الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد0%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 563
المشاهدات: 173986
تحميل: 9100


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173986 / تحميل: 9100
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء 2

مؤلف:
العربية

وروى مُخوَّلُ بنُ إبراهيمَ، عن قيسِ بنِ الرّبيعِ قالَ: سأَلتُ أَبا إِسحاقَ عنِ المسحِ فقال: أَدركتُ الناسَ يمَسحونَ حتّى لقيتُ رجلاً من بني هاشمٍ لم أَرَ مثلَه قطُّ، محمّد بنِ عليِّ بنِ الحسينِ، فسأَلتُه عنِ المسحِ على الخفّينِ فنهاني عنه، وقالَ: «لم يكنْ علي أَميرُ المؤمنينَعليه‌السلام يمَسحُ، وكانَ يقولُ: سبقَ الكتابُ المسحَ على الخفّينِ ».

قالَ أَبوإِسحاقَ: فما مسحتُ منذُ نهاني عنه.

قالَ قيسُ بنُ الربيعِ: وما مسحتُ أَنا منذُ سمعتُ أَبا إسحاقَ(١) .

أَخبرَني الشّريفُ أَبومحمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي، عن يعقوب بن يزيدَ قال: حدّثَنا محمّدُ بنُ أَبي عُميرٍ، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ الحجّاجِ، عن أَبي عبدِاللّهِ جعفرٍ بنِ محمدعليهما‌السلام قالَ: إِنّ محمّدَ بنَ المنكدر كانَ يقول: ما كنتُ أَرى أَنّ مثلَ عليِّ بنِ الحسينِ يَدَعُ خَلَفاً - لفضلِ عليِّ بنِ الحسينِ - حتّى رأَيتُ ابنَه محمّدَ بنَ عليٍّ فأَردتُ أَن أَعِظَه فوعظَني.

فقالَ له أَصحابُه: بأَيِّ(٢) شيءٍ وَعَظَكَ؟

قال: خرجت إِلى بعضِ نواحي المدينةِ في ساعةٍ حارّةٍ، فلقيتُ محمّدَ ابنَ علي - وكانَ رجلاً بَدِيناً - وهو مُتكِئٌ على غلامَينِ له أَسودَينِ - أو مولَيَيْنِ له - فقلتُ في نفسي: شيخٌ من شيوخِ قُريشٍ في هذه الساعةِ على

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٦٨ / ٤.

(٢) في «ش»: اي.

١٦١

هذه الحالِ(١) في طلبِ الدُّنيا! أشهد لأعِظَنَّه ؛ فدنوتُ منه فسلّمتُ عليه، فسلّمَ علي بِبُهْر(٢) وقد تصبّبَ عرقاً، فقلتُ: أَصّلحكَ اللّهُ، شيخٌ من أَشياخِ قُريشٍ في هذه السّاعةِ على مثلِ هذه الحالِ في طلب الدُّنيا! لوجاءَكَ الموتُ وأَنتَ على هذه الحالِ؟!

قالَ: فخلّى عنِ الغلامينِ من يدِه، ثمّ تسانَد وقالَ: «لو جاءَني والله الموتُ وأَنا ( في هذه )(٣) الحالِ، جاءَني وأَنا في طاعةٍ من طاعاتِ اللهِّ، أكفُّ بها نفسي عنكَ وعنِ النّاسِ، وِانّما كنتُ أَخافُ الموتَ لوجاءَني وأَنا على معصيةٍ من معاصي اللهِ ».

فقلتُ: يرحمُكَ اللهّ، أَردتُ أَن أعِظَكَ فوعظتني(٤) .

أَخبرَني الشّريفُ أبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني (شيخٌ من أَهلِ الرّيِّ )(٥) قد عَلَتْ سِنُّه قالَ: حدّثَني يحيى ابن عبدِ الحميدِ الحِمّاني، عن معاوية بن عمّارٍ الدُّهني، عن محمّدِ بن عليِّ ابنِ الحسينِعليهم‌السلام في قولِ الله عزَّوجلَّ:( فَاسْئَلوْا أًهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كنْتمْ لا تَعْلَمُوْنَ ) (٦) قالَ: «نحنُ أَهلُ الذِّكرِ».

__________________

(١) في «ش»: الحالة.

(٢) البهر: تتابع النفس. «الصحاح - بهر - ٢: ٥٩٨».

(٣) في هامش «ش»: على هذه.

(٤) رواه الكليني في الكافي بسند آخر عن ابن ابي عمير٥: ٧٣ / ١٠، والشيخ الطوسي في التهذيب ٦: ٣٢٥ / ٨٩٤، ومختصراً في المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٢٠١، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٧.

(٥)كذا في «ش» و «م»، وفي «ح »: شيخ من مشايخ الري، وقد جعل في هامش «ش»: من أشياخ، ومثله في هامش «م» بدون «من» والظاهرأن المراد ان في بعض النسخ ( أشياخ ) بدل ( أهل ).

(٦) النحل ١٦: ٤٣، الانبياء ٢١: ٧.

١٦٢

قالَ الشّيخُ الرازي: وقد ساَلتُ محمّدَ بنَ مُقاتِلٍ عن هذا فتكلّمَ فيه برأْيِه، وقال: أَهلُ الذَكرِ: العلماءُ كافّة؛ فذكرتُ ذلكَ لأبي زُرْعةَ فبقي متعجِّباً من قوله، وأَوردتُ عليه ما حدّثَني به يحيى بن عبدِ الحميدِ؛ قالَ: صدقَ محمد بنُ عليٍّ، إنّهم أَهلُ الذَكرِ، ولَعمري إِنّ أبا جعفرٍعليه‌السلام لَمِنْ أكبرِ العلماءِ(١) .

وقد روى أَبو جعفرٍعليه‌السلام أَخبارَ المُبتدأ(٢) وأَخبارَ الأنبياءِ وكَتَبَ عنه النّاسُ المغَازِيَ وأثروا عنه السُّنْنَ(٣) واعتمدوا عليه في مناسكِ الحجِّ الّتي رواها عن رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبوا عنه تفسيرَ القرآن، وروتْ عنه الخاصّةُ والعامّةُ الأخبارَ، وناظَرَ مَنْ كانَ يَرِدُ عليه من أَهلِ الأراء وحَفِظَ عنه النّاسُ كثيراً من علمِ الكلامِ.

أخبرَني الشّريفُ أبو محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني الزُّبيرُبنُ أبي بكرٍ قالَ: حدّثَني عبدُ الرحمنِ بن عبدِاللهِ الزُّهْريّ قالَ: حَجَّ هِشامُ بنُ عبدِ الملكِ فدخلَ المسجدَ الحرامَ مُتكِئاً على يدِ سالمٍ مولاه، ومحمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام جالسٌ في المسجدِ، فقالَ له سالم مولاه: يا أميرَالمؤمنينَ هذا محمّدُ بنُ عليّ ؛ قال هشامٌ: المَفْتُوْنُ به أهل العراق؟ قالَ: نعم ؛ قالَ: اذهبْ إليه فقُلْ له يقولُ لكَ أميرُ المؤمنينَ: ما اَلّذي يأْكلُ النّاسُ ويَشربونَ إِلى أن يُفْصَلَ بينهم يوم القيامةِ؟

__________________

(١) انظر الكافي ١: ١٦٣ - ١٦٥ باب ان اهل الذكر هم الائمةعليهم‌السلام ، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٧٨ باختصار، وفي بصائر الدرجات: ١١ - ١٥، فلاحظ.

(٢) في هامش «ش»: يعني ابتداء خلق العالم.

(٣) في «ش» و «م» و «ح »: السير، وما اثبتناه من هامش «ش» و «م».

١٦٣

قالَ له أبوجعفرٍعليه‌السلام : «يُحشرُ النّاسُ على مثلِ قُرْصِ النَّقِيِّ(١) ، فيها أنهارٌ متفجِّرةٌ، يأكلونَ ويشربونَ حتّى يُفرغَ منَ الحسابِ ».

قالَ: فرأىَ هِشامٌ أنّه قد ظفرَ به، فقالَ: اللهُ أكبرُ، اذهبْ إِليه فقلْ له: ما أشغَلَهم عنِ الأكلِ والشُّربِ يومئذٍ؟!

فقالَ له أبو جعفرعليه‌السلام : «هم في النّارِ أشغلُ ولم يُشْغَلوا عن أنْ قالوا:( أفِيْضُوْا عَلَينَا مِنَ الماءِ أو ممٌا رَزَقَكمُ اللهُ ) (٢) » فسكتَ هشامٌ لا يرجعُ كلاماً(٣) .

وجاءتِ الأخبارُ أنّ نافعَ بنَ الأزرقِ جاءَ إِلى محمّدِ بنِ عليّعليهما‌السلام فجلسَ بين يديه فسألَه(٤) عن مسائلَ في الحلالِ والحرام، فقالَ له أبو جعفرٍعليه‌السلام في عُرْضِ كلامِه: «قُلْ لهذه المارقَةِ: بمَ استحللتم فراقَ أميرِ المؤمنينعليه‌السلام وقد سفكتم دماءَكم بينَ يديه في طاعتهِ والقربةِ إِلى اللهِّ بنصرته؟! فسيقولونَ لكَ: إنه حَكَّمَ في دينِ اللهِ، فقلْ لهم: قد حَكَّمَ اللهُ تعالى في شريعةِ نبيِّهعليه‌السلام رجلينِ من خلقهِ فقالَ تعالى:( فَابْعَثًوْا حَكَمَاً مِنْ أهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهِلِهَا إِنْ يُرِيْدَا إصْلاحَاً

__________________

(١) النَقي: الخبز الحُوّاري «النهاية ٥: ١١٢ ».

(٢) الأعراف ٧: ٥٠.

(٣) سير اعلام النبلاء ٤: ٤٠٥، وفي هامشه عن تاريخ ابن عساكر١٥: ٣٥٣ ب، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٩، وذكر الكليني في الكافي ٨: ١٢١ / ٩٣ نحوه، وكذا ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٩٨، والطبرسي في الاحتجاج: ٣٢٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٣٢ / ١٤.

(٤) في «م» وهامش «ش»: يسأله.

١٦٤

يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ) (١) وحَكَّمَ رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله سَعْدَ بنَ مُعاذٍ في بني قُرَيْظَةَ، فحَكَم فيهم بما أمضاه اللهُ، أوَما عَلِمتمِ أنّ أميرَالمؤمنينَعليه‌السلام إِنّما أمَرَ الحكمينِ أن يَحْكُما بالقرانِ ولا يتعدَّياه، واشترطَ ردَّ ما خالفَ القرآنَ من أحكامِ الرِّجالِ، وقالَ حينَ قالوا له: حكّمتَ على نفسِكَ مَنْ حَكَمَ عليكَ، فقالَ: ما حكّمتُ مخلوقاً، وإنّما حكّمتُ كتابَ اللهِ ؛ فأينَ تجدُ المارقةُ تضليلَ مَنْ أمرَ بالحكمِ بالقرانِ واشترطَ ردَّ ما خالَفَه؟! لولا ارتكابُهم في بدْعَتِهم البهتانَ ».

فقالَ نافعُ بنُ الأزرق: هذاَ كلامٌ ما مرَّ بسمعي قطُّ، ولا خطر منِّي ببالٍ، وهو الحقُّ إِن شاءَ اللهُ(٢) .

وروى العلماءُ: أنّ عمرو بنَ عُبَيدٍ وفدَ على محمّدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام ليمتحنَه بالسُّؤالِ، فقالَ له: جُعِلْتُ فداكَ ما معنى قوله عزّ اسمُه:( أوَلَمْ يَرَ الّذِيْنَ كَفَرُوْا أنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقَاً فَفَتَقْنَاهُمَا ) (٣) ما هذا الرّتقُ والفتقُ؟ فقالَ له أبو جعفرعليه‌السلام : «كانتِ السّماءُ رَتْقاً لا تُنزِلُ القَطْرَ، وكانتِ الأرضُ رتقاً لا تُخرِجُ النّباتَ » فانقطعَ عمرٌو ولم يَجِد اعتراضاً.

ومضى ثمّ عادَ إِليه فقالَ له: خَبِّرْني - جُعِلْتُ فداكَ - عن قولهِ جلَّ ذكرُه:( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِيْ فَقَدْ هَوَى ) (٤) ما غَضَبُ اللهّ؟ فقالَ أبو جعفرٍعليه‌السلام : «غضبُ اللهِّ عقابُه يا عمرُو، ومَنْ ظَنَّ أَنّ اللهَ يُغيِّرُه

__________________

(١) النساء ٤: ٣٥.

(٢) الاحتجاج: ٣٢٤، البداية والنهاية ٩: ٣٣٩.

(٣) الانبياء ٢١: ٣٠.

(٤) طه ٢٠: ٨١.

١٦٥

شيءٌ فقد كفرَ»(١) .

وكانَ - معَ ما وصفْناه به منَ الفضل في العلم والسُّؤْدَدِ والرِّئاسةِ والإمامةِ - ظاهرَ الجودِ في الخاصّةِ والعامّةِ، مشهورَ الكرم في الكافَّةِ، معروفاً بالفضلِ(٢) والإحسانِ معَ كثرةِ عيالهِ وتوسُّطِ حاله.

حدّثَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبو نصر قالَ: حدّثَني محمّدُ بنُ الحسينِ قالَ: حدّثَنا أَسودُ بنُ عامرٍ قالَ: حدّثَنا حبّانُ(٣) بن عليٍّ، عنِ الحسنِ بنِ كثيرٍ قالَ: شكوتُ إِلى أَبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليٍّعليه‌السلام الحاجةَ وجفاءَ الأخوانِ، فقالَ: «بئسَ الأخ أَخٌ يرعاكَ غنيّاً َويقطعك فقيراً» ثمّ أَمرَ غلامَه فأَخرجَ كيساً فيه سبعمائةِ دِرهمٍ وقالَ: «استنفِقْ هذه فإِذا نَفِدَتْ فأَعْلِمْني »(٤) .

وقد روى (محمّدُ بنُ الحسينِ )(٥) قالَ: حدّثَنا عبدُاللهِ بن الزُّبيرِقالَ: حدّثونا عن عمرِو بنِ دينارٍ وعبدِاللهِ بنِ عبيدِ بنِ عُميرأَنّهما قالا: ما لقيْنا أَبا جعفرٍ محمّدِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام إِلّا وحملَ إِلينا النّفقةَ والصِّلةَ والكِسوةَ، ويقولُ: « هذه مُعَدَّةٌ لكم قبلَ أَن تَلقَوْني »(٦) .

__________________

(١) اخرج صدره الكليني في الكافي ١: ٨٦ / ٥، والصدوق في التوحيد: ١٦٨ / ١، والمعاني: ١٨ / ١، والطبرسي في الاحتجاج: ٣٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٥٤ / ٧.

(٢) في« م » وهامش « ش »: با لتفضيل.

(٣) في هامش «ش» و «م»: الصحيح حَبّان بالفتح، الا أن أصحاب الحديث قد أولعوا فيه بالكسر، وهو اخو مندل بن علي العنزي، منسوب إلى عنزة وهي قبيلة.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢٠٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٧ / ٦.

(٥) يحتمل كونه محمد بن الحسين المذكور في الخبر السابق، فهذا أيضاً مأخوذ من كتاب الحسين ابن يحيى جد الشريف أبي محمد الحسن بن محمد.

(٦) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢٠٧، البداية والنهاية ٩: ٣٤١ ونقله العلامة المجلسي في البحار

١٦٦

وروى أَبو نُعيمٍ النّخعيُّ، عن معاوية بن هشامٍ، عن سليمان بن قَرْمٍ قالَ: كانَ أَبوجعفرٍ محمّدُ بنُ عليٍّعليهما‌السلام يُجِيْزُنا بالخمسمائةِ درهم إِلى السِّتّمائةِ إِلى الألفِ درهم، وكان لا يَملُّ من صلةِ إِخوانهِ وقاصِديه ومؤمِّليه وراجيه(١) .

ورُويَ عنه عن آبائه عليه وعليهم السّلامُ: أَنّ رسولَ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ يقولُ: «أَشدُّ الأعمالِ ثلاثةٌ: مواساةُ الإخوانِ في المالِ، وإنصافُ النّاسِ من نفسِكَ، وذكرُ اللهِ على كلِّ حالٍ »(٢) .

وروى إسحاقُ بن منصور السّلوليّ قالَ: سمعتُ الحسنَ بنَ صالحٍ يقولُ: سمعتُ أَبا جعفرٍ محمّدَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام يقولُ: « ما شِيْبَ شيءٌ بشيءٍ بأَحسن(٣) من حلمٍ بعلمٍ »(٤) .

وروِيَ عنهعليه‌السلام أَنّه سُئلَ عنِ الحديثِ يرسله ولا يُسندُه فقالَ: «إِذا حدّثْت الحديثَ فلم أسنِدْه فسَنَدي فيه أَبي عن جدِّي عن أَبيه عن جدِّه رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جَبْرَئيْلَعليه‌السلام عنِ اللهِ عزَّوجلَّ »(٥) .

وكانَ عليه وآبائه السّلامُ يقول: «بليّةُ النّاسِ علينا عظيمةٌ، إن

__________________

٤٦: ٢٨٨ / ٧.

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢٠٧ مختصراً، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٨ / ٩.

(٢) الخصال ١:١٢٥ / ضمن ح ١٢٢ باختلاف يسير.

(٣) في هامش «ش»: الضم على انه صفة شيء، والنصب على انه صفة مصدر محذوف، يعني ما شيب شوباً أحسنَ.

(٤) الخصال ١: ٤ / ١٠ باختلاف يسير.

(٥) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٨ / ١١.

١٦٧

دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا، وأن تركْناهم لم يهتدوا بغيرِنا»(١) .

وكانَعليه‌السلام يقولُ: «ما يَنْقِمُ النّاسُ منّا؟! نحنُ أَهلُ بيتِ الرّحمةِ، وشجرةُ النُّبوَّةِ، ومَعدِن الحكمةِ، ومَوضِعُ(٢) الملائكةِ، ومَهبِطُ الوحي »(٣) .

وتُوُفِّيَ عليه وآبائه السّلامُ وخلّفَ سبعةَ أَولادٍ، وكانَ لكلِّ واحدٍ من إخوته فضلٌ وإن لم يَبلغْ فضلَه لمكانِه منَ الامامةِ، ورتبتهِ عندَ اللهِ في الولايةِ، ومحلِّه منَ النّبيِّ عليه واله السّلامُ في الخلافِة. وكانتْ مدّةُ إمامتِه وقيامِه مَقامَ أبيه في خلافةِ اللهِ عزّوجلَّ على العبادِ تسعَ عشرةَ سنةً.

* * *

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤: ٢٠٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٨ / ذيل ح ١١.

(٢) في هامش «ش» و «م»: مختلف.

(٣) بصائر الدرجات: ٥ / ٧٧باختلاف يسير، الكافي ١: ١٧٢ / ١ عن علي بن الحسينعليه‌السلام باختلاف يسير أيضاً.

١٦٨

باب ذكر [ إِخوتهِ و ](١) طرفٍ من أخبارِهم

وكانَ عبدُاللهِ بن عليِّ بن الحسينِ أخو أبي جعفر عليه المسّلام يلي صدقاتِ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقاتِ أًميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وكانَ فاضلاً فقيهاً، وروى عن آبائه عن رسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أخباراً كثيرةً، وحدّثَ النّاسُ عنه وحملوا عنه الآثارَ.

فمن ذلكَ ما رواه ( إبراهيمُ بن محمّدِ بنِ داود بن عبدِالله الجعفري )(٢) ، عن عبدِ العزيزِ بنِ محمّدٍ الدّراورديّ، عن عُمارة بن غَزِيّةَ(٣) ، عن عبدِاللهِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ(٤) أنّه قالَ: قالَ رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إِنّ البخيلَ كلَّ البخيلِ الّذيِ إِذا ذُكِرْتُ عندهَ لم يُصَلِّ عليٌ»(٥) .

وروى زيدُ بنُ الحسنِ بنِ عيسى قالَ: حدّثَنا (أبو بكرِ بنِ أبي

__________________

(١) ما بين المعقوفين ليس في النسخ الثلاث وما أثبتناه من المطبوع لضرورة السياق.

(٢) كذا في النسخ، لكن قد ترجم ابن حجر في تهذيب التهذيب ٦: ٣٥٣ لعبد العزيز بن محمد الدراوردي وذكر روايته عن عمارة بن غزية ورواية داود بن عبدالله الجعفري عنه، وقد ورد في غاية الاختصار: ٢٢ عن رواية يحيى بن الحسن العبيدلي عن هارون بن موسى عن داود بن عبدالله الجعفري عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فحينئذ لا يبعد وقوع تحريف في سند الكتاب، وكونه مأخوذاً من كتاب العبيدلي كسائر روايات هذا الفصل.

(٣) ضبط في «ش» و «م»: «غَزيَة»، وفي هامش «ش»: «غَزيّة لا غير»، ولعله تعريض بقول آخر.

(٤) رواه عن أبيه عن جده، قال: قال رسول اللهّ. كماَ في معاني الاخبار.

(٥) معاني الاخبار: ٢٤٦ / ٩ باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٩٤: ٦١ / ٤٧.

١٦٩

أُويسٍ )(١) ، عن عبدِاللهِّ بن سمعانَ قالَ: لقيت عبدَاللهّ بن عليِّ بنِ الحسينِ فحدّثَني عن أبيه عن جدًّه عن أمير المؤمنينَعليه‌السلام : أنّه كانَ يقطعُ يدَ السّارقِ اليُمنى في أوّلِ سَرِقتهِ، فإن سرقَ ثانيةً قطعَ رِجلَه اليُسرى، فإن سرقَ ثالثةً خَلَّدَه(٢) السِّجنَ(٣) .

وكانَ عمرُ بنُ عليَّ بنِ الحسينِ فاضلاًَ جليلاً، ووليَ صدقاتِ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقاتِ أميرِ المؤمنينَعليه‌السلام وكان وَرِعاً سَخِيّاً.

وقد روى (داود بنُ القاسمِ )(٤) قالَ: حدّثَنا الحسينُ بنُ زيدٍ قالَ: رأيتُ عمِّي عمرَ بنَ عليِّ بنِ الحسينِ يَشرطُ(٥) على مَنِ ابتاعَ صدقاتِ

__________________

(١) كذا في «م» و «ح » وفي «ش»: «أبو بكر بن اويس » وفي هامشها: «أبي أو»، وفوقه: «نسخة سيد» والظاهر ان المراد انّ في نسخة السيد - اي السيد فضل الله الراوندي -:أبو بكر بن أبي اويس، وكيف كان فقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب ٣: ٤٠٧ زيد بن الحسن العلويَ روى عن عبدالله بن موسى ألعلوي وأبي بكر بن أبي اويس وعنه يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي النسابة، انتهى.

ومنه يظهر ان الخبرمن كتاب العبيدلي يحيى بن الحسن على الظاهر، وعلى أيَ حال فأبو بكر أبن أبي اويس هوعبد الحميد بن عبداللهّ بن عبدالله بن اويس الاصبحي أبو بكر بن أبي اويس المدني الاعشى كما ترجمه ابن حجر قي تهذيب التهذيب ٦: ١١٨ وذكر وفاته سنة ٢٠٢ ببغداد. ومن عنوان ابن حجر له يعلم صحة اطلاق أبي بكر بن اويس عليه أيضاً.

(٢) في «ش» و «م»: خلّد، وما في المتن من نسخة«ح ».

(٣) الكافي ٧: ٢٢٢ / ٤ باختلاف يسير، وكذا دعائم الاسلام ٢: ٤٧٠ / ١٦٧٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٧٩: ١٨٨ / ٢٥.

(٤) قد مر في ص ١٥١ رواية المصنف عن أبي محمد الحسن بن محمد عن جده عنِ داود بن القاسم عن الحسين بن زيد عن عمه عمر بن علي، والظاهر ان هذا الخبر أيضاً ماخوذ من كتاب العبيدلي جدّ أبي محمد الحسن بن محمد.

(٥) في هامش «ش»: يشترط.

١٧٠

عليٍّ عليه‌السلام أن يَثلمَ في الحائطِ كذا وكذا ثُلْمةً، ولا يَمنعَ مَنْ دخلَه يأكلُ منه(١) .

أخبرَني الشرّيف أبو محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا (أبو الحسنِ بكّارُ بنُ أحمدَ الأزديّ )(٢) قالَ: حدّثَنا الحسنُ بنُ الحسينِ العُرَنيّ، عن عبيدِاللهِّ بنِ جريرٍ القطّانِ قال: سمعتُ عمرَ بنَ عليِّ بنِ الحسينِ يقولُ: المُفْرِطُ في حبِّنا كالمُفْرِطِ في بغضِنا، لنا حقٌّ بقرابتِنا من نبيِّنا عليه وآله السّلام وحق جعلَه الله لنا، فمن تركَه تركَ عظيماً، أَنزِلونا بالمنزلِ الّذي أنزلَنا اللهُ به، ولا تقولوا فينا ما ليسَ فينا، إِن يُعَذِّبْنا اللهُّ فبذنوبِنا، وإن يَرْحَمْنا فبرحمتهِ وفضلِه(٣) .

وكانَ زيدُ بنُ عليِّ بن الحسينِ عينَ إِخوتهِ بعدَ أَبي جعفرٍعليه‌السلام وأفضلَهم، وكانَ عابداً وَرِعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهرَ بالسّيفِ يَأْمرُ بالمعروفِ وينهي عنِ المنكرِ ويَطالبُ بثاراتِ الحسينِعليه‌السلام .

أَخبرَني الشّريفُ أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه، عنِ

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٦٧ / ١٠.

(٢) كذا في نسخة البحارالمطبوع، وفي متن «ش» و «م» و «ح »: بكار بن الحسن بن أحمد الازدي، وفي هامش «م» و «ش» كنيته: أبو الحسن بكّار.

ثم ان في متن «ش»: محمد بدل أحمد وفوقه علامة تشبه أن تكون (سيد )، ولكن في هامشها أحمد / س صِح، وهوما اثبتناه، فقد عنونه الشيخ في فهرسته ٣٩: ١٢٨: بكار بن أحمد، واثبت له كتباُ روى بعضها علي بن العباس المقانعي وبعضها الحسين بن عبد الكريم الزعفراني. وعنونه في باب من لم يرو عنهم في الرجال: ٤٥٦ / ٢: بكار بن أحمد بن زياد، روى عنه ابن الزبير - والموجود في الفهرست رواية ابن الزبيرعنه بتوسط علي بن العباس المقانعي لا مباشرة - ويأتي في ص ١٩٣ رواية علي بن العباس المقانعي عن بكّار بن أحمد عن حسن بن حسين، وهو نفس من يرويَ عنه بكار بن أحمد في هذه الرواية.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٦٧.

١٧١

الحسنِ بنِ يحيى قالَ: حدّثَنا الحسنُ بنُ الحسينِ، عن يحيى بن مُساوِرٍ، عن أَبي الجارودِ زيادِ بنِ المنذرِ قالَ: قدمتُ المدينةَ فجعلتُ كلَّما سأَلتُ عن زيدِ بنِ عليٍّ قيلَ لي: ذاكَ حليفُ القرآنِ(١) .

وروى هشيمٌ(٢) قالَ: سأَلتُ خالدَ بنَ صفوانَ عن زيدِ بن عليّ - وكانَ يحدِّثُنا عنه - فقلتُ: أَينَ لقيتَه؟ قالَ: بالرُّصافةِ(٣) ، فقلتُ: أَيّ رجلٍ كانَ؟ فقالَ:كانَ - ما علمتُ - يبكي من خشيةِ اللهِّ حتّى تختلطَ دموعُه بمخاطِه(٤) .

واعتقدَ فيه كثيرٌ منَ الشِّيعةِ الإمامةَ، وكانَ سببُ اعتقادِهم ذلكَ فيه خروجَه بالسّيفِ يدعو إِلى الرِّضا من الِ محمّدٍ فظنُّوه يرُيدُ بذلكَ نفسَه، ولم يكن يُريدُها به لمعرفتِهعليه‌السلام باستحقاقِ أَخيه للإمامةِ من قبلِه، ووصيّتهِ عندَ وفاتِه إِلى أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام .

وكانَ سببُ خروجِ أَبي الحسينِ زيدٍ رضيَ الله عنه - بعدَ الّذي ذكرْناه من غرضِه في الطّلبِ بدم الحسينِعليه‌السلام - أَنّه دخلَ على هِشام بنِ عبدِ الملكِ، وقد جمعَ لهَ هشامٌ أَهلَ الشّامِ وأَمرَأَن يتضايقوا في المجلسَِ حتّى لا يتمكّنَ منَ الوصولِ إِلى قربه، فقالَ له زيدٌ: إِنّه ليسَ من عبادِ اللهِ أحدٌ فوقَ أَن يُوصى بتقوى اللهِ، ولا من عبادِه أَحدٌ دونَ أَن يُوصِيَ بتقوى اللهِ، وأنا أُوصيكَ بتقوى اللهِّ - يا أَميرَ المؤمنينَ - فاتّقِه.

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٨٦.

(٢) في «ش» و «ح »: هشام، ولكن في «م» وهامش «ش»:هُشَيْم، وقد كتب في هامشهما: هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو شيخ البخاري ومسلم.

(٣) في هامش «ش» و «م»: الرُصافة هذه بلدة بالشام.

(٤) نقله العلامة المجلسي في ألبحار ٤٦: ١٨٦.

١٧٢

فقالَ له هشامٌ: أَنتَ المؤهِّلُ نفسَكَ للخلافةِ الرّاجي لها؟! وما أَنتَ وذاكَ - لا أُمَّ لكَ - وِانّما أَنتَ ابنُ أمة ؛ فقالَ له زيدٌ: إِنِّي لا أَعلمُ أَحداً أعظمُ منزلة عندَ اللهِ من نبيٍّ بعثَه وهو ابنُ أَمةٍ، فلوكانَ ذلكَ يُقَصَّرُ عنِ منتهى غايةٍ لم يُبْعَثْ، وهو إسماعيلً بنُ إِبراهيمَعليهما‌السلام ، فالنبوَّةُ أَعظمُ منزلةً عندَ اللهِّ أَم الخلافةُ، يا هشام؟! وبعدُ، فما يقصُرُ برجلٍ أَبوه رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابنُ عليِّ بنِ أَبي طالب ؛ فوثبَ هشامٌ عن مجلسِه ودعا قَهْرَمانَه وقالَ: لا يَبِيْتَنَّ هذا في عَسكرِي.

فخرجَ زيدٌ رحمةُ اللهِّ عليه وهويقولً: إنّه لم يَكرهْ قومٌ قطُّ حرَّ السُّيوفِ إلا ذَلّوا. فلمّا وصلَ الكوفةَ اجتمعَ إِليه أَهلُها فلم يزالوا به حتّى بايعوه على الحربِ، ثمّ نقضوا بيعتَه وأَسلموه، فقتِلعليه‌السلام وصُلِبَ بينَهم أربَعِ سنينَ، لا يُنكِرُ أحدٌ منهم ولا يُغَيِّر بيدٍ ولا لسانٍ.

ولمّا قُتِلَ بَلغَ ذلك من أبي عبدِاللهِعليه‌السلام كل مبلغ، وحزنَ له حزناً عظيماً حتّى بانَ عليه، وفرّقَ من مالِه على عيالِ مَنْ أُصيبَ معَه من أَصحابِهِ أَلفَ دينارٍ. ( روى ذلكَ أَبو خالدٍ الواسطيُّ قالَ: سلّمَ إِليَّ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام أَلفَ دينار )(١) ، وأَمرَني أَن أُقسِّمَها في عيالِ مَنْ أُصيبَ معَ زيدٍ، فأَصابَ عيال عبدِاللهِ بنِ الزُّبيرِ أَخي فضُيَلٍ الرّسّانِ منها أَربعة دنانير(٢) .

__________________

(١) ما بين القوسين لم ترد في «ش» و «م»، وما اثبتناه من «ح ».

(٢) انظر اختيار معرفة الرجال: ٣٣٨ / ٦٢٢، نقله عن عبد الرحمن بن سيابة، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٨٧.

١٧٣

وكانَ مقتلُه يومَ الاثنينِ لليلتينِ خَلَتا من صفرٍ سنةَ عشرينَ ومائةٍ، وكانتْ سنُّه يومئذٍ اثْنتينِ وأَربعينَ سنةً.

وكانَ الحسينُ بنُ عليَ بنِ الحسينِ فاضلاً وَرِعاً، وروى حديثاً كثيراً عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِ وعمّتِهِ فاطمةَ بنتِ الحسينِ وأَخيه أَبي جعفرٍعليهم‌السلام .

وروى أَحمدُ بنُ عيسى قالَ: حدّثَنا أَبي قالَ: كنتُ أَرى الحسينَ بنَ عليِّ بنِ الحسينِ يدعو، فكنتُ أَقول: لا يَضعُ يدَه حتّى يُستجاب له في الخلقِ جميعاً(١) .

وروى حَرْبٌ الطَحّانُ قالَ: حدّثَني سعيدٌ صاحبُ الحسنِ بن صالحٍ قالَ: لم أَرَ أحداُ أخوفَ منَ الحسنِ بنِ صالحٍ، حتّى قدمتَ المدينةَ فرأيتُ الحسينَ بنَ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام فلم أَرَ أَشدَّ خوفاً منه، كأنّما أُدخِلَ النارَ ثمّ أُخرِجَ منها لِشدّةِ خوفهِ(٢) .

وروىَ يحيى بن سليمان بن الحسينِ، عن عمِّه إِبراهيم بن الحسينِ، عن أَبيه الحسينِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ قالَ: كانَ إِبراهيمُ بنُ هِشامٍ المخزوميّ والياً على المدينةِ، فكانَ يجمعُنا يومَ الجمعةَ قريباً منَ المِنْبَرِ، ثمّ يَقَعُ في عليِّ ُويشتمه. قالَ: فحضرتُ يوماً وقدِ امتلأ ذلكَ المكانُ، فلَصِقْتُ بالمِنبَرَ فأَغْفَيْتُ، فرأَيتُ القبرَ قدِ انفرجَ وخرجَ منه رجلٌ عليِه ثياب بياض، فقالَ لي: يا أبا عبدِاللهِ، ألا يَحزُنُكَ ما يقول هذا؟ قلتُ: بلى واللهِ، قال: افتَحْ عينَيْكَ، انظُرْ ما يصنَعُ اللهُ به ؛ فإِذا هو قد ذكرَ

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٦٧.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٦٧.

١٧٤

عَلياً فرمَي به من فوقِ المِنْبَر فمات لعنَه اللهُ(١) .

* * *

__________________

(١) اعلام الورى: ٢٥٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٦٧.

١٧٥

باب ذكر ولدِ أَبي جعفرٍ عليه السلامُ وعددِهم وأَسمائهم

قد ذكرْنا فيما سلفَ أَنّ ولدَ أَبي جعفرٍعليه‌السلام سبعة نفرٍ: أَبو عبداللهِ جعفرُ بن محمّدٍ - وكانَ به يُكنى - وعبدُاللهِ بن ّمحمّدٍ، أُمُّهما أُمُّ فرْوَةَ بنتُ القاسمِ بنِ محمّدِ بنِ أَبي بكرٍ.

وإِبراهيمُ وعبيدُاللهِ، دَرَجا(١) ، أُمُّهما أُمُّ حكيمٍ بنتُ أَسِيدِ بنِ المُغيرةِ الثّقفيةُ.
وعليّ وزينبُ، لأمِّ ولدٍ.

وأُمُّ سلمةَ، لأمِّ ولدٍ(٢) .

ولم يُعتقدْ في أَحدٍ من ولدِ أَبي جعفرٍعليه‌السلام الإمامةُ إلا في أَبي عبدِاللهِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصادقعليه‌السلام خاصّةً، وكانَ أَخوه عبدُاللهِ رضيَ اللهُ عنه يُشارُ إِليه بالفضلِ والصلاحِ.

ورُوِيَ: أنّه دخلَ على بعض بني أُميّةَ فأَرادَ قَتْلَه، فقالَ له عبدُاللهِّ رضيَ اللهُ عنه: لا تَقتلْني فأكوُنَ(٣) للهِّ عليكَ عوناً، واسْتَبْقِني أَكنْ لكَ على اللهِّ عونا ؛ يُريدُ بذلك أَنّه ممّن يَشفَعُ إِلى اللهِ فيُشفِّعُه، فقالَ له الأمويُّ:

__________________

(١) في هامش «ش»: دَرَجا اي لم يعْقِبا.

(٢) انظر الطبقات لابن سعد ٥: ٣٢٠.

(٣) في «ش» و «م» أكُنْ، وما أثبتناه هوالصحيح الموافق لنسخة «ح »، وكذا صحح في هامش «ش».

١٧٦

لستَ هُناكَ ؛ وسقاه السمّ فقتلَه(١) .

__________________

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٦٥ / ٣.

١٧٧

١٧٨

باب ذكر الإِمامِ القائمِ بعدَ أَبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليٍّ عليهما السلامُ

من ولدِه، وتاريخ مولدِه، ودلائلِ إِمامتهِ،

ومبلغ سنَه، ومدّة خلافتهِ، ووقت وفاتهِ،

وموضع قبرِه، وعدد أَولادِه، ومختصر من أَخبارِه

وكانَ الصادقُ جعفرُ بن محمّدِ بنِ عليّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام من بينِ إِخوتهِ خليفةَ أبيه محمّدِ بنِ عليِّعليهما‌السلام ووصيَّه والقائمَ بالإِمامةِ من بعدِه، وبَرَزَ على جماعتِهمَ بالفضلِ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً، وأَعظمَهم قدراً، وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصةِ، ونقلَ النّاسُ عنه منَ العلوم ما سارتْ به الرُّكْبانُ، وانتشرَ ذكرُه في البُلْدانِ، ولم يَنْقُلْ عن أَحدٍ من أَهلِ بيتهِ العلماء ما نُقِلَ عنه، ولا لقِيَ أحدٌ منهم من أَهلِ الآثارِونَقَلةِ الأخبارِ، ولا نَقَلُوا عنهم كما نقلوا عن أَبي عبداللهِّعليه‌السلام ، فإنّ أصحابَ الحديثِ قد جمعوا أَسماءَ الرُّواةِ عنه منَ الثًّقاتِ، على اختلافِهم في الأراءِ والمقالاتِ، فكانوا أربعةَ آلافِ رجلٍ(١) .

وكانَ لهعليه‌السلام منَ الدّلائلِ الواضحةِ في(٢) إِمامتهِ، ما بَهَرَتِ القلوبَ وأَخرستِ المخالفَ عنِ الطّعنِ(٣) فيها بالشُّبهاتِ.

وكانَ مولدُهعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ ثلاث وثمانينَ منَ الهجرةِ،

__________________

(١) انظر مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٤٧، واعلام الورى: ٣٢٥، والمعتبر: ٥.

(٢) في هامش «ش»: على.

(٣) في هامش «ش» و «م»: الطعون.

١٧٩

ومضىعليه‌السلام في شوّالٍ من سنةِ ثمانٍ وأَربعينَ ومائةٍ، وله خمسٌ وستّونَ سنةً، ودُفِنَ بالبقيعِ معَ أَبيه وجدِّه وعمه الحسنعليهم‌السلام .

وأُمُّه أُمُّ فَرْوَةَ بنتُ القاسمِ بنِ محمّدِ بنِ أَبي بكرٍ.

وكانت إِمامتهعليه‌السلام أَربعاً وثلاثينَ سنةً.

ووصّى إِليه أَبوه أَبو جعفرٍعليه‌السلام وصيّةَ ظاهرةً، ونصَّ عليه بالإمامةِ نصّاً جليّاً.

فروى محمّدُ بنُ أَبي عُمَيرٍ، عن هِشام بنِ سالمٍ، عن أَبي عبدِاللهِّ جعفرِ بن محمّدٍعليهما‌السلام قال: «لمّاَ حضرَتْ أَبي الوفاةُ قالَ: يا جعفرُ، أوصيكَ بأَصحابي خيراً ؛ قلتُ: جُعِلْتُ فداكَ، واللهِ لأدَعَنَّهم(١) والرّجلُ منهم يكونُ في المصرِ فلا يَسألُ أحداً »(٢) .

وروى أَبانُ بنُ عثمانَ، عن أَبي الصبّاحِ الكنانيِّ قالَ: نظرَ أَبوجعفرٍعليه‌السلام إِلى أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام فقالَ: «تَرى هذا، هذا منَ الّذينَ قالَ الله عزَّ وجل:( وَنُرِيْدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذِيْنَ اسسْتُضْعِفُوْا في الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِيْنَ ) (٣) »(٤) .

وروى هِشامُ بنُ سالم، عن جابرِ بنِ يزيدَ الجُعفيِّ قالَ: سُئلَ

__________________

(١) في هامش «ش»: أي اغنيهم. وهوتفسير لكل الجملة.

(٢) الكافي ١: ٢٤٤ / ٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٢ / ٢.

(٣) القصص ٢٨: ٥.

(٤) الكافي ١: ٢٤٣ / ١، مناقب ابن شهراشوب ٤: ٢١٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٣ / ٤.

١٨٠