الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ١

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 364

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205796 / تحميل: 9062
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ١

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثِقتي

أخبَرنَا السيّدُ الأجل عميدُ الرؤساء أبو الفتح يحيى بن محمّد بن نصْر بن عليّ بن حيا(١) - أدام الله عُلُوّه - قراءةً عليه سنةَ أربعين وخمسمائة، قال: حَدَّثنا القاضي الأجَلّ أبو المَعالي أحمد بن عليّ بن قدامَة في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة، قال: حَدَّثني الشيخُ السعيد المُفيد أبو عبدالله محمّدُ بنُ النُعمانرضي‌الله‌عنه في سنةِ إحدى عشرة وأربعمائة قال:(٢)

الحمد لله على ما ألْهَمَ من معرفته، وهدَى إليه من سبيل طاعته، وصلواته على خِيرته من بَريته، محمّد سيّد أنبيائه وصفوته، وعلى الائمة المعصومين الراشدين من عِترته، وسلّم.‎

____________________

(١) كذا في نسخة « ق » و « ح » من دون تنقيط.

(٢) ورد هذا السند في مقدمة النسخة « ح » و « ق ».

٣

وبعدُ:

فإنّي مُثبِتٌ - بتوفيق الله ومعونته - ما سألتَ - ايدك الله - إثباتَه من أسماءِ أئمّة الهُدى: وتاريخ أعمارهم، وذكر مَشاهدهم، وأسماء أولادهم، وطُرفٍ من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم، لتِقفَ على ذلك وقوفَ العارف بهم، ويظْهَرَ لك الفرقُ ما بين الدعاوى والاعتقادات فيهم، فتميّزبنظرك فيه ما بين الشبهات منه والبيّنات، وتعتمد الحقً فيه اعتماد ذويَ الإِنصاف والديانات، وأنا مجيبك إلى ما سألت، ومتحرٍّ فيه الإِيجاز والاختصار حَسَب ما أثرت من ذلك والتمست، وبالله أثق، وإيّاه أستهدي إلى سبيل الرشاد.

٤

باب الخبر عن أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

أوّلُ أئمّة المؤمنين، ووُلاةِ المسلمين، وخلفاء الله تعالى في الدين، بعد رسول الله الصادق الأمين محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين، - صلواتُ الله عليه وآله الطاهرين - أخوه وابنُ عمّه، ووزيرُه على أمره، وصهْرُه على ابنته فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين، أميرُالمؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مَناف سيّد الوصيّين - عَليه أفضل الصلاة والتسليم -.

كُنيتُه : أبو الحسن، وُلِد بمكّة في البيت الحرام يومَ الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يُولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله تعالى له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وأمّه : فاطمة بنتُ أسَد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها، وكانت كالاُمّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رُبي في حِجرها، وكان شاكراً لبرها، وآمَنَتْ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأوّلين، وهاجَرَتْ معه في جُملة المهاجرين. ولمّا قبضها الله تعالى إليه كَفّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقميصه ليَدْرَأ به عنها هوامَّ الأرض، وتوسّد في قبرها لتَأْمَنَ بذلك من ضَغْطة القبر، ولقّنها الإقرارَ بولاية ابنها - أمير المؤمنينعليه‌السلام - لتجيبَ به عند المساءلة بعد الدفن، فخصَّها بهذا الفضل

٥

العظيم لمنزلتها من الله تعالى ومنهعليه‌السلام ، والخبر بذلك مشهور (١) .

فكان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وإخوته أوّل من ولده هاشم مرتين(٢) ، وحاز بذلك مع النشوء في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والتأدّب به الشرفين. وكان أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل البيت والأصحاب، وأول ذَكَرٍ دعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام فأجاب، ولم يزل ينصر الدين، ويجاهد المشركين، ويذبّ عن الإيمان، ويَقْتُل أهل الزيغ والطغيان، وينشر معالم السنّة والقرآن، ويحكم بالعدل ويأمر بالإحسان. فكان مقامه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمكّة قبل الهجرة مشاركاً له في محنه كلّها، متحمّلاً عنه أكثرأثقاله؛ وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين، ويجاهد دونه الكافرين، ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين، إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنّته ورفعه في عليّين، فمضىصلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمير المؤمنينعليه‌السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة.

فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقالت شيعته - وهم بنو هاشم وسلمان وعمّار وأبوذر والمقداد وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيّوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري

____________________

(١) اُنظر الكافي ١: ٣٧٧ / ٢، دعائم الاسلام ٢: ٣٦١، خصائص الأئمة: ٦٤.

(٢) في نسخة « ح »: من ولد من هاشميين.

٦

وأبو سعيد الخدْري، وأمثالهم من جِلّة(١) المهاجرين والأنصار -: إنّه كان الخليفةَ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمامَ لفضله على كافّة الأنام بما اجتمع له من خِصال الفضل والرأي والكمال، من سَبْقه الجماعةَ إلى الإيمان، والتبريزِعليهم في العلم بالأحكام، والتقدّم لهم في الجهاد، والبَيْنونةِ منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح، واخصَاصِه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في القُربى بما لم يَشرْكه فيه أحدٌ من ذوي الأرحام.

ثمّ لنصّ الله على ولايته في القران، حيث يقول جلّ اسمه:( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُه وَألَّذينَ آمَنُوا ألَّذينَ يًقيمُونَ ألصَّلاةَ ويُؤْتونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، ومعلومٌ أنّه لم يزكّ في حال ركوعه أحد سواهعليه‌السلام ، وقد ثَبَت في اللغة أنّ الوَلي هو الأولى بلا خلاف.

وإذا كان أميرُ المؤمنينعليه‌السلام - بحكم القرآن - أولى بالناس من أنفسهم، لكونه وليّهم بالنصّ في التبيان، وَجَبَتْ طاعتهُ على كافّتهم بجَليّ البيان، كما وَجَبتْ طاعةُ الله وطاعةُ رسوله عليه وآله السلام بما تَضَمَّنه الخبرُ عن ولايتهما للخلق فِى هذه الآية بواضح البرهان.

وبقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يومَ الدار، وقد جَمَع بني عبد المطلب - خاصّةً - فيها للإِنذار: « مَنْ يُؤازِرْني على هذا الأمر يَكُنْ أخي ووصّيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فقام إليه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام من بين جماعتهم، وهو أصغرهم يومئذ سنّاً فقال: « أنا اُؤازرك يا رسول الله » فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجلس فانت أخي ووصيّي

____________________

(١) جلّة: جمع جليل.

(٢) المائده: ٥٥.

٧

ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » وهذا صريحُ القول في الاستخلاف.

وبقوله - أيضاً -عليه‌السلام يوم غدير خم وقد جمع الأمّة لسماع الخطاب: « ألستُ أولى بكم منكم بانفسكم »؟ فقالوا: اللهم بلى، فقال لهمعليه‌السلام - على النسق من غير فصل بين الكلام -: « فمن كنتُ مَوْلاه فعَلي مَوْلاه » فاوجَبَ له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما كان له عليهم، بما قرّرهم به من ذلك ولم يتناكروه. وهذا أيضاً ظاهرٌ في النص عليه بالامامة والاستخلاف له في المقام.

وبقولهعليه‌السلام له عند توجّهه إلى تَبوك: « أنت منّي بمنزلةِ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي » فاوجب له الوِزارة والتخصّص بالمودّة والفضل على الكافّة، والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته، لشهادة القران بذلك كلّه لهارون من موسىعليهما‌السلام ؛ قال الله عزّ وجل مُخبراً عن موسىعليه‌السلام :( واجعل لي وَزيراً مِنْ أهْلي * هارُونَ اَخي * أشْدُدْ بهِ اَزْري * وَأشْرِكْهُ في اَمْري * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراً * في وَنَذْكُرَكَ كَثيراً * اِنَّكَ كُنْتَ بنَا بَصيراً * قَال قَدْ أوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسى ) (١) فثبت لهارونعليه‌السلام شركة موسى في النبوّة، ووِزارتُه على تادية الرسالة، وشَدُّ أزْرِه به في النصرة. وقال في استخلافه له:( أخْلُفْني في قَوْمِي وَاصْلحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اْلمُفْسِدينَ ) (٢) فثبتت له خلافته بمحكم التنزيل.

فلمّا جعل رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام

____________________

(١) طه ٢٠: ٢٩ - ٣٦.

(٢) الأعراف ٧: ١٤٢.

٨

جميعَ منازل هارون من موسىعليهما‌السلام في الحُكمِ له منه إلاّ النبوّة، وجبت له وزارةُ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبّة، لما تقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة، ثمّ الخلافةُ في الحياة بالصريح، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما أخرج منها بذكر البَعد، وأمثالُ هذه الحجج كثيرة ممّا يطول بذكرها الكتاب، وقد استقصينا القول في إثباتها في غيرهذا الموضع من كتبنا، والحمد للّه.

فكانت إمامةُ أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثينَ سَنَة، منها أربعٌ وعشرون سنة وأشهرُ ممنوعاً من التصرّف على أحكامها، مستعملاً للتقية والمداراة. ومنها خمس سنين وأشهر مُمْتَحَناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين، مُضطَهَداً بفِتَن الضالّين، كما كان رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمكّن من جهاد الكافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين مُمْتَحَناً بالمنافقين، إلى أن قبضه اللّه - تعالى - إليه وأسكنه جنات النعيم.

وكانت وفاةُ أمير المؤمنينعليه‌السلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف، قتله ابنُ مُلْجَم المُرادي - لعنه اللّه - في مسجد الكوفة؛ وقد خرجعليه‌السلام يُوقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك، فلمّا مرّبه في المسجد وهو مُستَخْفٍ بامره مُماكرٌ بإظهار النوم في جملة النيام، ثار إليه فضربه على

٩

أمّ رأسه بالسيف - وكان مسموماً - فمكث يومَ تسعة عشر وليلةَ عشرين ويومَها وليلةَ إحدى وعشرين إلى نَحْو الثلث الاوّلْ من الليل، ثمّ قَضى نَحْبَهعليه‌السلام شهيداً ولقي ربَّه - تعالى - مظلوماً.

وقد كانعليه‌السلام يَعْلَم ذلك قبل أوانه ويُخْبر به الناسَ قبلَ زمانه، وتولّى غسلَه وتكفينَه ابناه الحسن والحسينُعليهما‌السلام بامره، وحَمَلاه إلى الغَرِيّ من نَجَفِ الكوفة، فدَفَناه هناك وعَفّيا موضِعَ قبره، بوصيّة كانت منه إليهما في ذلك، لما كان يعلمهعليه‌السلام من دَوْلة بني أُميّة من بعده، واعتقادهم في عَداوته، وما ينتهون إليه بسوء النيّات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكّنوا من ذلك، فلم يزل قبرهُعليه‌السلام مخفىً حتّى دَلّ عليه الصادقُ جعفرُ بنُ محمّدعليهما‌السلام في الدَوْلة العبّاسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر(١) - وهو بالحِيْرة - فعَرَفَتْه الشيعة واستأنَفوا إذ ذاك زيارتهعليه‌السلام وعلى ذُرّيته الطاهرين، وكان سنّهعليه‌السلام يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

____________________

(١) ابو جعفر المنصور، عبدالله بن محمد بن علي بن العباس، ثاني خلفاء بني العباس، ولد في الحميمة من أرض الشراة سنة ٩٥ هـ وولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة ١٣٦ هـ، توفي ببئر ميمون سنة ١٥٨ هـ، ودفن في الحجون بمكة وكانت مدة خلافته ٢٢ عاماً، اُنظر « تاريخ بغداد ١: ٦٢، شذرات الذهب ١: ٢٤٤، تاريخ الطبري ٨: ١١٣، العبر١: ١٧٥، الاعلام ٤: ١١٧ ».

١٠

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بذكرهعليه‌السلام الحادثَ قبل كونه،

وعلمِه به قبل حدوثه:

ما أخبر به عليُّ بن المُنْذِر الطريقي، عن ابن الفُضَيْل العَبْدي(١) ، عن فِطْر، عن أبي الطُفَيْل عامر بن واثِلة - رحمة اللّه عليه - قال: جَمَع أمير المؤمنينعليه‌السلام الناسَ للبيعة، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ - لعنه الله - فردّه مرتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه، وقال عند بيعته له: « مايَحْبِسُ أشقاها! فو الّذي نفسي بيده لتُخْضَبن(٢) هذه من هذا » ووَضَعَ يدَه على لِحْيَته ورأسهعليه‌السلام ، فلمّا أدْبَر ابنُ مُلْجَم عنه منصرفاً قالعليه‌السلام متمثلاً:

« أشْدُدْ حَيازيمَكَ للموت

فإنّ الموتَ لاقيك

ولا تَجْزَع من الموت

إذا حَلّ بواديـك

كما أضحَكَكَ الدهرُ

كذاكَ الدهرُ يُبْكيك(٣) »

____________________

(١) لعل العبدي تصحيف الضبيّ، فإنّه محمد بن فضيل بن غزوان الضبيّ، مولاهم أبو عبد الرحمن، وقد عدّه الشيخ الطوسيقدس‌سره من أصحاب الصادقعليه‌السلام ووثقه ( رجال الشيخ: ٢٩٧ ) يروي عنه علي بن المنذر الطريقي، انظر: « الطبقات الكبرى ٦: ٣٨٩، انساب السمعاني ٨: ١٤٥، ميزان الاعتدال ٣: ١٥٧، تهذيب التهذيب ٧: ٣٨٦ و ٩: ٤٠٥ ».

(٢) في « ق » وهامش « ش »: ليَخْضِبَنَّ.

(٣) الطبقات الكبرى ٣: ٣٣، أنساب الأشراف ٢: ٥٠٠، مقاتل الطالبيين: ٣١، الخرائج والجرائح ١٠: ١٨٢ ذيل الحديث ١٤، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٤٢: ١٩٢ / ٦ والبيت الاخير اثبتناه من « ق ».

١١

وروى الحسنُ بنُ محبوب، عن أبي حَمْزة الثُماليّ، عن أبي إسحاق السَّبِيعيّ، عن الأصْبَغ بن نُباتة، قال: أتى ابن ملجم أميرَ المؤمنينعليه‌السلام فبايعه فيمن بايع، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام فتوثّق منه، وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنينعليه‌السلام الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدرَ ولا يَنْكث، فقال ابنُ مُلْجَم: واللّه - يا أمير المؤمنين - ما رأيتُك فعلتَ هذا بأحد غيري. فقال أميرُ المؤمنينعليه‌السلام :

« أُريد حِباءهُ ويُريدُ قتلي

عَذيرَك(١) من خليلِك من مُرادِ (٢)

امض - يا بنَ مُلْجَم - فواللّه ما أرى أن تَفِيَ بما قلت »(٣) .

وروى جعفر بن سُلَيمان الضُبَعيّ عن المـُعَلِّى بن زياد قال: جاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم - لعنه اللّه - الى أمير المؤمنينعليه‌السلام يستحمله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إحمِلني. فنظرإليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام ثمّ قال له: « أنت عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المـُراديّ؟ » قال: نعم. قال: « أنت

____________________

(١) عذيرك من فلان بالنصب، أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعنى فاعل « النهاية - عذر - ٣: ١٩٧ ».

(٢) البيت لعمرو بن معدي كرب: كتاب سيبويه ١: ٢٧٦، الأغاني ١٠: ٢٧، العقد الفريد ١: ١٢١، خزانة الادب ٦: ٣٦١.

(٣) ذكره ابن شهرآشوب مختصراً في المناقب ٣: ٣١٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٢ / ٧.

١٢

عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم المرُاديّ؟ » قال: نعم. قال: « ياغَزْوان، اِحمِله على الأشقر » فجاء بفرس أشقر فرَكِبه ابنُ مُلْجَم المُرادي وأخذ بعنانه، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« أريد حِباءه ويريد قتلي

عَذيرَك مِنْ خَليلك من مُراد »(١)

قال: فلمّا كان من أمره ما كان، وضَرَب أميرَ المؤمنينعليه‌السلام قُبض عليه وقد خَرَج من المسجد، فجيء به الى أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام : « والله لقد كنتُ أصنع بك ما أصْنَع، وأنا أعلمُ أنّك قاتلي، ولكن كنتُ أفعلُ ذلك بكَ لأستظهِرَ بالله عليك ».

فصل آخر

ومن الأخبار التي جاءت

بنَعْيه نَفْسَهعليه‌السلام إلى أهله وأصحابه قبل قتله:

ما رواه أبو زيد الأحوَل عن الأجلَح، عن أشياخ كِنْدَة، قال: سَمِعتُهم أكثرَمن عشرين مرّة يقولون: سَمِعنا علياًعليه‌السلام على المنبر يقول: « ما يمنَعُ أشقاها أن يَخْضِبَها من فوقها بدم؟ » ويَضَعُ يدَه على لحِيتهعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) اشار اليه ابن شهرآشوب في المناقب ٣: ٣١٠، والراوندي في الخرائج والجرائح ١: ١٨٢ ذيل الحديث ١٤.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٣ / ٨.

١٣

وروى علي بن الحَزَوَّر، عن الأصْبَغ بن نُباتَة قال: خَطَبَنَا أميرُ المؤمنينعليه‌السلام في الشهر الذي قُتِل فيه فقال: « أتاكمُ شهرُ رمضان، وهو سيّد الشهور، وأوّل السنة، وفيه تدور رَحا السلطان. ألا وإنّكم حاجّ العامَ صفّاً واحداً، وآيةُ ذلك أنّي لستُ فيكم » قال: فهو يَنْعى نفسهعليه‌السلام ونحن لا نَدْري(١) .

وروى الفَضْل بن دُكَين، عن حَيّان بن العبّاس، عن عثمان بن المُغِيرة قال: لمّا دخل شهرُ رمضان، كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يتعشّى ليلةً عند الحسن وليلةً عند الحسين وليلةً عند عبداللّه بن جعفر(٢) ، وكان لا يَزيد على ثلاث لُقَم، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك، فقال: « يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ، إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان » فأُصِيبعليه‌السلام في آخر الليل(٣) .

وروى إسماعيل بن زياد قال: حدثتني اُمّ موسى - خادمة(٤) علي عليه

____________________

(١) إعلام الورى: ١٦٠، مناقب آل أبي طالب ٢: ٢٧١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ١٩٣ / ٩.

(٢) في « ش »: عبداللّه بن العباس.

(٣) إعلام الورى: ١٦٠، المناقب للخوارزمي: ٣٩٢ / ٤١٠، مناقب آل أبي طالب ٢: ٢٧١، كنز العمال ١٣: ١٩٥ / ٣٦٥٨٣، الفصول المهمة: ١٣٩، وذكره مختصراً الراوندي في الخرائج ١: ٢٠١ / ٤١، وسيأتي في فصل من نعيه لنفسهعليه‌السلام اواخر الجزء الاول.

(٤) كذا في متن النسخ وفي هامش « ش »: خادم وهو صواب أيضاً.

قال في لسان العرب - خدم - ١٢: ١٦٦: ألخادم واحد الخدم غلاماً كان أو جارية... وفي حديث فاطمة وعلي عليهما‌السلام : « اسألي أباكِ خادماً تقيك حرً ما أنت عليه » الخادم واحد الخدم ويقع على الذكر والانثى لاجرائه مجرى الاسماء غير

١٤

السلام وهي حاضنة فاطمة ابنتهعليه‌السلام - قالت: سمعتُ عَليّاًعليه‌السلام يقول لابنته اُمّ كلثوم: « يابُنيّة، إنيّ أراني قلَّ ما أصحَبُكم » قالت: وكيف ذلك، يا أبتاه؟ قال: « إني رأيت نبيّ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي وهو يَمْسَحُ الغبارَ عن وجهي ويقول: يا عليّ، لا عليك قد قَضَيْتَ ما عليك ».

قالت: فما مَكَثْنا إلاّ ثلاثاً حتى ضُرِب تلك الضربة. فصاحت اُمّ كلثوم فقال: « يا بُنيّة لا تفعلي، فإنّي أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليَ بكفّه: يا علي، هَلمَّ إلينا، فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك »(١) .

وروى عمّار الدُهْني، عن أبي صالح الحنفيّ قال: سمِعمت علياًعليه‌السلام يقول: « رأيتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، فشَكَوْتُ إليه ما لقيت من أُمّتهِ من الأود واللدد(٢) وبكيتُ، فقال: لاتَبكِ يا علي والتفِتْ، فالتفتُّ، فإذا رجلان مُصَفَدان، وإذا جلاميد تُرْضَخ بها رؤوسهما ».

فقال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو كلّ يوم، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون: قُتِل أمير المؤمنين، قتل أمير

____________________

المأخوذة من الافعال كحائض وعاتق.. وهذه خادمنا - بغير هاء، لوجوبه، وهذه خادمتنا غداً. انتهى.

(١) المناقب للخوارزمي: ٣٧٨ / ٤٠٢، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٣١١، كشف الغمة ١: ٤٣٣.

(٢) الأود: العوج، واللّدَدُ: الخصومة الشديدة، قال ابن الأثير: ومنه حديث علي: « رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت بعدك من الأود واللدد! » « النهاية - لدد - ٤: ٢٤٤ ».

١٥

المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وروى عبيداللّه بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصريّ قال: سَهِرَ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الليلة التي قتِل(٢) في صَبيحَتِها، ولم يَخْرُج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته، فقالت له ابنته امّ كلثوم - رحمة الله عليها -: ما هذا الذي قد أسْهَرَك؟ فقال: « إنّي مقتول لو قد أصبحتُ » وأتاه ابنُ النَبّاح فآذنه(٣) بالصلاة، فمشى غيرَ بعيد ثم رجع، فقالت له ابنته اُمّ كلثوم: مُرْ جَعْدَة فليُصَلّ بالناس. قال: « نعم، مُروا جَعْدة فليُصَلّ »(٤) . ثمّ قال: « لا مَفَرّ من الأجل » فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سَهِر ليلتَه كلّها يَرْصُدُه، فلمّا بَرَدَ السحر نام، فحرّكه أميرالمؤمنينعليه‌السلام برجله وقال له: « الصلاة » فقام إليه فضربه(٥) .

ورُوي في حديث اخر: أنّ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام سَهِر تلك الليلة، فاكثر الخروج والنظر في السماء وهو يقول: « واللّه ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، وإنّها الليلة التي وُعِدتُ بها » ثمّ يعاود مضجعه، فلمّا طلع الفجر شدّ ازاره(٦) وخرج وهو يقول:

____________________

(١) ورد باختلاف يسير في إلامامة والسياسة: ٢٧٦، أنساب الأشراف: ٤٩٤، مقاتل الطالبيين: ٤٠، ومثله في إعلام الورى: ١٦١، والخرائج والجرائح ١: ٢٣٣ / ٧٨، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٣١١.

(٢) في « ح »: ضرب.

(٣) في هامش « م »: مؤذناً.

(٤) في هامش « ش »: ليصلي.

(٥) خصائص الائمة: ٦٣، إعلام الورى: ١٦١، مناقب آل أبي طالب ٣: ٣١٠.

(٦) في هامش « م »: أزراره.

١٦

« أُشدُدْ حَيازِيمَك للموت

فإن الموتَ لاقيك(١)

ولاتجْزَع من الموت

إذا حلّ بواديك »

فلمّا خرج إلى صحن الدار استقبلته(٢) الأوَزُ فَصِحْنَ في وجهه، فجعلوا يَطرُدونهنّ فقال: « دَعُوهُنَّ فإنّهنّ نَوائح » ثمّ خرج فأُصيبعليه‌السلام (٣) .

فصل

ومن الأخبار الواردة بسبب قتله وكيف جرَى الأمر في ذلك:

ما رواه جماعة من أهل السير: منهم أبو مِخْنَف لوط بن يحيى، واسماعيلُ بن راشد، ( وأبو هِشام الرِفاعيّ )(٤) ، وأبو عمرو الثقفيّ، وغيرهم، أنّ نَفَراً من الخوارج إجتمعوا بمكة، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذكروا أهلَ النهروان وتَرَحّمَوا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لوأنّا شَرينا أنفسَنا لله، فأتينا أئمة الضَلال فطَلَبنا غِرَّتَهم فأرَحْنا منهم العبادَ والبلادَ، وثَأرْنا بإخواننا للشُهداءِ بالنَهروان. فتعاهَدوا عند انقضاء الحجّ على ذلك، فقال عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم: أنا أكْفِيكم

____________________

(١) في هامش « ش » و « م »: آتيك.

(٢) في « م » وهامش « ش »: استقبله.

(٣) خصائص الأئمة: ٦٣، إعلام الورى: ١٦١، مناقب آل ابي طالب ٣: ٣١٠.

(٤) في « م » وهامش « ش »: أبو هاشم الرفاعي، وما في المتن من « ش » وهو الصواب وهو أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة، انظر: انساب السمعاني ٦: ١٤٣، اللباب لابن الاثير ٢: ٤٢ تهذيب التهذيب ٩: ٥٢٦

١٧

علياً، وقال البُركْ بن عبداللّه التميميّ: أنا أكْفِيكم معاوية، وقال عَمرو بن بكر التميميّ: أنا أكْفِيكم عَمرو بن العاص؛ ( وتعاقدوا )(١) على ذلك، ( وتوافقوا )(٢) عليه وعلى الوفاء واتَعَدوا لشهر رمضان في ليلة تسعَ عشرة، ثمّ تفرقوا.

فاقبل ابنُ مُلْجَم - وكان عِدادُه في كِنْدَة - حتى قَدِمَ الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمرهَ مخافةَ أن يَنْتَشِرمنه شيء، فهوفي ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تيم الرِباب - فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيمية، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل أباها وأخاها بالنَهْروان، وكانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابنُ مُلْجَم شُغِف بها واشتدّ إعجابُه بها، فسأل في نكاحها وخطبها فقالت له: ما الّذي تُسَمِّي لي من الصَداق؟ فقال لها: احتَكِمي ما بدا لك، فقالت له: أنا محتكمةٌ عليكَ ثلاثَة الاف درهم، ووَصيفاً وخادماً، وقتلَ عليّ بن أبي طالب، فقال لها: لكِ جميعُ ما سألتِ، وأمّا قتلُ عليّ بن أبي طالب فأنّ لي بذلك؟ فقالت: تَلْتَمِس غِرّته، فإن أنت قتلتَه شفيتَ نفسي وهنَّأك العَيش معي، وإن قُتِلتَ فما عند الله خير لك من الدنيا. فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنتُ هارباً منه لا امَنُ مع أهله - إلاّ ما سألتِني من قتلِ علي بن أبي طالب، فلكِ ما سالتِ. قالت: فانا طالبةٌ لكَ بعضَ من يُساعدك على ذلك ويُقوّيك.

ثمّ بَعَثتْ إلى وَرْدان بن مُجَالِد - من تَيمْ الرِباب - فخبّرتْه الخبرَ

____________________

(١) في « م » وهامش « ش »: تعاهدوا.

(٢) في هامش « ش » و « م » ‏: واوثقوا. وفي « م » وتوافقوا.

١٨

وسألتهْ مَعُونةَ ابنَ مُلْجَم، فتحمّل ذلك لها، وخرج ابن مُلْجَم فاتى رجلاً من أشجع يقال له: شَبيب بن بُجْرة، فقال: يا شَبيب، هل لكَ في شرف الدنيا والآخرة؟ قالَ: وما ذاك؟ قال: تُساعدُني على قتل عليّ بن أبي طالب. وكان شَبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا ابن ملجم، هَبَلَتْك الهَبُول، لقد جئتَ شيئاً إدّاً، وكيف تقدر على ذلك؟ فقال له ابنُ مُلْجَم: نَكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجرفتكنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا. فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخلا المسجد على قَطام - وهي معتكفة في المسجد الأَعظم، قد ضربت عليها قبة - فقال لها: قد اجتمع رأيُنا على قتل هذا الرجل، قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع.

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلةَ الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلتَ من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت(١) به صدورهم، وتقلّدوا أسيافَهم ومَضَوْا وجلسوا(٢) مقابلَ السُدّة التي كان يخرُج منها أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقَوْا إلى الأشعَث بن قَيْس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وواطَأهم عليه، وحضر الأشعَثُ بن قَيسْ في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.

وكان حُجر بن عَدِيّ - رحمة الله عليه - في تلك الليلة بائتاً في المسجد، فسَمِع الأشعثَ يقول لابن مُلْجَم: النَجاء النَجاء لحاجتك فقد فَضَحك

____________________

(١) في « م » و « خ »: فعصبوا.

(٢) في « م » و « ح » وهامش « ش »: فجلسوا.

١٩

الصبح، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث فقال له: قتلتَهُ يا أعْور. وخرج مبادراً ليمْضِي إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فيُخْبِرَه الخبر ويُحذِره من القوم، وخالفه أمير المؤمنينعليه‌السلام فدخل المسجد، فسبقه ابنُ مُلْجَم فضربه بالسيف، وأقبل حُجْر والناس يقولون: قُتِل أميرُ المؤمنين، قُتِل أميرُالمؤمنين. وذكر محمّدُ بن عبدالله بن محمّد الأزْديّ قال: إني لاُصلّي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يُصَلّون في ذلك (١) الشهر من أوّله إلى آخره، إذْ نظرتُ إلى رجال يُصَلّون قريباً من السُدّة، وخرج عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام لصلاة الفجر، فاقبل يُنادي « الصلاة الصلاة » فما أدري أنادى أم رأيتُ بَريق السيوف وسمعتُ قائلاً يقول: لله الحُكم - يا علي - لا لكَ ولا لأصحابك. وسمعتُ علياًعليه‌السلام يقول: « لا يَفُوتَنّكم الرجل » فإذا عليعليه‌السلام مضروب، وقد ضَرَبه شَبيبُ بن بُجرَة فاخطأه ووقعت ضربتُه في الطاق، وهَرَب القوم نحو أبواب المسَجد وتبادر الناس لأخذهم.

فأمّا شَبيب بن بُجْرة فاخذه رجل فَصَرَعه وجلس على صدره، وأخذ السيفً من يده ليَقْتُلَه به، فرأى الناسَ يَقْصُدُون نحوَه فخشي أن يعجلوا عليه ولا يَسْمَعوا منه، فوَثَب عن صدره وخَلاّه وطَرَح السيفَ من يده، ومَضى شَبيب هارباً حتّى دخل منزله، ودخل عليه ابنُ عم له فرآه يَحُلّ الحريرَ عن صدره، فقال له: ما هذا، لعلك قتلت أمير المؤمنين؟ فاراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فمض ابنُ عمه فاشتمل على سيفه، ثمّ دخل عليه فضربه حتّى قتله.

____________________

(١) في هامش « ش »: هذا.

٢٠

وأمّا ابنُ ملجم، فإنّ رجلاً من هَمْدان لَحِقَه فطَرَح عليه قَطيفة(١) كانت في يده، ثمّ صَرَعه وأخذ السيفَ من يده، وجاء به إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وأفَلَت الثالث فانسلّ بين الناس.

فلمّا اُدْخِلَ ابنُ مُلْجَم على أمير المؤمنينعليه‌السلام نَظَر إليه ثم قال: « النفسُ بالنفس، إن أنا مِتُ فاقْتلُوه كما قَتَلني، وإن سَلِمْتُ رأيتُ فيه رأيي » فقال ابنُ مُلْجَم:

واللّه لقد ابتَعْتُه بالف وسَمَمْتهُ بالف، فإن خانني فأبْعَدَه اللّه.

قال: ونادته اُمّ كلثوم: يا عدوَّ اللّه، قتلتَ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام قال: إنما قتلتُ أباك، قالت: يا عدوَّ الله، إنّي لأرجوأن لا يكونَ عليه بأسٌ، قال لها: فاراكِ إنّما تَبكين علي إذأ، واللّه لقد ضربتهُ ضربةً لو قسِمَتْ بين أهل الأرض لأهلكَتْهم.

فاُخْرِجَ من بين يَدَي أمير المؤمنينعليه‌السلام وإنّ الناسَ ليَنْهشون(٢) لحمَه باسنانهم كأنهم سِباع، وهم يقولون: يا عدوَّالله، ماذا فعلت(٣) !؟ أهلكتَ اُمّة محمّدٍ وقَتَلْتَ خيرَ الناس. وإنّه لصامت ما ينطق. فذُهِبَ به إلى الحبس.

وجاء الناسُ إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين مُرْنا بامرك في عدوّ الله، فلقد أهلك الأمّة وأفسد الملّة. فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إن عِشْتُ رأيت فيه رأي، وإن هَلَكْث فاصنعوا

____________________

(١) القطيفة: كساء له خمل « النهاية - قطف - ٤: ٨٤ ».

(٢) في هامش « ش »: لينهسون.

(٣) في م وهامش « ش »: صنعت.

٢١

به(١) ما يُصْنَع بقاتل النبيّ، اقتلوه ثمّ حَرِّقوه بعد ذلك بالنار ».

قال: فلمّا قضى أميرُ المؤمنينعليه‌السلام ، وفَرَغ أهلهُ من دفنه، جَلسَ الحسنُعليه‌السلام وأمرأن يؤتى بابن مُلْجَم، فجِيء به، فلمّا وقف بين يديه قال له: « يا عدؤَ اللّه، قتلتَ أمير المؤمنين، وأعظمت الفساد في الدين » ثمّ أمر به فضُرِبَتْ عنقًه، واستَوْهَبتْ اُمّ الهَيْثم بنت الأسود النَخَعيّة جيفَتَه(٢) ، منه لتَتَولّى إحراقَها، فوَهَبَهَا لها فاحْرَقَتْها بالنار.

وفي أمر(٣) قَطام وقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول الشاعر:

فلم أر مَهْراً ساقَهُ ذُو سَماحةٍ

كَمَهْرِقَطامٍ من فَصيحٍ وأعْجَم

ثلاثةِ آلافٍ وعبدٍ وقَيْنَةٍ

وضرب عليّ بالحُسام المَصَمَّم(٤)

ولا مهرَ أغلى من عليٍّ وإن غلا

ولا فَتْكً إلا دونَ فَتْكِ ابنِ مُلْجَم

وأما الرجلان اللذان كانا مع ابنِ ملجم لعنهم اللّه أجمعين في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدَهما ضَرَب معاوية وهو راكع فوقعت ضربتُه في أليته ونجَا منها، فاُخِذَ وقُتِل من وقته.

وأما الآخَرُ فإنّه وافى عَمْراً في تلك الليلة وقد وَجَدَ عِلّةً فاستخلف رجلاً يصَلّي بالناس يُقال له: خارجة بن أبي حَبيبة العامِري، فضربه

____________________

(١) في « م » زيادة: مثل.

(٢) في هامش « ش »: جثته.

(٣) في هامش « ش »: مهر.

(٤) في هامش « ش »: المسمّم.

٢٢

بسيفه وهو يَظُن أنّه عمرو، فاُخِذ وأُتي به عَمْرو فقتله، ومات خارجةُ في اليوم الثاني(١) .

فصل

ومن الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام وشرح الحال في دفنه:

ما رواه عَبّاد بن يعقوب الرَواجِنّي قال: حَدَّثنا حِبان(٢) بن علي العَنَزيّ قال: حَدَّثني مولىً لِعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: لما حَضَرَتْ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام الوفاةُ قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : إذا أنا متّ فاحملاني على سريري، ثمّ أخْرِجاني واحمِلا مؤخّرَ السرير فإنّكما

____________________

(١) ذكرت هذه الواقعة مقطعة في: تاريخ الطبري ٥: ١٤٣، مقاتل الطالبيين: ٢٩، طبقات ابن سعد ٣: ٣٥، انساب الاشراف ٢: ٤٨٩ / ٥٢٤، مروج الذهب ٢: ٤١١، الامامة والسياسة ١: ١٥٩، الكامل في التاريخ ٣: ٣٨٩، مناقب الخوارزمي: ٣٨٠ / ٤٠١، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٣١١، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٤٢: ٢٢٨ / ٤١.

(٢) كذا في « ش » وهو أخو مندل كما في هامش « ش »، وفي « م » بخطّ حديث: حيان، وفي « ح »: جيّان بن علي مولى لعلي بن أبي طالب وفيه سقط، ثم إنّ في ضبط اسمه خلافأ فقط ضبطه العلامة وابن داود بالياء المنقطة تحتها نقطتين بعد الحاء « خلاصة الرجال: ٦٤، ٢٦٠، ايضاح الاشتباه: ٩٧، رجال ابن داود: ١٣٦ و ٣٥٢ » لكن الظاهر كونه حِبّان بالموحدة بعد الحاء المكسورة كما في غير واحد من كتب الرجال من العامة. انظر: تبصير المنتبه: ٢٧٨، تقريب التهذيب ١: ١٤٧، الجرح والتعديل ٣: ٠ ٢٧، المجروحين لابن حبّان ١: ٢٦١، الضعفاء للعقيلي ١: ٢٩٣، سؤالات ابن الجنيد: ٩٦، الضعفاء للنسائي: ٨٩، الضعفاء للدارقطني: ٣٠١، الضعفاء الصغير للبخاري: ٤٢٦، تاريخ بغداد ٨: ٢٥٥، ميزان الاعتدال ١: ٤٤٩، تهذيب التهذيب ٢: ١٧٣.

٢٣

تُكفَيان مقدمَهُ، ثم ائتيا بي الغريّينْ (١) ، فإنّكما ستريان صخرةً بيضاء تَلْمَعُ نوراً، فاحتفِرا فيها فإنّكما تجدان فيها ساجَةً، فادفِناني فيها ».

قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمِل مؤَخّر السرير ونُكْفى مُقَدَّمهُ، وجعلنا نسمَع دَويّاً وحَفيفاً حتى أتينا الغَريّين، فإذا صخرة بيضاء ( تَلمَع نوراً )(٢) ، فاحتفرنا فإذا ساجَة مكتوب عليها: « مما أدخر نوحٌ لعليّ بن أبي طالب ». فدفنّاه فيها، وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنينعليه‌السلام فلَحِقَنا قومٌ من الشيعة لم يَشْهَدوا الصلاة عليه، فاخبرناهم بما جَرى وبإكرام الله أميرَ المؤمنينعليه‌السلام فقالوا: نُحبّ أن نُعايِن من أمره ما عاينتم. فقلنا لهم: إنّ الموضع قد عًفي أثرهُ بوصية منهعليه‌السلام ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا أنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاُ(٣) .

وروى محمّد بن عُمارة(٤) قال: حَّثني أبي، عن جابر بن يزيد قال: سالت أبا جعفر محمَّد بنَ علي الباقرعليه‌السلام : أين دُفِنَ أميرُ المؤمنين

____________________

(١) الغريان: بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة بناهما المنذر بن امرئ القيس. « معجم البلدان ٤: ١٩٨ ».

(٢) في هامش « ش »: يلمع نورها.

(٣) صدره في الخرائج والجرائح ١: ٢٣٣ / ذيل الحديث ٧٨، اعلام الورى: ٢٠٢، فرحة الغري: ٣٦، ونقله المجلسي في البحار ٤٢: ٢١٧ / ذيل الحديث١٩.

(٤) كذا في النسخ ولعلّ الصواب جعفر بن محمد بن عمارة، وهو يروي عن أبيه عن جابر ابن يزيد الجعفي في غير واحد من الاسانيد كاسانيد كتب الصدوق، انظر: معاني الاخبار: ٢١، ٥٥، ١٠٤، ٢٣٧، الخصال: ٥٨٥، التوحيد: ٢٤٢، وكذا يروي جعفر عن أبيه عن الصادقعليه‌السلام في أسانيد متكررة، نعم وردت رواية محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادقعليه‌السلام في صفات الشيعة ح ٦٩ لكنّه محرّف، والصواب جعفر ابن محمد بن عمارة كما في البحار ٨ ( الطبعة القديمة ): ١٩٦.

٢٤

عليه‌السلام ؟ قال: « دُفِنَ بناحية (١) الغَرِيّنن ودُفِن قبلَ طلوع الفجر ودَخَل قبره الحسنُ والحسينُ ومحمّد بنو عليعليه‌السلام وعبداللّه بن جعفر رضي الله عن »(٢) .

وروى يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله، قال: قيل للحسين(٣) بن عليعليهما‌السلام : أين دَفْنتم أميرَ المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال: « خَرَجنا به ليلاً على مسجد الأشْعَث، حتّى خَرَجنا به إلى الظَهْر بجنب الغَرِيّ، فدفنّاه هناك »(٤) .

وروى محمّد بن زَكَريّا قال: حدَّثنا عبيدالله بن محمّد بن عائشة(٥)

____________________

(١) في هامش « ش »: بجانب.

(٢) اعلام الورى: ٢٠٢، فرحة الغري: ٥١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ٢٢٠ / ذيل الحديث ٢٦.

(٣) كذا في « م » وهامش « ش » والبحار وكامل الزيارات وفرحة الغري وكفاية الطالب، وفي متن « ش » ومقاتل الطالبيين: للحسن بن علي.

(٤) مقاتل الطالبيين: ٤٢، كامل الزيارات: ٣٣، فرحة الغري: ٣٩، كفاية الطالب: ٤٧١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ٤٢ / ٢٣٤، وقد بينت المصادر المراد من رجال ابن ابي عمير في السند وفيها اختلاف يسير فراجع.

(٥) محمد بن عائشة وفوقه علامة التصحيح ولعل المراد ان « محمد عن ابن عائشة » تصحيف والصواب بدله محمد بن عائشة وكأنّ فوق « محمد » علامة الزيادة ( ز.. الى ) فحينئذ تصير العبارة كما اثبتناه في المتن، وفي « م »: محمد بن عبداللّه بن محمد بن عائشة، وفي « ح »: عبيدالله عن ابن عائشة، ونقل في البحار هذا الخبر عن فرحة الغري باسناده الى المفيد عن محمد بن زكريا عن عبدالله بن محمد بن عائشة، ثم أشار بعد ذكر الخبر انّ في الارشاد مثله، ئم انّ الخبرمروي في فرحة الغري بطريق اخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة عن عبداللّه بن حازم بن خزيمة وهذا نظيرما أثبتناه في المتن وهو أقرب في بادئ النظر من جهة انّ محمد بن زكريا الغلابي يروي عن ابن عائشة كما هو المصرّح في كتب الرجال وهو ابو عبد الرحمن عبيدالله بن محمد بن حفص العيشي المعروف بابن عائشة لانه من ولد عائشة بنت طلحة، توفي في شهر رمضان ٢٢٨ انظر:

٢٥

قال: حدثني عبداللّه بن خازم(١) قال: خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نَتَصيّد، فصِرْنا إلى ناحية الغَرِيّين والثَويّة (٢) ، فرأينا ظِباءً فأرسلنا عليها الصُقورة والكِلاب، فجاوَلتها (٣) ساعةً ثمّ لَجَأتِ(٤) الظِباء إلى أكمةٍ فسَقَطَتْ عليها فسَقَطَتِ الصُقورةُ ناحيةً ورَجَعتِ الكِلابُ، فعَجب(٥)

____________________

تاريخ بغداد ١٠: ٣١٥، انساب السمعاني ٩: ١٠٦، ميزان الاعتدال ٣: ٥٥٠، لسان الميزان ٥: ١٦٨، تهذيب التهذيب ٧: ٤٥.

هذا لكن يبعّد صحة هذه النسخة ما في متن الخبر: قال محمد بن عائشة: فكأنّ قلبي لم يقبل ذلك.. الخ، فحينئذ امّا ان يلتزم بوقوع التحريف في ذيل الخبر وامّا ان يقال انّ المراد من محمد بن عائشة في الذيل هو عبيدالله بن محمد بن عاشة واطلق عليه اسم ابيه مجازاً كما في محمد بن عمر بن يزيد،. وامّا ان يقال بانْ الصواب هو محمد ابن عبيدالله بن محمد بن عائشة ولا مانع من رواية الغلابي عنه مع روايته عن ابيه عبيدالله، والغلابي توفي بعد سنة ٢٨٠، وعبيداللّه بن عائشة توفي سنة ٢٢٨ فبين وفاتيهما اكثر من خمسين سنة فيناسب رواية الغلابي عن ابنه ايضاً، وفي لسان الميزان: قال الغلابي: حدثنا ابن عائشة عن ابيه، فيحتمل كون المراد من ابن عائشة هو محمد ابن عبيدالله، فلاحظ.

(١) كذا في « م » وفرحة الغري والبحار والدلائل البرهانية، ونقله في فرحة الغري بطريق آخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة قال: حدثنا عبداللّه بن حازم بن خزيمة، لكن في نسخة « ش »: خازم باعجام الخاء، وهو الصحيح، وقد جاء ذكره في احداث خلافة المهدي والرشيد والأمين.

فقد كان على شرط المهدي سنة ١٦٧ وعزله في سنة ١٦٩ ( تاريخ الطبري ٨: ١٦٤ و ١٨٩ ).

وولاه الرشيد طبرستان ورويان سنة ١٨٠ ( تاريخ الطبري ٨: ٢٦٦ ).

وله ذكر في احداث سنة ١٩٥ في عهد الأمين ( تاريخ الطبري ٨: ٣٩٥، ٩٩٣، ٤١٢. وسنة ١٩٧ ( تاريخ الطبري ٨: ٤٦٧ ) ٠ انظر فهرست تاريخ الطبري ١٠: ٣٠٦.

(٢) الثوية: موضع قريب من الكوفة. « معجم البلدان ٢: ٨٧ ».

(٣) في هامش « ش »: فجاولناها.

(٤) في « م » وهامش « ش »: التجأت.

(٥) في « م » وهامش « ش »: فتعجب.

٢٦

الرشيد من ذلك، ثمّ إنّ الظِباء هَبطَتْ من الأكَمَةِ فهبَطَتْ الصُقورةُ والكِلابُ، فرَجَعت الظِباء إلى الأَكمة فتراجعتْ عنها الكلاب والصُقورة، ففعلت(١) ذلك ثَلاثا (٢) ، فقال الرشيد: أًرْكُضُوا، فمن لقيتموه فأتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسَد، فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأكمة؟ قال: إن جعلتَ لي الأمان أخبرتُك. قال: لك عهدُ اللّه وميثاقه ألاّ اهِيجَك ولا أؤذِيك. قال: حدّثني أبي عن آبائي أنّهم كانوا يقولون أنّ في هذه الأكَمَةِ قبرَعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، جعله(٣) الله حَرَماً لا يأوِي إليه شيءٌ إلاّ أمِن. فنزل هارون فدعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الاكمَة وتمرَّغَ عليها وجعل يَبْكي، ثمّ انصرفنا.

قال محمّد بن عائشة: فكأنَّ قلبي لم يقبل ذلك، فلمّا كان بعد ذلك حججتُ إلى مكة، فرأيتُ بها ياسراً رحّال(٤) الرشيد، فكان يجلس معنا إذا طُفنا، فجرى الحديث إلى ان قال:

قال لي الرشيد ليلةً من الليالي، وقد قَدِمنا من مكةّ فنزلنا الكوفة: يا ياسر، قل لعيسى بن جعفرفليركب، فركبا جميعاً وركبت معهما، حتى إذا صِرنا(٥) إلى الغَرِيّن، فامّا عيسى فطرح نفسَه فنام، وأمّا الرشيد فجاء إلى أكمَةٍ فصلّى عندها، فكلّما صَلّى ركعتين دعا وبكى وتمرّغ

____________________

(١) في « م » وهامش « ش »: ففعلن.

(٢) في هامش « ش »: ملياً.

(٣) في هامش « ش »: جعلها.

(٤) في « م »: جمّال.

(٥) في هامش « ش »: صارا.

٢٧

على الأكَمَةِ، ثم يقول: يا عمّ(١) أنا والله أعْرِف فضلَك وسابقتَك، وبك والله جلستُ مجلسي الذي ( أنا فيه )(٢) ، وأنت أنت، ولكنَّ ولدَك يؤذونني ويخرُجون عليّ. ثمّ يقوم فيُصلّي ثم يعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي، حتّى إذا كان في وقت السحر قال لي: يا ياسر، أقِمْ عيسى، فأقمته فقال له: يا عيسى، قم صَلِّ عند قبر ابن عمّك. قال له: وأيًّ عُمومتي هذا؟ قال: هذا قبرُ عليّ بن أبي طالب، فتوضّأ عيسى وقام يُصلّي، فلم يَزالا كذلك حتّى طلع الفجر، فقلت: يا أمير المؤمنين أدركَك الصبحُ. فركِبنا ورَجَعنا إلى الكوفة (٣) .

* * *

____________________

(١) في « م » وهامش « ش »: يا بن عم.

(٢) في هامش « ش »: أنا به.

(٣) فرحة الغري: ١١٩، والخرائج والجرائح ١: ٢٣٤ / ذيل الحديث ٧٨ قطعة منه، الدلائل البرهانية المطبوع في الغارات ٢ / ٨٦٢ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢: ٣٣١ ذيل ح ١٦.

٢٨

باب طرف من أخبار أمير المؤمنينعليه‌السلام

وفضائله ومناقبه، والمحفوظ من كلامه وحِكمه ومواعظه،

والمرويّ من معجزاته وقضاياه وبيّناته:

فمن ذلك ما جاءت به الأخبار في تقدّم إيمانه باللّه ورسولهعليه‌السلام وسبقهِ به كافَةَ المكلفين من الأنام.

أخبرني أبو الجَيْش المظفّر بن محمّد البَلْخي قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسمِ البرتي(١) قال: حدَّثنا عبدُ الرحمن بن صالح الأزْدي قال: حدّثنا سعيد بن خُثَيْم قال: حدّثني أسَد بن ( عبداللّه )(٢) ، عن يحيى بن عَفيف(٣) ، عن أبيه قال:

____________________

(١) في « م » بخط حديث و « ش »: البرقي وفي هامش « ش »: البرتي وكأن فوقه علامة التصحيح - وقد يأتي في السندين الآتيين اسمه أيضاً وفي « م » و « ش » كليهما: البرتي - فان الظاهر أنّه أحمد ابن القاسم بن محمد بن سليمان أبو الحسن الطائي البرتي، وقد ترجم له في تاريخ بغداد ٤: ٣٥٠ وذكر وفاته في سنة ٢٩٦، ثم إنْ في هامش « ش » برْت: قرية بالعراق على القاطول خربة. وفي معجم البلدان ا: ٣٧٢: هي بليدة في سواد بغداد قريبة من المزرَفَة هـ وفي انساب السمعاني ٢: ١٢٧: هي مدينة بنواحي بغداد.

(٢) في « ش » و « ح »: اسد بن عبيدة، وفي هامش « ش »: هو اسد بن عبيدة كذا هو في كتاب ابن مردويه، والظاهر ان الصواب ما اثبتناه، وهو اسد بن عبدالله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري البجلي القسري، ابوعبدالله، ويقال: ابو المنذر، ولاه اخوه خالد ابن عبدالله القسري على خراسان سنة ١٠٨ هـ، روى عن ابيه وعن يحيى بن عفيف وعنه سعيد بن خثيم وسالم بن قتيبة الباهلي، توفي سنة ١٢٠ س، انظر « تهذيب الكمال ٢: ٥٠٤ / ٣٩٩، ميزان الاعتدال ١: ٢٠٦ / ٨١٢ و ٤: ٣٩٦ / ٩٥٨٩ ».

(٣) في هامش « ش »: هوعفيف بن قيس.

٢٩

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطّلبرضي‌الله‌عنه بمكّة قبل أن يظهرَأمرُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء شابّ فنَظَرإلى السماء حين تحلّقتِ(١) الشمسُ، ثمّ استقبلَ الكعبةَ فقام يُصلّي، ثمّ جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فرَكَع الشابًّ فرَكَع الغلامُ والمرأة، ثمّ رَفَع الشابًّ فرفعا، ثمّ سَجَدَ الشابُّ فسجدا، فقلت: يا عبّاس، أمر عظيم. فقال العبّاسُ: أمر عظيم، أتَدْري مَنْ هذا الشابّ؟ هذا محمّد بن عبداللّه - ابن أخي - أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ بن أبي طالب - ابنُ أخي - أتَدْري مَنْ هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربَّه - ربُّ السموات والأرض - أمَرَه بهذا الدين الذي هوعليه، ولا واللّه ما على ظَهْر الأرض على هذا الدين غيرُهؤلاء الثلاثة (٢) .

أخبرني أبوحَفْص عُمَر بن محمّد الصيرفي قال: حدثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج، عن أحمد بن القاسم البرتي، عن أبي صالح سَهْل بن صالح - وكان قد جاز مائة سنة - قال: سمعتُ أبا المعمّر عبّاد بن عبد الصمد قال: سمعتُ أنَسَ بن مالك يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « صَلّتِ الملائكة عليَّ وعَلى عليٍّ سبعَ سنين » وذلك أنه لم يُرْفَع إلى

____________________

(١) في هامش « ش » و « م »: تحلقت: ارتفعت.

(٢) تاريخ الطبري ٢: ٣١١، كنز الفوائد ١: ٢٦٢، مصباح الانوار: ٧٥، كفاية الطالب: ١٢٨، مناقب الخوارزمي: ٥٥ / ٢١، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد ١: ٢٠٩، الضعفاء الكبير للعقيلي ١: ٢٧ وهامشه، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٨٣، الاصابة ٢: ٤٨٧، الاستيعاب ٣: ٣٢، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ١٨، الكامل في التاريخ ٢: ٥٧، اعلام الورى: ٤٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨: ٢٤٤ / ذح ٤٠.

٣٠

السماء شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله إلاّ منّي ومن عليّ »(١) .

وبهذا الاسناد عن أحمد بن القاسم البرتي قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا نوح بن قَيْس قال: حدّثنا سليمان بن عليّ الهاشمي - أبوفاطمة - قال. سمعت مُعاذة العَدَويّة تقول: سمعتُ علياًعليه‌السلام على منبرالبصرة يقول: » أنا الصدّيق الأكبر، آمنتُ قبل أن يؤُمِنَ أبو بكر، واسلمتُ قبل ان يسلم »(٢) .

أخبرني أبو نَصْر محمّد بن الحسين الُمقرِئ البصير ( السِيرَواني )(٣) قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن أبي الثَلجْ قال: حدَّثنا أبو محمّد النَوْفَلي، عن محمّد بن عبد الحميد، عن عمروبن عبد الغفّار الفُقَيْمي قال: أخبرني إبراهيم بن حَيّان، عن أبي عبدالله - مولى بني هاشم - عن أبي سُخَيْلة قال: خرجت أنا وعمارحاجّين، فنزلنا عند أبي ذرّ فأقَمْنا عنده ثلاثةَ أيام، فلمّا دنا منّا الخُفوف(٤) قلت له: يا أباذرّ، إنّا لا نَراه إلاّ وقد دنا الاختلاط من الناس، فما ترى؟ قال: اِلزَمْ كتابَ الله وعليَّ بن أبي طالب، فأشْهَدُ على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنَه قال: « عليّ أوّلُ من

____________________

(١) الفصول المختارة: ٢١٥، مصباح الانوار: ٧٥، مناقب ابن المغازلي: ١٤، إعلام الورى: ١٨٥، مناقب الخوارزمي: ١٧ / ٥٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨: ٢٢٦ / ٣١.

(٢) الفصول المختارة: ٢١٠، أنساب الاشراف ٢: ١٤٦، كنز الفوائد ١: ٢٦٥، مناقب ابن شهر آشوب٢: ٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨: ٢٢٦ / ٣٢.

(٣) في « ح »: الشيرواني باعجام الشين ويحتمل صحة كليهما بان يكون السيرواني تعريباً للشيرواني، فقد يعبر باسمه الاصلي وقد يعبر باسمه المعرَب.

(٤) خفّ القوم: ارتحلوا « القاموس المحيط - خفف - ٣: ١٣٦ ».

٣١

آمن بي، وأوّلُ من يُصافحني يومَ القيامة، وهو الصِدِّيق الأكبر، والفاروق بينَ الحقّ والباطل، وإنّه يَعْسُوب(١) المؤمنين، والمال يَعْسُوب الظَلَمة (٢) .

قال الشيخ المفيد(٣) : والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وشواهدها جَمَّة، فمن ذلك: قول خُزَيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين - رحمة اللّه عليه - فيما أخبَرني به أبو عبيداللّه محمّد بن عِمْران المَرزْبانيّ، عن محمّد بن العبّاس قال: أنشدنا محمّد بن يزيد النحوي، عن ابن عائشة لخُزَيمة بن ثابت الأنصاريرضي‌الله‌عنه :

ما كنتً أحسبُ ( هذا الأمرَمُنْصَرِفاً )(٤)

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّلَ منْ صلّى لِقِبْلَتهم

وأعرفَ الناسِ بالاثار (٥) والسُنَن

واخِرَ الناس عَهداً بالنبيّ ومَنْ

جبريلُ عَوْنٌ له في الغَسْل والكَفَن

مَنْ فيه ما فيهمُ لايمترون به

وليس في القوم مافيه مِنَ الحَسَن

ماذا الذي رَدَّكم عنه فنَعْلَمه(٦)

ها إنَ بَيْعَتَكم من ( أغبن الغَبَن )(٧) (٨)

____________________

(١) اليعسوب: الرئيس الكبير، « القاموس - عسب - ١: ١٠٤ ».

(٢) أنساب الاشراف ٢: ١١٨، امالي الصدوق: ١٧١ / ٥، امالي الطوسي ١: ١٤٧، اختيار معرفة الرجال ١: ١١٣ / ٥١، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ٣١٥، اليقين: ٢٠٠، باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨: ٢١٠ ذيل ح ١٠.

(٣) في « م » زيادة: أدام تاييده.

(٤) في « م » وهامش « ش »: ان الامر منصرف.

(٥) في هامش « ش »: بالآيات.

(٦) في هامش « م »: لنعلمه.

(٧) في هامش « ش » و « م »: أول الفتن.

(٨) رواه سليم بن قيس في كتابه: ٧٨، والأربلي في كشف الغمة ١: ٦٧، وفيهما: عن العباس، وفي تاريخ اليعقوبي ٢: ١٢٤ عن عتبة بن أبي لهب، والجمل: ٥٨، عن عبدالله بن ابي سفيان

٣٢

فصل ومن ذلك ما جاء في فضلهعليه‌السلام على الكافّة في العلم:

أخبَرني أبو الحسن محمّد بن جعفر التَميمي النَحْوي قال: حدّثنا محمّد بن القاسم المُحارِبي البَزّاز قال: حدَّثنا هِشام بن يونس النَهْشَلي قال: حدّثنا عائذُ بن حَبيب، عن أبي الصباح الكِناني، عن محمّد بن عبد الرحمن السُلَمي، عن أبيه، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللةصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليُّ بن أبي طالب أعلمُ اُمّتي، وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي »(١) .

أخبرني أبو بكر محمد بن عُمَر الجعابيّ قال: حدّثنا أحمد بن عيسى أبو جعفر العِجْلي قال: حدَّثنا إسماعيل بن عبدالله بن خالد قال: حدَثنا عبيداللّه ابن عمرو الرقيّ(٢) قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عَقيل، عن حمزة بن أبي سعيد الخُدْري(٣) ، عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « أنا مدينة العلم وعلي بابُها، فمن أراد العلمَ فليقتبسه مِنْ علي »(٤) .

أخبَرني أبو بكر محمّد بن عُمَر الجِعابي قال: حدَّثنا يوسف بن

____________________

ابن الحارث بن عبد المطلب، والفصول المختارة: ٢١٦ عن ربيعة بن الحارث، وكنز الفوائد ١: ٢٦٧ عن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

(١) أمالي الصدوق: ٣٩٧ / ٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠: ١٤٣ / ٤٩.

(٢) ليس في متن « ش » و « م » و « ح » كلمة الرقي، وانما اضيفت في هامش « ش » و « م » تصحيحاً.

(٣) في « ش »: عن حمزة، عن ابي سعيد الخدري.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠: ٢٠٢ / ٧.

٣٣

الحَكَم الحنّاط قال: حدَّثنا داود بن رُشَيْد قال: حدَّثنا سَلمَة بن صالح الأحمر، عن عبد المَلِك بن عبد الرحمن، عن الأشْعَث بن طَليقٍ قال: سمعتُ الحسنَ العُرَني يُحدِّث عن مُرّةٍ، عن عبدالله بن مسعود قال: استدعى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً فخلا به، فلمّا خَرَج إلينا سألناه ما الذي عَهِدَ اليك؟ فقال: « علّمني ألفَ باب من العلم، فَتَحَ لي كلًّ بابٍ ألفَ باب »(١) .

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز(٢) قال: حدَّثنا أبو مالك كثير بن يحيى قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن أبي السَرِيّ قال: حدَّثنا أحمد ابن عبداللّه بن يونس، عن سعدٍ الكناني، عن الأصْبَغ بن نُباتة قال: لما بويع أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالخلافة خرج إلى المسجد مُعْتَمّاً بعِمامة رسولِ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لابِساً بُرْدَيه(٣) ، فصَعِد المِنْبَر فحمد اللّه وأثنى عليه ووَعَظ وأنذر، ثمّ جلس مُتَمكِّناً وشَبَّك بين

____________________

(١) اعلام الورى: ١٦٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠: ١٤٤ / ٥٠.

(٢) في متن « ش » و « م »: أبوبكر، وفي « ح »: أبو الجيش وقد صحح أبو بكر بأبي الحسين في هامش « ش » و « م » وقد جعل على أبي بكر في « ش » علامة الزيادة، وكتب في هامشها معلماً بعلامة ( س ) ووجدت في نسخة منقوِلة ممّا قرئ على الشيخ: أبو الحسين محمد بن المظفر البزاز في عدة مواضع فهو الصحيح، وأيضاَ كتب في هامشها: أبو الحسين الحافظ البغدادي وكان معاصراً للدار قطني ويعرف أبو الحسين بالبزاز الاشهب وهو محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى، انتهى.

وتوجد هذه الحاشية في هامش « م » أيضاً لكن محي اكثره.

وعلى أي حال أبو الحسين البزاز مترجم في تاريخ بغداد ٢ / ٢٦٢ وذكر ولادته سنة ٢٨٦ ووفاته سنة ٣٧٩ وقال: حدثني أبو بكر البرقاني قال: كتب الدارقطني عن ابن المظفر ألف حديث، والف حديث، والف حديث، فعدّد ذلك مرّات.

(٣) في هامش « ش »: بردته.

٣٤

أصابعه ووَضَعَها أسفل سُرته(١) ، ثمّ قال:

« يا مَعْشَر الناس، سَلوُني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنّ عندي علمَ الأوّلين والآخِرين. أما - واللّه - لو ثُنيَ لي الوِساد(٢) ، لحكمتُ بينَ أهلِ التوراة بتَوْراتهم، وبينَ أهلِ الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزَبور بزَبورهم، وأهل القرآن بقرآنهم، حتى يَزْهَرَ(٣) كل كتاب من هذه الكُتُب ويقول: يا ربّ إنّ عليّاً قَضى بقضائك. واللّه إنّي أعْلَمُ بالقران وتأوِيله من كلّ مُدعٍ علْمَه، ولولا آيةٌ في كتاب اللّه لأخْبَرْتُكم بما يكون إلى يوم القيامة » - ثمّ قال -: « سلوني قبل أن تَفْقِدُوني، فوالّذي فَلَق الحبّة وبَرَأ النَسَمة، لو سألتموني عن آية آية، لأخبرتُكم بوقت نزولها وفي مَنْ(٤) نَزَلَتْ، وأنبأتًكم بناسخها من منسوخها، وخاصِّها من عامّها، ومُحْكَمها من متَشابهها، ومكيّها من مدنيّها. والله ما فئةٌ ( تُضَلّ أو تُهْدى )(٥) إلاّ وأنا أعرف قائدَها وسائقها وناعقَها إلى يوم القيامة »(٦) .

في أمثال هذه الأخبار ممّا يطول به الكتاب.

____________________

(١) في « م »: بطنه.

(٢) في هامش « ش » و « م »: الوسادة.

(٣) في هامش « ش » و « م »: ينطق.

(٤) في « م » وهامش « ش »: وفيم.

(٥) في « م » وهامش « ش »: تَضِل أو تَهدِي.

(٦) التوحيد: ٣٠٤، امالي الصدوق: ٢٨٠، الاختصاص: ٢٣٥، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ٣٨ باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠: ١٤٤ / ٥١.

٣٥

فصل

ومن ذلك ماجاء في فضلهعليه‌السلام :

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز قال: حدَّثنا عُمَر بن عبداللّه ابن عِمْران قال: حدَّثنا أحمد بن بَشير قال: حدَّثنا عبيدالله بن موسى، ( عن قَيْس، عن أبي هارون )(١) قال: أتيت أبا سعيد الخدْريرحمه‌الله فقلت: هل شَهِدْتَ بَدْراً؟ فقال: نعم. قال: سَمِعتُ رسولَ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةَ وقد جاءَتْه ذاتَ يوم تبكي وتقول: « يا رسولَ الله عَيّرتْني نساءُ قُريش بفقر عليّ. فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضَيْن يافاطمة - أني زوّجتُك أقدمَهم سِلْماً، وأكثرَهم علماً، إنّ اللّه اطَّلع إلى اهل الأرض اطلاعةً فاختارمنهم أباك فجعله نبيّاً، واطّلع إليهم ثانيةً فاختارمنهم بَعْلَك فجعله وصيّاً، وأوحى إليَّ أن ( أًنكحَكِ إيّاه )(٢) . أما عَلِمْتِ يا فاطمة أنّك بكرامة اللّه إياك زوّجْتُكِ(٣) أعظمَهم حلماً، وأكثرهَم علماً، وأقدمَهم سِلماً ».

فضَحِكتْ فاطمةعليها‌السلام واستبشرتْ، فقال لها رسولُ الله صلّى

____________________

(١) كذا في « ش » و « م » وفي هامش « ش »: قيس بن أبي هارون ( ج )، وقد جعل فوق قيس عن أبي هارون في المتن علامة التصحيح مرتين، وفي هامش « ح » و « م »: هو قيس بن الربيع كوفي كثير الرواية عن أبي هارون العبدي وهوتابعي. روى عن أبي سعيد، ثم إنّ في نسخة « ح »: عبيدالله بن موسى عن قيس أبي هارون.

(٢) في هامش « ش »: انكحكه هو.

(٣) في « م » و « ح »: زوّجك.

٣٦

اللّه عليه واله: « يافاطمة، إنّ لعليٍّ ثمانيةَ أضراس قواطِعَ لم تجعل لأحدٍ من الأوّلين والآخرين: هو أخي في الدنيا والآخرة ليس ذلك لغيره من الناس، وأنت - يا فاطمة - سيّدةُ نساء أهل الجنة زوجتُه، وسِبْطا الرحمة سبطاي ولده(١) ، وأخوُه المُزَيّن بالجَناحين فِى الجنّة يَطير مع الملائكة حيث يشاء، وعنده علمُ الأوّلين والاخرين، وهو أوّلُ من آمن بي واخِرُ الناس عهداً بي، وهو وصيّي ووارثُ الأوصياء (٢) »(٣) .

قال الشيخ المفيد: وجدتُ في كتاب أبي جعفر محمّد بن العبّاس الرازي: حدَّثنا محمّد بن خالد قال: حدَّثنا إبرهيم بن عبداللّه قال: حدَّثنا محمّد ابن سليمان الديلمي، عن جابر بن يزيد الجُعفىِ، عن عَدِيّ بن حَكِيم عن عبدالله بن العبّاس قال: قال: لنا أهل البيت سبعُ خِصالٍ، ما منهنّ خصْلةٌ في الناس: منّا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنّا الوصيّ خيرُ الأمّة بعده عليّ بن أبي طالب، ومنّا حمزةُ أسد اللّه وأسدُ رسوله وسيّد الشهداء، ومنّا جعفرُ بن أبي طالب المُزَيّن بالجَناحين يَطير بهما في الجنّة حيث يشاء، ومنّا سِبْطا هذه الأمّة وسَيّدا شَباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومنّا قائمُ آل محمّد الذي أكرم اللّه به نبيّه، ومنّا المنصور(٤) .

____________________

(١) في هامش « ش » و « م »: ولداه.

(٢) في هامش « ش »: الوصيين.

(٣) اشار الى قطعة منه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١٠١، ونقله الطبرسي في إعلام الورى: ١٦٤، والعلامة المجلسي في البحار٤٠: ١٧ / ٣٤.

(٤) ورد نحوه في الخصال: ٣٢٠ ومصباح الأنوار: ١٥٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٧: ٤٨ / ٢٥ وقال ( ره ): « لعل المراد بالمنصور ايضأ القائمعليه‌السلام بقرينة ان بالقائم يتم السبع ويحتمل ان يكون المراد به الحسينعليه‌السلام فانه منصور في الرجعة » وفسّره في هامش ( م ): « اَيْ ونحن المنصورون لانا جند الله قال اللّه تعالى: (وانهم لهم المنصورون ).

٣٧

و روى محمّد بن أَيْمَن(١) ، عن أبي حازِم - مولى ابنِ عبّاس - عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « يا عليّ، إنّك تُخاصَم فتَخْصِمُ بسبع خصالٍ ليس لأحد مثلهن: انت أوّلُ المؤمنين معي إيماناً، وأعظمهُم جهاداً، وأعلمُهم بآيات(٢) اللّه، وأوفاهم بعهدِ الله، وأرأفهُم بالرعية، وأقسمُهم بالسويّة، وأعظمهُم عند اللّه مزية »(٣) .

في أمثال هذه الأخبار ومعانيها، ممّا هي أشهر عند الخاصّة والعامّة من أن يحتاجَ فيها إلى إطالة خُطَب(٤) . ولو لم يكن منها إلاّ ما انتَشَر ذكرُه، واشتهرت الرواية به من حديث الطائر، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهَمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، يأكُل معي من هذا الطائر »(٥) فجاء أميرُ المؤمنينعليه‌السلام لكفى، إذ كان أحب الخلق إلى اللّه تعالى، وأعظمَهم ثواباً عنده، وأكثرَهم قُرباً إليه، وأفضلهم عملاً له.

وفي قول جابر بن عبداللّه الأنصاري، وقد سُئل عن أمير المؤمنين

____________________

(١) في هامش نسخة « ش »: وهو محمد بن اسحاق بن يسار، وقبره ببغداد ولعل كلمة ( أيمن ) كانت قد صحفت: باسحاق، فهذه الحاشية تفسير لتلك العبارة المصحفة ولذلك جعل على كلمة ( ايمن ) علامة التصحيح.

(٢) في « م » وهامش « ش »: بأيام.

(٣) رواه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: ٢٧١، وورد باختلاف في الفاظه في الخصال: ٣٦٣ / ٥٤، ومصباح الانوار: ١١٥، وكفاية الطالب: ٢٧٠ عن معاذ بن جبل، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠: ١٧ / ٣٥.

(٤) في هامش « ش »: شرح.

(٥) حديث الطائر من الاحاديث المشهورة التي جاوزت اسانيدها المئات والتي افردت بالتأليف من قبل جماعة من الحفاظ من كلا الفريقين، انظر على سبيل المثال مجلد حديث الطيرمن كتاب عبقات الانوار.

٣٨

عليه‌السلام فقال: « ذاك خيرُ البَشرَ، لا يَشُكّ فيه إلاّ كافر »(١) حجةٌ واضحة فيما قدّمناه، وقد أسْنَد ذلك جابرٌ في رواية جاءت بأسانيد متّصلة معروفة عند أهل النقل (٢) .

والأدلّةُ على أنّ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام أفضلُ الناس بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متناصرةٌ، لو قَصَدنا إلى إثباتها(٣) لأفردنا لها كتاباً، وفيما رَسَمناه من الخبر بذلك مُقنع فيما قصدناه من الاختصار، ووضعِه فِى مكانه من هذا الكتاب.

فصل

ومن ذلك ماجاء من الخبر بأنّ

محّبتهعليه‌السلام عَلَمٌ على الإيمان وبغضه عَلَم على النفاق:

حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عُمَر المعروف بابن الجِعابي الحافظ قال: حدَّثنا محمد بن سَهْل بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن عُمَر الدِهْقان قال: حدَّثنا محمد بن كثيرقال: حدَّثنا إسماعيل بن مُسْلِم قال: حدَّثنا الأعْمَش، عن عَدِيّ بن ثابت، عن زِرّ بن حُبَيْش قال: رأيتُ أميرَ المؤمنين

____________________

(١) امالي الصدوق: ٧١ / ٧، مصباح الانوار: ١٢٥، مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٦٧، كفاية الطالب: ٢٤٦ وفيه عن عائشة.

(٢) انظر على سبيل المثال انساب الاشراف ٢: ١١٣ / ٥٠، تاريخ بغداد ٧: ٤٢١، تاريخ دمشق - ترجمة الامام عليعليه‌السلام - ٢: ٤٤٥ / ٩٥٨ - ٩٦٢، اللآلي ١: ٣٢٨، منتخب كنزالعمال ٥: ٣٥.

(٣) في « م »: انتهائها.

٣٩

علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر، فسَمِعته يقول: « والذي فَلَق الحبة وبرأ النَسَمة، إنّه لعهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ أنّه لا يُحبُّك إلاّ مؤمن ولا يُبْغِضُك إلاّ منافقٌ »(١) .

أخبرني أبو عبيداللّه محمّد بن عمران المرَزباني قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عبد العزيز البَغَوِيّ قال: حدَّثنا عبيداللّه بن عُمَر القَوارِيري قال: حدَّثنا جعفر بن سُليمان قال: حدَّثنا النَضْر بن حُمَيد، عن أبي الجارُود، عن الحارث الهَمْداني قال: رأيتُ علياًعليه‌السلام جاء حتّى صَعِد المِنْبَر، فحَمد اللّه وأثنى عليه ثمِّ قال: « قضاءٌ قضاه اللّه عزّوجلّ على لسان النبي(٢) الاميّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا يُحبّني إلاّ مؤمنٌ، ولا يُبْغضني إلاّ منافق، وقد خاب مَن افترى »(٣) .

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المظفَّر البَزّاز، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدَّثنا محمّد بن موسى البَربَري، قال: حدَّثنا خَلَف بن سالم، قال: حدَّثنا وكيع، قال: حدَّثنا الأعْمَش، عن عديّ بن ثابِت، عن زِرّ بن حُبَيش، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: « عَهِدَ إليّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه لا يُحَّبك إلاّ مؤمنٌ، ولا يُبْغِضُك إلاّ منافق »(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ١: ٨٦ / ١٣١، سنن الترمذي ٥: ٩٠٦ / ٣٨١٩، خصائص النسائي: ٨٣ / ٩٥، كنز الفوائد ٢: ٨٣، مناقب آل ابي طالب ٣: ٢٠٦، بشارة المصطفى: ٦٤ و ٧٦، كفاية الطالب: ٦٨، فتح الباري ٧: ٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٩: ٢٥٥ / ٢٨.

(٢) في هامش « ش « و « م »: نبيّكم.

(٣) مسند أبي يعلى الموصلي ١: ٣٤٧، وكنز الفوائد ٢: ٨٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٩: ٢٥٥ / ٢٩.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١: ٩٥، سنن ابن ماجة ١: ٤٢ / ١١٤، سنن النسائي ٨:

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364