الاخوانيات
************
- قال مشيراً إلَى زيارة أحد أصدقائه في ليلةٍ هبَّت فيها عواصفٌ ورياح(١) (٢) :
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
سُعِدَتْ مِنْ عَشِيَّةٍ زَارَ فِيْهَا |
قَمَرُ الْمَجْدِ رَبْعَنَا فَأَضَاءَ |
|
وَأَظْنُّ الرِّيَاحَ قَدْ حَسَدَتْنَا |
فَهْيَ وَجْداً تَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ |
- وقال مخاطباً العلَّامة محمد حسن كبَّة(٣) (٤) :
[من الكامل والقافية من المتواتر]
يَا مَنْ لَوَيْتُ بهِ يَدَ الخَطْبِ |
وَبهِ ثَنَيْتُ طَلائِعَ الْكَرْبِ |
|
وَلَقِيْتُ حَدَّ الحَادِثَاتِ بهِ |
فَفَلَلْتُ ذَا غَرْبٍ بذِي غَرْبِ |
|
وَأَرِحْتُ آمَالِي بسَاحَتِهِ |
فَطَرَحْتُ ثُقْلَ الْهَمِّ عَنْ قَلْبي |
|
بُشْرَى (لِهَاشِمَ) حَيْثُ سَالَمَنِي |
فِيْكَ الزَّمَانُ، وَكَانَ مِنْ حَرْبي |
|
فَلْتَشْهَدُ الدُّنْيَا وَسَاكِنُهَا |
أَنِّي مَخَضْتُ لِخَيْرِهِمْ وَطَبي(٥) |
____________________
١- التخريج: العقد المفصل: ١/١٧٤، ٢/١٨
٢- وردت في (د) فقط.
٣- العلامة محمد حسن كبَّة (ت١٣٣٦ ه): ولد في الكاظمية، واشتغل بالتجارة ثم درس العلوم العربية حتى برع في قرض الشعر، هاجر إلى النجف وأخذ عن الشيخ أغا رضا الهمداني، والشيخ عباس الجصاني، ثم إلى سامراء فاتصل بالامام السيد ميرزا حسن الشيرازي، وبعد وفاته اتصل بخليفته الامام الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري، وقد أجازة في الفتوى ورواية الحديث. له (٦٠) مؤلفاً.
ينظر العقد المفصل للسيد حيدر الحلي: المقدمة: (ط)، وأعيان الشيعة ٢/٩٣.
- ذكر علي الخاقاني له ترجمة في النسخة (د) ١/٨٩. وترجم له صالح الجعفري في النسخة (ج) صفحة: ١٥.
٤- التخريج: العقد المفصل: ١/٢٠٤-٢٠٥
٥- الوَطْبُ: سِقاءُ اللبنِ (ينظر: لسان العرب: مادة وطب ١/٧٩٧).
وَبحَسْبهِمْ ذَمَّاً شَهَادَتُهَا |
أَنِّي بغَيْرِكَ لَمْ أَقُلْ حَسْبي |
|
أَنْتَ الَّذِي آبَاؤُهُ دَرَجُوا |
وَهُمُ حَلِيِّ عَوَاطِل الْحِقَبِ |
|
يَتَنَاقَلُوْنَ الْفَخْرَ بَيْنَهُمُ |
نَدْبٌ لَهُمْ يَرْوِيْهِ عَنْ نَدْبِ |
|
مَا زَالَ صَبٌّ بالعَلَاءِ لَهُمْ |
يَتَوَرَّثُ الْعَلْيَاءَ مِنْ صَبِّ(١) |
|
حَتَّى وَرِثْتَ عَظِيْمَ سُؤْدَدِهِمْ |
كَرَمَ الْغُيُوْثِ(٢) ، وَرِفْعَةَ الشُّهْبِ |
|
فَقَبَضَتَ عَنْ شَرَفٍ يَدَ الْجَدْبِ |
وَبَسَطْتَ عَنْ سَرَفٍ يَدَ الْخِصْبِ |
|
وَمَرَى مَكَارِمَكَ الثَّنَاءُ كَمَا |
يَمْرِي النَّسِيْمُ حَلائبَ السُّحْبِ(٣) |
|
طِبٌ بأَدْوَاءِ الأُمُوْرِ لَهَا |
(تَضَعُ الْهَنَاءَ مَوَاضِعَ النَّقْبِ)(٤) |
|
يَفْدِيْكَ كُلُّ أَخِي يَدٍ، هِيَ فِي |
خِصْبِ السِّنِيْنِ أَلِيْفَةُ الجَدْبِ |
|
لا بالْوَلُوْدِ وَلا الْلَبُوْنِ وَلا |
برَؤُوْمِ غَيْرَ الشُّحِّ مِنْ سَقْبِ(٥) |
|
مَنْ لَوْ عَصَبْتُ بَنَانَ رَاحَتِهِ |
بالسَّيْفِ مَا دَرَّتْ عَلَى العَصْبِ(٦) |
|
مَا الرِّيْحُ نَاعِمَةُ الهُبُوْبِ سَرَتْ |
سَحَراً عَلَى نُزْهٍ مِنَ العُشْبِ |
____________________
١- في (ب): عن صبِّ.
٢- الغُيُوث: جمع الغَيْثُ وهو الكَلأُ يَنْبُتُ من المـَطَر (ينظر: لسان العرب: ٢/١٧٥ مادة غيث).
٣- مرى: استخرج، يقال تَمْري الريح الساحب وتَمْتَريه، أي تَسْتَدِرُّه (ينظر: لسان العرب: ١٥/٢٧٧ مادة مرا).
٤- الشاعر يودع (يُضمِّن): عجز البيت لدريد بن الصمَّة قاله ضمن أبيات في الخنساء بنت عمرو وكان قد خطبها فردته، ثم رآها تهنأ بعيرا لها، وتمامه:
متبذلا، تبدو محاسنه |
يضع الهناء مواضع النقب |
ينظر: الوافي بالوفيات: ١٠/٢٤٠
٥- في (ب): برؤم.
- الرؤوم: العطوف (ينظر: لسان العرب: ١٢/٢٢٤ مادة رأم). السَّقْبُ: ولدُ الناقةِ (ينظر: لسان العرب: ١/٤٦٨ مادة سقب).
٦- العَصْبُ: من عصب الناقة، وذلك بشَدَّ فَخِذَيها أَو أَدْنى مُنْخُزَيها بحَبْل لتَدِرَّ (ينظر: لسان العرب: ١/٦٠٣ مادة عصب).
بأَرَقِّ مِنْكَ خَلائِقاً كَرُمَتْ |
مَمْزُوْجَةَ الصَّهْبَاءِ بالْعَذْبِ |
- وقال مخاطباً إيَّاه أيضاً(١) :
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
قَدْ جَنَى لِي الزَّمَانُ أَعْظَمَ ذَنْبٍ |
وَغَدَا عَنْهُ شَاغِلِي أَنْ يَتُوْبَا(٢) |
|
بخُطُوْبٍ يَقُوْلُ مَنْ قَدْ عَنَتْهُ: |
هَكَذَا تُفْحِمُ الْخُطُوْبُ الْخَطِيْبَا |
|
لَيْتَ شِعْرِي بمَا اعْتِذَارُ مُحِبٍّ |
قَدْ بَدَا مِنْهُ مَا يَسُوْءُ الْحَبيْبَا؟ |
|
فَتَأَمَّلْ فِي قِصَّتِي وَتَعَجَّبْ! |
أَفَهَلْ هَكَذَا رَأَيْتَ عَجِيْبَا؟(٣) |
|
أَنَا مُسْتَغْفِرٌ، وَقَدْ أَذْنَبَ الدَّهْـ |
ـرُ نَأَى مُعْرِضاً، وَجِئْتُ مُنِيْبَا(٤) |
|
فَتَجَاوَزْ بفَضْلِ صَفْحِكَ عَمَّنْ |
لِسِوَى الصَّفْحِ لَمْ يَجِئْ مُسْتَنِيْبَا |
|
ثُمَّ هَبْ لِي جِنَايَةَ الدَّهْرِ، يَا مَنْ |
لَمْ يَلِدْ مِثْلَكَ الزَّمَانُ وَهُوْبَا |
- وقال مخاطباً الحاج محمد حسن كبَّة أيضاً(٥) :
[من الكامل والقافية من المتدارك]
طَمَحَتْ إلَيْكَ فَمَا أَلَذَّ طِمَاحَهَا |
هَيْفَاءُ رَاضَ لَكَ الغَرَامُ جِمَاحَهَا(٦) |
|
وَحَبَتْكَ لِلتَّقْبيْلِ مِنْهَا وَجْنَةً |
تَحْمِي بعَقْرِبِ صُدْغِهَا تُفَاحَهَا |
____________________
١- التخريج: العقد المفصل: ١/٢٠٤ القطعة(١-٧) وفيها: البيت (١) فيه: وغدا منه شاغلي، والبيت (٦) وفيه: يجيء مستثيبا.
٢- في(ب): أن أتوبا.
٣- هذا البيت غير مذكور في(أ).
٤- في (أ): (الدهر فلا تك معرضاً).
٥- التخريج: العقد المفصل: ١/٢٥٥ القطعة كاملة (١-١٢).
٦- الطِّماحُ: مثل الجِماحِ وطَمَحَت المرأَة مثل جَمَحَتْ فهي طامح أَي تَطْمَح إِلَى الرجال (ينظر: لسان العرب: ٢/٥٣٤ مادة طمح).
خُوْطِيَّةُ(١) العِطْفَيْنِ ذَاتُ مُوَشَّحٍ |
مِنْهُ عَلَى غُصْنٍ تُدِيْرُ وِشَاحَهَا |
|
مَجْدُوْلَةٌ بَيْضَاءُ رَائِقَةُ الصِّبَا |
مَلَكَتْ عَلَ أَهْلِ الْهَوَى(٢) أَرْوَاحَهَا |
|
وَبمَسْقِطِ الْعَلَمِيْنِ غَازَلْتُ الدُّمَى(٣) |
فَعَلَقْتُهَا مَرْضَى الْعُيُوْنِ صِحَاحَهَا(٤) |
|
مِنْ كُلِّ صَاحِيَةِ(٥) الشَّمَائِل لَمْ يَزَلْ |
سُكْرُ الدَّلالِ بمَا يُطِيْلُ مَرَاحَهَا |
|
زَفَّتْ إلَيَّ كَخَدِّهَا عِنَبيَّةً |
خَضَبَتْ بلَوْنِ الرَّاحِ مِنْهَا رَاحَهَا |
|
وَتَرَوَّحَتْ ذَاتُ الأَرَاكِ بنَفْحَةٍ |
مِنْهَا فَشَاقَ عَبيْرُهَا مُرْتَاحَهَا |
|
وَإلَى (أَبي الْهَادِي)(٦) بَعَثْتُ بمِثْلِهَا |
فِي الْحُسْنِ مَا اسْتَجْلَى(٧) سِوَاهُ مَلاحَهَا |
|
لأَغَرَّ يُبْسِطُ فِي الْمَكَارِمِ رَاحَةٍ |
بَيْضَاءَ تَمْتَاحُ الْوَرَى مُمْتَاحَهَا(٨) |
|
بدُجَى حَوَادِثِهَا، وَعِنْدَ فَسَادِهَا |
تَلْقَاهُ مِصْبَاحَ الوَرَى مِصْلاحَهَا(٩) |
|
مَا اسْتُغْلقَتْ لِبَنِي الْمَكَارِمِ حَاجَةٌ |
إلَّا وَكَانَ بنَانُهُ مِفْتَاحَهَا |
____________________
١- الخوطية: من الخُوطُ وهو الغُصْنُ الناعِمُ (ينظر: لسان العرب: ٧/٢٩٧ مادة خوط).
٢- في (د): أهل الورى.
٣- مسقط العلمين: موضع، الدُّمَى: جمع دمية وهي الصورة (ينظر: لسان العرب: ١٤/٢٧١ مادة دمي).
٤- أخذ هذا المعنى من قول ابن ميادة:
ونظرن من خلل الستور بأعين |
مرضى مخالطها السقام صحاح |
خزانة الأدب: ٥/٢٤
٥- في (ب): صاحبة.
٦- أبو الهادي: هو ممدوح الشاعر العلامة مصطفى كبَّة.
٧- في (ب): ما استجلت.
٨- في (د): تمتاح الورى مصلاحها.
- يمتاح: مَتَح الدَّلْوَ يَمْتَحُها مَتْحاً إِذا جذبها (ينظر: لسان العرب: ٢/٥٨٨ مادة متح).
٩- هذا البيت لم يثبت في (د).
- وخاطب العلَّامة السيد ميرزا جعفر القزويني(١) قائلاً:
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
رَفَّ قَلْبُ الْمَشُوْقِ لا لِلْمِلاحِ |
بَلْ لِشَوْقٍ إلَيْكُمُ وَارْتِيَاحِ |
|
لَوْ مَلَكْتُ الْهَوَى لَطِرْتُ إلَيْكُمْ |
يَا جَنَاحِي وَأَيْنَ مِنِّي جَنَاحِي |
|
فِي نَوَاحِي الْفُؤَادِ أَنْتُمْ وَقَلْبي |
مَعَكُمْ سَاكِنٌ بتِلْكَ النَّوَاحِي |
|
وَإلَيْكُمْ(٢) مَهْمَا شَدَتْ ذَاتُ طَوْقٍ |
طَرَبَ الصَّبُ لا لِذَاتِ الوِشَاحِ |
|
يَا رُقُوْداً (ببَابلٍ) لا عَلِمْتُمْ |
كَيْفَ يُمْسِي أَخْوْ الْحَشَا الْمِرْتَاحِ |
|
كَمْ(٣) أَرَقْنَا إلَى الصَّبَاحِ وَلا وَاللهِ |
لَمْ أَعْنِ غَيْرَكُمْ مِنْ صَبَاحِ |
|
وَانْتَشَقْنَا الرِّيَاحَ نَطْلُبُ ذَرْواً |
مِنْ شَذَا، ذكْوَةٍ(٤) بجَيْبِ الرِّيَاحِ |
|
مَنْ لِعَيْنِي بطَلْعَةٍ هِيَ مِنْكُمْ |
طَلْعَةُ الْبشْرِ، طَلْعَةُ الأَفْرَاحِ |
|
مِنْ سَنَاكُمْ حُرِمْتُ حَتَّى بقَلْبي |
سَقْطَ شَوْقٍ رُزِقْتُ فِيْهِ اقْتِدَاحِي |
|
فَعَلى الْوَجْدِ مَا أَرَقَّ فُؤَادِي |
وَعَلَى البُعْدِ مَا أَشَقَّ اطَّرَاحِي |
|
نَضَحَتْ جَوَّكُمْ وَلَكِنْ بطَلٍّ |
مِنْ جُفُوْنِي نَدِيَّةُ الأَرْوَاحِ |
|
لِي (بفَيْحَائِكُمْ) عَلاقَةٌ ودٍّ |
مَا مَحَا خَطَّهَا مِنَ الْقَلْبِ مَا حِي |
____________________
١- السيد ميرزا جعفر القزويني: أبو موسى جعفر بن معز الدين المهدي بن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني الحلِّي مولداً ومنشأً ومسكناً، كان عالماً فقيهاً جليلاً مطاعاً لدى أهالي الحلِّة استقل بزعامة الحلة بعد هجرة أبيه إلى النجف توفي أول المحرم من عام ١٢٩٨ ه في حياة أبيه، فحمل على الرؤوس إلى النجف الأشرف.
البابليات ٢/١١٤، وشعراء الحلة: ١/١٣١-١٧٩ معجم المؤلفين: ٣/١٥١
٢- في (أ): فاليكم.
٣- في (ب): قد أرقنا.
٤- في (أ) و(ب)و (د): ذِكرة.
- ذكوة: اسم قرية، وقيل هي مأسدة في ديار قيس (ينظر: لسان العرب: ١٤/٢٨٩ مادة ذكا).
فَاخَرَتْ أَرْضُهَا السَّمَاءَ وَقَالَتْ: |
يَا سَمَا وَاجِبٌ عَلَيْكِ امْتِدَاحِي |
|
أَتُبَاهِيْنَ (بالضُّرَاحِ) وَعِنْدِي |
بَيْتُ مَنْ كَانَ فِيْهِ فَخْرٌ الضُّرَاحِ |
|
سَادَةٌ جُوْدُهُمْ تَبَطَّحَ مِنْ قَبْلُ |
فَسَادُوا بهِ (قَرَيْشِ) البطَاحِ |
|
وَكَفَاهُمُ (بجَعْفَرِ) الْجُوْدِ فَخْراً |
فِي عَلاً شَامِخٍ وَمَجْدٍ صُرَاحِ |
|
يَا زَعِيْمَ العُلَى وَنِعْمَ زَعِيْمٌ |
مِنْهُ تَأْوِي لِسَيِّدٍ جِحْجَاحِ |
|
مِلءَ عَيْنِ الدُّنْيَا مَثُلْتَ وَلَكِنْ |
بَيْنَ بُرْدَي تَكَرُّمٍ وَسَمَاحِ |
|
وَطَبَبْتَ الزَّمَانَ حَتَّى لَنَادَي: |
بكَ حَسْبي سَبَرْتَ غَوْرَ جِرَاحِي |
|
إنْ يَكُنْ فِي لَقَاكَ قَصَّرَ خَطْوِي |
فَلَقَدْ طَالَ فِي عُلاكَ امْتِدَاحِي |
|
لَكَ مِنِّي، كَمَا اقْتَرَحْتَ، وَلاءٌ |
مُوْجِبٌ لِي عَلَيْكَ نَيْلَ اقْتِرَاحِي |
- وقال مخاطباً العلَّامة محمد حسن كبَّة(١) :
[من الرجز والقافية من المتدارك]
عَيْشُكَ غَضٌّ وَالزَّمَانُ أَغْيَدُ |
وَطَرْفُ حُسَّادِكَ فِيْهِ أَرْمَدُ |
|
يَا لابسَ النَّعْمَاءِ هُنِّنئتَ بهَا |
مَلابساً كَسَاكَهُنَّ أَمْجَدُ |
|
أَقْبَحُ شَيءٍ أَنْ تَذُمَّ زَمَناً |
حَسْبُكَ فِيْهِ حَسَناً (مُحَمَّدُ) |
|
يَا أَعْيُنَ الوفَّادِ قَرِّي بفَتىً |
فِي مَطْلَعِ العَلْيَاءِ مِنْهُ فَرْقَدُ |
|
ذَاكَ الَّذِي كِلْتَا يَدَيْهِ لِجَّةٌ |
يَطِيْبُ لِلْعَافِيْنَ مِنْهَا الْمَوْرِدُ |
|
مُبَارَكُ الطَّلْعَةِ مَرْهُوْبُ الْحِمَى |
فِي بُرْدَتَيْهِ قَمَرٌ وَأَسَدُ |
|
مُوَقَّرُ الْمَجْلِسِ ذُو رَكَانَةٍ |
حُبْوَتُه عَلَى (شَمَامٍ) تُعْقَدُ |
|
بالْفَصْلِ فِي صَدْرِ النَّدِيِّ نَاطِقٌ |
كَأَنَّمَا لِسَانَهُ مُهَنَّدُ |
|
سَقِيْطُ طَلٍّ لَكَ مِنْ بَيَانِهِ |
أَوْ لُؤْلُؤٌ فِي سِلْكِهِ مُنَضَّدُ |
____________________
١- التخريج: العقد المفصل: ١/٢٦٤ القطعة كاملة (١-١٢).
رَوْضَةُ فَضْلٍ يَجْتَنِي رَائِدُهَا |
زَهْراً بطِيْبِ النَّشْرِ عَنْهُ يَشْهَدُ |
|
يُنْمَى لِقَوْمٍ فِي الزَّمَانِ خُلِقُوْا |
جَوَاهِراً يُزَانُ فِيْهَا الأَبَدُ |
|
هُمْ خَيْرُ مَنْ رَشَّحَهُ لِسُؤْوَدٍ |
مَجْدٌ وَأَزْكَى مَنْ نَمَاهُ مَحْتِدُ |
- وقال مراسلاً بعض اخوانه:
[من المتقارب والقافية من المتواتر]
إلَى مَنْ مَنَاقِبُهُ الزَّاهِرَاتُ |
بَدَتْ أنْجُماً فِي سَمَا الْفَضْلِ زُهْرَا |
|
فَتَىً وَرِثَ الْمَجْدَ مِنْ (هَاشِمٍ) |
فَكَانَ بهِ أَرْفَعَ النَّاسِ قَدْرَا |
|
فَأَخْلاقُهُ عَيْنُ مَاءِ الحَيَاةِ(١) |
بهَا صِرْتُ وَالْحَمْدُ للهِ خِضْرَا (ع) (٢) |
|
جَرَى قَلَمُ الْحُبِّ فِي مُهْجَتِي |
فَاثْبَتُّ فِيْهَا لَهُ الْوِدَّ سَطْرَا |
|
يُمَثِّلُهُ الشَّوْقُ فِي نَاظِرِي |
فَأَنْظُرُ مِنْهُ الْمُحَيَّا الأَغَرَّا |
____________________
١- عين ماء الحياة: يقال عنها أنها العين التي لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت، حتى الصيحة، طلبها ذو القرنين فلم يظفر بها ، وظفر بها الخضر.
ينظر: مستدرك سفينة البحار: ٧/٥٢٥
٢- الخضر(عليهالسلام ): اختلف في اسمه وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره، فقيل اسمه بليا، وقيل إلياس، وقيل: اليسع، وقيل عامر، وقيل خضرون، والأول أثبت واختلف في اسم أبيه فقيل ملكان، وقيل كليان، قيل عاميل، وقيل قابل، والأول أشهر وأما الزمن الذي ولد فيه فلا يجزم فيه بشئ إلا أننا نجزم بأنه كان حيا في عصر النبي موسى (عليهالسلام )، للحديث الصحيح الثابت في ذلك. وقيل يكون ابن عم جد إبراهيم (عليهالسلام ) وسبب تسميته بالخضر فقد روي عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.
ذكره الله تعالى في سورة الكهف بقوله:( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ) (الكهف/٦٥).
ينظر: القول العطر في نبوة سيدنا الخضر: ٤/١٣
أَرَاهُ قَرِيْباً بعَيْنِ الْهَوَى |
عَلَى بُعْدِهِ فَاحْييْهِ بَدْرَا |
|
هُمَامٌ تَضَوَّعَ مِنْ عِطْفِهِ |
عَبيْرُ نُهَيً طَبَّقَ الْكَوْنَ عِطْرَا |
|
لِذِكْرِكَ فَرَّغْتُ شَطْرَ الفُؤَادِ |
وَمِنْهُ الشَّوَاغِلُ يَمْلأْنَ شَطْرَا |
- وقال مجيباً صديقة الشاعر عبد الباقي العمري على قصيدته القافية التي مدحه بها من أجل تخميسه للقافية النبوية (١) :
[من الكامل والقافية من المتدارك]
بَاتَتْ تُرَوِّحَنِي بنَشْرِ عَبيْرِهَا |
بَيْضَاءُ تَطْوِي النَّيِّرَيْنَ بنُوْرِهَا |
|
وَجَلَتْ عَلَيَّ مُدَامَةً بمَفَاصِلِي |
مِنْهَا وَجَدْتُ فُتُوْرَ عَيْنِ مُدِيْرِهَا |
|
وَرَأَيْتُ شُعْلَةَ خَدِّهَا فِي كَأْسِهَا |
قَدْ أَوْجَسَتْهَا مُهْجَتِي(٢) بضَمِيْرِهَا |
|
فَرَنَتْ تُفَاكُهُنِي عَشِيَّةَ أَقْبَلَتْ |
بفِنُوْنِ دَلٍّ بُتُّ طَوْعَ غُرُوْرِهَا |
|
فَرَنَتْ بنَاظِرِتَيْ عَقِيْلَةِ رَبْرَبٍ |
بَكَرَتْ تَرِيْعُ إلَى نِطَافِ غَدِيْرِهَا |
|
وَدَنَتْ(٣) إلَيَّ وَأَسْفَرَتْ عَنْ وَجْنَةٍ |
حَسَداً تَمُوْتُ الشَّمْسُ عِنْدَ سُفُورِهَا |
|
وَصَفَتْ لِعَيْنِي فِي بَدَائِعِ حُسْنِهَا |
حُوْرُ الْجِنَانِ فَخِلْتُهَا مِنْ حُوْرِهَا |
|
ثُمَّ انْثَنَتْ غُنْجاً(٤) تَصُدُّ بمُقْلَةٍ |
سَرَقَتْ مِنَ الآرَامِ لَحْظَ غَرِيْرِهَا |
|
وَتَبَسَّمَتْ سِرّاً فَأَوْمَضَ بَارِقٌ |
لِعَذِيْبِ مَبْسَمِهَا قَضَى بسُرُوْرِهَا |
____________________
١- التخريج: العقد المفصل: ٢/٢٥-٢٦ الابيات (١-٥١) عدا الأبيات (٤، ٩، ١٠، ١١، ٢٢، ٢٥-٢٧، ٢٩، ٣٤-٣٧، ٤١) وفيها: البيت(٦) فيه: ودنت الي فأسفرت، البيت(٥) وفيه: ورنت بناظرتي، والبيت (١٢) وفيه: وتسترت، والبيت (١٥) فيه: ترجل جعدها بمرورها، والبيت (٤٧) وفيه: ان القوافي مابرحن، والبيت (٤٩) وفيه: خطام غرورها، والبيت (٥٠) وفيه: فله ذكور.
٢- في (أ): مقلتي.
٣- في (ب): ورنت.
٤- في (د): خجلاً.
فَأَضَاءَ لَيْلَةَ وَصْلِهَا حَتَّى غَدَتْ |
لا فَرْقَ بَيْنَ عَشِيِّهَا وَبُكُوْرِهَا |
|
فَتَغَيَّرَتْ خَوْفَ الرَّقِيْبِ، لِعِلْمِهَا |
بمَكَانِهَا مِنِّي، يَشِي لِغَيُوْرِهَا |
|
فَتَسَتَّرَتْ بضَفَائِرٍ لَوْ تَحْتَهَا |
سَرَتِ الْكَوَاكِبُ مَا اهْتَدَتْ لِمَسِيْرِهَا |
|
بَاتَتْ تُرَفْرِفُ بَيْنَ أَنْفَاسِ الصَّبَا |
وَتَضُوْعُ بَيْنَ وُرُوْدِهَا وَصُدُوْرِهَا |
|
حَتَّى لَقَدْ حَمَلَتْ شَذاً مِنْ عَرْفِهَا |
أَشْفَقْتُ تَعْرِفُهُ الْوَرَى بعَبيْرِهَا |
|
فَوَدَدْتُ أَقْطَعُ كَفَّ مَاشِطَةِ الصِّبَا |
كَيْ لا تُرَجِّلَ شَعْرَهَا بمُرُوْرِهَا |
|
وَلِئَنْ ضَنَنْتُ عَلَى النَّسِيْمِ بهَا فَلا |
عَجَبٌ وَلَوْ وَافَى بوَقْتِ هَجِيْرِهَا |
|
فَبمُقْلَتِي لَوْ لَمْ أَخِفْ إنْسَانَهَا |
لَحَجَبْتُهَا عَنْ لَحْظِ عَيْنِ سَمِيْرِهَا |
|
وَكَذَبْتُ مَا فِي الْعَيْنِ إنْسَانٌ وَلا |
فِي العَالَمِيْنَ صَغِيْرُهَا وَكَبيْرُهَا |
|
مِنْ أَيْنَ إنْسَانٌ لِعَيْنِي غَيْرُهَا |
وَالنَّاسُ غَيْرَ (أَبي الْحُسَيْنِ) أَمِيْرُهَا |
|
أَلَهَا أَمِيْرٌ فِي البَلاغَةِ غَيْرُهُ |
وَبهَا تَشِيْرُ إلَيْهِ كَفُّ مُشِيْرُهَا؟ |
|
وَلِئَنْ إلَيْهِ غَدَتْ تُشِيْرُ فَإنَّهَا |
مَا أَدْرَكَتْهُ بفِكْرِهَا لِقُصُوْرِهَا |
|
بَلْ عَيْنُ فِكْرَتِهَا رَأَتْ إنْسَانَ عَيْـ |
ـنِ زَمَانِهَا(١) فِي نُوْرِهِ لا نُوْرِهَا |
|
فَرَأَتْ مَنَاقِبَ مِنْهُ (فَارُوْقِيَّةً) |
مَا أَنْ تَزَيَّنِتِ السَّمَا بنَظِيرِهَا |
|
وَمَآثِراً (عُمَرِيَّةٍ) بقَلِيْلِهَا |
كَثُرَتْ عَدَادَ الشُّهْبِ لا بكَثِيْرِهَا |
|
وَخَلائِقاً رَشَفَتْ سُلافَتَهَا الْوَرَى |
فَغَدَتْ بهَا سَكْرَى لِيَوْمِ نُشُوْرِهَا |
|
هَيْهَاتَ بنْتُ الْكَرْمِ مِنْهَا إنَّهَا |
بنْتُ الْمَكَارِمِ قَدْ ذَكَتْ بعَبيْرِهَا(٢) |
|
مَحْلُوْبَةٌ مِنْ كَرْمِهَا مَشْمُوْلَةٌ(٣) |
بنَسِيْمِهَا مَمْزُوْجَةٌ بنَمِيْرِهَا(٤) |
|
نَفَحَتْ بعَارِفَةٍ عَلَيَّ خَطِيْرَةٍ |
قَدْ أَفْحَمَتْ مِنِّي لِسَانَ شُكُوْرِهَا |
____________________
١- في (د): زمانه.
٢- في (أ): لعبيرها.
٣- في(ب): مثمولة.
٤- في (ب): بعبيرها.
بَاتَتْ لَدَيَّ وَلَسْتُ أَكْفُرُهَا يَداً |
مَا لِلْغَمَامِ يَدٌ بَفِيْضِ غَزِيْزِهَا |
|
جَذَبَتْ بضَبْعِي فَارْتَقَيْتُ بهَا عَلَى |
هَامِ الْمَجَرَّةِ رَافِلاً بحَبيْرِهَا |
|
فَلَوْ انَّ أَعْضَائِي تَحَوَّلَ أَلْسُناً |
تُثْنِي عَلَيْهِ إلَى انْقِطَاعِ دُهُوْرِهَا |
|
بقَصَائِدٍ حَبَّاتُ قَلْبي لَفْظُهَا |
وَسَوَادُ أَحْدَاقِي مَدَادُ سُطُوْرِهَا |
|
مَا كُنْتُ أَبْلَغُ شُكْرَهُ فِيْهَا وَلَوْ |
أَنِّي مَلأَتُ الْكَوْنَ فِي تَحْرِيْرِهَا |
|
أَمْ كَيْفَ أَشْكُرُهُ الصَّنِيْعَةَ بالثَّنَا |
وَ مَتَى يَقُوْمُ حَقِيْرُهُ بخَطِيْرِهَا؟ |
|
مَعْ أَنَّهُ مُفْضٍ لِمَا لا يَنْتَهِي |
وَمِنَ الأُمُوْرِ بهِ ارْتِكَابُ عَسِيْرِهَا |
|
فَالْحَقُّ فِيْهِ أَنْ أُحَبِّرَ مِدْحَةً |
أَشْكُرْهُ فِي أُخْرَى عَلَى تَحْبيْرِهَا |
|
إذْ مِنْ مَعَادِنِ فَضْلِهِ نَظَّمْتُهَا |
وَبهِ اهْتَدَيْتُ إلَى التِقَاطِ شُذُوْرِهَا |
|
هُوَ ذَاكَ مُنْتَجَعُ الفَصَاحَةِ مُجْتَنَى |
ثَمَرِ البَلاغَةِ مُسْتَمَدُّ غَزيْرِهَا |
|
رَبُّ القَوَافِي السَّائِرَاتِ بَحَيْثُ لَمْ |
يَقْطَعْ (نِهَايَةَ) سَيْرِهَا (ابْنُ أَثِيْرِهَا)(١) |
|
وَكَمِىُّ مِزْبَرَةٍ تَرَى لُسُنَ الظُّبَى |
خُرْساً إذَا نَطَقَتْ بآيِ (زَبُوْرِهَا) |
|
لَوْ شَاءَ يَوْماً سَاقَ أرْوَاحَ العِدَى |
صِلةً لِمَوْصُوْلِ(٢) الرَّدَى بصَرِيْرِهَا |
|
مَنْ عَنْ لِسَانِ الرُّوْحِ أَصْبَحَ نَاطِقاً |
لا عَنْ لِسَانِ (لَبيْدِهَا) وَ (جَرِيْرِهَا)(٣) |
____________________
١- ابن الأثير (ت٦٠٦ه): المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجرزي (أبو السعادات)، محدث لغوي أصولي. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر. وانتقل إلى الموصل، فاتصل بصاحبها، فكان من أخصائه. من كتبة: (النهاية) في غريب الحديث.
ينظر: الأعلام: ٥/٢٧٢، معجم المؤلفين: ١٢/٧٩.
- البيت فيه توجيه باسم مؤلَّف مشهور لابن الأثير، وهو كتاب (النهاية).
٢- البيت فيه توجيه باستعمال المصطلحات النحوية.
٣- لبيد: لبيد بن ربيعة العمري، من أجلة الشعراء المخضرمين، من أصحاب المعلقات، أدرك الاسلام وارتضاه وترك الشعر، وسئل عن شعره فكتب سورة البقرة وقال أبدلني الاسلام بهذا من الشعر. ينظر: المعارف:٣٣٢، الأعلام: ٥/٢٤٠.
- جرير (ت١١٠ه): جرير بن عطية بن حذيفة الخطفَى من تميم: أشعر أهل عصره ولد ومات في اليمامة، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم وكان هجاءاً مراً=
بزَوَاهِرٍ نَجَمَتْ فَأَطْفَأَ ضَوْؤُهَا |
شُعَلَ النُّجُوْمِ الزُّهْرِ عِنْدَ ظُهُوْرِهَا |
|
وَكَأَنَّمَا طُبعَتْ بمِرْآةِ السَّمَا |
بَدَلَ الْكَوَاكِبِ شَكلَهُنَّ بنُوْرِهَا |
|
لَمْ يُنْشِهَا إلَّا عُقُوْداً، نَاثِراً |
لِنَظِيْمِهَا، أَوْ نَاظِماً لِنَثِيْرِهَا |
|
مَدْحاً يُفَصِّلِهُنَّ(١) مَا بَيْنَ الْوَرَى |
لِنَذيْرِهَا (الهَادِي) (ص) وَآلَ نَذِيْرِهَا |
|
حَيْثُ القَوَافِي مَا بَرِحْنَ فَوَارِكاً(٢) |
لَمْ تَمْنَحِ الشُّعَرَاءُ غَيْرَ نُفُوْرِهَا |
|
وَالْيَوْمَ قَدْ صَارَتْ طَرُوْقَةَ فَحْلِهَا |
مِنْهُ وَقَرَّ نَفَارُهَا بمَصِيْرِهَا |
|
مَسَكَتْ خِطَامَ قِيَادِهَا يَدَهُ وَهُمْ |
لَمْ يُمْسِكُوا إلَّا خِطَامَ غُرُوْرِهَا |
|
وَلَهُ ذُكُوْرُ الْلَفْظِ دُوْنَ إنَاثِهَا |
وَلَهُمْ إنَاثُ الْلَفْظِ دُوْنِ ذُكُوْرِهَا |
|
لا زَالَ مِنْهَا نَاظِماً مَا لَمْ يَدَعْ |
فَضْلاً لأَوَّلِهَا وَلا لأَخِيْرِهَا |
____________________
= فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل، وهو من أغزل الناس شعرا، وقد جمعت نقائضه مع الفرزدق في ثلاثة أجزاء.
ينظر:وفيات الأعيان: ١/٣٢١، تاريخ الإسلام: ٧/٤٠، الأعلام: ٢/١١٩، معجم المؤلفين: ٣/١٢٩.
١- في (د): (يُفَضِّلِهُنَّ).
٢- الفوارك: جمع الفارك وهي المبغضة. (ينظر: لسان العرب: ١٠/٤٧٤ مادة فرك)، أراد الشاعر أن يقول أن القوافي متنافرة.
- وقال مخاطباً فضيلَة السيد علي بن نعمان الآلوسي جواباً لإهدائه كتاب (درَّة الغواص):
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
(أَعَلِيٌّ) أَحَلَّكَ الذُّرْوَةَ الْعَلْـ |
ـياءِ عَيْصٌ مِنْ أَشْرَفِ الأَعْيَاصِ |
|
حُزْتَ أَقْصى الْكَمَال وَالْفَضْلِ حَتَّى |
بهِمَا سُدْتَ كُلَّ دَانٍ وَقَاصِ |
|
أَنْتَ بَدْرٌ وَتَمُّهُ لِكَمَالٍ |
وَتَمَامُ الْبُدُوْرِ لِلإنْتِقَاصِ |
|
لَمْ تَكُنْ مُتْحِفِي، وَمَجْدُكَ لَوْلاً |
أَنَّكَ الْبَحْرُ(دُرَّةُ الغَوَّاص) |
|
يَا بْنَ مَنْ لانْتِجَاعِ رَوْضِ الْمَزَايَا |
لَيْسَ إلَّا إلَيْهِ وَخْدُ القِلاصِ |
|
أَقْعَدَتْ عَنْ شَوَارِدِ النَّظْمِ فِكْرِي |
عِلَلٌ عِقْنَهُ عَنِ الاقْتِنَاصِ |
|
لَوْ يُبَارِحْنَنِي قَلِيْلاً لأَتْحَفْـ |
ـتُكَ مِنْهُ بالْمُطْرِبِ الرَّقَّاصِ |
|
غَيْرَ إنِّي أَقُوْلُ إذْ رَاضَ فِكْرِي |
مِنْ صِعَابِ القَرِيْضِ ذَاتُ اعْتِيَاصِ |
|
احْتَذَى اخْمَصَاكَ خَصْمَكَ يَا بْن النْـ |
ـنَفَرِ الْبيْضِ وَالْكِرَامِ الْخِمَاصِ |
|
قَدْ ضَرَبْتَ الْقِبَابَ فِي مَفْرَقِ الأَنْـ |
ـجُمِ فَاعْقِدْ أَطْنَابَهَا بالنَّوَاصِي |
|
وَأَقِمْ فِي سَلامَةٍ وَ حُبُوْرٍ |
رَافِهِ البَالِ مُسْتَطَابَ العِرَاصِ |
- وقال مخاطباً بعض الأشراف: [من الكامل والقافية من المتواتر]
أَهْدِي إلَيْكَ أَخَا الْفَخَارِ تَحِيَّةً |
رَقَتْ كَرِقَّةِ طَبْعِكَ الشَّفَّافِ |
|
وَافَتْكَ تَحْسِبُ أَنَّهَا دَارِيَّةٌ |
حَمَلَتْ شَذَاكَ لأَنْفِكَ الْمُسْتَافِ |
|
وَفْدُ السُّرُوْرُ بهَا لِتَهْنِئَةِ العُلَى |
فِيْمَا حُبيْتَ بهِ مِنَ الأَلْطَافِ(١) |
|
أَنْتَ الَّذِي عَكَفَ الثَّنَاءُ برَبْعِهِ |
وَأَطَافَ فِيْهِ الْحَمْدُ أَيَّ مَطَافِ |
|
شَهِدَتْ لَكَ (الْفَيْحَاءُ) أَنَّكَ زُدْتَهَا |
شَرَفاً لأَنَّكَ صَفْوَةُ الأشْرَافِ |
|
وَبهَا لَكَ انْتَهَتِ الرِّيَاسَةُ كُلُّهَا |
فَرَفِلْتَ فِي حَبَرَاتِهَا الأَفْوَافِ |
____________________
١- في (أ): البيت غير مثبت، وفي (ب): لتهنية العلى.
وَ بهَا قَدِمْتَ فَكَانَ أَيْمَنَ مَقْدَمٍ |
طَرَقَ العُدَاةَ بمُرْغِمِ الآنَافِ |
|
كَانَتْ أَمَانِي أَنْفَسٍ مَكْذُوْبَةٍ |
دَعَتِ الْحَسُوْدَ لِقِلَّهِ الإنْصَافِ |
- وقال مخاطباً بعض الأشراف:
[من البسيط والقافية من المتراكب]
بَقِيَّتِي هِيَ بَيْنَ الشَّوْقِ وَالأَرَقِ |
حَشاً تَذُوْبُ وَجَفْنٌ غَيْرُ مُنْطَبقِ |
|
قَدْ لَوَّنَ الدَّهْرُ دَمْعِي فِي تَلَوِّنِهِ |
فَانْهَلَّ مِنْ أَحْمَرٍ قَانٍ وَمِنْ يَقِقِ(١) |
|
وَقَيَّدَتْنِيَ عَنْ شَأْوٍ حَوَادِثُهُ |
وَقُلْنَ دُوْنَكَ وَالغَايَاتِ فَاسْتَبقِ |
|
فَكَيْفَ يَسْبقُ مَنْ كَانَ الزَّمَانُ لَهُ |
قَيْداً يُجَاذِبُهُ عَنْ رَسْنِهِ الغَلَقُ(٢) ؟ |
|
وَهَلْ يُؤَدِّي لِخِلٍّ حَقَ خِلِّتِهِ |
......................(٣) |
|
يَا مَنْ تُعَوِّذُهُ فِي كُلِّ شَارِقَةٍ |
أُمُّ السَّمَاحِ (برَبِّ النَّاسِ) وَ(الْفَلَقْ)(٤) |
|
عُذْراً فِدَاؤُكَ فِي طُرْقِ النَّدَى فِئَةٌ |
أَرَى الْمَكَارِمَ فِيْهِمْ وَحْشَةُ الطُّرُقِ |
|
مَا أَبْطَأَتْ عَنْكَ لا صَدّاً وَلا مَلَلاً |
آياتُ شَوْقٍ وَلا الأَعْرَاضُ مِنْ خُلُقِي |
|
وَكَيْفَ أَغْفَلُ حَقّاً أَنْتَ صَاحِبُهُ |
وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضاً لازِماً عُنُقِى |
____________________
١- اليَقَقُ: المتناهي في البياض (ينظر: لسان العرب: ١٠/٣٨٧ مادة يقق).
٢- الرَّسَنُ: هو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره(ينظر: لسان العرب: ١٣/١٨٠ مادة رسن).
٣- عجز البيت غير مثبت في المخطوطة ولا في باقي مصادر التحقيق.
٤- وهذا توجيه بأسماء سور القرآن الكريم.
- وقال وقد التسمه بعض الرؤساء أنْ يعملَ تلغرافاً إلى النقيب وهو في استانبول:
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
لَيْتَ مِنِّي نِيَاطَ قَلْبي لـ(قَسْطَنْـ |
ـطيْنَ)(١) يَمْتَدُّ(٢) مِنْ أَقَاصِي (الْعِرَاقِ) |
|
فَيُؤَدِّي(٣) إلَيْكَ أَضْعَافَ مَا أَدْ |
دَيْتَ بالتِّلْغِرَافِ مِنْ أَشْوَاقِي |
|
أَنْتَ بَدْرُ العُلَى فَمَا بَرِحَتْ فِيْـ |
ـكَ إلَيْنَا مُضِيئَةَ الآفَاقِ |
|
فَعَلَى البُعْدِ(٤) نَالَنَا مِنْكَ مَا نِلْـ |
ـنَا عَلَى القُرْبِ(٥) مِنْكَ بالإشْرَاقِ |
- وقال في كتاب كتبه لبعض الأكابر:
[من مجزوء الكامل والقافية من المتواتر]
قُلْ لِلنَّسِيْمِ وَقَدْ سَرَى |
سَحَراً بأَنْفَاسٍ رَقِيْقَهْ |
|
يَا مُشْبهاً عِنْدِي (أَبَا |
مَحْمُوْدِ) فِي طِيْبِ الْخَلْيقَهْ |
|
إحْمِلْ إلَيْهِ رِسَالَةً |
تَحَكِي سَجَايَاهُ الأَنِيْقَهْ |
|
مِنْ شَيِّقٍ(٦) فِي لُجَّةِ الأَشْـ |
ـوَاقِ مُهْجَتُهُ غَرِيْقَهْ |
|
وَلأَنْتَ وَالبَرْقُ ارْوِيَا(٧) |
عَنْ قَلْبِ وَامِقَةٍ(٨) خَفُوْقَهْ |
|
شَوْقاً لِحَضْرَتِهِ الَّتِي |
كُلُّ النُّفُوْسِ لَهَا مَشُوْقَهْ |
|
هُوَ فَرْعُ أَصْلٍ قَدْ غَدَتْ |
يُثْري(٩) عَلَى الْجَوْزَا عُرُوْقَهْ |
____________________
١- في (د): إلى قسطنطين.
٢- في (ب): تميد.
٣- في (ب): فتأدي.
٤- في (أ)و(د): البدر.
٥- في (أ)و (د): البعد.
٦- الصواب أن يقول: شائقٍ.
٧- في (د): ازويا.
٨- الوامق: المحب المتودد(ينظر: لسان العرب:١٠/٣٨٥ مادة ومق).
٩- في (ب): ثبرى
مِنْ دَوْحَةٍ فِي رَيِّ مَاءِ الْـ |
ـمَكْرُمَاتِ غَدَتْ وَرِيْقَهْ |
|
يَا مَنْ تَمَنَّى النَّجْمُ حِيْـ |
ـنَ سَمَا إلَى العَلْيَا لُحُوْقَهْ |
|
مَنْ ذَا لِمَجْدِكَ يَرْتِقِي |
وَسِوَاكَ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيْقَهْ؟ |
|
إنَّ الْكِرَامِ هُمُ الْمَجَا |
زُ وَأَنْتِ لِلْكَرِمِ الحَقِيْقَهْ |
- وقال مخاطباً الحاج محمد رضا كُبَّة (١) في ضمن كتاب(٢) :
[من المجتث والقافية من المتواتر]
يَا أَمْجَدَ النَّاسِ فَرْعَا |
يُنْمَى لأَكْرَمِ(٣) أَصْلِ |
|
وَقَاتِلَ الْمَحْلَ جُوْداً |
فِي كُلِّ أَزْمَةِ مَحْلِ |
|
وَابْنَ القِرَى وَلَعَمْرِي |
أَبُوْكَ زَادُ الْمُقِلِّ |
|
لايُسْتَشَارُ سِوَاهُ |
فِي كُلِّ عَقْدٍ وَحَلِّ |
|
وَالْمُوْقِدُ النَّارَ لَيْلاً |
لِلطَّارِقِ الْمُسْتَدِلِّ |
|
مَرْفُوْعَةً وَعَلَيْهَا |
مَرَاجِلُ الزَّادِ تَغْلِي |
|
يَمْتَدُّ مِنْهَا لِسَانٌ |
إلَى السَّمَا مُتَجَلِّي |
|
حَتَّى يَضِيءَ سَنَاهُ |
فِي كُلِّ حَزْنٍ وَسَهْلِ |
|
يَدْعُو الضُّيُوْفَ: هَلِمُّوا |
إلَى القِرَى، لِمَحَلِّي |
|
فَيَهْتَدِي بسَنَاهُ |
إلَيْهِ كُلُّ مُضِّلِّ(٤) |
|
أَكْرِمْ بهِ مِنْ كَرِيْمٍ |
لَهُ انْتَهَى كُلُّ فَضْلِ |
____________________
١- محمد رضا كُبَّة: هو ابن الحاج محمد صالح كبَّة توفي في حياة أبيه معقباً عبد الحسين وعبد العزيز.
ينظر: أعيان الشيعة ٢/٩٣
٢- التخريج: العقد المفصل: ٢/١٥٠-١٥١
٣- في (د): لأمجد.
٤- هو الضَّال أو المضَلَّل.
وَالْخُلْقُ مِنْكَ وَمِنْهُ |
مِثْلانِ فِي غَيْرِ مِثْلِ |
|
هَذَا مُجَاجَةُ(١) مِسْكٍ |
وَذَاكَ شَهْدَةُ نَحْلٍ |
|
يَفْدِي عُلاكَ ابْنُ خَفْضٍ |
سَاعٍ(٢) برِجْلِ ابْنِ ذُلِّ |
|
يَبْغِي العُلَى وَهْوَ شَيْخٌ |
هِمٌّ(٣) بهِمَّةِ طِفْلِ |
|
وَهَلْ تَنَالُ (الثُّرَيَّا) |
عَفْواً ببَاعٍ أَشَلِّ |
|
وَمَا لَهُ فِي طَرِيْقِ الْـ |
ـعُلْيَاءِ مَوْطِئُ رِجْلِ |
|
وَلا لَهُ حَوْضُ جُوْدٍ |
يُرْجَى لِعَلٍ وَنَهْلِ(٤) |
|
إلَّا حَقِيْقَةُ بُخْلٍ |
تَبْدُو بصُوْرَةِ بَذْلِ |
- وقال مخاطباً الحاج محمد حسن كبَّة ضمن كتاب (٥) :
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
فِيْ فَمِي لَمْ يَزَلْ لِذِكْرِكَ نَشْرُ |
طَيَّبٌ وَاخْتَبرْ بذَاكَ النَّسِيْمَا |
|
وَبمِرآةِ فِكْرَتِي لَمْ يَزَلْ شَخْـ |
ـصُكَ نَصْبُ العَيْنَيْنِ مِنِّي مُقِيْمَا |
|
وَعَلَى النَّحْرِ مِنْ عُلاكَ ثَنَائِي |
لَيْسَ يَنْفَكُّ عِقْدَهُ مَنْظُوْمَا |
|
لا تَظُنَّ البعَادَ يَحْجِبُ عَنِّي |
مِنْكَ ذَيَّالِكَ الْمُحَيَّا الْكَرِيْمَا |
|
فَوَشَوْقِي وَمَوْقِعُ الْوِدِّ مِنِّي |
قَسَماً لا أَرَاهُ إلَّا عَظِيْمَا(٦) |
|
أَنْتَ عِنْدِي بالذِّكْرِ أَحْضَرُ مِنْ قَلْبي |
بقَلْبي فَكُنْ بذَاكَ عَلِيْمَا |
____________________
١- مُجاجةُ الشيءِ: عُصارَتُه(ينظر: لسان العرب: ٢/٣٦٢ مادة مجج).
٢- في (د): سارٍ.
٣- الهمُّ: الشيخ الكبيرُ الفاني (ينظر: لسان العرب: ١٢/٦٢١ مادة همم).
٤- العَلُّ: الشَّرْبةُ الثانية(ينظر: لسان العرب:١١/٤٦٧ مادة علل)، النَّهْل: أَوَّل الشُّرْب (ينظر: لسان العرب: ١١/٦٨٠ مادة نهل).
٥- التخريج: العقد المفصل: ٢/١٤٧
٦- هذا البيت ورد في (د) فقط.
لَسْتُ أَقْوَى لِحَمْلِ عَتْبكَ يَا مَنْ |
حَمَلَتْ فَخْرَهُ الْمَعَالِي قَدِيْمَا |
|
فَاثْنِ عَنْ غَرْبِ عَتْبَكَ الْيَوْمَ عَنِّي |
فَبهِ قَدْ تَرَكْتَ قَلْبي كَلِيْمَا |
- وقال مخاطباً صديقة السيد ميرزا إسماعيل الشيرازي (١) وكان مريضاً:
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
يَا سَمِيَّ الَّذِي فَدَاهُ مِنَ الذَّبْـ |
ـحِ إلَهُ السَّمَا بذَبْحٍ عَظِيْمِ |
|
وَالْحَفِيْظَ الْعَلِيْمَ مَنْ فِي هُدَاهُ |
نَابَ عَنْ جَدِّهِ الْحَفِيْظِ العَلِيْمِ |
|
جِئْتُ يَا فَرْعَ (هَاشِمٍ) أَجْتَنِي مِنْـ |
ـكَ سَجَايَا طَابَتْ كَطِيْبِ(٢) الأَرُوْمِ |
|
فَعَدَتْنِي عَنِ الْمَرَامِ عَوَادٍ |
جَلَبَتْهَا يَدُ الزَّمَانِ الْلَئِيْمِ |
|
حَجَبَتْ بَيْنَنَا شَكَاتُكَ يَا بَدْ |
رُ فَكَمْ لِي مِنْ نَظرَةٍ فِي النُّجُوْمِ |
|
لَسْتَ أَنْتَ السَّقِيْمَ لَكِنَّ قَلْبي |
يَا شَفَاكَ الإلَهُ عَيْنَ السَّقِيْمِ |
____________________
١- إسماعيل الشيرازي (ت ١٣٠٤ه): أبو هادي السيد ميرزا إسماعيل بن الأمير السيد رضا بن السيد ميرزا محمد إسماعيل الشيرازي الحسيني، عالم شاعر فاضل. ولد في شيراز، وأخذ العلم عن ابن عمه ميرزا حسن الشيرازي وكان من أبرز تلامذته حتى كاد أن يتولى الزعامة من بعده لولا ريب المنون الذي عاجله، له صلة وثيقة بالسيد حيدر الحلي، توفي في سامراء ونقل إلى النجف ودفن في الصحن العلوي الشريف ورثاه جمع من الشعراء.
ينظر: علي في الكتاب والسنة والأدب: ٥/١٥
٢- في (ب): لطيب
- وقال يمدح العلَّامة الشيخ محمد حسن [آل ياسين] الكاظمي (١) :
[من الخفيف والقافية من المتواتر]
قَدَّمَتْكَ العُلَى وَ كُنْتَ الزَّعِيْمَا(٢) |
وَقُصَارَى رَجَائِهَا أَنْ تَدُوْمَا(٣) |
|
وَاسْتَنَابَتْكَ عَنْ أَكَارِمَ تَقْفُو |
هَدْيَهُمْ وَالْكَرِيْمُ يَقْفُو الْكَرِيْمَا |
|
لَمْ يَزُدْكَ التَّعْظِيْمُ مِنَّا جَلالاً |
إذْ لَدَى ذِي الجَلالِ كُنْتَ عَظِيْمَا |
|
لَكَ فَوْقَ الأَنَامِ طَوْدُ جَلال(٤) |
طَائِرُ الْوَهْمِ حَوْلَهُ لَنْ يَحُوْمَا |
|
مَا تَجَلَّى بهِ لَكَ الْحَقُّ إلَّا |
وَغَدَا يَصْعَقُ(٥) الحَسُوْدَ وُجُوْمَا |
|
فَالْعَجِيْبُ العُجَابُ أَنَّكَ (مُوْسَى) |
وَنَرَى مَنْ سِوَاكَ كَانَ الْكَلِيْمَا |
|
بَاسِطاً بالنَّدَى بَنَانَ يَدٍ بَيْـ |
ـضَاءَ لَمْ يَغْدُ طَرْفَةً مَضْمُومَا |
|
هِيَ شِكْلٌ لِلْجُوْدِ يَنْتُجُ دَأْباً |
وَسِوَاهَا قَدْ جَاءَ شِكْلاً عَقِيْمَا |
|
أَيُّهَا الْمُسْقِمُ الحَوَاسِدَ غَيْظاً |
بالنُّهَى كَمْ شَفَيْتَ فِكْراً سَقِيْمَا |
|
أَنْتَ لُطْفٌ لَكِنْ تَجَسَّمْتَ شَخْصاً |
فَغَدَا مَنُّكَ الجَسِيْمُ جَسِيْمَا |
|
كَمْ لِعَامٍ مَسَحْتَ وَجْهاً بأَنْدَى |
مِنْ وُجُوْهِ الغُرِّ الغَوَادِي أَدِيْمَا |
|
تِلْكَ رَاحٌ كَمْ رَوَّحَتْنَا وَكَفٌ |
كَمْ بهَا اللهُ كَفَّ عَنَّا الهُمُوْمَا(٦) |
|
عَلَّمَتْنَا هِيَ الثًّنَا فَانْتَقَيْنَا |
مِنْ مَزَايَا عُلاكَ دُرّاً يَتِيْمَا |
|
فَلَكَ الفَضْلُ إنْ نُظِمْنَا لأَنَّا |
مِنْكَ نَهْدِي إلَيْكَ عِقْداً نَظِيْمَا |
|
عَصَمَ اللهُ دِيْنَهُ بكَ، يَا مَنْ |
كَانَ مِنْ كُلِّ مَأْثَمٍ مَعْصُوْمَا |
____________________
١- مرت ترجمته في : ٤٧
٢- في (د): زعيما.
٣- في (أ): وفي (د): يدوما.
٤- في (ب): طود معال.
٥- في (د): يصفق.
٦- في (ب): الغموما.
لا أَرَى يَمْلُكُ الحَسُوْدُ سِوَى مَا |
إنْ عَدَدْناهُ كَانَ فِيْهِ ذَمِيْمَا |
|
بَصَراً خَاسِئاً وَكَفّاً أَشَلاً |
وَحَشَاً ذَاعِراً وَأَنْفاً رَغِيْمَا |
|
قَدْ تَقَلَّدْتَهَا إمَامَةَ عَصْرٍ |
سِدْتَ فِيْهَا الإمَامَ وَالْمَأْمُوْمَا |
|
قَدَّمَتْ مِنْكَ وَاحِدَ العَصْرِ يَا مَنْ |
عَادَ نَهْجُ الرَّشَادِ فِيْهِ قَوِيْمَا |
|
قَدَّمَتْ فِيْكَ ثَانِيَ الغَيْثِ كَفّاً |
ثَالِثَ النَّيِّرَيْنِ وَجْهاً وَسِيْمَا |
|
قَدَّمَتْ مِنْكَ يَا أَدَلَّ عَلَى اللهِ |
عَلِيْماً نَاهِيْكَ فِيْهِ عَلِيْمَا |
|
قَدَّمَتْ يَا أَجَسَّ لِلحُكْمِ نَبْضاً |
مِنْكَ طِبّاً بالْمُعْضِلاتِ حَكِيْمَا |
|
قَدْ نَظَرْنَا بكَ الأَئِمَةَ حِلْماً |
وَحِجَىً رَاسِخاً وَفَضْلاً عَمِيْمَا |
|
وَرَوَيْنَا فِي الدِّيْنِ عَنْكَ حَدِيْثاً |
مَا رَوَيْنَا فِي الدِّيْنِ عَنْكَ قَدِيْمَا |
|
بكَ مِنْهُمْ بَدَتْ مَنَاقِبُ غُرٍّ |
فِي سَمَاءِ الْهُدَى طَلَعْنَ نُجُوْمَا |
|
هِيَ طَوْراً تَكُوْنُ رُشداً لِقَوْمٍ |
وَلِقَوْمٍ تَكُوْنُ طَوْراً رُجُوْمَا |
|
فَأَقِمْ فِي عُلاً تَرَى كُلَّ آنٍ |
مَقَعَداً لِلْعَدُوِّ مِنْهَا مُقِيْمَا |
|
لَمْ يَكُنْ وِدُّنَا مَقَالاً عَلَكْنَاهُ |
كَمَا يَعَلِكُ الجَوَادُ الشَّكِيْمَا |
|
سَلْ وَجَدْنَاكَ حُجَّةَ اللهِ فِيْنَا |
فَنَهَجْنَا صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيْمَا |
|
وَلَنَا اليَوْمَ أَنْتَ فِي الأَرْضِ ظِلٌ |
وَغَداً نَسْتَظِلُّ فِيْكَ النَّعِيْمَا |
- وقال يمدحه أيضاً ويعزِّيه بوفاة ولديه الشيخ علي والشيخ باقر (١) :
[من الطويل والقافية من المتدارك]
إلَيْكَ وَقَدْ كَلَّتْ عَلَيْنَا العَزَائِمُ |
سَرَتْ بتَحِيَّاتِ الْمَشُوْقِ النَّسَائِمُ |
|
تَحَاكَمْنَ فِي دَعْوَى التَّفَوُّقِ بالشَّذَا |
إلَيْكَ وَكُلٌ طَيِّبَاتٌ نَوَاعِمُ |
|
وَلا مُدَّعٍ عَنِّي سِوَى خَالِصِ الهَوَى |
وَلا شَاهِدٌ إلَّا العُلَى وَالْمَكَارِمُ |
|
وَأَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّ خُلْقَكَ لَلَّتِي |
حَكَتْ طِيْبَهُ وَهْيَ التَّحِيَّاتُ حَاكِمُ |
|
أَمَا وَأَيَادٍ أَوْجَبَ الْمَجْدُ شُكْرَهَا |
بهَا لَمْ تَنُبْ عَنْ رَاحَتَيْكَ الغَمَائِمُ |
|
لأَنْتَ الَّذي مِنْهُ تُرَدُّ أُمُوْرُنَا |
إلَى عَالِمٍ مَا فَوْقَهُ اليَوْمَ عَالِمُ |
|
إلَى قَائِمٍ بالْحَقِّ دَاعٍ إلَى الهُدَى |
لَهُ اللهُ عَمَّا يَكْرَهُ اللهُ عَاصِمُ |
|
إلَى خَيْرِ أَهْلِ الأَرْضِ بَرّاً وَنَائِلاً |
وَأَكْرَمَ مَنْ تُثْنَى عَلَيْهِ الأَكَارمُ(٢) |
|
مَنَارُ هُدَىً لَوْلاهُ لاغْتَدَتِ الْوَرَى |
بمَجْهَلِ غَيٍّ ضَمَّهَا وَهْوَ قَاتِمُ |
|
وَسيْفُ هُدَىً يَمْحُو الضَّلالَةَ حَدُّهُ |
وَيَثْبُتُ مِنْهُ فِي يَدَ الدِّيْنِ قَائِمُ |
|
وَعَارٍ مِنَ الآثَامِ عَفٌّ ضَمِيْرُهُ |
وَكَأْسٌ مِنَ التَّقْوَى مِنَ الذِّكْرِ طَاعِمُ |
|
وَجَدْنَاهُ مَا يَأَتِي الزَّمَانُ بمِثْلِهِ |
وَهَلْ تَلِدُ الأَيَّامُ وَهْيَ عَقَائِمُ؟ |
|
فَتَىً أَظْهَرَ اللهُ العَظِيْمُ جَلالَهُ |
وَلَيْسَ لِمَا قَدْ أَظْهَرَ اللهُ كَاتِمُ |
|
وَشَادَ برَغْمِ الحَاسِدِيْنَ عَلاءَهُ |
وَلَيْسَ لِمَا قَدْ شَادَهُ اللهُ هَادِمُ |
____________________
١- في (د): القصيدة فيها تقديم وتأخير، فبعد البيت (١٦) يأتي سبعة عشر بيتاً من البيت (٣٤-٥٠) وبعدها يأتي البيت (١٧) وما بعده وتنتهي القصيدة بالبيت الذي أوله (تلقيتها بالحلم..وهو البيت رقم ٣٣).
- والبيت رقم (٤٨) ورد في النسخة (ب) فقط ولم يرد في (أ)ولا في (د).
٢- البّرُّ: مفرد أبْرارٌ وبررة، النائِل والنَّوَال: العَطاء ما نِلْت من معروف إِنسان (ينظر: لسان العرب: ١١/٦٨٣ مادة نول)، يقال تثنى عليه الأصابع أو تحنى عليه الأصابع وذلك من المعدودين بثني الأصابع لشرفهم ومكانتهم. (ينظر: لسان العرب: ١٤/٢٠٤ مادة حنا).
قائم على الباب ، فقلنا : أردنا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يخرج إليكم ، فخرج رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فسرنا إليه ، فاتكأ على علي بن أبي طالب ثمّ ضرب بيده منكبة ثمّ قال : «أنت (يا علي) أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى»(1) .
5 ـ روى النسائي في كتاب «الخصائص» أن عليا وزيدا وجعفر اختصموا في من يكفل ابنة حمزة ، وكان كل واحد منهم يريد أن يكفلها هو دون غيره فقال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لعلى : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»(2) .
6 ـ روى جابر بن عبد الله أنّه عند ما أمر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بسدّ جميع أبواب المنازل التي كانت مشرعة إلى المسجد إلّا باب بيت عليعليهالسلام ، قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي ، وإنّك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي»(3) .
هذه الموارد الستّة النّبي هي غير غزوة تبوك ، أخذناها برمتها من المصادر المعروفة لأهل السنّة ، وإلّا فإن هناك في الرّوايات المرويّة عن طريق الشيعة موارد أخرى قال فيها رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم هذه العبارة في شأن عليعليهالسلام أيضا.
من مجموع ذلك يستفاد ـ بوضوح وجلاء ـ أنّ حديث المنزلة لم يكن مختصا بغزوة تبوك ، بل هو أمر عام ودائم في شأن عليعليهالسلام .
ومن هنا يتّضح أيضا ـ أنّ ما تصوره بعض علماء السنّة مثل «الآمدي» من أن هذا الحديث يتكفل حكما خاصا في مجال خلافة عليعليهالسلام وأنّه يرتبط بظرف غزوة تبوك خاصّة ، ولا يرتبط بغيره من الظروف والأوقات ، تصوّر باطل أساسا ، لأنّ النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم كرّر هذه العبارة في مناسبات متنوعة ممّا يفيد أنّه كان حكما عاما.
__________________
(1) كنز العمال ، المجلد السّادس ، الصفحة 395.
(2) خصائص النسائي ، الصفحة 19.
(3) ينابيع المودة ، آخر باب 17 ، الصفحة 88 الطبعة الثّانية دار الكتب العراقية.
محتوى حديث المنزلة :
لو درسنا ـ بموضوعية وتجرّد ـ هذا الحديث ، وتجنّبنا الأحكام المسبّقة والتحججات الناشئة من العصبية ، لاستفدنا من هذا الحديث أنّ عليّاعليهالسلام كان له ـ بموجب هذا الحديث ـ جميع المنازل التي كانت لهارون في بني إسرائيل ـ إلّا النّبوة ـ لأنّ لفظ الحديث عام ، والاستثناء (إلّا أنّه لا نبيّ بعدي) يؤكّد هو الآخر هذه العموميّة ، ولا يوجد أيّ قيد أو شرط في هذا الحديث يخصصه ويقيّده.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يستفاد من هذا الحديث الأمور التالية :
1 ـ إنّ الإمام علياعليهالسلام أفضل الأئمّة بعد النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم كما كان لهارون مثل هذا المقام.
2 ـ إنّ عليا وزير النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ومعاونه الخاص وعضده ، وشريكه في قيادته ، لأنّ القرآن أثبت جميع هذه المناصب لهارون عند ما يقول حاكيا عن موسى قوله :( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1) .
3 ـ إنّه كان لعليعليهالسلام ـ مضافا إلى الأخوة الإسلامية العامّة مقام الأخوة الخاصّة والمعنوية للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم .
4 ـ إنّ عليّاعليهالسلام كان خليفة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومع وجوده لم يكن أي شخص آخر يصلح لهذا المنصب.
أسئلة حول حديث المنزلة :
لقد أورد بعض المتعصبين إشكالات واعتراضات على هذا الحديث والتمسك به لإثبات خلافة علي لرسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل.
__________________
(1) سورة طه ، 29 الى 32.
بعض الإشكالات والاعتراضات واهية جدا إلى درجة لا تصلح للطرح على بساط المناقشة ، بل لا يملك المرء عند السماع بها إلّا إن يتأسف على حال البعض كيف صدّتهم الأحكام المسبقة غير المدروسة عن قبول الحقائق الواضحة؟
أمّا البعض الآخر من الإشكالات القابلة للمناقشة والدراسة فنطرحها على بساط البحث تكميلا لهذه الدراسة : الإشكال الأوّل : إن هذا الحديث يبين ـ فقط ـ حكما خاصا محدودا ، لأنّه ورد في غزوة تبوك ، وذلك عند ما انزعج عليعليهالسلام من استبقائه في المدينة بين النساء والصبيان ، فسلّاه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بهذه العبارة : وعلى هذا الأساس كان المقصود هو : إنّك وحدك الحاكم والقائد لهذه النسوة والصبيان دون غيرك.
وقد اتضح الجواب على هذا الإشكال من الأبحاث السابقة ـ بجلاء ـ وتبيّن أنّه ـ على خلاف تصور المعترضين ـ لم يرد هذا الحديث في واقعة واحدة ، ولم يصدر في واقعة تبوك فقط ، بل صدر في موارد عديدة على أساس كونه يتكفل حكما كليّا ، وقد أشرنا إلى سبعة موارد ومواضع منها مع ذكر أسانيدها من مؤلفات علماء أهل السنة.
هذا مضافا إلى أنّ بقاء عليّعليهالسلام في المدينة لم يكن أمرا بسيطا يهدف المحافظة على النساء والصبيان فقط ، بل لو كان الهدف هو هذا ، لتيّسر للآخرين القيام به ، وإنّ النّبي لم يكن ليترك بطل جيشه البارز في المدينة لهدف صغير ، وهو يتوجه إلى قتال امبراطورية كبرى (هي إمبراطورية الروم الشرقية).
إنّ من الواضح أنّ الهدف كان هو منع أعداء الرسالة الكثيرين الساكنين في أطراف المدينة والمنافقين القاطنين في نفس المدينة ، الذين كانوا يفكرون في استغلال غيبة النّبي الطويلة لاجتياح المدينة قاعدة الإسلام ، ولهذا عمد رسول
اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن يخلف في غيبته شخصيّة قويّة يمكنه أن يحفظ هذا المركز الحساس ، ولم تكن هذه الشخصية سوى عليعليهالسلام .
الإشكال الثّاني : نحن نعلم ـ كما اشتهر في كتب التاريخ أيضا ـ أنّ هارون توفي في عصر موسىعليهالسلام نفسه ، ولهذا لا يثبت التشبيه بهارون أن عليّاعليهالسلام خليفة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بعد وفاتهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
ولعل هذا هو أهم إشكال أورد على هذا البحث والتمسك به ، ولكن جملة «إلّا أنّه لا نبي بعدي» تجيب على هذا الإشكال بوضوح ، لأنّه إذا كان كلام النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم الذي يقول : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، خاصا بزمان حياة النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لما كانت هناك ضرورة إلى جملة «إلّا أنّه لا نبي بعدي» لأنّه إذا اختص هذا الكلام بزمان حياة النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم لكان التحدث حول من يأتي بعده غير مناسب أبدا (إذ يكون لهذا الاستثناء ـ كما اصطلح في العربية ـ طابع الاستثناء المنقطع الذي هو خلاف الظاهر).
وعلى هذا الأساس يكشف وجود هذا الاستثناء ـ بجلاء ـ أنّ كلام النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ناظر إلى مرحلة ما بعد وفاته ، غاية ما هنالك ولكي لا يلتبس الأمر ، ولا يعتبر أحد عليّاعليهالسلام نبيّا بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّ لك جميع هذه المنازل ولكنّك لن تكون نبيّا بعدي.
فيكون مفهوم كلام النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم هو أن لك جميع ما لهارون من المناصب والمنازل ، لا في حياتي فقط ، بل أنّ هذه المنازل تظلّ مستمرة وباقية لك إلّا مقام النّبوة.
وبهذه الطريقة يتّضح أن تشبيه عليعليهالسلام بهارون ، إنّما هو من حيث المنازل والمناصب ، لا من حيث مدّة استمرار هذه المنازل والمناصب ، ولو أنّ هارون كان يبقى حيا لكان يتمتع بمقام الخلافة لموسى ومقام النّبوة معا.
ومع ملاحظة أنّ هارون كان له ـ حسب صريح القرآن ـ مقام الوزارة
والمعاونة لموسى ، وكذا مقام الشركة في أمر القيادة (تحت إشراف موسى) كما أنّه كان نبيّا ، تثبت جميع هذه المنازل لعليعليهالسلام إلّا النّبوة ، حتى بعد وفاة النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة عبارة (إلّا أنّه لا نبي بعدي).
الإشكال الثّالث : إنّ الاستدلال بهذا الحديث يستلزم أنّه كان لعليعليهالسلام منصب الولاية والقيادة حتى في زمن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في حين لا يمكن أن يكون هناك إمامان وقائدان في عصر واحد.
ولكن مع الالتفات إلى النقطة التالية يتّضح الجواب على هذا الإشكال أيضا ، وهي أنّ هارون كان له ـ من دون شك ـ مقام قيادة بني إسرائيل حتى في عصر موسىعليهالسلام ، ولكن لا بقيادة مستقلة ، بل كان قائدا يقوم بممارسة وظائفه تحت إشراف موسى. وقد كان عليعليهالسلام في زمان النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم معاونا للنّبي في قيادة الأمّة أيضا ، وعلى هذا الأساس يصير قائدا مستقلا بعد وفاة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
وعلى كل حال ، فإنّ حديث المنزلة الذي هو من حيث الأسانيد من أقوى الأحاديث والرّوايات الإسلامية التي وردت في مؤلفات جميع الفرق الإسلامية بلا استثناء ، إنّ هذا الحديث يوضح لأهل الإنصاف من حيث الدلالة أفضلية عليعليهالسلام على الأمّة جمعاء ، وأيضا خلافته المباشرة (وبلا فصل) بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
ولكن مع العجب العجاب أنّ البعض لم يكتف برفض دلالة الحديث على الخلافة ، بل قال : إنّه لا يتضمّن ولا يثبت أدنى فضيلة لعليّعليهالسلام وهذا حقّا أمر محيّر.
* * *
الآية
( وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) )
التّفسير
المطالبة برؤية الله :
في هذه الآيات والآيات اللاحقة يشير سبحانه إلى مشهد مثير آخر من مشاهد حياة بني إسرائيل ، وذلك عند ما طلب جماعة من بني إسرائيل من موسىعليهالسلام ـ بإلحاح وإصرار ـ أن يروا الله سبحانه ، وأنّهم لن يؤمنوا به إذا لم يشاهدوه ، فاختار موسى سبعين رجلا من قومه واصطحبهم معه إلى ميقات ربّه ، وهناك رفع طلبهم إلى الله سبحانه ، فسمع جوابا أوضح لبني إسرائيل كل شيء في هذا الصعيد.
وقد جاء قسم من هذه القصّة في سورة البقرة الآية (55) و (56) ، وقسم آخر
منه في سورة النساء الآية (153) ، وقسم ثالث في الآيات المبحوثة هنا في الآية (155) من هذه السورة.
ففي الآيات الحاضرة يقول أوّلا :( وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) .
ولكن سرعان ما سمع الجواب من جانب المقام الرّبوبي : كلا ، لن تراني أبدا( قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) .(1)
فلمّا رأى موسى هذا المشهد الرهيب تملكه الرعب إلى درجة أنّه سقط على الأرض مغمى عليه( وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ) .
وعند ما أفاق قال : ربّاه سبحانك ، أنبت إليك ، وأنا أوّل من آمن بك( فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) .
* * *
بحوث
وفي هذه الآية نقاط ينبغي التوقف عندها والالتفات إليها :
1 ـ لماذا طلب موسى رؤية الله؟
إنّ أوّل سؤال يطرح نفسه هنا هو : كيف طلب موسىعليهالسلام ـ وهو النّبي العظيم ومن أولي العزم ـ رؤية الله وهو يعلم جيدا أن الله ليس بجسم ، وليس له مكان ، ولا هو قابل للمشاهدة والرؤية ، والحال أن مثل هذا الطلب لا يليق حتى بالأفراد العاديّين من الناس؟
__________________
(1) «دك» في الأصل بمعنى سوّى الأرض ، وعلى هذا فالمقصود من عبارة «جعله دكّا» هو أنّه حطم الجبال وسواها كالأرض وجاء في بعض الرّوايات أنّ الجبل تناثر أقساما ، سقط كلّ قسم منه في جانب أو غار في الأرض نهائيا.
صحيح أنّ المفسّرين ذكروا أجوبة مختلفة على هذا السؤال ، ولكن أوضح الأجوبة هو أن موسىعليهالسلام طرح مطلب قومه ، لأنّ جماعة من جهلة بني إسرائيل أصرّوا على أن يروا الله حتى يؤمنوا (والآية 153 من سورة النساء خير شاهد على هذا الأمر) وقد أمر موسىعليهالسلام من جانب الله أن يطرح مطلب قومه هذا على الله سبحانه حتى يسمع الجميع الجواب الكافي ، وقد صرّح بهذا في رواية مرويّة عن الإمام علي بن موسى الرضاعليهالسلام في كتاب عيون أخبار الرضا أيضا(1) .
ومن القرائن الواضحة التي تؤيد هذا التّفسير ما نقرأه في الآية (155) من نفس هذه السورة ، من أنّ موسىعليهالسلام قال بعد ما حدث ما حدث :( أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا ) .
فيتّضح من هذه الجملة أنّ موسىعليهالسلام لم يطلب لنفسه مثل هذا الطلب إطلاقا ، بل لعلّ الرجال السبعين الذين صعدوا معه إلى الميقات هم أيضا لم يطلبوا مثل هذا الطلب غير المعقول وغير المنطقي ، إنّهم كانوا مجرّد علماء ، ومندوبين من جانب بني إسرائيل خرجوا مع موسىعليهالسلام لينقلوا فيما بعد مشاهداتهم لجماعات الجهلة والغافلين الذين طلبوا رؤية الله سبحانه وتعالى ومشاهدته.
2 ـ هل يمكن رؤية الله أساسا؟
نقرأ في الآية الحاضرة أنّ الله سبحانه قال لموسىعليهالسلام :( انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ) فهل مفهوم هذا الكلام هو أنّ الله قابل للرؤية أساسا؟
الجواب هو أن هذا التعبير هو كناية عن استحالة مثل هذا الموضوع ، مثل جملة (حتى يلج الجمل في سمّ الخياط) وحيث أنّه كان من المعلوم أنّ الجبل يستحيل أن يستقر في مكانه عند تجلّي الله له ، لهذا ذكر هذا التعبير.
__________________
(1) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثّاني ، الصفحة 65.
3 ـ ما هو المراد من تجلّي الله؟
لقد وقع كلام كثير بين المفسّرين في هذا الصعيد ، ولكن ما يبدو للنظر من مجموع الآيات أنّ الله أظهر إشعاعة من أحد مخلوقاته على الجبل (وتجلّي آثاره بمنزلة تجليه نفسه) ولكن ماذا كان ذلك المخلوق؟ هل كان إحدى الآيات الإلهية العظيمة التي بقيت مجهولة لنا إلى الآن ، أو أنّه نموذج من قوة الذرّة العظيمة ، أو الأمواج الغامضة العظيمة التأثير والدفع ، أو الصاعقة العظيمة الموحشة التي ضربت الجبل وأوجدت برقا خاطفا للأبصار وصوتا مهيبا رهيبا وقوّة عظيمة جدا ، بحيث حطّمت الجبل ودكّته دكّا(1) ؟!
وكأنّ الله تعالى أراد أن يرى ـ بهذا العمل ـ شيئين لموسىعليهالسلام وبني إسرائيل : الأوّل : أنّهم غير قادرين على رؤية ظاهرة جد صغيرة من الظواهر الكونية العظيمة ، ومع ذلك كيف يطلبون رؤية الله الخالق.
الثاني : كما أن هذه الآية الإلهية العظيمة مع أنّها مخلوق من المخلوقات لا أكثر ، ليست قابله للرؤية بذاتها ، بل المرئي هو آثارها ، أي الرجة العظيمة ، والمسموع هو صوتها المهيب. أمّا أصل هذه الأشياء أي تلك الأمواج الغامضة أو القوة العظيمة فلا هي ترى بالعين ، ولا هي قابلة للإدراك بواسطة الحواس الأخرى ، ومع ذلك هل يستطيع أحد أن يشك في وجود مثل هذه الآية ، ويقول : حيث أنّنا لا نرى ذاتها ، بل ندرك فقط آثارها فلا يمكن أن نؤمن بها.
فإذا يصح الحكم هذا حول مخلوق من المخلوقات ، فكيف يصح أن يقال عن الله تعالى : بما أنّه غير قابل للرؤية ، إذن لا يمكننا الإيمان به ، مع أنّه ملأت
__________________
(1) الصاعقة عبارة عن التبادل الكهربائي بين قطع الغيوم والكرة الأرضية ، فالسحب ذات الكهربية الموجبة عند ما تقترب إلى الأرض ذات الكهربية السلبية تندلع شرارة من بينهما يعني السطح المجاور من الكرة الأرضية ، وهي خطرة مدمرة في الغالب ، ولكن البرق والرعد ينشآن من التبادل الكهربائي بين قطعتين من السحاب أحدهما موجب ، والآخر سلبي ، وحيث أنّهما يحدثان في السماء لذلك لا يشكلان خطرا في العادة إلّا للطائرات. والسفن الفضائية.
آثاره كل مكان؟
وهناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية وهو أنّ موسىعليهالسلام طلب لنفسه هذا المطلب حقيقة ، ولكن لم يكن مقصوده مشاهدته بالعين التي تستلزم جسمانيته تعالى ، وتنافي نبوة موسىعليهالسلام ، بل المقصود هو نوع من الإدراك الباطني والمشاهدة الباطنية ، نوع من الشهود الكامل الروحيّ والفكري ، لأنّه كثيرا ما تستعمل الرؤية في هذا المعنى مثلما نقول : «أنا أرى في نفسي قدرة على القيام بهذا العمل» في حين أنّ القدرة ليست شيئا قابلا للرؤية ، بل المقصود هو أنّني أجد هذه الحالة في نفسي بوضوح.
كان موسىعليهالسلام يريد أن يصل إلى هذه المرحلة من الشهود والمعرفة ، في حين أن الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن ممكنا في الدنيا ، وإن كان ممكنا في عالم الآخرة الذي هو عالم الشهود.
ولكن الله تعالى أجاب موسىعليهالسلام قائلا : إنّ مثل هذه الرؤية غير ممكنة لك ، ولإثبات هذا المطلب تجلّى للجبل ، فتحطّم الجبل وتلاشى ، وبالتالي تاب موسى من هذا الطلب(1) .
ولكن هذا التّفسير مخالف لظاهر الآية المبحوثة هنا ، ويتطلب ارتكاب التجوّز من جهات عديدة(2) هذا مضافا إلى أنّه ينافي بعض الرّوايات الواردة في تفسير الآية أيضا ، فالحق هو التّفسير الأول.
__________________
(1) ملخص من تفسير الميزان ، المجلد الثامن ، الصفحة 249 إلى 254.
(2) فهو مخالف لمفهوم الرؤية ، ولإطلاق جملة «لن تراني» وجملة «أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا» هذا بغض النظر عن أن طلب الشهود الباطني ليس أمرا سيئا ليتوب منه موسى ، فقد طلب إبراهيم من الله مثل هذا المطلب في مجال المعاد أيضا ولبى الله طلبه.
ولو أن الجواب في مجال الشهود الباطني لله بالنفي لما كان دليلا على المؤاخذة والعقاب.
4 ـ مم تاب موسىعليهالسلام ؟
إنّ آخر سؤال يطرح نفسه هنا هو : أن موسىعليهالسلام بعد أن أفاق قال :( تُبْتُ إِلَيْكَ ) في حين أنّه لم يرتكب إثما أو معصية ، لأن هذا الطلب كان من جانب بني إسرائيل ، وكان طرحه بتكليف من الله ، فهو أدى واجبه إذن ، ثمّ إذا كان هذا الطلب لنفسه وكان مراده الشهود الباطني لم يحسب هذا العمل إثما؟؟
ولكن يمكن الجواب على هذا السؤال من جانبين :
الأوّل : أن موسى طلب مثل هذا الطلب بالنيابة عن بني إسرائيل ، ومع ذلك طلب من الله أن يتوب عليه ، وأظهر الإيمان.
الآخر : أنّ موسىعليهالسلام وإن كان مكلّفا بأن يطرح طلب بني إسرائيل ، ولكنّه عند ما تجلى ربّه للجبل واتّضحت حقيقة الأمر ، انتهت مدّة هذا التكليف ، وفي هذا الوقت لا بدّ من العودة إلى الحالة الأولى يعني الرجوع إلى ما قبل التكليف ، وإظهار إيمانه حتى لا تبقى شبهة لأحد ، وقد بيّن ذلك بجملة ، إني( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) .
5 ـ الله غير قابل للرؤية مطلقا
إنّ هذه الآية من الآيات التي تشهد بقوة وجلاء أنّ الله غير قابل للرؤية والمشاهدة مطلقا ، لأنّ كلمة «لن» حسب ما هو مشهور بين اللغويين للنفي الأبدي ، وعلى هذا الأساس يكون مفهوم جملة( لَنْ تَرانِي ) إنّك لا تراني لا في هذا العالم ولا في العالم الآخر.
ولو أنّ أحدا شكّك ـ افتراضا ـ في أن يكون «لن» للنفي التأبيدي يدل إطلاق الآية ، وكون نفي الرؤية ذكر من دون قيد أو شرط على أن الله غير قابل للرؤية في مطلق الزمان وجميع الظروف.
إنّ الأدلة العقلية هي الأخرى تهدينا إلى هذه الحقيقة ، لأنّ الرؤية تختص
بالأجسام.
وعلى هذا الأساس ، إذا جاء في الأحاديث والأخبار الإسلامية أو الآيات القرآنية عبارة «لقاء الله» فإن المقصود هو المشاهدة بعين القلب والعقل ، لأنّ القرينة العقلية والنقلية أفضل شاهد على هذا الموضوع وقد كان لنا أبحاث أخرى في ذيل الآية (102) من سورة الأنعام في هذا الصعيد.
* * *
الآيتان
( قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) )
التّفسير
ألواح التوراة :
وفي النهاية أنزل الله شرائع وقوانين دينه على موسىعليهالسلام .
ففي البداية :( قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي ) .
فإذا كان الأمر كذلك( فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .
فهل يستفاد من هذه الآية أن التكلم مع الله كان من امتيازات موسى الخاصّة به دون بقية الأنبياء ، يعني اصطفيتك لمثل هذا الأمر من بين الأنبياء؟
الحق أنّ هذه الآية ليست بصدد إثبات مثل هذا الأمر ، بل إن هدف الآية ـ بقرينة ذكر الرسالات التي كانت لجميع الأنبياء ـ هو بيان امتيازين كبيرين
لموسى على الناس : أحدهما تلقي رسالات الله وتحمّلها ، والآخر التكلّم مع الله ، وكلا هذين الأمرين من شأنهما تقوية مقام قيادته بين أمته.
ثمّ أضاف تعالى واصفا محتويات الألواح التي أنزلها على موسىعليهالسلام بقوله :( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ) .
ثمّ أمره بأن يأخذ هذه التعاليم والأوامر مأخذ الجد ، ويحرص عليها بقوة( فَخُذْها بِقُوَّةٍ ) .
وأن يأمر قومه أيضا بأن يختاروا من هذه التعاليم أحسنها( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ) .
كما يحذرهم بأن مخالفة هذه الأوامر والتعاليم والفرار من المسؤوليات والوظائف تستتبع نتائج مؤلمة ، وأن عاقبتها هي جهنم وسوف يرى الفاسقون مكانهم( سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ ) .
* * *
بحوث
ثمّ إن هاهنا نقاط عديدة ينبغي التوقف عندها والالتفات إليها :
1 ـ نزول الألواح على موسى
إنّ ظاهر الآية الحاضرة يفيد أن الله تعالى أنزل ألواحا على موسىعليهالسلام قد كتب فيها شرائع التوراة وقوانينها ، لا أنّه كانت في يدي موسىعليهالسلام ألواح ثمّ انتقشت فيها هذه التعاليم بأمر الله.
ولكن ماذا كانت تلك الألواح ، ومن أي مادة؟ إنّ القرآن لم يتعرض لذكر هذا الأمر ، وإنما أشار إليها بصورة الإجمال وبلفظة «الألواح» فقط ، وهذه الكلمة جمع «لوح» ، وهي مشتّقة من مادة «لاح يلوح» بمعنى الظهور والسطوع ، وحيث
أنّ المواضيع تتّضح وتظهر بكتابتها على صفحة ، تسمى الصفحة لوحا(1) .
ولكن ثمّة احتمالات مختلفة في الرّوايات وأقوال المفسّرين حول كيفية وجنس هذه الألواح ، وحيث إنّها ليست قطعية أعرضنا عن ذكرها والتعرض لها.
2 ـ كيف كلّم الله موسى؟
يستفاد من الآيات القرآنية المتنوعة أنّ الله تعالى كلّم موسىعليهالسلام ، وكان تكليم الله لموسى عن طريق خلق أمواج صوتية في الفضاء أو في الأجسام ، وربّما انبعثت هذه الأمواج الصوتية من خلال «شجرة الوادي الأيمن» وربّما من «جبل طور» وتبلغ مسمع موسى فما ذهب اليه البعض من أن هذه الآيات تدلّ على جسمانية الله تعالى جمودا على الألفاظ تصوّر خاطئ بعيد عن الصواب.
على أنّه لا شك في أن ذلك التكلّم كان من جانب الله تعالى بحيث أن موسىعليهالسلام كان لا يشك عند سماعه له في أنّه من جانب الله ، وكان هذا العلم حاصلا لموسى ، إمّا عن طريق الوحي والإلهام أو من قرائن أخرى.
3 ـ عدم وجوب جميع تعاليم الألواح
يستفاد من عبارة( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً ) أنّه لم تكن جميع المواعظ والمسائل موجودة في ألواح موسىعليهالسلام لأنّ الله يقول :( وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً ) وهذا لأجل أن دين موسىعليهالسلام لم يكن آخر دين ، ولم يكن موسىعليهالسلام خاتم الأنبياء ، ومن المسلّم أن الأحكام الإلهية التي نزلت كانت في حدود ما يحتاجه الناس في ذلك الزمان ، ولكن عند ما وصلت البشرية إلى آخر مرحلة حضارية للشرايع السماوية نزل آخر دستور إلهي يشمل جميع حاجات
__________________
(1) تفسير التبيان ، المجلد الرّابع ، الصفحة 539.
الناس المادية والمعنوية.
وتتّضح من هذا أيضا علة تفضيل مقام عليعليهالسلام على مقام موسىعليهالسلام في بعض الرّوايات(1) ، وهي أن علياعليهالسلام كان عارفا بجميع القرآن ، الذي فيه تبيان كل شيء( نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) في حين أنّ التوراة لم يرد فيها إلّا بعض المسائل.
4 ـ هل في الألواح تعاليم حسنة وأخرى غير حسنة؟
إنّ ما نقرؤه في الآية( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ) لا يعني أنّه كانت في ألواح موسى تعاليم «حسنة» وأخرى «سيئة» وأنّهم كانوا مكلّفين بأن يأخذوا بالحسنة ويتركوا السيئة ، أو كان فيها الحسن والأحسن ، وكانوا مكلّفين بالأخذ بالأحسن فقط ، بل ربّما تأتي كلمة «أفعل التفضيل» بمعنى الصفة المشبهة ، والآية المبحوثة من هذا القبيل ظاهرا ، يعني أن «الأحسن» هنا بمعنى «الحسن» وهذا إشارة إلى أن جميع تلك التعاليم كانت حسنة وجيدة.
ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر في الآية الحاضرة ـ أيضا ـ وهو أن الأحسن بمعنى أفعل التفضيل ، وهو إشارة إلى أنّه كان بين تلك التعاليم أمور مباحة (مثل القصاص) وأمور أخرى وصفت بأنّها أحسن منها (مثل العفو) يعني : قل لقومك ومن اتبعك ليختاروا ما هو أحسن ما استطاعوا ، وللمثال يرجحوا العفو على القصاص (إلّا في موارد خاصّة)(2) .
5 ـ في مجال قوله :( سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ ) الظاهر أن المقصود منها هو جهنم ، وهي مستقرّ كل أولئك الذين يخرجون من طاعة الله ، ولا يقومون
__________________
(1) للوقوف على هذه الرّوايات يراجع تفسير نور الثقلين ، المجلد الثّاني ، الصفحة 68.
(2) ويحتمل أيضا أن الضمير في «أحسنها» يرجع إلى «القوة» أو «الأخذ بقوة» وهو إشارة إلى أن عليهم أن يأخذوا بها بأفضل أنواع الجدية والقوة والحرص.
بوظائفهم الإلهية.
ثمّ إنّ بعض المفسّرين احتمل أيضا أن يكون المقصود هو أنّكم إذا خالفتم هذه التعاليم فإنكم سوف تصابون بنفس المصير الذي أصيب به قوم فرعون والفسقة الآخرون ، وتتبدل أرضكم إلى دار الفاسقين(1) .
* * *
__________________
(1) تفسير المنار المجلد التاسع الصفحة 193.
الآيتان
( سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) )
التّفسير
مصير المتكبرين :
البحث في هاتين الآيتين هو في الحقيقة نوع من عملية استنتاج من الآيات الماضية عن مصير فرعون وملئه والعصاة من بني إسرائيل ، فقد بيّن الله في هذه الآيات الحقيقة التالية وهي : إذا كان الفراعنة أو متمرّدو بني إسرائيل لم يخضعوا للحق مع مشاهدة كل تلك المعاجز والبينات ، وسماع كل تلكم الحجج والآيات الإلهية ، فذلك بسبب أنّنا نصرف المتكبرين والمعاندين للحق ـ بسبب أعمالهم ـ عن قبول الحق.
وبعبارة أخرى : إنّ الإصرار على تكذيب الآيات الإلهية قد ترك في نفوسهم وأرواحهم أثرا عجيبا ، بحيث خلق منهم أفرادا متصلبين منغلقين دون الحق ، لا يستطيع نور الهدى من النفوذ إلى قلوبهم.
ولهذا يقول أوّلا :( سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ ) .
ومن هنا يتّضح أنّ الآية الحاضرة لا تنافي أبدا الأدلة العقلية حتى يقال بتأويلها كما فعل كثير من المفسّرين ـ إنّها سنة إلهية أن يسلب الله من المعاندين الألدّاء توفيق الهداية بكل أشكاله وأنواعه فهذه هي خاصية أعمالهم القبيحة أنفسهم ، ونظرا لانتساب جميع الأسباب إلى الله الذي هو علّة العلل ومسبب الأسباب في المآل نسبت إليه.
وهذا الموضوع لا هو موجب للجبر ، ولا مستلزم لأي محذور آخر ، حتى نعمد إلى توجيه الآية بشكل من الأشكال.
هذا ، ولا بدّ من الالتفات ـ ضمنيا ـ إلى أنّ ذكر عبارة( بِغَيْرِ الْحَقِ ) بعد لفظة :
التكبر إنّما هو لأجل التأكيد ، لأنّ التكبر والشعور بالاستعلاء على الآخرين واحتقار عباد الله يكون دائما بغير حق ، وهذا التعبير يشبه الآية (61) من سورة البقرة ، عند ما يقول سبحانه :( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ) فقيد بغير الحق هنا قيد توضيحي ، وتوكيدي لأنّ قتل الأنبياء هو دائما بغير حق.
خاصّة أنّها أردفت بكلمة «في الأرض» الذي يأتي بمعنى التكبر والطغيان فوق الأرض ، ولا شك أنّ مثل هذا العمل يكون دائما بغير حق.
ثمّ أشار تعالى إلى ثلاثة أقسام من صفات هذا الفريق «المتكبر المتعنت» وكيفية سلب توفيق قبول الحق عنهم.
الأولى قوله تعالى :( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) إنّهم لا يؤمنون حتى ولو رأوا جميع المعاجز والآيات والثّانية ،( وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلاً ) والثّالثة إنّهم على العكس( وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ) .
بعد ذكر هذه الصفات الثلاث الحاكية برمتها عن تصلب هذا الفريق تجاه الحق ، أشار إلى عللها وأسبابها ، فقال :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ ) .
ولا شك أنّ التكذيب لآيات الله مرّة ـ أو بضع مرات ـ لا يستوجب مثل هذه العاقبة ، فباب التوبة مفتوح في وجه مثل هذا الإنسان ، وإنّما الإصرار في هذا الطريق هو الذي يوصل الإنسان إلى نقطة لا يعود معها يميّز بين الحسن والقبيح ، والمستقيم والمعوج ، أي يسلب القدرة على التمييز بين «الرشد» و «الغي».
ثمّ تبيّن الآية اللاحقة عقوبة مثل هؤلاء الأشخاص وتقول :( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) .
و «الحبط» يعني بطلان العمل وفقدانه للأثر والخاصية ، يعني أنّ مثل هؤلاء الأفراد حتى إذا عملوا خيرا فإنّ عملهم لن يعود عليهم بنتيجة (وللمزيد من التوضيح حول هذا الموضوع راجع ما كتبناه عند تفسير الآية 217 من سورة البقرة).
وفي ختام الآية أضاف بأن هذا المصير ليس من باب الانتقام منهم ، إنما هو نتيجة أعمالهم هم ، بل هو عين أعمالهم ذاتها وقد تجسمت أمامهم( هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ؟!
إنّ هذه الآية نموذج آخر من الآيات القرآنية الدالة على تجسّم الأعمال ، وحضور أعمال الإنسان خيرها وشرها يوم القيامة.
* * *