السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)0%

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 178

  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21068 / تحميل: 7509
الحجم الحجم الحجم
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فشهد لها عليّ وأُمّ أيمن(1) رضي الله عنهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد علمتِ يا بنت رسول الله، أنّه لا يجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وأفتى الإمام عليّ بأنّ الشهادة تصحّ برجل وامرأة واحدة، مع حلْف اليمين، بل بشهادة واحد ويمين، ولكن أبو بكر ردّ هذا الرأي، ونزع فدَكاً من تحت يدَي فاطمة، واستشار في ذلك عُمَر فأيّده.

وأمّا اعتمادنا في فتوى الإمام علي، فكان على ما رواه الإمام أحمد من الفضائل، والترمذي في الجامع الصحيح، وابن ماجة، والبيهقي، والدار قطني في السنن، عن جابر بن عبد الله: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى بالشاهد مع اليمين في الحجاز، وقضى عليّ في الكوفة.

ولم تُذعن الزهراء لرأي الصدّيق، وبقيت مُصرّة في طلب الميراث والنحلة، أخرج مسلم في صحيحه، عن عائشة: أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خُمس خيبر(2) ، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا نُورّث ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم من هذا المال، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت - غضبت - فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تُكلّمه حتى توفّيت.

وعاشت بعد

____________

(1) وفي إحدى الروايات: أنّ الذي شهد أُمّ أيمن ورباح مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما في فتوح البلدان.

(2) قال القاضي عياض في تفسير صدقات النبي صلّى الله عليه وسلّم المذكورة في هذه الأحاديث: إنّها صارت إليه بثلاثة حقوق:

أحدها، ما وُهب له صلّى الله عليه وسلّم؛ وذلك: وصية مخيريق اليهودي بعد إسلامه يوم أُحد، وكانت سبعة حوائط في بني النضير، وما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهو ما يبلغه الماء، وكان هذا ملكاً له صلّى الله عليه وسلّم.

والثاني: حقّه من الفيء في أرض بني النضير حين إجلائهم، كانت له خاصة؛ لأنّها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. وأمّا منقولات بني النضير، فحملوا منها ما حملته الإبل غير السلاح، كما صالحهم، ثُمّ قسّم الباقي على المسلمين، وكان خالصاً له، وكذلك ثلث أرض وادي القرى أخذ في الصُلح حين صالح أهلها اليهود، وكذلك حصنان من حصون خيبر، وهما الوطيح والسلالم أخذها صلحاً. والثالث: سهمه من خُمس خيبر، وما افتُتح فيها عنوة، فكانت هذه كلّها مِلكاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة، لا حقّ فيها لأحد غيره، لكنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يستأثر بها، بل يُنفقها على أهله، والمسلمين وللمصالح العامّة. وكلّ هذه صدقات محرّمات التملّك بعده.

١٤١

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها عليّ).

وروى الإمام زين العابدين علي بن الحسين، عن آبائه قالوا:(لمّا بلغ فاطمة رضي الله عنها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً، وانصراف عاملها منها، أقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ أذيالها، ودخلت على أبي بكر رضي الله عنه، وقد حفل حوله المهاجرون والأنصار، فنيطت دونها ملاءة، فأنّتْ أنّةً أجهش لها القوم بالبكاء، ثُمّ أمهلت حتى هدأت فورتهم، وسكنت روعتهم، ثُمّ افتتحت الكلام، فحمدت الله، وشهدت أن لا اله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، وقالت كلاماً طويلاً، ذكّرت فيه الصدّيق ومَن حوله من المهاجرين والأنصار بنفسها وبأبيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطبقاً لرواية الإمام أبو الفضل أحمد بن طاهر في كتاب (بلاغات النساء)، ثُمّ قالت عليها السلام:(أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المُعزّى إليه، فبلّغ الرسالة، صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً بثبجهم، آخذاً بكظمهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحَسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدُبر، حتى تفرّى الليل عن صُبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين وخرست شقائق الشيطان، وطاح وشيظ النفاق، وانحلّت عُقدة الكُفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص، في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرَق، تقتاتون القِد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم بعد اللُتيّا والتي، وبعد أن مني بهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ) )، ثُمّ قالت :(هذا كتاب الله بين أظهركم، أُموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة،

١٤٢

وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراءكم ظهرياً، أرغبة عنه تُدبرون؟ أم بغيره تحكمون؟ ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ، ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) ،وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي!! ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ، أفلا تعلمون، بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته، أيها المسلمون، أأُغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة؟! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟!! لقد جئت شيئاً فريّاً، أفَعلى عمدٍ تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم؛ إذ يقول: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ،وقال فيما اختص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام: ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وقال: ( وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) ، وقال: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ،وقال: ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ،وزعمتم ألاّ حظوة لي، ولا أرث من أبي، ولا رَحِم بيننا؟!! أفخصّكم الله بآية أخرج أبي صلّى الله عليه وسلّم، أم تقولون أهل مِلَّتين لا يتوارثان؟ أوَ لستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وأمّي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحَكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ) ، ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) ، ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ، ألا وقد قلتُ ما قلتُ على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرَتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، وبثّة الصدر، ونفثة الغيظ، وتقدمة الحجّة، فدونكموها فاستبقوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصلة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ) ،( وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) ) .

وعندما انتهت الزهراء عليها السلام من كلامها قام الصدّيق رضي

١٤٣

الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله، ثُمّ قال: (يا خيرة النساء، وابنة خير الآباء، والله ما عدوت رأي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما عملت إلاّ بأمره، وإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد قلتِ فأبلغتِ، وأغلظتِ فأهجرتِ، فغفر الله لنا ولكِ، أمّا بعد، فقد دفعتُ آلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودابته وحذاءه إلى عليّ رضي الله عنه.

وأمّا ما سوى ذلك، فإنّي سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضّة ولا أرضاً ولا عقاراً ولا داراً، ولكنّا نورّث الإيمان والحكمة والعلم والسُنّة)، فقد عملتُ بما أمرني، ونصحت له، وما توفيقي إلاّ بالله عليه وتوكّلت وإليه أُنيب).

ولم تأتِ المُناقشات بين الصدّيق والزهراء بنتيجة، وكفّت السيدة فاطمة عن طلبها عزوفة، ولم تشتد السيدة الزهراء في طلبها؛ إلاّ لاعتقادها بأنّها على حق، وما كانت لتضمر للصدّيق إلاّ الخير، وإن اختلفت معه في وجهة نظرها، وقد هدأت ثائرتها، وقد ثبت في نفس ذريّتها ألاّ يكون في نفس واحد منهم بالنسبة لأبي بكر شيء، وأخذت الزهراء على نفسها ألاّ تكلّم الصدّيق في ذلك المال أو تطلب ما طلبت، وتركت لقاءه في مدّتها القصيرة التي اشتغلت فيها بحزنها وبمرضها، والحقّ أنّ كلاًّ من الزهراء والصدّيق إنّما كان مجتهداً فيما يراه صواباً، وما أصدق الأُستاذ العقّاد حيث يقول: (إنّ الزهراء أجلّ من أن تطلب ما ليس لها بحق، وأنّ الصدّيق أجل من أن يسلبها حقّها الذي تقوم البيّنة عليه)، بل أنّ الشيخ أبو زهرة إنّما يرى أنّ الخلاف على تَرِكة النبي في فدك كان على إدارتها، ولم يكن كما صوّره بعض المؤرّخين على ملكيّتها، ثُمّ صرفها في مصارفها، فكانت الزهراء ترى إدارتها لبيت علي، ورفض الصدّيق ذلك، ثُمّ وافق عُمَر في خلافته على أن تكون الإدارة بين علي والعبّاس، وأمّا ميراث النبي الحقيقي، فهو شريعته، وإن كانت النصوص لا تعضد وجهة الشيخ الفاضل.

ويروي الحافظ ابن كثير أنّ أبا بكر ترضّى فاطمة في مرضها فرضيت، وإذا لم يكن مثل أبي بكر يتودّد لآل البيت الطاهر وبالأخص فاطمة، فلا يُرجى من غيره ذلك، فإنّ فضل الزهراء لا يُنكر.

وأخرج ابن سعد في الطبقات، عن عُمَر قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت، فاستأذن فقال علي: (هذا أبو بكر بالباب

١٤٤

فإن شئتِ أن تأذني له)، قالت: (وذلك أحبّ إليك؟) قال: (نعم)، فدخل إليها واعتذر إليها، وكلّمها فرضيت عنه.

وفي رواية للبيهقي، بإسناد صحيح إلى الشعبي مُرسلاً: أنّ أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: (هذا أبو بكر يستأذن عليكِ)، قالت: (أتحب أن آذن له؟) قال: (نعم)، فأذنت له، فدخل عليها فرضّاها حتى رضيت عليه.

على أنّ رواية أخرى تذهب إلى أنّ عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما: انطلق بنّا إلى فاطمة، فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه فأدخلهما عليها، فلمّا قابلاها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فردّت عليهما السلام بصوت خافت، فقال أبو بكر: يا حبيبة رسول الله، والله إنّ قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من قرابتي، وإنّك لأحب إليّ من عائشة ابنتي، ولوددّت يوم مات أبوك أنّي متّ، ولا أبقى بعده، فتراني أعرفكِ وأعرف فضلكِ وشرفك، وأمنعكِ حقّكِ وميراثكِ من رسول الله، إلاّ إنّي سمعت أباكِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (نحن الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضّة ولا داراً ولا عقاراً، وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة، وما تركناه فهو صدقة).

فقالت فاطمة لأبي بكر وعمر:(أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعرفانه وتعلمان به؟) قالا: نعم، فقالت:(نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمَن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة ابنتي فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟) ، قالا نعم سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت:(فإنّي أُشهد الله وملائكة أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه) ، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطكِ يا فاطمة، فقالت لأبي بكر:(والله لا أُكلّمك أبداً) ، قال: والله لا أهجرك أبداً، والله ما أجد أعزّ عليّ منكِ فقراً، ولا أحبّ إليّ منكِ غنى، ولكنّي سمعت رسول الله صلى الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة).

وهناك في صحيح البخاري ما يُشير إلى أنّ الزهراء عليها السلام قد ظلّت على هجرها للصدّيق رضي الله عنه، ولم تُكلّمه حتى انتقلت إلى الرفيق

١٤٥

الأعلى راضية مرضيّاً عنها.

فلقد روى البخاري في (باب غزوة خيبر)، بسنده عن ابن شهاب، عن عروة عائشة: (أنّ فاطمة عليها السلام بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خُمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (لا نورّث ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم من هذا المال)، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت.

وعاشت بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها).

وروى البخاري في صحيحه (في باب الفرائض)، بسنده عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنّ فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهما حينئذ يطلبان أرضهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (لا نورّث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال)، قال أبو بكر: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنعه فيه إلاّ صنعته، قال: فهجرته فاطمة، فلم تكملّه حتى ماتت).

وروى البخاري أيضاً في صحيحه (في الخُمس): أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبت على أبي بكر، فهجرته، قال: فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت. ثُمّ خرج أبو بكر باكياً، ومعه عُمر مُطرقاً، فذهبا إلى المسجد فاجتمعا بالناس، فقال أبو بكر: أيها الناس أقيلوني، يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته، مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، فقال له الناس: إنّ هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنّه إن كان هذا لم يقم لله دين، قال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بتّ ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

تلك قصّة فدك وغيرها من ميراث الرسول صلّى الله عليه وسلّم بين الزهراء والصدّيق، ولكن الأقدار كتبت لفدك مصيراً آخر على يد بني أُمية، لا يرعى للدين حقّه، ولا

١٤٦

يعيد لآل البيت ميراث جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذلك أن قد أصبحت من مصادر المالية العامة في عهد الصدّيق، ثُمّ دفعها عُمَر، فيما يرى البعض إلى ورثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكما جاء في طبقات ابن سعد، فلقد أدى اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمّا وليَ الخلافة، وفتحت الفتوح واتّسعت على المسلمين، أن يردّها إلى ورثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وبقيت على آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى أن تولّى الخلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فأقطعها مروان بن الحكم، فيما قيل، وقد ذهب الحافظ ابن حجَر إلى أنّ عثمان قد تأوّل أنّ الذي يختصّ بالنبي صلّى الله عليه وسلّم هو الخليفة، فاستغنى عثمان عنها بأمواله، فوصل بها بعض قرابته (مروان).

ورغم عدم اطمئناننا إلى هذه الرواية من أساس، فإنّ هُناك مَن يذهب إلى أنّ الإمام علي قد انتزعها من مروان، على تقدير كونها عنده في خلافة عثمان. على أنّ أرجح الروايات وأكثرها قبولاً إنّما تنسب ذلك العمل إلى معاوية بن أبي سفيان؛ ذلك أنّه لمّا ولّى نفسه الخلافة أكثر من الاستخفاف بالحق المظلوم، ذلك أنّ الصدّيق - كما رأينا - بصفته ولي الأمر جعل أمرها له، يلي فيها ما كان يليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا كانت أيام معاوية وكان قد جعل أموال المسلمين وكأنها مِلكه الخاص، فكان يقول: (إنّ جميع ما تحت يدي لي، فما أعطيته قربى إلى الله، وما أمسك فلا جناح علَي فيه).

ومن هذا المنطلق أقطع معاوية ابن عمّه مروان بن الحكم، والذي سوف يرث هو وأبناؤه دولة معاوية، أقطعه ثلث فَدَك، وعمر بن عثمان ثلثها، ويزيد ابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلّها لمروان بن الحكم، أيام مُلكه.

على أنّ هناك رواية أُخرى تذهب إلى أنّه في سنة أربعين ولّى معاوية مروان ابن الحكم المدينة، فكتب إلى معاوية يطلب إليه فدك، فأعطاه إياها، فكانت بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كلّ سَنة، ثُمّ نُزع مروان عن المدينة وغضب عليه معاوية فقبضها منه، فكانت بيد وكيله بالمدينة، وطلبها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ثُمّ سعيد بن العاص، فأبى معاوية أن يعطيها لأحدهما، فلمّا ولّى معاويةُ مروانَ المدينة المرّة الأخيرة ردّها عليه بغير طلب من مروان، وردّ عليه غلّتها فيما مضى، فأعطى مروان ولده عبد الملك نصفها، وأعطى ولده الآخرة عبد العزيز

١٤٧

نصفها الآخر، وفي رواية اليعقوبي: أنّ معاوية وهب فدكاً لمروان؛ ليُغيظ بذلك آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ويروي ابن عبد ربّه في العقد الفريد، والبلاذري في فتوح البلدان أنّه: لمّا ولي عُمر بن العزيز قال: إنّ فدكاً كانت مما أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم يصنع فيها حيث أمره الله، ثُمّ أبو بكر وعمر وعثمان، كانوا يضعونها المواضيع التي وضعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثُمّ وليَ معاوية فأقطعها مروان، ووهبها مروان لعبد الملك وعبد العزيز، فقسمناها بيننا أثلاثاً، أنا والوليد وسليمان، فلمّا وليَ الوليد سألته نصيبه فوهبه لي، وما كان لي مال أحبّ إليّ منها، وأنا أُشهدكم أنّني قد رددتها إلى ما كانت عليه على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).

وزاد السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، قوله: (أوردها إلى وُلد فاطمة)، وإلى هذا ذهب الفيروز آبادي في (المغانم المطابة)، وغيره، ومن ثَمّ فهناك رواية تذهب إلى أنّه كتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمر بن حزم يأمره بردّها إلى وُلد فاطمة عليها السلام، فكتب إليه: إنّ فاطمة عليها السلام قد وُلدت من آل عثمان وآل فلان وفلان، فعلى مَن أردّ منهم؟ فكتب إليه: أمّا بعد، فإنّي لو كتبت إليك آمرك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في وِلد فاطمة من علي عليه السلام. فنقمَت بنو أميّة ذلك على عمر بن عبد العزيز، وعاتبوه فيه، وقالوا له: هجنت فِعل الشيخين.

ولمّا ولي يزيد بن عبد الملك انتزعها من أولاد فاطمة عليها السلام، فصارت في بني مروان حتى انقرضت دولتهم، فلمّا قام أبو العبّاس السفّاح بالأمر وتقلّد الخلافة، ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فلمّا وليَ المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم، ثُمّ أعادها وَلده المهدي إليهم، ثُمّ قبضها موسى بن المهدي، ثُمّ أعادها المأمون إلى بني فاطمة وعلي، من عام 220 ه‍ـ، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة: أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانة من دين الله، وخلافة رسول الله صلّى آله عليه وسلّم، والقرابة به، أَولى مَن استنّ بسنته، ونفّذ أمره، وسلّم لمن منحه منحته، وتصدّق عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق

١٤٨

أمير المؤمنين وعصمته، وإليه - في العمل بما يقرّبه إليه - رغبته، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى فدكاً فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً، لا اختلاف فيه بين آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم تدع منه ما هو أَولى به من صدّق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها، ويسلّمها إليهم، تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله، وإلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه، والكتاب إلى عمّاله، فلئن كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قُبض نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك، فيقبل قوله وتنفذ عدته، إنّ فاطمة رضي الله عنها لأَولى بأن يُصدّق قولها فيما جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها.

وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره بردّ فدك إلى ورثة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها، فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين، وما ألهمه الله من طاعته، ووفّقه له من التقرّب إليه وإلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأعلِمه من قِبَلك، وعامل محمد بن يحيي ومحمد بن عبد الله بما كنتَ تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاّتها إن شاء الله، والسلام).

وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومئتين (اُنظر البلاذري: فتوح البلدان 46 - 47، بيروت 1983).

ولمّا بويع المتوكّل انتزعها من الفاطميّين، وأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، وكان فيها إحدى عشر نخلة غرسها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده الكريمة. فوجّه عبد الله البازيار رجلاً يُقال له بشران بن أبي أُميّة الثقفي إلى المدينة، فصرم تلك النخيل ثُمّ عاد ففلَج، وينتهي عهد أبناء الزهراء بفدك بخلافة المتوكّل، ومنحه إياها عبد الله بن عمر البازيار، وهكذا كانت فدك مع ملوك بني أُميّة طوال أيام دولتهم، ما عدا أيام عمر بن عبد العزيز، ثُمّ كانت على أيام العباسيّين طبقاً لأهواء الملوك والحكام، يعطونها لأهل البيت، إن أرادوا، ويقبضونها عنهم متى شاءوا.

١٤٩

١٥٠

الفصلُ الرابع: فضائل الزهراء

اختصّ الله الزهراء من بين أخواتها - بنات النبي - بالدرجة الرفيعة التي رفعها إليها، فجعلها في مقام مريم ابنة عمران، حيث وصفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنهما خير نساء العالمين، واختصّ الله الزهراء كذلك، بأن كانت وحدها، من دون أبناء النبي وبناته، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الحسن والحسين، ومنهما كان نسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن ثَمّ فقد كان للزهراء - بضعة رسول الله، وسيدة آل البيت، وأم الأئمة، وسيدة نساء المؤمنين - كثيراً من الفضائل التي أنعم الله بها عليها؛ إكراماً لأبيها النبي الرسول، سيدنا ومولانا وجدّنا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن هذه الفضائل ما جاء في القرآن الكريم، ومنها ما جاء في الحديث الشريف:

أولاً: في القرآن الكريم:

ليست هناك آيات خاصّة في القرآن الكريم بالسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وإنّما تشترك هي فيما نزل من كتاب الله خاصّاً بآل البيت الطاهرين المطهّرين، ومِن ذلك آية المباهلة (آل عمران 61):

روى مسلم، لمّا نزلت آية:( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وقال:(اللّهمّ هؤلاء أهلي) .

وآية المباهلة هذه بإجماع المسلمين

١٥١

على اختلاف مذاهبهم، إنّما نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابنته الزهراء وابن عمّه الإمام علي، وسبطيه الحسن والحسين.

ومنها آية التطهير (الأحزاب 33):

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم الطبراني، عن أبي سعيد الخذري، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة، ( وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ) .

ومنها آية مودة القربى (الشورى 23):

روى البيضاوي، في تفسيره لقوله تعالى:( الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قيل: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلّى الله عليه وسلّم:(عليّ وفاطمة وابناهما) ، وروى الإمام أحمد والهيثمي والطبراني والسيوطي وابن المنذر وابنه أبي حاتم وابن مردويه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لمّا نزلت:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال:(علي وفاطمة وابناها عليهم السلام) (اللفظ لأحمد).

ومنها آيات سورة الإنسان (7 - 12):

قال تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا... إلى قوله تعالى:جَنَّةً وَحَرِيرًا ) ، أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس: أنّ الآيات نزلت في عليّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وروى الواحدي في تفسيره البسيط والزمخشري في تفسيره الكشّاف، والبيضاوي في تفسيره، والفخر الرازي في التفسير الكبير: أنّ ابن عباس روى (أنّ الحسن والحسين عليها السلام مرضا، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أنس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة - جارية لهما - إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشُفيا وما معهم شيء فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم، ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا

١٥٢

صائمين، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين، ودخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أبصرهم وهُم يرتعشون كالفِراخ من شدّة الجوع قال:(ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم) ، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السلام، وقال:(خذها يا محمد، هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأها السورة) .

وروى المحبّ الطبري، عن ابن عباس في قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) ، قال: آجر عليٌّ نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير الرملة، فلمّا أصبح قبض الشعير فطحن منه، فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له (الخريرة) - دقيق بلادهن - فلمّا تمّ إنضاجه أتى مسكين فسأل فأطعموه إياه، ثُمّ وصنعوا الثلث الثاني، فلمّا تمّ إنضاجه أتى مسكين فسأل، فأطعموه إياه، ثُمّ وضعوا الثلث الثالث، فلمّا تمّ إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه إياه، وطوَوا يومهم فنزلت الآية.

ثانياً - في الحديث الشريف:

1 - الزهراء سيدة نساء المؤمنين

يروي أهل السِيَر الحديث عن عائشة، قالت: إنّا كنّا أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم عنده جميعاً لم تغادر منّا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، لا والله ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآها رحّب، قال:(مرحباً بابنتي) ، ثُمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثُمّ سارّها، فبكت بكاءً شديداً، فلمّا رأى حزنها سارّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصّكِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسرّ من بيننا، ثُمّ أنتِ تبكين، فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها: عمّ ساركِ؟ قالت:(ما كنتُ لأُفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه) ، فلمّا توفّي قلت لها: عزمتُ عليكِ بما لي

١٥٣

عليكِ من الحق لما أخبرتني، قالت:(أمّا الآن فنعم) ، فأخبرَتني، قالت:(أما حين سارّني في الأمر الأوّل: فإنّه أخبرني أنّ جبرئيل كان يعارضه بالقرآن كلّ سَنة مرّة، وأنّه قد عارضني به العام مرّتين، ولا أرى الأجل إلاّ قد اقترب، فاتّقي الله واصبري، فإنّي نِعمَ السلف أنا لكِ، قالت:فبكيتُ بكائي الذي رأيتِ، فلمّا رأى جزعي سارّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو(سيدة نساء هذه الأُمّة)).

وفي رواية صحيح البخاري، عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:(مرحباً بابنتي) ، ثُمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثُمّ أسرّ إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثُمّ أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت فرحاً أقرب من حزن! فسألتها عمّا قال، فقالت:(أسرّ إليّ أنّ جبرئيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة، وأنّه عارضني العام مرّتين، ولا أراه إلاّ حضر أجَلي، وإنّكِ أوّل أهلي لحاقاً بي فبكيتُ، فقال: أمّا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة - أونساء المؤمنين - فضحكتُ لذلك).

وفي رواية صحيح مسلم، عن عائشة قالت: اجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يغادر منهنّ امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:(مرحباً بابنتي) ، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثُمّ إنّه أسرّ إليها حديثاً، فبكت فاطمة، ثُمّ إنّه سارها فضحكت أيضاً، فقلت لها: ما يُبكيك؟ فقالت:(ما كنتُ لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم)، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حُزن، فقلت لها حين بكت: أخصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحديثه دوننا ثُمّ تبكين؟! وسألتها عمّا قال، فقالت:(ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) ، حتى إذا قُبض سألتها، فقالت:(إنّه كان حدّثني أنّ جبرئيل كان يعارضه بالقرآن كلّ عام مرّة، وإنّه عارضه به في العام مرّتين، ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي، وإنّك أوّل أهلي لحوقاً بي، ونِعم السلف أنا لكِ فبكيت لذلك، ثُمّ إنّه سارني، فقال: (ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين - أوسيدة نساء هذه الأُمّة - فضحكت لذلك).

وفي الحليلة: عن عائشة... قال صلّى الله عليه وسلّم:(يا فاطمة، أمّا ترضين أن تكوني سيّدة

١٥٤

نساء العالمين، أوسيّدة نساء هذه الأُمّة) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّ ملَكاً من السماء لم يكن زارني، فاستأذن ربي في زيارتي، فبشّرني وأخبرني أنّ فاطمة سيدة نساء أُمتي).

وروى الخطيب وابن عساكر، عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(خير رجالكم علي، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة) .

وفي كنز العمال:(إنّ أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومَثَلَها في هذه الأُمّة مَثَل مريم في بني إسرائيل) (وروى مثله الذهبي في ميزان الاعتدال).

2 - الزهراء سيدة نساء أهل الجنّة

أخرج الإمام الترمذي، عن أمّ سلمة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا فاطمة يوم الفتح فناجاها فبكت، ثُمّ حدّثها فضحكت، قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها عن بكائها وضحكها، قالت: (أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه يموت فبكيت، ثُمّ أخبرني أنّي سيدة نساء أهل الجنّة إلاّ مريم بنت عمران، فضحكت).

وروى السيوطي في الجامع الكبير، عن ابن عساكر، عن حذيفة بن النعمان رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(أتاني مَلَك فسلّم عليّ، نزل من السماء لم ينزل قبلها، فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) .

وفي رواية أُخرى، عن الترمذي، عن حذيفة:(هذا مَلَك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربّي أن يُسلّم عَلَيّ ويُبشرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة).

وفي رواية للإمام أحمد في مسنده وابن حبّان في صحيحه، عن حذيفة: قال صلّى الله عليه وسلّم:(أمّا رأيت العارض الذي عرض لي قبيل، هو مَلَك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربّه عزّ وجل أن يُسلّم عليّ ويُبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة) .

وروى البخاري في صحيحه (باب مناقب فاطمة عليها السلام)، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:(فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة) .

١٥٥

وأخرج الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن عبد البَر، عن ابن عبّاس، قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأرض أربعة خطوط، قال:(ما تدرون ما هذا؟) ، فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسوله الله صلّى الله عليه وسلّم:(أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد وآسية بنت مُزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران) ، وفي رواية الحاكم في المستدرك: خط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأرض أربعة خطوط، ثُمّ قال:(أتدرون ما هذا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(أفضل نساء الجنّة أربعة، خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مُزاحم).

وروى الحكام، عن أنس: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد) ، وأخرج الإمام أحمد في الفضائل، والحاكم في المستدرك أنّ عائشة قالت لفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا أُبشرك أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:(سيّدات نساء أهل الجنّة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله، وخديجة بنت خويلد، وآسية امرأة فرعون) .

وروى الإمام أحمد، عن أنس: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:(حسبك من نساء العالمين، مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون) .

وروى ابن حجر في الإصابة، عن عائشة قولها (ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها).

3 - مُشابهة الزهراء للنبي صلّى الله عليه وسلّم

أخرج الإمام أحمد في المسند، عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الحسن بن علي وفاطمة، صلوات الله عليهم أجمعين).

وروى أبو داود في سننه، عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم قام إليها، فقبّلها وأجلسها في مجلسه).

وفي رواية الحاكم في المستدرك، عن عائشة: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها، فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه).

وفي رواية أُخرى (للحاكم أيضاً) زيادة (وكانت هي إذا دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

١٥٦

قامت إليه مُستقبلة، وقبّلت يده).

وروى البخاري والترمذي، عن عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا رآها أقبلت رحّب بها، ثُمّ قام إليها فقبّلها، ثُمّ أخذ بيدها، فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلّى الله عليه وسلّم رحّبت به، ثُمّ قامت إليه فقبّلته).

4 - الزهراء بضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن المسور بن مخرمة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها) ، وفي رواية عن الإمام أحمد، من حديث المسور بن مخرمة:(فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها) ، وفي صحيح البخاري:(فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني) .

وروى الحاكم في المستدرك، عن السور بن مخرمة أنّه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته، فقال له: قل له فليلقاني في العتمة، قال: فلقيه، فحمد الله المسور وأثنى عليه، ثُمّ قال: أمّا بعد، وأيم الله ما من نسَب ولا سبب ولا صهر أحبّ إليّ من نسبكم وسببكم وصهركم، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وأنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري)، وعندك ابنتها، ولو زوّجتك لقبضها ذلك، فانطلَقَ عاذراً له.

وفي رواية للإمام أحمد:(فاطمة بضعة منّي، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وأنّ الأنساب تنقطع يوم القيامة، غير نسبي وسببي وصهري).

وأخرج مسلم في صحيحه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(إنّما فاطمة بضعة منّي يُريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها) ، وروى الترمذي في الجامع الصحيح:(إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها)، وعن مجاهد قال: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد فاطمة، فقال:(مَن عرف هذه عرفها، ومَن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وروحي التي بين جنبَي، فمَن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى).

هذا ولما أقسم (أبو لبابة)

١٥٧

عندما ربط نفسه في المسجد، ألا يحلّه أحد إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجاءت فاطمة لتحلّه فأبى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إنّما فاطمة بضعة منّي، فحلّته) .

يقول السهيلي - في الروض الآنف - بعد ذلك: فصلى الله عليه، وعلى فاطمة، فهذا حديث يدلّ أنّ مَن سبّها فقد كفر، وأنّ مَن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، صلّى الله عليه وسلّم.

5 - الزهراء أحبّ الناس إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم

أخرج الطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة قال، قال علي:(يا رسول الله، أيّنا أحبّ إليك، أنا أم فاطمة؟) قال صلّى الله عليه وسلّم:(فاطمة أحبّ إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها) .

وروى ابن عبد البَر في الاستيعاب: سُئلت عائشة رضي الله عنها: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة، قيل: فمِن الرجال؟ قالت: زوجها؛ إذ كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً.

وروى الحاكم في المستدرك وصححه، بسنده عن جميع بن عمير، قال: دخلت مع أمّي على عائشة، فسمعتها من وراء الحجاب، وهي تسألها عن علي، فقالت: تسألينني عن رجل، والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فاطمة.

وروى الحاكم في المستدرك، عن عمر رضي الله عنه أنّه دخل على فاطمة رضي الله عنها، فقال: يا فاطمة، والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكِ، والله ما كان أحد من الناس بعد أبيك صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إلي منكِ.

وروي عن عائشة رضي الله عنها، قالت، قلت: يا رسول الله، مالك إذا قبّلتَ فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنّك تُريد أن تلعقها عسلاً؟! فقال صلّى الله عليه وسلّم أنّه:(لمّا أُسري بي أدخلني جبرئيل الجنّة، فناولني تفّاحة فأكلتها، فكلّما اشتقت إلى تلك التفّاحة قبّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها رائحة تلك التفاحة).

وروى المُحب الطبري في (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى)، عن أسامة بن زيد، عن علي قال:(قلتُ: يا رسول الله، أيّ أهلك أحبّ إليك؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: فاطمة بنت محمّد) ، وروى ابن عساكر، عن علي، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(أحبّ أهلي إليّ فاطمة).

١٥٨

وروى الحاكم في المستدرك، بسنده عن أبي ثعلبة الخشني، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رجع من سفر أو غزاة أتى المسجد فصلّى ركعتين، ثُمّ ثنّى بفاطمة، ثُمّ يأتي أزواجه.

وعن ابن عمر بسنده، أنّه قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدِم من سفر كان أوّل الناس به عهداً فاطمة رضي الله تعالى عنها.

وروى المُحب الطبري في الذخائر، عن ثوبان أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سافر آخر عهده إتيان فاطمة، وأوّل مَن يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام).

وروى الطبراني والهيثمي، عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عليّ وفاطمة وهُما يضحكان، فلمّا رأيا النبي سكتا، فقال لهما النبي صلّى الله عليه وسلّم:(مالكما كنتما تضحكان فلمّا رأيتماني سكتّا؟) فبادرت فاطمة فقالت:بأبي أنت يا رسول الله، قال هذا - مُشيرة إلى علي -:أنا أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكِ)، فقلتُ: بل أنا أحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكَ) ، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال:(يا بُنيّة لكِ رقّة الولد، وعليّ أعزّ عليّ منكِ).

6 - تنكيس الرؤوس لمُرور الزهراء يوم القيامة

روى الحاكم في المُستدرك والسيوطي في الجامع الصغير، عن عليّ بن أبي طالب، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ من وراء الحُجب: (يا أهل الجمع، غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمُرّ)) ، وفي رواية أُخرى للسيوطي، عن أبي أيوب:(إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ من بطنان العرش: (يا أهل الجمع، نكّسوا رؤوسكم، وغضّوا أبصاركم، حتى تمرّ فاطمة بنت محمّد على الصراط فتمرّ مع سبعين ألف جارية من الحور العِين كمَرّ البرق) .

روى أبو بكر في الغيلانيات، وروى الإمام أحمد في الفضائل، والحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير والأوسط، والهيثمي في جمع الزوائد، وأبو بكر في الغيلانيات (من طُرق مختلفة)، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(إذا كان يوم القيامة قيل: (يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم

١٥٩

حتّى تمرّ فاطمة بنت رسول الله فتمرّ، وعليها ربطتان خضراوان) ، وعن أبي أيوب الأنصاري (في رواية) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، ثُمّ يُنادي منادٍ من بطنان العرش، إنّ الجليل جلّ جلاله يقول: (نكّسوا رؤوسكم، وغضّوا أبصاركم، فإنّ هذه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تُريد أن تمرّ على الصراط، فتمرّ ومعها سبعون ألفاً من الحور العين)) .

وروى الحاكم في المستدرك، بسنده عن أبي هريرة، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(تُبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح على ناقته، وأُبعث على البراق، خطوها عند أقصى طرفها، وتبعث فاطمة أمامي) ، قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

وفي كنز العمال:(يَبعث الله الأنبياء يوم القيامة على الدواب، ويَبعث صالحاً على ناقته؛ كي ما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر، وتُبعث فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام على ناقتين من نوق الجنّة، وعلي بن أبي طالب عليه السلام على ناقتي وأنا على البراق، ويُبعث بلالاً على ناقته، فينادي بالأذان) (الحديث). قال: أخرجه الطبراني وأبو الشيخ وابن عساكر، عن أبي هريرة - يعني - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

7 - تحريم الزهراء ذرّيتها على النار

روى المحبّ الطبري في ذخائر العُقبى: أخرج الحافظ الدمشقي، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(يا فاطمة، تدرين لِمَ سمّيتِ فاطمة؟) قال علي:(يا رسول الله، لِِمَ سُمّيت فاطمة؟) قال صلّى الله عليه وسلّم:(إنّ الله عزّ وجل قد فطمها وذرّيتها عن النار يوم القيامة)، وقد روى الإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده:(إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله عزّ وجل فطم ابنتي فاطمة ووُلدها ومَن أحبّهم من النار؛ فلذلك سُمّيت فاطمة) .

وروى الحاكم في المستدرك، من حديث معاوية بن هشام، عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ فاطمة أحصنت فرْجها فحرّمها الله وذريتها

١٦٠