كفاية الأصول

كفاية الأصول0%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

كفاية الأصول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد كاظم الخراسانى
تصنيف: الصفحات: 521
المشاهدات: 52588
تحميل: 17535

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52588 / تحميل: 17535
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المقصد الخامس:

المطلقُ والمقيّد

٢٤١

٢٤٢

المقصد الخامس: في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

فصل

عرف(١) المطلق بأنه: ما دل على شائع في جنسه، وقد أشكل عليه بعض الأعلام(٢) ، بعدم الإطراد أو الإنعكاس، وأطال الكلام في النقض والإبرام، وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الإسم، هو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس، فالأولى الإعراض عن ذلك، ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق، أو من غيرها مما يناسب المقام.

فمنها: اسم الجنس، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والأعراض بل العرضيات، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة، بلا شرط أصلاً ملحوظاً معها، حتى لحاظ أنها كذلك.

وبالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى، وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلاً الذي هو المعنى بشرط شيء، ولو كان ذاك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو

____________________

(١) هذا التعريف لأكثر الأصوليين على ما ذكره المحقق القمي، القوانين ١ / ٣٢١، المطلق والمقيد.

(٢) المستشكل هو صاحب الفصول، قال في الفصول / ٢١٨، في فصل (المطلق): ويخرج بقولنا شيوعاً حكمياً... إلى أن قال: وقد أهملوا هذا القيد فيرد ذلك على طردهم... الخ.

٢٤٣

الماهية اللابشرط القسمي، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها، كما لا يخفى، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد، وإن كان يعم كل واحد منها بدلاً أو استيعاباً، وكذا المفهوم اللابشرط(١) القسمي، فإنه كلّي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهناً؟

ومنها: علم الجنس(٢) كأُسامة، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي، بل بما هي متعينة بالتعين(٣) الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلاً كاسم الجنس، والتعريف فيه لفظي، كما هو الحال في التأنيث اللفظي، وإلا لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف وتأويل، لأنه على المشهور كلي عقلي، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال، لا يكاد يصدر عن جاهل، فضلاً عن الواضع الحكيم.

ومنها: المفرد المعرف باللام، والمشهور أنه على أقسام: المعرف بلام الجنس، أو الاستغراق، أو العهد بأقسامه، على نحو الاشتراك بينها لفظاً أو معنى، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قِبَل خصوص

____________________

(١) في (أ): لا بالشرط.

(٢) في «ب»: للجنس.

(٣) في «ب»: بالتعيين.

٢٤٤

اللام، أو من قِبَل قرائن المقام، من باب تعدد الدالّ والمدلول، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الإشتراك، فكان المدخول على كل حال مستعملاً فيما يستعمل فيه الغير المدخول.

والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني، وأنت خبير بأنه لا تعين(١) في تعريف الجنس إلا الإشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهناً، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد، ومعه لا فائدة في التقييد، مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف.

هذا مضافاً إلى أن الوضع لما لا حاجة اليه، بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه، كان لغواً، كما أشرنا إليه، فالظاهر أن اللام مطلقاً يكون للتزيين، كما في الحسن والحسين، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعينها على كل حال، ولو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة، لو لم تكن مخلة، وقد عرفت إخلالها، فتأمل جيداً.

وأما دلالة الجمع(١) المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه، فلا دلالة فيها على أنها تكون لأجل دلالة اللام على التعين(٢) ، حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد، وذلك لتعين المرتبة الأخرى، وهي أقل مراتب الجمع، كما لا يخفى.

فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك، لا إلى دلالة

____________________

(١) في نسخة: التعيين.

(٢) ردّ على صاحب الفصول، الفصول / ١٦٩. التنبيه الاول.

(٣) في «ب»: التعيين.

٢٤٥

اللام على الإشارة إلى المعين، ليكون به التعريف، وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه اليه، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظاً، فتأمل جيداً.

ومنها: النكرة مثل (رجل) في (وجاء رجل من أقصى المدينة) أو في (جئني برجل) ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول، ولو بنحو تعدد الدالّ والمدلول، هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.

كما أنه في الثاني، هي الطبيعة الماخوذة مع قيد الوحدة، فيكون حصة من الرجل، ويكون كليا ينطبق على كثيرين، لا فرداً مردداً بين الأفراد(١) .

وبالجملة: النكرة - أي [ما] بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم - إما هو فرد معين في الواقع غير معيّن للمخاطب، أو حصة كلية، لا الفرد المردد بين الأفراد، وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة، مع أنه يصدق على كل من جيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره، كما هو قضية الفرد المردد، لو كان هو المراد منها، ضرورة أن كل واحد هو هو، لا هو أو غيره، فلابد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كلياً قابلاً للانطباق، فتأمل جيداً.

إذا عرفت ذلك، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني، كما يصح لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها، كما لا يخفى.

نعم لو صح ما نسب إلى المشهور، من كون المطلق عندهم موضوعاً لما

____________________

(١) قال به صاحب الفصول، الفصول / ١٦٣، في صيغة العموم، عند قوله: ومدلولها فرد من الجنس لا بعينه... الخ.

٢٤٦

قيد بالإرسال والشمول البدلي، لما كان ما أُريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق، إلا أن الكلام في صدق النسبة، ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل، فإن ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده، بل(١) وهذا بخلافه بالمعنيين، فإن كلاً منهما له قابل، لعدم انثلامهما بسببه أصلاً، كما لا يخفى.

وعليه لا يستلزم التقييد تجوزاً في المطلق، لإمكان إرادة معنى لفظه منه، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال، وإنما استلزمه لو كان بذاك المعنى، نعم لو أُريد من لفظه المعنى المقيد، كان مجازاً مطلقاً، كان التقييد بمتصل أو منفصل.

فصل

قد ظهر(٢) لك أنه لا دلالة لمثل (رجل) إلا على الماهية المبهمة وضعاً، وأن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجاً عما وضع له، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة، وهي تتوقف على مقدمات:

إحداها : كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، لا الإهمال أو الإجمال.

ثانيتها : انتفاء ما يوجب التعيين.

ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين، فإنه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض، لو كان بصدد البيان، كما هو الفرض، فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخلّ بغرضه، حيث أنه لم ينبه مع أنه بصدده، وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به، حيث لم يكن مع انتفاء الأُولى، إلا في مقام الإهمال أو الإجمال، ومع انتفاء الثانية، كان البيان بالقرينة، ومع انتفاء الثالثة،

____________________

(١) أثبتناها من «أ».

(٢) تقدم في المقصد الخامس، الفصل الأول / ٢٤٣.

٢٤٧

لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه، وقد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه، كي أخلّ ببيانه، فافهم(١) .

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه، ولو لم يكن عن جد، بل قاعدة وقانوناً، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون الظفر بالمقيد - ولو كان مخالفاً - كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلاً، فتأمل جيداً.

وقد انقدح بما ذكرنا(٢) أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان - أيضاً - تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة، فلا تغفل.

بقي شيء: وهو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، هو كونه بصدد بيانه، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة، ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها، مع عدم إحراز كون مطلِقها بصدد البيان، وبعُد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان، وإن كان ربما نسب ذلك اليهم، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز والغفلة عن وجهه، فتأمل جيداً.

____________________

(١) إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخلّ ببيانه، بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الأفراد، فإنه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد، وإلا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها، وإلا قد أخلّ بغرضه، نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلا بصدد بيان أن المتيقن مراد، لا بصدد بيان أن غيره مراد أو ليس بمراد، قبالاً للإجمال والإهمال المطلقين، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة (منه أعلى الله مقامه).

(٢) في صفحة ٢٤٧ من هذا الكتاب.

٢٤٨

ثم إنه قد انقدح بما عرفت - من توقف حمل المطلق على الإطلاق، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة - أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف، لظهوره فيه، أو كونه متيقناً منه، ولو لم يكن ظاهراً فيه بخصوصه، حسب اختلاف مراتب الانصراف، كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك، بل يكون بدوياً زائلاً بالتأمل، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.

لا يقال: كيف يكون ذلك وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلاً.

فإنه يقال: مضافاً إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له، لا عدم إمكانه، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الإمكان، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدالّ آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس، كما في المجاز المشهور، أو تعيناً(١) واختصاصاً به، كما في المنقول بالغلبة، فافهم.

تنبيه : وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة، كان وارداً في مقام البيان من جهة منها، وفي مقام الإهمال أو الإجمال من أخرى، فلابدّ في حمله على الإطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى، إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادة، كما لا يخفى.

فصل

إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فإمّا يكونان مختلفين في الإثبات والنفي، وإمّا يكونان متوافقين، فإن كانا مختلفين مثل (إعتق رقبة) و (لا

____________________

(١) في «ب»: تعييناً.

٢٤٩

تعتق رقبة كافرة) فلا إشكال في التقييد، وإن كانا متوافقين، فالمشهور فيهما الحمل والتقييد، وقد استدل بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى.

وقد أُورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر، مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب.

وأُورد عليه بأن التقييد ليس تصرفاً في معنى اللفظ، وإنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى، اقتضاه تجرده عن القيد، مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال، فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفاً، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد، بحمل أمره على الاستحباب.

وأنت(١) خبير بأن التقييد أيضاً يكون تصرفاً في المطلق، لما عرفت من أن الظفر بالمقيّد لا يكون كاشفاً عن عدم ورود المطلق في مقام البيان، بل عن عدم كون الإطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة، بمراد جدّي، غاية الأمر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوّز فيه، مع أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزاً فيه، فإنه في الحقيقة مستعمل في الإيجاب، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب، كان من أفضل أفراد الواجب، لا مستحباً فعلاً، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.

نعم، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل، كان من التوفيق بينهما، حمله على أنه سيق في مقام الإهمال على خلاف مقتضى الأصل، فافهم. ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق.

____________________

(١) ردّ على الشيخ (قده) في انتصاره لدليل المشهور، مطارح الأنظار / ٢٢٠.

٢٥٠

وربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع أن بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيد فيها على تأكّد الاستحباب، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب(١) المحبوبية، فتأمل.

أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيىء دليل المقيّد، وحمله على تأكد استحبابه، من التسامح(٢) فيها.

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف، من وحدة السبب وغيره(٣) ، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر، فليتدبر.

تنبيه : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي، وفي بيان الحكم الوضعي، فإذا ورد مثلاً: إن البيع سبب، وإن البيع الكذائي سبب، وعلم أن مراده إمّا البيع على إطلاقه، أو البيع الخاص، فلابد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الإطلاق فيه، كما هو ليس ببعيد، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد - بخلاف العكس - بإلغاء القيد، وحمله على أنه غالبي، أو على وجه آخر، فإنه على خلاف المتعارف.

____________________

(١) في «أ و ب»: المراتب، والصواب ما أثبتناه.

(٢) ولا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعاً عرفياً، كان قضيته عدم الاستحباب إلا للمقيد، وحينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقاً على المطلق كان استحبابه تسامحياً، وإلا فلا استحباب له أصلاً، كما لا وجه - بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ - يؤكد الاستحباب في المقيد، فافهم (منهقدس‌سره ).

(٣) تعريض بصاحب المعالم والمحقق القمي، حيث اعتبرا وحدة السبب في عنوان البحث، معالم الدين / ١٥٥، القوانين ١ / ٣٢٢.

٢٥١

تبصرة لا تخلو من تذكرة ، وهي: إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي، وأخرى على العموم الاستيعابي، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام، واختلاف الآثار والأحكام، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام.

فالحكمة في إطلاق صيغة الأمر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان، ولا معنى لإرادة الشياع فيه، فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان، كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي، كما في (أحل الله البيع) إذ إرادة البيع مهملاً أو مجملاً، ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام، ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف، أيّ بيع كان، مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها، لا يكاد يفهم بدونها من الإطلاق، ولا يصح قياسه على ما إذا أُخذ في متعلق الأمر، فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته، وإرادة غير العموم البدلي، وإن كانت ممكنة، إلا أنها منافية للحكمة، وكون المطلق بصدد البيان.

فصل

في المجمل والمبيّن

والظاهر أن المراد من المبيّن في موارد إطلاقه، الكلام الذي له ظاهر، ويكون بحسب متفاهم العرف قالباً لخصوص معنى، والمجمل بخلافه، فما ليس له ظهور مجمل وإن علم بقرينة خارجية ما أُريد منه، كما أن ماله الظهور مبيّن وإن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أُريد ظهوره وأنه مأوّل، ولكل منهما في الآيات والروايات، وإن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى، إلا أن لهما أفراد مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للأعلام، في أنها من أفراد أيهما؟ كآية

٢٥٢

السرقة(١) ، ومثل( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) (٢) و( أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ) (٣) مما أُضيف التحليل إلى الأعيان ومثل (لا صلاة إلا بطهور)(٤) .

ولا يذهب عليك أن إثبات الإجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان، لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور، ويكون قالباً لمعنى، وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان، فتأمل.

ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان، ربما يكون مجملاً عند واحد، لعدم معرفته بالوضع، أو لتصادم ظهوره بما حفّ به لديه، ومبيّناً لدى الآخر، لمعرفته وعدم التصادم بنظره، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والإبرام في المقام، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.

____________________

(١) المائدة: ٣٨.

(٢) النساء: ٢٣.

(٣) المائدة: ١.

(٤) الفقية: ١ / ٣٥ الباب ١٤ في من ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه.

٢٥٣

٢٥٤

المقصد السادس:

الامارات

٢٥٥

٢٥٦

المقصد السادس:

في بيان الأمارات المعتبرة شرعاً أو عقلاً

وقبل الخوض في ذلك، لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الأحكام، وإن كان خارجاً من مسائل الفن، وكان أشبه بمسائل الكلام، لشدة مناسبته مع المقام.

فاعلم: أن البالغ الذي وضع عليه القلم، إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري، متعلق به أو بمقلديه، فإما أن يحصل له القطع به، أو لا، وعلى الثاني، لابد من انتهائه إلى ما استقل به العقل، من اتباع الظن لو حصل له، وقد تمت مقدمات الانسداد - على تقدير الحكومة - وإلا فالرجوع إلى الأصول العقلية: من البراء‌ة والاشتغال والتخيير، على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

وإنما عممنا متعلق القطع؛ لعدم اختصاصه أحكامه بما إذا كان متعلقاً بالأحكام الواقعية، وخصصنا بالفعلي؛ لاختصاصها بما إذا كان متعلقاً به - على ما ستطلع عليه - ولذلك عدلنا عما في رسالة(١) شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - من تثليث الأقسام.

وإن أبيت إلا عن ذلك، فالأولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له

____________________

(١) فرائد الأصول / ٢.

٢٥٧

القطع أو لا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا؛ لئلا تتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام، ومرجعه على الأخير إلى القواعد المقررة عقلاً أو نقلاً لغير القاطع، ومن يقوم عنده الطريق، على تفصيل يأتي في محله - إن شاء الله تعالى - حسبما يقتضي دليلها.

وكيف كان فبيان أحكام القطع وأقسامه، يستدعي رسم أمور:

الأمر الأول : لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً، ولزوم الحركة على طبقه جزماً، وكونه موجباً لتنجز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته، وعذراً فيما أخطأ قصوراً، وتأثيره في ذلك لازم، وصريح الوجدان به شاهد وحاكم، فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان.

ولا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشيء ولوازمه، بل عرضاً بتبع جعله بسيطاً.

وبذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضاً، مع أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقاداً مطلقاً، وحقيقة في صورة الإصابة، كما لا يخفى.

ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعلياً، وما لم يصر فعلياً لم يكد يبلغ مرتبة التنجز، واستحقاق العقوبة على المخالفة، وإن كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة، وذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي، ولا مخالفته عن عمد بعصيان، بل كان مما سكت الله عنه، كما في الخبر(١) ، فلاحظ وتدبر.

نعم، في كونه بهذه المرتبة مورداً للوظائف المقررة شرعاً للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين، على ما يأتي(٢) تفصيله إن شاء الله تعالى، مع ما هو

____________________

(١) الفقيه ٤ / ٥٣، باب نوادر الحدود، الحديث ١٥.

(٢) في بداية مبحث الامارات ص ٢٧٧.

٢٥٨

التحقيق في دفعه، في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري، فانتظر.

الأمر الثاني : قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة، والمثوبة على الموافقة في صورة الإصابة، فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة على التجرّي بمخالفته، واستحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته، أو لا يوجب شيئاً؟

الحق أنه يوجبه؛ لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته، وذمه على تجريه، وهتكه لحرمة مولاه(١) وخروجه عن رسوم عبوديته، وكونه بصدد الطغيان، وعزمه على العصيان، وصحة مثوبته، ومدحه على قيامه(٢) بما هو قضية عبوديته، من العزم على موافقته والبناء على إطاعته، وإن قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة، مالم يعزم على المخالفة أو الموافقة، بمجرد سوء سريرته أو حسنها، وإن كان مستحقاً للّوم(٣) أو المدح بما يستتبعانه، كسائر الصفات والأخلاق الذميمة أو الحسنة.

وبالجملة: ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحاً [أوذماً](٤) أو لوماً، وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافاً إلى أحدهما، إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم، وذلك لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك، وحسنها معه، كما يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الإطاعة والعصيان، وما يستتبعان من استحقاق النيران أو الجنان.

ولكن ذلك مع بقاء الفعل المتجرى [به] أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن

____________________

(١) في «أ»: وهتك حرمته لمولاه، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في «أ و ب»: إقامته، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في هامش «ب» من نسخة أخرى: للذم.

(٤) أثبتناها من «ب».

٢٥٩

أو القبح، والوجوب أو الحرمة واقعاً، بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة، ولا يغير جهة حسنه أو قبحه بجهته(١) أصلاً، ضرورة أن القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن والقبح عقلاً ولا ملاكاً للمحبوبية والمبغوضية شرعاً، ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية للمولى، بسبب قطع العبد بكونه محبوباً أو مبغوضاً له. فقتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضاً له، ولو اعتقد العبد بأنه عدوّه، وكذا قتل عدوه، مع القطع بأنه إبنه، لا يخرج عن كونه محبوباً أبداً.

هذا مع أن الفعل المتجرئ به أو المنقاد به، بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختيارياً، فإن القاطع لا يقصده إلا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي لا بعنوانه الطارئ الآلي، بل لا يكون غالباً بهذا العنوان مما يلتفت إليه، فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلاً؟ ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعاً؟ ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية.

إن قلت: إذا لم يكن الفعل كذلك، فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع، وهل كان العقاب عليها إلا عقاباً على ما ليس بالاختيار؟

قلت: العقاب إنما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار.

إن قلت: إن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار، وهي ليست باختيارية، وإلا لتسلسل.

قلت: - مضافاً إلى أن الاختيار وإن لم يكن بالاختيار، إلا أن بعض مباديه غالباً يكون وجوده بالاختيار، للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه

____________________

(١) في هامش (ب) من نسخة أخرى: بجهة.

٢٦٠