• البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 537 / تحميل: 257
الحجم الحجم الحجم
سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
ISBN: ٩٦٤-٤٩٣-١٧٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

التناقض في المواقف :

فروايتهم عن النواصب والخوارج ، والمبتدعة ، وعن الشيعة ، والرافضة ، تتناقض مع قولهم : إن الرواية عن كل هؤلاء لا تصح.

فهم يقولون :

ألف : الخوارج :

عن ابن لهيعة : أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعد توبته :

«إن هذه الأحاديث دين ؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم ؛ فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا»(١) .

أو قال : «انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه ، فإنّا كنا إذا تراءينا رأيا ، جعلنا له حديثا»(٢) .

ويلاحظ هنا : أن نفس هذا النص مروي عن حماد بن سلمة ، ولكن عن شيخ من الرافضة!!(٣) .

ولما حدث إياس بن معاوية الأعمش بحديث عن بعض الحرورية ،

__________________

(١) لسان الميزان ج ١ ص ١٠ و ١١ والكفاية للخطيب ص ١٢٣ و ١٢٨ وآفة أصحاب الحديث ص ٧١ و ٧٢ واللآلي المصنوعة ج ٢ ص ٤٦٨ وراجع : العتب الجميل ص ١٢٢. وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٩ عن الأولين ، وعن الموضوعات لابن الجوزي ص ٣٨ وعن السنة ومكانتها في التشريع للسباعي ص ٩٧.

(٢) اللآلي المصنوعة ج ٢ ص ٤٦٨.

(٣) راجع : لسان الميزان ج ١ ص ١١.

٢٦١

قال : «تريد أن أكنس الطريق بثوبي ، فلا أدع بعرة ، ولا خنفساء إلا حملتها؟!»(١) .

وقال الجوزجاني عن الخوارج ، الذين تحركوا في الصدر الأول ، بعد الرسول «صلى الله عليه وآله» : «نبذ الناس حديثهم اتهاما لهم»(٢) .

ب : أهل البدع :

قد وردت أحاديث رواها أهل السنة أيضا تنهى عن الرواية عن أهل البدع(٣) فلتراجع في مظانها.

ج : الشيعة والرافضة :

إن أدنى مراجعة لكتب الرجال على مذاق أهل السنة تظهر : أن أكثر المجروحين عندهم إنما جرحوهم بالتشيع أو الرفض ، وقد اعتبروا ذلك جريمة لا مجال للسكوت عليها ، أو التساهل فيها(٤) .

وسئل مالك عن الرافضة ، فقال : لا تكلمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنهم يكذبون(٥) .

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية ص ٤٠٣ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٩ عن المحدث الفاضل للرامهرمزي ج ١ ص ١٢.

(٢) أحوال الرجال ص ٣٤.

(٣) راجع : لسان الميزان ج ١ ص ١٠ و ١٢ و ٧ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٣.

(٤) وراجع على سبيل المثال : السنة قبل التدوين ص ٤٤٣ و ٤٤٢ والكفاية في علم الرواية ص ١٢٣ و ١٣٠ و ٣١.

(٥) لسان الميزان ج ١ ص ١٠ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٧ ـ ٢٨ ومقدمة فتح الباري ص ٤٣١ وفتح الباري ج ٢ ص ١٥٣ وقواعد في علوم الحديث ص ٤٠٧ و ٤٢٢.

٢٦٢

وعن الشافعي : لم أر أحدا من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة(١) .

وقال أبو عصمة لأبي حنيفة : «ممن تأمرني أن أسمع الآثار؟! قال : من كل عدل في هواه إلا الشيعة ، فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله» ، ومن أتى السلطان طائعا الخ ..»(٢) .

وعن شريك : إحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ، ويتخذونه دينا(٣) .

وقال التهانوي : «نحن نعلم : أنهم كذبوا في كثير مما يروونه في فضائل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان.

كما كذبوا في كثير مما يروونه في فضائل علي. وليس في أهل الأهواء أكثر كذبا من الرافضة»(٤) .

ويقول هارون الرشيد : «طلبت أربعة فوجدتها في أربعة : طلبت الكفر فوجدته في الجهمية ، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة ، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة ، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث»(٥) .

وعن يزيد بن هارون : يكتب عن كل صاحب بدعة ، إذا لم يكن داعية

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية ص ١٢٦ وراجع لسان الميزان ج ١ ص ١٠.

(٢) الكفاية في علم الرواية ص ١٢٦.

(٣) لسان الميزان ج ١ ص ١٠ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٧ و ٢٨.

(٤) قواعد في علوم الحديث ص ٤٤٤ وراجع ص ٤٤٣.

(٥) شرف أصحاب الحديث ص ٥٥ وراجع ص ٧٨.

٢٦٣

إلا الرافضة ، فإنهم يكذبون(١) .

العلاج المتطور :

كانت تلك بعض أقاويلهم حول هؤلاء وأولئك ، وهي تناقض موقفهم منهم ، وروايتهم عنهم ، فكان علاجهم لهذا المشكل بتقديم عدة ضوابط ، رأوا أنها تكفي لدفع الخطر ، وتجنب الكثير من الضرر.

ونذكر من هذه المعالجات :

٣٤ ـ ردّ روايات الشيعة في المطاعن والفضائل :

فكل ما فيه تأكيد على الحق ، وإظهار له ، فيما يرتبط بفضائل علي «عليه السلام» ، وكذا فيما يرتبط بما صدر من خصوم أهل البيت «عليهم السلام» من أفاعيل تدينهم ، وتظهر بعض مساوئهم ، فإنهم لا يقبلونه ، ويتهمون الرافضة بالكذب فيه.

إنهم لا يقبلون منهم أي شيء فيه تأييد لمذهب الشيعة ، وتفنيد لمذاهب غيرهم.

٣٥ ـ الرافضة لا إسناد لهم :

ومن أجل استبعاد فقه ، ورؤى ، ومعارف أهل البيت «عليهم السلام» الذين هم أحد الثقلين اللذين أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتمسك بهما إلى يوم القيامة ، وهم سفينة نوح التي ينجو من ركبها.

ولكي تبقى الساحة مفتوحة أمام الآخرين ليأخذوا بفتاوى أناس عاشوا ، أو فقل : ولدوا بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» بعشرات

__________________

(١) لسان الميزان ج ١ ص ١٠ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٧ و ٢٨.

٢٦٤

السنين ، ليسوا من أهل بيت النبوة ، ولا من معدن الرسالة ، ولا من مهبط الوحي والتنزيل.

نعم ، من أجل ذلك ، نجدهم يحاولون قطع الصلة بين الرافضة وبين الرسول بالكلية.

فقد قال التهانوي حول المعرفة بالإسناد : «لا ريب أن الرافضة أقل معرفة بهذا الباب ، وليس في أهل الأهواء والبدع أجهل منهم به ؛ فإن سائر أهل الأهواء ، كالمعتزلة والخوارج يقصرون في معرفة هذا ، لكن المعتزلة أعلم بكثير من الخوارج ، والخوارج أعلم بكثير من الرافضة ، والخوارج أصدق من الرافضة».

إلى أن قال : «أهل البدع سلكوا طريقا أخرى ابتدعوها واعتمدوها ، ولا يذكرون الحديث بل ولا القرآن في أصولهم إلا للاعتضاد ، لا للاعتماد.

والرافضة أقل معرفة بل وعناية بهذا ، إذ كانوا لا ينظرون في الأسناد ، ولا في سائر الأدلة الشرعية والعقلية ، هل توافق ذلك أو تخالفه. ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط.

بل كل إسناد متصل لهم ؛ فلا بد أن يكون فيه من هو معروف بالكذب ، أو كثرة الغلط ، وهم في ذلك شبيه باليهود والنصارى ، فإنه ليس لهم أسناد».

وقال : والأسناد من خصائص هذه الأمة ، وهو من خصائص الإسلام ، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة ، والرافضة أقل عناية به ، إذ كانوا لا يصدقون إلا بما يوافق أهواءهم ، وعلامة كذبه أنه يخالف هواهم»(١) .

__________________

(١) قواعد في علوم الحديث ص ٤٤٣ و ٤٤٤.

٢٦٥

٣٦ ـ رواية ما لا يضر :

وأما رواية الشيعي ، وحتى الرافضي لما يؤيد مذهب أهل السنة ، أو فقل ما لا يضر بنهجهم ، ولا بمذهبهم ، فهي مقبولة ، بل يمكن أن يصبح الشيعي بل الرافضي من رواة الصحاح ألست أيضا ، وبذلك يكون قد جاز القنطرة ، كما سنرى.

٣٧ ـ حديث الداعية إلى البدعة يرد :

وأما بالنسبة للخوارج والنواصب ، وحتى الشيعي والرافضي أحيانا حين يوافق هواهم ، ويخدم اتجاههم بزعمهم ، فقد قالوا :

إن صاحب البدعة إذا لم يكن داعية ، أو كان وتاب ، أو اعتضدت روايته بمتابع ، فإن روايته تقبل ، أما إذا كان داعية ، فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته(١) .

وقيل لا تقبل رواية غير الداعية أيضا(٢) .

__________________

(١) علوم الحديث لابن الصلاح ص ١٠٤ و ١٠٣ والباعث الحثيث ص ٩٩ وإرشاد الفحول ص ٥١ وفتح الباري (المقدمة) ص ٤٥٩ و ٤٥٠ ومعرفة علوم الحديث ص ١٣٥ والخلاصة في أصول الحديث ص ٩٥ والمجروحون ج ١ ص ١٦٨ والكفاية في علم الرواية ص ١٢١ و ١٢٣ و ١٢٦ ـ ١٢٨ وقواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ٢٣٠ و ٢٣١ و ٤٠٢ و ٢٠٧ وتقريب النووي وشرحه للسيوطي المسمى بتدريب الراوي ج ١ ص ٣٢٥.

(٢) الخلاصة في أصول الحديث ص ٩٥ والكفاية في علم الرواية ص ١٢٠ وقواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ٢٢٧ ـ ٢٣٠ وتقريب النووي وشرحه (تدريب الراوي) ج ١ ص ٣٢٤ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٤٦ عنه وعن

٢٦٦

٣٨ ـ حجم البدعة :

وبما أن ما تقدم لا يكفي في علاج بعض جهات القضية ، لا سيما وأنهم يردون روايات من يتهم بالتشيع ، مع أن صحاحهم تروي عن الشيعة ، فقد اتجهوا نحو الحديث عن حجم البدعة ومقدارها ، فقالوا :

إن كانت البدعة صغرى ، جازت الرواية عن صاحبها ، وإن كانت كبرى لم تجز ؛ فالبدعة الكبرى هي الرفض الكامل ، والصغرى كغلو التشيع ، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق(١) .

وبذلك يفسحون المجال أمام الرواية عن بعض علمائهم الذين ينسبون إليهم التشيع لمجرد :

أنه روى حديثا في فضل علي «عليه السلام» ، أو تكلم في معاوية ، كالنسائي ، وعبد الرزاق الصنعاني ، والحاكم النيسابوري ، وأضرابهم.

٣٩ ـ من روى له الشيخان ، جاز القنطرة :

ولكن تبقى مشكلة روايتهم عن بعض المبتدعة ، الذين هم من أشد الدعاة إلى بدعتهم ، مثل عمران بن حطان ، وغيره من النواصب والخوارج ، فحلوها بطريقة جبرية ، وقاطعة ، حين قالوا : من روى له الشيخان ، فقد جاز القنطرة(٢) .

__________________

الكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٩ : أو عن : المجروحون ج ٢ ص ٢٧ ب وعن المحدث الفاضل ج ١ ص ١٢.

(١) لسان الميزان ج ١ ص ٩ و ١٠ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٣٠.

(٢) قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ٤٦٣ عن أبي الوفاء القرشي في كتاب الجامع الذي جعله ذيلا للجواهر المضية ج ٢ ص ٤٢٨.

٢٦٧

وقال الذهبي في ترجمة يحيى بن معين : «وأما يحيى فقد جاز القنطرة (يعني برواية الشيخين له) فلا يلتفت إلى ما قيل فيه ، بل قفز من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي ـ يعني أنه في أعلى مراتب التعديل والتوثيق»(١) .

وذكر التهانوي : إن كل من حدث عنه البخاري فهو ثقة ، سواء حدث عنه في الصحيح ، أم في غيره ، وكذا كل من ذكره البخاري في تواريخه ، ولم يطعن فيه ، فهو ثقة ، وكذا كل من حدث عنه مسلم ، والنسائي ، وأبو داود ، أو سكت عنه أبو داود فهو ثقة أيضا(٢) .

٤٠ ـ الخوارج صادقون :

وبعد ما تقدم ، فقد حلت مسألة لزوم قبول روايات بعض علماء أهل السنة الكبار ، الذي اتهموا بالتشيع ، بسبب روايتهم بعض فضائل علي وأهل بيته «عليهم السلام» ، أو انتقدوا معاوية وأضرابه ، وقبلت أيضا روايات بعض الشيعة أو الرافضة ، التي جاءت منسجمة مع النهج الفكري الذي يلتزمه غير الشيعة أيضا ، ثم قبلت أيضا روايات الصحاح ؛ البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وأبي داود ، ولكن ذلك كله لا يكفي أيضا ، بل لا بد من تصحيح رواية كل خارجي وناصبي ، مع أنهم يدّعون : أن هؤلاء أهل بدعة قد ترك أهل السنة حديثهم(٣) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ٤ ص ٤١٠.

(٢) لخصنا ذلك من كتاب : قواعد في علوم الحديث للتهانوي ج ٢ ص ٤٢٨.

(٣) ميزان الاعتدال ج ١ ص ٣ ولسان الميزان ج ١ ص ٧ و ١٢.

٢٦٨

ومع أن فيهم من يدعو إلى بدعته ، ومن كان داعية إلى بدعته لا تقبل روايته(١) .

ومع أنه قد تقدم : أن الخوارج معروفون بوضع الحديث ، وقد ترك الناس الرواية عنهم في البداية لذلك.

فعالجوا هذا المشكل بدعوى : أن «الخوارج أعلم بكثير من الرافضة ، والخوارج أصدق من الرافضة ، بل الخوارج لا نعلم عنهم أنهم يتعمدون الكذب ، بل هم من أصدق الناس»(٢) .

وقال أبو داود : «ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج»(٣) .

وقال التهانوي : «الخوارج لا يكادون يكذبون ، بل هم من أصدق الناس مع بدعتهم وضلالهم»(٤) .

وقال ابن تيمية : «الخوارج مع مروقهم من الدين فهم أصدق الناس ، حتى قيل : إن حديثهم أصح الحديث»(٥) .

وعلل بعضهم صدقهم بأنهم يقولون بأن مرتكب الكبيرة كافر(٦) .

__________________

(١) راجع تفصيل ذلك فيما تقدم وفي لسان الميزان ج ١ ص ١٠.

(٢) قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ٤٤٣.

(٣) ميزان الاعتدال ج ٣ ص ٢٣٦ والعتب الجميل ص ١٢١ وفتح الباري (المقدمة) ص ٤٣٢ وج ٢ ص ١٥٤.

(٤) قواعد في علوم الحديث ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٥) بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٩.

(٦) المصدر السابق ص ٢٨.

٢٦٩

ولا ندري كيف صح له هذا التعليل.

وهؤلاء الخوارج أنفسهم قد قتلوا عبد الله بن خباب ، وارتكبوا جرائم الزنى ، وغيرها مما هو مسطور في تواريخهم؟!

٤١ ـ الاعتزال ، والعداء لأهل الحديث :

وحين طغت مدرسة أهل الحديث ، ونشروا في الناس الكثير من الأمور التي يأباها العقل والوجدان ، والفطرة ، وتخالف القرآن.

مثل : نفي عصمة النبي «صلى الله عليه وآله» إلا في التبليغ ، عقيدة الجبر ، التجسيم والتشبيه ، لزوم الخضوع للحاكم الظالم ، والمنع من الاعتراض عليه ، وغير ذلك من أمور أدخلوها في عقائد المسلمين ، وفي تاريخهم ، وهي مأخوذة في الأكثر من أهل الكتاب.

ثم واجههم المعتزلة ، وغيرهم ، ولا سيما الشيعة بالأحاديث الصحيحة والصريحة ، التي رووها هم أنفسهم ، فأحرجوهم في كثير من المواقع ، وفندوا مزاعمهم وأقاويلهم ، سواء بالنسبة لكثير من الجهات العقائدية ، أم بالنسبة لبعض ما يزعمون أنه أحداث تاريخية ، أو غيرها.

فإنهم التجأوا إلى أسلوب التجريح ، والمقاطعة على الصعيد الفكري ، وقرروا بالنسبة إلى الشيعة رد رواية كل من فيه رائحة التشيع.

وأما بالنسبة للمعتزلة الذين كانوا يتمتعون بالتأييد من قبل عدد من الحكام ، فقد قرروا :

أنه إذا كان الراوي معتزليا ، يناصب أهل الحديث العداء ، فلا يسمع كلامه ، ولا يعتد به ، لأن كونه معتزليا ، مخالفا لأهل الحديث ، يوجب

٢٧٠

ضعفه ، وسقوط ما يأتي به!!(١) .

٤٢ ـ خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء :

ومن الذين يسمح لهم بالحديث على نطاق واسع عائشة أم المؤمنين ، التي نشرت في الناس ألوف الأحاديث ، التي تصب في اتجاه معين ، لا يتلاءم كثيرا مع خط علي «عليه السلام» وأهل بيته.

إن لم نقل : إنه يؤيد الاتجاهات المخالفة له في كثير من الأحيان.

ومنعا لأي ريب أو اعتراض ، فقد جاءت الضابطة على صورة حديث منسوب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» يقول : «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»(٢) .

٤٣ ـ أبو هريرة راوية الإسلام :

ومن المعلوم : أن أبا هريرة الدوسي يستأثر بأكبر رقم من الروايات التي ينسبها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث إن له منها ، حسب إحصائية ذكرها العلامة أبو رية رحمه الله ٥٣٧٤ حديثا(٣) .

ونحن نجد الطعون تتوجه إلى هذا الرجل ، أعني أبا هريرة من كل حدب وصوب ، وقد ألفت في ذلك الكتب(٤) ، وكتبت البحوث.

بل إنك تجد في الطاعنين عليه من هو من كبار الصحابة أيضا ؛ وقد قال

__________________

(١) السنة قبل التدوين ص ٤٤٣.

(٢) أضواء على السنة المحمدية ص ١٢٧.

(٣) راجع : كتابه أضواء على السنة المحمدية.

(٤) راجع كتاب : أبو هريرة لشرف الدين ، وكتاب : أبو هريرة شيخ المضيرة ، لأبي رية.

٢٧١

إبراهيم بن سيار النظام : أكذبوه : عمر ، وعثمان ، وعلي ، وعائشة(١) .

ورد سعد على أبي هريرة مرة ، فوقع بينهما كلام حتى ارتجت الأبواب بينهما(٢) .

وروي عن عمر بن الخطاب قوله : أكذب المحدثين أبو هريرة(٣) .

وقد ذكر الذهبي نصوصا عديدة تفيد : أنهم كانوا يتجنبون حديث أبي هريرة ، ويتكلمون في إكثاره من الحديث(٤) .

وإن أدنى مراجعة لكتاب أبو هريرة شيخ المضيرة للشيخ محمود أبي رية ، وكذا كتاب أبو هريرة للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين ، تغنينا عن ذكر النصوص الكثيرة لذلك.

وبعد كل ما تقدم نقول : لقد رأوا : أن هذه الطعون التي تتوجه إلى أبي هريرة من كل حدب وصوب ، قد تؤدي إلى إحداث خلل كبير في البنية الفكرية لتيار كبير من الناس ، فلا بد إذن من مواجهة هذه الهجمة بهجمة مماثلة ، ولا مانع من أجل تثبيت الأصول والقواعد من استعمال أسلوب التخويف ، والتهويل ، بل والسباب ، ثم الاتهام بكل عظيمة ، وإن لم ينفع ذلك كله في دفع غائلة تلك التجريحات والطعون ، فبالإمكان الالتجاء إلى أسلوب تحريض الحكام على أولئك الناس ، إذا ما حاولوا التذكير بأقوال

__________________

(١) تأويل مختلف الحديث ص ١٣٢ والسنة قبل التدوين ص ٤٥٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٣.

(٣) السنة قبل التدوين ص ٤٥٥ عن : رد الدارمي على بشر المريسي ص ١٣٢.

(٤) راجع : سير أعلام النبلاء ج ٢ ترجمة أبي هريرة.

٢٧٢

السلف ومواقفهم من أبي هريرة راوية الإسلام.

ولعل خير ما يجسد هذا الاتجاه هي أقوال ابن خزيمة التي جمعت ذلك كله ، حيث قرر :

أن من يطعن في أبي هريرة : إما معطل جهمي وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد ، ولا يرى طاعة خليفة ، ولا إمام ، أو قدري ، أو جاهل(١) .

هذا كله عدا عن رمي الطاعنين على أبي هريرة بالانحراف ، والضلال ، وبكثير من أنحاء التوهين والتهجين ، والإخراج من الدين ، كل ذلك إكراما لأبي هريرة ، فلأجل عين ألف عين تكرم.

٤٤ ـ لا يعرض الحديث على القرآن :

ومن أجل مواجهة الحالة الناشئة من وجود أحاديث كثيرة ، حتى في الصحيحين تخالف القرآن الكريم وتنافيه ، الأمر الذي من شأنه أن يحرج القائلين بصحة كل ما في الصحيحين ، وكذا ما جاء في غيرهما من أحاديث بأسانيد معتبرة وصحيحة ، حسب تقديراتهم ، من أجل ذلك ، قرروا :

أن الحديث أصل قائم برأسه(٢) ولا يعرض على الكتاب العزيز ، والأحاديث التي تلزم بعرض الحديث على القرآن هي من وضع الزنادقة ، والسنة قاضية على الكتاب ، وليس الكتاب بقاض على السنة. (وسيأتي ذلك مع مصادره في الفصل التالي إن شاء الله تعالى).

__________________

(١) راجع : السنة قبل التدوين ص ٤٦٧ و ٤٦٨.

(٢) مقالات الإسلاميين ج ٢ ص ٢٥١.

٢٧٣

ولأجل هذا نجد : «أن كثيرا من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة ؛ لرده كثيرا من أخبار الآحاد العدول ، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع من الأحاديث ، ومعاني القرآن»(١) .

٤٥ ـ موافقة أهل الكتاب :

أما ما نرى : أنه قد جاء موافقا لأهل الكتاب ، فهو لا يعني ـ بالضرورة ـ أن أهل الكتاب قد تلاعبوا بهذا الدين ، وأدخلوا فيه ترهاتهم.

وذلك لوجود ضابطة مزعومة تقول : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يحب موافقة أهل الكتاب في كل ما لم يؤمر به(٢) .

رغم أننا قد قدمنا : أن الأمر كان على عكس ذلك تماما ، ولسوف يأتي في هذا الكتاب ، حين الكلام حول صيام عاشوراء ما يثبت ذلك أيضا إن شاء الله تعالى.

٤٦ ـ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج :

أما بالنسبة للرواية عن بني إسرائيل ، وإعطاء الفرصة لأهل الكتاب لبث سمومهم ، والعبث بأفكار الناس ، وتسريب عقائدهم ، وأفكارهم ، وحتى أحكامهم الفقهية إلى المسلمين ، فليس الذنب في ذلك ذنبهم ، وإنما كان ذلك انسجاما مع الضابطة المقررة ، وامتثالا للمرسوم الذي يقول : «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج».

__________________

(١) أضواء على السنة ص ٣٧٠ عن الانتقاء ص ١٤٩.

(٢) راجع : صحيح البخاري ط الميمنية ج ٤ ص ٦٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٣٢ وزاد المعاد ج ١ ص ١٦٥.

٢٧٤

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحدث عن بني إسرائيل عامة ليله حتى يصبح ، كما زعموا ، وكل ذلك قد تقدم.

٤٧ ـ الحسن والقبح شرعيان لا عقليان :

وتواجههم أحكام شرعية مزعومة ، وأقاويل عقائدية ، وأحاديث وأوامر وأمور غير معقولة ، ولا مستساغة ، من قبيل ما ذهب إليه جمهور الأشاعرة من أن التكليف بغير المقدور وما لا يطاق صحيح وجائز ، بل جوز بعضهم التكليف بالمحال أيضا(١) ، واستدلوا على ذلك بما لا مجال لذكره هنا(٢) ، واستدل البعض بروايات بدء نزول الوحي أيضا ، كما سيأتي.

فمن أجل مواجهة الضجة التي ربما تثيرها أقاويل من هذا القبيل جاؤوا بضابطة عجيبة غريبة تقول :

إنه لا قبيح إلا ما قبحه الشرع ، ولا حسن إلا ما حسنه الشرع. أما العقل فلا دور له في هذا الأمر ، لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا ما ذهب إليه الأشعرية ، ومن وافقهم(٣) وبذلك تنحل عندهم كثير من العقد العقائدية ، والتاريخية ، والفقهية وغيرها ، ولا نريد أن نناقش هذه المزعمة هنا ، غير أننا نشير إلى أن الشوكاني ـ وهو من كبار علمائهم ـ قد اعتبر إنكار

__________________

(١) راجع : نهاية السؤل (شرح منهاج الأصول) ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣٢١ متنا وهامشا ، وص ٣٤٥ و ٣٤٧ و ٣٤٨ و ٣٥٣ وإرشاد الفحول ص ٩ (١).

(٢) راجع : إرشاد الفحول ص ٩.

(٣) راجع : إرشاد الفحول ص ٧ ونهاية الأصول ج ١ ص ٣١٤ وص ٨١ ـ ٨٥.

٢٧٥

إدراك العقل لكون الفعل حسنا ، أو قبيحا مكابرة ومباهتة(١) .

٤٨ ـ صوافي الأمراء :

وقد قلنا في فصل سابق : إنهم من أجل تلافي الإعتراضات على بعض الفتاوى التي كانت تصدر من بعض الرموز الرئيسية ، مما يخالفون فيها صريح النص القرآني أو النبوي ، الأمر الذي قد يزعزع الثقة بهم ، بالإضافة إلى سلبيات أخرى ، إنهم من أجل تلافي ذلك ، قرروا حصر الفتوى في القضايا السياسية والقضائية الهامة ، بالأمراء ، وسموها : صوافي الأمراء.

٤٩ ـ الفتوى لأشخاص بأعيانهم :

وأما سائر ما تبقى من أمور ، فقد أوكلت إلى أناس بأعيانهم ، وحظر على الآخرين ـ الذين لا يطمأنّ إلى ميلهم ، أو أهليتهم في مجال تقوية الخط السياسي القائم ـ حظر عليهم أن يتصدوا للفتوى ، أو للرواية ، وقد قدمنا بعض ما يوضح ذلك فلا نعيد ، ثم قرروا ضابطة أخرى وهي :

٥٠ ـ المنع من الحديث ، من روايته ، ومن كتابته :

وكذا ضابطة :

٥١ ـ المنع من السؤال عن معاني القرآن :

إلى غير ذلك : من معايير زائفة ، وضوابط تهدف إلى حفظ الإنحراف والإحتفاظ به ، لا يتسع المقام لذكرها ، ولا تسمح الفرصة بتقصيها. ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.

__________________

(١) إرشاد الفحول ص ٩.

٢٧٦

الفصل الرابع :

الضوابط الصحيحة للبحث العلمي

٢٧٧
٢٧٨

لا بد من معايير وضوابط :

وإذ قد اتضح لدينا : أنه قد كان ثمة خطة خبيثة ، تستهدف النيل من شخصية النبي العظيم والكريم «صلى الله عليه وآله» ، ومن المقدسات الإسلامية ، ومن كل رموز الإسلام وشعائره ، ومبانيه ومآثره ؛ فمن الضروري جدا ـ إذا أردنا تقييم النصوص الروائية والتاريخية النبوية ، وكل قضايا الإسلام ـ أن نعتمد معايير وضوابط قادرة على إعطائنا الصورة الحقيقية ، والأكثر نقاء وصفاء ، ثم هي قادرة على إبعاد ذلك الجانب الموبوء والمريض ، والمزيف عن دائرة اهتماماتنا ، ثم عن محيطنا الفكري ، والعملي بصورة كاملة وشاملة ، فما هي تلك المعايير؟

وما هي حقيقة هاتيك الضوابط؟!

إننا من أجل الإجابة على هذا السؤال نقول بإيجاز واختصار :

أدوات البحث الموضوعي والعلمي :

إن من الواضح : أن ما لدينا من علوم إسلامية ، مثل علم الفقه وأصوله ، وعلوم القرآن ، والكلام ، والرجال ، والتاريخ ، والنحو واللغة ، وغير ذلك قد استفدنا في بعضه ـ جزئيا على الأقل ـ من إرشادات العقل وأحكامه ، ومن تتبع ودراسة اللغة العربية ، من جهات وحيثيات مختلفة ، إلا

٢٧٩

أن معظم ذلك قد جاء من خلال الاستفادة من النص القرآني الكريم ، ومعرفة حقائقه ودقائقه ، وسائر ما يرتبط به ، ثم ما جاء على شكل روايات ، نقلها لنا أناس عن غيرهم ، ونقلها هؤلاء عن آخرين أيضا

وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو الإمام «عليه السلام» ، أو أي شخص آخر روى الحدث أو عاينه ، أو صدر منه القول أو الموقف.

فإذا أردنا البحث في صحة أو فساد هذا المنقول ، فلا بد لنا من امتلاك أدوات البحث ، واستخدام وسائله.

ونريد أن نوضح هنا : أن وسائل وأدوات البحث العلمي لدى الواعين من أهل الإسلام ، لا تختلف عنها لدى غيرهم من عقلاء البشر جميعا ، فهم يعتمدون نفس المعايير والضوابط التي يعتمدها سائر العقلاء والحكماء من الناس ، إذا أرادوا الوصول إلى ما هو حق وواقع وصحيح ، واستبعاد ما هو مزيف ، أو محرف ، أو مصطنع.

ونحن لا بد لنا من أجل استيفاء البحث من الإشارة إلى بعض تلك الأدوات والوسائل(١) ، فنقول :

__________________

(١) إن محط نظرنا في هذا الفصل وفي سابقه ، هو ـ في الأكثر ـ النصوص المرتبطة بالنبي «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة المعصومين «عليهم السلام». وما عدا ذلك من قضايا تاريخية فإنه لا يهمنا كثيرا الآن. ونشير هنا إلى أن من المعلوم : أن التاريخ وكل قضايا التراث قد كتبت ـ في الأكثر ـ بأيد غير أمينة ، فلا يمكن المبادرة إلى عرضها على أنها تاريخ أو تشريع ، أو غير ذلك إلا بعد دراستها بعمق ، وتمحيصها بصورة كافية ووافية. ونحن نعترف في الوقت الحاضر أننا غير قادرين على القيام بمهمة كهذه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

العلوم ـ في مقدمات شرحه على (الشرائع) ، قال : (وجدت بخط الشيخ السيِّد سعید صاحب (حدائق الأبرار) ، من أحفاد الشارح الفاضل الشهيد الثاني ، قال : وجدت بخط الشيخ ناصر البويهي ، وهو من الفقهاء المتبحِّرین ، والعلماء المتَّقين ، ما هذا لفظه : أنه رأى في منامه كأنَّه في قرية جزّين ، التي هي قرية الشيخ شمس الدین محمّد بن مكي الشهير بالشهيد الأول ، في سنة ٩٥٥ ، قال : ذهبت إلى باب بيت الشيخ فطرقته فخرج الشيخ إليّ ، فطلبت منه الكتاب الَّذي صنّفه الشيخ جمال الدين بن المطهَّر في الاجتهاد ، فدخل بيته وأتاني بالكتاب ومعه کتاب آخر ، وأظنُّه في الروايات ، فناولنيهما واستيقظت وهما معی) ، انتهى(١) .

ولدرحمه‌الله سنة ٧ ٣٤ ، واستشهد في سنة ٧٧ ٦ فكان عمره الشريف اثنين وخمسين سنة ، وصرَّح في أربعینه : (أنَّ فخر المحقِّقين أجازه في داره بالحلِّة سنة ٧ ٥ ١ ، وكذا السيِّد عميد الدين في الحضرة الحائرية ، وابن نما بعد هذا التاريخ بسنة ، وكذا ابن معيِّة بعده بسنة ، والمطار آبادي بعده بسنة ، فعلم أنهرحمه‌الله ارتحل إلى العراق وتلمَّذ على تلامذة العلّامةرحمه‌الله أوائل بلوغه ، وهم جماعة كثيرة نشير إلى أساميهم الشريفة) ، انتهى(٢) .

ويروي عن نحوٍ من أربعين شيخاً من علماء العامّة من أهل مكّة والمدينة ، ودار السلام (بغداد) ، ومصر ، ودمشق ، وبيت المقدس ، ومقام الخليلعليه‌السلام .

ومن تأمَّل في مدَّة عمره الشريف ، ومسافرته إلى تلك البلاد ، وتصانيفه الرائقة في الفنون الشرعية ، وأنظاره الدقيقة ، وتبحُّره في الفنون العربية والأشعار

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٢.

(٢) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣٠٣.

٣٢١

والقصص النافعة ، يعلم أنه من الَّذين اختارهم الله تعالی لتكميل عباده وعمارة بلاده ، وأنَّ كل ما قيل أو يقال في حقِّه فهو دون مقاعه ومرتبته(١) .

وقَدْ تلمَّذ على كثير من فضلاء الفريقين ، وروى عن جمٍّ غفیر منهم ، وله كتب منها :

(الذكرى) خرج منه الطهارة والصلاة.

وکتاب (الدروس) خرج منه أكثر الفقه.

وکتاب (غاية المراد في شرح نکت الارشاد).

وکتاب (جامع البين في فوائد الشرحين) جمع فيه بين شرحي (تهذيب الأُصول) المعروف بالعميدي ، وشرح السيِّد ضياء الدين.

وكتاب (البيان في الفقه).

ورسالة (الباقيات الصالحات).

و (اللُّمعة الدمشقية) في الفقه.

والأربعون حديثاً).

و (الألفية) و (النفلية) وهما في الواجبات والمستحبات المتعلقة بالصلاة.

و (رسالة في قصر من سافر بقصد الإفطار والتقصير).

و (خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار).

وکتاب (القواعد).

و (رسالة التكليف).

__________________

(١) عن خاتمة المستدرك ٢ : ٣۰٣.

٣٢٢

و (إجازة مبسوطة حسنة).

وکتاب (المزار) و (الدرَّة الباهرة) اقتصر فيه على إيراد الكلمات القصار من النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام .

وكتاب (المسائل المقداديات).

و (شرح قصيدة الشيخ أبي الحسن علي بن الحسين الشهفيني العاملي في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام ) مجنّساً.

سبب قتله

وسبب قتله على ما ذُكِر : (أنه قتل في دولة [بيدر وسلطنة] برقوق ، بفتوى القاضي برهان الدين المالكي ، وعَبّاد بن جُماعة الشافعي ، بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام)(١) .

وكان سبب حبسه وقتله على ما ذكره المولی محمّد تقي المجلسيرحمه‌الله في (شرح الفقيه) : أنَّه لِما ذكرهُرحمه‌الله في الألفية من أنَّ الإقرار بالنبوة وإمامة الأئمّة الإثني عشر شرط في صحَّة الصلاة ، وأنَّ من لم يعتقد بذلك فلا صلاة له.

فتأثرت العامَّة من ذلك ، وقالوا : إنه يلزم من ذلك بطلان سائر عياداتنا ، فقتلوه بذلك(٢) .

وقيل : إنه وشی به رجل من أعدائه وكتب محضراً يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشيعة وغيرهم ، وشهد بذلك جماعة كثيرة وكتبوا

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٢ ، ومابين المعقوفين منه.

(٢) لم أعثر عليه في روضة المتقين ولعله في شرحه الفارسي ، وينظر عن شهادته بالتفصيل : روضات الجنات ٧ : ١٠ ـ ٢١.

٣٢٣

عليه شهادتهم ، وثبت ذلك عند قاضي صيدا ، ثُمَّ أتوا به إلى قاضي الشام فحبس عنده سنة ، ثُمَّ أفتى الشافعي بتوبته ، والمالكي بقتله ، فتوقف في التوبة خوفاً من أن يثبت عليه الذنب ، وأنكر ما نسبوه إليه للتقية.

فقالوا : قَدْ ثبت ذلك عليك ، وحكم القاضي لا ينقض ، والإنكار لا يفيد ، فغلب رأي المالكي لكثرة المتعصّبين عليه ، فقُتل ، ثُمَّ صُلب ، ورُجم ، ثُمَّ اُحرق. وذكر بعضُ : أنه وجده بخط المقداد تلميذهرحمه‌الله (١) .

سيف الدين برقوق

وبرقوق هذا الَّذي قُتل في أيام سلطنته ، هو : الملك الظاهر سيف الدين برقوق ، وإنما سمِّي برقوق ؛ لجحوظٍ في عينيه ، وهو أول ملوك الجراكسة بمصر والشام ، وكان ابتداء دولتهم سنة ٧۸ ٤ ، وانقراضهم في سنة ۹٢٢ ، فمدة ملكهم ١٣۸ سنة ، وعددهم ثلاثة وعشرون ملكاً ، وكان وفاة برقوق ليلة الجمعة في خامس عشر شوال سنة ۸۰١ (٢).

كتابة الملك علي بن مؤيد إلى الشهيد الأول

وفي شرح (اللُّمعة) أن الشهيدرحمه‌الله كتب (اللُّمعة) بالتماس شمس الدین محمّد الآوي الَّذي هو من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده تیمورلنك فصار معه قسراً ، إلى أن توفّي ـ أي : السلطان علي بن مؤيد ـ في حدود سنة ٧٩٥ بعد أن استشهد المصنِّف (قدَّس الله سرّه) بتسع سنين ، وكان بينه وبين المصنِّف (قدَّس الله سرّه)

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١۸٣.

(٢) ينظر ترجمته في : الأعلام ٢ : ٤۸.

٣٢٤

مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثُمَّ إلى الشام. وطلب منه أخيراً التوجَّه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطُّف والتعظيم والحث للمصنِّفرحمه‌الله على ذلك ، فأبی وأعتذر إليه.

وصنَّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكَّن أحد من نسخها منه لضنّته(١) بها ، وإنَّما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثُمَّ أصلحه المصنِّف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايراً للأصل يحسب اللفظ ، وذلك في سنة ٧۸٢.

ونقل عن المصنفرحمه‌الله أن مجلسه بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور ؛ لخلطته بهم وصحبته لهم.

قال : (فلمَّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليَّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليَّ أحد منهم منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف.

قالرحمه‌الله : وهو من جملة كراماتهقدس‌سره ونُوِّرَ ضريحه) ، انتهى(١) .

أقول : وعلي بن مؤيد كان من الشيعة الخُلَّص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكان حسن السيرة يجتنب المسكرات ، ويعظّم العلماء والسادات إلى الغاية ، وكان في كل

__________________

(١) ضَنَّ (بالضاد) : بمعنى (حرص).

(١) الروضة البهية ١ : ٢٣٨.

٣٢٥

صباح ينتظر ظهور الحجّة عجَّل الله فرجه ، ويخرج خيله ورکابه استعداداً لنصرته ، وكان يحمل الجوشن تحت ثيابه ، وكان كريماً للغاية.

ولمّا دخل تیمور کور (كان خراسان) حضر مجلسه علي بن مؤيد فلازم خدمته ، فاشفق عليه تيمور وأنفذه على ما كان تحت تصرُّفه من بلاد خراسان وما والاها ، فكان علي بن مؤيد لا يفارق جيش تیمور في الأسفار إلى أن توفّي سنة ٧۸٣ ، وكان هو الثاني عشر من ملوك (سربداران) وانتهت به ملوکيَّتهم.

وهذه صورة ما كتبه إلى الشهيدرحمه‌الله :

(سلامٌ كَنَشْرِ العَنْبَرِ المُتَضَوّعِ

يُخلَّفُ رِيْحَ المِسْكِ في كُلِّ مَوْضِعِ

عَلَى شَمْسِ دِيْنِ الحقِّ دامَ ظِلالُهُ

بجدٍّ سَعيدٍ في نَعيمٍ مُمتَّعِ

أدام الله تعالی مجلس المولى الإمام العالم ، الفاضل الكامل ، السالك الناسك ، رضيّ الأخلاق ، وفيّ الأعراق ، علّامة العالم ، مرشد طوائف الأُمَم ، قدوة العلماء الراسخين ، اُسوة الفضلاء المحقِّقين ، مفتي الفرق ، الفاروق بالحق للحقّ ، حاوي فنون الفضائل والمعاني ، حائز قصب السبق في حلبة الأعاظم والأعالي ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، محيي مراسم الأئمة الطاهرین ، سرّ الله في الأرضين ، مولانا شمس الملّة والحق والدین ، مد الله أطناب ظلاله بمحمّد وآله في دولة راسية الأوتاد ، ونعمة متصلة الأمداد ، إلى يوم التناد.

ويعد : فالمحب المشتاق مشتاق إلى كريم لقائه غاية الاشتياق ، وأن يتشرف بعد البعاد بقرب التلاق.

حُرِمَ الطَّرْفُ عَنْ مُحَيّاكَ لَكِنْ

قَدْ حَظى القَلْبِ مِنْ مُحَيّاكَ رَيّا

٣٢٦

وينهي إلى ذلك الجناب ، لا زال مرجعاً لأُولي الألباب ، أنّ شيعة خراسان (صانها الله عن الحدثان) ، متعطِّشون إلى زلال وصاله ، والاغتراف من بحر فضله وأفضاله ، وأفاضل هذه الديار قَدْ مزق شملهم أيدي الأدوار ، وفرق جلَّهم ، بل كلهم صنوف صروف الليل والنهار.

وقال أمير المؤمنين (عليه سلام رب العالمين) : «ثلمةُ الدين موتُ العلماء». وإنّا لا نجد فينا من يوثق به على علمه في فتياه ، أو يهتدي الناس برشد هداه ، فيسألون الله شرف حضوره والاستضاءة بنوره ، والاقتداء بعلومه الشريفة ، والإهداء برسومه المنيفة ، واليقين بكرمه العميم ، وفضله الجسيم ، أن لا يُخَيِّبَ رجاءهُم ولا يَرُدَّ دعاءهم ، ويُسعِفَ مسؤولهم ، وينجح مأمولهم نظم :

إذَا كانَ الدُّعَاءُ لَمحْضِ خَيْرٍ

عَلَى اَيْدي الكَرِيْمِ فَلَا يردُّ

امتثالا بما قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ(١) .

ولا شك أنَّ الأرحام أولى بصلة الرحم الإسلامية الروحانية ، وأحرى القرابات بالرعاية القرابة الإيمانية ثُمَّ الجسمانية ، فهما عقدتان لا تحلُّهما الأطوار والأدوار ، بل شعبتان لا يهزمهما إعصار الأعصار ، ونحن نخاف غضب الله تعالى على هذه البلاد لفقد المرشد ، وعدم الإرشاد.

والمسؤول من إنعامه العام ، وإكرامه التام ، أن يتفضَّل علينا ، ويتوجَّه إلينا ، متوكِّلا على الله القدير ، غیر متعلّل بنوع من المعاذير. فإنَّا بحمد الله نعرف قَدْره ، ونستعظم أمره ، إن شاء الله تعالی.

__________________

(١) الرعد : ٢١.

٣٢٧