أمالي المرتضى الجزء ١

أمالي المرتضى8%

أمالي المرتضى مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 679

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 679 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 328126 / تحميل: 11802
الحجم الحجم الحجم
أمالي المرتضى

أمالي المرتضى الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أمالي المرتضى

للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي

الجزء الأول

تحقيق

محمد أبو الفضل إبراهيم

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة

١ - الشريف المرتضى(١)

كانت بغداد في القرن الرابع الهجري موئل العلم، ومثابة العلماء، وملتقى الكتّاب والشعراء والأدباء، فيها غنيت ساحات الخلفاء والملوك والرؤساء بفنون المناظرة والمساجلة والجدل، وعمرت المكتبات بألوف الكتب المؤلفة والمترجمة، المطوّلة والمختصرة؛ وغصّت دور العلماء وحلقات الدروس بطلاّب الأدب، وروّاد العلم والمعرفة من شتى الجهات.

وكان للكثير من ملوك بني بويه من لطافة الحسّ، وركانة الطبع، ورهافة الذوق،

____________________

(١) مصادر الترجمة:                                                  دمية القصر ٧٥ - ٧٦.

أمل الآمل ٤٨٦ - ٤٨٧.                                      الرجال لأبي العباس النجاشي ١٩٢ - ١٩٣.

إنباه الرواة ٢: ٢٤٩ - ٢٥٠.                                   روضات الجنات ٣٧٤ - ٣٧٨.

بغية الوعاة ٣٣٥ - ٣٣٦.                                      سير النبلاء للذهبي ج ١١ قسم ١ ص ١٣١.

تاريخ ابن الأثير ٨: ٤٠ - ٤١.                                شذرات الذهب ٣: ٢٥٦ - ٢٥٨.

تاريخ الإسلام للذهبي (وفيات ٤٣٦).                          الفهرست لأبي جعفر الطوسي ٩٧ - ١٠٠.

تاريخ بغداد ١١: ٤٠٢ - ٤٠٣.                              لسان الميزان ٤: ٢٢٣ - ٢٢٤.

تاريخ أبي الفداء ٢: ١٦٧.                                      مرآة الجنان ٣: ٥٥ - ٥٧.

تاريخ ابن كثير ١٢: ٥٣.                                       معالم العلماء لابن شهراشوب ٦٠ - ٦٣.

تتمة اليتيمة ١: ٥٣ - ٥٦.                                     معجم الأدباء ١٣ - ١٤٦ - ١٥٧.

جمهرة الأنساب لابن حزم ٥٦ - ٥٧.                          المنتظم (وفيات ٤٣٦).

ابن خلكان ١: ٣٣٦ - ٣٣٨.                                 النجوم الزاهرة ٥: ٣٩.

٥

ورجاحة العقل ما هيّأ لهم أن يكونوا كتّابا أو شعراء؛ وما دفع بعضهم للمشاركة في العلوم، والأخذ بنصيب من أطراف الفنون؛ فحدبوا على العلماء، وأغدقوا على الشعراء؛ وعرفوا للأدباء أقدارهم؛ فولّوهم الوزارة والإمارة والقضاء في كثير من الأحايين.

وكانوا أيضا من شيعة عليّ، وعلى هوى أحفاده من أبناء الحسن والحسين، فخصّوهم بالتكرمة، ومنحوهم أرفع المناصب، وأدنوهم من نفوسهم، وقرّبوهم في مجالسهم، وظاهروهم في المناظرة، ودفعوهم إلى الجهر بالرأي والإدلاء بالحجة؛ وكانوا لهم ردءا حين يحتدم الجدل، ويشتد اللّداد بينهم وبين أهل السّنة؛ ومن يشدّ أزرهم من الأتراك وخلفاء بني العباس.

في هذه الحقبة النادرة في تاريخ العلوم، وفي هذا العصر الحالي بأزاهير الفنون والآداب، وفي تلك الدولة التي قام في أكنافها العلماء والشعراء والأدباء؛ عاش الشريف المرتضى عليّ ابن الحسين، وأخوه الشريف الرّضي محمد بن الحسين، واتخذا مكانهما بين ذوي المثالة، وأعيان الشرف والفضل من الأعلام؛ فكان المرتضى عالما فقيها متكلّما، خبيرا بقرض الشعر، بصيرا بمذاهب الكلام، وكان الرّضي شاعرا مطبوعا متصرّفا، وكاتبا بارعا رائق الديباجة صافي الأسلوب، مشاركا في التأليف والتصنيف؛ وقضيا حياتهما مرعيّي الجانب؛ رفيعي المنزلة؛ مرموقي المحلّ عظيمي الخطر والجاه عند خلفاء بني العباس، والملوك من بني بويه على السواء.

***

وكانا ينزعان إلى أعرق المناصب، وأطيب النّجار، نجلهما أبو أحمد الحسين بن موسى ابن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ وأنجبتهما فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر الأطروش، صاحب الديلم، وشيخ الطالبيّين وعالمهم وشاعرهم.

٦

وكان أبو أحمد من ذوي النباهة والصيت عند بني بويه، ولقّبه بهاء الدولة أبو نصر ابن بويه بالطاهر الأوحد؛ كما كان من ذوي القدر والجاه عند بني العباس؛ وولّوه النظر في المظالم ونقابة الطالبيّين مرات؛ كان يقوم بالسفارة بينهم وبين آل بويه أحيانا، وبين الحمدانيّين أحيانا، فمحض النصح، وبصّر بمناهج الرشد، وأبدى الرأي الأصيل؛ وظفر بالمكانة منهم جميعا. ومات في سنة ٤٠٠. وقد رثاه أبو العلاء المعرّي بقصيدته المشهورة:

أودى فليت الحادثات كفاف

مال المسيف وعنبر المستاف(١)

الطّاهر الآباء والأبناء والآ

راب والأثواب والألاّف

رغت الرّعود وتلك هدّة واجب

جبل هوى من آل عبد مناف(٢)

بخلت فلما كان ليلة فقده

سمح الغمام بدمعه الذرّاف

ويقال إن البحر غاض وإنها

ستعود سيفا لجّة الرّجّاف(٣)

           

ويحقّ في رزء الحسين تغيّر الحرسين، بله الدرّ في الأصداف(٤)

وفيها يذكر الشريفين ويعزيهما:

ولقيت ربّك فاستردّ لك الهدى

ما نالت الأيام بالإتلاف

وسقاك أمواه الحياة مخلّدا

وكساك شرخ شبابك الأفواف

أبقيت فينا كوكبين سناهما

في الصّبح والظّلماء ليس بخاف

متأنّقين وفي المكارم ارتعا

متألّقين بسؤدد وعفاف

قدرين في الإرداء، بل مطرين في الـ

إجداء، بل قمرين في الإسداف

____________________

(١) سقط الزند ١٢٦٤ - ١٣٢٠. كفاف، أي ليت الحوادث كفت الأذى. والمسيف: من ذهب ماله. والمستاف: الشّام.

(٢) الهدة: صوت الشيء الساقط، والواجب: الساقط؛ ويقال إن المرثى مات في ذات ليلة برق ورعد ومطر.

(٣) السيف: الساحل. والرجاف: من نعوت البحر.

(٤) الحرسان: اسم الليل والنهار.

٧

رزقا العلاء فأهل نجد كلّما

نطقا الفصاحة مثل أهل دياف(١)

ساوى الرّضي المرتضى وتقاسما

خطط العلى بتناصف وتصاف

وفي آخرها يقول:

يامالكي سرح القريض أتتكما

منّي حمولة مسنتين عجاف(٢)

لا تعرف الورق اللّجين وإن تسل

تخبر عن القلاّم والخذراف(٣)

وأنا الّذي أهدى أقلّ بهارة

حسنا لأحسن روضة مئناف(٤)

وبعد موته انتقلت وظائفه إلى الشريف الرضي، ولما مات آلت إلى الشريف المرتضى.

***

وكان مولد الشريف المرتضى ببغداد في رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة(٥) ، وفيها تلقّى العلم وشغل به في جميع أدوار حياته؛ وكان أول عهده بالمدارسة والتأدب على الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد، ذهبت به أمه إليه مع أخيه الرضي؛ وهما في سن الحداثة، وقبل أن يجاوزا حدّ الصغر؛ فأخذا عنه، وتخرّجا عليه. ثم صحب المرتضى غيره من العلماء، وورد شرعتهم، وحمل عنهم؛ مثل سهل بن أحمد الديباجي، وأبي عبيد الله المرزباني، وأبي الحسن الجندي، وأحمد بن محمد بن عمران الكاتب، وغيرهم.

ويبدو من تقصّي أخباره؛ ومطالعة ما وصل إلينا من كتبه ورسائله أن أعظم الشيوخ الذين تأدب بهم وأفاد منهم هما الشيخ المفيد وأبو عبد الله المرزباني.

____________________

(١) دياف: موضع فيه نبط لا فصاحة لهم.

(٢) السرح في الأصل: المال الراعي، والمسنت: الّذي أصابته السنة؛ أي القحط. والعجاف: المهازيل.

(٣) اللجين: ورق الشجر يخلط بالنوى المرضوض، ويلجن بعضه ببعض، وهو من علف أهل الأمصار. والقلام والحذراف: من الحمض؛ وهو علف أهل البادية.

(٤) الروضة المئناف: التي لم ترع بعد.

(٥) الفهرست لأبي جعفر الطوسي ١٠٠.

٨

فأما الشيخ المفيد فقد كان رأسا من رءوس الشيعة؛ وعلما من أعلامهم؛ لا يدرك شأوه فيهم؛ وإليه انتهت رئاسة الإمامية في عصره، وفي كتبه حفظت أقوالهم وآراؤهم وشروحهم وتأويلاتهم؛ وعنه تلقى السيد المرتضى الفقه والأصول والتفسير وعلم الكلام؛ ثم استقل بالرأي فيما بعد؛ ووضع في ذلك الكثير من الكتب والرسائل والمقالات.

وأما المرزباني فقد كان إماما من أئمة الأدب؛ وشيخا من شيوخ المعتزلة، وعلما من أعلام الرواية؛ وكانت داره مقصد العلماء والمتأدبين؛ مهيّأة بالكتب والورق والمداد؛ معدّة للطعام والراحة والنوم؛ فكان يأخذ عمّن يزوره من العلماء؛ ويقرأ لمن يجلس إليه من الطلاب، وفيما بين ذلك يؤلف الكتب ويصنفها؛ ومعظم ما رواه السيد المرتضى في كتاب الغرر من الشعر واللغة والأخبار ممّا تلقاه عليه، ورواه عنه.

ولما علت به السنّ، وخلع عن منكبه رداء الشباب عكف في منزله مخلدا إلى القراءة والدرس؛ واستنزف أيامه في التحصيل والتأليف، مؤثرا مجالسة العلماء والمستفيدين على مخالطة الرؤساء وذوي السلطان؛ بل إنه زهد فيما ورّث أبوه من نقابة الطالبيين، والنظر في المظالم، وآثر بها أخاه الرضي - وكان أصغر منه - ليرضى ما كانت تنزع إليه همة أخيه من الرغبة في سني المطالب وبلوغ الأقدار؛ ويقضي حاجة نفسه من الانقطاع إلى العلم، والخلوة إلى القراءة والدرس؛ ولم يتولّ شيئا من هذه المناصب إلا بعد وفاة أخيه.

وأعانه على ما يبغي ما تهيأ له من مكتبة عريضة واسعة؛ تحوي ما عرف من الكتب في حياته؛ ذكر الثعالبي أنها قوّمت بعد وفاته بثلاثين ألف دينار، وقدرت بثمانين ألف مجلد، بعد أن أهدى منها ما أهدى إلى الرؤساء والوزراء.

وكان السيد المرتضى في نعمة سابغة، وخير كثير، وثروة قلّ أن تتهيأ لمثله من العلماء؛ روي أنه كانت له ثمانون قرية بين بغداد وكربلاء، يشقها نهر ينتهي إلى الفرات؛ وكانت السفن تسير فيه غادية رائحة، تحمل السّفر والزوار؛ وخاصة في موسم الحجيج؛ وكان لهم فيما يساقط

٩

من ثمار الأشجار العاطفة على النهر؛ فاكهة موقوفة عليهم، ولغيرهم ممن تحمل السفن؛ وقدّروا ما تغلّه هذه القرى بأربعة وعشرين ألف دينار في العام.

وقد تمكّن بفضل هذه الثروة من أن يعيش في داره مكفول الرّزق، مقضي الحاجات، لا يشغله ما يشغل غيره من شئون الدنيا ومطالب الحياة؛ ولا يصرفه شيء عن القراءة والدرس والتصنيف والفتيا؛ بل إنه تمكن من أن يقضي حاجة قلبه من البرّ بالناس، ومواصلتهم، والعطف عليهم؛ وخاصة من كان يمت إلى العلم بصلة، أو يدلي إليه برحم ماسّة، فكان منزله دارا للضيافة، ومدرسة للتعلم والمدارسة، ينقطع فيه التلاميذ والطلاب والمريدون، ويستروح في رحابه الوافدون من شتى الجهات، بعد أن يكون قد أدماهم السير وأكلّهم السّرى؛ بل إنه جعل للكثير من تلاميذه مرتبات منظمة؛ وحبوسا موقوفة عليهم؛ كان أبو جعفر الطوسي(١) من تلاميذه المنقطعين إليه، فأجرى عليه اثنى عشر دينارا في كل شهر، في ثلاثة وعشرين عاما قضاها في صحبته إلى أن مات، وكذلك رتب للقاضي عبد العزيز بن البراج(٢) ثمانية عشر دينارا في الشهر؛ وغيرهما كثير. ووقف قرية كاملة؛ يجري خيرها على كاغذ للفقهاء خاصة؛ رغبة في النفع، وبثّ العلم في الناس.

وروي أنه أصاب الناس قحط شديد فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوت يحفظ نفسه ففزع إليه؛ وشفاعته الرغبة في العلم. واستأذنه أن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم؛ فأذن له، وأمر بجائزة تجري عليه في كل يوم، فقرأ عليه برهة ثم أسلم.

ومن هذه البابة أيضا ما حكاه ابن خلكان عن أبي زكريا التبريزي أن أبا الحسن على ابن أحمد بن سلك الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة)

____________________

(١) هو محمد بن علي بن جعفر الطوسي، ولد سنة ٣٨٥، ولزم الشيخ المفيد وتخرج عليه ولما مات سنة ٤١٣؛ لزم السيد المرتضى إلى أن مات، ثم استقل بالإمامة بعده، وتوفي سنة ٤٠٦.

(٢) هو عبد العزيز بن نحرير بن البراج؛ ولد بمصر ونشأ بها؛ ورحل إلى طرابلس وولي قضاءها مدة، وتوفي سنة ٤٨١.

١٠

فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها فوجد بها أبياتا بخط بائعها أبي الحسين الفالي؛ وهي:

أنست بها عشرين حولا وبعتها

لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظني أنني سأبيعها

ولو خلّدتني في السجون ديوني

ولكن لضعف وافتقار وصبية

صغار عليهم تستهلّ شئوني

فقلت ولم أملك سوابق عبرة

مقالة مكوي الفؤاد حزين

(وقد تخرج الحاجات ياأم مالك

كرائم من ربّ بهن ضنين)

فأرجع إليه النسخة؛ وترك الدنانير؛ جريا على عادته من صلته أهل العلم، وبره بهم.

***

وقد اجتمع إليه من فنون العلوم وضروب الآداب ما قلّ أن يجتمع لسواه؛ وضرب فيها جميعها بسهم وافر؛ فكان فقيها انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره؛ بعد أن درس الأصول، ومحّض الحقائق، واستخرج المسائل، ونصب نفسه بعد ذلك للفتيا، فشدّت إليه الرحال، ووفدت إليه الناس من كل صقع، ووضع لكلّ كتابا؛ فهذه المسائل الديلمية، وتلك المسائل الطوسية، وهذه المسائل المصرية والموصلية وهكذا. وحذق علم الكلام وأصول الجدل، فحاجّ النظراء والمتكلمين، وناظر المخالفين؛ وكتابه الشافي حجة على طول باعه في الجدل. وله في تفسير القرآن وتأويل الكتاب ما كشف به عن بحر لا يسبر غوره؛ ولا ينال دركه؛ وقد حفظ من أخبار العرب وأشعارهم ولغتهم ما جعله في الرعيل الأول من الرواة والحفاظ والأدباء؛ وبكل هذا كان إمام عصره غير مدافع؛ قال ابن بسام: (كان هذا الشريف إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق؛ إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها؛ مما سارت أخباره، وعرفت أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره؛ إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، ممن يشهد أنه قرع

١١

تلك الأصول، ومن أهل ذلك البيت الجليل(١) ).

وكان بعد هذا شاعرا، وله ديوان شعر؛ قال ابن شهراشوب: إنه يربى على عشرين ألف بيت، وذكر بروكلمان أن هناك نسخة منه من مكتبة مشهد. وقد أورد المرتضى طائفة منه في كتاب الغرر، والشهاب، وطيف الخيال، وذكر الثّعالبي فى تتمة اليتيمة، والباخرزي في دمية القصر قدرا منه، فمن قوله:

أحبّ ثرى نجد، ونجد بعيدة

ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا!(٢)

يقولون: نجد لست من شعب أهلها

وقد صدقوا لكنني منهم حبا

كأني وقد فارقت نجدا شقاوة

فتى ضلّ عنه قلبه ينشد القلبا

ومنه:

ياخليلي من ذؤابة قيس

في التصابي رياضة الأخلاق(٣)

عللاني بذكرهم تطرباني

واسقياني دمعي بكأس دهاق

وخذا النوم من جفوني فإني

قد خلعت الكرى على العشاق(٤)

ومنه في الرثاء:

كأني لما صك سمعي نعيّه

صككت بمسنون الغرارين قاضب

طواه الردى طي الرداء وعطّلت

مغاني الحجا عنه وغر المناقب

ولما بلوت الأصدقاء وودّهم

خلصت إليه من خلال التجارب

وسئل إجازة بيت أبي دهبل الجمحي:

وأبرزتها من بطن مكة عند ما

أصات المنادي بالصلاة فأعتما(٥)

____________________

(١) ابن خلكان: ٣٣٦.

(٢) تتمة اليتيمة ١: ٥٤.

(٣) تتمة اليتيمة ١: ٥٥، وابن خلكان ١: ٣٣٧.

(٤) روى ابن خلكان أنه لما وصلت هذه الأبيات إلى البصري الشاعر قال: (المرتضى قد خلع ما لا يملك على من لا يقبل).

(٥) الغرر ١: ١١٥.

١٢

فقال:

فطيّب سراها المقام وضوّأت

بإشراقها بين الحطيم وزمزما

فيا رب إن لقّيت وجها تحيّة

فحي وجوها بالمدينة سهّما

تجافين عن مسّ الدهان وطالما

عصمن عن الحناء كفّا ومعصما

وكم من جليد لا يخامره الهوى

شننّ عليه الوجد حتى تتيّما

أهان لهن النّفس وهي كريمة

وألقى إليهنّ الحديث المكتّما

تسفهت لما أن مررت بدارها

وعوجلت دون الحلم أن تتحلّما

فعجت تقرّى دارسا متنكرا

وتسأل مصروفا عن النطق أعجما

ويوم وقفنا للوداع وكلّنا

يعدّ مطيع الشوق من كان أحزما

نصرت بقلب لا يعنّف في الهوى

وعين متى استمطرتها قطرت دما

وتوفي الشريف المرتضى في ربيع الأول سنة ٤٣٦، وصلى عليه ابنه، ودفن فى داره، ثم نقل إلى المشهد الحسيني بكربلاء.

١٣

٢ - مؤلّفاته(١)

١ - (إبطال القياس)؛ ذكره الذهبي في سير النبلاء.

٢ - (الانتصار في الفقه)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب، وسمياه (الانفرادات في الفقه)، وطبع ضمن مجموعة الجوامع الفقهية لمحمد بن باقر بطهران سنة ١٢٧٦، وطبع منفردا سنة ١٣١٥.

٣ - (إنقاذ البشر من القضاء والقدر)، ذكره ابن شهراشوب، وطبع في النجف ١٩٣٥، وطهران ١٣٥٠.

٤ - (البرق)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب، وسماه (المرموق في أوصاف البروق).

٥ - (تتبع الأبيات التي تكلم عنها ابن جني في إثبات المعاني للمتنبي). ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٦ - (تتمة أنواع الأعراض من جمع أبي رشيد النيسابوري)(١) ، ذكره ابن شهراشوب.

٧ - (تفسير الخطبة الشقشقية)، نقله صاحب روضات الجنات عن كتاب رياض العلماء.

٨ - (تفسير قصيدة السيد الحميري) المعروفة بالقصيدة المذهبة، وهي القصيدة البائية في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتبلغ ١٧ بيتا، مطلعها:

____________________

(١) اقتصرت في سرد كتب المرتضى هنا على ما ذكر أبو العباس النجاشي في كتاب الرجال، وأبو جعفر الطوسي في كتاب الفهرست، وابن شهراشوب في كتاب معالم العلماء، وما لم يذكره واحد من هؤلاء ذكرته منسوبا إلى مصدره.

١٤

هلاّ وقفت على المكان المعشب

بين الطويلع فاللّوى من كبكب

ذكرها أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب. وطبعت مع الشرح بمصر سنة ١٣١٣ بعنوان: (القصيدة الذهبية).

٩ - (تفسير قوله تعالى:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) )، ذكره النجاشي.

١٠ - (تفسير قوله تعالى:( قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ) )، ذكره النجاشي.

١١ - (تفسير سورة الحمد، وقطعة من سورة للبقرة)، ذكره النجاشي.

١٢ - (تقريب الأصول)، ذكره النجاشي.

١٣ - (تكملة الغرر والدرر)، ذكره ابن شهراشوب.

١٤ - (تنزيه الأنبياء)، ذكره أبو جعفر الطوسي وابن شهراشوب. وطبع بالمطبعة الحيدرية في النجف سنة ١٣٥٢.

١٥ - (جمل العلم والعمل)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

١٦ - (جواب الملحدة في قدم العالم من أقوال المنجمين)، ذكره ابن شهراشوب.

١٧ - (الحدود والحقائق) ذكره ابن شهراشوب.

١٨ - (الخطبة المقمصة)، ذكره ابن شهراشوب.

١٩ - (الخلاف في أصول الفقه)، ذكره النجاشي، وابن شهراشوب.

٢٠ - (ديوان شعره)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب على ما ذكره بروكلمان أنه منه نسخة مخطوطة في مكتبة مشهد.

٢١ - (الذخيرة في الأصول)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

٢٢ - (الذريعة في أصول الفقه)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

١٥

٢٣ - (الرد على يحيى بن عدي في اعتراض دليل الموجد في حدث الأجسام)، ذكره النجاشي، وابن شهراشوب.

٢٤ - (الرد على يحيى بن عدي في مسألة سماها طبيعة المسلمين)؛ ذكره النجاشي.

٢٥ - (الرسالة الباهرة في العثرة الطاهرة) ذكره ابن شهراشوب.

٢٦ - (رسالة في المحكم والمتشابه)، منقول من تفسير النعماني؛ ذكره ابن شهراشوب.

٢٧ - (الشافي في الإمامة والنقض على كتاب المغني للقاضي عبد الجبار بن أحمد)، ذكره أبو جعفر الطوسي وقال: (إنه لم يؤلف مثله في الإمامة)، وذكره أيضا النجاشي، وابن شهراشوب. وقد اختصره أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠، وطبع الكتاب والمختصر في العجم سنة ١٣٠١ في جزءين.

٢٨ - (شرح مسائل الخلاف)، ذكره النجاشي.

٢٩ - (الشهاب في الشيب والشباب)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب، وطبع بمطبعة الجوائب سنة ١٣٠٢.

٣٠ - (طيف الخيال)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب، ومنه نسخة مصورة بدار الكتب المصرية رقم ١٠٣١٣ ز، عن النسخة المحفوظة بمكتبة الأسكوريال.

٣١ - (غرر الفوائد ودرر القلائد)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب، وقد اختصره عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العلائقي، وسماه (غرر الغرر، ودرر الدرر)، وأكمل هذا المختصر في سنة ٧١٦، ومنه نسخة خطية في مكتبة طهران؛ ذكره بروكلمان.

٣٢ - (الفرائض في نصر الرواية، وابطال القول بالعدد)، ذكره ابن شهراشوب.

٣٣ - (الفقه الملكي)، ذكره ابن شهراشوب.

١٦

٣٤ - (الكلام على من تعلق بقوله:( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ) )، ذكره النجاشي.

٣٥ - (ما تفرد به الإمامية)، ذكره النجاشي، وابن شهراشوب.

٣٦ - (مسائل آيات)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٣٧ - (مسائل أهل مصر الأولى والأخيرة)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي.

٣٨ - (مسائل البادريات) ذكره النجاشي.

٣٩ - (المسائل التبانيات)، ذكره النجاشي، وابن شهراشوب.

٤٠ - (المسائل الجرجانية)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٤١ - (المسائل الحلبية الأولى والأخيرة)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٤٢ - (مسائل الخلاف في الفقه)، لم يتمه؛ ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب؛ وذكر بروكلمان أن منه نسخة في مكتبة مشهد (ضمن مجموعة).

٤٣ - (المسائل الرازية) ١٤ مسألة، ذكره ابن شهراشوب.

٤٤ - (المسائل الرمليات)، ذكره النجاشي.

٤٥ - (المسائل السلارية)، ذكره ابن شهراشوب؛ وذكر بروكلمان أن منه نسخة مخطوطة في مكتبة مشهد (ضمن مجموعة).

٤٦ - (المسائل الصيداوية)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٤٧ - (المسائل الطبرية)، ذكر بروكلمان أن منه نسخة في مكتبة مشهد، وذكره أيضا الكنتوري في كشف الحجب.

٤٨ - (المسائل الطرابلسية الأولى والأخيرة)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

١٧

٤٩ - (المسائل الطوسية)، لم يتم. ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٥٠ - (المسائل المحمديات)، ذكره النجاشي.

٥١ - (مسائل مفردات من أصول الفقه) ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٥٢ - (مسائل مفردات)، نحو مائة مسألة في فنون شتى، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٥٣ - (المسائل الموصلية الثلاثة)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

وذكر بروكلمان أن منها نسخة مخطوطة في مكتبة مشهد (ضمن مجموعة).

٥٤ - (مسائل ميافارقين)، ذكره ابن شهراشوب، وذكر بروكلمان أن منه نسخة مخطوطة في النجف، في مكتبة خاصة، وأخرى في مكتبة مشهد (ضمن مجموعة).

٥٥ - (المسائل الناصرية في الفقه)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

وقد طبع هذا الكتاب مع كتاب) الجوامع الفقهية) لمحمد بن باقر في طهران ١٢٧٦.

٥٦ - (مسألة في الإرادة)، ذكره النجاشي.

٥٧ - (مسألة في دليل الخطاب)، ذكره النجاشي.

٥٨ - (مسألة في التأكيد)، ذكره النجاشي.

٥٩ - (مسألة في التوبة)، ذكره النجاشي.

٦٠ - (مسألة في قتل السلطان) ذكره النجاشي.

٦١ - (مسألة في كونه تعالى عالما)، ذكره النجاشي.

٦٢ - (مسألة في المتعة)، ذكره النجاشي.

٦٣ - (المصباح في أصول الفقه)، لم يتمه ذكره أبو جعفر الطوسي والنجاشي، وابن شهراشوب.

١٨

٦٤ - (المقنع في الغيبة)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

٦٥ - (الملخص في الأصول)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وابن شهراشوب.

٦٦ - (المنع في تفضيل الملائكة على الأنبياء)، ذكره ابن شهراشوب.

٦٧ - (الموضح عن وجه إعجاز القرآن)، ذكره أبو جعفر الطوسي، والنجاشي، وسمياه (كتاب الصرفة)، وذكره أيضا ابن شهراشوب.

٦٨ - (نقض الرواية، وإبطال القول بالعدد)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وذكره أيضا ابن شهراشوب، وسماه (مختصر الفرائض في قصر الرواية وإبطال القول بالعدد) وذكر بروكلمان أن منه نسخة مخطوطة في مكتبة مشهد (ضمن مجموعة).

٦٩ - (النقض على ابن جني في الحكاية والمحكي)، ذكره أبو جعفر الطوسي، وابن شهراشوب.

٧٠ - (نكاح أمير المؤمنين ابنته من عمر)، ذكره ابن شهراشوب.

٧١ - (الوعيد)، ذكره النجاشي.

١٩

٣ - أمالي المرتضى

وحيثما يستعرض الباحث كتب العربية النفيسة التي حوت ألوان المعارف، وزخرت بأشتات الطرائف، وحفظت بين دفتيها نتاج القرائح، وحقائق السير والتاريخ والأخبار، ونصوص الشعر واللغة والغريب فإنه بلا مراء يعد منها كتاب أمالي المرتضى - أو كما يسميه مؤلفه غرر الفوائد ودرر القلائد - وينظمه في العقد الّذي يضم كتاب الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج، وغيرها من الكتب التي حلّقت في سماء الآداب العربية كالنجوم، وأرست قواعدها كالأطواد، وعمرت بها مجالس العلماء وسوامر الأدباء؛ وتدارسها المتأدبون جيلا بعد جيل؛ وتداولها النساخ، وعدّت في مكتبات الدارسين من أكرم الذخائر وأنفس الأعلاق.

وهي مجالس مختلفة، أملاها في أزمان متعاقبة؛ تنقل فيها من موضوع إلى موضوع، ومن غرض إلى آخر؛ اختار بعض آي القرآن الكريم؛ مما يغمّ تأويله على الخاصة، بله العامة؛ ويدور حولها السؤال، ويثار الاستشكال؛ وعالج تأويلها وتوجيهها على طريقة أصحابه من المعتزلة، أو أصحاب العدل كما كان يسميهم؛ وحاول جهده أن يوفّق بين تأويل الآيات المتشابهة، وما دار على ألسنة العرب من نصوص الشعر واللغة؛ وفي هذا أبدى تفوقا عجيبا؛ وأبان عن ذهن وقّاد، وذكاء متلهب، وبصر نافذ؛ وأعانه فيما فسّر وأوّل ووجّه وفرة محفوظه من الشعر واللغة ومأثور الكلام. وكان الطابع الّذي يغلب عليه عرض الوجوه المختلفة؛ والآراء المحتملة، مجوّزا في ذلك إمكان الأخذ بالآراء جميعا.

وترجع قيمة ما عرض له الشريف في هذه المجالس من تأويل الآيات إلى أنها تعدّ صورة لتفسير القرآن الكريم عند علماء المعتزلة؛ مما لم يصل إلينا من كتبهم إلا القليل النادر.

واختار أيضا طائفة من الأحاديث التي يختلف العلماء في تأويلها؛ ويبدو التعارض فيما

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ولو سار المسافر في الحال طالباً للشفعة ، لم تسقط شفعته بترك الإشهاد ، ولا يكون الإشهاد واجباً. وكذا لو بعث وكيله في الحال ولم يُشهد.

وللشافعي قولان(١) .

وكذا لو كان حاضراً في البلد فخرج في الحال إلى المشتري أو إلى الحاكم ولم يُشهد.

مسالة ٧٨٨ : إذا علم بالشفعة ، مضى إلى المشتري‌ ، ولا يحتاج أن يرفع ذلك إلى الحاكم ؛ لأنّ الشفعة ثبتت بالنصّ والإجماع ، فلا تفتقر إلى الحاكم ، كمدّة الإيلاء والردّ بالعيب ، وبه قال الشافعي(٢) .

فإذا لقي المشتري ، بدأه بالسلام ؛ لأنّه سنّة. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه »(٣) فيقول : السلام عليكم ، أو : سلام عليك ، أو : سلام عليكم ، ولا تبطل بذلك شفعته.

قال الجويني : ومَنْ غلا(٤) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام(٥) .

وكذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثاً آخَر يتّصل بالسلام ، كقوله : بارك الله لك في صفقة يمينك.

قال الشافعي : لا تبطل الشفعة ؛ لأنّ ذلك يتّصل بالسلام ، ويكون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ و ٥٤٠.

(٣) حلية الأولياء ٨ : ١٩٩ ، وانظر : الكافي ٢ : ٤٧١ / ٢.

(٤) في النسخ الخطيّة والحجريّة : « عذر » بدل « غلا ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

٣٢١

دعاءً لنفسه ؛ لأنّ الشقص يرجع إليه(١) .

وله قولٌ آخَر : البطلان(٢) .

ولو قال غير ذلك ، فقد أخّر الشفعة لغير عذر.

ولو قال عند لقائه : بكَمْ اشتريته؟ لم تبطل شفعته - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لافتقاره إلى تحقّق ما أخذ به(٤) .

وقال الباقون : تبطل ؛ لأنّه تأخير ، لأنّ من حقّه أن يظهر الطلب ثمّ يبحث(٥) .

ولو قال : اشتريت رخيصاً ، وما أشبهه ، بطلت شفعته ؛ لأنّه فضول.

مسالة ٧٨٩ : ولو لم يمض الشفيع إلى المشتري ومشى إلى الحاكم وطلب الشفعة‌ ، لم يكن مقصّراً في الطلب ، سواء ترك مطالبة المشتري مع حضوره أو غيبته.

أمّا لو اقتصر على الإشهاد بالطلب ولم يمض إلى المشتري ولا إلى القاضي مع إمكانه ، قال الشيخرحمه‌الله : لا تبطل شفعته ؛ لعدم الدليل عليه(٦) ، وبه قال أبو حنيفة(٧) .

وقال الشافعي : يكون مقصّراً ، وبطلت شفعته(٨) .

ولو جهل البطلان ، كان عذراً ، ولم يكن مقصّراً ، كما لو جهل أصل‌

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٤) كذا ، والظاهر : « لافتقاره إلى تحقيق ما أخذه به ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٦) الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢.

(٧) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٦ ، المسألة ٤٢ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢٢

الشفعة.

ولو كان المشتري غائباً ، رفع أمره إلى القاضي وأخذ ، ولم يكف الإشهاد.

ولو لم يتمكّن من الرفع إلى المشتري ولا إلى القاضي ، كفاه الإشهاد على الطلب ، فإن تمكّن بعد ذلك من المضيّ إلى المشتري أو القاضي ، فالأقرب : عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق ، فيكون مقصّراً لو لم يمض إلى أحدهما ؛ لأنّ الالتجاء إلى الإشهاد كان لعذر وقد زال.

ولو لم يتمكّن من المضيّ إلى أحدهما ولا من الإشهاد ، فهل يؤمر أن يقول : تملّكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ الواجب الطلبُ عند القاضي أو المشتري ، فإذا فات القيد ، لم يسقط الآخَر.

وللشافعيّة وجهان(١) .

مسالة ٧٩٠ : لا يجب الطلب في بلد المبايعة‌ ، فلو باع الشقص بمصر ثمّ وجد الشفيع المشتري بمصرٍ آخَر فأخّر الطلب فلمـّا رجعا إلى مصره طالَبه بالشفعة ، لم يكن له ذلك ، وسقطت شفعته.

فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأنّي إنّما تركت الطلب لآخذ في موضع الشفعة ، لم يكن ذلك عذراً ، وقلنا له : ليس تقف المطالبة على تسليم الشقص ، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها ، فبطل حقّك ؛ لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص.

مسالة ٧٩١ : لو أظهر المتبايعان أنّهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة فعفا أو توانى في الطلب ، ثمّ بان أنّهما تبايعاه بأقلّ من ذلك ، لم تسقط‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣٢٣

الشفعة ، وكان للشفيع المطالبة بها ؛ لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة الثمن ، فإذا كان أقلّ منه ، رغب فيه ، فلم تسقط بذلك الترك شفعتُه.

وكذا لو بلغه أنّه باعه بالثمن المسمّى سهاماً قليلة ثمّ ظهر أنّها كثيرة.

وكذا إذا كانا قد أظهرا أنّهما تبايعا ذلك بالدنانير ، فترك ثمّ بان أنّهما تبايعا ذلك بالدراهم ، تثبت الشفعة ، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو أقلّ - وبه قال الشافعي وزفر(١) - لأنّه قد يكون له غرض في ذلك بأن يكون مالكاً لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : إذا كانت قيمتهما سواءً ، سقطت شفعته - وبه قال بعض الشافعيّة - لأنّهما يجريان مجرى الجنس الواحد(٢) .

وكذا إن أظهرا له أنّ زيداً اشتراها ، فترك الشفعة فبانَ أنّ المشتري عمرو وأنّ زيداً كان وكيلاً لعمرو ، لم تبطل الشفعة ، وكان له المطالبة بها ؛ لاحتمال أن يكون يرضى بشركة زيد ولا يرضى بشركة عمرو.

ولو ظهر كذب نوع الثمن ، فقال : اشتريته بدراهم راضيّة ، فترك الشفعة فظهر أنّه اشترى بدراهم رضويّة ، لم تبطل شفعته ، وكان له الطلب.

وكذا لو اُخبر بأنّ المشتري اشترى النصف بمائة ، فترك الشفيع ثمّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ - ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٧٣ - ٧٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ - ١٩١ ، المغني ٥ : ٤٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٩.

٣٢٤

بانَ(١) أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ؛ لأنّه قد يكون له غرض في القليل ، وقد يكون له أيضاً غرض في الكثير.

وكذا لو قيل له : باع كلّ نصيبه ، فترك ثمّ ظهر بعضه أو بالعكس ، أو أنّه باعه بثمنٍ حالّ ، فترك ثمّ ظهر أنّه مؤجّل ، أو أنّه باعه إلى شهر ، فترك فظهر أنّه إلى شهرين أو بالعكس ، أو أنّه باع رجلين فبانَ رجلاً أو بالعكس ، فترك الشفعة قبل ظهور الحال ، لم تبطل الشفعة ؛ لاختلاف الغرض بذلك.

ولو ظهر بأنّ الثمن عشرة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّ الثمن عشرون(٢) ، أو اُخبر بأنّ الثمن مؤجّل(٣) ، فترك فبانَ حالّا ، أو أنّ المبيع الجميعُ بألف فبانَ أنّ البعض بألف ، بطل حقّه من الشفعة قطعاً.

ولو أخبر(٤) أنّه اشترى النصف بمائة ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس ، تثبت الشفعة ؛ لأنّه قد يكون له غرض في القليل أو الكثير.

ولو بلغه(٥) أنّ المشتري واحد ، فترك الشفعة ثمّ ظهر أنّه ذلك الواحد وآخر ، فله الشفعة من كلّ منهما ومن أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع الكثرة ، لأنّه ترك الذي ترك له على أنّه اشترى الجميع ، فإذا كان اشترى البعض ، تثبت له ، وأمّا الآخَر فلم يتركه له.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « ظهر » بدل « بان ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عشرين ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مؤجّلاً » بالنصب.

(٤) تقدّم هذا الفرع آنفا بعد قوله : « ولو ظهر كذب كان له طلب ».

(٥) تقدّم هذا الفرع آنفاً عند قوله : « أو أنّه باع أو بالعكس ».

٣٢٥

مسالة ٧٩٢ : لو أخّر الطلب واعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة ، وأنكر المشتري‌ ، قُدّم قول الشفيع إن عُلم حصول العارض - الذي ادّعاه - له ، وإن لم يُعلم له هذه الحال ، قُدّم قول المشتري ؛ لأصالة العدم ، وأصالة عدم الشفعة.

ولو قال : لم أعلم ثبوت حقّ الشفعة ، أو قال : أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ الشفعة على الفور(١) ، فإن كان قريبَ العهد بالإسلام ، أو نشأ في برّيّة لا يعرفون الأحكام ، قُبل قوله ، وله الأخذ بالشفعة ، وإلّا فلا.

مسالة ٧٩٣ : لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع عن المشتري‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لا تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي ، وكذا إذا شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحّة اشتراط الخيار للأجنبيّ ؛ لأنّ هذا سبب سبق وجوب الشفعة ، فلا تسقط به ، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن الشفعة قبل تمام البيع(٢) .

وقال أهل العراق : إنّه تسقط الشفعة ؛ لأنّ العقد تمّ به ، فأشبه البائع إذا باع بعض نصيبه ، لا شفعة له(٣) .

قالت الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ، لأنّ البيع لا يقف على الضمان ، ويبطل بما(٤) إذا كان المشتري شريكاً ، فإنّه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه(٥) .

____________________

(١) ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة قوله : « أو قال على الفور » بعد قوله : « فإن كان قريب العهد بالإسلام ». وهو سهو من النُّسّاخ.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥ ، وانظر : حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، والمغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٣١٢ ، المغني ٥ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ ، الخلاف - للطوسي - ٣ : ٤٤٧ ، المسألة ٢٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به » بدل « بما ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) اُنظر : المغني ٥ : ٥٤٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٦

والقول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي ؛ لدلالة ذلك على الرضا بالبيع.

قال الشيخرحمه‌الله : ولو كان الشفيع وكيلاً في البيع(١) ، لم تسقط شفعته ، سواء كان وكيلاً للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء - وبه قال الشافعي - لعدم الدليل على سقوط الشفعة بالوكالة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إن كان وكيلا للبائع ، فلا شفعة له ، وإن كان وكيلا للمشتري ، ثبتت له الشفعة ، والفرق : أنّه إذا كان وكيلاً في البيع ، لحقته التهمة ، وفي الشراء لا تهمة(٣) .

وقال أهل العراق : إذا كان وكيلاً للمشتري ، سقطت شفعته ، بناءً على أصلهم أنّ الوكيل يملك ، ولا يستحقّ على نفسه الشفعة(٤) .

ويحتمل عندي قويّاً بطلان الشفعة ؛ لأنّ التوكيل يدلّ على الرضا بالبيع.

مسالة ٧٩٤ : لو أذن الشفيع في البيع ، فقال : بعْ نصيبك وقد عفوت عن الشفعة‌ ، أو أبرأه(٥) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقّه أو عفا قبل العقد ، لم تسقط شفعته ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) أي : بيع الشقص الذي يستحقّ به الشفعة.

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وراجع : المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤.

(٣) المغني ٥ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٤) حكاه عنهم الشيخ الطسوسي في الخلاف ٣ : ٤٤٨ ، المسألة ٢٧ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ٥٤٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٨٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبرأ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) حلية العلماء ٥ : ٣٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ / ١٩٤٨ ، المغني ٥ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٤.

٣٢٧

وحكي عن عثمان البتّي أنّه قال : تسقط الشفعة(١) ؛ لرواية جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة في كلّ شرك في أرض(٢) أو رَبْع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع »(٣) فأجاز تركه.

والمراد العرض على الشريك ليبتاع ذلك إن أراد ، فيخفّ بذلك المؤونة عليه في أخذ المشتري الشقص ؛ لأنّ قولهعليه‌السلام : « فيأخذ » ليس بالشفعة ، لأنّ العرض متقدّم على البيع ، والأخذ متعقّب للعرض ، فقوله : « أو يدع » أي : يدع الشراء ، لا أنّه يسقط حقّه بتسليمه. والأصل فيه أنّ ذلك إسقاط حقٍّ قبل وجوبه ، فلا يصحّ ، كما لو أبرأه ممّا يدينه إيّاه.

وكذا لو قال للمشتري : اشتر فلا أطالبك بالشفعة وقد عفوت عنها ، لم يسقط حقّه بذلك.

فروع :

أ - إذا شهد الشفيع على البيع ، لم تبطل شفعته بذلك ؛ لأنّه قد يريد البيع ليأخذه بالشفعة ، وكذا في الإذن بالبيع على ما تقدّم(٤) .

ب - لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشترى ، لم تسقط شفعته ، وقد سلف(٥) .

ج - لو قال الشفيع للمشتري : بِعْني أو قاسمني ، بطلت شفعته ؛ لأنّه يتضمّن الرضا بالبيع وإجازته له.

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٠ / ١٩٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شرك بأرض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٣٥.

(٤) في صدر المسألة ٧٩٤.

(٥) في ص ٣٢٠ ضمن المسألة ٧٨٨.

٣٢٨

د - لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء ، سقطت شفعته إن ترتّبت على اللزوم.

مسالة ٧٩٥ : لو باع أحد الشريكين نصيبه ولم يعلم شريكه حتى باع نصيبه ثمّ علم بيع شريكه ، فالأقرب : عدم الشفعة ؛ لأنّها إنّما ثبتت لزوال الضرر بها عن نصيبه ، فإذا باع نصيبه فلا معنى لإثباتها ، كما لو وجد بالمبيع عيباً ثمّ زال قبل علم المشتري ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه تثبت له الشفعة في النصيب الأوّل ؛ لأنّه استحقّ فيه الشفعة بوجود ملكه حين التبايع ، فلم يؤثّر زوال ملكه بعد ذلك(١) .

وكذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثمّ علم ، وكذا لو تقايلا في هذا بالبيع(٢) الثاني.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : لا شفعة له ، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة ؛ لوجود المقتضي ، وهو الشركة.

وإن قلنا : له الشفعة ، فالأقرب : عدم استحقاق المشتري منه للشفعة إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة ، وإلّا فإشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ الشفعة استحقّها البائع الجاهل ؛ لسبق عقد الشفعة على عقده ، فلا يستحقّها الآخَر ؛ لامتناع استحقاق المستحقّين شيئاً واحداً.

ولو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه وقلنا بالشفعة مع الكثرة ، فوجهان :

أحدهما : أنّه تسقط الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - كما إذا عفا‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١.

(٢) كذا.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ - ١٩٢.

٣٢٩

عن بعض الشفعة.

والثاني : لا تسقط ؛ لأنّه قد بقي من نصيبه ما يستحقّ به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. ولأنّه معذور بجهله ، وقد بقيت الحاجة - الموجبة للشفعة - للمشاركة(١) .

ولو باع الشفيع نصيبه عالماً أو وهبه عالماً بثبوت الشفعة ، بطلت شفعته ، سواء قلنا : إنّ الشفعة على الفور أو على التراخي ؛ لزوال ضرر المشاركة.

ولو باع بعض نصيبه عالماً ، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة ، فكذلك ؛ لتكثّر الشركاء. وإن قلنا بثبوتها معها ، فالأقرب : البطلان أيضاً ؛ لثبوت التضرّر بالشركة ، فلا أثر للشفعة في زوالها.

ويحتمل عدم البطلان ؛ لأنّ تضرّر الشركة قد يحصل مع شخص دون آخَر ، ولهذا قلنا : إنّه إذا بلغه أنّ المشتري زيدٌ فترك الشفعة ثمّ بان أنّه عمرو ، لم تبطل شفعته ، كذا هنا.

أمّا لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل المال ، لم تسقط شفعته.

فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثمّ تمكّن من الطلب ، ففي ثبوته إشكال ينشأ : من استحقاقه للطلب أوّلاً وقد طلب ، فلا تبطل شفعته بالبيع ، والبيع معذور فيه ، لإمكان حاجته ، ومن بطلان العلّة الموجبة للشفعة ، وهي الشركة. وهو أقرب.

ولو تملّك بالشفعة فقال : تملّكت بالشفعة ، حالة منع المشتري منها ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩١ - ١٩٢.

٣٣٠

فالأقرب : أنّه يملك الشقص بذلك ، فإذا باع نصيبه بعد ذلك ، لم تسقط شفعته على هذا التقدير قطعاً. وكذا له النماء من المشتري والاُجرة.

مسالة ٧٩٦ : إذا وجبت الشفعة واصطلح الشفيع والمشتري على تركها بعوض‌ ، صحّ عندنا ، وسقطت الشفعة - وبه قال مالك(١) - لعموم جواز الصلح. ولأنّه عوض على إزالة ملك في ملك ، فجاز ، كأخذ العوض على تمليك امرأته أمرها في الخلع.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تصحّ المعاوضة ؛ لأنّه خيار لا يسقط إلى مال ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كخيار المجلس(٢) .

وهل تبطل الشفعة؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : البطلان ؛ لأنه تركها بعوض لا يسلم له ، فكان كما لو تركها.

والثاني : لا تسقط ؛ لأنّه لم يرض بإسقاطها مجّاناً ، وإنّما رضي بالمعاوضة عنها ، فإذا لم تثبت له المعاوضة ، كانت الشفعة باقيةً(٣) .

وهذان الوجهان جاريان في الردّ بالعيب إذا عاوض عنه وقلنا : لا تصحّ المعاوضة.

وعندنا أنّه تصحّ المعاوضة أيضاً.

مسالة ٧٩٧ : إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة : أخذت نصف الشقص ، لم يكن له ذلك.

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٨٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٥ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٣ - ٣٥٤.

٣٣١

وهل تسقط شفعته؟ قال محمّد بن الحسن وبعض الشافعيّة : نعم ؛ لأنّه إذا طلب بعضها ، فقد أخّر بعضها ، فقد ترك شفعته في بعضها ، وإذا ترك بعضها ، سقطت كلّها ؛ لأنّها لا تتبعّض(١) .

وقال أبو يوسف : لا تسقط ؛ لأنّ اختياره لبعضها طلب للشفعة ، فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركاً لها ؛ لعدم دلالة الشي‌ء على نقيضه. ولأنّه لمـّا لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب جميعها(٢) .

واعتُرض : بأنّ طلب البعض لا يكون طلباً للجميع ، ولا معنى لطلب الجميع بطلب البعض ، ولا غرض ، فتسقط(٣) .

البحث السابع : في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.

مسالة ٧٩٨ : اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة - من أصحابنا ومن العامّة - هل هي على عدد الرؤوس أو على قدر الأنصباء؟

فذهب بعض علمائنا إلى أنّها تثبت على عدد الرجال(٤) ، فلو كان لأحد الشركاء النصفُ وللباقين النصفُ الآخَر بالسويّة فباع صاحب الربع نصيبَه ، كانت الشفعة بين صاحب النصف وصاحب الربع بالسويّة - وبه قال‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٣ ، المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) المغني ٥ : ٤٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٤) كما في المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٣ ، ونسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٩٣ إلى ابن الجنيد.

٣٣٢

الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وابن شُبْرمة وأبو حنيفة وأصحابه والمزني والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الشفعة على عدد الرجال »(٢) .

ولأنّ كلّ واحد منهم لو انفرد ، كان له أخذ الكلّ ، فإذا اجتمعوا اشتركوا ، كالبنين في الميراث، وكما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث والسدس حصّتهما معاً دفعةً وهُما موسران ، فإنّ النصف يقوَّم عليهما بالسويّة وإن اختلف استحقاقهما.

وقال بعض علمائنا : إنّها تثبت على قدر النُّصّب(٣) - وبه قال عطاء ومالك وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى والشافعي في القول الآخَر ، وهو مذهب سوار القاضي وعبيد الله بن الحسن العنبري(٤) - لأنّه حقّ يستفاد بسبب الملك ، فكان على قدر الأملاك كالغلّة.

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٨ - ٩٩ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨١ / ٥ - ٣١٣٧٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ - ١١٧ / ٤١٦.

(٣) كما في المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٣ ، والمهذّب - لابن البرّاج - ١ : ٤٥٣.

(٤) المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٦٠ ، الاستذكار ٢١ : ٢٨٠ / ٣١٣٧٠ ، و ٢٨١ / ٣ - ٣١٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٢٦٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩١ - ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، الوجيز ١ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ و ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المحلّى ٩ : ٩٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ ، ١٩٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥.

٣٣٣

ثمّ نقضوا الأوّل(١) بالفرسان والرجّالة في الغنيمة ، مَن انفرد منهم استحقّ الكلّ ، وإذا اجتمعوا تفاضلوا ، وكذا أصحاب الديون إذا كان مَنْ عليه الدَّيْن ماله مثل أقلّ الديون ، والمعتقان استويا ؛ لأنّ العتق إتلاف النصيب الباقي ، وسبب الإتلاف يستوي فيه القليل والكثير ، كالنجاسة تقع في المائع ، وهنا يستحقّ بسبب الملك ، فافترقا(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الفرس كالفارس ، فلا تفاضل في الحقيقة ، والدَّيْن كالكسب الحاصل لأرباب الديون ، فكانوا فيه على قدر رؤوس أموالهم.

إذا ثبت هذا ، فإن قلنا : الشفعة على عدد الرءوس ، فلا بحث.

وإن قلنا : على قدر الأنصباء ، فلو كان لأحدهما النصفُ وللآخَر الربعُ والمبيع الربعُ ، استحقّ صاحب النصف ثلثي المبيع ، وصاحب الربع ثلثه ، فتقسّم الجملة من اثني عشر ، لصاحب النصف ثمانية ، ولصاحب الربع أربعة ، فقد صار لأحدهما الثلثان وللآخَر الثلث.

مسالة ٧٩٩ : إذا تزاحم الشركاء ، فالأقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يتّفقوا على الطلب ، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة البيع ، فتثبت بينهم الشفعة على عدد الأنصباء أو على عدد الرؤوس ، فلو كانت الدار بين أربعة بالسويّة باع أحدهم نصيبه ، كان للثلاثة الباقية أخذها بالشفعة ، فتصير الدار أثلاثاً بعد أن كانت أرباعاً.

الثاني : أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإمّا أن يكونوا بأجمعهم غُيّاباً أو بعضهم ، وعلى كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع التأخّر ؛ لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم ، فحكمهم حكم الحاضرين.

____________________

(١) أي القول الأوّل.

(٢) راجع المغني ٥ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٩١.

٣٣٤

وإن حضر بعضهم ، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصّةً.

إذا ثبت هذا ، فإن كان الحاضر واحداً أو قدم بعد غيبة الجميع ، فليس له أخذ حصّته فقط ؛ لما فيه من التبعيض ، والشفعة وُضعت لإزالته ، فلا تكون سبباً فيه. ولما فيه من تضرّر المشتري ، ولا يكلّف الصبر إلى حضور الغُيّاب ؛ لأنّه إضرار به وبالمشتري ، بل يأخذ الجميع ؛ لأنّ الحاضر هو المستحقّ للجميع بطلبه ، والغُيّاب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة ، فحينئذٍ إمّا أن يأخذ الحاضر الجميعَ أو يترك.

ولو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان ، تساويا في أخذ الجميع أو الترك.

الثالث : أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم ، فالطالبون بالخيار بين أخذ الكلّ أو تركه ولو كان الباقي واحداً ؛ لأنّ الشفعة إنّما تثبت بسوء المشاركة ومئونة القسمة ، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص ، لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. ولأنّ الشفعة إنّما تثبت لإزالة الضرر عنه ، وفي تبعيض الشقص إضرار بالمشتري ، فلا يزال الضرر بإلحاق ضررٍ.

مسالة ٨٠٠ : ليس للشفيع تشقيص الشفعة‌ ، بل إمّا أن يأخذ بالجميع(١) أو يترك الجميع ، لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.

إذا ثبت هذا ، فلو عفا عن بعض الشفعة ، سقطت شفعته ، كالقصاص ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : لا يسقط شي‌ء ، كعفوه عن بعض حدّ القذف.

____________________

(١) في « س ، ي » : « الجميع ».

٣٣٥

والثالث : يسقط ما عفا عنه ، ويبقى الباقي(١) .

قال الصيدلاني منهم : موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة ، فإن أبى وقال : خُذ الكلّ أو دَعْه ، فله ذلك(٢) .

وقال الجويني : هذه الأوجُه إذا لم نحكم بأنّ الشفعة على الفور ، فإن حكمنا به ، فطريقان : منهم مَنْ قطع بأنّ العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي ، ومنهم مَنْ احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي ، وطرّد الأوجُه(٣) (٤) .

إذا تقرّر هذا ، فنقول : إذا استحقّ اثنان شفعةً فعفا أحدهما عن حقّه ، سقط نصيب العافي ، ويثبت جميع الشفعة للآخَر ، فإن شاء أخذ الجميع ، وإن شاء تركه ، وليس له الاقتصار على قدر حصّته ؛ لئلّا تتبعّض الصفقة على المشتري ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه يسقط حقّهما - وهو اختيار ابن سريج - كالقصاص.

والثالث : لا يسقط حقّ واحد منهما تغليباً للثبوت.

والرابع : يسقط حقّ العافي ، وليس لصاحبه أن يأخذ إلّا قسطه ، وليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع(٥) .

هذا إذا ثبتت الشفعة لعددٍ ابتداءً ، ولو ثبتت لواحدٍ فمات عن اثنين فعفا أحدهما ، فهل له كما لو ثبتت لواحدٍ فعفا عن بعضها ، أم كثبوتها‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجه » بدل « الأوجه ». وما أثبتناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « الوجوه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٣٦

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعيّة وجهان(١) .

تذنيب : لو كان للشقص شفيعان فمات كلٌّ عن اثنين فعفا أحدهم عن حقّه ، فللشافعيّة وجوه :

أ - أنّه يسقط جميع الشفعة.

ب - يبقى جميع الشفعة للأربعة ؛ لبطلان العفو.

ج - يسقط حقّ العافي وأخيه خاصّةً ؛ لاتّحادهما في سبب الملك ، ويأخذه الآخَران.

د - ينتقل حقّ العافي إلى الثلاثة ، فيأخذون الشقص أثلاثاً.

ه- يستقرّ حقّ العافي للمشتري ، ويأخذ الثلاثة ثلاثةَ أرباع الشقص.

و - نتقل حقّ العافي إلى أخيه فقط(٢) .

وعلى ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه الوجوه.

مسالة ٨٠١ : لو مات عن اثنين وله دار ، فهي بينهما بالسويّة‌ ، فلو مات أحدهما وورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإنّ الشفعة تثبت لأخيه وعمّه - وبه قال الشافعي في الإملاء ، قال : وهو القياس ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والمزني(٣) - لأنّهما شريكان حال ثبوت الشفعة ، فكانت الشفعة بينهما ، كما لو ملك الثلاثة بسببٍ واحد.

وقال في القديم : أنّ أخاه أحقّ بالشفعة - وبه قال مالك - لأنّ الأخ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٤ - ١٨٥.

(٣) المغني ٥ : ٥٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٤ : ٩٤ - ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٧

أخصّ بشركته من العمّ ؛ لاشتراكهما في سبب الملك ، ولهذا لو قُسّمت الدار ، كانا حزباً والعمّ حزباً آخَر(١) .

ولا معنى(٢) للاختصاص ؛ لأنّ الاعتبار بالشركة لا بسببها. وأمّا القسمة فإنّ القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء : اثنان للعمّ ، ولكلّ واحد جزء ، كما يفعل ذلك في الفرائض.

فروع :

أ - لو قلنا : تختصّ بالأخ - كما هو أحد قولي الشافعي - لو عفا عن الشفعة ، ففي ثبوتها للعمّ عند الشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّها لا تثبت ؛ لأنّه لو كان مستحقّاً ، لما تقدّم عليه غيره.

والثاني : تثبت له ؛ لأنّه شريك ، وإنّما يُقدّم الأخ لزيادة قُرْبه ، كما أنّ المرتهن يقدَّم في المرهون على باقي الغرماء ، فلو أسقط حقّه ، أمسكه الباقون(٣) .

ب - هذا الحكم لا يختصّ بالأخ والعمّ ، بل في كلّ صورة مَلَكَ شريكان عقاراً بسببٍ واحد ، وغيرهما من الشركاء بسببٍ آخَر ، فلو اشترى نصف دار واشترى آخَران النَصف الآخَر ثمّ باع أحد الآخَرين نصيبه ، فهل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، الوسيط ٤ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣ ، المغني ٥ : ٥٢٤.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فلا معنى ». والظاهر ما أثبتناه حيث إنّه ردٌّ على الشافعي في قوله القديم.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٨ - ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٨

الشفعة للآخَر الذي يشاركه في الشراء خاصّةً ، أو لَه وللأوّل صاحب النصف؟ للشافعي قولان ؛ لاختلاف سبب الملك(١) .

وكذا لو ورث ثلاثة داراً فباع أحدهم نصيبه من اثنين وعفا الآخَر ثمّ باع أحد المشتريين نصيبه ، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخَر أم [ للكلّ ](٢) ؟ على القولين(٣) .

ج - لو مات صاحب عقار وخلّف ابنتين واُختين ، فالمال بأجمعه - عندنا - للبنتين.

وعند العامّة للبنتين الثلثان ، وللأختين الثلث.

فلو باعت إحدى الاُختين نصيبها ، فهل تثبت الشفعة لاُختها أو لها وللبنتين؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك مبنيّ على القولين اللّذين ذكرناهما ؛ لاختلاف سبب الملك.

والثاني : [ أنّهنّ يشتركن ](٤) في الشفعة قولاً واحداً ؛ لأنّ السبب واحد - وهو الميراث - وإن اختلف قدر الاستحقاق(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « للكلّ » : « لذلك ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٨ - ٣٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠٠.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّهم يشتركون ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٣.

٣٣٩

د - لو مات الرجل عن ثلاثة(١) بنين وخلّف داراً ثمّ مات أحدهم وخلّف ابنين فباع أحد العمّين نصيبه ، فهل يكون العمّ الآخَر أحقَّ بالشفعة ، أو يشترك هو وابنا(٢) أخيه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ ذلك على القولين.

والثاني : أنّهم يشتركون(٣) .

والفصل بين هذه وما تقدّم من مسألة الأخ والعمّ : أنّ هنا يقوم أبناء الميّت منهم مقام أبيهم ويخلفونه في الملك ، ولو كان أبوهم باقياً ، شارَك أخاه في الشفعة ، فلهذا شاركوه ، وفي مسألة الأخ والعمّ البائعُ ابن أخيهم ، وهُمْ لا يقومون مقام أخيهم ، وإنّما يقومون مقام أبيهم.

ه- إذا قلنا : إنّ الشفعة للجماعة ، قسّم بينهم إمّا على قدر النصيب أو على عدد الرؤوس.

فإن قلنا : إنّ الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره ، فلو عفا عن الشفعة ، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّها(٤) تثبت(٥) ؛ لأنّه شريكه ، وإنّما يقدَّم عليه مَنْ كان أخصّ بالبائع ، فإذا عفا ، ثبتت للشريك الآخَر ، كما لو قتل واحد جماعةً واحداً بعد واحد ، ثبت القصاص للأوّل ، فإذا عفا الأوّل ، ثبت القصاص للثاني ، كذا هنا(٦) .

مسالة ٨٠٢ : قد ذكرنا أنّه إذا قدم واحد من الأربعة وتخلّف اثنان وكان‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثلاث » وما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أنّه ». وما أثبتناه لأجل السياق.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا تثبت » بزيادة « لا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679