الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد10%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الجزء ١ المقدمة الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185197 / تحميل: 10180
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

باب ذكر الإمامِ بعدَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ

وتاريخَ مولدِه، ودلائل إمامتهِ، ومدّةِ خلافتِه، ووقتِ

وفاتِه، وموضعِ قبرِه، وعددِ أولادِه، وطرفٍ من أخبارِه

والإمامُ بعدَ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام ابنهُ الحسنُ ابنُ سيدةِ نساءِ العالمينَ فاطمةَ بنتِ محمّد سيدِ المرسلينَصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرينَ.

كنيتُه أبومحمّدٍ. ولدَ بالمدينةِ ليلةَ النِّصفِ من شهر رمضانَ سنةَ ثلاثٍ منَ الهجرة، وجاءتْ به فاطمةُ إلى النّبيِّ عليه وآلهِ السلام يومَ السابعِ من مولدِه في خرقةٍ من حريرِالجنّةِ كانَ جَبْرَئِيْلعليه‌السلام نزلَ بها إِلى رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمّاه حسناً وعَقَّ عنه كبشاً، روى ذلكَ جماعةٌ، منهم أحمدُ بنُ صالحٍ التميميّ، عن عبدِاللهِ بنِ عيسى، عن جعفرِبنِ محمّدٍعليهما‌السلام (١) .

وكانَ الحسنُ أشبهَ الناسِ برسولِ اللهِ صلّى الله عليهِما خَلْقاً(٢) وسُؤدداً وهَدياً. روى ذلكَ جماعةٌ منهم معمر، عنِ الزُّهريِّ، عن أنسِ ابن مالكٍ قالَ: لم يكنْ أحدٌ أشبهَ برسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٢٦ / ٢٥٠.

(٢) في هامش «ش» و «م»: خُلُقاً.

٥

منَ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام (١) .

وروى إِبراهيمُ بنُ عليِّ الرافعي(٢) ، عن أبيه، عن جدّتِه زينبَ بنتِ أبي رافعٍ قالَ(٣) : أتتْ فاطمَةُ بابنيها الحسنِ والحسينِ إِلى رسولِ اللّهِ

__________________

(١) صحيح البخاري ٥: ٣٣، سنن الترمذي ٥: ٦٥٩ / ٣٧٧٦، تاريخ دمشق - ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام -: ٢٨ / ٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٣٣٨ / ١٠.

(٢) في «ش» و «م»: الرافقي، واضاف في هامش «ش»: « الرافقة بلدة مما يلي المصر» وفيه دلالة على التفات الناسخ الى هذهِ الكلمة واختياره لها. الا ان الصواب ما في «ح» وهوما اثبتناه في المتن. فقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله (١٤٦ / ٦٥) قائلاً: ابراهيم بن علي بن الحسن بن علي بن ابي رافع المدني. وفي تاريخ بغداد (٦: ١٣١): ابراهيم بن علي بن حسن بن علي بن ابي رافع المدني حدّث عن ابيه علي روى عنه ابراهيم بن حمزة الزبيري. وهذا الخبرمذكور في عدة مصادر مع بعض الاختلاف، ففي الخصال (١: ٧٧) ذكره باسناده عن ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن علي الرافعي عن ابيه عن جدته بنت ابي رافع، وبهذا الاسناد في تاريخ ابن عساكرمسنداً الى ابن منده، وكذا في اُسد الغابة (١: ٤١) عن ابن مندة وابي نعيم، الا انه اسقط منه (عن ابيه)، لكن اورد الخبر في الاصابة وقال: اخرجه ابن مندة من رواية ابراهيم بن حمزة الزبيري عن ابراهيم بن حسن بن علي الرافعي عن ابيه، ونظيره في كفاية الطالب عن حلية الاولياء. والظاهر وقوع التحريف فيه اما بسقوط (بن علي ) بعد ابراهيم او بتقديم وتاخير. فتأمل.

(٣) النسخ ههنا مشوشة غاية التشويش، ففي «ش»: عن جدّته زينب وشبيب بن أبي رافع قال وجعل فوق (وشبيب) علامة الزيادة، فيصير المتن: عن جدّته زينب بن ابي رافع قال وفيه اشكال من ناحية تذكيركلمتي (بن ) و (قال )، وفي هامش «ش» أشار الى ثلاث نسخ احداهن: جدهّ وشبيب، والثانية: زينب بنت أبي، والثالثة:عمّن حدثه، وبعد هذه النسخة علامة: ج. ونسخة «م» أكثرتشويشاً، ففيها قد غيرت العبارة وذكر في هامشها نسخاً وكأنّ فيها نفس النسخ أيضاً، وفي هامشها: صوّب نسخة ( عن جده وشبيب بن أبي رافع قال ) وهذه النسخة هي الموجودة في «ح » وعلى أي حال فالنسخ متفقة على اثبات كلمة قال بصيغة التذكير ويمكن توجيهه بارجاع الضمير الى أبي رافع، وان كان الاظهر غفلة النساخ عن تصحيح هذه الكلمة بعد تصحيح اسم الراوي. وفي بعض

٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله في شكواه الّتي تُوفِّيَ فيها فقالتْ: «يا رسولَ اللّهِ، هذانِ ابناكَ ورِّثْهما(١) شيئاً» فقالَ: «أمّا الحسنُ فإنّ له هَدْيي وسؤددي، وأمّا الحسينُ فإِنّ له جودي وشَجاعتي »(٢) .

وكانَ الحسنُ بنُ عليٍّ وصيَّ أبيهِ أمير المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليهما على أهلِه وولده وأصحابِه، ووصّاه بالنّظرِ في وُقُوفه وصَدَقاتِه، وكتبَ له(٣) عهداً مشهوراً ووصيّةً ظاهرةً في معالمِ الدِّينِ وعُيونِ الحكمةِ والادابِ، وقد نقلَ هذهِ الوصيّةَ جمهورُ العلماءِ، واستبصرَ بها في دينهِ ودنياه كثيرٌ منَ الفقهاءِ.

ولمّا قُبضَ أميرُ المؤمنينَعليه‌السلام خطبَ النّاسَ الحسنُعليه‌السلام وذكرَحقَّه، فبايَعَه أصحابُ أبيه على حرب مَنْ حارَبَ وسِلْمِ مَنْ سالَمَ.

وروى أبو مخنف لوطُ بنُ يحيى قالَ: حدّثَني أشعثُ بنُ سوّار(٤) ، عن أبي إِسحاقَ السَّبيعي وغيرِه قالوا: خطبَ الحسنُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام صبيحةَ اللَيلةِ الّتي قُبِضَ فيها أميرُ المؤمنينَ عليهِ

__________________

النسخ المعتبرة والبحار: زينب بنت أبي رافع، ثم ان مصادر الحديث مختلفة أيضاً، وذكر الخبر في ترجمة زينب بنت أبي رافع لا يرفع الاشكال في المسألة.

(١) في هامش «ش» و «م»: فورّثهما.

(٢) ذكره الصدوق في الخصال: ٧٧ / ١٢٢، والخوارزمي في مقتل الحسينعليه‌السلام ١: ١٠٥، وابن عساكر في تاريخ دمشق ضمن ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام : ١٢٣، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٢٤، وابن حجر في الاصابة ٤: ٣١٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٤: ٢٦٣ / ١٠.

(٣) في « ش » وهامش « م »: اليه.

(٤) كذا في «م» و «ح »، وفي «ش»: سوّاد، وهو تصحيف.

٧

السّلامُ فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه، وصلّى على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال: «لقد قُبِضَ في هذِه الليلةِ رجلٌ لم يَسبِقْه الأوّلونَ بعملٍ، ولا يُدرِكُه الآخِرونَ بعملٍ، لقد كانَ يُجاهِدُ معَ رسولِ اللهِّ فَيقِيهِ بنفسِه، وكانَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله يُوجِّههُ برايتهِ فيَكنُفُه جَبْرَئيْلُ عن يمينهِ وميكائيلُ عن يسارِه، فلا يَرجعُ حتّى يفتحَ اللهُ على يديهِ. ولقد تُوُفِّيَعليه‌السلام في الليلةِ الّتي عُرِجَ فيها بعيسى بن مريمعليه‌السلام ، وفيها قُبِضَ يُوْشَعُ بنُ نونٍ وصيُّ موسى، وما خلّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلاّ سبعمائةِ دِرْهمٍ فضلَتْ من عطائه، أرادَ أنْ يبتاعَ بها خادِماً لأهلِه » ثمّ خنقتْه العبرةُ فبكى وبكى النّاسُ معَه.

ثمّ قالَ: «أنا ابنُ البشيرِ، أنا ابنُ النّذيرِ، أنا ابنُ الدّاعي إِلى اللهِ بإِذنهِ، أنا ابنُ السِّراجِ المنيرِ، أنا من أهلِ بيتٍ أذهبَ اللهُ عنهم الرِّجسَ وطهّرَهم تطهيراً، أنا من أهلِ بيتٍ افترضَ اللهُ حبَّهم في كتابهِ فقالَ عزّ وجلّ:( قُلْ لا أسْثَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرف حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فِيْهَا حُسْنَاً ) (١) فالحسنةُ مودَّتُنا أهلَ البيتِ ».

ثمّ جلسَ فقامَ عبدُاللهِ بن عبّاسٍ رحمة اللهِّ عليهما بينَ يديه فقالَ: معاشرَ النّاسِ، هذا ابنُ نبيِّكم ووصيُّ إِمامِكم فبايعُوه. فاستجابَ له النّاسُ وقالوا: ما أحبَّه إِلينا! وأوجبَ حقَّه عَلينا!

__________________

(١) الشورى ٤٢: ٢٣.

٨

و تَبادَروا إِلى البيعةِ له بالخلافةِ(١) ، وذلكَ في يومِ الجمعةِ الحادي والعشرينَ من شهرِ رمضانَ سنةَ أربعينَ منَ الهجرةِ. فرتّبَ العُمآَلَ وأمر الامراءَ، وأنفذَ عبدَاللّه بن العبّاسِ رضيَ اللهُّ عنه إِلى البصرةِ، ونظرَ في الأمورِ.

ولمّا بلغَ معاويةَ بنَ أبي سُفيانَ وفاةُ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وبيعةُ النّاسِ الحسنَعليه‌السلام دَسَّ رجلاًَ من حِمْيَر إِلى الكوفةِ، ورجلاً من بَلقَين(٢) إِلى البصرةِ، ليكتُبا إِليه بالأخبارِ ويُفسِدا على الحسنِعليه‌السلام الأمورَ. فَعرَفَ ذلكَ الحسنُعليه‌السلام فأمرَ باستخراجِ الحِميريِّ من عندِ حَجّامٍ بالكوفةِ فأُخرِجَ فأمرَ بضربِ عنقهِ، وكتبَ إِلى البصرةِ فاستخرج القَيْنيّ من بني سُلَيْم وضرِبَتْ عنقه.

وكتبَ الحسنُعليه‌السلام إِلى معاويةَ:

«أما بعد فإنكَ دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنك تُحب اللقاء، (وما أوشَكَ ذلك (٣) !فتوقّعه إن شاء الله. وبلغني أَنّك شمّتَ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الاوّل:

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٥١، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٣٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٣: ٣٦٢، وأخرج قطعاً منه اكثرأهل السير.

(٢) بلقين: أصله بنوالقين والنسبة قيني احدى قبائل العرب. انظر «القاموس المحيط - قين - ٤: ٢٦٢».

(٣) في هامش «ش»: وما اشك في ذلك.

٩

فقُلْ للذِي يَبْنِيْ خِلاَفَ الّذِي مَضـىَ

تَجَهَزْ لأخْرَى مِثْلِهَا فَكَأنْ قَدِ

فإِنّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِيْ

يَرُوْحُ َفيُمسِي في المَبِيْتِ لَيَغْتَدِيْ »

فأجابَه معاويةُ عن كتابِه بما لا حاجةَ بنا إِلى ذكرِه(١) .

و كانَ بينَ الحسنِعليه‌السلام وبينَه بعدَ ذلكَ مُكاتباتٌ ومُراسلاتٌ واحتجاجاتٌ للحسنِعليه‌السلام فِى استحقاقِه الأمرَ، وَتَوَثُّب من تقدَّمَ على أبيهعليهما‌السلام وابتزازِه سُلطان ابنِ عمِّه رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحقُقِّهم به دونَه، وأشياء يطولُ ذكرُها.

وسارَ معاويةً نحوَ العراقِ ليَغلِبَ عليه، فلمّا بلغَ جسرَ مَنْبِجَ(٢) تحرّكَ الحسنُعليه‌السلام وبعثَ حُجْرَ بنَ عَدِيٍّ فأمَر العُمّالَ بالمسيرِ، واستنفرَ النّاسَ للجهادِ فتثاقلوا عنه، ثمّ خفَّ معَه أخلاطٌ منَ النّاسِ بعضُهم شيعةٌ له ولأبيهعليهما‌السلام ، وبعضُهم ُمحكِّمةٌ(٣) يُؤثرونَ قتالَ معاويةَ بكلِّ حيلةٍ، وبعضُهم أصحابُ فتنِ وطمعٍ في الغنائمِ، وبعضُهم شُكّاكٌ، وبعضُهم أصحابُ عصبيّةٍ اتَّبعوا رؤساءَ قبائلِهم لا يَرجعونَ إِلى دين.

__________________

(١) رواه ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين: ٥٣ وكذا ما بعده مفصلاً الى آخر الفصل، وابن أبي الحديد في شرحه ١٦: ٣١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ٤٥ / ٥.

(٢) منبج: بلد بالشام. «معجم البلدان ٥: ٢٠٥ ».

(٣) المحكمة: الخوارج. انظر «الملل والنحل ١: ١٠٦ » و «القاموس المحيط - حكم - ٤: ٩٨».

١٠

فسارَ حتّى أتى حَمّامَ عُمرَ(١) ، ثمّ أخذَ على دَيرِكَعْبٍ، فنزلَ سَاباط دون القَنطرةِ وباتَ هناكَ، فلمّا أصبحَ أرَادَعليه‌السلام أن يَمتحِنَ أصحابَه ويَستبرئَ أحوالَهم في الطّاعةِ له، ليتميّزَ بذلكَ أولياؤه من أعدائه، ويكونَ على بصيرِة في لقاءِ معاويةَ وأهلِ الشّامِ، فأمرَ أن يُناديَ في النّاسِ بالصّلاةِ جامعةً، فاجتمعَوا فصعدَ المنبرَ فخطبَهم فقالَ: «الحمدُ للهِّ بكلِّ ما حَمِدَه حامِدٌ، وأشهدُ أن لا إِلهَ إِلاّ اللهُ كلَّما شهدَ له شاهدٌ، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولُه، أرسلَه بالحقِّ وائتمنَه على الوحيِصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أ مّا بعدُ: فوَاللهِ إِنِّي لأرجو أن أكونَ قد أصبحتُ - بحمدِ اللهِ َومنِّهِ - وأنا أنصحُ خلقِ اللهِ لخلقهِ، وما أصبحتُ محتملاً على مسلم ضغِيْنةً ولا مُريداً له بسوءٍ ولا غَائلةٍ، ألا واِنَّ ما تَكرهُونَ في الجماعةِ خير لكم ممّا تحبُّونَ في الفُرقةِ، ألا وَانِّي ناظرٌ لكم خيراً من نَظرِكم لأنفسِكم فلا تُخالِفوا أمري، ولا تَرُدُّوا عليَّ رأيي، غفرَ اللهُ لي ولكم وأرشَدَنِي ِوايّاكم لما فيه المحبّةُ والرِّضا»(٢) .

قالَ: فنظرَ النّاسُ بعضُهم إِلى بعض وقالوا: ما تَرَوْنَه يرُيدُ بما قالَ؟ قالوا: نَظُنُّه - واللهِّ - يرُيدُ أن يُصالحَ معاويةَ ُويُسَلِّمَ الأمر إليه، فقالوا: كفرَ - واللهِ - الرّجلُ، ثمّ شدُّوا على فُسْطَاطِه فانتهبوه، حتّى أخذوا مُصلاّه من تحتهِ، ثمّ شدَّ عليه عبدُ الرحمن بن عبدِاللّهِ بنِ جِعَالٍ الأزْديّ فنزعَ مِطْرَفَه(٣) عن عَاتِقهِ، فبقيَ جالساً متقلِّداً السّيفَ بغير

__________________

(١) حَمّام عمر: هي قرية، كذا في هامش «ش» و «م».

(٢) مقاتل الطالبيين: ٦٣.

(٣) المطرف: رداء من خز. «الصحاح - طرف - ٤: ١٣٩٤».

١١

رداءٍ.

ثمّ دَعَا بفرسِه فرَكِبَه، وأحْدَقَ به طَوَائفُ مِن خاصّتِه وشيعتِه ومنعوا مِنه مَنْ أرادَه، فقالَ: «ادعُوا إِليَّ(١) رَبيْعةَ وهَمْدانَ » فدُعُوا له فأطافوا به ودفعوا النّاسَ عنه. وسارَو معَه شوبٌ(٢) منَ النّاسِ، فلمّا مرَّ في مُظلمِ ساباط بَدَرَ إِليه رجلٌ من بني أسد يُقالُ له: الجَرّاحُ بنُ سِنان، فأخذَ بلجامِ بغلتهِ وبيدِه مِغْوَلٌ(٣) وقالَ: اللهُ أكبرُ، أشركتَ - يا حسنُ - كما أشركَ أبوكَ من قبلُ، ثمّ طعنَه في فخذِه فشقَّه حتّى بلغَ العظمَ، فاعتنقَه الحسنُعليه‌السلام وَخَرّا جميعاً إِلى الأرضِ، فوثبَ إِليه رجلٌ من شيعةِ الحسنِعليه‌السلام يقُالُ له: عبدُالله بن خَطَلٍ الطّائي، فانتزعَ المغولَ من يدِه وخَضْخَضَ به جوفَه، وأكبَ عليهِ آخر يُقالُ له: ظَبْيَانُ بنُ عُمارةَ، فقطعَ أنفَه، فهلكَ من ذلكَ. وأُخِذَ آخرُ كانَ معَه فقُتِلَ.

وحُمِلَ الحسنُعليه‌السلام على سريرٍ إِلى المدائنِ، فاُنزلَ به على سعدِ بنِ مسعودٍ الثّقفيّ، وكانَ عاملَ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام بها فأقرَّه الحسنُعليه‌السلام على ذلكَ، واشتغلَ بنفسِه يعُالِجُ جُرْحَه.

وكتبَ جماعةٌ من رؤساءِ القبائلِ إِلى معاويةَ بالطّاعةِ له في السِّرِّ، واستحثّوه على السّيرِ نحوَهم، وضَمِنُوا له تسليمَ الحسنِعليه‌السلام إِليه عندَ دُنُوِّهم من عسكرِه أو الفتكَ به، وبلغَ الحسنَ ذلكَ. ووردَ

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: لي.

(٢) الشوب: الخليط - من الناس -. « الصحاح - شوب - ١: ١٥٨ ».

(٣) المغول: سيف دقيق له قفا يكون غمده كالسوط. «الصحاح - غول - ٥: ١٧٨٦ ».

١٢

عليه كتابُ قيسِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنه وكانَ قد أنفذَه مع عُبيدِاللهِ بنِ العبّاسِ عندَ مسيرِه منَ الكوفةِ، ليَلقى معاويةَ فيَرُدَّه عنِ العراق، وجعلَه أميراً على الجماعةِ وقالَ: «إِنْ أُصبتَ فالأميرُ قيسُ بنُ سعدٍ» فوصلَ كتابُ ابنِ سعدٍ يُخبِرهُ أنّهم نازَلوا معاويةَ بقريةٍ يُقالُ لها الحَبُونيّة ُ(١) بإزاءِ مَسْكِنَ(٢) ، وأنّ معاويةَ أرسلَ إِلى عبيدِاللهِ بنِ العبّاس يُرَغِّبًه في المصيرِ إليه، وضَمِنَ له ألفَ ألفِ دِرْهمٍ، يُعجِّلُ له منها النًّصفَ، يُعطيه النِّصفَ الآخرَ عندَ دخوله الكوفةَ، فانسلّ عُبيدُالله بن العبّاسِ في الليلِ إِلى مُعسكر(٣) معاويةَ في خاصّتِه، وأصبجَ النّاسُ قد فَقَدُوا أميرَهم، فصلّى بهم قيسٌ رضيَ اللهُ عنه ونظر َفي أُمورِهم.

فازدادتْ بصيرةُ الحسنِعليه‌السلام بخذلانِ القوم له، وفسادِ نيّاتِ المُحكِّمةِ فيه بما أظهروه له من السّبَّ والتكفيرِ واستحَلالِ دمِه ونهب أموالهِ، ولم يبقَ معَه من يَاْمَنُ غوائلَه إِلاّ خاصّة من شيعتهِ وشيعَةِ أبيه أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام ، وهم جماعةٌ لا تقومُ لأجنادِ الشّام.

فكَتبَ إِليه معاويةُ في الهُدْنةِ والصُّلحِ، وأنفذَ إِليه بكُتُبِ أصحابِه التّي ضَمِنوا له فيها الفتكَ به وتسليمَه إِليه، واشترط له على نفسِه في إِجابتهِ إِلى صلحِه شروطاً كثيرةً وعقدَ له عُقوداً كانَ في الوفاءِ بها مصالحٌ

__________________

(١) كذا وردت في النسخ والصحيح: «الأخنونية» كما في تاريخ بغداد ١: ٢٠٨، وقال في معجم البلدان ١: ١٢٥: موضع من أعمال بغداد، قيل هي حَرْبى، وفي ج ٢: ٢٣٧ حَرْبى: بليدة في أقصى دُجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة.

(٢) مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دُجيل «معجم البلدان ٥: ١٢٧».

(٣) في «م» و «ح » وهامش «ش»: عسكر.

١٣

شاملةٌ ، فلم يَثِقْ به الحسنُعليه‌السلام وعلمَ احتيالَه بذلكَ واغتيالَه، غيرَ انّه لم يَجِدْ بدّاً من إِجابتهِإِلى ما التمسَ ( من ترك )(١) الحربِ وِانفاذِ الهدنةِ، لمِا كانَ عليه أصحابُه ممّا وصفْناه من ضعفِ البصائرِ في حقِّه والفسادِ عليه والخُلْفِ منهم له، وما انطوى كثيرٌ منهم عليهِ فيا ستحلالِ دمِه وتسليمهِ إِلى خصمِه، وما كانَ في خذلانِ ابن عمِّه له ومصيرهِ إِلى عدوِّه، وميلِ الجُمهورِمنهم إِلى العاجلةِ وزهدِهم في الآجلةِ.

فتوثّقَعليه‌السلام لنفسِه من معاويةَ لتأكيدِ الحجّةِ عليه، والإعذارِ فيما بينَه وبينَه عندَ اللهِ عزّ وجلّ وعند كافَّةِ المسلمينَ، واشترطَ عليه تركَ سبِّ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام والعدولَ عنِ القُنوتِ عليه في الصّلواتِ، وأنْ يُؤمنَ شيعتَه رضيَ اللهُ عنهم ولايتعرّضَ لأحدٍ منهم بسوءٍ، ويُوصِلَ إِلى كلِّ ذي حقٍّ منهم حقَّه. فأجابَه معاويةُ إِلى ذلكَ كلِّه، وعاهدَه عليه وحَلفَ له بالوفاءِ به.

فلمّا استتمّتِ الهُدنةُ على ذلكَ، سارَ معاويةُ حتّى نزلَ بالنُّخَيْلةِ(٢) ، وكانَ ذلكَ يومَ جمعةٍ فصلّى بالنّاسِ ضحى النّهارِ، فخطَبَهُم وقالَ في خطبتهِ: إِنِّي واللهِّ ما قاتلتُكم لتُصلُّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ، ولكنِّي قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكم، وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ. ألا ِوانِّي كنتُ منَّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ، وجَمِيعُها تحتَ قَدَمَيَّ لا أفي بشيءٍ منها له.

__________________

(١) في «ش»: منه وترك.

(٢) النخيلة: موضع قرب الكوفة «معجم البلدان ٥: ٢٧٨».

١٤

ثم سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً، فلما استتمّت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب النّاس، وذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام فنال منه ونال من الحسن، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه ثمّ قام فقال: « أيّها الذاكر عليّاً، أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدّتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً» فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.

ولمّا استقرّ الصلح بين الحسن صلوات الله عليه وبين معاوية على ما ذكرناه، خرج الحسنعليه‌السلام إلى المدينة فأقام بها كاظماً غيظه، لازماً منزله، منتظراً لأمر ربّه جل ّ اسمه، إلى أن تمّ لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد، فدسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس - وكانت زوجة الحسنعليه‌السلام - من حملها على سمّه، وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السّمّ، فبقيعليه‌السلام مريضاً أربعين يوماً، ومضىعليه‌السلام لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون سنة، فكانت خلافته عشر سنين، وتولّى أخوه ووصيّه الحسينعليه‌السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم ٍ بن عبد منافٍ رحمة الله عليها بالبقيعِ.

١٥

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسنعليه‌السلام وما ذكرناه من سمّ معاوية له، وقصّة دفنه وما جرى من الخوض في ذلك والخطاب:

ما رواه عيسى بن مهران قال: حدّثنا عبيدالله بن الصّباح قال: حدّثنا جرير، عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: أنّي مزوّجك (يزيد ابني )(١) ، على أن تسمّي الحسن، وبعث إليها مائة ألف درهم، ففعلت وسمّت الحسنعليه‌السلام فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا: يا بني مسمّة الأزواج(٢) .

وروى عيسى بن مهران قال: حدّثني عثمان بن عمر قال: حدّثنا ابن عون، عن عمر بن إسحاق قال: كنت مع الحسن والحسينعليهما‌السلام في الدّار، فدخل الحسنعليه‌السلام المخرج(٣) ثم خرج قال: « لقد سقيت السّمّ مراراً، ما سقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدي، فجعلت أقلّبها بعود معي » فقال له الحسين

__________________

(١) في هامش «ش»: من ابني يزيد.

(٢) مقاتل الطالبيين: ٧٣، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٤٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٥ / ٢٥.

(٣) المخرج: الكنيف أو المرحاض. «مجمع البحرين ٢: ٢٩٤».

١٦

عليه‌السلام : «ومن سقاكَه؟» فقالَ: «وما تُريدُ منه؟ أتريدَ قتلَه، إن يكنْ هوهو فاللّهُ أشدُّ نقمةً منكَ، وِإن لم يكنْ هو فما أحِبُّ أن يُؤخذَ بي بريءٌ »(١) .

وروى عبدُاللّهِ بن إبراهيمَ عن زيادٍ المخارقي قالَ: لمّا حضرتِ الحسنَعليه‌السلام الوفاةُ استدعى الحسينَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام فقالَ: «يا أَخي، إنِّي مُفارقًكَ ولاحق بربِّي جلّ وعزّ وقد سُقيتُ السّمَّ ورَمَيْتُ بكبدي في الطّستِ، وِإنّي لَعارفٌ بمن سقاني السّمَّ، ومن أينَ دُهِيْتُ، وأنا أُخاصِمُه إِلى اللهِ تعالى، فبحقّي عليكَ إِن تكلّمتَ في ذلكَ بشيءٍ، وانتظِرْ ما يُحدِثُ اللهُ عزّ ذكرُه فيَّ، فإذا قضيتُ فَغمِّضْني وغَسِّلني وكفَنِّي واحمِلْني على سريري إِلى قبر ِجدِّي رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدِّدَ به عهداً، ثمّ رُدَّني إِلى قبرِ جَدَّتي فاطمةَ بنتِ أسدٍ رحمةُ اللهِ عليها فادفنِّي هناكَ.

وستعلمُ يا ابنَ أُمّ أنّ القومَ يظنُّون أنّكم تريدونَ دفني عندَ رسوِلِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَيُجْلِبُونَ في منعِكم عن ذلكَ، وباللهِ أُقسمُ عليكَ أن تُهريقَ في أمري مِحجمةَ دمٍ » ثمّ وصّىعليه‌السلام إِليه باهلهِ وولدِه وتركاتِه، وما كانَ وصّى به إِليه أميرُ المؤمنينَعليه‌السلام حينَ استخلفَه وأهَّلَه لمقامِه، ودلَّ شيعتَه على استخلافِه ونصبِه لهم عَلَماً من بعدِه.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٧٤، شرح ابن ابي الحديد ١٦: ٤٩، وذكره المسعودي في مروج الذهب ٢: ٤٢٧ باختلاف في الفاظه، وانظر ترجمة الامام الحسنعليه‌السلام ضمن تاريخ دمشق: ٢٠٧ - ٢٠٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٦.

١٧

فلمّا مضىعليه‌السلام لسبيلِه غسّلَه الحسينعليه‌السلام وكفّنَه وحملَه على سريرِه، ولم يَشُكَّ مروانُ ومن معَه من بني أُميّةَ أنَّهم سيدفنونَه عندَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَتَجَمَّعوا له ولبسوا السِّلاحَ، فلمّا توجّهَ به الحسينُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام إلى قبرِ جدِّه رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ليُجدِّدَ به عَهداً أقبلوا إليهم في جمعِهم، ولَحِقَتْهم عائشةُ على بغلٍ وهي تقولُ: مالي ولكم تُريدونَ أن تُدخِلوا بيتي من لا أُحِبُّ. وجعَل مروانُ يقولُ:

يَارُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَة

أ يدفَنُ عثمانُ في أقصى المدينةِ، ويُدفَنُ الحسن معَ النّبي؟! لا يكونُ ذلكَ أبداً وأنا أحْمِلُ السّيفَ.

وكادتِ الفتنةُ تقعُ بينَ بني هاشمٍ وبني أُميَّةَ، فبادرَ ابنُ عبّاسٍ إِلى مروانَ فقالَ له: ارجعْ يا مروانُ من حيثُ جئتَ، فإنّا ما نريدَ (أنْ نَدفِنَ صاحبَنا )(١) عندَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لكِنَّا نريدُ أن نُجدِّدَ به عهداً بزيارتِه، ثم نَردَّه إِلى جدّتِه فاطمَةعليها‌السلام فنَدفِنَه عندَها بوصيَّتهِ بذلكَ، ولوكانَ وصَّى بدفنِه معَ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلمتَ أنّكَ أقصرُ باعاً من رَدِّنا عن ذلكَ، لكِنَّهعليه‌السلام كانَ أعلمَ باللهِ ورسوله وبحرمةِ قبرِه من أن يُطَرِّقَ عليه هَدْماً كما طَرّقَ ذلكَ غيرُه، ودَخَلَ بيتَه بغيرِ إِذنِه.

ثمّ أقبلَ على عائشةَ فقالَ لها: واسوأتاه! يوماً على بغلٍ ويوماً على جملٍ، تريدينَ أن تُطفِئي نورَ اللهِ، وتُقاتلينَ أولياءَ اللهِ، ارجِعي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: دفن صاحبنا.

١٨

فقد كُفِيْتِ الّذي تَخافينَ وبلغتِ ما تُحبِّينَ، والله تعالى مُنتصر لأهلِ هذا البيتِ ولوبعدَ حينٍ(١) .

وقالَ الحسينُعليه‌السلام : «واللهِ لَولا عهدُ الحسنِ إِليَّ بحقن الدِّماءِ، وأن لا أُهريقَ في أمرِه محجمةَ دمِ، لَعلمتُم كيفَ تَأْخذُ سُيوفُ اللهِّ منكم مَأْخذَها، وقد نَقَضْتُمُ العهَدَ بَينَنا وبينَكم، وأبطلتُم ما اشترطْنا عليكم لأنفسِنا».

ومَضَوا بالحسنِعليه‌السلام فَدَفَنُوه بالبقيعِ عندَ جدّتِه فاطمةَ بنتِ أسدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ رضيَ اللهُ عنها وأسكنَها جنّاتِ النعيمَ(٢) .

__________________

(١) في هامش «ح »: فقال لها ايضاً:

تجملت تبغلت

ولو عشت تفيلت

لك الثمن من التسع

وفي الكل تطمعت

  وفي الخرائج والجرائح: قال ابن عباس لعائشة: واسوأتاه! يوماً على بغل ويوماً على جمل، وفي رواية: يوماً تجملت وبوماً تبغلت وان عشت تفيلت، فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال:

يا بنتَ أبي بكر

لاكانَ ولاكُنتِ

لِك التسع من الثُمن

وبالكلّ تملّكت

تجملتِ تبغّلتِ

وان عشتِ تفيّلت

(٢) هذا الخبر روته العامة والخاصة بتغير ببعض عباراته كل بحسب مذهبه، انظر دلائل الامامة: ٦١، ومقاتل الطالبيين: ٧٤، شرح النهج الحديدي ١٦: ٤٩ - ٥١، والخرائج والجرائح ١: ٢٤٢ / ٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤: ١٥٦.

١٩

باب ذكر ولد الحسنِ بنِ عليّ عليهما

السّلامُ وعددِهم وأسمائهم وطرفٍ من أخبارِهم

أولادُ الحسنِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام خمسةَ عشرَ ولداً ذكراً وأُنثى: زيدُ بنُ الحسنِ وأُختاه أّمّ الحسنِ وأُمّ الحسينِ أُمُّهم أُمُّ بَشيرٍ بنتُ أبي مسعودٍ عُقْبة بن عمرو بنِ ثعلبةَ الخزرجيّةُ.

والحسنُ بنُ الحسنِ أُمُّه خَوْلةُ بنتُ منظورٍ الفَزاريّةُ.

وعَمْرُو بنُ الحسنِ وأخَواه القاسمُ وعبدُاللهِ ابنا الحسنِ أمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وعبدُ الرحمن بن الحسنِ أُمُّه أُمُّ ولدٍ.

والحسين بنُ الحسنِ الملقّب بالأثرم وأخوه طلحةُ بنُ الحسنِ وأُختُهما فاطمةُ بنتُ الحسن، أُمهم أُمُّ إِسحَاقَ بنتُ طلحةَ بن عبيدِاللهِ التّيميِّ.

وأُمُّ عبدِاللهِ وفاطمةُ وأُمُّ سَلَمَةَ ورُقيّةُ بناتُ الحسنِعليه‌السلام لأمهاتِ أولادٍ شتّى.

فصل

فأمّا زيدُ بنُ الحسنِ رضيَ اللّه عنه فكانَ على صدقاتِ رسولِ اللهِ

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المحاضرة التاسعة والعشرون:

علوّ الهمة

الهدف

تعويد الناس على تحمّل مسؤولياتهم والمشاركة في القضايا الحسّاسة والمهمّة.

تصدير الموضوع

"وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".

المدخل

يُربّي الإسلام المؤمن على امتلاك همّة عالية تتّجه الى الغايات السامية والأهداف الكبيرة، وعدم الركون الى صغار القضايا وسفاسفها، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها"(١) .

____________________

١- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٦٨.

١٢١

محاور الموضوع

علوّ الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجد والسهر وعدم الإستسلام للخطأ، والإيمان القوي بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلو همتهم واصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.

فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"(١) .

وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة.

ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة:

١- طاعة الله: من عبادة، ونشر للدين، وإعلاء لكلمة الحق، والجهاد في سبيل الله، ومساعدة الناس والفقراء، وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب إلى الله.

____________________

١- عيون الحكم والمواعظ، ص٤٨٤.

١٢٢

فعن الإمام عليعليه‌السلام :" واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله"(١) .

وفي دعاء للإمام السجّادعليه‌السلام : "فقد انقطعت إليك همتي. وفي دعاء آخر وهب لي.......همّةً متّصلة بك"(٢) .

٢- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام : "ولتكن همّتك لما بعد الموت"(٣) .

٣- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه، وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس، وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.

فعن الإمام عليعليه‌السلام : "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإن تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"(٤) .

ومن أهمّ مصاديق علوّ الهمّة المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والإستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.

____________________

١- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٦٩.

٢- الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدين، ص٤١٢.

٣- حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهاني، ص٢٤.

٤- ميزان الحكمة، ج٣، ص٢٢٠٦.

١٢٣

من آثار ضعف الهمّة

مقت الله: أي استصغار الله لهذا الإنسان عن الإمام عليعليه‌السلام : "أمقت العباد الى الله سبحانه من كانت همّته بطنه وفرجه"(١) .

عدم إدراك المعالي: فضعف الهمّة يبقي الإنسان وضيعاً هامشيّاً، يخشى عظائم الأمور فينأى بنفسه عنها، فيمضي أيّامه دون أن يقوم بأيّ دور أو يترك أيّ أثر.

عن الإمام الصادقعليه‌السلام :" ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمّة، وقلّة الحيلة، وضعف الرأي"(٢) .

____________________

١- ميزان الحكمة، ج١، ص٢٧٢.

٢- ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٤٧١.

١٢٤

المحاضرة الثلاثون:

ترشيد الإستهلاك

الهدف:

أهميّة ضبط الإنفاق وبيان فوائده ومفاسد التبذير والهدر على المستوى الفرديّ والعامّ، وتوعية الناس على المراقبة الدائمة لسياسات صرف المال لا سيّما فيما يرتبط بالشأن العامّ.

تصدير الموضوع:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(١) .

المدخل

ترشيد الإنفاق من الأمور التي تحتاج إلى توعية دائمة للفرد والأسرة

____________________

١- الفرقان، ٦٧.

١٢٥

والمتصدّين للشأن العام، لما يشكّل من ركيزة مهمّة على مستوى استقرار المجتمع واكتفائة واستغنائنه عن الآخرين من خلال دراسة الأولويّات والحاجات الضروريّة، واعتبرت الشريعة الإسراف صفةً للطغاة والجبابرة كما هو الحال الذي نراه عند الحكّام والأمراء والملوك في العالم. قال تعالى: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ(١) .

محاور الموضوع:

موقف الشريعة من الإسراف وعدم الترشيد

حثّت الشريعة على ضرورة ضبط الإنفاق وترشيده حفظاً لمقدرات الأمّة من الضياع، وصوناً للمجتمع من الفقر والعوز، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إيّاكم في السرف في المال والنفقة، وعليكم بالإقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا"(٢)

وعن الإمام العسكريعليه‌السلام : "عليك بالإقتصاد، وإيّاك والإسراف، فإنّه من فعل الشيطنة"(٣) .

____________________

١- يونس، ٨٣.

٢- كنز العمال، المتقي الهندي، ج٣، ص٥٣.

٣- مستدرك سفينة البحار، ج٥، ص٢٣.

١٢٦

مجالات ترشيد الإستهلاك

١- ترشيد الإنفاق عل المستوى الفرديّ: كصرف المال في الملاهي والأمور العبثيّة وتمضية الوقت بلا طائل، كالسهرات الفارغة والرحلات غير الموجّهة دون التفكير في تدبير المستقبل من قضايا الزواج والأسرة وطلب العلم.

٢- ترشيد الإنفاق على مستوى الأسرة: ويتجلّى في الترشيد في الملبس، كما جاء في صفات المتقين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : "ملبسهم الإقتصاد "(١) والمأكل، قال تعالى: ﴿وَ کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(٢) .

وحاجات الأثاث والمقتنيات الضروريّة للمنزل، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : للمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويأكل ما ليس له(٣) .

ووضع سياسة تتوازن بين الراتب وموارد الصرف وفي الإنتباه للمسائل الصحيّة والعلميّة، فقد ورد عن الإمام عليعليه‌السلام : "حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف"(٤) .

____________________

١- نهج البلاغة، الخطبة ١٩٣.

٢- الأعراف، ٣١.

٣- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.١٧، ص٦٥.

٤- مصباح البلاغة، الميرجهاني، ح٤، ص٢٠٨.

١٢٧

٣- ترشيد الإنفاق على مستوى المجتمع: ويتجلّى في عدم التفريط بالمال العامّ لأمور شخصيّة، وصرف هذا المال في الموارد التي هي حاجة الناس الضروريّة والإبتعاد عن مظاهر الترف عند المسؤولين، كما يتطلّب من الفرد التعاون في ترشيد استهلاك الطاقة والمياه وكافّة مقدّرات البلاد.

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : "إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّوجلّ، وإنّ السرف يبغضه الله حتى طرحك للنواة فإنّها تصلح لشيء، وحتى صبّك شرابك"(١) .

____________________

١- عوائد الايام، المحقق النراقي، ص٦١

١٢٨

١٢٩

١٣٠

المحاضرة الأولى:

المرأة النموذج والقدوة

المناسبة: وفاة السيّدة خديجة الكبرى رضي الله عنها.

التاريخ: السابع من شهر رمضان المبارك.

الهدف:

التعريف بالجوانب المشرقة للسيّدة خديجة رضي الله عنها وعلوّ شأنها، ومساهماتها في نجاح الدعوة.

تصدير الموضوع:

قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(١)

المدخل

من الضروري الإلمام الواسع بعظمة هذه الشخصيّة التاريخيّة

____________________

١- الواقعة، ١٠ - ١١

١٣١

وأسبقيّتها في حمل أعباء الرسالة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودورها الفعّال في دفع عجلة الرسالة الى الأمام، والوفاء لجهادها وبذلها وتضحياتها مع بدايات الدعوة، وتخليداً لها، وتقديمها كنموذج للإقتداء لا سيّما في حياة المرأة.

محاور الموضوع:

إسلامها وإيمانها

كانت أوّل الناس تصديقاً بنبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإيماناً برسالة الإسلام من النساء، كما كان الإمام عليعليه‌السلام أوّل المؤمنين من الرجال، وقد تشرّفت بمنقبة الوضوء وصلّت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل يوم نزلت فيه فريضة الصلاة(١) .

وكانت أول من بايع علياًعليه‌السلام بعد إسلامها فقد قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "يا خديجة هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي، فقالت: صدَّقتُ يا رسول الله، قد بايعته على ما قلت"(٢) .

____________________

١- يراجع: كشف الغمة، ج١، ص٨١ و المناقب، ج٢، ص١٥

٢- بحار الأنوار، ج١٨، ص٢٣٢ / جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج١، ص ٤٨٢.

١٣٢

منزلتها ومقامها

وقد اعتبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم وفاتها يوم مصيبة على الأمّة نظراً لدورها وجهادها في سبيل الدعوة إذ قال: "اجتمعت على هذه الأمّة في هذه الأيام مصيبتان (أي وفاة السيدة خديجة ووفاة أبي طالب) لا أدري بأيّهما أنا أشدّ جزعاً"(١) .

وورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إنّ أفضل نساء أهل الجنّة أربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"(٢) .

جهادها وبذلها مالها في الدعوة

تبرعها بمالها: "والله يا محمّد إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمّد إجلالاً وإعظاماً له"(٣) .

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "ما نفعني مال قطّ كما نفعني مال خديجة"، وهذا الموقف الكريم منها مدحه الله تعالى بقوله:﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(٤) أي بمال خديجة(٥)

____________________

١- تاريخ اليعقوبي، ج١، ص٣٥٥

٢- أسد الغابة، ج٧، ص٨٣

٣- بحار الأنوار، ج١٦، ص٥٥

٤- الضحى، ٨

٥- المناقب، ج٣، ص١٢٠

١٣٣

فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفكّ من مالها الغارم والعاني ويحمل الكلّ ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه ويحمل من أراد منهم الهجرة(١)

وقد كان لمالها الفضل في صمود المسلمين عندما حاصرتهم قريش في شعب أبي طالب، فقد ورد أنّ خديجة وأبو طالب أنفقا جميع مالهما(٢) .

ومن جهادها أنّها آثرت الحصار في شعب أبي طالب رغم صعوبة العيش وتحملها الجوع والعطش وحرارة الشمس وعزلتها عن قومها على الحياة الهانئة المرفّهة التي كانت تحظى بها، وما ذلك إلاّ مواساةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانتصاراً للرسالة.

مقامها في الآخرة

عند اشتداد مرضها أتى جبرائيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له: "يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأعليها‌السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة"(٣) .

____________________

١- الامالي، الشيخ الطوسي، ص ٤٦٨.

٢- الخرائج، ج١، ص٨٥

٣- أسد الغابة، ج٧، ص٨٤

١٣٤

المحاضرة الثانية:

أبو طالب ناصر الرسالة والرسول

المناسبة: وفاة أبي طالب.

التاريخ: العاشر من شهر رمضان المبارك.

الهدف:

التعريف بشخصيّة أبي طالب وأهمّ مواقفه الرساليّة ودوره في إعلاء صوت الرسالة ومؤازرته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تصدير الموضوع:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "هبط عليّ جبرائيل فقال لي: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلب وبطن حملك وحجر كفلك...... وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب"(١) .

____________________

١- الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص٤٤٦.

١٣٥

المدخل

أبو طالب: اسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، ومن ألقابه أبو طالب وسيّد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكّة وبيضة البلد والشيخ وشيخ الأباطح(١) .

كان يتمتّع بشخصيّة ومهابة في نفوس قومه، وكان طاهراً مستقيماً يقلّدونه في أفعاله ولا يتقدّمونه في أمر إلاّ بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش له بعد عبد المطلب، وكان أمره نافذا(٢)

محاور الموضوع:

القنوط من الكبائر

علاقته بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

كفل أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطلبٍ من عبد المطلب فكان عنده كأحد أبنائه، بل كان يتقدّمهم في الرعاية والعطف والمودّة، فكان ينام بجنبه، وإذا خرج يخرجه معه، وكان يخصّه بالطعام، فشبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أبي طالب يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهليّة ومعائبها لما يريد من كرامته(٣) .

____________________

١- عمدة الطالب في أنساب أبي طالب، ص٢٠

٢- أسنى المطالب، ابن دحلان، ص٦

٣- السيرة النبوية لإبن كثير، ج١، ص ٢٤٩

١٣٦

وفي روايةٍ أنّ جبرائيل نزل ليلة وفاة أبي طالب فقال: يا محمّد أخرج من مكّة، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب(١) .

نصرته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولقد تجلّت نصرته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال المواقف الداعمة له لا سيّما والرسالة في بداياتها، وفي كفّ أذى قريش عنه، وأهمّ ما يمكن إلفات النظر إليه:

١- تعزيزه واكرامه أمامهم: فكان يقدمه في الحديث على ساداتهم ولا يرضى منهم بمقاطعته ويصدّقه ويكذّبهم، حتى أنّ أبا لهب حاول أن يعترض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً بالكلام فقال له أبو طالب: أسكت يا أعور ما أنت وهذا، ثمّ قال: لا يقومنّ أحد، فجلسوا ثمّ قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم يا سيّدي فتكلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّك فإنّك الصادق المصدّق(٢) .

٢- دعوة اقربائه لنصرته: كان أبو طالب يحثّ أبنائه طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً على الإيمان برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتصديق به وشدّ إزره، فكان يقول لعليعليه‌السلام دائماً: الزم ابن عمّك(٣) .

____________________

١- الغدير، الأميني، ج٧، ص٣٩٠

٢- النهاية لابن كثير، ج٣، ص٣١٩

٣- سيرة ابن هشام، ج١، ص٢٤٧

١٣٧

٣- وقوفه في وجه قريش: فعندما عزمت قريش على مواجهة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبو طالب بالمرصاد، يواجههم ولا يستجيب لمطالبهم، وتحدّى في ذلك وجهاء القوم وساداتهم، كما أنّه كان يدعوهم الى الإيمان برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ومن مواقفه طلبه من النجاشي إكرام مهاجري الرسالة الى الحبشة(١) .

٤- رفضه كافّة العروض لإبعاده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وحاولت قريش إقصاء أبي طالب وإبعاده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال عرضها عليه المال وخيرة أبنائها وسلطانها على أن يسلّمهم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فواجههم وأحبط كيدهم وأبطل مخطّطاتهم.

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاة أبي طالب

وعند وفاة أبي طالب اقترب رسول الله من الجنازة وهي محمولة على الأكتاف وقال: وصلتك رحم يا عمّ جزيت خيراً، فلقد ربيّت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً، ثمّ تبعه الى حفرته وقال له: أما والله لأستغفرنّ لك ولأشفعنّ فيك شفاعة يعجب بها الثقلان(٢) .

____________________

١- ن.م. ج١، ص٣٣٣

٢- تذكرة الخواص، ص٦

١٣٨

المحاضرة الثالثة:

الأخوّة الإسلاميّة مدخل لتحصين المجتمع

المناسبة: المؤخاة بين المهاجرين والأنصار.

التاريخ: الثاني عشر من شهر رمضان المبارك.

الهدف

تعميق رابط الأخوّة بين أهل الإيمان والتعريف بحقوق الأخوّة والحثّ على إحترامها والتقيّد بها.

تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿وَ اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(١) .

____________________

١- آل عمران ١٠٢.

١٣٩

المدخل

قدّمت الشريعة العلاقة التي تربط أهل الإيمان بعضهم ببعض بأبهى صورة وهي علاقة الأخوة، وحثّت على إيلائها أهميّة خاصّة وتفضيلها على كلّ أنواع العلاقات التي تربط الناس، كالعلاقات الناشئة من وحدة المنطقة أو اللغة أو العمل أو القرابة أو المصالح الخاصّة وسوى ذلك مما لا ينفع الإنسان يوم القيامة.

قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(٢) .

وعندما آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار قدّموا لهم نصف ما يملكون، في إشارة إلى أنّ ما يربط المهاجرين والأنصار من علاقة أقوى من الأموال والأرزاق.

محاور الموضوع

أهميّة الأخوّة

وحثّت الشريعة على اتخاذ الإخوان لما يساهم ذلك من ترسيخ روابط الأخوّة وتلاحم المجتمع الإسلاميّ وتماسكه.

____________________

٢- الزخرف ٦٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563