مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث36%

مباني نقد متن الحديث مؤلف:
تصنيف: علم الدراية
الصفحات: 215

مباني نقد متن الحديث المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 215 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68070 / تحميل: 9330
الحجم الحجم الحجم
مباني نقد متن الحديث

مباني نقد متن الحديث

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المقدّمة

بيان الموضوع:

المقصود من مباني النقد هو: المعايير والضَوابط الشرعيّة والعُقلائيَّة، الّتي اتَّفقَ عليها أكثر المُحدّثين والعُلماء، في تَقيِيم مَتن الحديث، والحُكم عليه بالضعف أو الوضع، بغضّ النظر عن نوعيّة السَند، وبغضّ النظر عن وجود توجيهٍ مقبول لهذا الحديث، أو لا.

وسوف يأتي معنى النَقْدِ في الفصل الأوّل.

أهميّة الموضوع وضَرورته:

تحتلُّ السُنّة أهميّة كبيرة في حياة المسلمين، ليس في المجال الفقهي فقط، بل في جميع شؤون الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ولهذا فقد تعرَّضت لهَجَمات مُتعدِّدَة من قبل الأعداء والأصدقاء، فنالَها التشويه وسوء الفَهم، والوَضْع، مّما استدعى بَذْل جهود حثيثة من قِبل العلماء للدفاع عن السُنّة، بتَنقِيَتها من التزييف والتزوير.

غيرَ أنّ المُحدِّثين أفرطوا بالنقد السَنَدي، على حساب نَقدِ المَتنِ، ولم يُبيِّنوا مَنهجهم ومبانيهم في نقد المَتن بصورة واضحة، ومُعظَم الكتابات الّتي دُوّنَت في الفترة الأخيرة فيما يخصّ المَتن - مع أهمِّيّتها وفائدتها -، لا تَتَعدّى ذكر هذه المباني، وبعض الإشارات إلى حدودها، مّما يتطلّب دراسة مُستقلّة لتنقيح هذه المباني، وتعيين حدودها.

ويأتي هذا البحث كخطوةِ أوّليّة في هذا الطريق، مّما يَستدعي خطوات أُخرى أكثر عُمقاً، واستحكاماً وتخصّصاً.

١

السَابِقة التاريخيّة:

ترجع جذور هذا البحث إلى زمن الصحابة وأئمّة أهل البيت (‏عليهم السلام)، حيث استخدموا بعض المعايير للحُكمِ على الحديث وردّه، وقد جَمع بعضُ العلماء الأحاديثَ الّتي استَدرَكَتها عائشة على الصحابة وسمّاها: (الإصابة فيما استَدرَكَته عائشة على الصحابة)، وهي الأحاديث الّتي نَقَدَتها عائشة ورَدَّتها؛ لمُخالَفة مُتونها لبعض المَباني.

إلاّ أنّ هذه المباني لم تكن واضحة في كتابات المُتَقدِّمين من المُحدِّثين، وكثيراً ما كانوا ينقدون الحديث من ناحية السَنَد، ويُعتبر ابن القَيّم هو أوّل من دَوَّن كتاباً مُستقلاًّ في هذا البحث، تحت عنوان: (المفاد المنيف في الصحيح والضعيف).

أمّا المحدّثون الّذين كتبوا في علم (مُصطَلَح الحديث)، فكانوا يتناولون هذا البحث تحت عنوان: (معرفة الحديث الموضوع من ناحية المتن).

أمّا في العَقدَين الأخيرين، فقد كَثرت المُؤلَّفات في هذا المجال، وسوف نُشير إلى أهمِّ الكُتب الّتي تناولتْ هذا الموضوع بصورة مُستقلِّة، منها:

١ - مَنهجُ نَقدِ المَتنِ عند علماء الحديث النبوي - صلاح الدين الأدلبي.

٢ - مَقاييس نقد متون السُنّة - مُسفر عزم الله الدميني.

٣ - نقد الحديث في علم الرواية والدِرايَة - حسين الحاج حسن.

٤ - جهود المُحدِّثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف - محمد طاهر الجوابي.

٥ - منهج النقد عند المُحدِّثين، مُقارناً بمَنهج النقد الغربي - أكرم ضياء العُمَري.

٦ - الحديث النبوي، بين الرواية والدراية - جعفر سبحاني.

٧ - نقد المتن، بين صِناعة المُحدِّثين ومَطاعِن المُستَشرِقين - نجم عبد الرحمن خلف.

وغيرها من المَقالات والكُتب في هذا المجال.

بالإضافة إلى الكتب الّتي تَناولتْ بالنقد كثيراً من متون الأحاديث، على ضوء بعض المباني، كما هو الحال في (الأخبار الدَخيلَة ومُستَدرَكاته)، وكتاب (الموضوعات في الآثار والأخبار) للعلاّمة هاشم معروف الحسني.

٢

  حُدود التَحقيق:

١ - الحدود الّتي تحت اختيار المُحقِّق:

تَنحصر هذه الدراسة بالبحوث التالية:

أ - نقد المُحتَوَى، وبذلك تخرج دراسة السَنَد عن حيِّز هذه الدراسة.

ب - المُراد بالنَقد هو: نَقد التقييم، وبذلك يخرج نقد التفسير.

ج - النظر إلى هذه الضوابِط باعتبار مُخالَفَتها للأحاديث، وبذلك تخرج البحوث الّتي تتناول دراسة الحديث بما هو مُوافِق لهذه المباني.

د - المُراد بهذه الدراسة هو: بحث المَباني المُشتَرَكَة، الّتي اتّفق عليها الفريقان، وبذلك تخرج المباني المُختصّة ببعضِ المذاهب.

٢ - الصعوبات الّتي هي خارج اختيار المُحقِّق:

أ - جِدَّة الموضوع، وعدم تنقيح مَبانيه، وعدم وجود دراساتٍ تَتَناول هذه النقطة بالذات.

ب - حساسيّة الموضوع؛ لأنّه يتناول حديث المعصوم (عليه السلام)، فقد يُحكَم على بعض الأحاديث الصحيحة سَنَداً بالضَعف - مثلاً -؛ لمُخالَفَتها لهذه المباني.

عِلماً بأنّ النقد لا يتوجّه إلى الحديث بما أنّه سُنّة معصومة، وإنّما يتوجّه إلى المُلابَسات الّتي أحاطّتْ بالسُنّة، من وضعٍ، أو تحريفٍ، أو فَهمٍ خاصٍّ.

ففي الحقيقة أنّ عمليّة النقد هي دفاع عن السُنّة، وليس تضعيف لها.

ج - تَشَعُّب الموضوع وتَفَرُّقه في مباحث كثيرة، تاريخيّة، أصوليّة، علميّة، و... مّما يستدعي الاطّلاع على كُتبٍ مُتخصِّصة للفريقين، في مجالات مُتعدّدة.

٣

الفَرضِيّة:

نفترض أنّ هناك مَعايير شرعيّة وعقلائيّة مقبولة لَدى الفريقين، يُمكن من خلالها نقد وتقييم متن الحديث.

الأُصول المَوضوعيَّة:

١ - القَبول بأحكام العقل العَمَلي، بالتَحسين والتقبيح العَقلِيَّين.

٢ - إمكانيّة الحصول على القطعِ من العِلم.

٣ - عدم وجود التعارض بين الوَحي والعِلم.

مَنهَج التحقيق:

تعتمد هذه الدراسة على المنهج النَقلِي، النَظَري، الوصفي، من حيث العَرْضِ والتفسير.

أمّا أُسلوب جمعِ المعلومات، فهو الاستفادة من المكتبات التَخصّصيّة في الفقه والأُصول والحديث، من كُتبِ الفريقَين، ثُمَّ تقسيم كلّ بحث إلى قِسمين:

١ - القِسمُ المَبنائِي : حيث نتناول فيه المِعيار وأهمّيّته، والاستدلال عليه، وحدوده.

٢ - ذكر بعض المَصادِيق ، من الأحاديث الّتي تُخالِف هذه المباني، ومن كُتب الفريقَين.

ما هو الجديد في هذه الدراسة؟

لابُدّ من النظر إلى هذا البحث كخطوة أوّليّة على الطريق؛ باعتبار جدِّة الموضوع وسِعَته، ومن الُمؤكَّد فإنّ الدراسات الآتية سوف تكون أكثر نُضجاً وإحكاماً.

ومع هذا يُمكن أن ندَّعي أنَّنا استطعنا أن نُقدِّم في هذا البحث ما يلي:

١ - تَنقِيح بعض المباني وتفصيلها، وخصوصاً في مسألة عَرضِ الحديث على القرآن.

٢ - أشرنا إلى بعض المباني الّتي لم يتناولها الباحثون، مثل: دراسة الحديث في ضوء المَباحِث اللُغويّة والبلاغيّة - وإن كان ذلك بنَحوٍ إجمالي -، وغير ذلك من المباحث، سواء كان ذلك من حيث تنقيح المباني، أو من خلال ذكر المصاديق.

٤

خطّة البحث:

تسير خطّة البحث على:

تقسيم مباحث هذه الرسالة إلى بابَين، يتكوَّن الباب الأوّل (الباب التمهيدي) من فصلَين:

تناولنا في الفصل الأوّل معنى النَقْدِ، وأسبابه، وأنواعه، ومناهجه، مع الإشارة إلى النقد التاريخي، واختلافه مع مَنهج نقد الحديث، لارتباطه بموضوع البحث.

أمّا في الفصل الثاني ، فقد قسَّمناه إلى قسمين: تناولنا في القسم الأوّل نقد المُحتَوَى عند الصحابة، وفي المَبحث الثاني نقد المحتوَى عند أهل البيت‏ (عليهم السلام)، وبذلك ينتهي الباب الأوّل.

أمّا الباب الثاني فقد قسَّمناه إلى ستّة فصول - حسب الضوابِط المذكورة في هذه الدراسة -:

فقد تناولنا في الفصل الأوّل عرض الحديث على القرآن، من حيث المَبنى والمصاديق.

وفي الفصل الثاني ، عرض الحديث على السُنّة، ثُمَّ عرض الحديث على التاريخ، العقل، العِلم القَطعِي.

وفي الفصل الأخير ، تناولنا الأحاديث الّتي لا تُشبِه كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقسّمناه إلى ثلاثة مباحث، وبذلك تنتهي هذه الدراسة.

٥

٦

٧

٨

٩

١٠

١١

١٢

١٣

١٤

البابُ الأوّل

المباحث التمهيديّة

١٥

١٦

تمهيد

المَبحث الأوّل: النقد في اللُغة والاصطلاح

النقد في اللُغة: النَقْد والتَنْقاد: تَمْيِيز الدَراهِم، وإخراج الزَيف منها، ونقدتُ لَهُ الدِرهَمَ وانتَقَدتُها: إذا أخرجتُ منها الزَيف.

وناقدتُ فلاناً: إذا ناقشتُه في الأمر.

ونَقَدَ الطائرُ الحَبَّ، يَنقُدهُ، إذا كان يَلقطهُ واحداً واحداً (٥) .

ونَقَدَ النثرَ، ونَقَدَ الشعرَ: أظهرَ ما فيهما من عَيب أو حُسن (٦) .

يتبيَّن من جميع استعمالات النقد، أنّها تعني: تمييز الجيِّد من الردي‏ء، يظهر ذلك من تَميِيز الدراهم، ونقد الطائر للحَبِّ؛ إذ أنّه يلتقط ما ينفعه ويَذر ما لا ينفعهُ.

ونَقْد الشخص، بمعنى المناقشة، تعني: تَقيِيم الرأي، وكشف ما به من خطأ أو اشتباه، وكذلك نقد الشعر والنثر، للكَشفِ عن مَحاسنه وسيِّئاته.

المعنى الاصطلاحي: وَرَدَتْ عدّة تعاريف للنقد لا تخرج عن معناه اللغوي، منها:

١ - نقد الحديث: هو العِلم الّذي يبحث في تمييز الأحاديث الصَحيحة من الضَعيفة، وبيان عِلَلِها، والحُكم على رُواتِها جَرحاً وتعديلاً، بألفاظٍ مَخصوصة، ذات

١٧

دلائل معلومة عند أهل الفنِّ (٧) .

ويُمكن الإشارة إلى عدّة نقاط في هذا التعريف:

(أ) يشمل التعريف نقد السَنَد بالإضافة إلى نقد المَتن؛ إذ أنّ تمييز الصحيح من الضعيف، قد يكون من حيث السَند أو المتن.

(ب) لم يُشِر التعريف إلى التعريف الأساس، المعتمد في تمييز الأحاديث، ويجعله قَيداً في التعريف.

(ج) قد يكون ضعف الحديث بسبب بعض العوامل الّتي تَكتَنِف الحديث، بسبب الغَفلة عن سبب الورود، أو التصحيف، النقل بالمعنى، أو بسبب عامل الوضع.

والنقد يشمل جميع هذه الموارِد، أي أنّه يشمل الأحاديث غير الصادرة أصلاً (الموضوعات)، أو الصادرة، ولكن اعترتها بعض المُلابَسات الّتي شوَّهت معناها.

٢ - عِلم نَقْدِ الحديث: وهو: الحكم على الرُواة تَجريحاً أو تعديلاً، بألفاظ خاصّة، ذات دلائل معلومة عند أهله، والنظر في متون الأحاديث الّتي صحَّ سَندها، لتصحيحها أو تضعيفها، ولرفع الإشكال عمّا بدا مُشكِلاً من صحيحها، ودفْع التعارض بينها، بتَطبيقِ مَقايِيس دقيقة (٨) .

ويُمكن ذكر الملاحظات التالية على هذا التعريف:

أ - اقتصر على نقد متن الروايات الّتي صحَّ سَندها، في حين أنّه يشمل الروايات الصحيحة والحسنة، بل والضعيفة أيضاً، لتَبيِين درجة الضعف، والحُكم على بعضِها بالوَضع.

ب - اعتبر رَفْعَ الإشكال والترجيح، ودَفْع التعارض بينها، نوع من النقد، وهو صحيح؛ إذ أنّ النقد تارة يُراد به تفسير النصِّ، وأُخرى تقييم النصِّ، وسوف نُحدِّد ونحصر دراستنا هنا بالمعنى الثاني، مع استبعاد النقد الّذي يرجع إلى الترجيح، ودَفْعِ التعارض بين الروايات.

هذا كلّه من حيث تعريف النقد بصورة عامّة، أمّا المراد من نقد

١٨

المُحتوَى، فيُمكن أن يُعرَّف بأنّه:

العلم الّذي يبحث في تمييز الأحاديث الصحيحة من السقيمة، وذلك بعَرْضِ محتوى الحديث على مقاييس شرعيّة وعُقلائيّة.

المبحث الثاني: أنواع النقد

هناك تقسيمات مُتعدِّدة للنقد، منها:

١ - النقد الخارجي والداخلي:

أ - النقد الخارجي (نقد السَنَد): وهو تصحيح أو تضعيف الرواية، من خلال الحُكم على رُواتها جَرحَاً وتعديلاً وضَبطَاً، ومن خلال اتّصال السَنَد أو عدمه.

وهذا يعني أنّ بحثهم عن الرواة يكون من خلال ثلاثة أمور:

أوّلاً - شخصيّة الرَاوِيَة وتَديّنه ومُستواه الخُلُقي، وهو ما يُسمَّى بالعدالة.

ثانياً - الدِقّة والإتقان في نَقلِ الحديث، وهو ما يُسمَّى بالضَبْطِ.

ثالثاً - اتّصال السَنَد أو انقطاعه.

ب - النقد الداخلي: وهو - كما ذكرناه سابقاً - ينطلق من خلال عَرضِ المحتوى على أُسسٍ شرعيّة وعُقلائيّة، أو من خلال مُقايَسَة الروايات مع الروايات الصحيحة الأُخرى، لمعرفة ما نَشَأ من وَهْم الرواة، من نفيٍ، أو زيادة معنى، أو غير ذلك مّما يُغيّر معنى الحديث.

٢ - نقد التصحيح، ونقد التفسير.

وهما نوعان من أنواع النقد، يَسبِقان عمليّة نَقد المُحتوى، فلا يُنتقَل إلى الثاني إلاّ بعد أن يَمرّ النقد بمَرحلتَين نقديَّتَين.

والمراد من نقد التصحيح هو: تصحيح المتن لُغويّاً، باستبعاد ما فيه من أغلاط سمعيّة وبَصَرِيّة، والمسلمون يُطلِقون على هذه العمليّة بـ (التَصْحِيفِ والتَحْرِيف).

فالحديث المُصَحَّف: هو الّذي غُيِّرَتْ فيه النُقط، مع الحفاظ على الشكل.

والمُحَرَّف: هو ما غُيِّر فيه الشَكل - هَيئة الكَلِمة - مع بقاءِ الحروف (٩) .

أي تصحيح

١٩

الحديث مّما فيه من أغلاط سمعيّة وبَصَرِيّة، وهذه هي أُولى خطوات النقد، وغاية ما يُستفاد منها أنّ النصَّ أصبحَ خالياً من الأخطاء.

ثُمَّ تأتي المرحلة الثانية من النقد، وهي مرحلة نقد التفسير، وهي تَتكوّن من مرحلتين:

١ - شرح ما يُوجَد في النصِّ من مُفردات غريبة، وهو ما يُطلَق عليه في علم الحديث (غريب الحديث).

٢ - تحليل مفهوم النصِّ وفَهْم دلالته، واستنباط الأحكام منه، من خلال فَهمِ سياق الحديث ومُلابساته، وأسباب وروده، وغيرها من الأمور الّتي تُعِين في فَهْمِ النصّ.

٣ - أنواع نَقدِ المُحتَوى (النقد الخارجي).

وينقسم نقد المُحتوى إلى قِسمين:

أ - تَقيِيم النصِّ، ومعرفة صحيحه من سَقيمِه، بعرضِ المُحتوى على بعض المعايير، والحُكم عليه من خلال موافقته لهذه الضوابط، وغاية ما يُستَفاد من حاصل هذه العمليّة، صحّة مُتَضَمَّن الخبر لا صحّته في نفسه، قال الشيخ الطوسي: فهذه القرائن كلّها [ كتاب، سُنّة، عقل ] تدلّ على صحّة مُتَضمَّن أخبار الآحاد، ولا يدلّ على صحّتها أنفسِها؛ لِما بيَّنّاه من جواز أن تكون مصنوعة، وإن وافَقَت هذه الأدلّة) (١٠) .

ب - تقييم النصِّ والحُكم عليه، من خلال عرضه على بعض الضوابط، والنظر إليه بما هو مُخالِف لهذه المعايير، ومفهوم المُوافَقة غير مفهوم المُخالَفة، وحاصل هذه العمليّة ردّ الحديث وعدم القبول به، وهذا ما نُريده في بحث نقد المُحتَوى.

المبحث الثالث: صحّة الحديث من حيث السَنَد والمَتْن

يُمكن حصر علاقة السَنَد بالمَتن بأربع حالات:

١ - أن يصحّ السَنَد والمَتن معاً.

٢ - أن يضعف السَنَد والمَتن معاً.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

القسم السابع

الأحاديث الواردة عنهمعليهم‌السلام في

أن ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت، أنهمعليهم‌السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بأنّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبوله في أدناه، موسّع في أقصاه»(1) .

وقالعليه‌السلام : «أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول:( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) وقال:

__________________

(1) نهج البلاغة 44 | 1.

٤١

( فيه تبيان لكل شيء ) وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه:( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به»(1) .

وعن الريان بن الصلت قال: «قلت للرضاعليه‌السلام يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

فقال: كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا»(2) .

وجاء فيما كتبه الإمام الرضاعليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين:

«وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأنه المهيمن على الكتب كلّها، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله»(3) .

وعن علي بن سالم عن أبيه قال: «سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

__________________

(1) نفس المصدر 61 / 18.

(2) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 57. الأمالي 546.

(3) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 130.

٤٢

فقال: هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) »(1) .

(3)

قول عمر بن خطاب: حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته - فيهم عمر بن الخطاب - قال: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، وفي لفظ آخر: إئتوني بالكتف والدواة - أو: اللوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع(2) ، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.

وفي لفظ آخر: فقالوا: إنّ رسول الله يهجر. - من دون تصريح

__________________

(1) الأمالي: 545.

(1) قال سيدنا شرف الدين: «وقد تصرّفوا فيه: فنقوله بالمعنى، لأنّ لفظه الثابت: إنّ النبي يهجر. لكنهم ذكروا أنّه قال: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، تهذيباً للعبارة، واتقاء فظاعتها ...» النصّ والإجتهاد: 143.

٤٣

باسم المعارض -!

فاختلف الحاضرين، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر!

فلما أكثروا ذلك عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم: قوموا عنّي(1) .

وليس نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل على كلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد، إلى يوم القيامة، حتى أنّ ابن عباس كان يقول - فيما يروى عنه -:

«يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم يبكي(2) .

وكان رضي الله عنه يقول:

«إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابه»(3) .

وإنّما نريد الإستشهاد بقوله: «إن عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله» الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك، ويدل على ذلك أنّه لم يعترض عليه أحد - لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً، ولا من غيرهم - بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابة الكتاب.

__________________

(1) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام، تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

(2) صحيح البخاري 2: 118.

(3) نفس المصدر ج 1 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

٤٤

(4)

الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن: إجماع العلماء في كل الأزمان كما في كشف الغطاء وفي كلام جماعة من كبار العلماء، وهو ظاهر كلمة «إلينا» أي «الإمامية» في قول الشيخ الصدوق «ومن نسب إلينا فهو كاذب».

وقال العلاّمة الحلّي: «واتّفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواتراً من القرآن، فهو حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر، ليحصل القطع بنبوّته في أنّه المعجزة له. وحينئذ لا يمكن التوافق على ما نقل مما سمعوه منه بغير تواتر، وراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ والإجماع دلّ على وجوب إلقائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عدد التواتر، فإنه المعجزة الدالّة على صدقه، فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته، فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته»(1) .

وقال السيّد العاملي: «والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّة، لتوفّر الدواعي على نقله من المقر لكونه أصلاً لجميع الأحكام، والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً. فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام»(2) .

وقال الشيخ البلاغي: «ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين

__________________

(1) نهاية الوصول - مبحث التواتر.

(2) مفتاح الكرامة 2: 390.

٤٥

 عامة المسلمين جيلاً بعد جيل، استمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القراء السبع المعروفين وغيرهم»(1) .

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين، أمّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصومعليه‌السلام (2) بل عدم النقصان من الضروريّات كما في كلام السيد المرتضى، وقد نقل بعض الأكابر عباراته ووافقه على ما قال.

 (5)

تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته، وحروفه وكلماته، وآياته وسورة، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام عن جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

فهم يعتقدون بأن هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا زيادة ولا نقصان. قال الصّدوق: «إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ...».

__________________

(1) آلاء الرحمن - الفصل الثالث من المقدمة.

(2) يراجع بهذا الصدد كتب اصول الفقه.

(3) أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

٤٦

(6)

إعجاز القرآن

ومن الأدلّة على عدم التحريف هو: أنّ التحريف ينافي كون القرآن معجزاً، لفوات المعنى بالتحريف، لأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى، ومن المعلوم أنّ القرآن معجز باق.

وهذه عبارة «بشرى الوصول» في الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها على عدم تحريف القرآن.

وقد جاءت الإشارة إلى هذا الوجه في كلام السيد المرتضى حيث قال في استدلاله: «لأنّ القرآن معجزة النبوّة» وفي كلام العلاّمة الحلّي:

«إنّ القول بالتحريف يوجب التطرّق إلى معجزة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة بالتواتر».

وفي كلام كاشف الغطاء: «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ...».

٤٧

 (7)

صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على اعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم: صلاتهم، لأنّهم يوجبون قراءة سورة كاملة(1) . بعد الحمد في الركعة الاولى والثانية(2) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة، ولا يجوز عند جماعة كبيرة منهم القران منهم القران بين سورتين(3) .

قال السيد شرف الدين:

«وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هي عليه الآن، وإلاّ لما تسنّى لهم هذا القول»(4) .

__________________

(1) أجوبة مسائل جار الله، وهذا هو المشهور بين الفقهاء، بل ادّعى جماعة عليه الإجماع، أنظر مفتاح الكرامة 2: 350.

(2) أما في الثالثة والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً، وإن اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

(3) جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من قدعاء الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي (الضحى وألم نشرح) وسورتي (الفيل والأيلاف) من هذا الحكم، مصرّحين بوجوب قران كل سورة منها بصاحبتها. أنظر مفتاح الكرامة 2: 385.

(4) أجوبة مسائل جار الله: 28.

٤٨

(8)

كون القرآن مجموعاً على عهد النبي (ص)

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدل على ذلك من الأخبار في كتب الفريقين، ومن ذلك أخبار أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقراءة القرآن وتدبّره وعرض ما يروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقد تقدم بعضها، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده، وتلوه، وحفظوه، يجد أسماءهم من راجع كتب علوم القرآن، وإنّ جبرئيل كان يعارضهصلى‌الله‌عليه‌وآله به كل عام مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين(1) .

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته على عهده فما بعد، من غير زيادة ولا نقصان.

وقد ذكر هذا الدليل جماعة.

__________________

(1) روى ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الكتب الحديثيّة وغيرها، حتى كاد يكون من الأمور الضرورية.

٤٩

(9)

اهتمام النبي (ص) والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن؟!

لقد كان حريصاً على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها، وأمره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً وأطفالاً، مما ثبت بالضرورة بحيث لا يبقى مجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

وأمّا المسلمون، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك، لأنّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والامور الدينيّة، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه؟!

نعم، قد يقال: إنّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو أية من أياته.

ولكن لا مجال لهذا الاحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن، وتعهّده بحفظه بحيث( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .

٥٠

الفصل الثالث

أحاديث التحريف في كتب الشّيعة

قد ذكرنا في الفصل الأول شطراً من تصريحات كبار علماء الإمامية في القرون المختلفة في أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف، وهناك كلمات غير هذه لم نذكره اختصاراً، وربما تقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث.

وعرفت في الفصل الثاني أدلّة الإمامية على نفي التحريف وهي:

1 - آيات من القرآن العظيم.

2 - أحاديث عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، وهي على أقسام.

3 - قول عمر بن الخطاب: حسبنا كتاب الله.

4 - الإجماع.

5 - تواتر القرآن.

6 - إعجاز القرآن.

7 - صلاة الإمامية.

٥١

8 - كون القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

9 - عناية القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا، ولم ينكر أحد من أولئك الأعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن، بل نصّ بعضهم على كثرتها - كما توجد في كتبهم روايات ظاهرة في الجبر والتفويض، وفي التشبيه والتجسيم، ونحو ذلك - لكنهم أعرضوا عن تلك الأحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن، بل ذهب البعض منهم إلى قيام إجماع الطائفة على ذلك، ومجرد إعراضهم عن حديثٍ يوجب سقوطه عن درجة الإعتبار، كما تقرّر في علم اصول الفقه.

ونحن في هذا المقام نوضّح سبب إعراضهم عن أخبار التحريف وندلّل على حصته ونقول:

تعيين موضوع البحث

هناك في كتب الإمامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن، لكنّ دعوى كثرتها لا تخلو من نظر، لأنّ الذي يمكن قبوله كثرة ما دلّ على التحريف بالمعنى الأعم(1) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر

 __________________

(1) يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشتراك:

أ - نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره.

ب - النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميزاً في الخارج عن غيره.

جـ - النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل.

٥٢

الطوسي، فإنّه - بعد أن استظهر عدم النقصان من الروايات - قال: «غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع».

وأما ما دلّ على التحريف بالمعنى الأخصّ الذي نبحث عنه وهو «النقصان» فلا يوافق على دعوى كثرته في كتب الامامية، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحقّقين كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأول: الرويات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة. وبكلمة جامعة: غير المعتبرة سنداً. والظاهر أنّ هذا القسم هو القسم هو الغالب فيها، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيخ الكليني منها - ولعلّها هي عمدتها - مراجعة كتاب (مرآة العقول) للشيخ محمد باقر المجلسي، الذي هو من أهمّ كتب الحديث لدى الإماميّة، ومن أشهر شروح «الكافي» وأهمّها.

ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها: الشيخ البلاغي في (آلاء الرحمن) والسيد الخوئي

__________________

 د - التحريف بالزيادة والنقصية في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل.

هـ - التحريف بالزيادة، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

و - التحريف بالنقيصة، بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل.

وموضوع بحثنا هو التحريف بالمعنى الأخير، ونعني بالمعني الأعمّ ما يعمّ جميع المعاني المذكورة.

٥٣

في (البيان) والسيد الطباطبائي في (الميزان). ومن المعلوم عدم جواز الإستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الإعتقادية؟!

والثاني: الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها.

ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين:

الاولى: ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف.

والثانية: ما لا يمكن حمله وتوجيهه.

وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جداً، لانّ المفروض خروج الضعيف سنداً والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث.

إنّها مصادمة للضرورة

وأوّل ما في هذه الروايات القليلة أنّها مصادمة للضرورة، ففي كلمات عدّة من أئمة الإمامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعاً على عهد النبّوة، فقد قال السيد المرتضى: «إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة»(1) .

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «لا عبرة بالنادر، وما ورد

__________________

(1) المسائل الطرابلسيات، نقلاً عن مجمع البيان للطبرسي 1: 15.

٥٤

من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها»(1) .

وقال السيد شرف الدين العاملي: «إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوة، مؤلفاً على ما هو عليه الآن وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية»(2) .

وقال السيد الخوئي: «إنّ من يدّعي التحريف يخالف بداهة العقل»(3) .

إنها مخالفة لظاهر الكتاب

فإن نوقش في هذا، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عزّ من قائل:( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) ليكون قدوة للامة وبرنامجاً لأعمالها، ومستقى لأحكامها ومعارفها، ومعجزة خالدة. ومن المعلوم المتسالم عليه: سقوط كل حديث خالف الكتاب وإن بلغ في الصحّة وكثرة الأسانيد ما بلغ، وبهذا صرّحت النصوص عن النبي والأئمةعليهم‌السلام ، ومن هنا أعرض علماء الإمامية الفطاحل - الأصوليّون والمحدّثون - عن هذه الأحاديث قال المحدّث الكاشاني في (الصافي): «إنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه»(4) .

فإن نوقش في هذا أيضاً فقيل بأنّه استدلال مستلزم للدور، أو

__________________

(1) كشف الغطاء في الفقه، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل: 33.

(2) أجوبة مسائل جار الله: 30.

(3) البيان: 27.

(4) تفسير الصافي 1: 46.

٥٥

قيل بأن الضمير في «له» عائد إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن هذه الروايات تطرح لما يلي:

إنها موافقة لأخبار العامة

أولاً: إنّها موافقة للعامة، فإنّ القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم، وأحاديثه مخرّجة في أهمّ كتبهم وأوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التحريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم، كما تقرّر ذلك في علم اصول الفقه.

إنها نادرة

ثانياً: إنّها شاذة ونادرة، والروايات الدالّة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة، كما في كلمات الأعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره، وسيأتي الجواب عن شبهة تواتر ما دلّ على التحريف، فلا تصلح لمعارضة تلك الروايات، بل مقتضى القاعدة المقرّرة في علم الاصول لزوم الأخذ بما اشتهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر.

إنها أخبار آحاد

ثالثاً: إنّه بعد التنزّل عن كلّ ما ذكر، فلا ريب فلا ريب في أنّ روايات التحريف أخبار آحاد، وقد ذهب جماعة من أعلام الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً ومن يقول بحجّيتها لا يعبأ بها في المسائل الإعتقادية، وهذا ما نصّ عليه جماعة.

٥٦

من اخبار التحريف

وبعد، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتاب الإمامية - التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان - وعلى هذه فقس ما سواها.

ولا بدّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها، ثم الكلام عليها بالنظر إلى اسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.

وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية:

1 - عن جابر، قال:

«سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام والأئمّة من بعدهعليهم‌السلام »(1) .

2 - عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنّه قال:

«ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(2) .

3 - عن سالم بن سلمة، قال:

«قرأ رجل على أبي عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - حروفاً من

__________________

(1) الكافي 1: 178، ورواه الصّفار في بصائر الدرجات: 13.

(2) الكافي 1: 178، بصائر الدرجات: 213.

٥٧

القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام :

مه، كفّ عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليعليه‌السلام .

وقال: أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعته بين اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه»(1) .

4 - عن ميسر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص عنه، ما خفي حقّنا على ذي حجا، ولو قد قام قائمنا فنظق صدّقه القرآن»(2) .

5 - عن الأصبغ بن نباتة، قال:

«سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام»(3) .

وعن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:

«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم، وفصل ما بينكم»(4) .

__________________

(1) الكافي 2: 462.

(2) تفسير العياشي 10: 13.

(3) الكافي 2: 459.

(4) الكافي 2: 459.

٥٨

وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»(1) .

6 - عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال:

«قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال: لا، إقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم»(2) .

7 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت، إنّما الإسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة»(3) .

8 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين»(4) .

9 - عن البزنطي، قال: «دفع إليّ أبو الحسنعليه‌السلام مصحفاً فقال - وقال -: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه( لم يكن الذين كفروا ... ) فوجدت فيه - فيها - اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم

__________________

(1) الكافي 2: 459.

(2) الكافي 2: 453.

(3) تفسير العياشي 1: 12.

(4) تفسير العياشي 1: 13.

٥٩

وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: إبعث إليّ بالمصحف»(1) .

10 - عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال:

«نزل جبرئيل بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا:( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا - في علي -فأتوا بسورة من مثله ) (2) .

11 - عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأزواجه، ثم قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، يا ابن سنان: إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرّفوها»(3) .

12 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب»(4) .

13 - عن ابن نباتة قال:

«سمعت علياًعليه‌السلام يقول: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل، قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟

فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء

__________________

(1) الكافي 2: 461، وانظر البحار 92: 54.

(2) الكافي 1: 345.

(3) ثواب الاعمال: 100، وعنه في البحار 89: 50.

(4) رجال الكشي 247، وعنه في البحار 89: 54.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215