نفح الطّيب ٢ / ٢١٨ (روى عن أبى سعيد بن يونس ، وكتب عنه «تاريخ مصر» ، وروى عنه ابن يونس أيضا ؛ فقد كان من أقرانه. وهذا صحيح ، فقد ذكرنا ابن مفرج ـ من قبل ـ فى (أساتيذ ابن يونس). ويلاحظ أن المقرى أخطأ فى ذكر تاريخ وفاة (ابن مفرج) ، فجعله سنة ٣٤٨ ه‍ (ص ٢١٩) ، بدلا من (سنة ٣٨٠ ه‍). وقد نبّه على هذا الخطأ ، وصوّبه المحقق (المصدر نفسه ٢ / ٢١٩ ، هامش ١).

(٣) معجم البلدان ١ / ٢٥٧ (توفى بالمغرب سنة ٢٥٣ ه‍).

(٤) تذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربى) مجلد ٢ ج ٣ ص ٨٩٩.

(٥) توفى سنة ٣٠٨ ه‍ (راجع ترجمته فى : بغية الطلب ، لابن العديم ٦ / ٢٦٧٨ ـ ٢٦٧٩).

(٦) تاريخ الإسلام ٢٥ / ٣٨٢ ، ومخطوط (عيون التواريخ) للكتبى (مصورة عن الظاهرية) ق ١٠٢.

(٧) يلاحظ أن د. العمرى ذكر لابن يونس فى (موارد تاريخ بغداد) ص ٣٠٠ كتابا رابعا هو (الرواة عن مالك) ، قائلا : ذكره السخاوى. وبالعود إلى كتاب السخاوى (الإعلان بالتوبيخ) ـ ط ٢ ، نشر : روزنثال : وجدت أن السخاوى ذكر ابن يونس فى موضعين : الأول ـ ص ٥٦١ : وفيه قال : إن لابن يونس مؤلفا فى (الرواة عن مالك) طالعه ضمن ما طالعه صاحب (المدارك). والثانى ـ ص ٦٠٤ : ذكره السخاوى فى (المؤرخين الذين اقتصروا على أهل فن واحد) وذكره باسم (الرواة عن مالك). وبالعود إلى (ترتيب المدارك) مجلد ١ ص ٥٦ (مقدمة المؤلف القاضى عياض) ـ عند ذكر مصادر كتابه ـ قال : واستصفيناه من كبار تصانيف المحدّثين ، وأمهات تآليف المؤرخين. وذكر منهم كتاب (أحمد بن يونس ـ والصواب : عبد الرحمن بن أحمد بن يونس ـ المصرى فى (المصريين). وهذا هو الصواب حقا ، فابن يونس لم يؤلف الكتاب الذي نسبه إليه السخاوى ؛ خطأ فى فهمه مقصود كلام القاضى عياض ، وإنما ترجم فى (تاريخ المصريين)

٢٩٩

١ ـ تاريخ المصريين(١) .

٢ ـ تاريخ الغرباء(٢) .

٣ ـ كتاب «العقيد فى تاريخ الصعيد»(٣) .

ويلاحظ على هذه المصنفات التاريخية ما يلى :

١ ـ أنها جميعا مفقودة ، وإن أمكن تجميع الكثير من بقايا الكتابين الأوّلين.

٢ ـ أن هذين المؤلفين تأثر فيهما ابن يونس بثقافته الحديثية تأثرا كبيرا ملحوظا فى كثير من تراجمهما ، على نحو ما سنرى تفصيلا ، فيما بعد.

٣ ـ أن الكتاب الثالث والأخير لم نعثر على نص واحد منه فى أى من المصادر التى طالعناها. وهذا يلقى ظلالا من الشك حول صحة نسبة هذا الكتاب إلى «مؤرخنا» ، إضافة إلى تفرد «حاج خليفة» بذكره من بين كافّة المصادر الأخرى المتاحة(٤) ، إلى جانب

__________________

لبعض المالكية ، الذين اقتبس من تراجمه إياهم القاضى عياض فى (ترتيب المدارك). والخلاصة : أن السخاوى وهم فيما نقل عن (المدارك) ، والدكتور العمرى أخطأ لما سلّم لقوله ، ولم يرجع إلى (المدارك) ؛ ليتحقق ، ويتثبت بنفسه من صحة ما نسبه السخاوى إليه. وثمة ملاحظة أخرى ، تتمثل فيما زعمه ابن الزيات فى (الكواكب السيارة) ص ٤ ، عندما جعل ابن يونس أحد من ألف فى (ترتيب الزيارة) ، أى : فى (الخطط ، وما شاكل ذلك). وليس هذا بصحيح ؛ إذ لم يعرف لمؤرخنا كتاب فى ذلك الموضوع ، وابن الزيات كثير الأوهام والأخطاء فى كتابه المذكور. والذي نعرفه أن لابن يونس ـ فى ثنايا تراجمه ـ بعض الحديث عن (الخطط) المرتبطة ببعض المصريين.

(١) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وسير النبلاء ١٥ / ٥٧٨ ، وتاريخ التراث العربى لسزكين (ط. الهيئة العامة) ١ / ٥٧٩ ، وتاريخ الأدب العربى لبروكلمان (ط. الهيئة العامة) ٢ / ٨٤ ، ومصر فى عصر الإخشيديين ٣٢٧ ، وتاريخ مصر الإسلامية ، للدكتور الشيال ١ / ١٢٧.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ١٣٧ ، وتاريخ التراث العربى (ط. الهيئة العامة) ١ / ٥٧٩ ، ومصر فى عصر الإخشيديين ٣٢٧ ، وتاريخ مصر الإسلامية ١ / ١٢٧. ويلاحظ أن بروكلمان لم يذكر هذا الكتاب منفردا ، وإنما عدّه الجزء الثانى من كتاب (مصر) ، الذي ترجم فيه ابن يونس ل (علماء مصر). وهذا خلط واضطراب ، وكلام غير صحيح. أما صاحب (التاج المكلل) ص ١٦٢ ، فاكتفى بقوله : عمل ابن يونس لمصر تاريخين.

(٣) كشف الظنون ، لحاج خليفة (طبعة وكالة المعارف بالهند ، ١٣٦٠ ه‍ ١٩٤١ م مجلد ٢ ، ص ١١٥٩).

(٤) وقد نقل تلك المعلومة عن (كشف الظنون) ، وأشار إليه كل من : بروكلمان فى (تاريخ الأدب

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571