رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ5%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14498 / تحميل: 1689
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء ١

مؤلف:
العربية

رِجَالٌ في التّارِيخْ

الدكتور محمد تقي مشكور

حققه وعلّق عليه

صادق جعفر الروازق

الجزء الأول

١

الإهداء

أهدي كتابي هذا وجهدي فيه إلى والديّ اللذَین أرضعاني حب آل البيتعليهم‌السلام

وإلى العلماء الأعلام الذين مهّدوا السبل لمذهب أهل البيت

وإلى صاحب العصر والزمان (عج)

المؤلف

٢

مقدمة المحقق

ليس معرفة التاريخ غاية بذاتها، بل الغاية تكمل فيما يمكن التأثر بها - إيجاباً - أي ما ينضوي من معالم الخير في رحابها ومحاولة التشبه من مفرداتها الخيّرة، فالمعرفة التاريخية باتت مدرسة للقيم والتعاليم السامية الراقية فضلاً عن أنها علماً وفناً وميداناً للفكر والاجتهاد. بل عبّرت عن مساحة كبيرة من الحركية والفاعلية للبحث عن القوانين والأنساق والأطر التي تنظم حياة الأمم والمجتمعات.

ولكن أيّ من التاريخ يعبّر عما تطمح له الأمم ويعتني بحركية حياتها؟

هل ما يكتبه الحكام والسلاطين الجبابرة؟ أم هو الذي لا يمكن توثيقه، ويبقى يتناقل شفاهاً؟ أو أنه المؤرخ المحظور؟

لا شك أن التاريخ الحقيقي هو ما تكتبه الشعوب المستضعفة، الشعوب

٣

الثائرة على مكامن الظلم والاستبداد. فهو وحده يصلح تسميته بالتاريخ، كونه المضمخ بدماء الضحايا ومآسي المستضعفين. فهو تاريخ المعارضة وليس تاريخ السلطة!

تاريخ المجتمعات المسحوقة، وليس تاريخ المترفين من السلاطين ولا تاريخ المحاباة والمجاملات، أنه التاريخ الذي يعبر عن عمق مسؤولية المؤرخ. والوقوف على مقدار حياديته، موثقاً ومؤرخاً للحدث بأبعاده المختلفة كأن تكون أوجهه الثلاث: إيجاباً وسلباً و(معتدلاً) أو ما بينهما. كون القراءة الأحادية تعبر بالضرورة عن ذات الكاتب والمؤرخ، وهذا ما يظهر جلياً وربما من أسطر محدودة ومعدودة في كشف هويته وانتمائه ومذهبه.

وبعيداً عن الغور في مصاديق القول، تبقى كتابة التاريخ مسؤولية ذات أبعاد شرعية وقانونية تستصحب صدق الكاتب المؤرخ وأمانته ونزاهته ووضوح

٤

منهجه وأهدافه.

ومن هنا، لا نغالي بالقول، أن مُعد هذا الكتاب هو ممن يطمح في تفعيل الوجه الإيجابي للتاريخ واستعراضه لنماذج من الرجال تمثل طرفي نقيض من مسار الحق والباطل، مبتغياً من ذلك مساهمة خيّرة لإرشاد القارئ وتحكيم عقله وتفعيل نقاء فطرته، للتأثر بالصورة الطيبة الخيّرة المتفانية في الإخلاص للقيم والمبادئ الراقية.

وعلى الرغم من مشقة التأليف، وقصر فسحة الوقت لديه، فشغفه بالتاريخ يدفع به إلى ممارسة النشاط التربوي ضمن حيز الثقافة التاريخية.

وبعد ان قست عليه ظروف العمل الحزبي السياسي، توجه - مؤخراً - إلى عالم الكتابة ليجد فيها ظالته الحركية لنشر الوعي والدفاع عن حقيقة إيمانه وبكل ما يعتقده من قراءاته التاريخية والدينية فكان إسهامه الأول ((رياض الأمثال... في الكتاب والسنة

٥

والأدب/ ٤ أجزاء)) يتساير مع ما يطمح به من توجه تربوي أخلاقي، يسترجع فيه المثل إلى ما يتطابق معه من الأحداث التاريخية، ورغم كل معاناته الصحية وضيق وقته في العمل المجهد ليلاً ونهاراً فهو ينتهز الفرص قارئاً، باحثاً، متابعاً، متحدياً في سباق سريع مع الزمن لتدوين ونشر ما يراه منسجماً مع تطلعاته الدينية والتربوية والسياسية.

وها هو الآن يصدَّر موسوعته الثانية، بهذا الكتاب الذي عدّه جزءاً من بقية أجزاء مخطوطة، دارت مادته التاريخية في بيان سيرة بعض الرجال، كون أن معرفة عطاءاتهم هي جزء من قراءة التاريخ إن لم تكن القراءة الكاملة للتاريخ فيما لو تبلورت موسوعة رجالية كبيرة تحيط بكل ما يتعلق من السيرة التاريخية، وربما قد يتحقق هذا العمل فيما لو ساهمت المؤسسات المعنية مع بعضها بعمل مشترك.

٦

ولأهمية هذه المعرفة، جاءت فكرة هذا الكتاب الذي ضلع في إعداده وتأليف بعض فصوله الدكتور محمد تقي مشكور مع ما كان يطمح على أن تكون الترجمة لأحدهم على نحو من الاختصار مراعاةً لذكر أكثر عدداً من الأعلام، وسهولة القراءة دون ملل وضجر قد يصيب القارئ الكريم.

ومع كل ما في هذه الفكرة من كثير المقبولية، حاولنا أن نضع بعض تعليقاتنا والموجزة هي الأخرى على ما نراه ضرورياً للاحاطة الأكثر من المعرفة لهذا الرجل أو ذاك، وأحياناً الترجمة الكاملة لبعض الشخصيات المعاصرة مع حُرصنا على ذكر أغلب المصادر التي تضمنت التراجم، وربما قد يلتفت القارئ العزيز، إلى تكرار كتاب الشيخ عباس القمي الموسوم بـ ((الكنى والألقاب)) حيث أن المؤلف أعتمده مصدراً رئيسياً لندرة ما في جعبته من المصادر التي تتضمن تراجم الشخصيات المختارة من قبله، مع ما وجد فيه من

٧

إيفاء في الترجمة. ولذا حاولنا أن نسترجع الكثير من النصوص والحوادث إلى مصادرها التاريخة القديمة. كما أن في بعض تراجم الشخصيات المعاصرة حاولنا الاعتماد على ما ذكره القمي (رحمه الله) كونه لم يشر إلى المصادر مطلقاً، وهذا مما أجهدنا كثيراً في البحث عن مصادر المعاصرين ولكن دون جدوى.

وانطلاقاً من قاسم المشاطرة الفكرية والهدفية مع المؤلف، رغبنا بمساعدته في تحقيق هذا الجهد، سائلينه تعالى الثبات على كل ما نؤمن به من خير وسعادة وسلام على صراط نبي الرسالة (ص) ورائد مصاديقها ومنجز قيمها ومبادئها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

اللهم نسألك الثبات بعد الهداية، وارحمنا فأنت خير الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

٨

المحقق

صادق جعفر الروازق

٤ محرم الحرام ١٤٢٨هـ

٩

المقدمة

في مطالعاتي الطويلة كنت أشعر انني احتاج كثيراً من الأحيان لأن أطلع على طبيعة وعقيدة كثير من الرجال الذين يأتي ذكرهم في سرد الأحاديث والأخبار والروايات ولكنني لم أستطع الحصول على ذلك إلا بعد مراجعة موسوعات الرجال الطويلة العريضة وهذا لا يتسنى لمثلي بل هو شأن العلماء والمحققين والمؤرخين، أما من مثلي فيحتاج إلى كتاب أو كتيب في الرجال يتسع لأسماء الرجال الذين تتكرر في تاريخنا دائماً بل نحتاج إلى كتاب هو خلاصة وموجز علم الرجال ليتسنى لكل أحد اقتناءه والاستفادة منه.

ثم طرأت قضية أخرى وهي أحساسي بالحاجة إلى تدوين تاريخ بعض الرجال المعاصرين الذين لم تسعهم الموسوعات الكبيرة والتي سطرت رجال التاريخ في الحُقب السابقة في الغالب.

كل ذلك كان أمنية في نفسي ان يتحقق حتى جاء حدث وفاة المرحوم الوالد

١٠

الشيخ نور الدين مشكور حيث ألحّ عليّ أكثر من صديق ومحب ان أدون تاريخ العائلة الناصع والحافل بالعلم والعلماء والمجاهدين، فشعرت بضرورة ذلك وصار في نفسي ان أكتب شيئاً عن ذلك.

ثم تطورت الفكرة وتوسعت في ان أكتب عن عائلتي وبعض العوائل المرتبطة بها والتي صاهرتها أخذاً أو عطاءاً أمثال بيت الشاه عبد العظيم وبيت الخليلي وبيت كبة وبيت الصافي وبيت ميرزا وبيت الجواهري إلى آخره.

ووجدت نفسي في وسط مشروع يتوسع تدريجياً واني أجرُّ جراً إلى الكتابة عن شيء آخر.

فلماذا لا أكتب عن رجال الشيعة الاثني عشرية الذين لمعوا في التاريخ والذين صنعوا التاريخ وصمدوا في عبابه وكشفوا زيفه أمام كل تلك الموسوعات الظالمة لمحمد وآل محمد والتي زيّفت الحق وظاهرت الباطل عليه ووضعت في سبيل ذلك عشرات آلاف الأحاديث الكاذبة على يد المرتزقة أيام معاوية

١١

وقبله حيث منعوا كتابة السنة والتي يقول عنها علماؤنا ان ثلثيها بحق علي  ولهذا منعت...

فمن الوجدان والواجب التاريخي ان نذكر رجالنا بخير وضمن مواقفهم التاريخية في إحقاق الحق وإبطال الباطل لذلك توسع المشروع إلى كتاب في رجال الشيعة.

ولما كان إحقاق الحق في الرجال يستوجب بيان الانحراف في الطرف الآخر وتثبيت حقائق ذلك الانحراف بالوثائق ليبين الحق من الباطل فتناولنا بعض رجالهم وكشفنا عن بعض حقائقهم خدمة للحقيقة ولكي لا يقول قائل: ما كنا نعلم بهم واننا( فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) (الأنبياء: من الآية٩٧).

فجاء مشروع الكتاب عاماً شاملاً ولكنه آثر الاختصار الشديد الذي لا يضر كثيراً بالقضية واتباعاً لأساس الفكرة النواة الأولى بظهور كتاب مختصر بيد كل مطالع ومتتبع، مع ان الاختصار هنا وفي كثير من الأحيان قد يحيف ببعض الرجال أو البيوتات حين لا نذكر كل مقوماتهم

١٢

وخدماتهم وجليل أعمالهم لكننا اضطررنا إلى ذلك ونطلب العفو والصفح خاصة ممن لم نذكرهم في كتابنا فكتابنا هو غيض من فيض والأصل فيه هو الاختصار، وهذه هي مثالب الاختصار التي لابد منها لذلك أطلب العفو والغفران من الجميع.

المؤلف

الدكتور محمد تقي مشكور

٤ محرم الحرام ١٤٢٨هـ

١٣

حرف الألف

١٤

الابيوردي

أبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد ينتهي إلى عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي الشاعر المشهور كان راوية نسابة، وكان يكتب في نسبه المعاوي ينسب إلى معاوية الأصغر في عمود نسبه. له ديوان ومقطعات، وله من جملة قصيدة:

فسد الزمان فكل من صاحبته

راج ينافق أو مداج حاشي

وإذا اختبرتهم - ظفرت - بباطن

متجهم وبظاهر هشاش

ومن شعره أيضاً:

تنكر لي دهري ولم يدر انني

أعز وأحوال الزمان تهون

وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه

وبت أريه الصبر كيف يكون

كانت وفاته مسموماً باصبهان سنة ٥٠٧، والابيوردي بفتح الهمزة وكسر الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح الواو وسكون الراء هذه النسبة إلى أبيورد، ويقال لها أبا ورد وهي بلدة

١٥

بخراسان، منها جماعة من العلماء وغيرهم، كذا قال ابن خلكان، قلت: ومن تلك الجماعة أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد احد الفقهاء الشافعيين من أصحاب أبي حامد الاسفراييني سكن بغداد، وولي القضاء بها ثم عزل، وكان يدرس في قطيعة الربيع، حكي انه كان يصوم الدهر وان غالب إفطاره كان على الخبز، وكان فقيراً يظهر المروئة توفي ببغداد(١) سنة ٤٢٥هـ

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج٢، ص١٠ - ١١.

١٦

الأحنف بن قيس

روى عيسى بن دأب قال: أول ما عرف الأحنف بن قيس وقدّم، انه وَفَد على عمر بن الخطاب وكان أحدث القوم سناً، وأقبحهم منظراً، فتكلم كل رجل من الوفد بحاجته في خاصته، والأحنف ساكت، فقال له عمر:

قل يا فتى؛ فقام فقال: يا أمير المؤمنين، ان العرب نزلت بمساكن طيبة، ذات ثمار وأنهار عذاب، وأكنة ظليلة، ومواضع فسيحة، وإنا نزلنا بسبخة نشّاشة، ماؤها ملح، وأفنيتها ضيقة وإنما يأتينا الماء في مثل حلق النعامة فإلا تدركنا يا أمير المؤمنين بحفر نهر يغزر ماؤه، حتى تأتي الأمَة فتغرف بجرتها وإنائها أوشك ان نهلك، قال: ثم ماذا؟ قال: تزيد في صاعنا ومُدّنا، وتُثبت من تلاحق في العطاء من ذريتنا. قال: ثم ماذا؟ قال: تخفف عن ضعيفنا، وتنصف قوينا، وتتعاهد ثغورنا، وتجهز بعثنا، قال: ثم ماذا؟ قال: إلى هاهنا انتهت المطالب ووقف

١٧

الكلام.

قال: أنت رئيس وفدك، وخطيب مصرك، قم عن موضعك الذي أنت فيه. فأدناه حتى أقعده إلى جانبه، ثم سأله عن نسبه، فأنتسبَ له، فقال: أنت سيد تميم، فبقيت له السيادة إلى ان مات.

نسبه:

هو الأحنف، واسمه الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن حصن بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمر بن كعب بن [سعيد بن] زيد مناة بن تميم.

وقال بعض بني تميم: حضرت مجلس الأحنف وعنده قوم مجتمعون له في أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ان الكرم مَنْعُ الحرم، ما أقرب النقمة من أهل البغي، لا خير في لذة تعقب ندماً، لم يهلك من اقتصد، لم يفتقر من زهد، رُب هزل عاد جداً، من أمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه، دَعوا المزاح فإنه يورث الضغائن، وخير القول ما صدّقه الفعل، احتملوا لمن أدل عليكم، واقبلوا عذر من اعتذر إليكم، أطع

١٨

أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، أنصف من نفسك قبل ان ينتصف منك، إياكم ومشاورة النساء، واعلم ان كفر النعم لؤم، وصحبة الجهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالذمم، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللطف، والعداوة بعد الود، لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل، واعلم ان لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فانفق في حق، ولا تكن خازناً لغيرك، وإذا كان الغدر موجوداً في الناس فالثقة بكل أحد عجز، اعرف الحق لمن عرفه لك، واعلم ان قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.

قال: فما سمعت كلاماً أبلغ منه، فقمت وقد حفظته.

كلام الأحنف في مجلس معاوية:

ودخل الأحنف على معاوية، ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجاباً، فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمرة قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم

١٩

الخلف من بعدنا، فكن لهم أرضاً ذليلة، وسماءً ظليلة، إن سألوك فاعطهم وإن استعتبوك فاعتبهم، ولا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويستثقلوا حياتك، ويتمنوا وفاتك.

فقال: لله درك يا أبا بحر هم كما قلت:

وزعمت الرواة انها لم تسمع للأحنف إلا هذين البيتين:

فلو مد سرْوي بمال كثير

لجدت وكنت له باذلا

فإن المروءة لا تستطاع

إذا لم يكن مالها فاضلا

صفة الأحنف:

وكان يُبخَّل، وقال لبني تميم: أتزعمون اني بخيل! والله إني لأشير بالرأي قيمته عشرة آلاف درهم، فقالوا: تقويمك لرأيك بخل. وكان الأحنف من الفضلاء الخطباء النساك، وبه يُضرب المثل في الحلم.

ذُكر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستغفر له:

وقد ذُكر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستغفر له، فقد

٢٠

بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً إلى قومه بني سعد، يعرض عليه الإسلام، فقال الأحنف: إنه يدعوكم إلى خير ولا أسمع إلا حسناً، فذكر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: اللهم اغفر للأحنف، وكان الأحنف يقول: ما شيء أرجى عندي من ذلك.

من أوصاف الأحنف:

قال عبد الملك بن عمير: قدم إلينا الأحنف، فما رأينا خصلة تُذم في رجل إلا رأينا فيه، كان أصلع الرأس، متراكب الأسنان، أشدق، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين باخق(١) العينين، خفيف العارضين، أحنف الرجلين، وكانت العين تقتحمه دمامة وقلة رواء، ولكنه إذا تكلم جلى عن نفسه، وهو الذي خطب بالبصرة حين اختلفت الأحياء، وتنازعت القبائل، فقال بعد ان حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأزد [وربيعة]، أنتم إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الصهر، وأكفاؤنا في النسب، وجيراننا

__________________

١ - البخق في العين: ألا يلتقي جفناها.

٢١

في الدار، ويدنا على العدو، والله لأزد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة [ولأزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشام] وفي أموالنا وأحلامنا سعة لنا ولكم.

كلامه لمعاوية وقد أراد البيعة ليزيد:

ولما عزم معاوية على البيعة ليزيد كتب إلى زياد ان يوجّه إليه بوفد أهل العراق، فبعث إليه بوفد أهل البصرة والكوفة، فتكلمت الخطباء في يزيد، والأحنف ساكت، فلما فرغوا قال: قل يا أبا بحر، فإن العيون إليك أشرع منها إلى غيرك، فقام الأحنف، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال: يا أمير المؤمنين؛ إنك أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره، وإعلانه وإسراره، فإن كنت تعلمه لله رضا فلا تشاور فيه أحد، ولا تقم له الخطباء والشعراء، وإن كنت تعلم بُعده من الله فلا تزوّده من الدنيا وترحل أنت إلى الآخرة. فإنك تصير إلى يوم يفر [فيه] المرء من أخيه، وأمه وبنيه، وصاحبته وبنيه.

قال فكأنه أفرغ على معاوية ذنوب

٢٢

ماء بارد. فقال له: اقعد يا أبا بحر؛ فإن خيرة الله تجري، وقضاء الله يمضي، وأحكام الله تنفذ، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وإن يزيد فتى قد بلوناه، ولم نجد في قريش فتى هو أجدر بأن يُجتمع عليه منه، فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تحكي عن شاهد، ونحن نتكلم على غائب، وإذا أراد الله شيئاً كان.

وفاة الأحنف ورثاء امرأة له:

مات الأحنف بن قيس بالكوفة، فمشى مصعب بن الزبير في جنازته بغير رداء، وقال: اليوم مات سر العرب، فلما دُفن قامت امرأة على قبره فقالت:

لله درك من مُجن في جَنن(١) ، ومدرج في كفن، نسأل الله الذي فجعنا بموتك وابتلانا بفقدك، ان يجعل سبيل الخير سبيلك، ودليل الرشد دليلك، وان يوسع لك في قبرك، ويغفر لك يوم حشرك، فوالله لقد كنت في المحافل شريفاً، وعلى

__________________

١ - مجن: مستور، والجنن - بالتحريك - القبر، وجمعه أجنان

٢٣

الأرامل عطوفاً، ولقد كنت في الحي مُسوَّداً، وإلى الخليفة موفداً، ولقد كانوا لقولك مستمعين، ولرأيك متبعين، ثم أقبلت على الناس فقالت: ألا إن أولياء الله في بلاده، شهود على عباده، وإني لقائلة حقاً، ومثنية صدقاً، وهو أهل لحسن الثناء، وطيب النثا(١) إلى ان قالت:

لله درك يا أبا بحر

ماذا تغيّب منك في القبــر؟

لله درك أي حشو ثرى

أصبحت من عرف ومن نُكر

إن كان دهر فيك جرَّ لنا

حدثاً به وَهَنَت قوى الصبــر

فلكم يد أسديتها ويد

كانت ترد جرائر الدهـــــر(٢)

قال: وكان الأحنف قدم الكوفة في أيام مصعب بن الزبير، فرآه رجل أعور دميماً قصيراً أحنف الرجلين، فقال له:

__________________

١- في رواية وطيب الدعاء.

٢ - زهر الآداب للقيرواني: ج٣، ص٦٩٦ - ٧٠٢.

٢٤

يا أبا بحر؛ بأي شيء بلغت في الناس ما أرى؛ فوالله ما أنت بأشرف قومك، ولا أجودهم؟ فقال: يا ابن أخي، بخلاف ما أنت فيه! قال: وما هو؟ قال: تركي من أمرك ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا تتركه(١)

__________________

١ - كان الأحنف بن قيس من خُلص أتباع الإمام عليعليه‌السلام ، وعلى الرغم من أنه اعتزل القتال يوم الجمل إلا أن مسار الأحداث أكدت على ما أشبه بالتوافق بينه وبين الإمام عليعليه‌السلام على اتخاذه هذا الموقف، وهو موقف تكتيكي، أما ستراتيجية الأحنف تمثلتْ بإخلاصه الحميم لعليعليه‌السلام (المحقق).

٢٥

أحمد بن طولون

كتب ابن الأثير في البداية والنهاية:

أبو العباس أمير الديار المصرية وباني الجامع بها المنسوب إلى طولون، وإنما بناه أحمد ابنه، وقد ملك دمشق والعواصم والثغور مدة طويلة، وقد كان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد الساماني عامل بخارى إلى المأمون في سنة مائتين، ويقال إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة.

ولد أحمد هذا في سنة أربع عشرة ومائتين، ومات طولون أبوه في سنة ثلاثين، وقيل في سنة أربعين ومائتين. وحكى ابن خلكان: أنه لم يكن أباه وإنما تبناه، والله أعلم. وحكى ابن عساكر أنه من جارية تركية اسمها هاشم. ونشأ أحمد هذا في صيانة وعفاف ورياسة ودراسة للقرآن العظيم، مع حسن الصوت به، وكان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والمنكرات، وكانت أمه جارية اسمها هاشم.

٢٦

وحكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أباه وإنما كان قد تبناه لديانته وحسن صوته بالقرآن وظهور نجابته وصيانته من صغره، وأن طولون اتفق له معه أن بعثه مرة في حاجة ليأتيه بها من دار الإمارة فذهب فإذا حظية من حظايا طولون مع بعض الخدم وهما على فاحشة، فأخذ حاجته التي أمره بها وكر راجعاً إليه سريعاً، ولم يذكر له شيئاً مما رأى من الحظية والخادم، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى، فجاءت إلى طولون فقالت: إن أحمد جاءني الآن إلى المكان الفلاني وراودني عن نفسي وانصرفت إلى قصرها، فوقع في نفسه صدقها فاستدعى أحمد وكتب معه كتاباً وختمه إلى بعض الأمراء ولم يواجه أحمد بشيء مما قالت الجارية، وكان في الكتاب أن ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك تضرب عنقه وأبعث برأسه سريعاً إلي فذهب بالكتاب من عند طولون وهو لا يدري ما فيه، فاجتاز بطريقه بتلك الحظية فاستدعته إليها فقال: إني

٢٧

مشغول بهذا الكتاب لأوصله إلى بعض الأمراء، قالت: هلم فلي إليه حاجة، وأرادت أن تحقق في ذهن الملك طولون ما قالت له عنه فحبسته عندها ليكتب لها كتاباً، ثم استوهبت من أحمد الكتاب الذي أمره طولون أن يوصله إلى ذلك الأمير، فدفعه إليها فأرسلت به ذلك الخادم الذي وجده معها على الفاحشة وظنت أن به جائزة تريد أن تخص بها الخادم المذكور فذهب بالكتاب إلى ذلك الأمير، فلما قرأه أمر بضرب عنق ذلك الخادم وأرسل برأسه إلى الملك طولون. فتعجب الملك من ذلك وقال: أين أحمد؟ فطلب له فقال: ويحك أخبرني كيف صنعت منذ خرجت من عندي؟ فأخبره بما جرى من الأمر. ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتي به إلى طولون أسقط في يديها وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال، فقامت إليه تعتذر وتستغفر مما وقع منها مع الخادم، واعترفت بالحق وبرأت أحمد مما نسبته إليه، فحظي عند الملك طولون وأوصى له بالملك من بعده.

٢٨

ثم ولي نيابة الديار المصرية للمعتز فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، فأحسن إلى أهلها وأنفق فيهم من بيت المال ومن الصدقات، واستغل الديار المصرية في بعض السنين أربعة آلاف ألف دينار، وبنى بها الجامع، غرم عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وفرغ منه في سنة سبع وخمسين، وقيل في سنة ست وستين ومائتين، وكانت له مائدة في كل يوم يحضرها الخاص والعام، وكان يتصدَّق من خالص ماله في كل شهر بألف دينار. وقد قال له وكيله يوماً: إنه تأتيني المرأة وعليها الإزار والبدلة ولها الهيئة الحسنة تسألني فأعطيها؟ فقال: من مد يده إليك فأعطه، وكان من أحفظ الناس للقرآن، ومن أطيبهم به صوتاً.

وقد حكى ابن خلكان عنه أنه قتل صبراً نحواً من ثمانية عشر ألف نفس، فالله أعلم. وبنى المارستان غرم عليه ستين ألف دينار، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا، وكانت له صدقات كثيرة

٢٩

جداً، وإحسان زائد.

ثم ملك دمشق بعد أميرها ماخور في سنة أربع وستين ومائتين، فأحسن إلى أهلها أيضاً إحساناً بالغاً، واتفق أنه وقع بها حريق عند كنيسة مريم فنهض بنفسه إليه ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الحافظ الدمشقي، وكاتبه أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي، فأمر كاتبه أن يخرج من ماله سبعين ألف دينار تصرف إلى أهل الدور والأموال التي أحرقت. فصرف إليهم جميع قيمة ما ذكره وبقي أربعة عشر ألف دينار فاضلة عن ذلك، فأمر بها أن توزع عليهم على قدر حصصهم، ثم أمر بمال عظيم يفرق على فقراء دمشق وغوطتها، فأقل ما حصل للفقير دينار.

ثم خرج إلى إنطاكية فحاصر بها صاحبها سيما حتى قتله وأخذ البلد.

توفي بمصر في أوائل ذي القعدة من هذه السنة(١) من علة أصابته من أكل لبن

__________________

١- أحداث سنة سبعين ومائتين.

٣٠

الجواميس كان يحبه فأصابه بسببه ذرب فكواه الأطباء وأمروه أن يحتمي منه فلم يقبل منهم، فكان يأكل منه خفية فمات رحمه الله. وقد ترك من الأموال والأثاث والدواب شيئاً كثيراً جداً، من ذلك عشرة آلاف ألف دينار(١) ، ومن الفضة شيئاً كثيراً، وكان له ثلاثة وثلاثون

__________________

١ -( يوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) ( التوبة:٣٥) كل هذا من بيت المال الذي يجب ان يوزع على المسلمين احتكره له ولدنياه. نعم هذه هي الخلافة الإسلامية كما يسمونها وهي هرقلية دِنيويّة كما جعلها عثمان ومعاوية ومن سمي بالخليفة من بعدهم، أين هذا من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي كان يكنس بيت المال ويرشه كل ليلة حيث لا يترك فيه شيئاً حتى الصباح لمسؤولية ذلك عند الله؟ وهذا هو البون الشاسع بين الحق والباطل، حين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي مع الحق والحق مع علي، وقال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، لئلا تكون دولة بين الأغنياء منهم. (المؤلف).

٣١

ولداً، منهم سبعة عشر ذكراً، فقام بالأمر من بعده ولده خمارويه. وكان له من الغلمان سبعة آلاف مولى، ومن البغال والخيل والجمال نحو سبعين ألف دابة، وقيل أكثر من ذلك. قال ابن خلكان: وإنما تغلب على البلاد لاشتغال الموفق بن المتوكل بحرب صاحب الزنج، وقد كان الموفق نائب أخيه المعتمد(١)

أحمد بن عبد ربه

صاحب كتاب العقد الفريد

ابن حبيب بن جرير بن سالم أبو عمر القرطبي، مولى هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي.

كان من الفضلاء المكثرين، والعلماء بأخبار الأولين والمتأخرين، وكتابه العقد يدل على فضائل جمة، وعلوم كثيرة مهمة، ويدل كثير من كلامه على

__________________

١- البداية والنهاية، ابن كثير: ج١١، ص ٥٤.

٣٢

تشيع فيه، وميل إلى الحط على بني أمية. وهذا عجيب منه، لأنه أحد مواليهم وكان الأولى به أن يكون ممن يواليهم لا ممن يعاديهم.

قال ابن خلكان: وله ديوان شعر حسن، ثم أورد منه أشعاراً في التغزل في المردان والنسوان أيضاً. ولد في رمضان سنة ست وأربعين ومائتين وتوفي بقرطبة(١) .

أحمد بن هلال الكرخي

أحمد بن هلال الكرخي.

قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمدعليه‌السلام ، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان - رضي الله عنه - بنص الحسنعليه‌السلام في حياته، ولما مضى الحسنعليه‌السلام قالت الشيعة الجماعة له:

__________________

١ - البداية والنهاية، ابن كثير: ج١١، ص١٩٣ - ١٩٤، في أحداث سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، كان عام وفاته.

٣٣

ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟. فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه - يعني عثمان بن سعيد - فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه.

فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرؤا منه. ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن(١) .

__________________

١ - الاحتجاج للطبرسي: ج٢، ص٢٩٢، خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: ص٤٣٣، جامع الرواة لمحمد علي الأردبيلي: ج٢، ص٤٦٩، رجال الخاقاني للشيخ علي الخاقاني: ص ١٧٩.

٣٤

الأربلي

بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى بن ابى الفتح الأربلي من كبار العلماء الإمامية، العالم الفاضل الشاعر الأديب المنشئ النحرير والمحدّث الخبير الثقة الجليل أبو الفضائل والمحاسن الجمة صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمةعليهم‌السلام فرغ من تصنيفه سنة ٦٨٧، وله رسالة الطيف وديوان شعر وعدة رسائل، وله شعر كثير في مدح الأئمةعليهم‌السلام ذكر جملة منه في كشف الغمة.

وكتابه كشف الغمة كتاب نفيس جامع حسن، ولصاحبه بيان في تأويل ما نسب الأئمةعليهم‌السلام إلى أنفسهم المقدسة من الذنب والخطايا والعصيان مع عصمتهمعليهم‌السلام

يروى عن السيد رضي الدين بن طاووس والسيد جلال الدين بن عبد الحميد بن فخار الموسوي.

والأربلي نسبة إلى أربل، كدعبل بلد بقرب الموصل من جهتها الشرقية، ولا يخفى عليك انه غير الوزير الكبير أبى الحسن علي بن عيسى بن داود البغدادي

٣٥

الكاتب وزير المقتدر والقاهر قال في (ضافي) ترجمته كان غنياً شاكراً صدوقاً ديّناً خيراً صالحاً عالماً من خيار الوزراء، وهو كثير البر والمعروف والصلاة والصيام ومجالسة العلماء، توفى سنة ٣٣٤، وزّر للمقتدر مرتين، له كتاب جامع الدعاء، وكتاب معاني القرآن وتفسيره، أعانه عليه أبو الحسين الواسطي وأبو بكر بن مجاهد، وكتاب ترسل(١) ، وكان يستغل ضياعه في السنة سبعمائة ألف دينار ويخرج منها في وجوه البر ستمائة ألف دينار وستين ألف دينار، وينفق أربعين ألف دينار على خاصته.

وكانت غلته عند عطلته ولزوم بيته نيفاً وثمانين ألف دينار ينفق على نفسه وخاصته ثلاثين ألف دينار ويصرف الباقي في وجوه البر كذا في ذيل الصفدي على تاريخ ابن خلكان.

ونقل أيضاً عن الصولي انه قال:

__________________

١- هكذا النص في الكنى والألقاب.

٣٦

وأشار على المقتدر زمن نكبته ان يقف عقاره ببغداد على الحرمين والثغور وغلتها ثلاثة عشر ألف دينار في كل شهر، والضياع الموروثة له بالسواد وغلتها نيف وثمانون ألف دينار ففعل ذلك وأشهد على نفسه، وأفرد لهذه الوقوف ديواناً وسماه ديوان البر.

وخدم السلطان سبعين سنة لم يُزل فيها نعمة عن أحد، وأحصى له أيام وزارته نيف وثلاثون ألف توقيع من الكلام السديد، ولم يقتل أحداً، ولا سعى في دمه، وكان على خاتمه لله صنع خفي في كل أمر يخاف، وكان يجري على خمسة وأربعين ألف إنسان جرايات تكفيهم.

ونقل القشيري في رسالته المشهورة بإسناده المتصل إلى أبي عمر الأنماطي قال:

ركب علي بن عيسى الوزير في موكب عظيم فجعل الغرباء يقولون من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق إلى متى تقولون من هذا، هذا عبد سقط من عين الله فأبلاه الله بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك ورجع إلى منزله واستعفى من

٣٧

الوزارة وذهب إلى مكة وجاور بها، وقد غلط من نسب هذه الحكاية إلى شيخنا المحدث الجليل علي بن عيسى الأربلي المتقدم ذكره صاحب كشف الغمة(١) .

الاردبادى

العالم الفاضل الأديب البارع الشاعر المتبحر الخبير الميرزا محمد علي الاردبادي النجفي دام علاه، رأيت بخطه انه ولد في ٢١ رجب سنة ١٣١٢، وأخذ العلم عن والده ثم عن أساتذة العلم شيخ الشريعة الاصبهاني وحجة الإسلام الميزا علي اقا الشيرازي والبلاغي قدس الله تعالى أسرارهم، والشيخ الأجل الحاج

__________________

١- الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج٢، ص١٨ - ١٩، والأربلي في كتابه كشف الغمة يذكر قصتين بليغتين عن أثر خوارق العادات للإمام المهدي (عج) حدثت في زمانه وحدّثه بها جماعة من ثقاته، كشف الغمة: ج٣، ص٢٨٣ - ٢٨٧، وانظر القندوزي الحنفي: في ينابيع المودّة لذوي القربى: ج٣، ص٣١٣.

٣٨

الشيخ محمد حسين الاصبهاني دام ظله، له تآليف ورسائل ومقالات كثيرة وأشعار جيدة ومن شعره في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

لقد وضح الهدى في يوم خم

ينوء بعبئــــه النبأ العظيم

فغضت طرفهـــا عنــــــه نمير

كما عن رشده ضلت تميم

وذكر في أحوال والده الفقيه الجليل انه العلامة ميرزا أبو القاسم بن محمد تقي الاردبادي أحد فقهاء العصر الحاضر، ولد في ج ١ سنة ١٢٧٤ وأخذ من أساطين الدين غير انه أتم دروسه العالية في النجف الأشرف لدى الأعلام المحقق الفاضل الايرواني، والفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي، والمولى على النهاوندي وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

وله ما يناهز الخمسين مؤلفاً في الفقه والأصول وغير ذلك.

توفى في ٥ شعبان سنة ١٣٣٣ بهمدان في طريقه إلى مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام ،

٣٩

وأودع جثمانه هناك ثم نقل إلى النجف الأشرف.

والاردبادي: نسبة إلى اردباد بلدة تقع في الحدود بين أذربيجان وقوفاس قرب نهر آرس(١) .

الأزري

الشيخ كاظم بن الحاج محمد الحاج مراد بن الحاج مهدي بن إبراهيم بن عبد الصمد بن علي التميمي الازري البغدادي مادح أهل البيتعليهم‌السلام ، الفاضل الكامل الشاعر الأديب الماهر المنشئ البليغ الذي تشهد لذلك قصيدته الهائية المعروفة (لمن الشمس في قباب قباها).

يحكى انه كان العلامة الطباطبائي بحر العلوم يعظمه كثيراً لحسن مناظرته مع الخصوم، وأخواه الشيخ محمد رضا والشيخ محمد يوسف أيضاً كانا من

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج٢، ص٢٠ - ٢١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750