السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)33%

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 178

  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22850 / تحميل: 8655
الحجم الحجم الحجم
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

القسم الأوّل: أهل البيت

قال تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثِقلَين، أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه - ثُمّ قال:(وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي...) (رواه مسلم ١٥ / ١٨٠).

٢١

٢٢

الفصل الأوّل: أهل البيت

جاء لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرّتين:

الأُولى: في الآية ٧٣ من سورة هود، يقول تعالى:( رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) ، ويُراد بها أهل بيت سيّدنا إبراهيم عليه السلام.

والثانية: في الآية ٣٣ من سورة الأحزاب، يقول تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، والمُراد بها أهل بيت سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وتبعاً للقرآن الكريم استعمل المسلمون لفظ (أهل البيت) (وآل البيت) في أهل سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم فقط، حتّى صار اللفظ عَلَمَاً عليهم لا يُفهَم منه غيرهم إلاّ بالقرينة، ويقول صاحب (مجمع البيان في تفسير آية الأحزاب ٣٣)، إنّ الأُمّة قد اتّفقت على أنّ المُراد بأهل البيت هُنا إنّما أهل بيت سيّدنا ونبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ثُمّ اختلفوا في المُراد به على ثلاثة آراء(١).

____________________

(١) يرى ابن قيم الجوزيّة في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) أنّ هُناك أربعة أقوال في آل النبي:

الأوّل: هُم الذين حُرّمت عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم خاصّة. (رأي أبو حنيفة، وأبو القاسم صاحب مالك)، أنّهم بنو هاشم وبنو المطلب (رأي الشافعي وابن حنبل)، أنّهم بنو هاشم ومَن فوقهم إلى غالب (رأي أشهب صاحب مالك).

والثاني: هم ذرية النبيّ وأزواجه؛ اعتماداً على حديث (اللّهمّ صلّ على محمد وأزواجه وذرّيته).

والثالث: هم أتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة.

والرابع: هُم الأتقياء من أُمّته.

ويرى ابن القيّم أنّ الرأي الأوّل هو الأصح، ثُمّ الثاني، أمّا الثالث والرابع فضعيفان. (*)

٢٣

١ - الرأي الأوّل:

روى السيوطي في الدُر المنثور، أنّ عكرمة كان يقول عن الآية الأحزاب ٣٣: مَن شاء باهلته أنّه نزلت في أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، غير أنّ هناك مَن يعترض على ذلك؛ لأسباب منها:

(أولاً) : إنّ ابن كثير يقول في تفسيره: إذا كان المُراد أنهنّ سبب النزول فهذا صحيح، وأمّا إن أُريد أنهنّ المُراد دون غيرهنّ فهذا غير صحيح، فقد روى ابن حاتم، عن العوام بن حوشب، عن ابن عمٍّ له، قال: دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن عليّ رضي الله عنه، فقالت رضي الله عنها: تسألني عن رجل كان من أحبّ الناس إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكانت تحته ابنته، وأحبّ الناس إليه، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم، فألقى عليهم ثوباً، فقال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهبْ عنهم الرجس وطهرهّم تطهيراً) ، قالت: فدنوت منهم، فقلت يا رسول الله: وأنا من أهل بيتك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (تنَحّي فإنّكِ على خير). (أخرجه الحافظ البزّار والترمذي وابن كثير في تفسيره).

ومنها (ثانياً) : إنّ أهل البيت في آية الأحزاب ٣٣ يُراد بهم أهل النبوّة المُنحصر في بيت واحد تسكنه فاطمة عليها السلام ابنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وزوجها عليّ، وابناهما الحسن والحسين رضي الله عنهم، أمّا بيت الزوجية فلم يكن بيتاً واحداً، وإنّما كان بيوتاً متعدّدة، تسكنها زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لقوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) ، وفي هذه الآية الأخيرة الخطاب موجّه لمَن في بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم جميعاً.

ومنها (ثالثاً) : إنّ القول، بأنّ ما قيل: إنّ الآية (٣٣ من الأحزاب) وما بعدها جاء في حقّ أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم. فالردّ: إنّ هذا لا يُنكر مِن عادة الفُصحاء في كلامهم، فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن الكريم - وكذا كلام العرب وشِعرهم - في ذلك مملوء؛ ذلك لأنّ الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض، وهو تخلّل الجملة الأجنبية بين الكلام المُنتظَم المُتناسب، كقوله تعالى في سورة النمل:( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ )

فقوله:( وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) جُملة مُعترضة من جِهة الله تعالى بين كلام مَلِكة سبأ (بلقيس)، وقوله تعالى في سورة الواقعة:( فَلاَ

٢٤

أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) ، أي: فلا أقسم بمواقع النجوم، إنّه لقرآن كريم. وما بينهما اعتراض، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب، ومِن ثَمّ فَلِمَ لا يجوز أن يكون قوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، جُملة مُعترضة مُتخلّلة لخطاب نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذا النهج؟

وعلى أيّ حال، فلا أهميّة لقول مَن قال بأنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل البيت، فلا توجد فِرقة من المسلمين تدين بالولاء لإحدى أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتُوجب الاقتداء بها.

ومنها (رابعاً): إنّه حتّى الذين يجعلون أزواج النبيّ من أهل البيت، وأنّ آية الأحزاب (٣٣) نزلت فيهم، إنّما يذهبون إلى أنّ الإمام عليّ والسيدة الزهراء وسيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين، أحقّ بأن يكونوا أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم.

يقول ابن تيمية في رسالته(فضل أهل البيت وحقوقهم): روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، عن أُمّ سلمة: (أنّ هذه الآية لمّا نزلت أدار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كساءه عليه وعلى علي وفاطمة والحسن والحسين، رضي الله عنهم، فقال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)، ثُمّ يقول ابن تيمية: وسنّته صلّى الله عليه وسلّم تفسّر كتاب الله وتبيّنه، وتدلّ عليه وتعبّر عنه، فلمّا قال:(هؤلاء أهل بيتي) مع أنّ سياق القرآن يدلّ على أنّ الخطاب مع أزواجه، علمنا أنّ أزواجه وإن كنّ مِن أهل بيته كما دلّ عليه القرآن، فهؤلاء - أي علي وفاطمة والحسن والحسين - أحقّ بأن يكونوا أهل بيته؛ لأنّ صِلة النَسب أقوى من صِلة الصهر، والعرب تطلق على هذا البيان للاختصاص بالكمال لا للاختصاص بأصل الحُكم، أضِف إلى ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة أنّ فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت:(سارّني النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرني أنّه يُقبَض في وجعه الذي توفّي فيه فبكيتُ، ثُمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكت). (صحيح البخاري ٥ / ٢٦).

ومنها (خامساً): ما أجاب به (زيد بن أرقم) في الحديث المشهور حين سُئل: مَن أهل بيته؟ أليس نساؤه مِن أهل بيته؟ فقال: أهل بيته مَن حُرِم الصدقة بعده، فقد روى مُسلم في صحيحه، عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا يوم

٢٥

خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة، فحمِد الله تعالى وأثنى عليه، ووعظ وذَكّر، ثُمّ قال:(أمّا بعد، ألا أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسولُ ربّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثِقْلَين (١) :أوّلهما كتاب الله تعالى، فيه الهدى والنور، فخُذوا بكتاب الله واستمسكوا به) ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثُمّ قال:(وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي)، فقال له حصين: ومَن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته مَن حُرم الصدقة بعده، قال: ومَن هُم؟ قال: هُم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس، قال: كلّ هؤلاء حُرم الصدقة، قال: نعم.

وفي رواية أُخرى: عن زيد بن أرقم أنّه ذَكر الحديث بنحو ما تقدّم، وفيه: فقلنا: مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدَهر، ثُمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعُصبته الذين حُرموا الصدقة بعده.

يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: والمعروف في مُعظم الروايات، مِن غير مُسلم - أي في غير صحيح مسلم - أنّه قال: (نساؤه لسنَ من أهل بيته).

ومنها (سادساً) : إنّ قوله تعالى:( لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) بالميم يدلّ على أنّ الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ولو كان الخطاب خاصّاً بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم لقال (عنكنّ، ويطهركنّ).

ومنها (سابعاً) : أنّ تحريم الصدقة على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس بطريق الأصالة كبني هاشم، وإنّما هو تَبع؛ لتحريمها على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإلاّ فالصدقة عليهنّ حلال قبل اتّصالهنّ به، فهنّ فرع من هذا التحريم، والتحريم على المولى فرع التحريم على سيّده، ولمّا كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم، ولمّا كان

____________________

(١) يقول الإمام النووي: قوله صلّى الله عليه وسلّم:(وأنا تارك فيكم ثِقلين)، فذكر كتاب الله وأهل بيته. قال العُلماء سُمّيا ثِقلين؛ لعظمهما وكبير شانهما، وقيل لثقل العِلم بهما، واُنظر الروايات المُختلفة للحديث الشريف في صحيح مسلم ١٥ / ١٧٩ - ١٨١. (*)

٢٦

التحريم على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم تبعاً، لم يقوَ ذلك على استتباع مواليهم؛ لأنّه فرع عن فرع.

ومنها (ثامناً) : ما ذهب إليه صاحب مجمع البيان من أنّ ثبوت عصمة المعنيّين بالآية ٣٣ من الأحزاب، يدلّ على أنّها مختصّة بهؤلاء الخمسة: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؛ لأنّ مَن عداهم غير مقطوع بعصمته.

٢ - الرأي الثاني:

ويذهب إلى أنّ أهل البيت هُم مَن حرُمت عليهم الصدقة من بني هاشم، وهُم: آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر (أبناء أبي طالب)، ثُمّ آل العباس بن عبد المُطلب، يعنون ذلك بني هاشم، وأنّ البيت هُنا إنّما هو بيت النَسب، ومِن ثَمّ يكون العبّاس وأعمامه، وبنو أعمامه صلّى الله عليه وسلّم منهم.

وقد روى القاضي عياض في الشفا، عن الشعبي: أنّ زيد بن ثابت صلّى على جنازة أُمّه، ثُمّ قُرّبت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عبّاس فأخذ بركابه، فقال زيد: خلِّ عنه يا ابن عمّ رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا نفعل بالعُلماء، فقّبل زيد يَد ابن عباس وقال: هكذا أُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا.

هذا فضلاً عن حديث زيد بن أرقم، الذي رواه مُسلم، من أنّ أهل بيت النبيّ إنّما هو بيته وعُصبته الذين حرمت الصدقة وقد ذكرناه من قبل.

٣ - الرأي الثالث:

ويرى أهل البيت إنّما هُم الخمسة الكرام البررة: سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام. قال بذلك: أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وأُمّ المؤمنين عائشة، وأُمّ المؤمنين أُمّ سلمة، وابن أبي سلمة ربيب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسعد، وغيرهم. وقال به الكثيرون مِن أهل التفسير والحديث: قال به الفخر الرازي في التفسير الكبير، وقاله الزمخشري في الكشّاف، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان عن

٢٧

تأويل آي القرآن، والسيوطي في الدُر المنثور، وابن حَجر العسقلاني في الإصابة، والحاكم في المُستدرك، والذهبي في تلخيصه، والإمام أحمد بن حنبل في المُسند.

ولعلّ هذا الرأي أقرب إلى الصواب فيما نرى ونرجّح؛ لأسباب كثيرة، منها:

(أولاً): الأحاديث النبويّة الشريفة التي رُويت في ذلك، والتي منها:

١ - أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ، وفي عليّ، وحسن، وحسين، وفاطمة: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) .

٢ - وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردوية، عن أُمّ سَلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي يوماً، على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة رضي الله عنها ببُرمة فيها خريرة، فقال رسول الله صلّى عليه عليه وسلّم:(ادعِ لي زوجكِ وابنيك حسناً وحسيناً) ، فدعتهم، فبينما هُم يأكلون، إذ نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فأخذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفضلة أزاره فغشّاهم إيّاه، ثُمّ أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، ثّمُ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) ، قالها ثلاث مرّات. قالت أُم ّسَلمة رضي الله عنها: فأدخلتُ رأسي في السِتر، فقلتُ: يا رسول الله، وأنا معكم، فقال:(أنتِ إلى خير - مَرّتين -).

٣ - أخرج الطبراني، عن أُمّ سَلمة، قالت: جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها بثريدة لها، تحملها في طبق لها، حتى وضعتها بين يديه، فقال لها:(أين ابن عمّكِ؟ قالت:هو في البيت، قال:اذهبي فادعيه وابنَيكِ) ، فجاءت تقود ابنَيها، كلّ واحد منهما في يدٍ، وعلي رضي الله عنه يمشي في أثرهما، حتى دخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأجلسهما في حِجره، وجلس علي رضي الله عنه على يمينه، وجلست فاطمة رضي الله عنها على يساره، قالت أُمّ سملة رضي الله عنها: فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت...

٤ - وأخرج الطبراني، عن أُم ّسَلمة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة:(ائتيني بزوجكِ وابنيكِ) ، فجاءت بهم، فألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كساء فدكيّاً، ثُمّ وضع يده عليهم، ثُمّ قال:(اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ:(آل محمد) - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد، كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد) ، قالت أُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من

٢٨

يدي، وقال:(إنّك على خير) .

وأخرج ابن مردويه، عن أُم ّسَلمة، قالت: نزلت هذه الآية في بيتي -( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) - وفي البيت سبعة: جبرئيل، وميكائيل عليهما السلام، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (رضي الله عنهم). وأنا على باب البيت، قلت يا رسول الله: ألستُ من أهل البيت؟ قال:(إنّكِ إلى خير، إنّكِ من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم) .

٦ - وأخرج ابن مردويه والخطيب، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان يوم أُم ّسَلمة رضي الله عنها أُمّ المؤمنين، فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحسن وحسين وفاطمة وعلي، فضمّهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أُمّ المؤمنين أُمّ سَلمة مضروب، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) ، قالت أُم سَلمة رضي الله عنها: فأنا منهم يا نبيّ الله؟ قال:(أنتِ على مكانكِ، وأنتِ على خير) .

٧ - وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي من طُرق، عن أُم ّسَلمة، قالت: في بيتي نزلت( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وفي البيت عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، فجلَّلهم رسول الله بكساء كان عليه، ثُمّ قال:(هؤلاء أهل بيتي، فأذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) .

٨ - وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة وعليه مرط مرجّل من شَعر أسود، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما، فادخلهما معه، ثُمّ جاء عليّ فأدخله معه، ثُمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

وفي رواية مسلم في الصحيح (١٥ / ١٩٤)، عن عائشة أنّها قالت: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه مرط مرجّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثُمّ جاء الحسين فدخل معه، ثُمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثُمّ جاء عليّ فأدخله، ثُمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

ويروي الواحدي في أسباب النُزول، بسنده عن أبي سعيد( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال: نزلت في خمسة: في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعليّ، فاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.

٢٩

٩ - وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مروديه، عن عامر بن سعد، عن سعد قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين نزل عليه الوحي، فأخذ علياً وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه، ثُمّ قال:(ربِّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي) .

١٠ - وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي، عن واثلة بن الأسقع، قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما ما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه، ثُمّ لفّ عليهم ثوبه، وأنا مستدبرهم، ثُمّ تلا الآية:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

١١ - وأخرج الترمذي، عن علي بن زيد بن أنس رضي الله عنه: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يمرّ ببيت فاطمة عليها السلام ستّة أشهر، كلّما خَرج إلى الصلاة يقول:(الصلاة أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) .

١٢ - وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا دخل عليّ رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها، جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعين صباحاً إلى بابها يقول:(السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ،أنا حربٌ لمَن حاربتم، أنا سِلمٌ لمَن سالمتم) .

١٣ - وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن أبي الحمراء، قال: حفظت رسول الله ثمانية أشهُر بالمدينة، ليس من مرّة يخرج إلى الصلاة الغداة، إلاّ أتى إلى باب علي رضي الله عنه، فوضع يده على جنبي الباب ثُمّ قال:(الصلاة الصلاة، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ،الصلاة رحمكم الله) كلّ يوم خمس مرات.

١٤ - وأخرج الطبراني، عن أبي الحمراء رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتي باب علي وفاطمة ستّة أشهر يقول:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

١٥ - وروى ابن جرير، عن أبي عمّار، قال: إنّي لجالس عند واثلة بن الأسقع، إذ ذكروا عليّاً رضي الله عنه فشتموه، فلمّا قاموا، قال: اجلس حتّى أُخبرك عن هذا الذي شتموه، إنّي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فألقى عليهم كساءً له، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب

٣٠

عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) ، قلت: يا رسول الله وأنا؟ قال: (وأنتَ)، قال: فوالله إنّها لَمِن أوثق عمل عندي.

١٦ - وروى في المسند والفضائل وابن جرير والترمذي، بطُرق مُختلفة، عن شداد بن عمّار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا عليّاً فشتموه فشتمته معهم، فلمّا قاموا، قال لي: لِمَ شتمت هذا الرجل؟ قلت: رأيتُ القوم شتموه فشتمته معهم، فقال: ألا أُخبرك بما رأيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: بلى، فقال: أتيتُ فاطمة أسألها عن عليّ، فقالت:(توجّه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) ، فجلستُ أنتظره، حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه عليّ وحسن وحسين، آخذاً كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل، فأدنى عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ منهما على فخذه، ثُمّ لفّ عليهم ثوبه - أو قال كساء - ثُمّ تلا هذه الآية( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق).

١٧ - وأخرج الترمذي، عن عمر بن أبي سلمة - ربيب النبي صلّى الله عليه وسلّم - قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم -( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) - في بيت أُمّ سلمة، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) .

١٨ - روى ابن أبي شيبة، عن أُم ّسَلمة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عندها، فجاءت الخادم، فقالت: عليٌّ وفاطمة بالسدة، فقال:(تنحّي لي عن أهل بيتي) ، فتنحيت في ناحية البيت، فدخل عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فوضعهما في حِجره، وأخذ عليّاً بإحدى يديه فضمّه إليه، وأخذ فاطمة باليد الأُخرى، فضمّها إليه وقبّلها وأغدق خميصة سوداء، ثُمّ قال:(اللّهمّ إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي) ، فناديته فقلت: وأنا يا رسول الله...

عن أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة:(ائتيني بزوجكِ وابنَيك) ، فجاءت بهم، فألقى عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كساءً كان تحتي خيبريّاً أصبناه من خيبر، ثُمّ رفع يديه، فقال:(اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، كما

٣١

جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد) ، فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يدي، وقال:(على خير).

٢٠ - وروى الحاكم في المستدرك، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال: لمّا نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الرحمة هابطة، قال:(ادعوا لي) ، فقالت صفيّة: مَن يا رسول الله؟ قال:(أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين) ، فجيء بهم، فألقى عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم كساء، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء - إلى -فصلِّ على محمد وعلى آل محمد)، وأنزل الله عز وجل:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

٢١ - وروى أحمد في الفضائل، والمُحب الطبري في الذخائر: أنّه ذكر عند النبي صلّى الله عليه وسلّم قضاء قضى به عليّ بن أبي طالب، فأعجب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال:(الحمدُ لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت) .

وهكذا كان الإجماع على أنّ لفظ أهل البيت إذا أُطلق إنّما ينصرف إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وذرّيتهم وإن لم يكن له إلاّ شهرته فيهم لكفى.

روى الحاكم في المستدرك، عن سعد، قال: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل عليّاً وفاطمة وابنيهما - أي: الحسن والحسين - تحت ثوبه، ثُمّ قال:(اللّهمّ هؤلاء أهلي وأهل بيتي) .

ومنها (ثانياً): آية المباهلة

١ - أخرج مُسلم (١٥ / ١٧٦) في صحيحه أنّه لمّا نزل قوله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (آل عمران آية ٦١)، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال:(اللّهمّ هؤلاء أهلي).

٢ - وروى القاضي عياض في الشفا، عن سعد بن أبي وقاص، قال: لمّا نزلت آية المُباهلة، دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وحسناً وحسيناً وفاطمة، وقال:(اللّهمّ هؤلاء أهلي) .

٣ - وذكر ابن كثير في تفسيره، قال أبو بكر بن مردويه، عن جابر: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيّب (وَفد نصارى نجران)، فدعاهما إلى المُلاعنة، فواعداه على أن يُلاعناه الغداة، قال فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ بيَدِ عليّ وفاطمة والحسن والحسين ثمّ أرسل إليهما فأبَيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج، قال فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(والذي بعثني بالحقّ، لو قالا لأمطر عليهم الوادي ناراً)، قال

٣٢

جابر، وفيهم نزلت:( ... نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ.. ) . (رواه ابن مردويه والحاكم في المستدرك، ورواه الطيالسي، عن الشعبي مرسلاً).

٤ - إنّه ليس هناك مِن دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهُم: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين؛ لأنّ الآية لما نزلت دعاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، ومشت فاطمة خَلفه، وعليّ خلفهما. فعُلم أنّهم المُراد بالآية، وأنّ أولاد فاطمة وأبناءهم يُسمّون أبناء النبيّ، ويُنسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة.

٥ - وقال الرازي في تفسيره الكبير: (إنّ هذه الآية - آية المُباهلة، آل عمران ٦١ - دالّة على أنّ الحسين والحسين كانا ابني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد وعد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكونا ابنيه). ويذهب محمد جواد مُغنية في كتابه(فضائل الإمام عليّ) إلى أنّ السنّة والشيعة قد اتّفقوا على أنّ المُراد بأنفسنا في الآية: النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليّ، وبنسائنا فاطمة، وبأبنائنا الحسن والحسين.

ومنها (ثالثاً):

إنّ الحسن بن علي رضي الله عنه خَطب في أهل العراق بعد أن استُخلف، فقال:(يا أهل العراق، اتقوا الله فينا، فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال: فما زال يقولها حتّى ما بقيَ أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يحنّ بكاءً، وقال الإمام الحسن أيضاً:(نحن حزب الله المُفلحون، وعِترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأقربون، وأهل بيته الطاهرين الطيّبون، وأحد الثِقلَين اللذَين خلّفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلفه، والمعوّل عليه في كلّ شيء، لا يخطئنا تأويله، بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مُفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول وأُولي الأمر مقرونة).

ومنها (رابعاً):

روي عن السدي، عن أبي الديلم، قال: قال علي بن الحسين - الإمام علي زين العابدين - لرجلٍ من أهل الشام:(أما قرأت في الأحزاب: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟) ... قال: ولأنتم

٣٣

هُم؟! قال:(نعم).

وفي رواية أُخرى: إنّه لمّا جيء بعليّ بن الحسين أسيراً، وأُقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام، فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، قال له علي:(أقرأت القرآن؟) قال نعم، قال:(قرأت ال حم؟) قال قرأتُ القرآن ولم أقرأ (ال حم)؟!! قال:(ما قرأت ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟) ... قال: فإنّكم لإيّاهم؟! قال:(نعم).

ومنها (خامساً): ما جاء في تفسير البيضاوي، في تفسيره لقوله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قيل: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلّى الله عليه وسلّم:(عليّ وفاطمة وابناهما).

ومنها (سادساً): ما ذهب إليه ابن القيم الجوزية: مِن أنّ أولاد فاطمة رضي الله عنهم إنّما يدخلون في ذريّة النبي صلّى الله عليه وسلّم المطلوب لهم من الله الصلاة؛ لأن أحداً من بناته لم يعقب غيرها، فمَن انتسب إليه صلّى الله عليه وسلّم من أولاد ابنته إنّما هُم من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصّة؛ ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحسن ابن ابنته:(إنّ ابني هذا سيّد) ، فسمّاه ابنه.

ولما نزلت آية المباهلة، دعا النبي فاطمة وحسناً وحسيناًرضي‌الله‌عنهم وخرج للمباهلة، كما قال الله تعالى في حقّ إبراهيم( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ... ) إلى آخر آيتَي الأنعام ٨٤، ٨٥.

وجاء في تفسير ابن كثير: وفي ذكر عيسى في ذريّة إبراهيم عليهما السلام، دلالة على دخول وِلد البنات في ذريّة الرجل؛ لأنّ عيسى عليه السلام إنّما يُنسب إلى إبراهيم عليه السلام بأُمه مريم عليها السلام، فإنّه لا أب له.

وروى ابن أبي حاتم: أنّ الحجّاج أرسل إلى يحيى بن يعمر، فقال: بلَغني أنّك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذُرّية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تجده في كتاب الله! وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده، قال: أليس تقرأ سورة الأنعام( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ... ) حتّى بلغ( وَيَحْيَى وَعِيسَى ) ؟ قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال: صدقت.

وروى البخاري في صحيحه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للحسن بن علي:(إنّ ابني هذا سيّد) .

وأمّا مَن قال بعدم دخولهم، فحُجّته أنّ وِلد البنات إنّما ينتسبون إلى آبائهم حقيقة، غير أنّ دخول أولاد فاطمة رضي الله عنهم في ذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فلِشَرف هذا الأصل العظيم والوالد

٣٤

الكريم الذي لا يُدانيه أحد مِن العالمين سَرى ونفذ إلى البنات لقوّته وجلالته وعظم قَدره. وقال السيوطي في الخصائص الكبرى: واختصّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّ أولاد بناته ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره لا يُنسبون إليهم في الكفاءة، ولا في غيرها.

وقد أخرج الحاكم، عن جابر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(لكلّ بني أُمّ عُصبة، إلاّ ابنَي فاطمة فأنا وليّهما وعُصبتهما .

وأخرج أبو يعلى والطبراني: أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال:(كلّ بني أُمّ ينتمون إلى عُصبة، إلاّ أولاد فاطمة، فأنا وليّهم وعصبتهم) .

وهكذا ثبت بالنصّ والإجماع أنّ أهل البيت إنّما هُم: الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.

أمّا النص، فما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه بقي بعد نزول الآية ٣٣ من الأحزاب ستة أشهر يمرّ وقت صلاة الفَجر على بيت فاطمة رضي الله عنها، فيُنادي:(الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) ، وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومَن في بيتها، وهو نصّ، وأنصّ منه حديث أُمّ سَلمة رضي الله عنها أنّه صلّى الله عليه وسلّم أرسل خَلف عليّ وفاطمة وولديهما رضي الله عنهم، فجاءوا، فأدخلهم تحت الكساء، ثُمّ جعل يقول:(اللّهمّ إليك، لا إلى النار أنا وأهل بيتي، اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي - وفي روايةوحامتي -اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) ، قالت أُمّ مسلمة، فقلت: يا رسول الله، ألستُ مِن أهلك؟ قال:(أنتِ إلى خير)، وهو نصّ في أهل البيت. رواه الإمام أحمد، وظاهر أنّ نساءه لسنَ منهم؛ لقوله لأُمّ سلمة:(أنتِ إلى خير) ، ولم يقل: بلى أنتِ منهم.

وأمّا الإجماع؛ فلأنّ الأُمّة اتفقت على أنّ لفظ(أهل البيت) إذا أُطلق إنّما ينصرف إلى مَن ذكرناه - عليّ وفاطمة والحسن والحسين وذُريّتهما - دون النساء، ولو لم يكن فيه إلاّ شهرته فيهم كفى.

بقيت الإشارة إلى عدّة أُمور:

منها (أوّلاً): أنّ هناك من قسّم أهل بيت النبي إلى ثلاث دوائر:

الدائرة الخاصّة، وهم: ذرية فاطمة وعليّ إلى يوم القيامة، مِن الحسن والحسين، وهُم أهل المُباهلة والكساء أو الرداء، ويسمّون كذلك خاصّة الخاصّة.

والدائرة الثانية: هُم بنو هاشم والمُطّلب ومَن أُلحق بهم نصّاً، وهُم الذين تحرُم عليهم الزكاة.

والدائرة الثالثة: وهُم الزوجات الطاهرات أُمّهات المؤمنين

٣٥

رضي الله عنهم.

ومنها (ثانياً): أنّه مهما اختلف المسلمون في فُرِقهم، فإنّ كلمتهم واحدة في أنّ شجرة النَسب النبويّ الشريف إنّما تنحصر في أبناء فاطمة؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعقّب إلاّ مِن وِلدها.

وأمّا بنو علي مِن غير السيّدة فاطمة وبنو عقيل وجعفر والعباس، فإنّهم من آل هاشم جدّهم وجدّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وليسوا من آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن نَسبهم لا ينتهي إليه صلّى الله عليه وسلّم.

ومنها (ثالثاً): كثرت الأقاويل مِن أهل الزيغ والجهل في أهل البيت، رغم آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم التي تُبيّن فضلهم، وتحضّ على مودّتهم وموالاتهم، وتُنفّر من بُغضهم وكُرههم، واستمرّ ذلك مُنذ العصر الإسلامي الأول، ثُمّ ازدادت طغياناً بمرور الأيام، والانحراف عن الإيمان، فاستفحل الداء، وقلّ الدواء حتى أصبح الحديث عن ذلك في السرّ والعلَن مَثار الخُذلان من طُرق كلّ مفتون في دينه وإيمانه؛ فصار الإيقاع في ذرية النبي صلّى الله عليه وسلّم شهوة لكلّ مخذول، سهلاً من غير حياء ولا إيمان، حتى أصبحت المواجهة بين سُفهاء الأحلام من العامّة وبين ذريّته صلّى الله عليه وسلّم.

فأوّل ما يُنكرون عليهم: انتسابهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّه لم يُخلّف ذكراً حتّى تكونوا أنتم من أبنائه، وهي كلمة حقّ أُريد بها باطل، أو يحقدون عليهم أن أنعم الله عليهم، فشَرّفهم بالانتساب إلى أشرف وِلد آدم. وسيّد الأنبياء والمُرسلين، فجعلهم من ذريّة نبيّه الكريم، وأكرمهم بالانتساب إلى رسوله العظيم، فكانوا بضعة منه صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وليذكر هؤلاء وأُولئك أنّ بغض أهل البيت آفة في الدين، فليتُبْ إلى الله مَن يجد في نفسه شيئاً عليهم، وليحذر على دينه الذي هو عِصمةُ أمرِه، حتى فيمَن تظهر عليه الخطيئة منهم، وأن يطول أمره منحرفاً عن الصواب؛ لأنّ ذلك إنّما هو حظّ البشرية من كلّ مؤمن، فإذا كانت النطفة الطاهرة محفوظة غير مشوبة عمّا سواها، فلا بدّ من أنّ ترجع إلى أصلها الطيّب الطاهر، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(والذي نفسي بيده، لا ببغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله الله النار).

وروي عن الحسن عليه السلام أنّه قال لمعاوية بن خديج:(يا معاوية إيّاك وبُغضنا، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يبغضنا أحدٌ، ولا يحسدنا أحد إلاّ ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياطٍ من نار).

٣٦

ومنها (رابعاً): أنّ الشريف أو السيّد هو مَن يَنتسب مِن جهة أبيه إلى ذريّة الإمام الحسن أو الإمام الحسين، وقد أخطأ البعض حين نسبوا هذا اللقب الكريم إلى كلّ من ينتسب إلى بني هاشم الكرام، سواء أكان حسنيّاً أو حسينيّاً أو علويّاً من ذرّية محمّد بن الحنفية، وغيره من أبناء الإمام علي بن أبي طالب أو جعفريّاً أو عبّاسيّاً؛ ولهذا نجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحوناً في التراجم بذلك، كان يُقال: الشريف العبّاسي، أو الشريف العقيلي، أو الجعفري. نسبةً إلى العباس عمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو عقيل، أو جعفر وَلدي أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم. صحيح أنّ بني هاشم هُم في الذروة من قريش بنصّ الحديث الشريف، فقد روى القاضي عياض في الشفا، عن أُمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:(أتاني جبرئيل عليه السلام، فقال: قلبتُ الأرض مشارقها ومغاربها، فلم أرَ رجلاً أفضل من محمّد، ولم أرَ بني أب أفضل من بني هاشم)، ولكنّه صحيح كذلك أنّ شرف الحسن والحسين مُستمدّ من فاطمة بضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من ثَمّ فهما بالتالي بضعة من بضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقد روى ابن شهر آشوب في مناقبه: جاء الإمام أبو حنيفة ليسمع من الإمام جعفر الصادق، فخرج إليه جعفر يتوكأ على عصا، فقال له أبو حنيفة: يا ابن رسول الله لمْ تبلغ من السِنّ ما تحتاج معه إلى العصا! قال:(هو كذلك، ولكنّها عصا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أردت التبرُّك بها)، فوثب أبو حنيفة إليه، وقال: أُقبّلها يا ابن رسول الله. فحسر أبو عبد الله (جعفر الصادق) عن ذراعيه، وقال له:(والله لقد علمتَ أنّ هذا بشْر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ هذا مِن شعره، فما تُقبّله وتقبّل العصا!)، وهذا يعني أنّ ذريّة الحسن والحسين إنّما هي من بضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشرف ولد آدم على الإطلاق، وليس بني هاشم فحسب، كما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة.

وعلى أيّ حال، فلقد استمرّ لقب (الشريف) والسيّد يحمله كلّ مَن ينتسب إلى بني هاشم، فلمّا وليَ الفاطميّون الحُكم في مصر قصّروه على أبناء الحسن والحسين وَلدي الإمام علي من السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستمر الأمر كذلك بمصر حتى الآن، عُرفاً مطّرداً في مصر، وفي غيرها من أنحاء العالم الإسلامي.

٣٧

٣٨

الفصل الثاني: فضائل أهل البيت

١ - في القرآن الكريم

يرى العُلماء أنّ هُناك كثيرٌ من آيات القرآن الكريم، إنّما تُشير إلى فضل أهل البيت، و( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .

ومِن هذه الآيات:

(أولاً): آية الأحزاب ٣٣، يقول تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وهذا الآية، فيما يرى جمهور العلماء، أنّها منبع فضائل أهل البيت؛ لاشتمالها على غرر مآثرهم، واعتناء الباري عزّ وجلّ بهم، حيث أنزلها في حقّهم، ويقول العارف بالله (محيي الدين بن عربي في الباب ٢٩ من الفتوحات: ولمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبداً محضاً قد طهّره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس، فلا يُضاف إليهم إلاّ مطهّر، فأهل البيت الشريف هُم المطّهرون بل هُم عين الطهارة، وهكذا يدخل أبناء فاطمة، رضي الله عنها، كلّهم إلى يوم القيامة في حُكم هذه الآية من الغفران، فهُم المطهّرون اختصاصاً من الله وعناية بهم؛ لشرف سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وعناية الله به، ولا يظهر حُكم هذا الشرف لأهل البيت، إلاّ في الدار الآخرة، فإنّهم يُحشرون مغفوراً لهم، وأمّا في الدنيا، فمَن أتى منهم حَدّاً أُقيم عليه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم(لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) قد أعاذها الله تعالى من ذلك.

ومنها (ثانياً) : آية الشورى ٢٣، يقول تعالى: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) .

وروى الإمام أحمد

٣٩

في المناقب، والطبراني في الكبير، وابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم من مناقب الشافعي، والواحدي في الوسيط، عن ابن عباس أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال:(عليّ وفاطمة وابناهما) ، ويشهد له ما أخرجه الثعلبي في تفسيره، عن ابن عبّاس قال:( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) قال المودة لآل محمد صلّى الله عليه وسلّم.

وأخرج البزار والطبراني، عن الحسن بن عليّ عليه السلام، في حديث طويل، ذكر فيه قوله:(وإنّا مِن أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجل موالاتهم، فقال فيما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) وفي رواية:(وإنّا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مُسلم، وأنزل فيهم: ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى * وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) ، واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت) .

وأخرج الإمام أحمد:( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) ، قال: الحسنة مودة آل محمد صلّى الله عليه وسلّم، وكان قوله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) من المميزات التي اختصّ الله تعالى بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فقد قالت الرُسل لأُممهم:( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ ) (سبأ آية ٤٧)، فتعيّن على أُمّته - كما يقول الأُستاذ الملطاوي - أداء ما أوجبه الله عليهم من أجر التبليغ، فوجب عليهم حبّ قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته الطاهرين، وجعله باسم (المودّة)، وهو الثبات على المحبّة.

ومنها (ثالثاً): آية الأحزاب ٥٦، قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) . روى البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية، عن كعب بن عجرة، قال، قيل: يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال:(قولوا، اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد) ، وعن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هذا التسليم، فكيف نصلّي عليك؟ قال:(قولوا، اللّهمّ صلى على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

السلام ، فان الفاظ القصة لا تدل على التأويل الذي ذكره الخضر لموسى. كما انه في آية( وأوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) لا تدل هاتان الجملتان دلالة لفظية على وضع اقتصادي خاص هو التأويل للأمر الوارد فيها. وفي آية( فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ) لا تدل الآية دلالة لفظية على تأويله الذي هو الوحدة الإسلامية وهكذا دواليك في الآيات الاخرى لو امعنا النظر فيها.

بل في الرؤيا تأويله حقيقة خارجية رآها الراؤون في صورة خاصة ، وفي قصة موسى والخضر تأويل الخضر حقيقة تنبع منها اعماله التي عملها ، والامر في آية الكيل والوزن تأويله مصلحة عامة تنبع منه ، وآية رد النزاع الى الله والرسول ايضاً شبيهة بما ذكرناه.

فتأويل كل شيء حقيقة خارجية يتراءى ذلك الشيء منها وهو بدوره يحقق التأويل ، كما ان صاحب التأويل بقاؤه بالتأويل وظهوره في صاحبه.

وهذا المعنى جار في القرآن الكريم ، لان هذا الكتاب المقدس يستمد من منابع حقائق ومعنويات قطعت اغلال المادية والجسمانية ، وهي اعلى مرتبة من الحس والمحسوس واوسع من قوالب الالفاظ والعبارات التي هي نتيجة حياتنا المادية.

٦١

ان هذه الحقائق والمعنويات لا يمكن التعبير عنها بألفاظ محدودة ، وانما هي الفات للبشرية من عالم الغيب الى ضرورة استعدادهم للوصول الى السعادة بواسطة الالتزام بظواهر العقائد الحقة والاعمال الصالحة ، ولا طريق للوصول الى تلك السعادة الا بهذه الظواهر ، وعندما ينتقل الإنسان الى العالم الاخر تتجلى له الحقائق مكشوفة ، وهذا ما يدل عليه آيتا سورتي الاعراف ويونس المذكورتان.

والى هذا يشير ايضا قوله تعالى :( حّم *والكتاب المبين *انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون *وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) (١) .

انطباق الآية على « التأويل » بالمعنى الذي ذكرناه واضح لا غبار عليه ، وخاصة لانه قال( لعلكم تعقلون ) ولم يقل « لعلكم تعقلونه » ، لان علم التأويل خاص بالله تعالى كما جاء في آية المحكم والمتشابه( وما يعلم تأويله الا الله ) ، ولهذا عندما تريد الآية ان تذكر المنحرفين الذين يتبعون المتشابهات ، تصفهم بأنهم يبتغون الفتنة والتأويل ولم تصفهم بأنهم يجدون التأويل.

فاذاً « التأويل » هو حقيقة او حقائق مضبوطة في ام

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الزخرف : ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

٦٢

الكتاب ولا يعلمها الا الله تعالى وهي مما اختص بعالم الغيب.

وقال تعالى ايضاً في آيات اخرى :( فلا اقسم بمواقع النجوم *وانه لقسم لو تعلمون عظيم *انه لقرآن كريم *في كتاب مكنون *لا يمسه الا المطهرون *تنزيل من رب العالمين ) ؟(١) .

يظهر جلياً من هذه الآيات ان للقرآن الكريم مقامين : مقام مكنون محفوظ من المس ، ومقام التنزيل الذي يفهمه كل الناس.

والفائدة الزائدة التي نستفيدها من هذه الآيات ولم نجدها في الآيات السابقة ، هي الاستثناء الوارد في قوله( الا المطهرون ) الدال على ان هناك بعض من يمكن ان يدرك حقائق القرآن وتأويله. وهذا الاثبات لا ينافي النفي الوارد في قوله تعالى( وما يعلم تأويله الا الله ) ، لان ضم احداهما الى الاخرى ينتج الاستقلال والتبعية ، اي يعرف منها استقلال علمه تعالى بهذه الحقائق ولا يعرفها احد الا باذنه عز شأنه وتعليم منه.

وعلم التأويل شبيه فيما ذكرنا بعلم الغيب الذي اختص بالله تعالى في كثير من الآيات ، وفي آية استثنى العباد

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الواقعة : ٧٥ ـ ٨٠.

٦٣

المرضيون فأثبت لهم العلم به ، وهي قوله تعالى :( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً *الا من ارتضى من رسول ) (١) . فمن مجموع الكلمات في علم الغيب نستنتج انه بالاستقلال خاص بالله تعالى ولا يطلع عليه احدا الا باذنه عز وجل.

نعم ، المطهرون هم الذين يلمسون الحقيقة القرآنية ويصلون الى غور معارف القرآن ـ كما تدلنا عليه الآيات التي ذكرناها. ولو ضممنا هذه الى قوله تعالى( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٢) .

الوارد حسب احاديث متواترة في حق اهل البيتعليهم‌السلام نعلم ان النبي واهل بيته هم المطهرون العالمون بتأويل القرآن الكريم.

القرآن والناسخ والمنسوخ :

بضمن آيات الاحكام الواردة في القرآن الكريم آيات احتلت احكامها مكان احكام كانت موضوعة في آيات سابقة ، فأنهت الآيات اللاحقة مفعول الآيات السابقة ولم تعد

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الجن : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) سور الاحزاب : ٣٣.

٦٤

تلك الاحكام معمولاً بها. وتسمى الآيات السابقة بـ « المنسوخ » والآيات اللاحقة بـ « الناسخ ».

فمثلاً في بداية مبعث الرسول أمر المسلمون بمداراة اهل الكتاب في قوله تعالى :( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) (١) . وبعد مدة انهي هذا الحكم وامروا بالقتال معهم في قوله( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب ) (٢) .

والنسخ الذي يدور على السنتنا حقيقته هي : وضع قانون لمصلحة ما والعمل به ثم ظهور الخطأ في ذلك والغاؤه ووضع قانون جديد مكانه.

لكن لا يمكن نسبة مثل هذا النسخ الدال على الجهل والخطأ الى الله تعالى المنزه عن كل جهل وخطأ ، ولا يوجد هكذا نسخ في الآيات الكريمة الخالية عن وجود اي اختلاف بينها.

بل النسخ في القرآن معناه : انتهاء زمن اعتبار الحكم المنسوخ. ونعني بهذا ان للحكم الاول كانت مصحلة زمنية محدودة واثر موقت بوقت خاص تعلن الآية الناسخة انتهاء

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ١٠٩.

(٢) سورة التوبة : ٢٩.

٦٥

ذلك الزمن المحدود وزوال الاثر. ونظراً الى ان الآيات نزلت في مناسبات مختلفة خلال ثلاث وعشرون سنة ، من السهولة بمكان تصور اشتمالها على هكذا احكام.

ان وضع حكم موقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم ، ثم وضع الحكم الدائم وابدال الحكم الموقت به ، شيء ثابت لا اشكال فيه. كما يفهم هذا ايضا مما ورد في القرآن الكريم حول فلسفة النسخ. قال تعالى :( واذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون *قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدىً وبشرى للمسلمين ) (١) .

الجري والانطباق في القرآن :

القرآن الكريم كتاب دائم لكل الازمان وتسري احكامه على كل الناس ، فيجري في الغائب كما يجري في الحاضر وينطبق على الماضي والمستقبل كما ينطبق على الحال. فمثلاً الآيات النازلة في حكم ما على احد المؤمنين بشروط خاصة في عصر النبوة يسري ذلك الحكم على غيره لو توفرت تلك الشروط في العصور التالية ايضاً ، والآيات التي تمدح او تذم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ١٠١ ـ ١٠٢.

٦٦

بعض من يتحلى بصفات ممدوحة او مذمومة تشمل من يتحلى بها ممن لم يعاصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فاذاً مورد نزول آية من الآيات لا يكون مخصصاً لتلك الآية نفسها. ونعني بذلك انه لو نزلت في شخص او اشخاص معينين آية لا تكون تلك الآية جامدة في ذلك الشخص او اولئك الاشخاص ، بل يسري حكمها في كل من يشترك مع اولئك في الصفات التي كانت مورداً لتلك الآية.

هذا هو الذي يسمى في السنة الاحاديث بـ « الجري ». قال الامام الباقرعليه‌السلام ، في حديثه للفضيل بن يسار ، عندما سأله عن هذه الرواية « ما في القرآن آية الا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف الا وله حد ولكل حد مطلع » ما يعني بقوله « ظهر وبطن »؟ قالعليه‌السلام : ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع. الحديث(١) .

وفي بعض الاحاديث يعتبر بطن القرآن ـ يعني انطباقه بموارد وجدت بالتحليل ـ مثل الجري(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) تفسير العياشي ١ / ١٠.

(٢) انظر المصدر السابق ١ / ١١.

٦٧

التفسير وظهوره وتطوره :

بدأ التفسير للآيات وبيان معاني الفاظ القرآن وعباراته من عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان هو المعلم الاول للقرآن الكريم وتوضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته ، قال تعالى( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) (١) .

وقال :( هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) (٢) .

وفي عصر النبي وبأمر منه اشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن وحفظه وضبطه ، وهم الذين يسمون بـ « القراء ». وبعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الان فيهم مفسرون.

علم التفسير وطبقات المفسرين :

اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد ان ارتحل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الرفيق الاعلى ، ومنهم

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النحل : ٤٤.

(٢) سورة الجمعة : ٢.

٦٨

أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الانصاري وابو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وانس وابو هريرة وابو موسى ، وكان اشهرهم عبد الله بن عباس.

كان منهج هؤلاء في التفسير انهم ينقلون ما سمعوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في معاني الآيات بشكل احاديث مسندة(١) وبلغت هذه الاحاديث كلها الى نيف واربعين ومائتي حديث اسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون اليها.

وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على انه تفسير منهم بدون اسناده الى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعد المفسرون من متأخري اهل السنة هذا القسم ايضا من جملة الاحاديث ، بحجة ان الصحابة اخذوا علم القرآن من النبي ويبعد ان يفسروا من عند انفسهم.

ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا ، بالاضافة الى ان كمية كبيرة من الاحاديث المذكورة واردة في اسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية ، كما ان فيها احاديث غير مسندة منقولة عن بعض علماء اليهود الذين اسلموا ككعب الاحبار وغيره.

ــــــــــــــــــ

(١) آخر كتاب الاتقان ، طبع القاهرة سنة ١٣٧٠ هـ.

٦٩

وكان ابن عباس في اكثر الاوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات ، كما نرى ذلك جلياً في مسائل نافع بن الازرق ، فان ابن عباس عند الاجابة عليها استشهد بالشعر في اكثر من مائتي مورد من الآيات ، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جواباً منها في كتابه الاتقان(١) .

ومن هنا لا يمكن اعتبار الاحاديث المنقولة عن الصحابة احاديث نبوية كما لا يمكن القول بأنهم لم يفسروا مطلقاً برأيهم.

ومفسرو الصحابة هم الطبقة الاولى من المفسرين.

( الطبقة الثانية ) هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة ، وهم مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وضحاك. ومن هذه الطبقة ايضا الحسن البصري وعطاء بن ابي رباح وعطاء بن ابي مسلم وابي العالية ومحمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية وزيد بن اسلم وطاوس اليماني(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) الاتقان ص ١٢٠ ـ ١٣٣.

(٢) مجاهد ، مفسر مشهور ، توفي سنة ١٠٠ او سنة ١٠٣ ( تهذيب الاسماء للنووي ).

سعيد بن جبير مفسر معروف تلميذ ابن عباس ، قتله الحجاج الثقفي سنة ٩٤ ( التهذيب ).

عكرمة ، مولى ابن عباس وتلميذه وتلميذ سعيد بن جبير ،

٧٠

( الطبقة الثالثة ) تلامذة الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابو صالح الكلبي ونظرائهم(١) .

ــــــــــــــــــ

توفي سنة ١٠٤ ( التهذيب ).

ضحاك ، من تلامذة عكرمة ( لسان الميزان ).

الحسن البصري ، زاهد ومفسر معروف ، توفي سنة ١١٠ ( التهذيب ).

عطاء بن ابي رباح ، فقيه ومفسر مشهور ، من تلامذة ابن عباس ، توفي سنة ١١٥ ( التهذيب ).

عطاء بن ابي مسلم ، من اكابر التابعين ، ومن تلامذة ابن جبير وعكرمة ، توفي سنة ١٣٣ ( التهذيب ).

ابو العالية ، من ائمة التفسير واكابر التابعين ، كان في المائة الاولى من الهجرة ( التهذيب ).

محمد بن كعب القرظي ، مفسر معروف ، وهو من اسرة يهودية من بني قريظة ، كان في المائة الاولى من الهجرة.

قتادة ، اعمى ، كان من اكابر المفسرين ، وهو من تلامذة الحسن البصري وعكرمة ، توفي سنة ١١٧ ( التهذيب ).

عطية ، ينقل عن ابن عباس ( لسان الميزان ).

زيد بن اسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، فقيه ومفسر ، توفي سنة ١٣٦ ( التهذيب ).

طاوس اليماني ، من اعلام عصره ، وهو تلميذ ابن عباس ، توفي سنة ١٠٦ ( التهذيب ).

(١) عبد الرحمن بن زيد ، يعد من علماء التفسير.

٧١

وكان منهج التابعين في التفسير انهم ينقلونه احيانا بصورة احاديث عن الرسول الكريم او الصحابة ، واحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها الى احد ، فعامل متأخرو المفسرين مع هذه الاقوال معاملة الاحاديث النبوية واعتبروها احاديث موقوفة(١) .

ويطلق على الطبقتين الاخرتين لفظة « قدماء المفسرين ».

( الطبقة الرابعة ) اوائل المؤلفين في علم التفسير ، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم. ومن هذه الطبقة ايضا ابن جرير الطبري صاحب التفسير المشهور(٢) .

ــــــــــــــــــ

ابو صالح الكلبي ، النسابة المفسر ، وهو من اعلام القرن الثاني.

(١) الاحاديث الموقوفة هي التي لم يذكر فيها المروي عنه.

(٢) سفيان بن عيينة ، مكي من طبقة التابعين الثانية ، وهو من علماء التفسير توفي سنة ١٩٨ ( التهذيب ).

وكيع بن الجراح ، كوفي من طبقة التابعين الثانية ، ومن مشاهير المفسرين توفي سنة ١٩٧ ( التهذيب ).

شعبة بن الحجاج البصري ، من طبقة التابعين الثانية ، وهو من مشاهير المفسرين ، توفي سنة ١٦٠ ( التهذيب ).

عبد بن حميد ، صاحب تفسير ، من طبقة التابعين الثانية ، كان في القرن الثاني من الهجرة.

٧٢

ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل اقوال الصحابة والتابعين بشكل احاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة. الا ان ابن جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الاحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها. ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين.

( الطبقة الخامسة ) المفسرون الذين نقلوا الاحاديث في تفاسيرهم بحذف الاسانيد واكتفوا بنقل الاقوال والآراء.

قال السيوطي : فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل(١) .

الا ان المتدبر في الاحاديث المسندة يرى ايضا كثيرا من الوضع والدس ، ويشاهد الاقوال المتناقضة تنسب الى صحابي واحد ، ويقرأ قصصاً وحكايات يقطع بعدم صحتها ، ويمر على احاديث في اسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات. ومن هنا نقل ان الامام احمد بن حنبل قال : ثلاثة لا اصل لها المغازي والملاحم واحاديث التفسير. ونقل عن الامام الشافعي ان الثابت من الاحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط.

ــــــــــــــــــ

ابن جرير الطبري ، محمد بن جرير بن يزيد ، من مشاهير علماء السنة ، توفي سنة ٣١٠ ( لسان الميزان ).

(١) الاتقان ٢ / ١٩٠.

٧٣

( الطبقة السادسة ) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها ، فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي اتقنه : فالنحوي ادرج المباحث النحوية كالزجاج والواحدي وابي حيان(١) ، والاديب اورد المباحث البلاغية كالزمخشري في كشافه(٢) ، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير(٣) ، والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما(٤) ، والاخباري ملأ كتابه بالاحاديث كالثعلبي في تفسيره(٥) ، والفقيه جاء بالمسائل الفقهية

ــــــــــــــــــ

(١) الزجاج ، من علماء النحو ، توفي سنة ٣١٠ ( ريحانة الادب ).

الواحدي ، نحوي مفسر ، توفي سنة ٤٦٨ ( الريحانة ).

ابو حيان الاندلسي ، نحوي مفسر قارىء توفي في مصر سنة ٧٤٥ ( الريحانة ).

(٢) الزمخشري ، من مشاهير علماء الادب ، مؤلف تفسير الكشاف ، توفي سنة ٥٣٨ ( كشف الظنون ).

(٣) الامام فخر الدين الرازي ، متكلم مفسر مشهور ، صاحب تفسير مفاتيح الغيب ، توفي سنة ٦٠٦ ( كشف الظنون ).

(٤) عبد الرزاق الكاشاني ، من مشاهير علماء الصوفية في القرن الثامن الهجري ( ريحانة الادب ).

(٥) احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ، صاحب التفسير المشهور ، توفي سنة ٤٢٦ او ٤٢٧ ( الريحانة ).

٧٤

كالقرطبي في تفسيره(١) . وقد خلط جماعة آخرون في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني(٢) وروح البيان(٣) وتفسير النيسابوري(٤) .

والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة الى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس والبحث ، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيراً من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على القرآن حملاً ولا تدل عليها الآيات.

أسلوب مفسري الشيعة وطبقاتهم :

الطبقات التي ذكرناها هي طبقات المفسرين من السنة ، وقد رأينا ان لهم منهجاً خاصا في التفسير ساروا على ضوئه من حين نشأته ، فجعلوه احاديث نبوية واقوال للصحابة والتابعين ولم يجيزوا اعمال النظر فيها لانه يكون من قبيل الاجتهاد

ــــــــــــــــــ

(١) محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي ، توفي سنة ٦٦٨ ( الريحانة ).

(٢) تأليف الشيخ اسماعيل حقي ، توفي سنة ١١٣٧ ( ذيل كشف الظنون ).

(٣) تأليف شهاب الدين محمود الالوسي البغدادي ، توفي سنة ١٢٧٠ ( ذيل كشف الظنون ).

(٤) غرائب القرآن ، تأليف نظام الدين حسن القمي النيسابوري ، توفي سنة ٧٢٨ ( ذيل كشف الظنون ).

٧٥

 مقابل النص. ولكن لما ظهر التناقض والتضارب والدس والوضع فيها بدأت الطبقة السادسة تعمل رأيها فيها وتجتهد.

أما المنهج الذي اتخذته الشيعة في تفسير القرآن الكريم فيختلف مع منهج السنة ، ولذا يختلف تقسيم طبقاتهم مع الطبقات المذكورة.

تعتقد الشيعة ـ بنص من القرآن الكريم حجية اقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في التفسير ، وترى ان الصحابة والتابعين كبقية المسلمين لا حجية في اقوالهم الا ما ثبت انه حديث نبوي. وقد ثبت بطرق متواترة في حديث الثقلين ان اقوال العترة الطاهرة من اهل بيتهعليهم‌السلام هي تالية لاقوال الرسول ، فهي حجة ايضا. ومن هنا اخذت الشيعة في التفسير بما اثر عن النبي واهل بيتهعليهم‌السلام ، فكانت طبقات المفسرين منهم كما يلي :

( الطبقة الاولى ) : الذين رووا التفسير عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وائمة اهل البيتعليهم‌السلام ، وادرجوا الاحاديث في مؤلفاتهم المتفرقة ، كزرارة ومحمد بن مسلم ومعروف وجرير واشباههم(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) زرارة بن اعين ومحمد بن مسلم من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

معروف بن خربوذ وجرير من خواص اصحاب الامام الصادق عليه الصلاة والسلام.

٧٦

( الطبقة الثانية ) : اوائل المؤلفين في التفسير ، كفرات بن ابراهيم الكوفي وابي حمزة الثمالي والعياشي وعلي بن ابراهيم القمي والنعماني(١) .

وطريقة هؤلاء في تفاسيرهم تشبه طريقة الطبقة الرابعة من مفسري اهل السنة ، فقد رووا الاحاديث المأثورة عن الطبقة الاولى وادرجوها مسندة في مؤلفاتهم ولم يبدوا آراءهم الخاصة في الموضوع.

ومن الواضح ان الزمن الذي كان يمكن الاخذ فيه عن الائمةعليهم‌السلام كان طويلاً بلغ نحواً من ثلاثمائة سنة ،

ــــــــــــــــــ

(١) فرات بن ابراهيم الكوفي ، صاحب التفسير المشهور ، من مشايخ علي بن ابراهيم القمي ( ريحانة الادب ).

ابو حمزة الثمالي ، من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامام السجاد والباقرعليهما‌السلام ( الريحانة ).

العياشي ، محمد بن مسعود الكوفي السمرقندي ، من اعيان علماء الامامية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ( الريحانة ).

علي بن ابراهيم القمي ، من مشائخ الحديث الشيعي في اواخر القرن الثالث واوائل القرن الرابع الهجري.

النعماني ، محمد بن ابراهيم ، من اعيان علماء الامامية ، وهو تلميذ ثقة الإسلام الكليني ، كان في اوائل القرن الرابع الهجري ( الريحانة ).

٧٧

فكان من الطبيعي ان لا يضبط الترتيب الزمني لهاتين الطبقتين بصورة دقيقة ، بل كانتا متداخلتين ومن الصعوبة بمكان التفريق الدقيق بينهما.

وقد قل عند اوائل مفسري الشيعة نقل احاديث التفسير بشكل روايات مرسلة في تفاسيرهم ، وكنموذج لنقل الاحاديث مروية بدون اسانيد نلفت الانظار الى تفسير العياشي الذي حذف بعض تلامذته اسانيده اختصاراً ، فاشتهرت نسخة التلميذ المختصرة وحلت محل نسخة الاصل.

( الطبقة الثالثة ) اصحاب العلوم المختلفة ، كالشريف الرضي في تفسيره الادبي والشيخ الطوسي في تفسيره الكلامي المسمى بالتبيان والمولى صدر الدين الشيرازي في تفسيره الفلسفي والميبدي الكونابادي في تفسيره الصوفي والشيخ عبد علي الحويزي والسيد هاشم البحراني والفيض الكاشاني في تفاسيرهم نور الثقلين والبرهان والصافي(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) الشريف الرضي ، محمد بن الحسين الموسوي ، من اجلاء فقهاء الامامية ، اعلم اهل زمانه في الشعر والادب ، ومن تآليفه كتاب « نهج البلاغة » توفي سنة ٤٠٤ او ٤٠٦ ( ريحانة الادب ).

شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن الطوسي ، من اعلام علماء الامامية ، من تآليفه « التهذيب » و « الاستبصار » اللذين هما اصلان من الاصول الاربعة الحديثية عند الشيعة ، توفي سنة ٤٦٠ ( الريحانة ).

٧٨

وهناك جماعة جمعوا في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة ، ومنهم الشيخ الطبرسي في تفسيره « مجمع البيان » الذي يبحث فيه عن اللغة والنحو والقراءة والكلام والحديث وغيرها(١) .

كيف يتقبل القرآن التفسير؟

الاجابة على هذا السؤال تتوضح من الفصول الماضية ، فان القرآن الكريم ـ كما ذكرنا ـ كتاب دائم للجميع ،

ــــــــــــــــــ

صدر المتألهين ، محمد بن ابراهيم الشيرازي ، الفيلسوف المشهور ، مؤلف كتاب « اسرار الآيات » و « مجموعة تفاسير » ، توفي سنة ١٠٥٠ ( روضات الجنات ).

الميبدي.

السيد هاشم البحراني ، صاحب تفسير « البرهان » في اربعة اجزاء كبار توفي سنة ١١٠٧ ( الريحانة ).

الفيض الكاشاني ، المولى محمد محسن بن المرتضى ، مؤلف كتاب « الصافي » و « الاصفى » ، توفي سنة ١٠٩١ ( الريحانة ).

الشيخ عبد علي الحويزي الشيرازي ، مؤلف كتاب « نور الثقلين » في خمسة اجزاء ، توفي سنة ١١١٢ ( الريحانة ).

(١) أمين الإسلام ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، من اعيان علماء الامامية ، صاحب « مجمع البيان » في عشرة اجزاء ، توفي سنة ٥٤٨ ( الريحانة ).

٧٩

يخاطب الكل ويرشدهم الى مقاصده وقد تحدى في كثير من آياته على الاتيان بمثله واحتج بذلك على الناس ، ووصف نفسه بأنه النور والضياء والتبيان لكل شيء ، فلا يكون مثل هذا الكتاب محتاجا الى شيء اخر.

يقول محتجاً على انه ليس من كلام البشر :( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) (١) .

ليس فيه اي اختلاف ، ولو وجد فيه اختلاف بالنظرة البدائية يرتفع بالتدبر في القرآن نفسه.

ومثل هذا الكتاب لو احتاج في بيان مقاصده الى شيء اخر لم تتم به الحجة ، لانه لو فرض ان احد الكفار وجد اختلافا في شيء من القرآن لا يرتفع من طريق الدلالة اللفظية للايات لم يقنع برفعه من طرق اخرى ، كأن يقول النبي مثلاً يرتفع بكذا وكذا ، ذلك لان هذا الكافر لا يعتقد بصدق النبي ونبوته وعصمته ، فلم يتنازل لقوله ودعاويه.

وبعبارة اخرى : لا يكفي ان يكون النبي رافعا للاختلافات القرآنية بدون شاهد لفظي من نفس القرآن لمن لا يعتقد نبوته وعصمته ، والآية الكريمة( أفلا يتدبرون

ــــــــــــــــــ

(١) سورة النساء : ٨٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178