الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء ٢

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد0%

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 563

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 563
المشاهدات: 172745
تحميل: 8915


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 563 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172745 / تحميل: 8915
الحجم الحجم الحجم
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد الجزء 2

مؤلف:
العربية

أَبوجعفرٍعليه‌السلام عنِ القائمِ بعدَه، فضرَبَ بيدِه على أَبي عبدِاللهِ وقالَ: «هذا واللهِّ قائمُ آلِ محمّدٍعليهم‌السلام »(١) .

وروى عليُّ بنُ الحَكَم، عن طاهرٍ - صاحب أبي جعفرٍعليه‌السلام - قالَ: كنتُ عندَه فأَقبلَ جعفرٌعليه‌السلام فقالَ أَبوجعفرٍعليه‌السلام : «هذا خيرُ البريّةِ»(٢) .

وروى يونسُ بنُ عبدِ الرّحمن، عن عبدِ الأعلى مولى آلِ سامٍ، عن أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام قالَ: «إِنَّ أَبيعليه‌السلام استودَعَني ما هناكَ، فلمّا حضرَتْه الوفاةُ قالَ: ادْعُ لي شهوداً، فدعوتُ أَربعةً من قُريشٍ، فيهم نافعٌ مولى عبدِاللهِ بنِ عمرَ، قالَ: اكتبْ: هذا ما أَوصى به يعقوبُ بنيه:( يَا بَنيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّيْنَ فلا تَمُوتُنَّ إِلاٌ وَأنْتمْ مُسْلِمُوْنَ ) (٣) وأَوصى محمّد بنُ عليٍّ إِلى جعفرٍ بنِ محمّدٍ وأَمرَه أَن يُكفِّنَه في بُردِهِ الّذي كانَ يُصلِّي فيه يومَ الجمعةِ، وأن يُعمِّمَهُ بِعِمامَتهِ، وأَن يُربِّعَ قبرَه ويرفعَه أَربعَ أَصابعَ، وأَن يَحُلَّ عنه أطمارَه(٤) عندَ دفنهِ، ثمّ قالَ للشُّهودِ: انصرفوا رحمَكم اللهُ، فقلتُ له: يا أَبت، ما كانَ في هذا بأَنْ يُشْهَدَ عليه؟ فقالَ: يا بُنِّي، كَرِهْتُ أَن تغْلَبَ، وأَن يُقالَ: لم يُوصَ إليه، فأَردتُ أَن تكونَ لكَ الحجّةُ »(٥) .

__________________

(١) الكافي ١: ٢٤٤ / ٧، واشار المسعودي اليه في اثبات الوصية: ١٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٣ / ٦.

(٢) الكافي ١: ٢٤٤ / ٤، ٥، الامامة والتبصرة: ١٩٩ / ٥٥، واشار اليه المسعودي في اثبات الوصية:١٥٥، عن فضيل بن يسار، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٣٠ / ٦.

(٣) البقرة ٢: ١٣٢.

(٤) في هامش «ش»: اطمار جمع طمر، وهو ثوب خلق.

(٥) الكافي ١: ٢٤٤ / ٨، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٢٧٨، الفصول المهمة: ٢٢٢، ونقله

١٨١

وأشباهُ هذا الحديثِ في معناه كثيرٌ، وقد جاءتِ الرِّوايةُ التي قدّمْنا ذِكرَها في خبرِ اللوحِ بالنّصِّ عليه منَ اللهِ تعالى بالإمامةِ(١) .

ثمّ الّذي قدّمْناه - من دلائلِ العقولِ على أَنّ الإمامَ لا يكونُ إِلّا الافضل(٢) - يدلُّ على إِمامتهِعليه‌السلام لظهورِ فضلِه في العلمِ والزُّهدِ والعملِ على كافّةِ إِخوتهِ وبني لم عَمِّه وسائرِ النّاسِ من أَهلِ عصره.

ثَم الّذيَ يَدلُ على فسادِ إِمامةِ مَنْ ليسَ بمعصومٍ كعصمةِ الأَنبياءِعليهم‌السلام وليسَ بكاملٍ في العلمِ، وظهور تعرِّي مَنْ سواه ممّنِ ادّعِيَ له الإمامةُ في وقتهِ عنِ العصمةِ، وقصورِهم عنِ الكمالِ في علمِ الدِّينِ ؛ يَدًلُّ على إِمامتهِعليه‌السلام ، إِذ لا بدَّ من إِمام معصومٍ في كلِّ زمانٍ، حَسَبَ ما قدّمْناه ووصفْناه(٣) .

وقد روى النّاسُ من اياتِ اللهِ الظاهرةِ على يدِه(٤) عليه‌السلام ما يَدلّ على إِمامتهِ وحقِّه، وبطلانِ مقالِ منِ ادّعى الإمامةَ لغيرهِ.

فمن ذلكَ ما رواه نقلةُ الآثارِ(٥) من خبرِه عليه وآبائه السّلامُ معَ المنصورِ لمّا أمرَ الرَّبِيعَ باحضارِ أَبي عبدِاللهِعليه‌السلام فأَحضرَه، فلمّا بَصُرَ به المنصورُ قالَ له: قتلَني اللهُ إن لم أَقتلْكَ، أَتلحِدُ في سلطاني

__________________

المجلسي في البحار ٤٧: ١٣ / ٩.

(١) تقدم في باب ذكر الامام علي بن الحسينعليه‌السلام - دلائل امامته - وكذا باب ذكر الامام الباقرعليه‌السلام - دلائل امامته - فراجع.

(٢ و ٣) تقدم في باب ذكر الامام علي بن الحسينعليه‌السلام ، دلائل امامته.

(٤) في هامش «ش»: يديه.

(٥) في «م» وهامش «ش»: الاخبار.

١٨٢

وتبغِيني الغوائلَ؟!

فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «واللهِ ما فعلتُ ولا أَردتُ، فإِن كانَ بلغَكَ فمن كاذب، (ولوكنتُ )(١) فعلت لقد ظُلِمَ يوسفُ فغَفرَ، وابتُليَ أَيّوبُ فصَبرَ، وأعطِيَ سليمانُ فشَكرَ، فهؤلاءِ أَنبياءُ اللهِ أليهم يرجعُ نَسبُكَ ».

فقالَ له المنصورُ: أجل، ارتفِعْ هاهنا، فارتفعَ ؛ فقالَ له: إِنّ فلانَ ابنَ فلانٍ أَخبرَني عنكَ بما ذكرتُ.

فقالَ: «أحضِرْه - يا أميرَ المؤمنينَ - ليوُاقِفَني على ذلكَ » فأُحضِرَ الرجل المذكورُ.

فقالَ له المنصورُ: أَنتَ سمعتَ ما حكيتَ عن جعفرٍ؟

قالَ: نعم ؛ فقالَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام : «فاستحلِفْه على ذلكَ ».

فقالَ له المنصورً: أَتَحْلِفُ؟

قالَ: نعم ؛ وابتدأ باليمينِ.

فقالَ له أبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «دَعْني - يا أميرَ المؤمنينَ - أُحَلِّفه أنا».

فقالَ له: افعَلْ.

فقالَ أَبو عبدِاللهِ للسّاعي: «قلْ: بَرِئْتُ مِنْ حَولِ اللهِ وقوّتهِ، والتجأْتُ إِلى حَولي وقوّتي، لقد فعلَ كذا وكذا جعفرٌ، وقالَ كذا وكذا جعفرٌ». فامتنعَ منها هُنَيْهةً ثمّ حلفَ بها، فما برحَ حتّى ضَرَبَ برِجلِه.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وان كنت.

١٨٣

فقالَ أَبوجعفرٍ: جًرُّوا برِجلِه، فأَخْرِجوه لعنَه اللهُ.

قالَ الرّبيعُ: وكنت رأَيتَ جعفرَ بنَ محمّدٍعليهما‌السلام حينَ دخلَ على المنصور يحرِّكُ شَفَتَيْه، فكلَّما حرّكَهما سكنَ غضبُ المنصور، حتّى أَدناه منه وقد رضيَ عنه. فلمّا خرجَ أبو عبدِاللهِعليه‌السلام من عندِ أَبي جعفرٍ اتّبعتهُ فقلتُ: إنّ هذا الرّجلَ كان من أَشدِّ النّاس غضباً عليك، فلمّا دخلتَ عليه دخلتَ وأَنتَ تُحرِّكُ شَفَتَيْكَ، وكلَما حرّكْتَهما سكنَ غضبهُ، فبأَيَ. شيءٍ كنتَ تحرِّكُهما؟ قالَ: «بدعاءِ جدِّي الحسينِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام » قلتُ: جُعلت فداكَ، وما هذا الدُّعاءُ؟ قالَ: «يا عُدّتي (عندَ شدّتي )(١) ، ويا غَوْثي عندَ كُربتي، احْرُسْني بعينِكَ الّتي لا تَنامُ، واكنُفْني برُكنِكَ الّذي لا يُرامُ ».

قالَ الرّبيع: فحفظتُ هذا الدُّعاءَ، فما نزلتْ بي شِدّةٌ قطُّ إِلا دعوتُ به ففُرِّجَ عنِّي.

قالَ: وقلتُ لجعفرِ بنِ محمّدٍ: لِمَ مَنَعْتَ السّاعيَ أَن يَحلفَ باللهِّ؟ قالَ: «كَرِهتُ أَنْ يَراهُ اللهّ يُوَحِّدهُ ويُمجِّدهُ فيَحلُم عنه ويُؤَخِّرَ عقوبتَه، فاستحلفتهُ بما سمعتَ فأَخذَه اللهُ أخذةً رابية »(٢) .

وروي أَنّ داوُدَ بنَ عليِّ بنِ عبدِاللهِ بن عبّاسٍ قَتلَ المُعلّى بن خُنَيْسٍ - مولى جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام - وأَخَذَ مالَه، فدخلَ عليه جعفرٌ وهو

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: في شدّتي.

(٢) رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٢٥، باختلاف يسير، واشار الى الواقعة باختصار سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٣٠٩، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٧: ١٧٤ / ٢١.

١٨٤

يَجُرُّ رداءه فقالَ له: «قتلتَ مولاي وأَخذتَ مالي، أَما علمتَ أَنّ الرّجلَ يَنامُ على الثُّكلِ ولا يَنامُ على الحَرب، أَما واللهِ لأدْعُوَنَّ الله عليكَ » فقالَ له داوُدُ: أَتَتَهدّدُنا(١) بدعائكَ؟ كالمستهَزئ بقولهِ. فرجعَ أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام إلى دارِه، فلم يَزلْ ليلَه كلَّه قائماً وقاعداً، حتّى إِذا كانَ السّحرُ سُمعَ وهو يقولُ في مُناجاتِه: «ياِذا القوة القوية، وياِذا المحال الشّديدِ، وياذا العزّةِ الّتي كلُّ خلقِكَ لها ذليلٌ، اكْفِني هذا الطّاغيةَ وانتقِمْ لي منه » فما كانَ إِلا ساعة حتّى ارتفعتِ الأصواتُ بالصِّياحِ وقيلَ: قد ماتَ داوُدُ ابنُ عليٍّ السّاعةَ(٢) .

وروى أَبو بصير قالَ: دخلتُ المدينةَ وكانتْ معي جويرية لي فأَصبت منها، ثمّ خرجتُ إِلى الحمّام فلقيتُ أَصحابَنا الشِّيعةَ وهم متوجِّهونَ إِلى جعفرِ ابنُ محمّدٍعليهما‌السلام فخِفتُ أَن يَسبقوني ويفوتَني الدُّخولُ إِليه، فمشيتُ معَهم حتّى دخلتُ الدّارَ، فلمّا مثلتُ بينَ يَدَيْ أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام نظرَ إِليَّ ثمّ قالَ: «يا أَبا بصيرٍ، أَما علمتَ أَنّ بيوتَ الأنبياءِ وأَولاد الأنبياءِ لا يَدخلُهُا الجُنُبُ » فاستحيَيْتُ وقلتُ له: يا ابنَ رسولِ اللهِّ، إِنِّيَ لقيتُ أَصحابَنا فخشيتُ أَن يفوتَني الدُّخولُ معَهم، ولن أَعودَ إِلى مثلِها ؛ وخرجتُ(٣) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ عنه مُستفيضةً بمثلِ ما ذكرْناه منَ الآياتِ والإخبارِ بالغُيوب ممّا يطولُ تعدادُه.

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: أتُهدّدنا.

(٢) رواه مختصراً ابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٢٦، وأشار الى نحوه الكليني في الكافي ٢: ٣٧٢ / ٥، وابن شهراشوب في المناقب ٤: ٢٣٠، والراوندي في الخرائج ٢: ٦١١ / ٧.

(٣) روى نحوه الصفار في بصائره: ٢٦١ / ٢٣، والطبري في دلائل الامامة: ١٣٧، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ٢٢٦.

١٨٥

وكانَ يقولُ عليه وعلى آبائه السّلامُ: «عِلْمُنا غابِرٌ ومزبور، ونَكْتٌ في القلوبِ، نَقرٌ في الأَسماعِ ؛ وانّ عندَنا الجَفْرَ الأحمرَ والجَفْرَ الأبيضَ ومُصحَفَ فاطمةَعليها‌السلام ، وانّ عندَنا الجامعةَ فيها جميعُ ما يَحتاجُ الناسُ إِليه ».

فسئلَ عن تفسيرهذا الكلام فقالَ: «أَمّا الغابرُ فالعلمُ بما يكونُ، وأَمّا المزبورُ فالعلمُ بما كانَ، وأمّا النّكتُ في القلوبِ فهوالإلهامُ، والنَقرُ في الأسماع حديث الملائكةِ، نَسمعُ كلامَهم ولا نرى أَشخاصَهم، وأَمّا الجفرُ الأَحمر فوعاء فيه سلاح رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ولن يظهرَ(١) حتّى يقوم قائمنا اهل البيتِ، وأَمّا الجفرُ الابيضُ فوعاءٌ فيه توراةُ موسى وإِنجيل عيسى وزبورُ داودَ وكُتُبُ اللهِ الأولى، وأَمّا مُصحَفُ فاطمةَعليها‌السلام ففيه ما يكونُ كل حادثٍ وأَسماءُ كلِّ من يَملكُ(٢) إِلى أَن تقومَ الساعة ؟ أَمّا ألجامعةُ فهي كتابٌ طولهُ سبعونَ ذراعاً، املاءُ رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله من َفلْقِ فِيْه وخطُّ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام بيدِه، فيه - واللهِّ - جميعُ ما يَحتاجُ النّاسُ إِليه إِلى يوم القيامةِ، حتّى انّ فيه أَرْش الخَدْشِ والجَلْدةَ ونصفَ الجَلْدة»(٣) .

وكانَ عليه وآبائه السّلامُ يقولُ: «حديثي حديثُ أَبي، وحديثُ أَبي حديثُ جدِّي، وحديثُ جدِّي حديثُ علي بنِ أَبي طالبٍ أَميرِ المؤمنينَ، وحديث علي أميرِ المؤمنينَ حديث رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»: يخرج.

(٢) في هامش «ش» و «م»: ملك.

(٣) رواه مختصراً ألكليني في الكافي ١:٢٠٧ / ٣، والصفار في بصائر الدرجات: ٣٣٨ / ٢.

١٨٦

وحديثُ رسولِ اللهِ قولُ اللهِ عزّ وجلَّ »(١) .

وروى أَبو حمزةَ الثُّماليُّ، عن أَبي عبدِاللهِّ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام قالَ: سمعتُه يقولُ: «أَلواحُ موسىعليه‌السلام عندَنا، وعصا موسى عندَنا، ونحن وَرَثَةُ النّبيِّينَ »(٢) .

وروى معاويةُ بنُ وهبِ، عن سعيدٍ السّمّانِ قالَ: كنت عندَ أَبي عبدِاللهِّعليه‌السلام إِذْ دخلً عليه رجلانِ منَ الزّيديّةِ فقالا له: أَفيكم إِمامٌ مفتَرَضٌ طاعته؟ قالَ: فقالَ: «لا» قالَ: فقالا له: قد أَخْبَرَنا عنكَ الثِّقاتُ أَنّكَ تقولُ به - وسمَوْا قوماً - وقالوا: هم أَصحاب وَرَعٍ وتشمير(٣) وهم ممّن لا يَكذِبُ؛ فغضبَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام وقالَ: «ما أَمرتُهم بهذا» فلمّا رأَيا الغضبَ في وجهِه خَرَجا.

فقالَ لي: «أتعرفُ هذينِ؟» قلت: نعم، هما منِ أَهلِ سُوقِنا، وهما منَ الزّيديّةِ وهما يَزعمانِ أَنّ سيفَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله عندَ عبدِاللهِ بنِ الحسنِ بنِ الحسنِ فقالَ: «كذبا لعنَهما اللهُ، واللهِ ما راه عبدُالله ابن الحسنِ بعينيه ولا بواحدةٍ من عينيه، ولا راه أَبوه، اللهمَّ إِلا أَن يكونَ رآه عندَ عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ، فإن كانا صادقينِ فما علامةٌ في مقبضهِ؟ وما أَثرُ في مضربِه؟ فإِنّ عندي لسيفَ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ عندي لدرعَ رسولِ اللهِ، وإنّ عندي لرايةَ رسولِ اللهِ ولامتَه ومغفره، فإِن كانا صادقَينِ فما علامةٌ في درعِ رسولِ اللهِ؟ وِانّ

__________________

(١) الكافي ١: ٤٢: ١٤.

(٢) الكافي ١: ١٨٠ / ٢، بصائر الدرجات: ٢٠٣ / ٣٢، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٢٧٦.

(٣) التشمير: الجدّ في الشيّء «الصحاح - شمر - ٢: ٧٠٣». وفي «ش» وهامش «م»: التمييز.

١٨٧

عندي لرايةَ رسولِ اللهِ المُغَلِّبةَ(١) ، وانّ عندي ألواحَ موسى وعصاه وِانّ عندي لخاتمَ سليمان بن داوُدَ، وِان عندي الطّستَ التي كانَ موسى يُقرِّب فيها القربانَ، وانّ عندي الاسمَ الّذي كانَ رسولُ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله إِذا وضعَه بينَ المسلمينَ والمشركينَ لم تَصِلْ منَ المشركينَ إِلى المسلمينَ نُشّابةٌ، وانّ عندي لمثلَ الّذي جاءتْ به الملائكة ؛ ومثلُ السِّلاح فينا كمثلِ التّابوتِ(٢) في بني إِسرائيلَ، كانتْ بنو إِسرائيلَ في أَيِّ بيتٍ وُجِدَ التّابوتُ على أَبواَبهم أُوتوا النُبوّةَ، ومَنْ صارَ إِليه السلاحُ منّا أُوتيَ الإمامةَ، ولقد لبسَ أَبَي درعَ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فَخطّتْ عليه الأرضَ خَطِيطاً ولبستُها أنا فكانت وكانتْ، وقائمُنا مَنْ إذا لبسَها ملأها إن شاءَ اللهُ »(٣) .

وروى عبدُ الأعلى بن أَعيَنَ قالَ: سمعتُ أبا عبدِاللهِّعليه‌السلام يقولُ: «عندي سلاحُ رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أُنازَعُ فيه ؛ ثمّ قالَ: إِنّ السلاحَ مدفوعٌ عنه(٤) ، لو وُضِعَ عندَ شرِّ خلقِ اللهِ كانَ خيرَهم. ثمّ قالَ: إِنّ هذا الأمرَ يصيرُ إِلى مَنْ يًلْوى له الحَنَكُ(٥) ، فإِذا كانتْ منَ اللهِ فيه المشيئةُ خرجَ، فيقولُ النّاسُ: ما هذا الّذي كانَ؟!

__________________

(١) ضبطناها كما في نسخة «ش» و «م»، وفي مرآة العقول: «المغلبة» اسم آلة من الغلبة كانها اسم احدى راياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) في هامش «ش»: قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : يعني التابوت الذي جاءت به الملائكة الى طالوت.

(٣) الكافي ١: ١٨١ / ١، بصائر الدرجات: ١٩٤ / ٢.

(٤) في مرآة العقول: أي تدفع عنه الآفات.

(٥) في هامش «ش» و «م»: اي يُستحقر.

١٨٨

ويضعُ اللهُّ له يداً على رأْسِ رعيّتهِ »(١) .

وروى عُمَرُ بنُ أَبان قالَ: سأَلتُ أَبا عبدِاللهِعليه‌السلام عمّا يتحدّثُ النّاسُ أَنّه دُفِعَ إِلى أُمِّ سلمةَ - رضيَ اللهُ عنها - صحيفةٌ مختومةٌ فقالَ: «إِنّ رسولَ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قُبضَ ورثَ عليٌّعليه‌السلام علمَه وسلاحَه وما هناكَ، ثمّ صارَ إِلى الحسنَ، ثمّ صارَ إِلى الحسينِعليهما‌السلام ».

قالَ: فقلتُ: ثمّ صارَ إِلى علي بنِ الحسينِ، ثمّ إلى ابنهِ، ثمّ انتهى إليكَ؟
قالَ: «نعم »(٢) .

والأخبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ، وفيما أَثبتْناه منها كفايةٌ في الغرضِ الّذي نَؤُمُّه إِن شاءَ اللهُّ.

__________________

(١) الكافي ١: ١٨٢ / ٢، بصائر الدرجات: ٢٠٤ / ٣٩.

(٢) الكافي ١: ١٨٣ / ٨، بصائر الدرجات: ٢٠٦ / ٤٥.

١٨٩

باب ذكر طرفٍ من أَخبارِ أَبي عبدِاللهِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادِقِ عليه السلامُ

وكلامهِ

وجدتُ، بخطّ أَبي الفرجِ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ محمّدٍ الأصفهانيِّ في أَصلِ كتابِه المعروفِ بمقاتلِ الطّالبيِّينَ:

أَخبرَني عمر بنُ عبدِاللهِ العَتَكيّ قالَ: حدّثَنا عُمَرُ بنُ شبّةَ قالَ: حدّثَني الفضلُ بنُ عبدِالرّحمن الهاشميّ وابنُ داحةَ.

قالَ أَبو زيدٍ(١) ، وحدّثَني عبدُ الرّحمن بن عمرو بنِ جَبَلَةَ قالَ: حدّثَني الحسنُ بنُ أَيُّوبَ - مولى بني نُميرٍ - عن عبدِ الأَعلى بن أَعَينَ.

قالَ: وحدّثَني إِبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ أَبي الكرامِ الجعفريّ، عن أَبيه.

قالَ: وحدّثَني محمّدُ بنُ يحيى، عن عبدِاللهِّ بنِ يحيى.

قالَ: وحدّثَني عيسى بن عبدِاللهِّ بنِ محمّدِ بنِ عمر بن عليٍّ، عن أَبيه، وقد دخلَ حديثُ بعضِهم في حديثِ الآخرينَ:

أَنّ جماعةً من بني هاشمٍ اجتمعوا بالأبواءِ، وفيهم إِبراهيمُ بنُ محمّدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِاللهِ بنِ العبّاسِ، وأَبو جعفرٍ المنصورُ، وصالحُ بنُ

__________________

(١) أبو زيد: هو عمر بن شبة كما في هامش «ش»، وقد عنونه في تاريخ بغداد ١١: ٢٠٨ وذكر ولادته في اول رجب سنة ١٧٣ ووفاته في جمادى الآخرة سنة ٢٦٢ هـ.

١٩٠

عليّ، وعبدُاللهِ بن الحسنِ، وابناه محمّدٌ وإبراهيمُ، ومحمّدُ بنُ عبدِالله بن عمرِوبنِ عُثمانَ ؛ فقالَ صالحُ بنُ عليٍّ: قد علمتم أَنّكم الّذين يَمدُّ النّاسُ إِليهم(١) أَعينَهم، وقد جمعَكم اللهُ في هذا الموضعِ، فاعقدوا بيعةً لرجلٍ منكم تُعطونَه إِيّاها من أَنفسِكم، وتَواثَقوا على ذلكَ حتّى يفتحَ اللهُ وهو خيرُ الفاتحينَ.

فحمدَ اللهَ عبدُالله بن الحسنِ وأثنى عليه ثمّ قالَ: قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهديُّ، فهلَمّ فلنبايعْه.

قالَ أبو جعفر: لأيِّ شيءٍ تخدعونَ أنفسَكم؟ واللهِ لقد علمتم ما النّاسُ إِلى أحدٍ أصور(٢) أعناقاً ولا أسرع إِجابةً منهم إِلى هذا الفتى - يريد به محمّدَ بنَ عبدِاللهِ -.
قالوا: قد - واللهِ - صدقتَ، إِنّ هذا الّذي نعلمُ.

فبايعوا محمّداً جميعاً ومسحوا على يدِه.

قالَ عيسى: وجاءَ رسولُ عبدِاللهِ بنِ حسنٍ إِلى أبي: أنِ ائتِنا فإِنّا مجتمعونَ لأمرٍ، وأرسلَ بذلكَ إلى جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام .

وقالَ غير عيسى(٣) : إِنّ عبدَاللهِ بن الحسنِ قالَ لمن حضرَ: لا تُريدوا جعفراً، فإنّا نخافُ أن يُفسِدَ عليكم أمرَكم.

قالَ عيسى بن عبدِاللهِ بنِ محمّدٍ: ( فأرسلَني أبي أنظرُ ما اجتمعوا له، فجئتُهم )(٤) ومحمّدُ بنُ عبدِاللهِ يُصلِّي على طنفسةِ رحلٍ مَثْنيّةٍ فقلتُ لهم:

__________________

(١) في «ح » وهامش «ش»: اليكم.

(٢) الصّوَر: الميل. «الصحاح - صور - ٢: ٧١٦ ».

(٣) هو عبدالله الاعلى، كما صرح به في مقاتل الطالبيين.

(٤) في مقاتل الطالبيين هكذا: انظر الى ما اجتمعوا عليه، وارسل جعفر بن محمدعليه‌السلام ،

١٩١

أرسلَني أبي إِليكم أسأَلُكم لأيِّ شيءٍ اجتمعتم؟

فقالَ عبدُاللهِ: اجتمعْنا لنبايعَ المهديَ محمّدَ بنَ عبدِاللهِ.

قالَ: وجاءَ جعفرُ بنُ محمّدٍ فأَوسعَ له عبدُاللهِّ بن حسن إِلى جنبِه، فتكلّمَ بمثلِ كلامِه.

فقالَ جعفرٌ: «لا تَفْعلوا، فإِنّ هذا الامرَ لم يأْتِ بَعدُ، إِن كنتَ ترى - يعني عبدَاللهِ - أنّ ابنَكَ هذا هو المهديّ، فليسَ به ولا هذا أوانهُ، وان كنتَ إِنّما تريدُ أَن تخرِجَه غضباً للهِ وليأْمرَ بالمعروفِ وينهى عنِ المنكرِ، فإِنّا واللهِ لا نَدَعُكَ - وأنتَ شيخُنا - ونبايع ابنَكَ فَي هذا الأمرِ».

فغضبَ عبدُاللهِ وقالَ: لقد علمتُ خلافَ ما تقولُ، وواللهِ ما أَطْلَعَكَ الله على غيبِه، ولكنّه يَحْمِلُكَ على هذا الحسد لابْني.

فقالَ: «واللهِّ ما ذاكَ يَحمِلُني، ولكنْ هذا وِاخوتُه وأَبناؤهم دونَكمِ » وضربَ بيدِه على ظهرِ (أبي العبّاسِ )(١) ثمّ ضربَ بيدِه على كتفِ عبدِاللهِّ ابن حسنٍ وقالَ: «إِنّها - والله - ما هي إِليكَ ولا إِلى ابنَيْكَ ولكنّها لهم، وِانّ ابنيْكَ لمَقتولانِ » ثمّ نهضَ وتوكّأ على يدِ عبدِ العزيزِ بنِ عِمْرانَ الزُّهْريِّ فقالَ: «أَرأَيتَ صاحبَ الرِّداءِ الأصفرِ؟» يعني (أَبا جعفر )(٢) فقالَ له: نعم، فقالَ: «إِنّا واللهِّ نَجِدُه يَقتله» قالَ له عبدُ العزيزِ: أَيَقتِلُ محمّداً؟ قالَ: «نعم ».

فقلتُ في نفسي: حَسَدَه وربِّ الكعبةِ! قالَ: ثُمَّ واللهِ ما خرجتُ

__________________

محمد بن عبدالله الارقط بن علي بن الحسين فجئناهم الخ.

(١) في هامش «ش»: كأنه أبو العباس السفاح.

(٢) هو أبو جعفر المنصور.

١٩٢

منَ الدُّنيا حتّى رأَيتُه قَتَلَهما.

قالَ: فلمّا قالَ جعفرٌ ذلكَ ونهضَ القومُ وافترقوا، تَبعَه عبدُ الصّمدِ وأَبو جعفرٍ فقالا: يا أَبا عبدِاللهِ أَتقولُ هذا؟ قالَ: «نعم، أقولُه - واللهِ - وأَعْلَمُه ».

قالَ أَبو الفرج: وحدّثَني عليُّ بنُ العبّاسِ المَقانعيّ قالَ: أَخبرَنا بكّارُ بنُ أَحمدَ قالَ: حدّثَنا حسنُ بنُ حسينٍ(١) عن (عَنْبَسَة بن بجادٍ )(٢) العابدِ قالَ: كانَ جعفرُ بنُ محمّدٍعليهما‌السلام إِذا رأَى محمّدَ بنَ عبداللهِ ابن حسنٍ تَغَرْ غَرَتْ عيناه، ثمّ يقولُ: «بنفسي هو، إِنّ النّاسَ لَيقولونَ فيه، وإِنّه لَمقتولٌ، ليسَ هو في كتابِ عليٍّ من خلفاءِ هذه الأمّةِ»(٣) .

فصل

وهذا حديثٌ مشهورٌ كالّذي قبلَه، لا يَختلفُ العلماء بالأخبار في صحّتِهما، وهما ممّا يَدُلاّنِ على إمامةِ أبي عبدِاللهِ الصّادقِعليه‌السلام وأنّ المعجزاتِ كانتْ تظهرُ على يدِه لإخبارِه بالغائباتِ والكائناتِ قبلَ كونِها، كما كانَ يُخبرُ الأنبياءُعليهم‌السلام فيكونُ ذلكَ من اياتِهم وعلاماتِ

__________________

(١) كذا في «ش» و «ح »، وحكاه. في هامش «م» عن نسخة، وفي متنه: حسن، ومثله هامش «ش» وعليه علامة (س)، وهو تصحيف، والمراد منه هو الحسن بن الحسين العرني الذي مر في ص ١٧١ برواية بكّار بن أحمد عنه، انظر ترجمة العرني في رجال النجاشي: ٥١ / ١١١.

(٢) أثبتناه من «م» وهامش «ش» وهو محتمل «ح»، وفي «ش»: نجاد، وهو تصحيف، انظر ايضاح الاشتباه: ٢٤٧ / ٥٠١، رجال العلامة: ١٢٩ / ٣، رجال ابن دارد: ١٤٧ / ١١٥٤.

(٣) مقاتل الطالبيين: ٢٠٥ - ٢٠٨، ورواه مرة اخرى في ص ٢٥٣ - ٢٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٨٧ / ٥٣ و ٤٧: ٢٧٦ / ١٨.

١٩٣

نبوّتِهم وصدقهِم على ربِّهم عزَّ وجلَّ.

أَخبرَني أَبو القاسمِ جعفرُ بنً محمّدِ بنِ قولويه، عن محمّدِ بنِ يعقوبَ الكُليْنيَ، عن عليِّ بنِ إِبراهيم بن هاشمٍ، عن أَبيه، (عن جماعةٍ من رجالهِ )(١) ، عن يونس بن يعقوبَ قالَ: كنتُ عندَ أَبي عبدِاللهِ الصادقِعليه‌السلام فوردَ عليه رجلٌ من أَهلِ الشّام فقالَ له: إِنِّي رجلٌ صاحبُ كلامٍ وفقهٍ وفرائضَ، وقد جئت لمناظرةِ أَصحابِكَ؛ فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «كلامُكَ هذا من كلام رسولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَو من عندِكَ؟» فقالَ: من كلام رسولِ اللهِ بعضُه، ومن عندي بعضُه؛ فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «فأَنتَ إِذنْ شريكُ رسولِ اللهِ؟!» فقالَ: لا؛ قالَ: «فسمعت الوحيَ عنِ اللهِ؟ »قالَ: لا، قلَ: «فتَجبُ طاعتكَ كما تجَبُ طاعةُ رسولِ اللهِ؟ » قالَ: لا؟ فالتفتَ أَبوعبدِاللهِّعليه‌السلام إِليَّ فقالَ: «يا يونسَ بنَ يعقوبَ، هذا قد خَصَمَ نَفْسَه قبلَ أَن يتكلّمَ ».

ثمّ قالَ: «يا يونسُ، لوكنتَ تُحْسِنُ الكلامَ لكلّمْتَه ».

قالَ يونسُ: فيالهَا من حَسرة؛ ثمّ قلتُ:جُعِلْتُ فداكَ، سمعتُكَ تَنْهى عنِ الكلام وتقولُ: «ويلٌ لأصحابِ الكلام، يَقولونَ هذا يَنْقادُ وهذا لا يَنْقادُ، وهذاَ ينساق وهذا لا يَنْساقُ، وهذا نَعقِلُه وهذا لا نَعْقِلُه ».

فقالَ أَبو عبدِاللهِّعليه‌السلام : «إِنمّا قلتُ: ويلٌ لقومٍ تركوا قولي وذهبوا إِلى ما يُريدونَ ؛ ثمّ قالَ: اخرُجْ إِلى البابِ فانظُرْ مَنْ ترى منَ المتكلِّمينَ فأَدْخِلْه ».

__________________

(١) في الكافي: عمّن ذكره.

١٩٤

قالَ: فخرجتُ فوجدتُ حُمرانَ بنَ أَعْينَ - وكانَ يُحْسِنُ الكلامَ - ومحمّدَ بنَ النًّعمانِ الأحْوَلَ(١) - وكان متكلِّماً - وهِشامَ بنَ سالمٍ وقيسَ الماصرَ - وكانا متكلِّمَيْنِ - فأَدخلْتُهم عليه، فلمّا استقرَّ بنا المجلس - وكنّا في خيمةٍ لأبي عبدِاللهِعليه‌السلام على طرفِ جبلٍ في طرفِ الحرمِ، وذلكَ قبلَ الحجِّ بأَيّامٍ - أَخرجَ أَبو عبدِاللهِ رأْسَه منَ الخيمةِ، فإِذا هو ببعيرٍ يَخُبُ(٢) فقالَ: «هشامٌ وربِّ الكعبةِ».

قالَ: فظننّا أَنّ هِشاماً رجلٌ من ولدِ عقيلٍ كانَ شديدَ المحبّةِ لأبي عبدِاللهِ، فإِذا هشامُ بنُ الحكمِ قد وردَ، وهو أَوّل ما اختطّتْ لحيتُه، وليسَ فينا إِلّا من هوأَكبرُسنّاً منه، قالَ: فوسّعَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام وقالَ: « ناصِرُنا بقلبِه ولسانِه ويدِه ».

ثمّ قالَ لحُمرانَ: «كلِّم الرّجلَ » يعني الشّاميَّ، فكلّمَه حُمرانُ فظَهَرعليه.

ثمّ قالَ: «يا طاقيُّ كلِّمْه » فكلّمَه فظَهَرعليه محمّدُ بنُ النُّعمانِ.

ثمّ قالَ: «يا هشامَ بنَ سالمٍ كلِّمْه » فتعارفا.

ثمّ قالَ لقيسٍ الماصرِ: «كلِّمْه » فكلّمَه، وأَقبل أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام يتبسّمُ من، كلامِهما، وقدِ استخذلَ الشّاميُّ في يدِه.

ثمّ قالَ للشّاميِّ: «كلِّمْ هذا الغلامَ » يعني هشامَ بنَ الحكمِ.

فقالَ: نعم، ثمّ قالَ الشّاميُّ لهشامٍ: يا غلامُ، سَلْني في إِمامةِ

__________________

(١) في هامش «ش»: يعني مؤمن الطاق.

(٢) الخبب: ضرب من العدو، وخب الفرس إذا راوح بين يديه ورجليه. «الصحاح - خبب - ١: ١١٧».

١٩٥

هذا - يعني أَبا عبدِاللهِعليه‌السلام - فغَضبَ هشامٌ حتّى ارتعدَ(١) ثمّ قالَ له: أَخبِرْني يا هذا، أَربُكَ أَنظَرُ لخلقِه أَم هم لأنفسِهم؟

فقالَ الشّاميُ: بل ربّي أَنظرلخلقِه.

قالَ: ففعلَ بنظرِه لهم في دينِهم ماذا؟

قالَ: كلّفهم وأَقامَ لهم حجّةً ودليلاً على ما كلّفهم، وأَزاح في ذلكَ عللهم.

فقالَ له هشامٌ: فما الدّليلُ الّذي نَصَبَه لهم؟

قالَ الشّاميُّ: هو رسول اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قالَ له هشامٌ: فبعدَ رسولِ اللهِ مَنْ؟

قالَ: الكتابُ والسُّنّةُ.

قالَ له هشامٌ: فهل نَفَعَنا اليومَ الكتابُ والسُّنّةُ فيما اختلفْنا فيه، حتّى رفعَ عنّا الاختلاف ومَكّننا منَ الاتّفاقِ؟

قالَ الشّاميُّ: نعم.

قالَ له هِشامُ: فَلِم اخْتَلَفْنا نحن وأَنتَ، وجئتَنا منَ الشّامِ تُخالِفُنا وتزعمُ أَنّ الرّأْيَ طريقُ الدِّينِ، وأَنتَ مُقِرٌ بأنّ الرّأْيَ لا يَجمعُ على القولِ الواحدِ المُختلفين؟

فسكتَ الشّاميُّ كالمفكِّر.

__________________

(١) في «ش»: اُرْعِدَ، وما أثبتناه من «م» وهامش «ش» وهو موافق للكافي والاحتجاج ونسخة البحار.

١٩٦

فقالَ له أَبوعبدِاللهِّعليه‌السلام : «ما لَكَ لا تتكلّمُ؟»

قالَ: إن قلتُ إنّا ما اختلفْنا كابرتُ، وإن قلتُ إنّ الكتابَ والسُّنّةَ يَرْفَعانِ عنّا الاختلافَ أَبْطَلْتُ، لأنّهما يحتملانِ الوجوهَ، ولكن لي عليه مثل ذلكَ.

فقالَ أَبوعبدِاللهِ: «سَلْه تَجِدْه مَلِيّاً».

فقالَ الشّاميُّ لهشامٍ: مَنْ أَنْظَرُ للخلقِ، ربُّهم أَم أَنفسهم؟

فقالَ هشامٌ: بل ربُّهم أَنظرُ لهم.

فقالَ الشّاميُّ: فهل أَقامَ لهم من يَجمَعُ كلِمَتَهَم، ويَرفَعُ اختلافَهم، ويُبِّينُ لهم حقَهم من باطلِهم؟.

قال هشام: نعم.

قالَ الشّاميُّ: مَنْ هو؟

قالَ هشامٌ: أمّا في ابتداءِ الشّريعةِ فرسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأَمّا بعدَ النّبيِّعليه‌السلام فغيرهُ.

قالَ الشّاميُّ: ومَنْ هو غير النّبيِّعليه‌السلام القائمُ مَقامَه في حجّتِه؟

قالَ هشامٌ: في وقِتنا هذا أَم قبلَه؟

قالَ الشّاميُّ: بل في وقتِنا هذا.

قالَ هشامٌ: هذا الجالسُ - يعني أَبا عبدِاللهِّعليه‌السلام - الّذي تشدَّ إِليه الرِّحالُ، ويُخبرنُا بأَخبارِ السّماءِ، وراثةً عن أَبٍ عن جدٍّ.

١٩٧

قالَ الشّاميُّ: وكيفَ لي بعلمِ ذلكَ؟

قالَ هشامٌ: سَلَهْ عمّا بدا لكَ.

قالَ الشّاميُّ: قطعتَ عُذْري، فعليَّ السُّؤالُ.

فقالَ أبو عبدِاللهعليه‌السلام : «أَنا أكفِيكَ المسألةَ يا شاميُّ، أخبِركَ عن مسيركَ وسفرِكَ، خرجتَ يومَ كذا، وكانَ طريقُكَ كذا، ومررتَ على كذا، ومرَّ بكَ كذا».

فأَقبلَ الشّاميُّ كلّما وَصفَ له شيئأ من أَمرِه يقولُ: صدقتَ واللهِّ.

ثمّ قالَ له الشّاميُّ: أَسلمتُ للهِ السّاعةَ.

فقالَ له أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام : «بل آمنتَ باللهِّ السّاعةَ، إِنَ الإسلامَ قبلَ الإيمانِ، وعليه يتوارثونَ ويتناكحونَ، والإيمان عليه يُثابونَ ».

قالَ الشّاميُ: صدقتَ، فأَنا السّاعةَ أَشهدُ أَن لا إِلهَ إلا اللهُ وأَنّ محمّداً رسولُ اللهِ وأنكَ وصيُّ الأوصياءِ.

قالَ: فأَقبلَ أَبو عبدِاللهِعليه‌السلام على حُمران بن أَعيَنَ فقالَ: «يا حُمرانُ، تُجْرِي الكلامَ على الأثَرِ فتُصيبُ ».

والتفَت إِلى هِشامِ بنِ سالمٍ فقالَ: «تُريدُ الأثَرَ ولا تَعْرِفُ ».

ثمّ التفتَ إِلى الأحولِ فقالَ: «قَيّاسٌ رَوّاغٌ(١) ، تَكسرُ باطلاًً بباطلٍ، إِلا أَنّ باطلَكَ أَظهرُ».

__________________

(١) راغ الثعلب: ذهب يمنةً ويسرةً في سرعة خديعةً، فهولا يستقرفي جهة «مجمع البحرين - راغ - ٥: ١٠».

١٩٨

ثمّ التفتَ إِلى قَيْسٍ الماصِر فقالَ: «تُكَلِّمُ وأَقربُ ما تكونُ منَ الخبرِعنِ الرّسولِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَبعدُ ما تكونُ منه، تَمْزِجُ الحقَّ بالباطلِ، وقليلُ الحقِّ يكفي من كثيرِ الباطلِ، أَنتَ والأحولُ قَفّازانِ حاذقانِ ».

قالَ يونسُ بنُ يعقوبَ: فظننتُ واللهِ أَنّه يقولُ لهشامٍ قريباً ممّا قالَ لهما، فقالَ: «يا هشامُ، لا تكاد تَقَع، تَلْوِي رجلَيْكَ، إِذا هَمَمْتَ بالأرضِ طِرْتَ، مثلُكَ فليُكَلِّمِ النّاسَ، اتّقِ الزّلّةَ، والشّفاعةُ من ورائكَ »(١) .

فصل

وهذا الخبرُمعَ ما فيه من إثباتِ حجّةِ النّظر ودلالةِ الإمامةِ، يتضمنُ منَ المعجزِ لأبي عبدِاللهِعليه‌السلام بالخبرِ عنِ الغائبِ مثلَ الّذي تضمّنَه الخبرانِ المتقدِّمانِ، ويوافقُهما في معنى البرهان.

أخبرَني أَبو القاسمِ جعفرُ بنُ محمّدٍ القميّ، عن محمّدِ بنِ يعقوبَ الكُلينيِّ، عن عليِّ بن إِبراهيمِ بن هاشمٍ، عن أَبيهِ، عنِ العبّاسِ بنِ عمرٍو(٢) الفقيميِّ: أَنَّ ابنَ أَبي العوجاءِ وابنَ طالوتَ وابنَ الأعمى وابنَ

__________________

(١) الكافي ١: ١٣٠ / ٤، وذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ٢٤٣، وروى الطبرسي في الاحتجاج: ٣٦٤، مثله ؟ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٨: ٢٠٣ / ٧.

(٢) كذا في نسخة البحار والمطبوع، وفي النسخ الثلاث: عُمَرَ بدل عمرو، وفي «م»: العباس عن عمر الفقيمي، والظاهر صحة ما اثبتناه، انظر: توحيد الصدوق: ٦٠، ١٠٤، ١٤٤، ١٦٩، ٢٤٣، ٢٩٣، معاني الأخبار: ٨، ٢٠، الكافي ١: ٨٠، ١٠٨، وان كان في ص ١٦٨ منه: العباس بن عمر الفقيمي، لكن حكى عن الطبعة القديمة (ابن عمرو). لاحظ معجم رجال الحديث ٩: ٢٣٧.

١٩٩

المقفع، في نفرٍ منَ الزنادقةِ، كانوا مجتمعينَ في الموسمِ بالمسجدِ الحرامِ، وأَبو عبدالله جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فيه إِذ ذاكَ يُفتي النّاسَ، ويُفسِّرُ لهم القرآن، ويجيبُ عنِ المسائل بالحججِ والبيِّناتِ.

فقالَ القومُ لابنِ أَبي العوجاءِ: هل لكَ في تغليطِ هذا الجالسِ وسؤاله عمّا يفضحُه عندَ هؤلاءِ المحيطينَ به؟ فقد ترى فتنةَ النّاسِ به، وهو عَلامةُ زمانهِ، فقالَ لهم ابنُ أبي العوجاءِ: نعم؛ ثمّ تقدّمَ ففرّقَ النّاسَ وقالَ: أَبا عبدِاللهِ، إِنّ المجالسَ أَماناتٌ، ولا بدَّ لكلِّ مَنْ كانَ به سُعالٌ أَن يَسْعَلَ؛ فتأْذن في السُّؤالِ؟

فقالَ له أَبوعبدِاللهِعليه‌السلام : «سَلْ إِن شئتَ ».

فقالَ له ابنُ أَبي العوجاءِ:إِلى كم تَدُوسونَ هذا البَيْدَرَ، وتَلوذونَ بهذا الحَجَر، وتَعبدونَ هذا البيتَ المرفوعَ بالطُّوْب والمَدَرِ، وتُهَرْولونَ حولَه هَرْوَلَةَ البعيرِ إِذا نفرَ؟! من فكّرَ في ذلكَ(١) وقَدّر، عَلِمَ أَنّه فعلُ غيرِ حكيمٍ ولا ذي نظرٍ؛ فقُلْ فإِنّكَ رأْسُ هذا الأمرِ وسنامُه، وأَبوك أُسُّه ونظامُه.

فقالَ له الصّادقُ عليهِ وآبائه السلامُ: «إِنّ مَنْ أضلَّه اللهُ وأَعمى قلبَه استوْخَمَ الحقَّ فلم يَسْتَعْذِبْه، وصارَ الشّيطانُ وليَّه وربٌه، يُورِده مَناهلَ الهَلَكةِ، وهذا بيتٌ استعبدَ اللهُّ به خلقه ليختبرَ طاعتَهم في إتيانه، فحثَّهم على تعظيمِه وزيارتِه، وجعلَه قبلةً للمصلِّينَ له، فهو شُعبةٌ من رضوانِه، وطريقٌ يؤدِّي إِلى غُفرانهِ، منصوبٌ على استواءِ الكمالِ ومجمع العظمةِ والجلالِ، خَلقَه قبلَ دَحْوِ الأرضِ بأَلْفَيْ عامٍ، فأَحقُّ مَنْ

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: هذا.

٢٠٠