أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى8%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 328471 / تحميل: 11816
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يريد بقوله: (ما يراد امتثالها)، أي ما يراد اقتصاصها، يقال: أمثلني من هذا الرجل، وأقدني وأقصّني بمعنى واحد.

فأما قوله: (لا يورّع)، أي لا يحبس، ولا يمنع، يقال ورّعت الرجل توريعا إذا منعته وكففته، والورع هو المتحرج(١) المانع نفسه مما تدعوه إليه، يقال ورع ورعا ورعة؛ قال لبيد:

أكلّ يوم هامتي مقزّعه(٢)

لا يمنع الفتيان من حسن الرّعة(٣)

ويقال: ما ورّع أن فعل كذا وكذا، أي ما كذب(٤) ، فأما الورع بالفتح فهو الجبان.

وأما الطّروقة فهي التي قد حان لها أن تطرق، وهي الحقّة. وقوله في الرواية الأخرى (إلا من أعطي من رسلها) فالرّسل اللبن. والإفقار: هو أن يركبها الناس، ويحملهم على ظهورها، مأخوذ من فقر الظهر، والإطراق: للفحول هو أن يبذلها لمن ينزيها على إناث إبله. وذكر الإطراق في هذه الرواية أحبّ إلى من الطّروقة لأنه قد تقدم من قوله: (إنه يعطي الناب والبكر والضرع والمائة) فلا معنى لإعادة ذكر الطّروقة. وقوله في الجواب (يغدو الناس فلا يورّع رجل عن جمل يخطمه فيمسكه قائدا له(٥) ثم يردّه) لا يحتمل غير الإطراق، ولا يليق بمعنى الطّروقة.

***

[بعض أخبار قيس بن عاصم]

وكان قيس بن عاصم شريفا في قومه، حليما ويكنى أبا علي، وكان الأحنف بن قيس يقول:

____________________

(١) ت: (هو الرجل المنحرج).

(٢) من أرجوزة في ديوانه ٧ - ٨، وفي حاشيتي الأصل، ف: (المعنى: أكل يوم أحارب وألبس المغفر حتى ذهب شعر مقدم رأسي، والأقزع: الأصلع؛ إلا أن الأقزع الّذي أدى صلعه إلى وسط رأسه).

(٣) حواشي الأصل، ت، ف: (يمكن أن يكون المعنى إن هامته المقزعة التي قزعتها أعداؤه تركت الفتيان من قبيلته على حسن الرعة والتحرج. وهذا الحديث خارج مخرج التذمم).

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (قوله: ما كذب [بالتخفيف] أي ما لبث أن فعل كذا، وما كذب [بالتشديد]، أي ما جبن، وحمل فلان فما كذب [بالتشديد] أيضا، أي صدق الحملة في الحرب).

(٥) ت، د، ف، حاشية الأصل من نسخة: (ما بدا له).

١٤١

إنما تعلمت الحلم من قيس بن عاصم؛ أتى بقاتل ابنه فقال: رعبتم الفتى، وأقبل عليه فقال:

يابنيّ لقد نقصت عددك، وأوهنت ركنك، وفتتّ في عضدك، وأشمت عدوّك، وأسأت بقومك؛ خلّوا سبيله؛ وما حلّ حبوته، ولا تغيّر وجهه.

وقال ابن الأعرابي: قيل القيس: بماذا سدت؟ فقال بثلاث: بذل الندى، وكفّ الأذى، ونصر المولى.

وذكر المدائني قال: كان قيس بن عاصم يقول لبنيه: إياكم والبغي، فما بغى(١) قوم قط إلاّ قلّوا وذلوا. وكان الرجل من بنيه يظلمه بعض قومه فينهى إخوته أن ينصروه.

وقيس بن عاصم هو الّذي حفز الحوفزان(٢) بن شريك الشيباني بطعنة في يوم جدود(٣) ، فسمي الحارث الحوفزان؛ وقال سوّار بن حيّان(٤) المنقري(٥) :

ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة

سقته نجيعا من دم الجوف أشكلا(٦)

وحمران قسرا أنزلته رماحنا

فعالج غلاّ في ذراعيه مثقلا(٧)

____________________

(١) ف، حاشية الأصل (من نسخة): (فإنه ما بغى).

(٢) حفزه، أي طعنه من خلفه، وفي اللسان عن التهذيب أن الحوفزان لقب لجرار من جراري العرب؛ وكانت العرب تقول للرجل إذا قاد ألفا جرارا.

(٣) حواشي الأصل، ت، ف: (جدود: موضع فيه ماء يسمى بالكلاب، وكانت فيه وقعة مرتين؛ ويقال للكلاب الأول يوم جدود؛ وهو لتغلب على بكر بن وائل).

(وانظر خبر يوم جدود في العقد ٥: ١٩٩ - ٢٠١، وابن الأثير ١: ٣٧٢).

(٤) كذا ضبط بالقلم في جميع الأصول، وضبطه ابن السيد في الاقتضاب ص ١٣٩: (بحاء مكسورة غير معجمة وباء معجمة بواحدة)، والبيتان في (الأغاني ١٢: ١٤٧، وابن الأثير ١: ٣٧٢، واللآلي ٢٥٦، واللسان - حفز، شكل).

(٥) م: ( المنقري في ذلك).

(٦) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (كسته نجيعا)، والشكلة: حمرة يخالطها بياض؛ ويسمى الدم أشكل للحمرة والبياس المختلطين فيه.

(٧) من نسخة بحاشيتي الأصل، ت: (مقفلا)؛ وهو حمران بن عمرو بن بشر بن عمرو؛ وكان على شيبان وذهل واللهازم؛ حينما خرجوا لقتال بني يربوع.

١٤٢

وفي يوم جدود يقول قيس بن عاصم:

جزى الله يربوعا بأسوإ سعيها

إذا ذكرت في النّائبات أمورها(١)

ويوم جدود قد فضحتم ذماركم

وسالمتم والخيل تدمى نحورها

ستحطم سعد والرّباب أنوفكم

كما حزّ في أنف القضيب جريرها

- القضيب: الناقة المقتضبة الصعبة؛ وفي قيس يقول عبدة بن الطبيب:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يترحّما(٢)

سلام امرئ جلّلته منك نعمة(٣)

إذا زار عن شحط بلادك سلّما

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما(٤)

***

قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوّه: ذاكرني بعض الأصدقاء بقول أبي دهبل الجمحي وهو يعني ناقته:

____________________

(١) الأبيات في (الأغاني ١٢: ١٤٧).

(٢) الأبيات في (الأغاني ١٢: ١٤٨، والحماسة - بشرح التبريزي ٢: ٢٨٥ - ٢٨٦).

(٣) رواية التبريزي:

* تحيّة من غادرته غرض الرّدى*

(٤) قال التبريزي في شرحه لهذا البيت: (يجوز أن يروى (هلك) بالنصب وبالرفع؛ فإذا نصبته كان هلكه في موضع البدل من قيس، وهلك ينتصب على أنه خبر كان؛ كأنه قال: فما كان هلك قيس هلك واحد من الناس؛ بل مات لموته خلق كثير؛ وإذا رفعته كان هلكه في موضع المبتدأ وهلك واحد في موضع الخبر، والجملة في موضع النصب على أنه خبر كان، ويشبه هذا البيت قول امرئ القيس:

فلو أنّها نفس تموت سويّة

ولكنّها نفس تساقط أنفسا

إذا رويت (تساقط) بضم التاء).

١٤٣

وأبرزتها من بطن مكّة عند ما

أصات المنادي بالصّلاة فأعتما(١)

[قصيدة للمؤلف أجاز بها بيت أبي دهبل:

وأبرزتها من بطن مكّة عند ما

أصات المنادي بالصلاة فأعتما

]

وسألني إجازة هذا البيت بأبيات تنضم إليه وأجعل الكناية فيه كأنها كناية عن امرأة لا عن ناقة، فقلت في الحال:

فطيّب مسراها المقام وضوّأت

بإشراقها بين الحطيم وزمزما(٢)

فيا ربّ إن لقّيت وجها تحيّة

فحي وجوها بالمدينة سهّما(٣)

تجافين عن مسّ الدّهان وطالما

عصمن عن الحنّاء كفّا ومعصما

وكم من جليد لا يخامره الهوى

شننّ عليه الوجد حتّى تتيّما(٤)

أهان لهنّ النّفس وهي كريمة

وألقى إليهنّ الحديث المكتّما

تسفّهت لما أن مررت بدارها

وعوجلت دون الحلم أن تتحلّما(٥)

____________________

(١) أصات: نادى، وأعتم: دخل في العتمة؛ والبيت من قصيدة جيدة؛ ذكر منها أبو الفرج هذه الأبيات:

ألا علق القلب المتيّم كلثما

لجاجا ولم يلزم من الحب ملزما

خرجت بها من بطن مكة بعد ما

أصات المنادي بالصلاة فأعتما

فما نام من راع ولا ارتدّ سامر

من الحي حتى جاوزت بي يلملما

ومرت ببطن الليث تهوي كأنما

تبادر بالإدلاج نهبا مقسّما

وجازت على البزواء والليل كاسر

جناحين بالبزواء وردا وأدهما

فما ذرّ قرن الشمس حتى تبينت

بعليب نخلا مشرفا أو مخيّما

ومرّت على أشطان رونق بالضّحا

فما خزّرت للماء عينا ولا فما

وما شربت حتى ثنيت زمامها

وخفت عليها أن تخرّ وتكلما

فقلت لها قد بنت غير ذميمة

وأصبح وادي البرك غيثا مديّما

(وانظر الأغاني ٦: ١٦٣، ومعجم البلدان ٦: ٢١٢ - ٢١٣، والشعر والشعراء ٥٩٧).

(٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (فطيب رياها). وضوأت: أضاءت.

(٣) سهما: جمع ساهم؛ وهو المتغير الوجه.

(٤) شنن: صببن.

(٥) م: (وقفت بدارها).

١٤٤

فعجت تقرّى دارسا متنكرا

وتسأل مصروفا عن النّطق أعجما(١)

ويوم وقفنا للوداع وكلّنا

يعدّ مطيع الشّوق من كان أحزما

نصرت بقلب لا يعنّف في الهوى

وعين متى استمطرتها قطرت دما(٢)

[نسب أبي دهبل وذكر بعض أشعاره]

وكان أبو دهبل(٣) من شعراء قريش، وممن جمع إلى الطبع التجويد، واسمه وهب بن زمعة بن أسيد(٤)  بن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، واسمه تيم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان اسم جمح تيما، واسم أخيه زيدا؛ وهما ابنا عمرو بن هصيص، فاستبقا إلى غاية، فمضى تيم عن الغاية، فقيل جمح تيم فسمي جمح، ووقف عليها زيد فقيل سهم(٥) زيد، فسمي سهما(٦) ؛ فأما كنيته فهي مشتقة من الدّهبلة، وهي المشي الثقيل، يقال دهبل الرجل دهبلة إذا مشى ثقيلا.

أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال حدثني محمد بن إبراهيم قال:

حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء ما يعجبك من شعر أبي دهبل الجمحي؟ فقال قوله:

ياعمر حمّ فراقكم عمرا

وعزمت منّا النّأي والهجرا(٧)

ياعمر شيخك وهو ذو شرف

يرعى الذّمار ويكرم الصّهرا(٨)

والله ما أحببت حبّكم

لا ثيّبا خلقت ولا بكرا(٩)

____________________

(١) في حاشيتي الأصل، ف: تقرى: (تتبع؛ أراد تقرى؛ وهو تتفعل من قولك: قروت الأرض والشيء؛ إذا تتبعته).

(٢) من نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (مطرت دما).

(٣) وانظر ترجمة أبي دهبل في (الشعر والشعراء ٥٩٦ - ٥٩٩، والاشتقاق ٨١، والمؤتلف والمختلف للآمدي ١١٧، والأغاني ٦: ١٤٩ - ١٦٥).

(٤) في ص: (أسيد)، بفتح الهمزة وكسر السين.

(٥) (سهم، بالفتح: تغير وجهه، وسهم، بالبناء للمجهول: غلب؛ وضبط في ت: بهما معا.

(٦) حاشية ف: سهم: (قبيلة من باهلة، ومن قريش أيضا).

(٧) الأبيات في (الأغاني ٦: ١٥٣)، وفي حاشية الأصل (من نسخة) (وعزمت مني).

(٨) شيخك؛ يعني أباها

(٩) حاشية ف: (تقدير البيت: ما أحببت ثيبا ولا بكرا كحبي إياكم).

١٤٥

إن كان هذا السّحر منك فلا

ترعي عليّ وجدّدي السّحرا(١)

إحدى بني أود كلفت بها

حملت بلا ترة لنا وترا

وترى لها دلاّ إذا نطقت

تركت بنات فؤاده صعرا(٢)

كتساقط الرّطب الجني من ال

أقناء لا نثرا ولا نزرا(٣)

ومقالة فيكم عركت لها

جنبي أريد بها لك العذرا

ومريد سرّكم عدلت به

عمّا يحاول معدلا وعرا

قالت يقيم لنا لنجزيه

يوما فخيّم عندها شهرا

ما إن أقيم لحاجة عرضت

إلا لأبلي فيكم عذرا

وإذا هممت برحلة جزعت

وإذا أقمنا لم تفد نقرا(٤)

إني لأرضى ما رضيت به

وأرى لحسن حديثكم شكرا

وروى أبو عمرو الشيباني لأبي دهبل:

ياليت من يمنع المعروف يمنعه

حتى يذوق رجال غبّ ما صنعوا(٥)

وليت رزق رجال مثل نائلهم

قوت كقوت ووسع كالذي وسعوا(٦)

- ويروى: (ضيق كضيق ووسع كالذي اتسعوا).

وليت للنّاس خطّا في وجوههم

تبين أخلاقهم فيه إذا اجتمعوا

وليت ذا الفحش لاقى فاحشا أبدا

ووافق الحلم أهل الحلم فاتّدعوا(٧)

____________________

(١) الإرعاء: الإبقاء؛ كذا ذكره صاحب اللسان واستشهد بالبيت.

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (أي أسراره مائلة إليها).

(٣) الأقناء: جمع قنو؛ وهو غصن الخل.

(٤) حواشي الأصل، ت، ف: (نقرا؛ أي قليلا؛ وهو صويت يسمع من وقع الإبهام على الوسطى؛ يقال: ما أعطاه نقرا ونقرة؛ أي شيئا؛ ولا يستعمل إلا في النفي).

(٥) الأبيات في المؤتلف والمختلف ١١٧.

(٦) حاشية ف: (يجوز أن يكون (قوت) خبر المبتدأ؛ أي هو قوت؛ ويجوز أن يكون بدلا من مثل نائلهم).

(٧) حاشية ف: (فاتّدعوا: فاستراحوا).

١٤٦

ولأبي دهبل في قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما:

تبيت النّشاوى من أميّة نوّما

وبالطّفّ قتلى ما ينام حميمها(١)

وما ضيّع الإسلام إلاّ عصابة

تأمّر نوكاها ودام نعيمها(٢)

وصارت قناة الدّين في كفّ ظالم

إذا مال منها جانب لا يقيمها

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن يحيى قال:

روى أبو عمرو الشيباني لأبي دهبل قال - ويقال إنها للمجنون:

أأترك ليلى ليس بيني وبينها

سوى ليلة إني إذا لصبور(٣)

هبوني امرأ منكم أضلّ بعيره

له ذمّة إنّ الذّمام كبير

ولصاحب المتروك أعظم حرمة

على صاحب من أن يضلّ بعير(٤)

عفا الله عن ليلى الغداة فإنّها

إذا وليت حكما عليّ تجور

وروى أبو عمرو الشيباني لأبي دهبل - وقد رواه أبو تمام في الحماسة له(٥) :

أقول والرّكب قد مالت عمائمهم

وقد سقى القوم كأس النّشوة السّهر(٦)

ياليت أني بأثوابي وراحلتي

عبد لأهلك طول الدّهر مؤتجر(٧)

إن كان ذا قدر يعطيك نافلة

منّا ويحرمنا ما أنصف القدر!(٨)

____________________

(١) الأبيات في (الأغاني ٦: ١٦٢، ومعجم البلدان ٦: ٥٢)، والطف: أرض في ضاحية الكوفة، كان فيها مقتل الحسين بن عليرضي‌الله‌عنه ، وحميمها: أقرباؤها.

(٢) في الأغاني ومعجم البلدان: (وما أفسد الإسلام ).

(٣) الأبيات في الأغاني (٦: ١٦٤، وديوان الحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٢٧٢ - ٢٧٣).

(٤) حاشية ف: (أضللت بعيري إذا شذ عنك وذهب، وضللت الطريق إذا شذذت عنه وذهبت).

(٥) الحماسة - بشرح التبريزي ٣: ٢٩٦ - ٢٩٧.

(٦) الحماسة: (كأس النشوة).

(٧) حاشية الأصل (من نسخة): (هذا الشهر مؤتجر)، وهي رواية الحماسة.

(٨) وورد بعد هذا البيت في الحماسة:

جنّيّة أو لها جنّ يعلّمها

رمى القلوب بقوس ما لها وتر

١٤٧

وأخبرنا المرزباني قال أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال: مثل قول أبي دهبل:

ولو تركونا لا هدى الله أمرهم

فلم يلحموا قولا من الشّرّ ينسج(١)

لأوشك صرف الدّهر تفريق بيننا

وهل يستقيم الدّهر والدّهر أعوج!

قول العجّاج لرؤبة ابنه يشكوه لما استطال عمره، وتمنى موته:

لما رآني أرعشت أطرافي(٢)

استعجل الدهر وفيه كاف

يخترم الإلف عن الألاّف

قال ومثله:

عدمت ابن عمّ لا يزال كأنّه

وإن لم أتره منطو لي على وتر

يعين عليّ الدّهر والدّهر مكتف

وإن استعنه لا يعنّي على الدّهر

قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوّه ومثل الجميع قول أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله ابن طاهر:

إلى كم يكون العتب في كلّ ساعة

وكم لا تملّين القطيعة والهجرا

رويدك إنّ الدهر فيه كفاية

لتفريق ذات البين فانتظري الدّهرا

____________________

(١) من قصيدة في (الأغاني ٦: ١٥١ - ١٥٢، والشعر والشعراء ٥٩٨ - ٥٩٩)، مطلعها:

تطاول هذا اللّيل ما يتبلّج

وأعيت غواشي الهمّ ما تتفرّج

(٢) ديوانه: ٣٩.

١٤٨

[٩]

مجلس آخر المجلس التاسع:

تأويل آية(*) ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ )

إن سأل سائل فقال: ما وجه التّكرار في سورة الكافرين، وما الّذي حسّن إعادة النفي لكونه عابدا ما يعبدون؛ وكونهم عابدين ما يعبد، وذكر ذلك مرة واحدة يغني. وما وجه التكرار أيضا في سورة الرحمن لقوله تعالى:( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ؛ [سورة الرحمن]، الجواب، يقال له: قد ذكر ابن قتيبة في معنى التّكرار في سورة الكافرين وجها، وهو أن قال: القرآن لم ينزل دفعة واحدة؛ وإنما كان نزوله شيئا بعد شيء، والأمر في ذلك ظاهر، فكأن المشركين أتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له: استلم(١) بعض أصنامنا حتى نؤمن بك؛ ونصدّق بنبوتك، فأمره الله تعالى بأن يقول لهم:( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) ، ثم غبروا مدة من الزمان وجاءوه فقالوا له: اعبد بعض آلهتنا، واستلم بعض أصنامنا يوما أو شهرا أو حولا، لنفعل مثل ذلك بإلهك، فأمره الله تعالى بأن يقول لهم:

( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) ؛ أي إن كنتم لا تعبدون إلهي إلا بهذا الشرط فإنكم لا تعبدونه أبدا.

وقد طعن بعض الناس على هذا التأويل بأن قال: إنه يقتضي شرطا وحذفا لا يدل عليه ظاهر الكلام، وهو شرطه في قوله:( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) ؛ وإذا كان ما نفاه عن نفسه من عبادته ما يعبدون مطلقا غير مشروط، فكذلك ما عطفه عليه. وهذا الطعن غير صحيح، لأنه لا يمتنع إثبات شرط بدليل، وإن لم يكن في ظاهر الكلام، ولا يمتنع عطف المشروط على المطلق بحسب قيام الدلالة.

وعن هذا السؤال ثلاثة أجوبة؛ كلّ واحد منها أوضح مما ذكره ابن قتيبة.

____________________

* لم يذكر في الأصل، وأثبته عن ت.

(١) حاشية ف: (من استلام الحجر، وهو التمسح، ويقال: استلأم الحجر، والأصل ترك الهمز) لأنه من السلمة؛ وهي الحجر؛ إلا أن استلأم الحجر جرى في كلامهم مهموزا).

١٤٩

أولها ما حكى عن أبي العباس ثعلب أنه قال: إنما حسن التكرار؛ لأن تحت كلّ لفظة معنى ليس هو تحت الأخرى، وتلخيص الكلام:( قل يا أيها الكافرون: لا أعبد ما تعبدون ) الساعة وفي هذه الحال،( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في هذه الحال أيضا، فاختصّ الفعلان منه ومنهم بالحال، وقال من بعد:( ولا أنا عابد ما عبدتم ) في المستقبل،( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) فيما تستقبلون، فاختلف(١) المعاني وحسن التكرار لاختلافها، ويجب أن تكون السورة على هذا الجواب(٢) مختصة بمن المعلوم من حاله(٣) أنه لا يؤمن. وقد ذكر مقاتل وغيره أنها نزلت في أبي جهل والمستهزئين، ولم يؤمن من الذين نزلت فيهم أحد؛ والمستهزءون هم: العاص ابن وائل السّهمي، والوليد بن المغيرة، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، وعدي ابن قيس.

والجواب الثاني وهو جواب الفراء أن يكون التكرار للتأكيد؛ كقول المجيب مؤكدا:

بلى بلى، والممتنع مؤكدا: لا لا؛ ومثله قول الله تعالى:( كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ؛ [التكاثر: ٢، ٣]، وأنشد الفراء:

وكائن وكم عندي لهم من صنيعة

أيادي ثنّوها عليّ وأوجبوا

وأنشد أيضا:

كم نعمة كانت لكم كم كم وكم

وقال آخر:

نغق الغراب ببين لبنى غدوة

كم كم وكم بفراق لبنى ينغق

[٤] وقال آخر:

____________________

(١) ط: (فاختلفت المعاني).

(٢) ساقطة من ط، م.

(٣) ساقطة من ت، م.

١٥٠

أردت لنفسي بعض الأمور

فأولى لنفسي أولى لها!(١)

والجواب الثالث - وهو أغربها - أنني لا أعبد الأصنام التي تعبدونها،( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ؛ أي: أنتم غير عابدين الله الّذي أنا عابده إذ أشركتم به، واتخذتم الأصنام وغيرها معبودة من دونه أو معه، وإنما يكون يكون عابدا له من أخلص له العبادة دون غيره، وأفرده بها؛ وقوله:( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ) ؛ أي لست أعبد عبادتكم، وما في قوله:( ما عَبَدْتُّمْ ) في موضع المصدر كما قال تعالى:( وَالأرْضِ وَما طَحاها: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ) ؛ [الشمس: ٦، ٧]، أراد: وطحيه إياها وتسويته لها، وقوله تعالى:( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) ؛ [غافر: ٧٥]، يريد: بفرحكم ومرحكم؛ قال الشاعر:

ياربع سلاّمة بالمنحنى

بخيف سلع جادك الوابل(٢)

إن تمس وحشا فبما قد ترى

وأنت معمور بها آهل(٣)

أراد فبرؤيتك معمورا آهلا، ومعنى قوله:( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ) ، أي لستم عابدين عبادتي على نحو ما ذكرناه، فلم يتكرر الكلام إلا لاختلاف المعاني.

وتلخيص ذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للكفار لا أعبد آلهتكم، ومن تدعونه من دون الله،( ولا أنتم عابدون ) إلهي، فإن زعمتم أنكم عابدون إلهي فأنتم كاذبون، إذ كنتم من غير الجهة التي أمركم بها تعبدونه، فأنا لا أعبد مثل عبادتكم، ولا أنتم ما دمتم على ما أنتم عليه تعبدون مثل عبادتي.

____________________

(١) حواشي الأصل، ت، ف: (أولى لك: كلمة تحذير، قال الأصمعي: معناه قاربك ما تكره، والولي: القرب، وقد وليه يليه. وقال ثعلب: أصح ما ذكر فى (أولى) قول الأصمعي، وقد قيل فيه غير ذلك، وكان محمد بن الحنفيةعليه‌السلام إذا مات جار له يقول: أولى لي! كدت أكون السواد المخترم).

(٢) المنحنى: حيث ينحني السيل؛ أي يميل. والخيف: ما انحدر عن الجبل وارتفع عن المسيل، وبه سمي خيف منى. وسلع: يطلق على جملة مواضع في ديار باهلة وأسد.

(٣) وحشا: خاليا، وبما ترى؛ أي بما كنت قد ترى، وآهل: ذو أهل؛ وفي حاشية ف: (وأنت معمور بها، يجوز أن يتعلق (بها) بمعمور وبآهل جميعا). وفي د، م: (به آهل).

١٥١

فإن قيل: أما اختلاف المعبودين فلا شبهة فيه، فما الوجه في اختلاف العبادة؟ قلنا:

إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعبد من يخلص له العبادة ولا يشرك به شيئا، وهم يشركون، فاختلفت عباداتهما(١) ، ولأنه أيضا كان يتقرّب إلى معبوده بالأفعال الشرعية التي تقع على وجه العبادة، وهم لا يفعلون تلك الأفعال، ويتقربون بأفعال غيرها، يعتقدون جهلا أنها عبادة وقربة.

فإن قيل: فما معنى قوله تعالى:( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) ، وظاهر هذا الكلام يقتضي إباحتهم المقام على أديانهم؟ قلنا في هذا ثلاثة أجوبة: أولها أن ظاهر الكلام وإن كان ظاهره إباحة فهو وعيد ومبالغة في النهي والزجر؛ كما قال تعالى:( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) ؛ [فصلت: ٤٠]. وثانيها أنه أراد لكم جزاء دينكم، ولي جزاء ديني، فحذف الجزاء لدلالة الكلام عليه، وثالثها أنه أراد لكم جزاؤكم ولي جزائي؛ لأن نفس الدين هو الجزاء؛ قال الشاعر:

إذا ما لقونا لقيناهم

ودنّاهم مثل ما يقرضونا

فأما التكرار في سورة الرحمن فإنما حسن للتقرير بالنّعم المختلفة المعدّدة، فكلما ذكر نعمة أنعم بها قرّر عليها(٢) ، ووبّخ على التكذيب بها؛ كما يقول الرجل لغيره: ألم أحسن إليك بأن خولتك الأموال! ألم أحسن إليك بأن خلّصتك من المكاره! ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا! فيحسن منه التكرير(٣) لاختلاف ما يقرره به، وهذا كثير في كلام العرب وأشعارهم

[إيراد طائفة من شعر العرب مما وقع فيه التكرار]

قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا(٤) :

____________________

(١) ف، حاشية ت (من نسخة): (عبادتاهما).

(٢) ت، ف: (بها.

(٣) حاشية ت (من نسخة): (التكرار).

(٤) من قصيدة مشهورة، مطلعها:

أليلتنا بذي حسم أنيري

إذا أنت انقضيت فلا تحوري

وهي في (أمالي القالي ٢: ١٢٩ - ١٣٣) وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قبل هذا البيت:

وهمّام بن مرّة قد تركنا

عليه القشعمان من النّسور

١٥٢

على أن ليس عدلا من كليب

إذا طرد(١) اليتيم عن الجزور(١)

على أن ليس عدلا من كليب

إذا ما ضيم جيران المجير

على أن ليس عدلا من كليب

إذا رجف العضاه من الدّبور(٢)

على أن ليس عدلا من كليب

إذا خرجت مخبّأة الخدور

على أن ليس عدلا من كليب

إذا ما أعلنت نجوى الأمور

على أن ليس عدلا من كليب

إذا خيف المخوف من الثّغور

على أن ليس عدلا من كليب

غداة تلاتل الأمر الكبير(٣)

على أن ليس عدلا من كليب

إذا ما خام جار المستجير(٤)

وقالت ليلى الأخيليّة ترثي توبة بن الحميّر:

لنعم الفتى ياتوب كنت إذا التقت

صدور الأعالي واستشال الأسافل(٥)

ونعم الفتى يانوب كنت ولم تكن

لتسبق يوما كنت فيه تحاول(٦)

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة): (اللئيم).

وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قال مهلهل في هذه القطعة قبل هذا البيت مرثية أخيه؛ وهو الّذي ثارت لأجله حرب البسوس؛ وكان سبب تلك الحرب أن كليبا رمى ضرع ناقة البسوس، فانتظم ضرعها، فقتل كليب، وبقيت الحرب فيهم أربعين سنة، وكان في أواخر تلك الحروب يوم التحلاق، وعلى أن ليس عدلا؛ يعني: ليس همام عدلا من كليب؛ ويقال: عندي غلام عدل غلامك [بكسر العين] وهذا المال عدل غلامك [بالفتح]؛ أي قيمته؛ قال الفراء: العدل [بالفتح]: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعدل [بالكسر] المثل).

(٢) رجف: تحرك حركة شديدة، والعضاه: كل شجر له شوك؛ وفي حاشية الأصل: (أي كان الزمان شتاء).

(٣) التلاتل: الشدائد، وفي ت، ف: (بلابل)، وفي الأصل ذكر الوجهان معا، وفي الحاشية: (البلابل: الفتن، والتلاتل: الشدائد، وفي شعره بالناء).

(٤) خام: جبن، وفي نسخة بحواشي الأصل، ت، ف: (خار).

(٥) حاشية ت (من نسخة): (في ديوانها: (العوالي)، وهي رواية ف أيضا.

(٦) ف، ونسخة بحاشيتي الأصل، ت: (تجاول)، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (في نسخة شعرها:

ونعم الفتى ياتوب كنت قديمة

على الخيل تمريها ونعم المنازل

وقديمة؛ أي مدة قديمة، ويجوز أن تكون قديمة بمعنى مقدامة. وتمريها، تحلبها الجرية.

١٥٣

ونعم الفتى ياتوب كنت لخائف

أتاك لكي يحمى ونعم المجامل(١)

ونعم الفتى ياتوب جارا وصاحبا

ونعم الفتى ياتوب حين تفاضل(٢)

لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

بجدّ ولو لامت عليه العواذل

[لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

ويكثر تسهيدي له لا أوائل](٣)

لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

ولو لام فيه ناقص الرائي جاهل(٤)

لعمري لأنت المرء أبكي لفقده

إذا كثرت بالملحمين التلاتل(٥)

أبى لك ذمّ الناس ياتوب كلما

ذكرت أمور محكمات كوامل

أبى لك ذمّ الناس ياتوب كلّما

ذكرت سماح حين تأوي الأرامل

فلا يبعدنك الله ياتوب إنّما

لقيت حمام الموت والموت عاجل

ولا يبعدنك الله ياتوب إنها

كذاك المنايا عاجلات وآجل

ولا يبعدنك الله ياتوب والتقت

عليك الغوادي المدجنات الهواطل(٦)

فخرجت في هذه الأبيات من تكرار إلى تكرار لاختلاف المعاني التي عددناها على نحو ما ذكرناه(٧) .

____________________

(١) كذا في الأصل، ف؛ وفي ت: (المحامل)، وفي حاشيتها: (المحامل؛ من الحمالة؛ وهي الدية).

(٢) ف، وحاشية ت (من نسخة): (تناضل)، وحاشية الأصل (من نسخة): تقاتل).

(٣) زيادة من م وحاشيتي ط، ف.

(٤) م: (ناقص العقل).

(٥) ت: (البلابل)، وفي حاشية ف: (الملتحم: الّذي أشرف على القتل؛ فكأنه جعل لحما، والتلاتل: جمع تلتلة، وهي مضاعف من الرباعي، يقال: تلة وتلتلة؛ كما يقال: كبة وكبكبة؛ قال تعالى:

( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) ، والتلاتل: الأمور العظام).

(٦) المدجنات: السحائب المظلمة، والهطلان: تتابع المطر والدمع.

(٧) حاشية ف: (في الجليس والأنيس: من أعجب ما روي في قصتهما أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة تزوجت، ثم إن زوجها بعد ذلك مرّ بقبر توبة وليلى معه، فقال لها: يا ليلى؛ هل تعرفين هذا القبر؟

فقالت: لا، فقال: هذا قبر توبة فسلمي عليه، فقالت: امض لشأنك؛ فما تريد من توبة وقد بليت عظامه؟  -

١٥٤

وقال الحارث بن عباد -:

قرّبا مربط النّعامة منّي

لقحت حرب وائل عن حيال(١)

ثم كرر قوله: (قرّبا مربط النعامة) في أبيات كثيرة من القصيدة للمعنى الّذي ذكرناه.

وقالت ابنة عم للنعمان بن بشير ترثي زوجها:

وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

أقام ونادى صحبه برحيل

وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

ضروب بنصل السّيف غير نكول

وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

جواد بما في الرّحل غير بخيل

وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

خفيف على الحدّاث غير ثقيل

وحدّثني أصحابه أنّ مالكا

صروم كماضي الشّفرتين صقيل

وهذا المعنى أكثر من أن نحصيه. وهذا هو الجواب عن التكرار في سورة المرسلات بقوله تعالى:( فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) .

____________________

قال: أريد تكذيبه؛ أليس هو الّذي يقول:

ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت

عليّ ودوني تربة وصفائح

لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فو الله، لابرحت أو تسلمي عليه؛ فقالت: (السلام عليك ياتوبة ورحمك الله، وبارك لك فيما صرت إليه؛ فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها، فشهقت شهقة فماتت، فدفنت إلى جانب قبره، فنبتت على قبره شجرة، وعلى قبرها شجرة، فطالتا والتفتا).

(١) مربط؛ ضبطت بالقلم في الأصل، بالفتح والكسر معا، وفي حاشية ف: (ما كان على فعل يفعل، بالضم فالمصدر والموضع منه مفعل بالفتح، وما كان على فعل يفعل بالكسر فالمصدر مفعل، بالفتح، والموضع مفعل، بالكسر، وما كان على يفعل بالفتح فكلاهما فيه بالفتح). وفي حاشية الأصل: (الحيال: ألا تحمل الناقة أو الفرس؛ يعني أن الحرب لقحت بعد أن كانت لا تحمل).

وقد ورد هذا البيت في (أمالي القالي ٣: ٢٦)، وبعده:

لم أكن من جناتها علم اللّ

ه وإنّي بحرّها اليوم صال

قربا مربط النعامة مني

إن بيع الكرام بالشّسع غال

١٥٥

فإن قيل: إذا كان الّذي حسّن التكرار في سورة الرحمن ما عدّده من آلائه، ونعمه فقد عدّد في جملة ذلك ما ليس بنعمة، وهو قوله:( يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ) [آية: ٣٥]، وقوله:( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) (١) [آية: ٤٣، ٤٤]. فكيف يحسن أن يقول بعقب هذا:( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) وليس هذا من الآلاء والنعم؟ قلنا: الوجه في ذلك أن فعل العقاب وإن لم يكن نعمة فذكره ووصفه والإنذار به من أكبر النعم، لأن في ذلك زجرا عمّا يستحقّ به العقاب وبعثا على ما يستحق به الثواب، فإنما أشار بقوله تعالى:( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ، بعد ذكر جهنم والعذاب فيها إلى نعمته بوصفها والإنذار بعقابها، وهذا مما لا شبهة(٢) في كونه نعمة.

فصل [في أخبار الدهريين والزنادقة المتهتكين ممن كانوا في صدر الإسلام]

قال سيدنا الشريف الأجلّ المرتضى ذو المجدين أدام الله علوّه: وكما أنه كان في الجاهلية وقبل الإسلام وفي ابتدائه قوم يقولون بالدهر، وينفون الصانع، وآخرون مشركون يعبدون غير خالقهم، ويستنزلون الرزق من غير رازقهم أخبر الله تعالى عنهم في كتابه، وضرب لهم الأمثال، وكرّر عليهم البينات والأعلام، فقد نشأ بعد هؤلاء جماعة ممن يتستّر بإظهار الإسلام ويحقن بإظهار شعاره والدخول في جملة أهله دمه وماله زنادقة ملحدون، وكفار مشركون؛ فمنعهم(٣) عزّ الإسلام عن المظاهرة والمجاهرة، وألجأهم خوف القتل إلى المساترة؛ وبلية هؤلاء على الإسلام وأهله أعظم وأغلظ، لأنهم يدغلون في الدين، ويموّهون على المستضعفين، بجأش رابط، ورأي جامع؛ فعل من قد أمن الوحشة، ووثق بالأنسة، بما يظهره(٤) من لباس الدين، الّذي هو منه على الحقيقة عار، وبأثوابه غير متوار، كما يحكى أنّ عبد الكريم بن أبي العوجاء قال لما قبض عليه محمد بن سليمان، وهو والي الكوفة من قبل

____________________

(١) حاشية ف: (الحميم: الماء الحار، والآني: الّذي بلغ نهايته).

(٢) ش: (وهذا لا شبهة).

(٣) ش: (فقمعهم).

(٤) ش: (فيما يظهره).

١٥٦

المنصور، وأحضره للقتل، وأيقن بمفارقة الحياة(١) : لئن قتلتموني لقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة(٢) .

والمشهورون من هؤلاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك، والحمادون: حمّاد الراوية، وحمّاد ابن الزّبرقان، وحمّاد عجرد؛ وعبد الله بن المقفع، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبشار بن برد، ومطيع بن إياس، ويحيى بن زياد الحارثي، وصالح بن عبد القدوس الأزدي، وعليّ بن خليل الشّيباني، وغير هؤلاء ممن لم نذكره؛ وهم وإن كان عددهم كثيرا فقد أقلهم الله وأذلهم(٣) بما شهدت به دلائله الواضحة، وحججه اللائحة على عقولهم من الضعف، وآرائهم من السّخف.

ونحن نذكر من أخبار كلّ واحد ممن ذكرناه وتهمته في دينه نبذة(٤) ، ونومئ فيها إلى جملة(٥) . والّذي دعانا إلى التشاغل بذلك - وإن كانت عنايتنا بغيره أقوى - مسئلة من نرى إجابته، ونؤثر موافقته، فتكلفناه له ومن أجله، مع أنه غير خال من فائدة ينفع علمها، ويتأدب بروايتها وحفظها.

***

[أخبار الوليد بن يزيد بن عبد الملك]

أما الوليد(٦) فكان مشهورا بالإلحاد، متظاهرا بالعناد، غير محتشم في اطّراح الدين أحدا،

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (الدنيا).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (موضوعة).

(٣) في ت، د: (وأذلهم وأرذلهم).

(٤) نبذة، بفتح النون وضمها.

(٥) في ت، د: (جملة كافية).

(٦) حواشي الأصل، ت، ف: (هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ ويكنى أبا العباس، قتله يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان المتولي لذلك عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، وكانت ولايته الملعونة سنة وشهرين ونيفا وعشرين ليلة، وقتل وقد بلغ من السن اثنتين وأربعين سنة، وقتل معه ولداه الحكم وعثمان، وكان يقال لهما الجملان). وانظر أخبار الوليد في (الأغاني ٦: ٩٨ - ١٣٧، والعقد ٤: ٤٥٢ - ٤٦٣).

١٥٧

ولا مراقب فيه بشرا؛ وفي الحديث أنه ولد لأخي أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلام فسمّوه الوليد، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (سمّيتموه بأسماء فراعنتكم! ليكوننّ في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو شرّ على هذه الأمة من فرعون على قومه). قال الأوزاعي:

فسألت الزّهري عنه فقال: إن استخلف الوليد بن يزيد، وإلاّ هو الوليد بن عبد الملك.

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال: حدّثني محمد بن إبراهيم قال: حدّثنا محمد بن يزيد النحوي قال: كان الوليد بن يزيد بن عبد الملك قد عزم على أن يبني فوق البيت الحرام قبّة يشرب عليها الخمور، ويشرف على الطّواف، فقال بعض الحجبة(١) : لقد رأيت المجوسي البنّاء فوق الكعبة؛ وهو يقدّر مواضع أركان القبة، فلم تمس(٢) تلك الليلة حتى وافى الخبر بقتل الوليد.

وأخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرني عبد الله بن يحيى العسكري عن أبي إسحاق الطّلحي قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي العالية عن بعض أهل العلم قال:

قال يزيد بن الوليد - وهو الملقّب بالناقص(٣) لما ولي: نشدت الله رجلا سمع شيئا من الوليد إلا أخبر به! فقام ثور بن يزيد فقال: أشهد لسمعته(٤) وهو يقول:

اسقياني وابن حرب

واسترانا بإزار

واتركا من طلب الجنّة

يسعى في خسار

سأسوس النّاس حتى

يركبوا دين الحمار(٥)

وأخبرنا المرزباني قال: أخبرني أحمد بن خالد النخّاس قال: حدثنا محمد بن مكحول قال:

____________________

(١) حاشية ت (من نسخة): (بعض الطواف).

(٢) حاشية ت (من نسخة): (فلم تمض).

(٣) ش: (الملقب الناقص)، وفي حواشي الأصل، ت، ف: (قيل له الناقص لأنه كان نقص أعطياتهم).

(٤) ش: (لقد سمعته).

(٥) في حاشيتي الأصل، ف: (أي حتى ينزو بعضهم على بعض كما تتنازى الحمير).

١٥٨

نشر الوليد بن يزيد يوما المصحف، وكان خطّه كأنّه أصابع، وجعل يرميه بالسهام وهو يقول(١) :

تذكّرني الحساب ولست أدري

أحقّا ما تقول من الحساب

فقل للّه يمنعني طعامي

وقل للّه يمنعني شرابي

قال سيدنا الشريف الأجلّ المرتضى أدام الله علوه: ويله من هذه الجرأة على الله ويلا طويلا! وما أقدر الله أن يمنعه طعامه وشرابه وحياته! وما أولاه اللعين بأليم العذاب وشديد العقاب! لولا ما تتمّ به المحنة، وينتظم به التكليف؛ من تأخير المستحق من الثواب والعقاب، وتبعيدهما من أحوال الطاعات والمعاصي.

أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال: حدثني أحمد بن كامل قال: كان الوليد بن يزيد زنديقا وإنه فتح(٢) المصحف يوما فرأى فيه:( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) ؛ [إبراهيم: ١٥]، فاتخذ المصحف غرضا ورماه بالنّبل حتى مزّقه؛ وهو يقول:

أتوعد كلّ جبّار عنيد

فها أنا ذاك جبّار عنيد

فإن لاقيت ربّك يوم حشر

فقل ياربّ خرّقني الوليد(٣)

***

____________________

(١) ت: (وهو يقول).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (افتتح).

(٣) حاشية ف: (أخبر أبو حاتم عن العتبي قال: كان الوليد بن يزيد قد نظر إلى جارية من أهيإ النساء يقال لها: سفرى، فجن بها، وجعل يراسلها وتأبى عليه؛ حتى بلغه أن عيدا للنصارى قد قرب، وأنها ستخرج فيه، وكان في موضع العيد بستان حسن، وكان النساء يدخلنه، فصانع الوليد صاحب البستان أن يدخله فينظر إليها؛ فنابعه، وحضر الوليد وقد تقشف وغير حليته، ودخلت سفرى البستان، فجعلت تمشي حتى انتهت إليه، فقالت لصاحب البستان: من هذا؟ قال لها: رجل مصاب، فجعلت تمازحه وتضاحكه حتى اشتفى من النظر إليها ومن حديثها؛ فقيل لها: ويلك! أتدرين من ذلك الرجل؟ قالت: لا، -

١٥٩

[أخبار حماد الراوية]

وأما حمّاد الرواية فكان منسلخا من الدين، زاريا على أهله، مدمنا لشرب الخمور وارتكاب الفجور.

وقال عمرو بن بحر الجاحظ: كان منقذ بن زياد الهلالي، ومطيع بن إياس، ويحيى بن زياد، وحفص بن أبي ودّة(١) ، وقاسم بن زنقطة، وابن المقفّع، ويونس بن أبي فروة، وحمّاد عجرد وعليّ بن الخليل، وحمّاد بن أبي ليلى الرواية، وحمّاد بن الزّبرقان، ووالبة بن الحباب، وعمارة بن حمزة بن ميمون، ويزيد بن الفيض، وجميل بن محفوظ المهلّبي، وبشار ابن برد المرعّث، وأبان اللاّحقي؛ يجتمعون على الشّرب وقول الشعر، ويهجو بعضهم بعضا، وكلّ منهم متّهم في دينه(٢) .

____________________

فقيل لها: الوليد بن يزيد؛ وإنما تقشف حتى ينظر إليك؛ فجنت بعد ذلك، وكانت عليه أحر منه عليها، فقال الوليد في ذلك:

أضحى فؤادك ياوليد عميدا

صبّا قديما للحسان صيودا

من حبّ واضحة العوارض طفلة

برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

ما زلت أرمقها بعيني وامق

حتى بصرت بها تقبّل عودا

عود الصّليب، فويح نفسي من رأى

منكم صليبا مثله معبودا!

فسألت ربّي أن أكون مكانه

وأكون في لهب الجحيم وقودا

قال القاضي: لم يبلغ مدرك الشيباني هذا الحد من الخلاعة؛ إذ قال في عمرو النصراني:

ياليتني كنت له صليبا

فكنت معه أبدا قريبا

أبصر حسنا وأشمّ طيبا

لا واشيا أخشى ولا رقيبا

فلما ظهر أمره وعلمه الناس قال:

ألا حبّذا سفرى وإن قيل إنّني

كلفت بنصرانيّة تشرب الخمرا

يهون عليّ أن تظلّ نهارها

إلى اللّيل لا أولى نصلّي ولا عصرا

(١) ش: (ودة)، بفتح الواو، وضبط في الأصل بالفتح والضم معا.

(٢) حاشية ف: (حدث أبو الحسن بن راهويه قال: صلى يحيى بن معلى الكاتب - وكان في مجلس فيه أبو نواس، ووالبة بن الحباب، وعلي بن الخليل، والحسين بن الخليع - صلاة، فقرأ فيها -

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت [ الله ] - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك أُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، [ معك ] لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق [ به ] الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدّنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١) .

أقول:

وإنّ هذا الحديث الشريف يهتك أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلّة على بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنىً غير معنى ( المتصرّف في الأمر )، وسقوطه من أصله وقمعه من جذوره

إنّ هذا الحديث يدل دلالةً وأضحةً على أنّ المراد من جملة ( ولي المؤمنين بعدي ) معنىً جليل ومقام عظيم، لأنّ المنازل التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم له قبل هذه الجملة يستوجب كلّ واحدةٍ منها على اليقين أفضليتهعليه‌السلام من جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين، لأنّ مفادها مساواتهعليه‌السلام للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الذي لا شك في أفضليّته من الخلائق أجمعين - في مراتبه ومنازله كلّها.

__________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

٣٠١

فكما أنّ تلك المنازل والمراتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم جعلته خير الخلائق وأشرف المرسلين كذلك يكون عليعليه‌السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: « وأعطاني أنّك وليُّ المؤمنين بعدي » ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أنْ يكون هو ( المتصرّف ) في أُمور المؤمنين بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ليس إلّا ( الإمامة والخلاقة ).

ترجمة الرّافعي

ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الرّاوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة:

١ - الذهبي: الامام الرافعي أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكراماتٍ ونسكٍ وتواضع. توفي في حدود آخر السنة.رحمه‌الله »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها مات إمام الدين عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم الرافعي القزويني، مصنّف الشّرح الكبير والصّغير على الوجيز والمحرر، ومصنّف التذنيب على الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكرامات. وعلى شرحه الكبير اليوم إعتماد المفتين والحكّام في الدنيا »(٢) .

__________________

(١). العبر ٣ / ١٩٠ حوا دث ٦٢٣

(٢). تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث ٦٢٣.

٣٠٢

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الإمام الكبير العلّامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتّصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللّاحقات. ومن كراماته: أنّه أضاءت له شجرة في بيته لـمّا انطفى السراج الذي يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو القاسم إمام الدين عبدالكريم بن محمّد القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنّف في المذهب مثله. تفقّه على والده وعلى غيره.

وكان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والاُصول وغيرها، طاهر اللّسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الإحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحدٍ غالباً إلّا إذا رآه في كلامه، وإنْ لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلانٍ كذا، شديد الإحتراز أيضاً في مراتب الترجيح »(٢) .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢

فوات الوفيات ٢ / ٧

طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٢٨١

تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤

__________________

(١). مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية: ١ / ٢٨١.

٣٠٣

النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦

شذرات الذهب ٥ / ١٠٨

(١٦)

« الأولياء » في تفسير أهل البيت بمعنى « الأئمّة »

جاء ذلك في خطبةٍ للإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، رواها الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلّامة القندوزي، قال:

« وفي التفسير المنسوب إلى الأئمّة من أهل البيت الطيّبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر وقال:

إنّ الله عزّ وجلّ - بمنّه ورحمته – لـمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليه، بل رحمةً منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلّامن بابها؟

فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم - صلّى الله عليه وسلّم - قال:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ

٣٠٤

دِيناً ) . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً، وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب.

ثم قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) واعلموا أنّ من يبخل المودّة فإنّما يبخل عن نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه.

فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتّقين، ولا عدون إلّا على الظالمين.

سمعت جدّي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّيهم من نورهم، وسائر الناس في النار »(١) .

أقول:

ولا ريب في أنّ مرادهعليه‌السلام من « إقامة الأولياء بعد النبي » هو: نصب الأئمة، ويؤكّده استشهاده بالآية المباركة( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) النازلة في يوم غدير خم.

فإذن: المراد من « الولي » هو « الإمام ».

فكذلك: المراد من « الولي » في حديثنا هو « الإمام ».

__________________

(١). ينابيع المودة ٣ / ٣٦٥ الطبعة المحققة.

٣٠٥

لأنّ: الحديث يفسّر بعضه بعضاً، كما نصّ عليه العلماء كالحافظ في ( شرح البخاري ) وغيره من الأعلام.

(١٧)

إختصاص لفظ « الولي » ومقام « الولاية » بنوّاب نبيّنا وهم « اثنا عشر »

وهذا ما نصَّ عليه شيخ الشيوخ سعدالدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمّد النسفي(١) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معرّبه:

إنّه لم يكن قبل نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - في الأديان السابقة عنوان « الولي » وإنّما كان عنوان « النبي »، وكان يسمّون المقرّبين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة بـ « الأنبياء » فلمـّا نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - من عند الله عزّ وجلّ، وجد في هذا الدين اسم « الولي »، إذ اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وجعلهم الوارثين له، المقرّبين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النوّاب - من عند الله - لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء اُمتي كأنبياء بني إسرائيل.

وإنّ آخر الأولياء - وهو آخر النوّاب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

__________________

(١). عزيز الدين محمّد النّسفي، من أعلام الصّوفية، له في ذلك مصنّفات، توفي سنة ٦٨٦. هدية العارفين ١ / ٥٨٠.

٣٠٦

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأمّا الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمّون بالأولياء، وإنّما هم الأبدال »(١) .

فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النّسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبيّنة لكون « الولي » دليلاً على « الإمامة » في حديث الولاية!

(١٨)

تبادر « المتصرّف في الأمر » من « الولي » عند الإطلاق

فإنّ المنسبق إلى الأذهان من لفظ « الولي » عند الإطلاق هو معنى « المتصرّف في الأمر » فكيف لو ضمّ إليه كلمة « بعدي »؟

فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجهاً تامّاً للإستدلال، ودليلاً قاطعاً للشبهة.

وإنّ لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في ( الروضة النديّة ) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير:

« وتكلّم الفقيه حميد(٢) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

__________________

(١). ينابيع المودّة: ٤٧٥.

(٢). حميد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالواحد المحلّي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلّم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد.=

٣٠٧

قال -رحمه‌الله - منها: فضل العترةعليهم‌السلام ، ووجوب رعاية حقّهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللّذين يسأل عنهما، وأخبر بأنّه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.

... ومنها قوله: - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فهذا وليّه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإنْ استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان وليّ من لا وليّ له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إنّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة ».

(١٩)

وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة

عند الشافعي وجماعة

فلقد ذهب الشافعي(١) وأبو بكر الباقلاني(٢) وجماعة من أعلام الاُصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصّص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الاُصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

__________________

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: ٦٥٢. معجم المؤلفين ١ / ٦٥٨.

(١). محمد بن إدريس، إمام الشّافعيّة، توفي سنة ٢٠٤، من مصادر ترجمته: حليةالأولياء ٩ / ٦٣، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٣، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥، صفة الصفوة ٢ / ٩٥.

(٢). محمّد بن الطيّب، المتكلّم الكبير، الاُصولي الشهير المتوفى سنة ٤٠٣. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٩، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠.

٣٠٨

المؤمنينعليه‌السلام ، إذ لا ريب في أنّ من جملة المعاني هو: المتصرّف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ « الولي » له، ولا ضير فيه.

وأمّا أن ما ذكر هو مذهب الشّافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الاُصولية، قال العبري(١) في ( شرح المنهاج ).

« نقل عن الشافعي -رضي‌الله‌عنه - والقاضي أبي بكر -رحمه‌الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأنّ حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم حمل عليه فإمّا أنْ لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللّفظ بالكليّة، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجّح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعيّنة للبعض، وهو أيضاً محال »(٢) .

وقال الفخر الرازي في كتاب ( مناقب الشافعي ):

« المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصّص. قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: إنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها معاً يكون مخالفةً للّغة.

وأقول: إن كثيراً من الاُصوليّين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبدالجبّار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنّه لـمّا

__________________

(١). عبدالله بن محمّد العبري الفرغاني المتوفى سنة ٧٤٣، فقيه، اُصولي، متكلّم. البدر الطالع ١ / ٤١١، الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). شرح المنهاج في الاصول - مخطوط.

٣٠٩

تعذّر التعطيل والترجيح لم يبق إلّا الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً وفائدة. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجّح وهو محال. ولـمّا بطل القسمان لم يبق إلّا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإنْ كنا لا نقول به ».

وقال محمد الأمير في ( الروضة الندية ) بعد الكلام المنقول عنه سابقاً، نقلاً عن الفقيه الحميد:

« ثم لو سلّمنا احتمال « الولي » لغير ما ذكرنا على حدّه، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناءً على أنَّ كلّ لفظةٍ احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنّه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص ».

(٢٠)

ابن حجر: « من كنت وليّه » أي: المتصرّف في الأُمور

وهذا نصّ كلامه:

« على أنّ كون « المولى » بمعنى « الإمام » لم يعهد لغةً ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل: فلأنَّ أحداً من أئمة العربيّة لم يذكر أن « مفعلاً » يأتي بمعنى « أفعل ». وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: مقرّكم أو ناصرتكم مبالغةٌ في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالإستعمال يمنع من أنّ « مفعلاً » بمعنى « أفعل » إذْ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

٣١٠

وحينئذٍ، فإنّما جعلنا من معانيه: المتصرف في الامور، نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول:

فابن حجر يرى أنّ لفظ « الولي » في الحديث: « من كنت وليّه فعلي وليّه » بمعنى « المتصرّف في الاُمور »، وعليه يكون المراد منه في الحديث « وليّكم بعدي » هو « المتصرف في الاُمور » كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتّساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلّامن ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق.

ولا يخفى أنّ هذا كافٍ في الإستدلال به على المطلوب.

(٢١)

حديث بريدة بلفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه »

وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت وليّه فعلي وليّه »، وأخرجه غير واحدٍ من الأئمة الأعلام:

* أخرج أحمد: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٦٥.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

٣١١

* وأخرج: « حدّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، قال: لـمّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - قال: فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

وأخرج: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنّه مرّ على مجلسٍ وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - جعلت اُحدّثه بما كان، ثم قلت: إنَّ علياً أخذ جاريةً من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

* وأخرج النَسائي: « أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، واستعمل علينا علياً، فلمـّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - فإذا وجه رسول الله - صلّى الله

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٥٨.

٣١٢

عليه وسلّم - قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

* وأخرج: « أخبرنا محمّد بن المثنّى قال حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال:

إنّ الله مولاي، فأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -؟

قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه باُذنه »(٢) .

* وأخرج الحاكم: « حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد.

وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - ثنا صالح بن محمّد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرّمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

__________________

(١). الخصائص: ٧٠.

(٢). الخصائص: ٦٩.

٣١٣

زيد بن أرقم قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؛ ثمّ قال:

الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيد علي فقال:

من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه.

وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله.

شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً، صحيح على شرطهما »(١) .

* وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمّد بن المثّنى بإسناده فيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه »(٢) .

* ورواه المتّقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

* وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: « من كنت وليّه فعلي وليّه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٢). البداية والنهاية ٣ / ٢٠٩.

(٣). كنز العمال ١٣ / ١٠٤ رقم ٣٦٣٤٠.

٣١٤

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن »(١) .

* وقال محمد صدر العالم الهندي: « أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

أقول:

لا ريب في أنّ المراد من « الولي » في « فعلي وليّه » هو نفس المراد منه في « من كنت وليّه »، ولا ريب في أنّه بمعنى « المتصرّف في الاُمور ». قال العزيزي:

« أنا وليُّ المؤمنين. أي: متولّي أُمورهم. وكان - صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النّساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا أذن. حم م ن »(٣) .

ترجمة العزيزي

والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمامٌ عالم محدِّث جليل حافظ، قال العلّامة المحبّي بترجمته: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً، متقناً ذكيّاً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ١٨٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

٣١٥

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوادداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم ومحبّاً لأهله، خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثيرٍ من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرّفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلَّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريّا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كرّاسة، واُخرى على شرحها للخطيب.

وكانت وفاته ببولاق في سنة ١٠١٧٠ وبها دفن »(١) .

(٢٢)

الحديث بلفظ: « الله وليّي وأنا وليُّ المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »

وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث ...: « إنّ الله وليّي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره »(٢) .

ولا ريب أنّ الله هو « الولي » أي « متولّي أُمور الخلق »، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي

وأمّا أنّ المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٠١.

(٢). الخصائص ١٠١.

٣١٦

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: متولّي أُمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل »(١) .

وقال القاري في ( الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين ) بشرح الدعاء: « اللّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل اللّهم آت نفسي تقواها أنت وليّها » قال:

« أي المتصرّف فيها ومصلحها ومربّيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري ».

(٢٣)

قوله لبريدة: « لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي »

فإنّه لـمّا شكى عليّاً عليه الصّلاة والسّلام نهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزبره بشدّة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لمـّا انتقصه، وقال: لا تقل هذا

وقد جاء هذا اللفظ في رواية:

سليمان بن أحمد الطبراني.

ومحمّد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني.

وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني.

وأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني.

وعلي بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير.

__________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢٢ هامش الطبر ي

٣١٧

ونور الدين الهيثمي.

وجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي.

وعلي بن حسام الدين المتّقي الهندي.

و إبراهيم بن عبدالله الوصّابي اليمني.

رواية الطبراني:

في ( مجمع الزوائد ): « وعن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره. فقلت: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما قدمت لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني »(١) .

وفي ( كنز العمّال ): « لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي يعني: عليّاً. طب عن وهب بن حمزة »(٢) .

وفي ( الإكتفاء ): « عن وهب بن حمزة قال: قدم بريدة من اليمن - وكان خرج مع علي بن أي طالب، فرأى منه جفوةً - فأخذ يذكر عليّاً وينتقص من حقّه، فبلغ ذلك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال له: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. يعني عليّاً. أخرجه الطّبراني في الكبير »(٣) .

__________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

(٢). كنز العمال ١١ / ٦١٢ رقم ٣٢٩٦١.

(٣). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٣١٨

رواية ابن مندة وأبي نعيم:

في ( اُسد الغابة ) قال: « وهب بن حمزة، يعدّ في أهل الكوفة، روى حديثه: يوسف بن صُهيب، عن رُكين، عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً -رضي‌الله‌عنه - من المدينة إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأشكونّه إليه، فلمـّا قدمت لقيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بعدي. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم »(١) .

رواية ابن مردويه:

في كتاب ( الطرائف ): « وفي كتاب المناقب، تأليف أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام - هذا الحديث من عدّة طرق. وفي رواية بريدة بزيادة وهي: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبريدة:

أيه عنك يا بريدة، فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنّك لتقع في رجل إنّه أولى الناس بكم بعدي »(٢) .

__________________

(١). أُسد الغابة ٤ / ٦٨١.

(٢). الطرائف في معرفة الطوائف: ٦٦.

٣١٩

تراجم الرواة

ورواة هذا الحديث من أكابر الحفّاظ الأعلام.

أما الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن الأثير، فقد سبقت تراجمهم.

بقي أن نترجم لابن مندة:

قال الذهبي: « ابن مندة. الإمام الحافظ الجوّال، محدّث العصر، أبو عبدالله محمّد ابن الشيخ أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبدالله محمّد بن أبي زكريا يحيى بن مندة

ولد أبو عبدالله سنة ٣١٠ وقيل في التي تليها.

سمع أباه، وعم أبيه عبدالرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة، وطائفة باصبهان، ومحمّد بن الحسين القطّان

وعدّه شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ وما بلغنا أنّ أحداً من هذه الاُمّة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحّالين وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصّدق.

حدّث عنه

قال الباطرقاني: نا أبو عبدالله إمام الأئمة في الحديث لقّاه الله روضوانه.

قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو مندة أعلام الحفّاظ في الدنيا قديماً وحديثاً، ألا ترون إلى قريحة أبي عبدالله؟!

وقيل: إنّ أبا نعيم ذكر له ابن مندة فقال: كان جبلاً من الجبال »(١) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٣١ - ١٠٣٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679