رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ7%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14337 / تحميل: 1689
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ان قال: وقال الدار قطني رافضي خبيث متهم بوضع حديث الإيمان إقرار بالقول، ونقل عنه انه قال كلب للعلوية خير من بني أمية إلى غير ذلك.

وروي ان المأمون حبس أبا الصلت بعد وفاة الرضاعليه‌السلام سنة فضاق صدره، فدعا الله بمحمد وآل محمد فدخل عليه أبو جعفر الجوادعليه‌السلام فضرب يده إلى القيود ففكها وأخذ بيده وأخرجه من الدار والحرسة والغلمة يروونه فلم يستطيعوا ان يكلموه فخرج من باب الدار، وقال له أبو جعفر امض في ودائع الله فانك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً.

وفي رواية الخرائج: فلما صرنا خارج السجن قال أي البلاد تريد؟ قلت: منزلي بهراة، قال ارخ رداءك على وجهك وخذ بيدي فظننت انه حولني عن يمنته إلى يسرته ثم قال لي اكشف فكشفته فلم أره فإذا أنا على باب منزلي فدخلته فلم التق مع المأمون ولا مع أحد من أصحابه

١٤١

إلى هذه الغاية(١) .

أبو الفتوح الرازي

جمال الدين حسين بن علي بن محمد بن أحمد الخز اعي.

الشيخ الإمام السعيد قدوة المفسرين ترجمان كلام الله المجيد صاحب روض الجنان في تفسير القرآن الذي هو حاوٍ لكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ينتفع منه الفقيه والمفسر والمؤرخ والواعظ وغيرهم.

وكان رحمه الله من أجل بيوتات العلم وينتهي بنسبه الشريف إلى نافع بن بديل بن ورقاء الخز اعي كما صرح بذلك في تفسيره. وجده محمد بن أحمد وجد جده أحمد وعم والده عبد الرحمن المشهور بالمفيد الثاني وابنه محمد بن الحسين وابن أخته أحمد بن محمد كلهم علماء فضلاء وهو رحمه الله معدن

__________________

١ - الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي: ج١، ص ١٠٠ -١٠٢

١٤٢

العلم ومحتده:

شرف تتابع كابر عن كابر

كالرمح أنبوباً على أنبوب(١)

ولا أعلم تأريخ وفاته إلا انه من مشايخ ابن شهر آشوب المتوفي سنه ٥٨٨ وقبره رحمه الله بالرى في صحن حمزة بن موسىعليه‌السلام في جوار عبد العظيم الحسنيرحمه‌الله .

يروي عن الشيخ أبي علي الطوسي والشيخ أبي الوفاء عبد الجبار الرازي عن الشيخ الطوسي وعن والده عن أبيه عن الشيخ والسيدين رضوان الله عليهم أجمعين إلى غير ذلك من مشايخه(٢) .

أبو الفرج الأصفهاني

صاحب كتاب الأغاني

كان ليحيى بن أكثم قاضي قضاة المأمون مجلساً يجتمع إليه أهل العلم،

__________________

١ - كشف الغمة للإربلي : ج ٣ ، ص ٢٣١

٢ - الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي: ج٢، ص ١٣٥.

١٤٣

وكان ممن يرتاد هذا المجلس إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فكان إسحاق - بصفته التي عرف بها وهي الغناء - يناظر أهل الكلام ويتكلم في الفقه، فإذا تحول الموضوع إلى الشعر خاض في الشعر واللغة، وهو في كل ذلك يتفوق على محاوريه في كل موضوع. كان عصراً يفسح المجال للمثقف الطموح ان ينغمس في أكثر العلوم، إذ أوهب القدرة على ذلك، مع اشتهاره بالتخصص في اتجاه واحد.

ومن عرف مؤلفات إسحاق الموصلي والكثيرة استطاع ان يدرك ماذا كان يطمح إليه أبو الفرج عندما ألف كتاب الأغاني، كان ذلك عصر التحدي، فيه نشأ أبو حيان التوحيدي وابن النديم صاحب الفهرست، وعشرات آخرون في شتى حقول المعرفة، وفيه كانت دكاكين الوراقين ببغداد، فيما أحسب، أكثر من دكاكين البقالين وباعة الخضار والفواكه. ومع ذلك العصر نشأ أبو الفرج علي بن الحسين بن... الخ. الذي يرتفع نسبه إلى مروان بن محمد آخر الخلفاء

١٤٤

الأمويين، وهذا هو الثابت في نسبه وإن كان صاحب الفهرست قد عدّه من ولد هشام بن عبد الملك، ولكن هذا سهو، وإن كان لا ينفي نسبه إلى المروانيين... فهو إذن عربي قرشي وإن حمل النسب إلى أصفهان.

متى ولد علي بن الحسين:

أكثر المصادر التي ترجمت لأبي الفرج تذكر انه ولد في عام ٢٨٤هـ/ ٨٩٧ م وسكت عن ذكر سنة مولده صاحب الفهرست والخطيب البغدادي، وياقوت الحموي...

النسبة إلى إصبهان

يقول الثعالبي (اليتيمة): ((الاصفهاني الأصل، البغدادي المنشأ))، ويبدو ان أكثر من ترجموا له أخذوا بهذا القول، فعدوه اصفهاني المولد، غير ان بعض الباحثين المعاصرين يشك في ان تكون اصفهان مسقط رأسه.

تشيع أبي الفرج

على الرغم من انتساب أبي الفرج إلى بني أمية، فقد كان شيعياً، وهو موقف

١٤٥

يلفت النظر لأول وهلة، ترى هل كان للنشأة الاصفهانية أثر في ذلك؟ أو هل كان تشيعه مجاراة لنوع من السيادة الشيعية في عصر بني بويه، لعله بالانتماء إلى هذا المذهب أحب ان يعرفه الناس ((عابداً)) فلا هو أموي ولا هو عباسي، وانما هو علوي الهوى - يتشيع لعلي وآله - ويؤلّف في أخبار من قتل منهم كتاباً كاملاً سماه ((مقاتل الطالبيين)) وهو كتاب يدين بسرده لأخبار العلويين ومصارعهم كلاً من الأمويين والعباسيين على حد سواء، بل انه يُبرز ان من قتل على أيدي العباسيين كان أكثر بكثير ممن قتل في أيام الأمويين.

المرحلة البغدادية

لا تعرف متى غادر أبو الفرج اصفهان إلى بغداد، ولكننا نستطيع ان نقرر ان جاذبية بغداد كانت أقوى من أن يقاومها إنسان طموح يعرف انها كعبة العلم والفن والحضارة من جميع النواحي.

فالعلم، هكذا كان دون تحديد، كان

١٤٦

غاية أبي الفرج الأولى من هذه الرحلة، فكان أول ما لقي علماء الحديث، وأشهر من لقيهم مطين والقتات (محمد بن جعفر)، والرزاز (علي بن أحمد)، ولكن المدينة الكبيرة - بما فيها من متع متنوعة وحياة صاخبة - أخذت تصرف هذا الاصفهاني الناشئ عن هذا الاتجاه، وساعدها على ذلك ميول متأصلة في نفس الفتى إلى خوض تجربة الحياة بكل أبعادها. فوجد نفسه مقبلاً على حفظ الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأنساب بل انه لم يقف عند هذا الحد إذ رأى ان الثقافة التي تحول إليها لابد لها من معرفة اللغة والنحو والسير والمغازي. وأضاف إلى ذلك كله ((الخرافات)) ولم تكن هذه المعارف التي اتجه إليها، أو أكثرها، بحاجة إلى توثيق كثير، فحاكم مصادرها ونقد الواهن منها، كما كان يتطلب علم الحديث.

ولعله كان يهيئ نفسه ليكون نديماً يسلّي من ينادمه - أياً كانت منزلتهم - بما يورده على مسامعهم من أخبار

١٤٧

وحكايات ونوادر، وما يتمثل به من شعر، وكان حفظه للشعر العربي الذي ينتمي إلى مختلف الحقب حتى عصره، وهو الذي هيأ له ان يكون شاعراً، وقد أورد له الثعالبي (وعنه ياقوت وغيره) من القصائد والمقطعات في المدح وبخاصة في مدح الوزير أبي محمد المهلبي الذي أصبح راعياً له، وكان صديقاً له قبل عهد الوزارة، واستمرت الصداقة بعدها، وله مقطعات في وصف الخمر، وفي الهجاء المقذع، حتى في هجاء المهلبي صديقه وراعيه، وحتى كان الناس ينفونه ويخشون لسانه.

وفاته:

توفي أبو الفرج في بغداد، بغدادياً حتى العظم في ١٤ ذي الحجة ٣٥٦هـ / ٩٦٧م.

وقد ترجم له الشيخ عباس القمي، قائلاً:

علي بن الحسين بن محمد المرواني الأموي الزيدي.

صاحب كتاب الأغاني، أورده شيخنا الحر العاملي قدس سره في أمل الآمل

١٤٨

وقال: هو اصبهاني الأصل بغدادي المنشأ من أعيان الأدباء وكان عالماً روى عن كثير من العلماء وكان شيعياً خبيراً بالأغاني والآثار والأحاديث المشهورة والمغازي وعلم الجوارح والبيطرة والطب والنجوم والأشربة وغير ذلك.

له تصانيف مليحة منها الأغاني وحمله إلى سيف الدولة فأعطاه ألف دينار واعتذر، وكان الصاحب بن عباد يستصحب في سفره ثلاثين حمل كتب للمطالعة فلما وجد كتاب الأغاني لم يستصحب سواه وكان منقطعاً إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح.

ومن كتبه: كتاب مقاتل الطالبيين، وقال صاحب الروضات: انى تصفحت كتاب أغانيه المذكور إجلالاً فلم أر فيه إلا هزلاً أو ضلالاً أو بقصص أصحاب الملاهي اشتغالاً وعن علوم أهل بيت الرسالة اعتزالاً وهو فيما ينيف على ثمانين ألف بيت تقريباً، إلى ان قال: وتوفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة.

قال كثير من الناس انه مات في هذه السنة عالمان: أبو علي القالي وصاحب

١٤٩

الأغاني، وثلاثة ملوك معز الدولة وكافور وسيف الدولة، وسمع أبو الفرج من جماعة لا يحصون وروى عنه الدار قطني وغيره(١) .

مؤلفاته:

ذكر له صاحب الفهرست أربعة عشر كتاباً باستثناء كتاب الأغاني الكبير(٢) .

أبو العاص

أبو العاص ابن الربيع القرشي اسمه لقيط أو مهشم أو هشيم زوج زينب بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها، وكان من أكثر رجال مكة مالاً وأمانة وتجارة والخبر في حسن مصاهرته في أيام الشعب مشهور، وقصة أسره ببدر وفدائه في الكتب مسطور، توفي سنة ١٢ وأوصى إلى الزبير. وتزوج

__________________

١ - الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي: ج١، ص ١٣٧ - ١٣٩.

٢ – تحقيق كتاب الأغاني ، طبع دار صادر ، بيروت ، بمقدمة إحسان عباس

١٥٠

عليعليه‌السلام ابنة أمامة بنت زينب بعد وفاة فاطمةعليها‌السلام بوصية منها معلله بأنها تكون لولدها مثلها، وقد زوجها منهعليه‌السلام الزبير لان أباها قد أوصاه بها.

حكي انه لما جرح أمير المؤمنينعليه‌السلام خاف ان يتزوجها معاوية فأمر المغيرة ابن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ان يتزوجها بعده فلما توفي أمير المؤمنين وقضت العدة تزوجها المغيرة فولدت له يحيى وبه كان يكنى فهلكت عند المغيرة.

روى الطبرسي في غزوة الطائف انه أنفذ رسول الله علياً في خيل عند محاصرته أهل الطائف وأمر ان يكسر كل صنم وجده فخرج فلقيه جمع كثير من خثعم فبرز له رجل من القوم وقال هل من مبارز فلم يقم أحد فقام إليه عليعليه‌السلام فوثب أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي فقال تكفاه أيها الأمير فقال لا ولكن ان قتلت فأنت على الناس فبرز إليه علي وهو يقول:

إن على كل رئيس حقاً

ان يروي الصعدة أو شرقا

١٥١

ثم ضربه فقتله ومضى حتى كسر الأصنام وانصرف إلى رسول الله.

وليعلم ان قول النبي: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً. المراد بأبي العاص أبو العاص بن أمية بن عبد مناف، وبنوه مروان بن الحكم بن أبي العاص وآله(١) .

__________________

١ - الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي: ج١، ص ١١٤ - ١١٥.

١٥٢

أبو الهيثم بن التيهان

أبو الهيثم بن مالك بن عتيك الأنصاري الأوسي، شهد بيعة العقبة ويقال انه كان أول من أسلم وبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أحد نقباء عبد الأشهل، شهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مشاهده كلها، وشهد مع الإمام عليعليه‌السلام حرب البصرة، وقتل بصفين مع أخيه عتيك تحت راية الإمام عليعليه‌السلام ، تألم الإمام علي على فقده كثيراً لأنه كان في طليعة المسلمين زاهداً عابداً شجاعاً زعيماً بلا منازع(١) .

أبو بكر بن شهاب

قال القمي(٢) :

السيد أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن علي ينتهي نسبه إلى المهاجر

__________________

١ – موسوعة العتبات المقدسة ، جعفر الخليلي : ج ١ ، ص ٣٥٩

٢ - الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي: ج١، ص ١١٤ - ١١٥.

١٥٣

إلى الله إلى اليمن أحمد بن عيسى بن محمد النقيب بن علي العريضي بن الإمام الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام النريمي الحضرمي الشيعي الإمامي.

كان عالماً جليلاً حاوياً لفنون العلم مؤلفاً في كثير منها قوى الحجة ساطع البرهان أديباً شاعراً مخلص الولاء لأهل البيت.

حكي عن جامع ديوانه انه قال في حقه:

حجة الإسلام ونبراس الأنام وخاتمة الأعلام ويتيمة عقل الكرام قريع الفصحاء وإمام البلغاء الحائز قصبات السبق في ميادين العلوم الموضح من مشكلاتها ما حير الفهوم محيى السنة وناشر لوائها ومميت البدعة ومقوض بنائها سليل العترة النبوية وناشر ولائها وناصر أوليائها وقاهر أعدائها السيد الشريف العلامة أبو بكر ابن عبدالرحمن... الخ.

ولد سنة ١٢٦٢ وتوفى ليلة الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة ١٣٤١ بحيدر

١٥٤

آباد دكن، له مشايخ كثيرة وقد أخذ بمكة عن السيد أحمد بن زينى دحلان الذي يأتي ذكره وله تلاميذ كثيرون أجلهم وأعلمهم وأشهرهم السيد محمد بن عقيل صاحب النصائح الكافية لمن تولى معاوية وغيرها وله تأليفات كثيرة منها إقامة الحجة على التقي بن حجة، والترياق النافع، والشهاب الثاقب على السباب الكاذب، وهو رد له على رد المولى فقير الله على النصائح الكافية والحمية من مضار الرقية وهو أيضاً رد على رد السيد حسن بن علوي سماه الرقية الشافية من نفثات سموم النصائح الكافية ونوافج الورد الجوري بشرح عقيدة الباجوري ورشفة الصادي في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، ونزهة الألباب في رياض الأنساب، وأرجوزة في آداب النساء، وديوان شعر وغير ذلك وله قصائد كثيرة في مدح أهل البيتعليهم‌السلام منها قوله في مدح امير المؤمنينعليه‌السلام :

علي أخو المختار ناصر دينه

وملتـه يعسوبها وإمامها

واعلم أهل الدين بعد ابن عمه

بأحكامه من حلها وحرامها

١٥٥

ومن قوله قصيدة له سماها الثناء العاطر على أهل البيت الطاهرعليهم‌السلام :

نهنه فؤادك ما بقيت فأنت في

شغل عن البيض الكواعب شاغل

واملأ ضميرك من محبة سيد الكو

نين هادينا الشفيع الكافل

وبحب صهر المصطفى ووصيه

وأخيه حيدرة الشجاع الباسل

والدرة الزهراء فاطمة التي

بعد الرسول قضت بحزن الثاكل

والسيدين اللابسي حلل الشها

دة من فريق في الشقاوة واغل

الآخذي علم الرسول شريعة

وحقيقة عن فاضل عن فاضل

نسب باجنحة الملائكة ارتقى

شأوا إليه الوهم ليس بواصل

شرف إلى العرش انتهى فأمامه

تقف الثوابت وقفة المتضائل

من لم يصل عليهم فصلاته

بتراء في إسناد أوثق ناقل

سفن النجاة أمان أهل الأرض من

غرق مصابيح الظلام الحائل

١٥٦

القانتين الراكعين الساجدين

بخشية وغزير دمع سائل

إلى غير ذلك وقد ذكر ترجمته صاحب أعيان الشيعة وأورد كثيراً من أشعاره.

ومما ذكر عنه قوله:

قضية تشبه بالمرزئة

هذا البخاري إمام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في

صحيحه واحتج بالمرجئة

ومثل عمران بن حطان ومر

وان وابن المرأة المخطئة

مشكلة ذات عوار إلى

حيرة أرباب النهى ملجئة

وحق بيت يممته الورى

مغذة في السير أو مبطئة

إن الإمام الصادق المجتبى

بفضله الآي أتت منبئة

أجل من في عصره رتبة

لم يقترف في عمره سيئة

قلامة من ظفر إبهامه

تعدل من مثل البخاري مئة

١٥٧

أبو تمام

تمام كشداد هو حبيب بن أوس الطائي الشاعر الإمامي المشتهر، الذي قدمه المعتصم على شعراء وقته، وكان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس، ذكره شيخنا الحر في أمل الآمل وقال: كان شيعياً فاضلاً أديباً منشياً له كتب منها ديوان الحماسة وديوان شعره وكتاب مختار شعر القبائل وكتاب فحول الشعراء والاختيارات من شعر الشعراء وغير ذلك.

وذكره العلامة في الخلاصة فقال:

كان إمامياً وله شعر في أهل البيتعليهم‌السلام ذكر أحمد بن الحسين انه رأى نسخة عتيقة قال لعلها كتبت في أيامه أو قريباً منها فيها قصيدة يذكر فيها الأئمةعليهم‌السلام الأطهارعليهم‌السلام حتى انتهى إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام لأنه توفي في أيامه.

وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: وحدثني أبو تمام وكان من رؤساء الرافضة، انتهى كلام العلامة.

ثم ذكر شيخنا الحر جملة من أبياته وما قال ابن خلكان في ترجمته منها

١٥٨

قوله:

وكان له من المحفوظ ما لا يلحقه فيه غيره قيل انه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع، إلى ان قال: ولد بجاسم وهي قرية من بلد الجيدور من أعمال دمشق، توفي سنة ٢٣١. وكانت وفاته بالموصل وبنى على قبره أبو نهشل بن حميد الطوسي قبة ورثاه جمع منهم: ابن الزيات وزير المعتصم بقوله:

نبأ أتى من أعظم الأنباء

لما ألم مقلقل الأحشاء

قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم

ناشدتكم لا تجعلوه الطائي

وفي بعض التآليف ان أبا تمام بلغ في الشعر درجة لم يبلغها شاعر قبله ولا بعده رأي الكثيرين(١) ، وقد نظم في كل ضرب من ضروب الشعر ولكنه نبغ في الرثاء نبوغاً وترك جميع الشعراء خلفه.

__________________

١ - هكذا جاء في الكنى و الألقاب

١٥٩

ولأبي تمام أيضاً كما نقل عن ديوانه من عبقريته الرائية:

ويوم الغدير استوضح الحق أهله

بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر(١)

أقام رسول الله يدعوهم بها

ليقربهم عرف وينهاهم نكر

يمد بضبعيه ويعلم انه

ولي ومولاكم فهل لكم خبر

يروح ويغدو بالبيان لمعشر

يروح بهم عمر ويغدو بهم عمر

فكان له جهر بإثبات حقه

وكان لهم في بزهم حقه جهر

أثم جعلتم حظه حد مرهف

من البيض يوماً حظ صاحبه القبر(٢)

ولهرحمه‌الله في الزهد:

ألم(٣) بان تركي لا عليَّ ولا ليا

وعزمي على ما فيه إصلاح حاليا

__________________

١ - انظر الذريعة لأقا بزرك الطهراني: ج٩، ص٣٩ مقتصراً على البيت الأول فقط.

٢ - مناقب ابن شهرآشوب: ج٢، ص٢٤١، الصراط المستقيم: ج١، ص٣١٢، تكملة آمل الآمل للسيد حسين الصدر: ص١٣١.

٣ - هكذا جاء في الكنى والألقاب.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الواضحة.

والشواهد على هذا المعنى من كلام أكابر القوم كثيرة أيضاً، من ذلك ما رواه ملك العلماء الهندي عن الحافظ الزرندي: أنّه نقل عن إمام أهل السنّة أبي حنيفة:

« إنّه مرَّ يوماً في سكك بغداد، فرأى بعض أولاد السّادات يلعب بالجوز، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشى أربعين خطوة ثم ركب، وتوجّه إلى أصحابه فقال: من جال في قلبه أو ظهر على لسانه أنّه خير من صبي أو غلامٍ من أهل بيت رسول الله فهو عندي زنديق »(١) .

فانظر إلى حكم هذا الإِمام واحكم على طبقته بما شئت على من شئت.

وجوه ردّ حديث عمرو بن العاص

لكنا - مع كلّ هذا - نبرهن على أنّ الحديث الذي عارض به المحبّ الطبري تلك الأحاديث، - وهو حديث ابن العاص - باطل سنداً ودلالةً فلا معارضة، ولا موجب للحمل الذي زعمه وبطلانه من وجوه:

الوجه الأول:

إنّ حديث عمرو بن العاص خبر واحد تفرّد بنقله أهل السنّة، وما كان كذلك فليس بحجةٍ على الإِماميّة، إذ لو كانت أخبارهم حجة على الإِمامية فلِمَ لا تكون أخبار الإِماميّة حجةٍ عليهم كذلك ولقد أنصف ولي الله الدهلوي في كتابه ( قرّة العينين في تفضيل الشيخين ) حيث نصَّ على أنّه لا يجوز الإِحتجاج على الإِماميّة والزيديّة بأحاديث الصحيحين، فضلاً عن غيرها. وكذا

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦١

قال ولده ( الدهلوي ) في غير موضع من كتابه ( التحفة ).

فهذا الحديث - وإنْ كان في الصحيحين - ممّا لا يصلح الإحتجاج به أمام الإِماميّة.

الوجه الثاني:

إنَّ مدار هذا الحديث المزعوم المتفق عليه!! في الصحيحين على « خالد بن مهران الحذّاء » ففي البخاري:

« حدّثنا معلّى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن مختار، ثنا خالد الحذّاء، عن أبي عثمان، ثني عمرو بن العاص: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قال فقلت: ثمّ من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً »(١) .

وفيه: « حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثمّ من؟ قال: عمر. فعدَّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم »(٢) .

وفي مسلم: « حدّثنا يحيى بن يحيى قال: أنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان قال: أخبرني عمرو بن العاص »(٣) .

فمدار الحديث على « خالد الحذّاء »، وهو مقدوح مطعون فيه: قال

____________________

(١). صحيح البخاري - باب مناقب أبي بكر ٣ / ٦٤.

(٢). صحيح البخاري - خبر غزوة ذات السلاسل ٣ / ٢٨٦.

(٣). صحيح مسلم - باب مناقب أبي بكر ٧ / ١٠٩.

٢٦٢

الحافظ ابن حجر: « قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به »(١) . وقال أيضاً: « قد أشار حمّاد بن زيد إلى أن حفظه تغيّر لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السّلطان»(٢) .

الوجه الثالث:

إنّه حديث منقطع، لأنَّ خالداً لم يسمع عن أبي عثمان - وهو النهدي - شيئاً، قال ابن حجر: « قال عبد الله بن أحمد بن حنبل - في كتاب العلل - عن أبيه: لم يسمع خالد الحذّاء عن أبي عثمان النهدي شيئاً »(٣) .

الوجه الرّابع:

إنّ هذا الحديث يدل على أحبيّة عائشة من فاطمةعليها‌السلام ، فيبطله الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة من طرقهم في شأن فاطمةعليها‌السلام ، الدالّة على أحبيّتها وأفضليّتها من عائشة وغيرها مثل: حديث: « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » و حديث: « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني » و حديث: « إنّما هي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى كثرةً(٤) .

فمن العجيب جدّاً دعوى المحبّ كون « عائشة أحبّ إليه مطلقاً » فإنّه قلّة حياء على أنّه لا يستقيم على اُصول السنّة أيضاً، لأنّ « الأحبيّة » دليل « الأفضلية »(٥) . فيلزم أن تكون أفضل من أبيها أبي بكر أيضاً. وهو كما ترى!!

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٤.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٢١٩.

(٣). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٥.

(٤). راجع أبواب فضائلها في الصحاح وغيرها.

(٥). هذا واضح جدّاً، وقد نصّ عليه العلماء، كالحافظ النووي بشرح حديث عمرو بن العاص من

٢٦٣

الوجه الخامس:

عن أسلم بإسناد صحيح على شرط الشيخين: « إنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم - فلمـّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج، حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحبّ إلينا بعد أبيك منكِ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندكِ أنْ آمر بهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمـّا خرج عمر جاءوها فقالت: أتعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنَّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضينّ لِما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرأُوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها، حتى بايعوا لأبي بكر »(١) .

ولو كان لحديث عمرو بن العاص أصل لم يكن وجه لما قاله عمر مع الحلف عليه.

الوجه السادس:

إنّه لو كان لهذا الحديث المفترى أصل، فلما ذا اعترفت عائشة بأحبيّة علي والزهراءعليهما‌السلام ؟ ولماذا لم تجب « جميع بن عمير » و « عروة بن الزبير » و « معاذة الغفاريّة » الذين عيّروها بخروجها على أمير المؤمنينعليه‌السلام بكونها هي وأبوها أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قالت: إنّه كان قضاءً وقدراً من الله؟

____________________

( المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) فراجعه.

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا. والحديث في كنز العمال ٥ / ٦٥١ رقم: ١٤١٣٨ عن ابن أبي شيبة.

٢٦٤

من هنا يظهر أنْ حديث عمرو بن العاص ممّا اختلقته يداه، أو بعض الأيدي الحاقدة على أمير المؤمنينعليه‌السلام من العثمانية أو المروانيّة وإلّا لاحتجت به عائشة في هذه المواضع ونحوها لتبرير مواقفها وأقوالها

الوجه السابع:

لقد عرفت من الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي - بسندٍ صحيح كما اعترف ابن حجر - أن عائشة خاطبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولها: « والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي » وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّها على هذا ولم يجبها بشيء فما نسبه عمرو بن العاص في هذا الحديث إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذب.

كلام ابن حجر وإبطاله

نعم هو افتراء وكذب، وإنْ حاول الحافظ ابن حجر ترجيح حديث عمرو، أو الجمع بينهما - لأنّ حديث عمرو بن العاص صحيح في زعمه، لأنّه مخرج في الصحيحين - فقال ما نصه:

« أخرج أحمد وأبو داود والنّسائي - بسندٍ صحيح - عن النعمان بن بشير قال: إستأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي. الحديث. فيكون علي ممّن أبهمه عمرو بن العاص أيضا.

وهو وإنْ كان في الظاهر يعارض حديث عمرو، لكن يرجّح عمرو أنّه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا من تقريره.

ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبّة، فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي، ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو.

ومعاذ الله أن نقول - كما يقول الرافضة - من إبهام عمرو فيما روى، لما

٢٦٥

كان بينه وبين علي رضي الله عنهما، فقد كان النعمان مع معاوية على علي وَلم يمنعه ذلك من الحديث بمنقب علي، ولا ارتياب في أنَّ عمراً أفضل من النعمان، والله أعلم »(١) .

أقول : لكنّها محاولة يائسة

أمّا ترجيح حديث عمرو لكونه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حديث النعمان، لكونه من تقريره، فصدور مثله من شيخ الإِسلام عند القوم غريب.

أمّا أوّلاً: فلأنَّ تقدم أحد المتعارضين لكونه قولا ممنوع في أمثال المقام.

وأمّا ثانياً: فلأنَّ في حديث النعمان مرجّحات عديدة على اصول أهل السنّة، توجب تقدّمه على حديث عمرو بن العاص. منها: جلالة شأن عائشة صاحبة القضيّة، وأنّها أكثر وقوفا على حالات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها أعرف الناس بحال أبيها من حيث الفضيلة إلى غير ذلك ممّا لا يخفى عند الإِمعان.

ومن أكبر المرجّحات في حديث النّعمان: أنّ هذا الرجل يروي هذا الحديث مع كونه مع معاوية على عليعليه‌السلام ، والفضل ما شهدت به الأعداء، وأيضاً: فإنّه من حديث عائشة، وهي من أشدّ الناس عداوةً لأمير المؤمنينعليه‌السلام . بخلاف حديث عمرو بن العاص، فإن عمراً لم يكن له عداوة مع عائشة وأبي بكر وعمر، بل كانوا جميعاً ملةً واحدةً، وقد كان وزير معاوية بن أبي سفيان الذي وضعت في سلطنته الأحاديث الكثيرة في فضل المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن الواضح جدّاً تقدّم الخبر الذي ينقله مثل النعمان في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، على الخبر الذي ينقله مثل ابن العاص في فضل

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٨.

٢٦٦

أبي بكر وعمر

وأمّا دعوى الجمع بين الحديثين بما ذكر فبطلانها واضح ممّا سبق بالتفصيل، حيث علمت أنّ إطلاق أفعل التفصيل على المفضول بلحاظ وجهٍ حقيرٍ، غير جائز

الوجه الثامن:

أخرج الترمذي: « حدّثنا سفيان بن وكيع، نا محمّد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: أنّه فرض لاسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف. فقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضّلت اُسامة عليَّ، فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأنَّ زيداً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك، وكان اُسامة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك، فآثرت حبّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على حبّي. هذا حديث حسن غريب »(١) .

فهذا الحديث صريح في أنّ « زيد بن حارثة » كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من « عمر بن الخطاب » بإقرارٍ منه، فما جاء في ذيل حديث عمرو بن العاص كذب، ولو كان لِما ذكره عمرو أصل لعلمه عمر بن الخطاب، وحمل هذا الإِقرار من عمر على التواضع غير جائز، لأنّه جاء في جواب اعتراضٍ من ولده على ما فعله فلا بدَّ من أن يحمل على الحقيقة والإِطلاق

وبالجملة، فلا مناص للقوم من الإِلتزام بأحد الأمرين، إمّا تكذيب عمر ابن الخطاب في أحبيّة زيد منه، وإمّا تكذيب عمرو بن العاص في حديثه! لكنّ الإِنسان إذا ابتلي ببليّتين اختار أهونهما والأهون عندهم تكذيب عمرو

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٤.

٢٦٧

الوجه التّاسع:

روى المتقي: « عن عمرو بن العاص قال قيل: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقال: من الرجال؟ قال: أبو بكر، قال: ثمّ من؟ قال: ثم أبو عبيدة. كر »(١) .

وهذا الحديث الذي رواه المتقي، عن ابن عساكر، عن عمرو بن العاص يعارض حديثه المذكور

فأيّ النّاس أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أبي بكر: عمر أو أبو عبيدة؟

لقد وقع الرّجل في تهافت واضح، وواقع الأمر أنّه عند ما جعل أحد الرجلين أحبّ الناس بعد أبي بكر نسي جعله الآخر من قبل فكذب مرّتين

الوجه العاشر:

وروى المتقي أيضاً: « عن عمرو بن العاص قال: لمـّا قدمت من غزوة السلاسل - وكنت أظن أنْ ليس أحد أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي - فقلت: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قال: إني لست أسألك عن النساء. قال: أبوها إذن. قلت: فأيّ الناس أحبّ إليك بعد أبي بكر؟ قال: حفصة. قلت: لست أسألك عن النساء، قال: فأبوها إذن. قلت: يا رسول الله فأين علي؟ فالتفت إلى أصحابه فقال: إنَّ هذا يسألني عن النفس. ابن النجار »(٢) .

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٥٠٠، رقم: ٣٥٦٣٩.

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٤٢، رقم: ٣٦٤٤٦.

٢٦٨

وهذا حديث آخر يرويه المتقي، عن الحافظ ابن النجار، عن عمرو بن العاص وفي رجوعه من غزوة ذات السلاسل بالذّات، فنقول: إنّه وإن افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث أحبيّة فلان وفلان إليه، إلاّ أنّه صرّح في ذيله - بإلجاء من الله سبحانه - بما هو الحق وبالرغم من أن للإماميّة الأخذ بالذيل وتكذيب الصدر أخذاً بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود، وعملاً بما قيل: خذ ما صفى ودع ما كدر فلهم الإِحتجاج بذيله على الأحبيّة المطلقة لعليعليه‌السلام ، لكن لو سلّم صدور الحديث بكاملة فإنّ دلالته على كونهعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبيةً مطلقةً عامة صحيحة وتامّة وهذا هو المطلوب والحمد لله الذي أجرى الحق على لسانهم وخرّب بأيديهم بنيانهم.

هذا تمام الكلام على ما ادّعاه المحبّ الطبري في هذا المقام.

كلامٌ آخر للمحبّ الطبري وإبطاله

وكذا ادّعى المحبّ الطبري في حديث أحبيّة الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ، حيث قال في كتابه ( ذخائر العقبى ):

« وذكر أنّها رضي الله عنها كانت أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن اُسامة بن زيد -رضي‌الله‌عنه - قالوا: يا رسول الله من أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قالوا: نسألك عن الرجال؟ قال: أما أنت يا جعفر، وذكر حديثاً سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب جعفررضي‌الله‌عنه وفيه: إنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه . أخرجه أحمد.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّها سُئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت:

٢٦٩

زوجها، أن كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه أبو عمر بن عبيد، وزاد بعد قوله قوّاماً، جديراً بقول الحق.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة رضي الله عنها، ومن الرجال عليرضي‌الله‌عنه . أخرجه أبو عمر. قال إبراهيم: يعني من أهل بيته.

ويؤيّد تأويل إبراهيم: الحديث المتقدّم: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليّ.

وفي المصير إليه جمع بينه وبين ما روي في الصحيح عن عمرو بن العاصرضي‌الله‌عنه أنّه سئل عن أحبّهم إليه قال: عائشة. قالوا: من الرجال؟

قال: أبوها - وقد ذكرنا ذلك في مناقب أبي بكررضي‌الله‌عنه في كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة، وذكرناه في مناقب عائشة رضي الله عنها في كتاب السمط الثمين في مناقب اُمهات المؤمنين -.

وما أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي عن اُسامة: إنَّ علياًرضي‌الله‌عنه قال: يا رسول الله، أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قال عليرضي‌الله‌عنه : والله لا نسألك عن أهلك، قال: فأحبّ أهلي إليَّ من أنعم الله عليه وأنعمت عليه: اُسامة بن زيد. قال: فقال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: علي. ثمّ أنت. قال فقال العباس: يا رسول الله، جعلت عمّك آخرهم؟! قال قال: إنّ علياً سبقك بالهجرة »(١) .

أقول:

فالعجب من المحبّ الطبري لقد جهل أو تجاهل دلالة الأحاديث الكثيرة الشائعة - والتي روى هو كثيراً منها في نفس كتابه هذا - على أنّ أهل البيت

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٣٥ - ٣٦.

٢٧٠

عليهم‌السلام أفضل الناس وأحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً، وإلّا لَما ارتضى هذا التأويل؟

والأعجب جعله هذا التأويل طريق الجمع!! وكأنّه ما درى - بغض النظر عن الأمور والجهات الأخرى - أنّ ذكر حديث عمرو بن العاص مع تلك المثالب والقبائح التي يتّصف بها في مقابلة أحاديث سيّدنا أبي ذر -رضي‌الله‌عنه - وغيره من الصحابة ممّا لا يرتضيه إنسان عاقل فضلا عن المؤمن!! وأمّا ما رواه في أنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثة، فممّا تفرّد به أهل السنّة، على أنّه غير صحيح على اُصولهم أيضاً، فهو ينافي ما أجمع عليه الشيعة والسنّة.

كلام الشيخ عبد الحق الدهلوي وبطلانه

وممّا يضحك الثكلى قول الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( شرح المشكاة ) بشرح حديث جميع بن عمير:

« قوله: قالت: زوجها.

اُنظر إلى إنصاف الصدّيقة وصدقها على رغم من يزعم من الزائغين خلاف ذلك. ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها. ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة عن ذلك لقالت: عائشة وأبوها. وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة رضي الله عنها. ومن هاهنا يعلم أنّ الوجوه مختلفة والحيثيّات متعددة، وبهذا ينحلّ الشبهات ويتخلّص عن الورطات ».

أقول:

إنّه لم يتعرَّض شرّاح ( المصابيح ) و ( المشكاة ) لهذه الورطة في شرحهم لهذا الحديث، وكأنّه يعلمون بأنْ لا مخلَص لهم منها، فرأوا المصلحة في السّكوت وليت الشيخ عبد الحق سار على نهجهم، لكنْ منعه من ذلك

٢٧١

شدّة تعصّبه، فأتى بما يزيد الشّبهة قوةً، وأوقع نفسه في ورطة

إنّ من الواضح جدّاً: أنّ مثل هذا الحديث لا ينفي إتّصاف عائشة بالعداء لأمير المؤمنينعليه‌السلام وبغضها له لكنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء وهل ينكر الشيخ عدائها للإِمامعليه‌السلام حتى آخر لحظةٍ من حياته، حيث أنشدت - لمـّا بلغها نبأ استشهاده -:

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرَّ عيناً بالإِياب المسافر؟!

وأمّا قوله: « ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها »

فنقول في جوابه: أي نسبة بين تلك المتبرّجة المتجمّلة الخارجة على إمام زمانها وبين الحياء ...!!

ثمّ ما يقول الشيخ بالنسبة إلى اعترافها بأحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام مطلقاً من غير سؤال منها عن ذلك كقولها: « ما خلق الله خلقاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علي بن أبي طالب »؟ ففي هذا الحديث الذي رواه الحافظ الكنجي بسنده عنها لم يكن أحد سألها عن أحبّ الناس إليه، وقد جاءت فيه بعبارة واضحة الدّلالة على العموم، تشمل نفسها وأباها وسائر الناس أجمعين

وأيضاً: ففي الأحاديث المتقدّمة أنّ « جميعاً » و « عروةً » و « معاذةً » لمـّا عيّروها بالخروج إلى البصرة لم تسكت، بل اعتذرت بأنَّه كان قضاءً وقدراً من الله، وأنّها استشهدت في جواب معاذة بحديث عن أبيها أبي بكر في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن الواضح جدّاً أنّه متى آل الأمر إلى التعنيف والتعيير - لا مرةً بل مرّات - تحتّم الجواب بما يقطع اللّوم والعتاب فلو كان لحديث أحبيّتها وأحبيّة والدها أصل، فأيّ موضعٍ يكون اُولى من هذا الموقع للإِعتذار به يا اُولوا الألباب!!

وأيضاً: لو كان لها نصيب من الحياء لَما قالت لعروة: « لِمَ تزوَّج أبوك أُمّكِ »؟ ألم يكن بإمكانها التمثيل بشيء آخر للقضاء والقدر في جواب ذاك

٢٧٢

التابعي الجليل عند القوم؟

وأيضاً: لو كان الحياء هو المانع لها من ذكر نفسها وأبيها فما الذي حملها على ذكر أحبيّة علي والزهراءعليها‌السلام ؟ هلّا سكتت ولم تجب بشيء أصلاً؟!

وأيضاً: فقد أخرج الحاكم أنّها قالت في جواب أُمّ جميع بن عمير: « والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه، ولا امرأة من الأرض كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته »(١) وليس من شأن أحدٍ من أهل الإِيمان أن يذكر - استحياءً - أمراً غير واقعٍ ويؤكّده بالحلف الشرعي بلفظ الجلالة غير متأثّم من قوله تعالى:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) !!

وأيضاً: لقد جاء في حديث النعمان بن بشير - الذي رووه بسندٍ صحيح - « فسمع صوتها عالياً وهي تقول: والله لقد علمت أنّ علياً أحبّ إليك من أبي » فلما ذا كلّ ذلك؟ وأين كان حياؤها؟

وأمّا قوله: « ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة ».

فكلام من عنده قاله تسكيناً لقلبه وفاطمةعليها‌السلام لا تتفوّه بما لا أصل له وما تعتقد هي خلافه مطلقاً

وأمّا قوله: « وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة ».

فإنْ أراد حديث عمرو بن العاص، فقد عرفت حاله.

وإنْ أراد غيره فحديث يتفرّدون به والأدلّة السابقة واللاحقة تبطله

وأمّا قوله: « ومن هنا يعلم ».

فجوابه: أنّ ممّا ذكرنا - ونذكر - يعلم أنْ ليس لهم لزيغهم خلاص عن الشبهات، ولا مناص عن الورطات، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون( فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ

٢٧٣

النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .

٢٧٤

من أقوال التّابعين والخلفاء الصريحة

في أنّ عليّاً أحبّ الناس إلى النبيّ

وكذلك رأي التّابعين واُولئك الذين يقول أهل السنّة فيهم بإمرة المؤمنين فإنّهم كانوا يرون أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى رسول ربّ العالمين:

قول الحسن البصري:

قال الغزالي: « ويروى عن ابن عائشة: أنّ الحجاج دعا بفقهه البصرة وفقهاء الكوفة. قال: فدخلنا عليه ودَخَل الحسن البصريرحمه‌الله آخر من دخل. فقال الحجاج: مرحباً بأبي سعيد مرحباً بأبي سعيد، إليَّ إليَّ، ثمّ دعا بكرسي ووضع إلى جنب سريره، فقعد عليه، فجعل الحجاج يذاكرنا ويسألنا، إذا ذكر علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فنال منه ونلنا منه مقاربةً له وفرقاً من شره، والحسن ساكت عاض على إبهامه.

فقال: يا أبا سعيد، مالي أراك ساكتاً؟

قال: ما عسيت أن أقول؟

قال: أخبرني برأيك في أبي تراب.

قال: سمعت الله جلّ ذكره يقول:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) فعلي ممّن هدى الله من أهل الإِيمان، فأقول:

٢٧٥

ابن عمّ النبيّعليه‌السلام ، وختنه على ابنته، وأحبّ الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله، لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه، ولا يحول بينه وبينها. وأقول: إنّه إنْ كانت لعلي هنات فالله حسيبه، والله ما أجد فيه قولاً أعدل من هذا.

فبسر وجه الحجاج وتغيّر، وقام عن السرير مغضباً، فدخل بيتاً خلفه وخرجنا.

قال عامر الشعبي: فأخذت بيد الحسن فقلت له: يا أبا سعيد، أغضبت الأمير وأو غرت صدره. فقال: إليك عنّي يا عامر. يقول الناس: عامر الشعبي عالم أهل الكوفة، أتيت شيطاناً من شياطين الإِنس تكلّمه بهواه وتقاربه في رأيه! ويحك يا عامر، هلّا اتقيت إنْ سُئلت فصدقت أو سكتّ فسلمت. قال عامر: يا أبا سعيد قلتها وأنا أعلم ما فيها. قال الحسن: فذاك أعظم في الحجة عليك وأشدّ في التّبعة»(١) .

قول المأمون العبّاسي:

وروى أبو علي مسكويه: إنّ المأمون كتب إلى الناس كتاباً يجيب فيه على اعتراضهم في كتاب لهم إليه على أخذه البيعة منهم لسيّدنا الإِمام الرضاعليه‌السلام ، فذكر نصّ الكتاب بطوله، نورد منه قدر الحاجة، وهذا هو:

« بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد رغم أنف الراغمين. أما بعد فقد عرف أمير المؤمنين كتابكم وتدبّر أمركم ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم، في مراوضة الباطل وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار، وكلّ ما جاءكم به

____________________

(١). إحياء علوم الدين ٢ / ٣٤٦.

٢٧٦

الصادق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى كأنكم من الاُمم السالفة التي هلكت بالخسف والقذف والريح والصيحة والصواعق والرجم( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) .

والذي هو أقرب إلى أمير المؤمنين من حبل الوريد، لولا أنْ يقول قائل: إنّ أمير المؤمنين ترك الجواب من سوء أحلامكم وقلة أخطاركم وركاكة عقولكم ومن سخافة ما تأوون من آرائكم. فليستمع مستمع وليبلّغ الشاهد غائباً. أما بعد:

فإنّ الله تعالى بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحداً يساويهم ولا يناويهم، فكان نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميناً من أوسطهم بيتاً وأقلّهم مالاً.

وكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها. ثمّ آمن به علي ابن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - وله سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل أهل الجاهلية في جهالاتهم. وكانت عمومة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما مسلم مهين أو كافر معاند، إلّا حمزة، فإنّه لم يمتنع من الإِسلام ولا امتنع الإِسلام منه. فمضى لسبيله على بيّنةٍ من ربّه.

أمّا أبو طالب فإنّه كفلَه وربّاه مدافعاً عنه ومانعاً منه، فلمـّا قبض الله أبا طالب همّ به القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه، فهاجر إلى القوم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.

فلم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فإنّه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه. ثمّ لم يزل بعد ذلك مستمسكا بأطراف الثغور وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش. منيع القلب، يأمَّر على جميع ولا يأمّر عليه أحد.

أشدّ الناس ووطأةً على المشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في

٢٧٧

دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم، وصاحب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وصاحب يوم الطائف.

وكان أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله »(١) .

____________________

(١). الطرائف: ١٢٢ عن نديم الفريد.

٢٧٨

لقد أثبتنا - والحمد لله - أنّ الأحبيّة في حديث الطير هي الأحبيّة المطلقة وأنّ جميع تأويلات ( الدّهلوي ) وغيره باطلة في الغاية وساقطة إلى النهاية إلّا أنا نذكر فيما يلي تصريحاتٍ ونصوصاً من عدة من أكابر علماء القوم، في أنّ حديث الطير دليل على أفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام وأحبيّته المطلقة عند الله والنبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... إتماماً للحجّة وتنويراً للمحجّة

علماء عصر المأمون

قد تقدّم سابقاً عن ابن عبد ربّه فيما رواه تحت عنوان « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي » عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد قال: « بعث إليّ يحيى بن أكثم وإلى عدّةٍ من أصحابي - وهو يومئذٍ قاضي القضاة - فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن احضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب » أنّ المأمون احتّج على الفقهاء الحاضرين - وفيهم إسحاق وابن أكثم - بفضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام في إثبات أفضليّته من غيره من الأصحاب، وكان منها حديث الطّير، حيث قال لإسحاق بن إبراهيم الذي كان المخاطب فيهم:

« يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم. قال: فهل تعرف حديث

٢٧٩

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750