• البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 543 / تحميل: 264
الحجم الحجم الحجم
سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
ISBN: ٩٦٤-٤٩٣-١٧٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أسماء كثيرين ممن كانوا يمارسون القصص في الصدر الأول.

حتى النساء :

وحتى النساء ، فإنهن قد مارسن مهنة القصص ، فقد روى ابن سعد : أن أم الحسن البصري كانت تقص على النساء أيضا(١) .

اهتمام الحكام بالقصاصين :

وكان الحكام يهتمون بأمر القصاصين بصورة واضحة ، وقد تجلى هذا الاهتمام في جهات عديدة :

١ ـ فقد تقدم : أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان يجلس إلى القصاصين ، ويستمع إليهم ، وكذلك معاوية ، وعمر بن عبد العزيز.

٢ ـ وقد جعلوا للقصاصين جعلا (أي أجرا) على عملهم(٢) .

وكان عمر بن عبد العزيز ـ حسبما يقولون ـ يعطي القاص الذي رتبه للقيام بهذه المهمة دينارين شهريا ، فلما ولي هشام بن عبد الملك جعل له ستة دنانير(٣) .

٣ ـ كان منصب القصاص منصبا رسميا يتدخل فيه الخليفة بنفسه ، نصبا وعزلا ، كما تقدم عن عمر ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز. وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا عن عوف بن مالك ، وعبادة بن الصامت ، حيث قالا :

__________________

(١) راجع : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٨.

(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٥ و ١٦ والخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) تاريخ المدينة ج ١ ص ١٥ وراجع : الحوادث والبدع ص ١٠٣.

١٤١

لا يقص إلا أمير ، أو مأمور الخ.

ويدل عليه أيضا كلام غضيف بن الحارث مع عبد الملك بن مروان(١) ، فراجع.

وقد ذكر المقريزي طائفة ممن تولوا منصب (قصاص) في القرون الأولى على التعاقب ، فليراجعه من أراد ذلك(٢) .

أما من كان يقص بدون إذن من الحاكم ، فقد كان يعرض نفسه للمؤاخذة من قبل الحكام(٣) .

ولعل القاص الذي ينصبه الحاكم هو الذي كان يقال له : «قاص الجماعة»(٤) .

ويشير إلى ذلك : أن أبا الهيثم كان قاص الجماعة في عهد بني أمية ، فلما جاء بنو العباس عزلوه ، فاعترض على ذلك واستنكره(٥) .

٤ ـ إن الخلفاء كما أنهم كانوا يجعلون للجماعة قاصا ، فإنهم كانوا يجعلون للجند قاصا أيضا ، لأجل تحريكهم ، وبعث الحماس فيهم ،(٦)

__________________

(١) راجع تاريخ المدينة ج ١ ص ١٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٨.

(٢) راجع : الخطط والآثار ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) راجع : أنساب الأشراف ج ٤ قسم ١ ص ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٢٢٠ وتاريخ المدينة ج ١ ص ١٦ و ١٤.

(٥) راجع المعرفة والتاريخ ج ٢ ص ٤٣٦.

(٦) راجع : تمدن إسلام وعرب در قرن چهارم هجري ج ٢ ص ٨٠ و ٨٥ والجرح والتعديل ج ٦ ص ١٦٣.

١٤٢

وتوجيههم سياسيا ، حسبما يتوافق مع أهداف الحاكم وطموحاته.

وقد صرح الحسن بن عبد الله : أن الملك هو الذي يتولى منصب قاص الجند(١) .

٥ ـ لقد كان الخليفة يتدخل حتى في كيفية ونوع ومقدار العمل الذي يسمح به للقاص ، وتقدم أن عمر وعثمان قد عينا لتميم الداري الوقت والمدة والمكان.

كما أن عمر بن عبد العزيز ـ الذي تلمّذ على يدي مسلم بن جندب القاص ـ(٢) قد كتب إلى صاحب الحجاز : أن مر قاصك : أن يقص على كل ثلاثة أيام مرة. أو قال : قاصكم(٣) .

٦ ـ لقد كان الأمراء أنفسهم يمارسون عمل القصص ، حتى قيل ـ بل لقد جعلوا ذلك رواية عن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما عن عبادة بن الصامت ، وعوف بن مالك :

«لا يقص إلا أمير ، أو مأمور ، أو مختال. أو قال : أو متكلف»(٤) .

__________________

(١) راجع : الجيش والقتال في صدر الإسلام ص ١٣٥.

(٢) راجع : التاريخ الكبير ج ٣ ص ٣٥٤ والمعرفة والتاريخ ج ١ ص ٥٩٦.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٢٨. لعل الصحيح : أخبار القصاص والمذكرين.

(٤) راجع : قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٢٤ عن الطبراني والمعجم الصغير ج ١ ص ٢١٦ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٨ و ٩ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٦ عن أحمد ، وأبي داود ، والطبراني في الكبير والأوسط ، والهيثمي. والقصاص والمذكرين ص ٢٥ و ٢٨ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٢٣٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٣٣ وج ٦ ص ٢٩ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨

١٤٣

القصاصون في خدمة سياسات الحكام :

وغني عن القول هنا :

أن القصاصين قد قاموا بدور فاعل في تثبيت دعائم الحكومات الظالمة ، وأصبحوا أبواقا لها للدعاية والإعلام ، يشيعون في الناس ما يريد الحكام إشاعته ، مما يخدم مصالحهم ، ويوصلهم إلى أهدافهم.

ويكفي أن نذكر هنا :

١ ـ أن معاوية حين جاء لحرب الإمام الحسن «عليه السلام» في العراق ، استصحب معه القصاص ؛ فكانوا يقصون في كل يوم ، يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة ؛ فقال بعض شعرائهم :

من جسر منبج أضحى غب عاشرة

في نخل مسكن تتلى حوله السور(١)

٢ ـ ويقولون أيضا : إن معاوية حينما بلغه :

أن عليا «عليه السلام» قنت فدعا على أهل حربه ، أمر القاص الذي

__________________

وسنن الدارمي ج ٢ ص ٣١٩ ومختصر تاريخ دمشق ج ٧ ص ٢٤٠ وج ١٠ ص ٣٣٨ و ٣٣٩.

وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٠ والنهاية في اللغة ج ٤ ص ٧٠ ولسان العرب ج ٧ ص ٧٤ و ٧٥ وعن تحذير الخواص ص ٥٩. والحوادث والبدع للطرطوشي ص ١٠١ ط تونس سنة ١٩٥٩.

(١) تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٠٨ وراجع : سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٤٦ وفي هامشه عن ابن عساكر.

١٤٤

يقص بعد الصبح وبعد المغرب : أن يدعو له ولأهل الشام(١) .

٣ ـ وكان عبد الملك شكا إلى العلماء!! ما انتشر عليه من أمر رعيته ، وتخوفه من كل وجه ، فأشار عليه أبو حبيب الحمصي القاضي بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى.

فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه ، وكتب بذلك إلى القصاص ؛ فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشي(٢) .

٤ ـ وكان محمد بن واسع الأزدي من جملة القصاص والوعاظ في جيش قتيبة بن مسلم في خراسان ، وكان يقول قتيبة في حقه : إنه بالنسبة إليه أفضل من ألف سيف ورمح. فراجع(٣) .

٥ ـ قال عبد الملك بن مروان لغضيف بن الحارث : «إنا قد أجمعنا الناس على أمرين : قال : وما هما؟

قال : رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد الصبح والعصر الخ»(٤) .

٦ ـ كما أن القصاصين قد قاموا بدور مهم في إحداث الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد ، في زمن عضد الدولة ، فمنعهم من القصص. وذلك في

__________________

(١) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٣ والولاة والقضاة هامش ص ٢٠٣ عن رفع الإصر ص ٤٧.

(٢) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) راجع : البيان والتبيين ج ٣ ص ٢٧٣ والعقد الفريد ج ٢ ص ١٧٠.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ١٠٥ وتحذير الخواص ص ٧٠.

١٤٥

سنة ٣٦٧ ه‍(١) .

وكذلك جرى في سنة ٣٩٨ ه‍. ق.

ثم سمحوا لهم بمزاولة أعمالهم بشرط تركهم التعرض للفتن(٢) .

جرأة القصاصين وسيطرتهم :

كان القصاصون جريئين على الله ورسوله ، فلم يكونوا يتورعون عن وضع الحديث ، حتى لقد قال ابن حبان :

«كانوا إذا حلوا بمساجد الجماعات ، ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع»(٣) . أي في وضع الحديث على لسان رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقد حدّث ابن عون ، فقال : «أدركت المسجد ، مسجد البصرة ، وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار ، وسائر المسجد قصاص»(٤) .

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ١١ ص ٢٨٩ وطبقات الحنابلة ج ١ ص ١٥٨ والمنتظم ج ٧ ص ٨٨ وسير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٥٠٩ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٣٨٠ ه‍) ص ١٥٣.

(٢) راجع : المنتظم ج ٧ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٨٠ ـ ٤٠٠ ه‍) ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨ وشذرات الذهب ١٤٩ و ١٥٠ وبقية المصادر في كتابنا : صراع الحرية في عصر المفيد ص ٢٤ و ٢٥ الطبعة الأولى.

(٣) عن المجروحين ج ٢ ص ٣٠ ، أ.

(٤) القصاص والمذكرين ص ١٦.

١٤٦

ودعا عطاء بن أبي رباح بخمسة قصاص ، فقال : قصوا في المسجد الحرام.

قال : وهو جالس إلى أسطوانة.

قال : فكان خامسهم عمر بن ذر(١) وأما سيطرتهم على عقول الناس ، فذلك أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، ويوضح ذلك كثير من الحالات والقضايا التي حصلت لبعض المعروفين ، الذين كانوا يرفضون طريقتهم ، وينظرون إليهم بعين الريب والشنآن.

ولكن كانت كلماتهم تجذبهم ، وأحاديثهم تسحرهم ، رغم علمهم بكونها موضوعة ومكذوبة.

ومن غريب ما يذكر هنا : أن أم الإمام أبي حنيفة لا تقبل بفتوى ولدها ، ولكنها ترضى بقول قاص يقال له : زرعة(٢) .

كما أن أحد الكبار المعروفين يحتج لبعض الأمور بقول أحد القصاصين من مسلمة أهل الكتاب ، وهو تميم الداري(٣) .

وحين حاول الشعبي أن ينكر على أحد القصاصين في بلاد الشام ما يأتي به من ترهات ، قامت عليه العامة تضربه ، ولم يتركه أتباع ذلك القاص ، حتى قال برأي شيخهم نجاة بنفسه(٤) .

__________________

(١) المصدر السابق ص ٣٢.

(٢) القصاص والمذكرين ص ٩٠ وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٣٦٦.

(٣) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٢٩٧.

(٤) السنة قبل التدوين ص ٢١١ عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص ١٦ ب. والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

١٤٧

بل لقد بلغ الاحترام والتقديس لمجلس القصص والقصاصين أن تخيل البعض :

أن الكلام أثناء القصص لا يجوز ، كما لا يجوز الكلام في خطبة الجمعة ، حتى أعلمه عطاء : أن الكلام أثناء القصص لا يضر(١) .

وقال مالك : «.. وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب»(٢) .

القصاصون على حقيقتهم :

إنه وإن كان كثير من الأعيان والمعروفين كانوا يحضرون مجالس القصاصين ، ويستمعون إليهم(٣) ، وقد استمر ذلك إلى وقت متأخر نسبيا ، إلا أن أمرهم قد افتضح ، وظهر لأكثر الناس ما كان خافيا.

وبدأ الناس يجهرون بالحقيقة ، ويصرحون بها ، ونحن نذكر هنا بعضا من ذلك ليتضح الأمر ، ويسفر الصبح لذي عينين ، فنقول :

١ ـ قال أبو قلابة : «ما أمات العلم إلا القصاص ، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئا»(٤) .

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٣٨٨.

(٢) الحوادث والبدع ، لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي ص ٩٩ ط تونس سنة ١٩٥٩ م.

(٣) راجع : القصاص والمذكرين وغيره.

(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧ وراجع ص ١٠٨ وأضواء على السنة المحمدية ص ١٢٤.

١٤٨

وقريب من ذلك ما عن أيوب السختياني(١) .

٢ ـ لقد ذكر أحد الصحابة لواحد من القصاصين : أن ظهور القصاص كان هو السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطع أرحامهم(٢) .

٣ ـ عن أحمد بن حنبل : أكذب الناس السؤال ، والقصاص(٣) .

٤ ـ وقال محمد بن كثير عن القصاص : أكذب الخلق على أنبيائه(٤) .

٥ ـ وصرح البعض : أن السبب في انتشار الإسرائيليات في كتب التاريخ والتفسير هم القصاصون(٥) .

٦ ـ وقال إبراهيم الحربي : «الحمد لله الذي لم يجعلنا ممن يذهب إلى قاص ، ولا إلى بيعة ، ولا إلى كنيسة»(٦) .

٧ ـ وقال ابن قتيبة : «إن القصاص على قديم الزمان كانوا يميلون وجوه العامة إليهم ، ويستدرون ما عندهم بالمناكير ، والغريب ، والأكاذيب من الحديث»(٧) .

__________________

(١) السنة قبل التدوين ص ٢١٣ عن الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ص ١٤٧.

(٢) راجع : مختصر تاريخ دمشق ج ١٠ ص ٢٠٢ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩ وغير ذلك.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٣ وراجع : طبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٥٣ وعن قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٨. والحوادث والبدع ص ١٠٢.

(٤) القصاص والمذكرين ص ٨٤ وراجع : تحذير الخواص ص ٨٠.

(٥) تاريخ المذاهب الإسلامية ج ١ ص ١٥.

(٦) القصاص والمذكرين ص ١٠٩.

(٧) تأويل مختلف الحديث ص ٣٥٥ ـ ٣٥٧.

١٤٩

٨ ـ ويقول آخر : «كانوا يضعون الأحاديث في قصصهم قصدا للتكسب والارتزاق ، وتقربا للعامة بغرائب الروايات ، ولهم في هذا غرائب وعجائب ، وصفاقة وجد لا توصف»(١) .

٩ ـ وعن أيوب : ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص(٢) .

١٠ ـ ولما قص إبراهيم الحربي أخرجه أبوه(٣) .

مع تفاصيل أخرى :

ولا يقتصر الأمر على ما ذكر ، فإنهم يقولون عن القصاصين أيضا :

١ ـ ما هم إلا غوغاء يستأكلون أموال الناس بالكلام(٤) .

٢ ـ إنهم لا يحفظون الحديث(٥) .

٣ ـ إنهم ينسبون ما يسمعونه من الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويخلطون الأحاديث بعضها ببعض ، ويتصنعون البكاء ، والرعدة. ومنهم من يصفر وجهه ببعض الأدوية ، وبعضهم يمسك معه ما إذا شمه سال دمعه ، ويتظاهرون بالصعقة ، ويعملون على استمالة النساء ، وغير ذلك(٦) .

__________________

(١) الباعث الحثيث ص ٨٥.

(٢) القصاص والمذكرين ص ٨٥.

(٣) القصاص والمذكرين ص ١٠٧.

(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٩.

(٥) القصاص والمذكرين ص ٦٢ ـ ٦٣.

(٦) راجع : القصاص والمذكرين ص ٧٨ و ٧٩ فما بعدها إلى آخر الباب.

١٥٠

٤ ـ وقد أحدثوا وضع الأخبار(١) .

٥ ـ وعامة ما يحدث به القصاص كذب(٢) .

وحسبك من جرائمهم على الحق وعلى الدين :

١ ـ أن قصة الغرانيق من صنعهم(٣) .

٢ ـ ومنهم من روى : أن يوسف حل تكته ، فلاح له أبوه(٤) .

٣ ـ وأن قصة داود وأوريا من وضعهم(٥) .

٤ ـ وأن قراءة القرآن بالإلحان قد جاءت من قبلهم(٦) .

٥ ـ ووضع بعضهم في ساعة واحدة أحاديث كثيرة حول فضل صيام يوم عاشوراء ، حسب اعترافه(٧) .

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

موقف علي عليه السّلام من القصاصين :

أما بالنسبة لموقف علي «عليه السلام» المتشدد جدا من القصاصين ، الذين كان منهم شخصيات مشهورة ، وذات قيمة لدى بعض الفئات ،

__________________

(١) القصاص والمذكرين ص ١٨.

(٢) المصدر السابق ص ١٩.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٥.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق ص ٩٦ و ٩٧.

(٧) المصدر السابق ص ٨٤.

١٥١

فلسوف يأتي الحديث عنه إن شاء الله في فصل : «لا بد من إمام».

ونكتفي هنا بالإشارة إلى موقف السائرين على نهج أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ، وذلك في الفقرة التالية.

السائرون على نهج علي عليه السّلام :

إننا إنصافا للحقيقة وللتاريخ نسجل :

أن المواقف السلبية من القصاصين لمن عدا شيعة أهل البيت «عليهم السلام» قد جاءت متأخرة نسبيا عن موقف أتباع مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» ، الذين كانوا يسجلون إنكارهم وإدانتهم لهذا الاتجاه في صور ومستويات مختلفة.

وقد تجد ذلك قد ورد على صورة نصائح ربما جاءت خافتة إلى حد ما ، وذلك انسجاما مع مقتضيات الواقع الذي كان يفرض قدرا من التحاشي عن الجهر بما يخالف سياسات الحكم ، ولو بهذا المستوى الضعيف والضئيل.

ولا نريد هنا أن نسبر أغوار التاريخ لنلتقط الدلائل والشواهد الكثيرة والغزيرة من هنا وهناك ، بل نكتفي بذكر نماذج تشير إلى ذلك ، وهي التالية :

١ ـ روى مسلم بسنده عن عاصم قال : «كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ـ ونحن غلمة أيفاع ـ فكان يقول لنا : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص ، وإياكم وشقيقا. وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج ، وليس بأبي وائل»(١) .

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٥ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧.

١٥٢

٢ ـ عن عبد الله بن خباب بن الأرت قال : مر بي أبي ، وأنا عند رجل يقص ، فلم يقل لي شيئا حتى أتيت البيت. فاتزر ، وأخذ السوط يضربني ، حتى حجره الزنو ، وهو يقول : أمع العمالقة؟! أمع العمالقة؟! ثلاثا. إن هذا قرن قد طلع ، إن هذا قرن قد طلع ، يقولها ثلاثا(١) .

٣ ـ بل إن ابن مسعود الذي يقال : إنه يميل إلى علي «عليه السلام» ، رغم أننا نجد : أنه كان يتأثر خطى عمر بن الخطاب بصورة ملفتة وواضحة ، قد سجل أيضا إدانته للقصاص من أهل الكتاب(٢) ، فما ظنك بغيره من أهل العلم والمعرفة بالدين؟!

٤ ـ وتقدم قول أبي قلابة : ما أمات العلم إلا القصاص ، وإن الرجل يجلس إلى القاص السنة ، فلا يتعلم منه شيئا.

٥ ـ وتقدم أيضا قول أحد الصحابة : إن القصاص هم السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطيعة أرحامهم. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

__________________

(١) القصاص والمذكرين ص ١٠٤ وخباب صحابي معروف ، وقد مات «رحمه الله» وعلي «عليه السلام» في صفين.

(٢) مجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩.

١٥٣
١٥٤

الباب الثاني

تدوين التاريخ : الآثار والنتائج

الفصل الأول : بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج

الفصل الثاني : لا بد من إمام

الفصل الثالث : إجراءات وضوابط مشبوهة

الفصل الرابع : الضوابط العلمية للمبنى العلمي

١٥٥
١٥٦

الفصل الأول :

بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج

١٥٧
١٥٨

آثار ونتائج :

وقد استمر المنع من كتابة الحديث وروايته عشرات السنين ، وأصبح التحاشي عنه هو الصفة المميزة لعلماء الأمة وطليعتها المثقفة.

بل لقد صارت كتابة الحديث عيبا أيضا ، حتى في أوائل عهد بني مروان(١) .

ومضت السنون والأحقاب ، ومات الصحابة الأخيار ، بل أوشك التابعون على الانقراض أيضا.

ونشأت أجيال وأجيال لم تسمع أحدا يذكر شيئا عن نبيها ، ولا عن مواقفه ، وتعاليمه ، وسيرته ومفاهيمه.

وتربت هذه الأجيال على النهج الفكري الذي أراده لها الحكام والمتسلطون ، والموتورون والحاقدون ، وتلامذة أهل الكتاب ، المعجبون بهم. وذهب الدين وتلاشى ، حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن الدين

__________________

(١) راجع : تقييد العلم ص ١١٤ و ١١٠ وراجع سنن الدارمي ج ١ ص ١٢٦ وعن المحدث الفاضل ج ٤ ص ٢٣ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٧٣. كان حكم بني مروان بعد حكم آل أبي سفيان ، الذي انتهى بمعاوية بن يزيد.

١٥٩

إلا رسمه ، حسبما روي عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام(١) ، الذي لم يعش إلا إلى سنة أربعين من الهجرة.

ثم ازداد البلاء بعد ذلك ، وبرح الخفاء إلى حد الفضيحة ، فاضطر عمر بن عبد العزيز إلى القيام بعمل رمزي ضعيف وضئيل ، لم يكن له أي أثر يذكر على الصعيد العملي ، على مستوى الأجيال والأمة.

ثم بدأت الحركة الحقيقية باتجاه التدوين في أواسط القرن الثاني للهجرة ، حسبما تقدم توضيحه.

وخلاصة الأمر : أن الحال قد تردت خلال أقل من ثلاثين سنة من وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى ذلك الحد الذي أشار إليه سيد الوصيين «عليه السلام».

وطمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة(٢) .

وكان ذلك في حين أن الصحابة وعلماءهم كانوا لا يزالون على قيد الحياة ، وكان الناس ينقادون إلى الدين وأحكامه ، ويطيعون رموزه وأعلامه.

فكيف ترى أصبحت الحال بعد أن فتحت الفتوح ، ومصّرت

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة الحكمة رقم ٣٦٩ والحكمة رقم ١٩٠.

(٢) راجع : المصنف للصنعاني ج ٢ ص ٦٣ ومسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٠٥ والبحر الزخار ج ٢ ص ٢٥٤. وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٨ و ٤٣٢ و ٤٤١ و ٤٤٤ ومروج الذهب ج ٣ ص ٨٥ والغدير ج ٨ ص ١٦٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327