• البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 534 / تحميل: 256
الحجم الحجم الحجم
سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)

سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
ISBN: ٩٦٤-٤٩٣-١٧٢-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ثم كتب إليه في العام القابل بعدة هي أكثر من العدة الأولى ، ثم كتب إليه في العام الثالث.

فكتب إليه عمر يحمد الله على ذلك ، وقال : إن بني إسرائيل إنما هلكت حينما كثرت قراؤهم(١) .

ونلاحظ : أن هذه العبارة الأخيرة هي من سنخ استدلاله للمنع من كتابة الحديث!! فاقرأ ، واعجب بعد هذا ما بدا لك!!

هذا ومن المفارقات هنا : أن نرى هذا الخليفة بالذات يسمح لكعب الأحبار أن يقرأ التوراة آناء الليل وأطراف النهار ، كما سنرى!!

الدقة في التنفيذ :

وقد كان للاهتمام الذي أولاه الحكام للمنع من رواية الحديث وكتابته ، وما لمسه الناس من جدية وإصرار في تنفيذ هذه السياسة ، ومتابعة فصولها بدقة وحزم من قبل شخص الخليفة الثاني ، الذي كان قوله ورأيه في العرب نافذا ومقبولا ، قد كان لذلك تأثيرات سريعة وحاسمة على صعيد الالتزام التام بالتعليمات الصادرة لهم في هذا الخصوص ؛ فهذا أبو موسى الأشعري (وكذلك أنس بن مالك(٢) ) بمجرد أن أحس أن عمر يفكر في أمر ما في هذا الاتجاه ، يمسك عن الحديث حتى يعلم ما أحدثه عمر.

ولنا أن نظن ظنا قويا : أنهما كانا على علم مسبق بما كان الخليفة قد عقد العزم عليه في هذا الصدد ، وأراد ترويض الناس على قبول ذلك ، والالتزام به.

__________________

(١) كنز العمال ج ١٠ ص ١٦١ و ١٦٢.

(٢) راجع : مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٩٣ و ٣٧٢.

٨١

بل لقد بلغ بهم التحاشي عن حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» حدا مثيرا للدهشة ، حتى إن عبد الله بن مسعود ـ وهو الصحابي المعروف ـ كانت تأتي عليه السنة لا يحدث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بشيء(١) .

بل لقد قال عمرو بن ميمون : «صحبت عبد الله بن مسعود سنين فما سمعته يروي حديثا إلا مرة واحدة» ثم ذكر الحديث الذي رواه(٢) .

ويقول الشعبي : «قعدت مع ابن عمر سنتين ، أو سنة ونصفا ، فما سمعته يحدث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا حديثا.

أو قال : جالست ابن عمر سنتين فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا(٣) .

وكان زيد بن أرقم إذا طلبوا منه أن يحدثهم يزعم أنه كبر ونسي(٤) .

وقال عمرو بن ميمون الأودي : «كنّا جلوسا بالكوفة ، فجاء رجل ومعه كتاب ، فقلنا : ما هذا؟

قال : كتاب دانيال.

__________________

(١) راجع : صفة الصفوة ج ١ ص ٤٠٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١٥٦ ط صادر وفي ط ليدن ج ٣ قسم ١ ص ١١٠ ـ ١١١ والمستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ٣١٤ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) نفس الصفحة ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٧١ وحياة الشعر في الكوفة ص ٢٥٣.

(٢) أصول السرخسي ج ١ ص ٣٤٢.

(٣) راجع : سنن الدارمي ج ١ ص ٨٤ ومسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ١٥٧ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ١٥ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٧١ والغدير للعلامة الأميني ج ١٠ ص ٦٥ وج ٦ ص ٢٩٤.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٧٠ و ٣٧١ و ٣٧٢.

٨٢

فلو لا أن الناس تحاجزوا عنه لقتل.

وقالوا : كتاب سوى القرآن؟!»(١) .

وكيف لا يقتله الناس ، وهو قد خالف سنة عمر في حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وتجاوز سياساته تجاهه؟!

فإنه ولا شك قد ارتكب جريمة نكراء!! وجاء ببدعة صلعاء!!.

ثم إننا لا ندري ماذا كان يوجد في ذلك الكتاب المنسوب إلى دانيال النبي «عليه السلام».

ولعل الذين اعترضوا على هذا الكتاب كانوا لا يعرفون شيئا عن مضمون ذلك أيضا.

إلى متى؟! :

هذا ، وقد استمر المنع من رواية الحديث وتدوينه ساري المفعول ـ بصورة أو بأخرى ـ إلى زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ، الذي تولى الخلافة في مطلع القرن الثاني (في صفر سنة ٩٩ ه‍) لفترة وجيزة انتهت بموته في رجب سنة ١٠١ ه‍. فقد أظهر عمر بن عبد العزيز هذا رغبة في جمع الحديث ، فأمر محمد بن عمرو بن حزم بأن يكتب له حديث النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو سنة ماضية ، أو حديث عمرة بنت عبد الرحمن(٢) .

__________________

(١) تقييد العلم ص ٥٧ وفي هامشه عن : ذم الكلام للهروي ص ٢٧.

(٢) راجع : تقييد العلم ص ١٠٥ و ١٠٦ وتدريب الراوي ج ١ ص ٩٠ عن البخاري في أبواب العلم. وراجع : ذكر أخبار أصبهان ، وطبقات ابن سعد ج ٢ قسم ٢ ص ١٣٤ وج ٨ ص ٣٥٣ ط ليدن والعراق في العصر الأموي ص ١٥٥.

٨٣

ومراده بالسنة الماضية هي سنة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، كما سنشير إليه.

وإنما أراد حديث عمر لأجل الوصول إلى حديث عائشة كما هو معلوم ، ولا ندري : إن كان طلب الخليفة هذا قد نفذ أو لا.

ولكن الزهري المتوفى سنة ١٢٤ ه‍. قد كتب له طائفة من الروايات ، فأرسل إلى كل بلد دفترا من دفاتره التي كتبها له.

وقد كانت هذه المحاولة أيضا ضعيفة ومحدودة جدا(١) ولا تستطيع أن تعيد لحديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» دوره وحيويته في الناس كما هو واضح.

ورووا أيضا : أن أبا الزناد كتب سنن الحج لهشام بن عبد الملك ، وذلك في سنة ١٠٦ ه‍.(٢) لكن ليس ثمة ما يدل على أن ذلك قد وصل إلى أيدي الناس ، وتداولوه.

بل إن ما كتبه الزهري لم نجد له أثرا ملموسا فيما بين أيدينا من تراث

__________________

(١) راجع : السنة قبل التدوين ص ٣٦٤ و ٣٣٢ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٧٦ و ٩١ و ٥٠ و ٨٨ و ٩٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٧ ص ٤٤٧ والمصنف للصنعاني ج ٩ ص ٣٣٧ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٦ وحلية الأولياء ج ٣ ص ٣٦٣ وتدريب الراوي ج ١ ص ٩٠ وذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٣١٢ وتاريخ الخلفاء ص ٢٦١ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٦٩ و ١٧٠ و ٢٠٣ وتحفة الأحوذي (المقدمة) ج ١ ص ٣٣ و ٤٠.

وراجع : صحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍. ج ١ ص ١٩ والخطط للمقريزي ج ٢ ص ٣٣٣ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٢) الكنى والألقاب ج ١ ص ٨٠ والكامل في التاريخ ج ٥ ص ١٣٠.

٨٤

مكتوب ليمكننا تقييمه والحكم عليه.

ومهما يكن من أمر ، فإن من المؤكد : أن مفعول المنع من تدوين الحديث قد انتهى في أواسط القرن الثاني ، وأن الحركة الواسعة لتدوين الحديث قد بدأت في أواسط القرن الثاني للهجرة ، على يد ابن جريج ، ومالك بن أنس ، والربيع بن صبيح ، والثوري ، والأوزاعي ، وغيرهم(١) .

وأما البدايات الضعيفة والمحدودة لكتابة الحديث ، فقد حصلت قبل ذلك ، لكنها كانت محكومة للظروف العامة ، والخوف من التعرض إلى الأذى بسبب ذلك.

ولم يصل إلينا ولا إلى الناس من ذلك إلا النزر القليل ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

__________________

(١) راجع : بحوث في تاريخ السنة المشرفة. والسنة قبل التدوين ص ٣٣٧. وراجع : الجرح والتعديل ج ١ ص ١٨٤ وتدريب الراوي ج ١ ص ١٨٩ والخطط للمقريزي ج ٢ ص ٣٣٣ وتاريخ الخلفاء ص ٢٦١ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٧٠ و ١٦٩ و ١٦٠ و ١٩١ و ٢٠٣ وفتح الباري (المقدمة) ص ٤ و ٥ وكشف الظنون ج ١ ص ٢٣٧ والنجوم الزاهرة ج ١ ص ٣٥١ وتحفة الأحوذي المقدمة ج ١ ص ٢٥ و ٢٦ و ٢٨ ففي كل ذلك وفي غيره تجد ما يفيد في هذا المجال.

٨٥
٨٦

الفصل الثالث :

أين وما هو البديل؟

٨٧
٨٨

من الذي يفتي الناس؟!

وبعد ما تقدم ، فقد كان لابد للناس ، الذين يدينون بهذا الدين ، ويريدون أن يطبّقوا أحكامه وشرائعه على حركاتهم وسلوكهم ومواقفهم ـ لا بد لهم ـ من مرجع يرجعون إليه ، ليفتيهم في أمور دينهم ، ويبيّن لهم أحكامه ، من دون أن يتعرض لرواية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، لا من قريب ، ولا من بعيد.

وبديهي ، أنه لا يمكن السماح لكل الناس بالتصدي للفتوى ؛ لأن ذلك يحمل معه مخاطر كبيرة وخطيرة ، ويجعل السلطة في مواجهة مشاكل صعبة ، ويضعها أمام إحراجات لا طاقة لها بها. وذلك حينما تتعارض فتاواهم وتتناقض.

أو حينما تصدر عن بعض الناس فتاوى قد يعتبرها الحكام ومن يدور في فلكهم مضرة في مصالحهم في الحكم ، أو في غيره.

وهذا الأمر يحمل معه أجواء الاستدلال والاحتجاج ، والتأييد والرد ، ثم الإدانة ، وتسفيه الآراء.

ومعنى ذلك هو : العودة إلى طرح النصوص القرآنية ، والكلمات والمواقف النبوية ، كوسائل إقناع واحتجاج ، فيكون ما فروا منه قد عادوا فوقعوا فيه.

٨٩

مع ما في ذلك من إضعاف لمواقع ولرموز لا تريد لها السلطة أن تضعف بأية صورة كانت.

ويأتي إضعافها وضعفها باتضاح أنها في درجة أدنى من حيث المعرفة والعلم بالقرآن والسنة ، وأحكام الدين ، وتعاليم الشريعة.

ثم هو يتسبب بالإحساس بالغبن ، وبالمظلومية بالنسبة لأولئك الذين يملكون المؤهلات الحقيقية للفتوى ، حين يكون التعامل معهم ، والموقف منهم ، ومن كل ما يقدمونه من علم صحيح ونافع لا يختلف عن الموقف مما يقدمه أولئك الجهلة الأغبياء ، الذين لا يملكون من التقوى ما يمنعهم عن الإفتاء بغير علم ولا هدى ، ولا كتاب منير.

أضف إلى ذلك : أن هذا من شأنه أن يضعف الثقة بالسلطة ، التي انتهجت هذه السياسة ، وشجعت هذا الاتجاه.

هذا كله ، عدا عن أن الحكم يريد أن يتبنى اتجاها فكريا خاصا ومتميزا ، يخدم أهدافه الخاصة والعامة.

ويريد أن يزرع في الناس مفاهيم ، ويحملهم على اعتقادات ، ويلزمهم بأحكام لا يدع لهم مناصا من الالتزام بها ، والجري عليها وتبنيها ، في مختلف الظروف والأحوال.

ولن يكون ذلك ميسورا له في ظل هذه الحرية في الفتوى ، وفي الاستدلال عليها.

حصر الفتوى في نوعين من الناس :

ولأجل ذلك ، فقد كان من الطبيعي أن لا يسمحوا بالفتوى إلا لنوعين

٩٠

من الناس.

الأول : الأمراء ، وذلك في الأمور الحساسة ، فيما يبدو.

الثاني : أشخاص بأعيانهم ، يمكنهم تسويق فكر السلطة ، بصورة أو بأخرى.

ولأجل توضيح ذلك فإننا نشير إلى كلا النوعين باختصار ، فنقول :

أولا : الأمراء :

أما بالنسبة للأمراء ؛ فإننا نقرأ في التاريخ : أن عمر بن الخطاب قد أنكر على بعضهم بقوله : «كيف تفتي الناس ، ولست بأمير؟! ولي حارها من ولي قارها»(١) .

وكان ابن عمر إذا سئل عن الفتوى قال : إذهب إلى هذا الأمير ، الذي تقلد أمور الناس ، ووضعها في عنقه(٢) .

وقد امتنع ابن عمر عن إفتاء سعيد بن جبير ، وقال : يقول في

__________________

(١) راجع : جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧٥ و ٢٠٣ و ١٩٤ و ١٧٤ ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج ٤ ص ٦٢ وسنن الدارمي ج ١ ص ٦١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٦ ص ١٧٩ و ٢٥٨ والمصنف للصنعاني ج ٨ ص ٣٠١ وج ١١ ص ٣٢٨ وراجع ص ٢٣١ وأخبار القضاة لوكيع ج ١ ص ٨٣ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٥٤ وراجع : حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٦ وكنز العمال ج ١ ص ١٨٥ وراجع ص ١٨٩ عن عبد الرزاق ، وابن عساكر ، وابن عبد البر ، والدينوري في المجالسة.

(٢) التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٦٧.

٩١

ذلك الأمراء(١) .

وقد أطلقوا على الفتوى اسم «صوافي الأمراء ».

فعن المسيب بن رافع قال : كان إذا ورد الشيء من القضاء ، وليس في الكتاب ، ولا في السنة ، سمي «صوافي الأمراء » ، فدفع إليهم الخ

وروى هشام بن عروة عن أبيه : أنه ربما سئل عن الشيء فيقول : هذا من خالص السلطان.

وعن ابن هرمز : أدركت أهل المدينة ، وما فيها الكتاب والسنة. والأمر ينزل ، فينظر فيه السلطان(٢) .

وزيد بن ثابت يكتب لمعاوية في الجد : ذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء(٣) .

ثانيا : المسموح لهم بالفتوى من غير الأمراء :

وأما بالنسبة للأشخاص المسموح لهم بالفتوى : فإنما سمحوا بالفتوى بل وبالرواية أيضا لأشخاص رأوا : أن لديهم من المؤهلات ما يكفي للاعتماد عليهم ، ويطمئن لالتزامهم بالخط المعين ، والمرسوم ، بصورة مقبولة ومعقولة.

أما من وجدوه غير قادر على ذلك ، فقد استبعدوه ، حتى وإن كان منسجما معهم في خطه السياسي ، أو في طريقة تفكيره ، وأسلوب حياته.

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٦ ص ١٧٤.

(٢) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧٤.

(٣) بحوث مع أهل السنة والسلفية ص ٢٣٨.

٩٢

ونذكر من هؤلاء :

١ ـ عائشة :

فإننا نجد مروان بن الحكم يحاول التأكيد على الدور الأساس لأم المؤمنين عائشة في هذا المجال ، فهو يقول : «كيف يسأل أحد وفينا أزواج نبينا وأمهاتنا»(١) .

وإنما قلنا : إنه يقصد خصوص عائشة في كلامه هذا ، لأنها هي التي كانت تتصدى للرواية والفتوى من بين أمهات المؤمنين بصورة رئيسية ، وهي بنت الخليفة الأول أبي بكر ، ومدللة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، ولم يعرف عن أي من نساء النبي «صلى الله عليه وآله» سواها : أنهن تصدين للرواية والفتوى إلا في حالات قليلة جدا ، وكانت أم سلمة تتصدى لرواية شيء عن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعجب أمثال مروان ، ولا كان يروق لهم كثيرا.

وقد كانت عائشة تفتي على عهد عمر ، وعثمان ، وإلى أن ماتت.

وكان هذان الخليفتان يرسلان إليها فيسألانها عن السنن(٢) .

وفي نص آخر : كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وهلم جرا ، إلى أن ماتت(٣) .

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ١ ص ١٦٦ وراجع : كشف الأستار عن مسند البزار ج ٢ ص ١٩٦ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٣٢٤.

(٢) حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٩٨ عن الطبقات الكبرى ج ٤ ص ١٨٩.

(٣) حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩ عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ١٨٩.

٩٣

منافسون لعائشة :

ونجد من بعض الطموحين من الشباب الذين تهتم السلطة بإعطائهم دورا من نوع ما ، تشكيكا بل ورفضا لما تدعيه عائشة ومحبوها من علم واطلاع كامل على أحوال رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأوضاعه ، فهذا زيد بن ثابت يقول : «نحن أعلم برسول الله من عائشة»(١) .

كما أن عائشة نفسها كانت لا ترتاح إذا رأت للآخرين دورا فاعلا في نطاق الفتوى والرواية ، ولعل هذا هو ما يفسر لنا شكواها لابن أختها عروة بن الزبير من أبي هريرة الذي كان يحاول إثارتها بجلوسه إلى جانب حجرتها ليحدث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، قالت عائشة لعروة : ألا يعجبك أبو هريرة؟! جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، يسمعني ذلك!! وكنت أسبح ، فقام قبل أن أقضي سبحتي ، لو جلس حتى أقضي سبحتي لرددت عليه الخ(٢) .

٢ ـ زيد بن ثابت :

وممن كان يسمح له بالفتوى أيضا : زيد بن ثابت ، وكان مترئسا بالمدينة في

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ج ٥ ص ١٨٥.

(٢) مسند أحمد ج ٦ ص ١٥٧ وراجع : صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٢٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٩٠ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٧ عن مسلم وعن أبي داود رقم ٣٦٥٥ واختصره الترمذي برقم ٣٦٤٣ وعن البخاري في المناقب ج ٦ ص ٤٢٢ والسنة قبل التدوين ص ٤٦٢ عن الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ص ١٣٥ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٠٥ عن البخاري ، وأحمد ، وأبي داود.

٩٤

القضاء ، والفتوى ، والقراءة ، والفرائض في عهد عمر ، وعثمان(١) ونرى أن ذلك يرجع إلى موقفه السلبي من علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ، ثم إلى دوره في تقوية سلطان الحكم القائم ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب ، حين الحديث عن تعلم زيد للغة العبرانية ، بعد الحديث عن غزوة حمراء الأسد.

٣ ـ عبد الرحمن بن عوف :

كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان بما سمع من النبي «صلى الله عليه وآله»(٢) .

وموقف ابن عوف من علي في قضية الشورى ، وصرفه الأمر عن علي «عليه السلام» إلى عثمان بطريقة ذكية ومدروسة ، معروف ، ولا يحتاج إلى مزيد بيان.

٤ ـ أبو موسى الأشعري :

وكان أبو موسى الأشعري ـ كما يقولون ـ لا يزال يفتي بما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» في زمن أبي بكر ، ثم في زمن عمر ، فبينما هو قائم عند الحجر يفتي الناس بما أمره رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ إذ جاءه رجل فسارّه : أن لا تعجل بفتياك ، فإن أمير المؤمنين قد أحدث في المناسك شيئا.

فطلب أبو موسى حينئذ من الناس : أن يأتموا بعمر ، ويتركوا ما كان يفتيهم به. ثم سأل الخليفة عن الأمر ؛ فحققه له(٣) .

__________________

(١) حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٨ عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ١٧٥.

(٢) حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٧ عن الطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي ، وعن منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج ٥ ص ٧٧.

(٣) راجع : مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٩٣.

٩٥

فأبو موسى إذن ، كان يرى : أن سنة عمر مقدمة على ما سنه الله ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى!!.

ولعله يستند في ذلك إلى ما رووه عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» من أنه قال : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر!!.

أو أنه قال : إنه ما أبطأ عنه «صلى الله عليه وآله» الوحي إلا ظن أنه نزل في آل الخطاب!!.

من قبيل رواية : لو كان الله باعثا نبيا بعدي لبعث عمر بن الخطاب(١) .

ورواية : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر(٢) .

ورواية : لو لم أبعث لبعثت يا عمر(٣) .

ورواية : لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب(٤) .

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٨ وشرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٧٨ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٥٤ و ١٦٥.

(٢) المعيار والموازنة ص ٢٢٢ وشرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٧٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٨١ وتذكرة الموضوعات ص ٩٤ وفيض القدير ج ٥ ص ٤١٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٧٨ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٦٤ وتذكرة الموضوعات ص ٩٤.

(٤) شرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٧٨ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٥٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٥٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٨ وفتح الباري ج ٧ ص ٤١ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١١٩ والمعجم الكبير ج ١٧ ص ١٨٠ و ٢٩٨ والجامع الصغير ج ٢ ص ٤٣٥ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٧٨ وتذكرة الموضوعات ص ٩٤ وفيض القدير ج ٥ ص ٤١٤ وكشف الخفاء ج ٢ ص ١٥٤ و ١٥٧ و ١٥٨.

٩٦

ورواية : قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر(١) .

وغير ذلك مما اختلقته يد السياسة ، وزينه لهم الحب الأعمى(٢) .

٥ ـ السماح لأبي هريرة بعد المنع :

قال أبو هريرة : «بلغ عمر حديثي ، فأرسل إليّ ، فقال : كنت معنا يوم كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بيت فلان؟

قال : قلت : نعم ، وقد علمت لم تسألني عن ذلك!!.

قال : ولم سألتك؟

قلت : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال يومئذ : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

قال : أما إذن ، فاذهب فحدث»(٣) .

ومن المعلوم : أن عمر كان قد منع أبا هريرة من التحديث(٤) ، ولكنه لما بلغه حديثه ، وأعجبه أرسل إليه ، وأبلغه سماحه له برواية الحديث ، كما ترى!!.

ولا بد لنا من أن نتساءل عن تلك الخصوصيات التي لو اشتمل عليها

__________________

(١) مسند ابن راهويه ج ٢ ص ٤٧٩ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣١٧ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٢٥ وشرح نهج البلاغة ج ١٢ ص ١٧٨.

(٢) راجع : كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله.

(٣) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٧ وراجع : سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٣ والسنة قبل التدوين ص ٤٥٨.

(٤) راجع : سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٠ ـ ٦٠١ و ٦٠٢ ـ ٦٠٣ والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٦.

٩٧

الحديث لأعجب الخليفة ، ويكافئ من يأتي بها بالسماح بما هو ممنوع على من سواه ، من جلة أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»!!

محاولة فاشلة لهم مع علي عليه السّلام :

وقد بذلت محاولة لفرض الرأي في مجال الفتوى والعمل بالسنة على علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ، فوجدوا منه الموقف الحازم ، والحاسم ؛ فكان التراجع منهم والاعتذار.

فقد روى العياشي عن عبد الله بن علي الحلبي ، عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله «عليهما السلام» ، قال : حج عمر أول سنة حج ، وهو خليفة ، فحج تلك السنة المهاجرون والأنصار وكان علي قد حج في تلك السنة بالحسن والحسين «عليهما السلام» ، وبعبد الله بن جعفر ، قال : فلما أحرم عبد الله لبس إزارا ورداء ممشقين ـ مصبوغين بطين المشق ـ ثم أتى ، فنظر إليه عمر وهو يلبي وعليه الإزار والرداء ، وهو يسير إلى جنب علي «عليه السلام» ، فقال عمر من خلفهم : ما هذه البدعة التي في الحرم؟

فالتفت إليه علي «عليه السلام» ، فقال له : يا عمر ، لا ينبغي لأحد أن يعلمنا السنة!

فقال عمر : صدقت يا أبا الحسن. لا والله ، ما علمت أنكم هم(١) .

من له الفتوى بعد عهد الخلفاء الثلاثة :

وإذا استثنينا الفترة التي تولى فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» شؤون

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٨ والبحار ج ٩٦ ص ١٤٢ وتفسير البرهان ج ٢ ص ٤٩.

٩٨

المسلمين ، فإن الذين تصدوا للفتوى بعد ذلك العهد ما كانوا من الشخصيات الطليعية في المجتمع الإسلامي ، بل إن بعضهم لا يعد حتى من أهل الدرجة الثانية أو الثالثة.

وبعض هؤلاء أو كلهم لم يكن يسمح لهم بالفتوى في عهد الخلفاء الثلاثة : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان.

يقول زياد بن ميناء : «.. كان ابن عباس ، وابن عمر ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وجابر بن عبد الله ، ورافع بن خديج ، وسلمة بن الأكوع ، وأبو واقد الليثي ، وعبد الله بن بحينة ، مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يفتون بالمدينة ، ويحدثون عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا.

والذين صارت إليهم الفتوى منهم : ابن عباس ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبد الله»(١) .

حظر الرواية على ابن عمر ، وابن عمرو :

ولا بد لنا هنا من تسجيل تحفظ على ما ذكره زياد بن ميناء بالنسبة لكل من عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

فأما بالنسبة إلى ابن عمر فقد رووا : أن معاوية قال له : «لئن بلغني أنك

__________________

(١) حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٨ عن الطبقات الكبرى ج ٤ ص ١٨٧ وراجع : سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٦ ـ ٦٠٧ وفي هامشه أشار إلى طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٣٧٢.

٩٩

تحدث لأضربن عنقك»(١) .

وأما بالنسبة لعبد الله بن عمرو بن العاص ؛ فإنما كان يسمح له بالرواية والفتوى قبل حرب صفين ـ على ما يظهر ـ ثم منعه معاوية من الرواية بعدها.

وقد استمر هذا المنع إلى عهد يزيد بن معاوية أيضا(٢) .

أسباب المنع :

أما عن أسباب منعهما من الرواية فإننا نقول : أما عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فإنه كان يروي أحاديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» في معاوية ، كقوله «صلى الله عليه وآله» عنه : لا أشبع الله بطنه.

وقوله «صلى الله عليه وآله» عنه وعن أبيه وأخيه : اللهم العن القائد ، والسائق ، والراكب.

وقوله «صلى الله عليه وآله» : يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي. فطلع معاوية.

وأن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون.

وقوله «صلى الله عليه وآله» : يموت معاوية على غير الإسلام(٣) .

__________________

(١) صفين للمنقري ص ٢٢٠ وراجع : قاموس الرجال ج ٩ ص ١٧ والغدير ج ١٠ ص ٣٥٢.

(٢) راجع : مسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ١٦٧ والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير والحديث ص ١٥١ والغدير ج ١٠ ص ٣٥٢.

(٣) راجع ما تقدم في : صفين للمنقري ص ٢١٧ ـ ٢٢٠ وفي قاموس الرجال ، ترجمة معاوية ، وراجع الغدير للعلامة الأميني ، وغير ذلك.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

تزويج أُمّ كلثوم من عمر :

( سعد ـ السعودية ـ )

في مصادر الفريقين :

س : هل صحيح أنّ الإمام علي زوّج إحدى بناته لعمر بن الخطّاب؟

ج : ذكر السيّد علي الشهرستانيّ في كتابه ( زواج أم كلثوم ) ثمانية أقوال في المسألة :

الأقوال الأربعة التي قالت بها الشيعة :

١ ـ عدم وقوع التزويج بين عمر وأم كلثوم.

٢ ـ وقوع التزويج لكنه كان عن إكراه.

٣ ـ أنّ المتزوّج منها هي ربيبة الإمام لا بنته.

٤ ـ أنّ عليّاً زوّج عمر بن الخطاب جنّيّة تشبه أم كلثوم.

الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامة :

٥ ـ إنكار وجود بنت لعليّ اسمها أمّ كلثوم.

٦ ـ أنّ أمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بل كانت من أمّ ولد.

٧ ـ القول بتزويجها من عمر ، لكن عمر مات ولم يدخل بها.

٨ ـ أنّ عمر تزوّج بأمّ كلثوم ودخل بها وأولدها زيداً ورقية.

ومن أراد التفصيل فاليراجع الكتاب المذكور.

١٢١

( دينا ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالبة ثانوية )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : اتّضح لنا من جوابكم على السؤال : أنّ الإمام عليه‌السلام قد خاف من تهديد عمر ، وأنّه عليه‌السلام قد قبل بتزويج ابنته منه ، وكأنّه رغماً عنها ، فهل تسمحون بالتوضيح أكثر ، وجزاكم الله كلّ خير.

ج : حسب النصوص الواردة في مجامعنا الروائية والتاريخيّة ، فإنّ خطبة عمر من أُمّ كلثوم كانت بعد تهديده أباها أمير المؤمنينعليه‌السلام باتهامه بالسرقة وأشياء أُخرى ـ والعياذ بالله ـ إن امتنع عن الأمر(١) .

ولكن في نفس الروايات إشارة واضحة إلى مجرد وقوع العقد ـ لا الدخول ـ وعلى كلّ فإنّ الموضوع ـ إن صحّ وقوعه ـ كان تحت الضغط والتهديد المذكور ، لا بطيب النفس حتّى يدلّ على وجود العلاقة المتعارفة بين الطرفين.

( أُسامة ـ الجزائر ـ )

لو ثبت لثبت أنّ عمر رجل فاسق فاجر :

س : أنا حديث العهد بمذهب آل البيتعليهم‌السلام ، وأُريد أن أسألكم في قضية تزويج أمير المؤمنينعليه‌السلام ابنته لعمر بن الخطّاب ، ففي كتب السنّة قد تزوّجها برضاه ، أمّا في كتب الشيعة أنّهعليه‌السلام تعرّض للتهديد ، فكيف يعقل أن تأخذ منه ابنته ولا يفعل شيئاً؟

والمعروف عن أمير المؤمنين أنّه لا يسكت عن باطل ، حتّى ولو استلزم ذلك إراقة الدماء ، ومسألة زواج ابنته ليس بالأمر إلهيّن ، وإنّما هي مسألة شرف ، وأنا لا أظنّه يسكت عن هذا ، إلاّ إذا كان راضياً بهذا الزواج ، وفّقكم الله.

ج : إنّ النصوص الواردة في هذه المسألة في غاية الاضطراب ، ممّا تجعلنا

____________

١ ـ الكافي ٥ / ٣٤٦ و ٦ / ١١٥.

١٢٢

نشكّ في أصل القضية ، بالأخصّ ما ورد في مصادر أهل السنّة ، حيث لو قبلوا برواياتهم والتزموا بها في هذا الزواج ، عليهم أن يلتزموا بسائر التفاصيل الواردة في نفس الواقعة ، التي تكون نتيجتها : أنّ عمر رجل فاسق فاجر متهوّر ، وذلك لما روي من تفاصيل في هذا الزوا الجواب :

ففي بعض رواياتهم : ( أنّ عمر هدّد عليّاً )!!(١) .

وفي بعضها : ( أنّ عمر لمّا بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ويح عقيل سفيه أحمق )!!(٢) .

وفي بعضها : ( التهديد بالدرّة )!!(٣) .

وفي بعضها : ( أنّ أُمّ كلثوم لمّا ذهبت إلى المسجد ليراها عمر!! قام إليها فأخذ بساقها!! وقبّلها )!!(٤) .

أو : ( وضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا؟ لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، أو : لطمت عينيّك )!!(٥) .

أو : أخذ بذراعها!! أو : ضمّها إليه!!

( علي الاشكناني ـ الكويت ـ ٣٣ سنة ـ مدرّس )

تعقيب على الجواب السابق :

زواج عمر حتّى إذا ثبت ، فلا يعني شيئاً.

أودّ أوّلاً : أن أبارك للأخ الجزائريّ على ركوبه سفينة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________

١ ـ ذخائر العقبى : ١٦٨.

٢ ـ المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٧٢.

٣ ـ الذرّية الطاهرة : ١١٥.

٤ ـ تاريخ بغداد ٦ : ١٨٠.

٥ ـ ذخائر العقبى : ١٦٨ ، تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٤٨٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٥٠١ ، أُسد الغابة ٥ / ٦١٤.

١٢٣

وثانياً : فيما يخصّ زواج عمر من أُمّ كلثوم باطل لعدّة وجوه :

منها : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يكره أن يرى وجه عمر ، كما هو مذكور في صحيح البخاريّ!

ثانياً : أنّ الإمام عليعليه‌السلام كان يرى : أنّ أبا بكر وعمر كاذبان خائنان آثمان غادران ، كما في صحيح مسلم ، فهل يزوّج الإمام عليعليه‌السلام ابنته لرجل فيه هذه المواصفات يا ترى؟!

أمّا على فرض أنّ الإمام علي زوّج ابنته لعمر ، فهو لا يعدو أن يكون محمولاً على أمرين :

أمّا أن يكون الإمام عليعليه‌السلام قد زوّج ابنته حبّاً في عمر ، وهو أمر غير مقبول ، بعد أن سردنا موقف الإمام علي تجاه هذا الرجل!

وثانياً : أن يكون الإمام عليعليه‌السلام زوّج ابنته لتهديد عمر! وكما نعرف أنّ وجود الإمام علي ـ هذا الوجود المقدّس ـ كان ضرورياً للإسلام! وغيابهعليه‌السلام يعني كارثة بالإسلام ، ومحو خارطتها وآثارها ، وتكريس الإسلام المزيّف ، ولهذا لم يسكت الإمام عليعليه‌السلام خوفاً أو جبناً ، معاذ الله ، وإنّما خوفاً على الإسلام.

ثمّ أنّ مسألة الزواج ليست مسألة ذات أهمّية ، فالقرآن الكريم يذكر لنا علاقة بين زوج مؤمن ، وزوجة غير مؤمنة ، كما هو الحال بالنسبة إلى النبيّ نوح ولوطعليهما‌السلام ، وعلاقة بين زوجة مؤمنة ، وزوج غير ذلك ، كما هو الحال بالنسبة إلى زوجة فرعون! بل أنّ القرآن يذكر أنّ النبيّ لوطعليه‌السلام أراد تزويج بناته إلى قوم يمارسون اللواط ، وهم أعداء لله ولرسوله! بسبب ألاّ يخذلوه في ضيوفه.

( عبد الله ـ اليمن ـ زيدي ـ ٤٣ سنة ـ طالب علم )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ممّا ذكره علي اشكناني ولم يعترض عليه علماؤكم الاثني عشرية في موقعكم :

١٢٤

١ ـ قال : أفلا يزوّج الإمام علي ابنته ـ وهو أمر لم يحدث ـ كي لا يخذل الإسلام ، وكي يبقى الوجود المقدّس للإمامعليه‌السلام .

وأقول : إن كان سكوت الإمام علي على اغتصاب ابنته من أجل بقائه المقدّس كما تقول ، فهل تحقّقت منفعة تذكر من هذا البقاء؟ ونحن نرى من ينكرون ولايته وقدسيته ، وهم أهل السنّة ، هم غالبية المسلمين في العالم؟

الحقيقة أنّ تغاضي الإمام عن اغتصاب ابنته ـ الذي تجعلونه افتراضاً لا حقيقة ـ هذا التغاضي لم يفضي إلاّ إلى ضياع الإمامة ، وظلم الشيعة وظلم آل البيت ، وانحسار التشيّع منذ زمن الإمام وإلى اليوم ، فما الفائدة من سكوته وتغاضيه الذي تزعمونه افتراضاً؟

٢ ـ قال : إنّ أمير المؤمنين كان يكره أن يرى وجه عمر , كما هو مذكور في صحيح البخاريّ!

أطلب من المدعو أشكناني نقل الرواية في البخاريّ ، فإن ثبتت صدّقناه ، وإن لم تثبت نتّهمه بالكذب ، ونتّهم القائمين على الموقع بالتواطؤ مع الكاذبين على اعتبار السماح بنشره موافقة عليه.

٣ ـ قال : إنّ الإمام عليعليه‌السلام كان يرى أنّ أبا بكر وعمر بأنّهما كاذبان خائنان آثمان غادران , كما في صحيح مسلم , فهل يزوّج الإمام عليعليه‌السلام ابنته لرجل فيه هذه المواصفات يا ترى!!

وأقول : وهذه أيضاً نطالبه فيها بنقل الرواية من مسلم ، فإن ثبتت صدّقناه ، وإن لم تثبت نتّهمه بالكذب ، ونتّهم القائمين على الموقع بالتواطؤ مع الكاذبين على اعتبار السماح بنشره موافقة عليه.

ج : إنّ الإمام عليعليه‌السلام لم يرتكب محرّماً بتزويج ابنته من عمر على فرض صحّة الروايات التي تنقل ذلك الخبر ، فحفظ وجود الإمام من القتل أو التشويه بالسرقة ، أو أيّ شيء لا يتورّع عمر عن ارتكابه أهمّ من تزويج ابنته من عمر ، الذي يبلغ ما بلغ أن يكون مكروهاً ، فيكون عمل الإمامعليه‌السلام للدفاع عن الإسلام وعدم رجوع الحال إلى الجاهلية ، كما اتفق القوم على ذلك يكون عمله راجحاً.

١٢٥

وقد تحقّقت المنفعة بعمله هذا ، الذي أبقى اسم الإسلام إلى الآن ، وأبقى أيضاً اسم التشيع إلى الآن ، ولا يهم أن يكونوا هم الأقلية ، لأنّ الله تعالى وعد بنصر دينه في آخر الزمان ، وما هذه الأيّام ولا بهم جولة في قبال دولة الحقّ ، وقد قال عزّ وجلّ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُون ) ، ثمّ إنّ المتكلّم نفى الفائدة من وجود الإمام لأن الشيعة هم أقل من السنّة ولازم كلامه أنّه لا فائدة من وجود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ النصارى أكثر من المسلمين. ولا أظن المتكلّم يدرك ما يخرج من رأسه.

وقولك : ـ اغتصاب ابنته ـ تعبير غير دقيق تريد منه التشنيع ، فإنّ ما نقوله وما تقوله بعض الروايات من الاغتصاب لا يعني إلاّ أنّ الأمر حصل في أوّل الأمر عن كراهة ، ثمّ إنّ الإمام بعد ذلك أوكل الأمر إلى عمّه العباس كما تقول بعض الروايات ، وحصل الزواج على سنّة الله ورسوله.

أمّا الفائدة التي حصلت بسكوت الإمامعليه‌السلام فهي بقاء الإسلام إلى يومنا هذا ، فلو أنّ الإمام قام بالثورة كما تريد أنت مع قلّة الناصر لقُتل الإمام ، كما قال هوعليه‌السلام : ( إنّ القوم استضعفوني ، وكادوا يقتلوني )(١) ، فيذهب علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يحمله الإمام هدراً ، فلا يبقى شيعيّ ولا سنّيّ ولا زيديّ ، وتعود جاهلية.

أمّا ما ذكره الأشكنانيّ من أنّ الإمامعليه‌السلام كان يكره وجه عمر ، فيبدو أنّ هذا كان اعتماداً على الرواية الموجودة في البخاريّ التي تقول : ( استنكر علي وجوه الناس )(٢) ، وعندما دعا أبو بكر دعاه لوحده ، ولم يسمح لغيره ( كراهية لمحضر عمر ) ، وإن ما ذكره كان من فهمه لتلك الواقعة ، والمركز قد ذكر اسمه في آخر تعليقه ليميّز القارئ ما يصدر منّا عمّا يصدر من غيرنا.

____________

١ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٣١.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٥ / ٨٣.

١٢٦

أمّا ما ذكره الأشكنانيّ من أنّ الإمامعليه‌السلام كان يرى أنّ أبا بكر وعمر كاذبان ، فإنّ هذا موجود في صحيح مسلم على لسان عمر(١) ، حيث خاطب علي والعباس : ( فرأيتماه ] أي أبا بكر [ كاذباً آثماً غادراً خائناً ) الى أن يقول : ( فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ).

والإمامعليه‌السلام على الرغم من كلّ هذا رأى أنّ من المصلحة الأهمّ قبول إيقاع الزواج ، وهو الإمام المعصوم الذي لا يخطأ في التشخيص ، وهو المُعَلَّم من رسول الله ألف باب من العلم ، ينفتح له من كلّ باب ألف باب.

( محمّد ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

بحث تفصيلي وردّ الشبهات حوله :

س : إلى مركز الأبحاث العقائديّة.

نرجو منكم التفصيل إن أمكن ، حول التحقيق في موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، وردّ ما يثار من شبهات حوله ، الرجاء التفصيل في ذلك.

ج : من الأُمور التي كثر الكلام حولها عبر العصور والقرون ، مسألة تزويج الإمام عليعليه‌السلام ابنته أُمّ كلثوم من عمر ، لذا نرى أكثر الكتب الكلامية عند الفريقين تحدّثت عنه بإيجاز ، ولمّا نتصفّح ما كتبه أهل السنّة حول هذا الحدث ، نراهم فرحين به ومستبشرين ، لأنّهم ـ على زعمهم ـ عثروا على دليل وشاهد يقصم ظهر الشيعة ، ولا يبقي لهم باقية ـ كما صرّح به بعضهم ـ.

لذا نحن هنا نورد بعض ما ذُكر حول هذا الحدث ، ونعلّق عليه بإيجاز واختصار :

أمّا بالنسبة إلى أصل تحقّق هذا الزواج فنقول : إنّ علماءنا ذهبوا في هذا الأمر إلى أربعة أقوال :

____________

١ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٥٢.

١٢٧

أ ـ عدم ثبوته ، فمنهم الشيخ المفيدقدس‌سره حيث ذكر : ( أنّ الخبر الوارد في ذلك غير ثابت لا سنداً ولا دلالة )(١) .

ب ـ ذهب بعض الإخباريّين إلى أنّها كانت جنّية ، ولم يتزوّج عمر من أُمّ كلثوم حقيقة ، مستندين إلى بعض الروايات ، ولكن هذه الروايات ضعيفة ، مضافاً إلى أنّها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً(٢) .

ج ـ هناك من يذهب إلى أنّها كانت أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، أخت محمّد ابن أبي بكر ، وحيث كانت ربيبة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبمنزلة بنته سرى الوهم إلى أنّها بنته حقيقة(٣) .

د ـ القول الأخير ما دلّت عليه بعض الأخبار الصحيحة ـ وهو المشهور عند علمائنا ـ أنّها كانت بنته حقيقة ، ولكنّهعليه‌السلام إنّما زوّجها من عمر بعد مدافعة كثيرة ، وامتناع شديد ، حتّى ألجأتهعليه‌السلام الضرورة ـ ورعاية المصلحة العامّة ـ إلى أن ردّ أمرها إلى عمّه العباس بن عبد المطلب ، فزوّجها إيّاه.

هذا ما عندنا ، أمّا عند أهل السنّة ، فلنا معهم وقفة في سند ما رووه ودلالته ، فنقول : ما ورد من هذا الأمر في صحيح البخاريّ مجرد كون أُمّ كلثوم كانت عند عمر من دون أيّ تفصيل ، وهذا ما لا يمكن به إثبات الرضى بالزواج.

ثمّ لو وضعنا الأسانيد التي روت خبر تزويج أُمّ كلثوم عند أهل السنّة في ميزان النقد العلميّ ، لرأيناها ساقطة عن درجة الاعتبار ، لأنّ رواتها بين : مولى لعمر ، وقاضي الزبير ، وقاتل عمّار ، وعلماء الدولة الأُموية ، ولرأينا أنّ رجال أسانيده بين : كذّاب ، ووضّاع ، وضعيف ، ومدلّس ، لا يصحّ الاحتجاج بهم ، والركون إلى قولهم.

____________

١ ـ المسائل السروية : ٨٦.

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ / ٨٢٦.

٣ ـ الأنوار العلوية : ٤٣٦.

١٢٨

هذا ما اعترف به علماء أهل السنّة في الجرح والتعديل.

وأمّا من حيث المتن والدلالة ، ففيها ما لا يمكن الالتزام به :

منه : ما رواه الدولابيّ عن ابن إسحاق : من اعتذار علي لعمر بصغر سنّها إلى أن قال : ( فرجع علي فدعاها فأعطاها حلّة ، وقال : (انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين ، فقولي : يقول لك أبي : كيف ترى هذه الحلة

فأتته بها ، فقالت له ذلك ، فأخذ عمر بذراعها ، فاجتذبتها منه ، فقالت : أرسل فأرسلها ، وقال : حصان كريم ، انطلقي فقولي : ما أحسنها وأجملها ، وليست والله كما قلت ، فزوّجها إيّاه )(١) .

كيف يفعل الإمام عليعليه‌السلام هذا العمل؟ ألم تكن ابنته كريمة عليه حتّى يرسلها بهذه الحالة من دون أن يصحبها بالنساء؟ ثمّ كيف يأخذ عمر بذراعها ، ولم تكن زوجته ولا تحلّ له؟

ومنه : ما رواه ابن عساكر : فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : (قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ) ، فقالت ذلك لعمر ، ووضع يده على ساقها وكشفها ، فقالت له : أتفعل هذا! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها ، فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : ( مهلا يا بنية ، فإنّه زوجك )(٢) .

فكيف يعقل بالإمام عليعليه‌السلام أن يعرض ابنته للنكاح هكذا؟ وكيف يواجهها عمر بهذا العمل؟ وهي لا تعلم شيئاً من أمر الخطبة والنكاح؟ ثمّ ما الداعي لخليفة المسلمين من كشف ساقها في المجلس؟ ولم يتمّ النكاح بعد بصورة تامّة؟!

ومنه : ما رواه الدولابي أيضاً من قول عليعليه‌السلام لابنته : (انطلقي إلى أمير

____________

١ ـ الذرّية الطاهرة : ١١٤.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٤٨٣.

١٢٩

المؤمنين ، فقولي له : إنّ أبي يقريك السلام ، ويقول لك : إنّا قد قضينا حاجتك التي طلبت ) ، فأخذها عمر فضمّها إليه ، وقال : إنّي خطبتها من أبيها فزوجنيها.

فقيل : يا أمير المؤمنين ما كنت تريد؟ إنّها صبيّة صغيرة.

فقال : إنيّ سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (كلّ سبب منقطع )(١) .

سبحان الله! عليعليه‌السلام يرضى بزواج ابنته من دون إعلامها ، وبهذه الصورة التي لا يفعلها أقلّ الناس كرامة ، فكيف ببيت النبوّة؟! وكيف يضمّها عمر إليه أمام الناس ، وهم لا يعلمون أمر الخطبة والنكاح؟! وهل يفعل غيور بزوجته هكذا أمام الناس؟! لست أدري.

ومنه : ما في الطبقات لابن سعد ، من قول عمر للمسلمين الحاضرين في المسجد النبويّ الشريف : ( رفئوني )(٢) .

والحال أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن هذا النوع من التبريك ، كما في مسند أحمد(٣) ، حيث كان من رسوم الجاهلية.

ومنه : الاختلاف في مهرها ، ففي بعض الروايات : أمهرها أربعين ألف درهم(٤) ، وفي بعضها : أنّه أمهرها مائة ألف ، وذكر غير ذلك ، فكيف يفعل هذا ، وهو الذي نهى عن المغالاة في المهور ، وقد اعترضت عليه امرأة وأفحمته.

ثمّ إنّ هذا ينافي ما ورد عند القوم من زهد الخليفة وتقشّفه ، حتّى أنّهم رووا عن أبي عثمان النهدي أنّه قال : ( رأيت عمر بن الخطّاب يطوف بالبيت ، عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة ، إحداهن بأديم أحمر )(٥) ، أو أنّه مكث زماناً لا

____________

١ ـ الذرّية الطاهرة : ١١٣.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦٣.

٣ ـ مسند أحمد ٣ / ٤٥١.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٧ / ٢٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١١٦.

٥ ـ الطبقات الكبرى ٣ / ٣٢٨.

١٣٠

يأكل من بيت المال شيئاً ، حتّى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، فاستشار الصحابة في الأخذ من بيت المال ، فقال له عثمان : كلّ وأطعم ، وقال له علي : ( غداء وعشاء ) ، فأخذ به عمر )(١) .

فهل أمهرها من بيت المال؟ وهو لا يحلّ له ، أو أمهرها من عنده؟ والتاريخ لا يذكر لنا هذه الثروة لعمر.

ومنه : قضية زواجها من بعد عمر ، فقد ذكروا أنّها تزوّجت بعده بعدّة أشخاص ، منهم عون بن جعفر ، ولا أدري كيف تزوّجت منه بعد موت عمر ، وقد قتل سنة ١٧ هـ ، في زمن عمر في وقعة تستر(٢) .

هذا هو ما عند الفريقين ، فإن أراد أهل السنّة إلزامنا بما عندنا ، فلم يصحّ عندنا سوى أنّ الأمر تمّ بتهديد ووعيد ، ممّا أدّى إلى توكيل الأمر إلى العباس ، ولا يوجد عندنا ما يدلّ على إنجاز الأمر باختيار ورضى ، وطيب خاطر.

وأمّا لو أرادوا إلزامنا بما عندهم ، فهذا أوّلاً ليس من أدب التناظر ، وإلاّ لأمكننا إلزامهم بما ورد عندنا ، وثانياً لا يمكنهم أيضاً الالتزام بأكثر ما ورد عندهم ، لما فيه من طعن ، إمّا في الإمام عليعليه‌السلام حيث يرسل ابنته هكذا ، وإمّا في عمر حيث يأخذ بذراع من لا تحلّ له ، أو يكشف عن ساقها أمام الناس ـ حتّى ولو كانت زوجته ـ لأنّ هذا ينافي الغيرة والكرامة ، ولا يمكن لشيعيّ وسنّيّ الالتزام به.

وأمّا القول بأنّ الكلمة اتفقت بأنّ عمر أولدها ، ولم ينكر ذلك سوى المسعوديّ ، فنقول :

أوّلاً : لم يحصل إجماع على ذلك ، ولم تتفق الكلمة عليه : أمّا عندنا ، فالروايات المعتبرة خالية عنه.

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ٣٠٧.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ٤٦٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٧٩.

١٣١

وأمّا عند أهل السنّة فمختلفة : ففي بعضها : أنّها ولدت له زيداً(١) ، وفي بعضها الآخر : زيداً ورقية(٢) ، وفي رواية : زيداً وفاطمة(٣) ، مضافاً إلى الاختلاف في موتها مع ابنها ، وهل أنّه بقي إلى زمن طويل أم لا؟

وثانياً : لم ينفرد المسعوديّ بذلك ، بل ذكر أبو محمّد النوبختي في كتاب الإمامة : ( أنّ عمر مات عنها وهي صغيرة ، ولم يدخل بها )(٤) ، وذكر ذلك أيضاً الزرقانيّ المالكيّ في شرح المواهب اللدنية(٥) .

وأمّا أنّ هذا الزواج يدلّ على أنّ عمر كان مؤمناً وصادقاً عند الإمام عليعليه‌السلام ، إذ لو كان مشركاً كيف يزوّجه ابنته؟ وقد قال تعالى :( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) (٦) ، فيرد عليه :

إنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام ، الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بجملة الشريعة ، فالنكاح لا يدلّنا على درجة إيمان الإنسان ، ولا يدلّ إلاّ على كون الشخص مسلماً.

ثمّ أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان محتاجاً إلى التأليف ، وحقن الدماء ، ورأى أنّه لو لم يتمّ هذا الزواج سبّب فساداً في الدين والدنيا ، وإن تمّ أعقب صلاحاً في الدين والدنيا ، فأجاب ضرورة ، فالضرورة تشرّع إظهار كلمة الكفر ، قال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٧) فكيف بما دونه.

وأنّ النبيّ لوط قال لقومه :( هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (٨) ، فدعاهم

____________

١ ـ البداية والنهاية ٥ / ٣٣٠.

٢ ـ تركة النبيّ : ٩٥ ، الرياض النضرة ٢ / ٣٦٤.

٣ ـ أُنظر : المعارف : ١٠٧.

٤ ـ بحار الأنوار ٤٢ / ٩١.

٥ ـ شرح المواهب اللدنية ٧ / ٩.

٦ ـ البقرة : ٢٢١.

٧ ـ النحل : ١٠٥.

٨ ـ هود : ٧٨.

١٣٢

إلى العقد عليهنّ ، وهم كفّار ضلال ، قد أذن الله تعالى في هلاكهم ، وليس هذا إلاّ للضرورة المدعاة إلى ذلك.

أمّا الآية الكريمة ، فهي لا تدلّ على مدّعاهم ، لأنّها تمنع التزاوج مع الكفّار والمشركين ، الذين يعادون الإسلام ، ويعبدون الأوثان ، ولا تشمل من كان على الإسلام ، كيف وقد كان عبد الله بن أبي سلول وغيره من المنافقين يناكحون ، ويتزاوجون في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لإظهار الشهادتين ، والانقياد للملّة ، وقد أقرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ولم يمنعه.

ونحن كما قلنا : نعترف بإسلام القوم ، ولا نحكم إلاّ بكفر النواصب والغلاة ، وما ورد عندنا في كفر غيرهما ، فإنّما يُنزّل على الكفر اللغويّ ، لا الكفر الاصطلاحي الموجب للارتداد ، والخروج عن الملّة.

وأمّا أنّ هذا الزواج يدلّ على أنّ العلاقة بين علي وعمر كانت علاقة مودّة ، فنقول : ذكرنا أنّ ما صحّ عندنا في أمر هذا الزواج ، يدلّ على أنّه تمّ بالإكراه وتهديد ومراجعة ، وما ورد عند أهل السنّة لا يمكنهم الالتزام بدلالته ، حيث يخدش في الخليفة ، ويجعله إنساناً فاسقاً متهوراً!!

مضافاً إلى ما ورد من قول عمر ، لما امتنع الإمام عليعليه‌السلام لصغرها : ( إنّك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك )(١) .

وقوله : ( والله ما ذلك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فأبعثها إليّ )(٢) .

وأيضاً ، فإنّ عمر لمّا بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ( ويح عقيل ، سفيه أحمق )(٣) .

فأيّ توادد وعلاقة مع هذا؟ ولو كان كذلك ما تأخّرعليه‌السلام عن إجابة دعواه ،

____________

١ ـ الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦٤.

٢ ـ ذخائر العقبى : ١٦٨.

٣ ـ المعجم الكبير ٣ / ٤٥.

١٣٣

فقد قال عقبة بن عامر الجهنيّ : ( خطب عمر بن الخطّاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه )(١) .

أو ما قاله عمر : ( أيّها الناس ، إنّه والله ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في ابنته ، إلاّ إنّي سمعت رسول الله )(٢) .

ثمّ إنّ مجرّد التناكح لا يدلّ على أيّ شيء ، وأيّ علاقة بين العوائل ، كيف وقد عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّ المؤمنين أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، وهي في الحبشة ، وكان أبوها آنذاك رأس المشركين المتآمرين على الإسلام والمسلمين؟ فهل هذا يدلّ على شيء عندكم؟ كما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّج ابنته قبل البعثة ـ على رأي أهل السنّة ـ من كافرين يعبدان الأصنام : عتبة بن أبي لهب ، وأبو العاص بن الربيع ، ولم يكنصلى‌الله‌عليه‌وآله في حال من الأحوال موالياً لأهل الكفر ، فقد زوّج مَنْ تبرأ من دينه.

وإنّ الإمام عليعليه‌السلام رغم اعتقاده بأحقيقته ومظلوميته في أمر الخلافة ـ كما كان يبيّنه مراراً ـ لكنّه ترك المنازعة مراعاة لمصلحة المسلمين ، وكان يقول : ( لأسلِمَنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة )(٤) .

فأصبحعليه‌السلام بعد اتخاذه هذه السياسة الحكيمة ، هو المعتمد والمستشار عند القوم في المسائل المعقّدة العلميّة والسياسيّة ، وهذا ما أدّى إلى توفّر أرضية إيجابية جيّدة عند الناس لصالحهعليه‌السلام ، وكلّما تقدّم الزمان زادت هذه الأرضية.

هذا بالإضافة إلى نشاط أنصارهعليه‌السلام في التحرّك نحو تبيين موقعه السامي ، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب ذلك ، حاول إخماد هذه البذرة بطرق مختلفة ، مثلاً : ولّى سلمان على المدائن ، وبدأ يمدح عليّاً أمام الخاصّ والعام ، حتّى أنّ ابن الدمشقي روى في جواهر المطالب : ( أنّ رجلاً أهان عليّاً عند عمر ، فنهض

____________

١ ـ تاريخ بغداد ٦ / ١٨٠.

٢ ـ مناقب الإمام علي بن أبي طالب : ١٣٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ١٦٦.

١٣٤

عمر من مجلسه ، وأخذ بتلابيبه حتّى شاله من الأرض ، ثمّ قال : أتدري من صغّرت )؟(١) .

وكذلك بدأ بالتقرّب منه ، فخطب ابنته الصبية أُمّ كلثوم ، وهو شيخ كبير ، واظهر أنّه لا يريد ما يتصوّرون ، بل يريد الانتساب فقط ، وكذلك يحدّثنا التاريخ أنّ عمر استوهب أحد أولاد عليعليه‌السلام فسمّاه باسمه ( عمر ) ، ووهب له غلاماً سمّي مورقاً(٢) .

فهذه الأُمور كلّها كانت خطّة وتدبير سياسي من قبل الخليفة الثاني ، والغرض منها امتصاص المعارضة وتخميدها ، والتظاهر أمام الناس بحسن الصلة ، والتعامل فيما بينهم ، ومن ثَمّ إبعاد الإمام عليعليه‌السلام عن دفّة الحكم ، وسلبه آليات المعارضة

وإلاّ فلو كان الخليفة صادقاً ، فلماذا استشاط غضباً لمّا تحدّث عبد الرحمن ابن عوف ـ وهم في منى قبيل مقتل الخليفة ـ عن رجل ، قال : ( لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً ، فغضب عمر ، وقال : إنّي إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أُمورهم. فمنعه عبد الرحمن ، وأشار عليه أن يتكلّم في المدينة ، فلمّا قدم المدينة صعد المنبر ، وقال فيما قال : ثمّ أنّه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلاناً ، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه ، تغرّة أن يقتلا )(٣) .

وقد ذكر لنا بعض شرّاح الحديث : أمثال ابن حجر العسقلانيّ في مقدّمة فتح الباري عند شرحه للمبهمات ، وكذلك القسطلانيّ في إرشاد الساري : أنّ القائل هو الزبير ، قال : لو قد مات عمر لبايعنا عليّاً.

____________

١ ـ جواهر المطالب ١ / ٨٦.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٥ / ٣٠٤.

٣ ـ صحيح البخاريّ ٨ / ٢٦.

١٣٥

والغرض من هذا التطويل ، إنّما هو تبيين زيف مدّعى القوم في ترسيم صورة وهمية ، وبزعمهم ودّية بين القوم وبين الإمام عليعليه‌السلام ، فأيّ صلة ، وأيّ علاقة ودّية بعد هذا يا أخي؟!

وأمّا استدلال بعض فقهاء الشيعة بهذا الزواج على جواز نكاح الهاشميّة من غير الهاشميّ ، كما قال ذلك الشهيد الثاني في المسالك ، ممّا جعل الخصم يحتجّ به في المقام ، فيرد عليه :

أنّ الشهيد الثاني كان في صدد بيان حكم شرعيّ فقهيّ بحت في النكاح ـ كما سنبيّن ذلك ـ ولم يكن بصدد إظهار رأي كلامي حول هذا الزواج ، لا سلباً ولا إيجاباً ، بل إنّما اتخذه كأصل موضوعيّ ، واستشهد به.

ذكر المحقّق الحلّيّ في الشرائع في كتاب النكاح : أنّ الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، فعقّب على ذلك قائلاً : ويجوز انكاح الحرّة العبد والهاشميّة غير الهاشميّ ، وبالعكس.

فشرح الشهيد الثاني كلامه قائلاً : لمّا تقرّر أنّ الكفاءة المعتبرة في التناكح هي الإسلام أو الإيمان ، ولم يجعل الحرّية وغيرها من صفات الكمال شرطاً ، صحّ تزويج العبد للحرّة ، والعربية للعجميّ ، والهاشميّة لغيره ، وبالعكس ، إلاّ في نكاح الحرّ الأمة ، ففيه ما مرّ.

وكذا أرباب الصنائع الدنية ـ كالكنّاس والحجام ـ بذوات الدين من العلم والصلاح ، والبيوتات من التجّار وغيرهم ، لعموم الأدلّة الدالّة على تكافؤ المؤمنين بعضهم لبعض ، وزوّج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته عثمان ، وزوّج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع ، وليسا من بني هاشم ، وكذلك زوّج عليعليه‌السلام ابنته أُمّ كلثوم من عمر وخالف ابن الجنيد منّا

فهذا الكلام كما ترى ، رأي فقهيّ بحت ، لا ربط له بمدّعى القوم ، ولا يثبت إلاّ أصل الزواج دون كيفيّته ، وما حدث حوله.

وأمّا القول بأنّ عليّاً ذاك الشجاع البطل الغيور ، فكيف يكره ويجبر على تزويج ابنته؟ فنقول : إنّ الشجاعة شيء ، ورعاية المصلحة العامّة شيء آخر ،

١٣٦

فقد ورد في صحيحة هشام بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (لمّا خطب إليه ، قال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّها صبية ، قال : فلقي العباس ، فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ قال : وما ذاك؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لأعورنّ زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدّمتها ، ولأقيمنّ عليه شاهدين بأنّه سرق ، ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه )(١) .

فالعاقل يقدّم هنا الأهمّ على المهمّ ، فلو امتنع الإمامعليه‌السلام سبّب امتناعه مفسدة ، وإن وافق مكرهاً لم يكن فيه جور إلاّ عليه خاصّة ، مع سلامة أُمور المسلمين ، فقدّم هذا على ذلك ، وإلاّ فهوعليه‌السلام ذاك الغيور الشجاع الذي لا يخاف في الله لومة لائم ، وهو الذي لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه ، وهو الشاهر سيفه لله وفي الله ، كما حدث في قتاله الناكثين والمارقين والقاسطين.

وأمّا اعتراضهم علينا بقولهم : لماذا يترك علي الأمر لعمّه مع وجوده؟ وهل هناك فرق بين أن يزوّجها علي مباشرة ، وبين أن يتولّى العباس ذلك؟ فنقول :

إنّهعليه‌السلام فعل هذا ليكون أبلغ في إظهار الكراهة ، وليثار هذا السؤال عند الناس : لماذا لم يحضر عليّاً؟ ولماذا ترك أمرها لعمّه؟ هل حدث شيء؟ وهذا الأسلوب هو أحد آليّات الكفاح ، وقد سبق أن استخدمته الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ، حيث أوصت أن تُدفن ليلاً ، ويُخفى قبرها ، ليبقى هذا السؤال قائماً أبد الآبدين : أين قبر بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وأمّا قولهم : إنّ ما روي عند الشيعة في أمر هذا الزواج ، من أنّ ذلك ( فرج غصبناه ) يردّ عليه : أنّها جملة مخجلة تخدش الحياء ، ولا تخرج من إنسان مهذّب ، وأنّها تعني أنّ الزواج لم يتمّ بأسلوب شرعيّ ، ولم يتمّ بقبول والدها ووليّها الشرعيّ ، ولا بقبولها أيضاً ، بل تمّ الأمر استبداداً وجبراً ، فنقول :

لا نعلم السبب في تعليق القائل : إنّها جملة مخجلة ، هل أقلقته تلك الكلمة ،

____________

١ ـ الكافي ٥ / ٣٤٦.

١٣٧

وقد قال الله تعالى في مريم :( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ) (١) .

وقال تعالى :( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (٢) .

فظهر : أنّ مجرّد استعمال هذه الكلمة لبيان أمر لا قبح فيه.

وهلاّ كان ما فعله خليفة المسلمين بالصبية العفيفة التي لا تحلّ له ـ من الأخذ بالذراع ، أو الكشف عن الساق أمام الناس ، حتّى ولو كانت زوجته ـ مخجلاً؟!

وهل يصدر هذا العمل من إنسان مهذّب ـ على حدّ تعبير القائل ـ؟!

ثمّ إنّ الزواج تمّ بأسلوب شرعيّ ، ولم يقل أحد ـ والعياذ بالله ـ أنّه تمّ بأسلوب غير شرعيّ ، غاية ما هناك أنّ عليّاًعليه‌السلام كان مكرهاً ، وأوكل الأمر إلى عمّه العباس حفظاً لمصلحة الأُمّة الإسلاميّة. وإنّ الإكراه يحلّ معه كلّ محرّم ، ويزول معه كلّ اختيار ، فيجوز معه إظهار كلمة الكفر ، ويحلّ معه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات ، مع حرمته حال الاختيار ، فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : (وضع الله عن أُمّتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه )(٣) .

( مختار ـ الجزائر ـ ٣٧ سنة ـ ليسانس حقوق )

تعقيب حول الجواب السابق :

إخواني العامليّن في موقع العقائد ، أُريدكم التعمّق في البحث حول هذا

____________

١ ـ التحريم : ١٢.

٢ ـ النور : ٣١.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٧ / ٣٥٧.

١٣٨

الموضوع ، خاصّة في الجوانب التالية : من هي أُمّها؟ كم كان عمرها وقت زواجها بعمر؟

بعد قراءتي لمجمل الأسئلة والتفاصيل الواردة ، أنا متأكّد من أنّ هذه القضية مفتعلة ، ولا أساس لها من الصحّة ، وإن حدثت بتلك التفاصيل ، فقد زادتني كرهاً لعمر ، نظراً لتصرّفاته اللاأخلاقية.

( هدى صالح ـ أمريكا ـ )

بعض أقوال علماء الشيعة فيه :

س : الأساتذة في مركز الأبحاث العقائديّة.

أشدّ على أيديكم ، وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يوفّقكم لكلّ خير ، ولي طلب بسيط ، وهو : أنّكم ذكرتم الكثير عن موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، ويحقّ للإنسان أن يشكّ في أصل هذا الزواج ، ولا يعير له أيّ أهمّية ، ولكن أُريد منكم أن تذكروا لنا بعض الأقوال لعلمائنا القدامى والمعاصرين بنصّها ، وذلك إتماماً للفائدة.

ج : في مقام الجواب ننقل لكم بعض الأقوال ، والروايات بنصّها :

١ ـ قال الشيخ المفيدقدس‌سره في بعض رسائله : ( إنّ الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنينعليه‌السلام من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متّهماً فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم. وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه ، فظنّ كثير من الناس أنّه حقّ لروايته رجل علوي له ، وهو إنّما رواه عن الزبير بن بكّار.

والحديث نفسه مختلف : فتارة يروى : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام تولّى العقد له على ابنته.

وتارة يروى : أنّ العباس تولّى ذلك عنه.

١٣٩

وتارة يروى : أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم.

وتارة يروى : أنّه كان عن اختيار وإيثار.

ثمّ إنّ بعض الرواة يذكر إنّ عمر أولدها ولداً أسماه زيداً.

وبعضهم يقول : إنّه قتل من قبل دخوله بها.

وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقباً.

ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له.

ومنهم من يقول : إنّه وأُمّه قُتلا.

ومنهم من يقول : إنّ أُمّه بقيت بعده.

ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أُمّ كلثوم أربعين ألف درهم.

ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم.

ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم.

ويبدو هذا الاختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال.

ثمّ إنّه لو صحّ لكان له وجهان ، لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدّمين على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أحدهما : أنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بجملة الشريعة ، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان ، وترك مناكحة من ضمّ إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام ، إلاّ أنّ الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام ، زالت الكراهة من ذلك ، وساغ ما لم يكن بمستحبّ مع الاختيار.

وأمير المؤمنينعليه‌السلام كان محتاجاً إلى التأليف ، وحقن الدماء ، ورأى أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحة ابنته أثّر ذلك الفساد في الدين والدنيا ، وأنّه إن أجاب إليه أعقب صلاحاً في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه.

والوجه الآخر : أنّ مناكحة الضال ـ كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقّها ـ حرام ، إلاّ أن يخاف الإنسان على دينه ودمه ، فيجوز له ذلك ، كما

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327