معركة بدر الكبرى

معركة بدر الكبرى50%

معركة بدر الكبرى مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 75

  • البداية
  • السابق
  • 75 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31189 / تحميل: 7568
الحجم الحجم الحجم
معركة بدر الكبرى

معركة بدر الكبرى

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مختارات إسلاميّة (١٥)

معركة بدر الكبرى

حرب تحريريّة إسلاميَّة

(هذا الكتاب نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة)

١

٢

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ )

(آل عمران: ١٢٣)

اسم الكتاب: واقعة بدر الكبرى

اسم المؤلّف: عبد الكريم الحسيني القز ويني

رسم الغلاف: بريشة الشّهيد نوري طعمه

النَّاشر: مؤسَّسة الإمام المهدي المنتظر للخدمات والنّشر والتبليغ

الطّبعة: الثّانية

العنوان: الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة

قم - ص. ب - ٤٥٧

٣

قارئي العزيز

الكتاب الّذي تلمسه أناملُك هو الكتاب الخامس عشر من سلسلة (مختارات إسلاميّة)؛ السّلسلة الّتي قدَّمت الفكر الإسلاميَّ الأصيل؛ وساهمت بإخراج القوافل من المؤمنين الرساليّين في أشدّ الظّروف وأقساها؛ ولا سيما في أيّام الغزو الفكري من قبل الغرب والشّرق؛ لأجل جرِّ أرضنا وبلادنا وأمَّتنا للتبعيّة العميلة، ومن ثمَّ إذابة شخصيّتها وتمزيق هويِّتها ومحو وجودها.

ولازلنا نعيش ونعاني من عملاء الأجانب الّذين يسيطرون على شعوبنا وخيراتنا ألوان التّعذيب والبطش والقتل والتّشريد، وقد فقدنا في هذه السّنوات القليلة الّتي مرّت على وطننا الحبيب العراق، الألوف من علماء ومفكّرين وشباب مؤمنين؛ وفي طليعتهم المفكّر العظيم المرجع الشّهيد السّيّد الصّدر (قدس)؛ الّذي كان علماً للإسلام والمسلمين. وكل ما حدث هو من اجل إخضاع شعبنا وأمّتنا للتبعيّة العميلة؛ ليتسنَّى للشّيطان الأكبر؛ الاستعمار الغربي والشّرقي،السّيطرة الكاملة على بلادنا واغتصاب خيراتنا.

ولكن شعبنا المؤمن الّذي تربّى في أحضان الرّسول الكريم وأهل بيته المجاهدين، يرفض كلَّ ألوان التبعيّة والعمالة ويتحدَّى ذلك بدمائه؛ لأنّه يعتقد أنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ وهو دائماً يردّد

٤

هذا الشّعار الحسيني «هيهات منّا الذلّة».

والكتاب هذا، يعرض صوراً حيّة من تحدّي الإنسان المسلم لقوى الشّرك والضّلال والانحراف. وستجد موقفاً بطوليّاً يتجلّى من بين المواقف، هو موقف أمير المجاهدين ويعسوب الدّين الإمام عليّ، الّذي حاول بعض الكتاب النّاشئين من الّذين مُلئت قلوبهم حقداً على أهل هذا البيت؛ فأخذوا يُخْفون فضائله ويتجاهلون مواقفه المشهودة له تاريخيّاً.

ولكنّي أقول لهؤلاء: ما قاله عبد الله بن عروة بن الزّبير لولده: يا بُنيّ، عليك بالدّين فإنّ الدّنيا ما بنَتْ شيئاً إلاّ هدمه الدّين، وإذا بنى الدّين شيئاً لم تستطع الدّنيا هدمه، ألا ترى عليّ بن أبي طالب وما يقول فيه خطباء بني أميّة من ذمّه وعيبه وغيبته، والله لكأنّما يأخذون بناصيته إلى السّماء؛ ألا تراهم كيف يندبون موتاهم ويرثيهم شعراؤهم؛ والله لكأنّما يندبون جيف الحمر(١) .

وأخيراً وليس آخراً، تقبّل يا رسول الله هذا المجهود المتواضع من احد أبنائك؛ في سبيلك وسبيل ابن عمّك،

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ج٢، ص٤١٤، وتاريخ الشّيعة، محمد حسين المظفّر، ص٢٤.

٥

الفدائي الأوّل بين يديك، واشفع لنا ولوالدينا وأهلينا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

٦

معركة بدر الكبرى هي المعركة التّي بَعثتْ في المسلمين روح البعث والانطلاق والقوّة؛ لأنّها أوّل معركة من نوعها يخوضها المسلمون بقيادة الرّسول الأعظم ويكسبون النّصر وهم على قلَّة عدد وعدَّة. وهي أيضاً أوّل معركة تُدخل في معنويّات قوى الشّرك روح الانهزام والانهيار؛ فهي لقَّنتْ قوى الشّرك درساً: إنّه لا يمكن أن تُقهر رسالة تقوم على الإيمان والاعتقاد السّليم. وقد اعتُبر رجال معركة بدر الكبرى من طلائع كتائب المجاهدين في سبيل الله؛ ولهذا قال العلاّمة المجلسي:

اجتمعت الأمّة ووافق الكتاب والسّنة، أنّ لله خيرة من خلقه، وأنّ خيرته من خلقه المتّقون؛ لقوله تعالى:

( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ،

____________________

(١) الحجرات، ١٣.

٧

وأنّ خيرته من المتّقين المجاهدون؛ لقوله تعالى:( فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) (١) ، وأنّ خيرته من المجاهدين السّابقون إلى الجهاد؛ لقوله تعالى:( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) (٢) ، وأنّ خيرته من المجاهدين السّابقين أكثرهم عملاً في الجهاد؛ وقد اجتمعت الأمّة على أنّ السّابقين إلى الجهاد هم البدريّون،وأنّ خيرة البدريّين عليّ بن أبي طالب، فلم يزل القرآن يصدّق بعضه بعضاً بإجماعهم حتّى دلّوا بأنّ عليّاً خير هذه الأمّة بعد نبيّها(٣) .

____________________

(١) النّساء، ٩٥.

(٢) الحديد، ١٠.

(٣) بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي، ج٤١، ص٥٩، والمناقب،ابن شهر آشوب، ج١، ص٣٤٠.

٨

ولا غرو أنْ تكون هذه الواقعة لها أهميّتها دينياً واجتماعياً وتاريخيّاً في حياة المسلمين، كما أنّ الرّجال الّذين ساهموا فيها مساهمة فعَّالة لهم قدسيّتهم في نفوسهم. والمتصفّح لهذه الدّراسة يرى مواقف صحابة الرّسول وفي طليعتهم الفدائي الأوّل الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ فيقف إجلالاً وخشوعاً لشخصيّته القتاليّة البطوليّة.

عبد الكريم الحسيني القز ويني

٩

١٠

الحروب التّحريريَّة

الإسلاميّةُ وأهدافها

١١

١٢

فرض المشركون في مكّة الحصار على النّبي الأكرم، وعلى رسالته، وعلى العصابة المؤمنة من أنصاره، وزادوا من خناقهم وحصارهم الشّديد؛خوفاً من انتصار هذا الدّين الجديد وتسرّب أفكاره إلى الجزيرة العربيّة؛ وذلك بعد أنّ يئسوا من إمكان مقارعتهم قولاً بقول، وفكراً بفكر، وعقيدة بعقيدة؛ لانّ الفكر الّذي يعتقدونه ويسيرون عليه مبني على أوهام في قول، وخرافات في معتقد، وأساطير في دين.

ممّا حدا بالرّسول الأعظم أن يفكّر في استراتيجيّة وارضيّة جديدة لدينه ولرسالته؛ وهي مغادرة مسقط رأسه وملعب صباه، وأمر أصحابه أيضاً بالهجرة ومغادرة أُمّ القرى - مكّة -؛ وذلك حفاظاً على عقيدتهم ورسالتهم؛ مستهدفين من ذلك الأرضيّة الصّالحة لبثِّ دينهم ونشر رسالتهم، فكانت هجرة الأصحاب وهجرة الرّسول، تاركين الأوطان والأموال والأهل والدّور من أجل دينهم وإسلامهم.

وعاش الرّسول وصحبه في غربة، بعيدين عن الوطن الأم

١٣

وعن الأموال والأهل؛ لأنّ قوى الشّرك والضّلال لم تدع المسلمين أن يحملوا مالاً، ولا أثاثا،ً ولا نقداً؛ فكانوا يعيشون عيشة ضَنك وفاقة.

ولمّا وجد النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأرضيّة الصّالحة في المدينة لبثِّ ونشر رسالته. ومن ثمّ تأسيس المجتمع الصّالح والدّولة الفتيّة الرّائدة، فكّر أن يستعيد تلكم الأموال المسلوبة منهم، ويقهر جبروت قريش الّذين أخرجوه وصحبه ظلماً وكرهاً. ومن ثمّ إيجاد المناخ الطّبيعي لنشر الدّين الجديد وحريّة التّنقّل والاتصال، لنشر تعاليمه وبثّ أحكامه في أرجاء الجزيرة العربيّة؛ ليُحلَّ هذا الدّين محل الأوهام والخرافات، ويحرّرها من عبادة الأصنام، وليخلق منها أُمّة كفوءة وقادرة على تحرير العالم من الضّلال والحيرة. ومن ثمّ تنطلق في ربوع الدّنيا حاملة مشعل الخير والعدالة والرفاهيّة لبني الإنسان كله، تُرّسخ معالم الإنسانيّة في أحكم صورة، وفي أحسن تصوير، وفي أسمى نظام اقتضاه الله العالم القادر الكريم الرّحيم الغفور؛ لأنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكّر أنّه لا يمكنه أن يبشّر برسالته ودينه بين أبناء الجزيرة، فضلاً عن أداء دورها العالمي، ما دامت قوى قريش ونفوذها يسيطر ويهيمن على الجزيرة وعلى سائر القبائل، لأنّ لها هيبة وقدسيّة في نفوس القبائل العربيّة الأخرى؛ ولهذا كانت قوافلها التّجاريّة في مأمن

١٤

من الاعتداء والسّطو؛ وذلك لمكانتها القدسيّة وبسبب سدانتها للبيت والكعبة؛ فأراد الرّسول أن يكسر هذا القيد المعنوي في نفوس الآخرين ويذَّل ذلك الكبرياء والغرور، اللّذين كانت قريش تتقمّصهما، وهذه الفكرة لا تكون إلاّ بالتعرّض لقوافلها التّجاريّة.

والخلاصة الّتي تُتَوخّى من هذه الحروب التّحريريّة هي ما يلي:

١ - فسح المجال للإسلام أن يأخذ طريقه في نشر وبثِّ تعاليمه بين القبائل العربيّة وغيرها بكلِّ حريّة؛ ليصبح الإسلام الدّين الّذي يُسيطر بإيمانه وأفكاره على كلِّ أرجاء الجزيرة العربيّة. وهذا لا يمكن طبعاً مادام لقريش قوّتها ونفوذها، فلابد من مقاومتها وتحطيم نفوذها.

٢ - تحرير الأمّة العربيّة من سيطرة الخرافات والأوهام الّتي هيمنت على عقولها وأفكارها. ومن ثمّ تحريرها من عبادة الأحجار والأصنام، وهذا لا يتم إلاّ بكسر شوكة قريش الّتي تعتبر نفسها حامية ومبشّرة لهذه الأصنام.

٣ - استرجاع الأموال الّتي تركها المسلمون في مكّة، عندما أخرجوا وطردوا منها خائفين على دينهم ومعتقدهم وأرواحهم.

٤ - تحطيم قدسيّة قريش في نفوس القبائل الّتي تؤمن

١٥

بقدسيّتها، لتمكّنها من سدانة الكعبة وحمايتها للأصنام. وهذا لا يتأتّى إلاّ بحرب تؤدّي إلى انهيار هذه القدسيّة من نفوس الآخرين. ومن تلكم الحروب التّحريريّة الإسلاميّة واقعة بدر الكبرى.

١٦

معركة بدر الكبرى

١٧

١٨

مَكانها:

بدر اسم بئر، وهو يبعد عن المدينة المنوَّرة بأربع مراحل، وسمّيت باسم الرّجل الّذي حفر بئرها، وهو من غفار اسمه بدر كما قيل(١) .

زمانها:

وقعت المعركة في بدر، بين قوى الخير (المسلمين) وبين قوى الشّرك والضّلال (المشركين)، يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من

____________________

(١) وهي الآن قرية إلى الجنوب الغربي من المدينة المنوّرة، تبعد عنها مسافة ١٥٦ كيلومتراً وهي ملتقى طرق القوافل إلى الشّام، وكان يقام فيها سوق كلَّ عام، وعلى مسيرة ميل من جنوب القرية توجد قبور المسلمين الّذين استشهدوا في هذه المعركة.

١٩

شهر رمضان، من السّنة الثّانية للهجرة(١) ، واستمر القتال من الصّباح إلى آخر النّهار وانتهت بالنّصر الحاسم للمسلمين.

التّعداد الكمّي للجيشين وعدّتهما

أ - قُوّة الإيمان:

القوّة الّتي خرجت مع الرّسول الأعظم، لمطاردة القافلة التّجاريّة بقيادة ابي سفيان، وكان قوامها ما يقارب تلثمائة وثلاثة عشر (٣١٣) راجلاً. فكان القرشيّون وحلفاؤهم ومواليهم - وعددهم(٨٦) -، والبقيّة من الأنصار وأتباعهم - وعددهم (٢٢٧) -، وقد تخلّف ثمانية من هذا العدد لعذر شرعي.

مجموع المقاتلين (٣٠٥)، لأنّهم لم يخرجوا مستعدِّين للمجابهة الحربيّة؛ وإنّما للتّصدّي للقافلة المذكورة فقط.

____________________

(١) تاريخ مروج الذّهب، المسعودي،ج٢، ص٢٩٥.

٢٠

عِدّتهُم:

المسلمون في المدينة كانوا بدرجة من الضّعف والفاقة لا يتصورها إنسان؛ والسّبب في ذلك أزمة المهاجرين الّذين خرجوا من مكّة فراراً بدينهم وعقيدتهم نتيجة الاضطهاد الشّرْكي، تاركين أموالهم وبيوتهم. فلمّا توافدوا على المدينة شاطرهم الأنصار بأموالهم وبيوتهم. ولهذا السّبب ضُربت الفاقة على الجميع. إذاً فلم تكن لديهم العُدّة الكافية للوقوف بوجه الأعداء؛ ولهذا كانت عُدّتهم من المؤن والعتاد الحربي قليلة جداً، فإنّهم لا يملكون من وسائل النّقل أكثر من سبعين(70) بعيراً؛ عشرون منها زوّدهم بها سعد بن عبادة، وثلاثة من الخيل، قال الواقدي(1) :

فراح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيوت السّقا لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وخرج المسلمون معه ثلاثمائة وخمسة (305)؛ فكانت الإبل سبعين (70) بعيراً، وكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة، فكان

____________________

(1) المغازي، الواقدي، ص151.

٢١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومرثد بن أبي مرثد، يتعاقبون بعيراً واحداً مساوياً لجميع المسلمين(1) .

فقال عليّعليه‌السلام ومُرثد: «يا رسول الله نحن نمشي عنك».

فأجابهما النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:

«ما أنتما بأقوى منّي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما».

فلمّا نظر الرّسول القائد إلى أصحابه، وهم يتعاقبون ركوباً وسيراً على الأقدام، توجّه إلى السّماء قائلاً:

«اللّهمّ إنّهم حُفاةٌ فاحملهم، وعراة فاكسهِم وجياعٌ فأشبعهم، وعالةٌ فاغنِهم من فضلك».

فاستجاب الله دعاءه، فما رجع أحد من أصحابه بعد انتهاء الحرب يريد أنْ يركب، إلاّ وجد ظهراً للرّجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عارياً، وأصابوا

____________________

(1) شرح النّهج، ابن ابي الحديد، ص88 - 89.

٢٢

طعاماً من ازوادهم، وأصابوا فداء الأسرى، فأغنى كلَّ عائل(1) .

ب- قُوَّة الشِّرك :

القوّة الّتي استنفرتها قريش كانت تستهدف عدة أغراض؛ وهي مايلي:

1 - حماية القافلة الّتي كانت أكبر قافلة تجاريّة لقريش؛ وتعدُّ بحمولة ألف بعير.

2 - تأديب المسلمين واستئصال جذورهم، حتّى لا تقوم لهم قائمة، كما صرّح أبو جهل قائد المشركين، بقوله:

أيظنُّ محمد أنْ يصيب منّا ما أصاب بنخلة وأصحابه، سيعلم أَنمنع عيرنا أم لا!(2) .

3 - إبراز العضلات أمام القبائل العربيّة الأخرى، لتخويفها

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص88 - 89.

(2) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،14، ص103.

٢٣

وفرض هيبة قريش عليها، لا سيما بعدما تعرّض المسلمون لقوافلها، كما صرّح أبو جهل بذلك حينما سلمت القافلة من الخطر وطُلب إليه الرجوع، قال:

والله لا نرجع حتّى نرد بدراً، فنقيم عَليه ثلاثاً، فننحر الجزر، ونطعم الطّعام، ونُسقي الخمر، وتُعزف علينا القيان، وتسمع بنا العربُ وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها، فامضوا(1) .

ولهذا بَذلتْ أقصى الجهد، في تجميع أكبر عدد ممكن في حملتها هذه؛ فكانت القوّة الّتي أرسلتْها تقدّر بألف فارس؛ بكامل عدتها وعتادها

عَددهَا وعِتادها :

وأخذت تستعد لهذه الحرب أياماً تعدُّ العدّة والسّلاح

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج3، ص270.

٢٤

وتحضُّ على جمع التّبرعات لشراء الأسلحة والذّخيرة الحربيّة، ذكر ابن أبي الحديد:

فأقامت قريش ثلاثاً تتجهّز، وأخرجت أسلحتها واشتروا سلاحاً، وأعان قويّهم ضعيفهم، وقام سهيل بن عمرو في رجال من قريش، فقال: يا معشر قريش، هذا محمّد والصّباة معه من شبّانكم، وأهل يثرب قد عرضوا لعيركم ولطيمتكم، فمن أراد ظهراً فهذا ظهر، ومن أراد قوّة فهذه قوّة.

وقام زمعة بن الأسود قائلاً:

إنّه، واللّات والعُزّى، ما نزل بكم من أمر أعظم من أنّ طمع محمّد وأهل يثرب أنْ يعرضوا ليعركم فيها خزائنكم، فأوعبوا ولا يتخلّف

٢٥

منكم أحد، ومن كان لا قوّة له فهذه قوّة، والله لئن أصابها محمّد وأصحابه، لا يروعكم منهم إلاّ وقد دخلوا عليكم بيوتكم(1) .

وتكلّم آخرون يحثّون النّاس على التّبرع، ويستنهضونهم على الخروج مع هذه الحملة التّأديبيّة، وأقبلت قريش تجمع التّبرعات، وتعدُّ الجيوش والسّلاح والرّجال، مع كامل عدّتهم وعددهم.

وهكذا تجمَّع ما يقرب من ألف رجل مع سبعمائة (700) بعير، ومن الخيل ما يقارب (100) رأس، فقد ذكر الواقدي:

وكانت الخيل لأهل القوّة منهم، وكان في بني مخزوم منها ثلاثون فرساً، وكانت الإبل سبعمائة بعير، وكان أهل الخيل كلّهم

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد، ص95 و103.

٢٦

دوارع، وكانوا مئة. وكان في الرّجّالة دوارع سوى ذلك(1) .

وبعث أيماء بن رحضة الغفاري إلى قريش حين مرّوا به، ابناً له مع عدّة ذبائح أهداها لهم، قائلاً:

إنْ أحببتم أنْ نمدَّكم بسلاح ورجال فعلنا.

فأرسلوا إليه مع ابنه:

(إنّ وصْلتك رحم، قد قضيتَ الّذي عليك، فلعمري، لئن كنّا إنّما نقاتل النّاس، فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنّا إنّما نقاتل الله، كما يزعم محمّد، فما لأحد بالله من طاقة(2) ).

____________________

(1) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ص95 و103.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص273.

٢٧

أَهدافها :

أراد المسلمون في غزوتهم هذه، أن يستفيدوا منها النّقاط التّاليّة:

1 - أن يستردوا بعض أموالهم؛ الّتي تركوها في هجرتهم من مكّة إلى المدينة المنوّرة؛ لتساعدهم على الضنْك الّذي يعيشونه، ولا يمكن ذلك إلاّ بالتّعرض للقافلة القرشيّة؛ لتكون عوضاً عمّا تركوه في مكّة من أموال.

2 - إضعاف قريش من النّاحية الاقتصاديّة؛ ومن ثمَّ فرض الحصار الاقتصادي عليها، لأنّه لو سيطر المسلمون على القافلة؛ لحلّت بقريش كارثة اقتصاديّة عظيمة ولفقدت جلَّ ما تملُك.

3 - إضعاف معنوية قريش وكسر شوكتها وهيبتها في نفوس القبائل العربيّة الأخرى؛ حتّى يتمكن المسلمون أنْ يتَّصلوا بهذه القبائل وينشروا الإسلام وتعاليمه بين صفوفها.

٢٨

الرّسول( صلّى الله عليه وآله ) يستعدّ لهذه الغزوة :

هذه هي بعض الأهداف المستوحاة من هذه الغزوة، ولهذا لمّا سمع الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، برجوع القافلة من الشّام بقيادة أبي سفيان، ندب إليها المسلمين، قائلاً:

«هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ ينفلكموها»(1) .

فاستجاب المسلمون لنداء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج النّبي يوم الاثنين لثمان ليال مضت من شهر رمضان بالعدد المذكور، وتخلّف بعض النّاس؛ وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ الرّسول يلقى حرباً؛ وإنّما هي غزوة تصدٍّ لقافلة لا أكثر، والتّصدّي لا يحتاج إلى كثير رِجال؛ ولهذا تخلّف غالبيّة المسلمين.

القافلةوأخبارها :

القافلة القرشيّة كانت جداً حذرة في سيرها ومسيرها،

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2،ص258.

٢٩

لأنّها تخشى من المسلمين وسيطرتهم عليها، ولهذا نرى قائد القافلة أبا سفيان يسير قبل القافلة بمسافة كبيرة؛ لأجل استخبار الوضع وتحصيل المعلومات عن تحرُّك المسلمين وتواجدهم، فلمّا وصل أبو سفيان ومعه عمرو ابن العاص إلى الزّرقاء، وقيل إلى تبوك، لقيه رجل من جذام، قائلاً:

قد كان عرض محمّد لكم في بدأتكم في أصحابه، فقلنا: ما شعرنا، قال: بلى، فأقام شهراً، ثمَّ رجع إلى يثرب، وأنتم يوم عرض محمّد لكم مُخفّون، فهو.. الآن أحرى أن يعرض لكم؛ إنّما يعُدُّ لكم الأيّام عدّاً، فاحذروا على عيركم، فو الله ما أرى من عدد ولا كراع ولا خلقة(1) .

____________________

(1) شرح النّهج، ابن أبي الحديد،ج14، ص92.

٣٠

ففكَّر أبو سفيان مع جماعته وقرَّ رأيهم؛ أنْ يرسلوا رسولاً إلى قريش يخبرهم بذلك. فبعثوا رجلاً اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري، وأمروه أنْ يسير بالسّرعة القصوى، فإذا وصل إلى مكّة، أن يدخلها بهيئة مخصوصة ويستغيث بنداء يُثير الهِمم، فلمّا وصلها عمد إلى أنف بعيره فقطعه، وحوَّل رحله، وشق قميصه مِن قبل ودبر، وصرخ مستغيثاً منادياً:

يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمّد في أصحابه، لا أرى إلاّ أنْ تدركوها، الغوث، الغوث(1) .

فعندها تجهَّزت قريش سراعاً، فكانوا بين رجلين: إمّا خارج، وإما باعث مكانه رجلاً. ولم يتخلّف من أشرافها أحدٌ، وخرجوا مسرعين.

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص260.

٣١

أبو سفيان ينجو بقافلته :

ولمّا علم أبو سفيان بخروج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في المدينة للسيطرة على القافلة، غيّر مسراه؛ وسار في طريق غير مسلوك سيراً لا يهدأ ليلاً ولا نهارا،ً حتّى أفلت من قبضة المسلمين. وأرسل رسولاً إلى قريش يُخبرهم بسلامته وسلامة قافلته، قائلاً:

إنّكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله، فارجعوا(1) .

الخلافيدبّ بين صفوف قريش :

ولمّا سمعت قريش بنجاة القافلة ووصولها سالمة، اختلفوا فيما بينهم، فبعضهم أراد الرّجوع، وعلى رأسهم الأخنس بن شريق بن عمرو الثّقفي، فإنّه قام خطيباً في بني زُهرة، وكان حليفاً لهم في منطقة الجُحفة، قائلاً:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص270.

٣٢

يا بني زُهرة، قد نجّى الله لكم أموالكم، وخلّص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل - وكان مع القافلة -، وإنّما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جُبنها وارجعوا، فإنّه لا يصلح لكم بأنْ تخرجوا في غيرة صنيعة؛ أي منفعة، لا ما يقول هذا - ويعني بأبي جهل - فرجعوا فلم يشهدها زهريّ واحد.

ثُمَّ جاء حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة، قائلاً له:

يا أبا الوليد، إنّك كبيرُ قريش وسيِّدُها والمطاع فيها، هل لك أنْ لا تزال تُذكر فيها بخير إلى آخر الدّهر؟

فقال عُتبة:

وما ذاك يا حكيم؟، قال: ترجع

٣٣

بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلتَ أنت عليّ بذلك، إنّما هو حليفي فعليَّ عقلهُ وما أُصيب من ماله، فأتِ بن الحنظليّة - ويعني بأبي جهل - فإنّي لا أخشى أنْ يشجر أمر النّاس غيرُه، ثم قام خطيباً، قائلاً:

يا معشر قريش، إنّكم والله ما تصنعون بأنْ تلقوا محمّداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرّجلُ ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه، قَتَل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا، وخلّوا بين محمّد وبين سائر العرب، فإنْ أصابوه فذاك الّذي أردتم، وإنْ كان غير

٣٤

ذلك، ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

أبو جهل رأس المعارضة:

ولمّا انتهى عُتبة من كلامه؛ وكان رجلاً منصفاً، سار حكيم بن حزام إلى أبي جهل، فقال له: يا أبا الحكم، إن عُتبة أرسلني إليك، وسرد عليه ما قاله عُتبة. فانتفخ سحرهُ غاضباً، قائلاً:

(كلا، والله لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، وما بعُتبة ما قال، ولكنّهُ رأى أنّ محمّداً وأصحابه أكلةُ جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه)(1) .

ثُمَّ بعث إلى عامر بن الحضرمي - وكان أخوه قتله المسلمون، فقال له:

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص275.

٣٥

هذا حليفك - يعني عُتبة - يريد أنْ يرجع بالنّاس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.

فقام أخو القتيل منادياً صارِخاً:

واعمراه.. واعمراه.

فحميت الحرب، وفشلت مساعي السّلم، وأفسد على النّاس الرّأي الّذي دعاهم إليه عُتبة.

عَليٌّ يَرأسُ دَوريّة الاستِطلاع:

فلمّا وصل الرّسول الأعظم إلى قرب بدر، أرسل فرقة استطلاعية يرأسها عليّعليه‌السلام ؛ لاستكشاف الحال وجمع المعلومات عن تحرّكات الأعداء، فسار عليّ بفرقته الاستكشافيّة، حتّى وصل إلى ماء بدر، فظفر برجلين؛ أحدهما اسمه: اسلم، وهو مولى لبني الحجاج، والثّاني اسمه: عريض، أبو يسار، مولى لبني العاص بن سعيد؛ يستقيان الماء

٣٦

لجيش قريش، فأتى بهما مخفورين إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألهما قائلاً:

نحنُ سُقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء.

فقال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«اخبراني عن قريش؟»،

قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الّذي ترى بالعُدْوة القصوى - (وهم العَقَنْقَل) -، فقال لهما الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«كم القوم؟»،

قالا: كثير، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عددهم؟»، قالا: لا ندري.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كم ينحرون كلَّ يوم؟»،

قالا: يوماً تسعاً، ويوماً عشراً.

٣٧

فقال رسول الله: «القوم فيما بين التّسعمائة والألف».

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟»، قالا:

(عُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأُميّة بن خلف، ونبيه ومُنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبدود(1) .

____________________

(1) السّيرة النّبويّة، ابن هشام،ج2، ص269.

٣٨

الرّسول يَسَتشيُر أصَحابُه

فلمّا علم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ قريشاً قد أعدّت العُدَّة الكافيّة لمحاربته، والقضاء على دعوته، ولم يكن هو مستعداً لهذا الجيش القادم؛ وإنّما كان استعداده لمقابلة قافلة تجاريّة، تحميها عشرات من الرّجال، كان أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدور بين أنْ يرجع وبين أنْ يقتحم المعركة ويقاتل بجيشه الصّغير عدَّة وعدداً، والكبير روحاً ومعنويّة. فعندها التفت إلى أصحابه ليستخبر نيّاتهم، ويستكشف غاياتهم، وهو في منطقة (وادي ذفران)، قائلاً: «أشيروا عليَّ، هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

فقام إليه المقداد بن عمرو (رضوان الله عليه)، قائلاً:

يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى، بل نقول:

اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما

٣٩

مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرك الغِماد(1) لجالدنا معك من دونه، حتّى تبلغه(2) .

فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً، ثم توجّه نحو الأنصار، قائلاً:

«أشيروا عليَّ أيها النّاس».

فأجابه سعد بن معاذ، قائلاً:

والله لكأنَّك تريدُنا يا رسول الله؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أجل!»، قال سعد: (فقد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أنْ ماجئت به هو الحق،

____________________

(1) بَرك الغِماد: موضع بناحية اليمن، ويضرب به المثل لبُعده.

(2) السّيرة النّبويّة، ابن هشام، ج2، ص266 و267.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75