كفاية الأصول

كفاية الأصول14%

كفاية الأصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 521

  • البداية
  • السابق
  • 521 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54749 / تحميل: 18659
الحجم الحجم الحجم
كفاية الأصول

كفاية الأصول

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللّهمّ يا من أضاء على مطالع العقول والألباب، وأنار عليها بسواطع السنّة والكتاب، فأحكم الفروع بأصولها في كل باب، ونصلّي على أفضل من أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله الطاهرين الأطياب، سيّما المخصوص بالأخوة سيّد أولي الألباب.

ربّنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول وآل الرسول، فاغفر لنا ذنوبنا، وقنا سوء الحساب، واللعنة على أعدائهم من اليوم إلى يوم الحساب.

وبعد: فالعلم على تشعّب شؤونه، وتفنّن غصونه، مفتقر إلى علم الأصول افتقار الرعية إلى السلطان، ونافذ حكمه عليها بالوجدان، ولا سيّما العلوم الدينية، وخصوصا الأحكام الشرعية، فلولا الأصول لم تقع في علم الفقه على محصول.

فيه استقرّت قواعد الدين، وبه صار الفقه كشجرة طيّبة تؤتي أُكلها كل حين، فلذا بادر علماء الأمصار، وفضلاء الأعصار - في كل دور من الأدوار - إلى تمهيد قواعده، وتقييد شوارده، وتبيين ضوابطه، وتوضيح روابطه، وتهذيب أُصوله، وإحكام قوانينه، وترتيب فصوله.

لكنّه لما فيه من محاسن النكت والفِقر، ولطائف معان تدق دونها الفكر، جلَّ عن أن يكون شرعة لكل وارد، أو أن يطلع على حقائقه إلّا واحد

٣

بعد واحد، فنهض به من أُولي البصائر كابر بعد كابر، فللّه دَرّهم من عصابة تلقّوا وأذعنوا، وبرعوا فأتقنوا، وأجادوا فجادوا، وصنفوا وأفادوا، أثابهم الله برضوانه وبوّأهم بحبوحات جنانه.

حتى انتهى الأمر إلى أوحد علماء العصر، قطب فلك الفقاهة والاجتهاد، ومركز دائرة البحث والانتقاد، الطود الشامخ، والعلم الراسخ، محيي الشريعة وحامي الشيعة، النحرير الأوّاه، والمجاهد في سبيل الله، خاتم الفقهاء والمجتهدين، وحجّة الإِسلام والمسلمين، الوفي الصفي، مولانا الآخوند (ملّا محمد كاظم الهروي الطوسي النجفي) مدّ الله أطناب ظلاله على رؤوس الأنام، وعمر بوجوده دوارس شرع الإِسلام، فقد فاز - دام ظلّه - منه بالقدح المعلى وجلّ عن قول أين وأنّى، وجرى بفكر صائب تقف دونه الأفكار، ونظر ثاقب يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، فلذا أذعن بفضله الفحول، وتلقوه بأنعم القبول. وأظهر صحفاً هي المنتهى في التبيان، ذوات نكت لم يطمثهنّ قبله إنس ولا جان، ويغنيك العيان عن البيان، والوجدان عن البرهان.

فما قدمته لك إحدى مقالاته الشافية، ورسائله الكافية، فقد أخذت بجزأيها على شطري الأصول الأصلية، من مباحث الألفاظ والأدلة العقلية، وأغنت بالاشارة عن المطولات، فهي النهاية والمحصول، فحريٌّ بأن يسمى ب‍ (كفاية الأصول)، فأين من يعرف قدرها، ولا يرخص مهرها، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.

قال أدام الله ظلّه [بعد التسمية والتحميد والتصلية](١) :

____________________

(١) نقلنا هذه المقدمة من «ب».

٤

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد فقد رتّبته على مقدّمة، ومقاصد وخاتمة.

٥

٦

أمّا المقدمة ففي بيان أمور:

الأول

إنّ موضوع كل علم، وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية - أي بلا واسطة في العروض - هو نفس موضوعات مسائله عيناً، وما يتّحد معها خارجاً، وإن كان يغايرها مفهوماً، تغاير الكلّي ومصاديقه، والطبيعي وأفراده، والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتّتة، جمعها اشتراكها في الداخل في الغرض الذي لاجله دُوِّن هذا العلم، فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل، مما كان له دخل في مهمين، لأجل كل منهما دُوِّن علم على حدة، فيصير من مسائل العلمين.

لا يقال: على هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما، فيما كان هناك مهمان متلازمان في الترتّب على جملة من القضايا، لا يكاد انفكاكهما.

فإنّه يقال: مضافاً إلى بُعد ذلك، بل امتناعه عادة، لا يكاد يصحّ لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين، بل تدوين علم واحد، يبحث فيه تارة لكلا المهمّين، واخرى لاحدهما، وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل، فان حسن تدوين علمين - كانا مشتركين في مسألة، أو أزيد - في جملة مسائلهما المختلفة، لأجل مهمين، مما لا يخفى.

٧

وقد انقدح بما ذكرنا، أن تمايزَ العلوم إنما هو باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين، لا الموضوعات ولا المحمولات، وإلّا كان كل باب، بل كل مسألة من كل علم، علماً على حدة، كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمّل، فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجباً للتعدد، كما لا يكون وحدتهما سبباً لان يكون من الواحد.

ثم إنّه ربّما لا يكون لموضوع العلم - وهو الكلّي المتّحد مع موضوعات المسائل - عنوان خاص واسم مخصوص، فيصح أن يعبّر عنه بكل ما دلّ عليه، بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلاً.

وقد انقدح بذلك أن موضوع علم الاصول، هو الكلّي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتّتة، لا خصوص الأدلّة الأربعة بما هي أدلّة(١) ، بل ولا بما هي هي(٢) ، ضرورة أن البحث في غير واحد من مسائله المهمّة ليس من عوارضها، وهو واضح لو كان المراد بالسنّة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره، كما هو المصطلح فيها، لوضوح عدم البحث في كثير من مباحثها المهمّة، كعمدة مباحث التعادل والترجيح، بل ومسألة حجّية خبر الواحد، لا عنها ولا عن سائر الأدلّة، ورجوع البحث فيهما - في الحقيقة - إلى البحث عن ثبوت السنّة بخبر الواحد، في مسألة حجّية الخبر - كما اُفيد -(٣) وبأي الخبرين في باب التعارض، فإنّه أيضا بحث في الحقيقة عن حجية الخبر في هذا الحال غير مفيد فان البحث عن ثبوت الموضوع، وما هو مفاد كان التامة، ليس بحثاً عن عوارضه، فإنّها مفاد كان الناقصة.

لا يقال: هذا في الثبوت الواقعي، وأمّا الثبوت التعبدي - كما هو

____________________

(١) كما هو المشهور بين الاصوليين.

(٢) صرح به صاحب الفصول، الفصول / ٤.

(٣) افاده الشيخ (قده) في فرائد الأصول / ٦٧، في بداية مبحث حجية الخبر لواحد.

٨

المهم في هذه المباحث - فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة.

فإنّه يقال: نعم، لكنّه مما لا يعرض السنة، بل الخبر الحاكي لها، فإن الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به، وهذا من عوارضه لا عوارضها، كما لا يخفى.

وبالجملة: الثبوت الواقعي ليس من العوارض، والتعبدي وإن كان منها، إلّا أنّه ليس للسنة، بل للخبر، فتأمّل جيدّاً.

وأمّا إذا كان المراد(١) من السنة ما يعم حكايتها، فلأن البحث في تلك المباحث وإن كان عن أحوال السنة بهذا المعنى، إلا أن البحث في غير واحد من مسائلها، كمباحث الألفاظ، وجملة من غيرها، لا يخص الأدلة، بل يعمّ غيرها، وإن كان المهم معرفة أحوال خصوصها، كما لا يخفى.

ويؤيّد ذلك تعريف الأصول، بأنّه (العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية)، وإن كان الأولى تعريفه بأنه (صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل)، بناءً على أن مسألة حجية الظنّ على الحكومة، ومسائل الأصول العملية في الشبهات الحكمية من الأصول، كما هو كذلك، ضرورة أنّه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمّات.

الأمر الثاني

الوضع هو نحو اختصاص للّفظ بالمعنى، وارتباط خاص بينهما، ناش من تخصيصه به تارة، ومن كثرة استعماله فيه أخرى، وبهذا المعنى صحّ تقسيمه إلى التعييني والتعيّني، كما لا يخفى.

____________________

(١) هذا مراد صاحب الفصول، الفصول / ١٢.

٩

ثم إن الملحوظ حال الوضع: إما يكون معنى عاماً، فيوضع اللفظ له تارة، ولأفراده ومصاديقه أخرى؛ وإما يكون معنى خاصاً، لا يكاد يصحّ إلا وضع اللفظ له دون العام، فتكون الأقسام ثلاثة، وذلك لأن العام يصلح لأن يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك، فإنه من وجوهها، ومعرفة وجه الشيء معرفته بوجه، بخلاف الخاص، فإنّه بما هو خاص، لا يكون وجهاً للعام، ولا لسائر الأفراد، فلا يكون معرفته وتصوّره معرفة له، ولا لها - أصلاً - ولو بوجه.

نعم ربّما يوجب تصوّره تصوّر العام بنفسه، فيوضع له اللفظ، فيكون الوضع عاماً، كما كان الموضوع له عاماً، وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاص، فإن الموضوع له - وهي الأفراد - لا يكون متصوّراً إلا بوجهه وعنوانه، وهو العام، وفرق واضح بين تصوّر الشيء بوجهه، وتصوّره بنفسه، ولو كان بسبب تصوّر أمر آخر.

ولعلّ خفاء ذلك على بعض الأعلام(١) ، وعدم تميّزه بينهما، كان موجباً لتوهّم امكان ثبوت قسم رابع، وهو أن يكون الوضع خاصاً، مع كون الموضوع له عاماً، مع أنه واضح لمن كان له أدنى تأمّل.

ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع(٢) الخاص والموضوع له الخاص كوضع الأعلام، وكذا الوضع(٣) العام والموضوع له العام، كوضع أسماء الأجناس وأما الوضع العام والموضوع له الخاص، فقد توهّم(٤) أنّه وضع الحروف، وما ألحق بها من الأسماء، كما توهّم(٥) أيضاً ان المستعمل فيه فيها(٦)

____________________

(١) الظاهر أنّه صاحب البدائع، البدائع / ٣٩، في تقسيم الوضع إلى العام والخاص.

(٢ - ٣) في «أ و ب»: وضع.

(٤) صاحب الفصول، لفصول / ١٦، في الوضع.

(٥) الفصول / ١٦، في الوضع.

(٦) في «أ»: أن المستعمل فيها.

١٠

خاصٌ(١) مع كون الموضوع له كالوضع عامّاً.

والتحقيق - حسبما يؤدّي إليه النظر الدقيق - أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء، وذلك لأن الخصوصية المتوهمة، إن كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئياً خارجياً، فمن الواضح أن كثيراً ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك بل كلّيّاً، ولذا التجأ بعض الفحول(٢) إلى جعله جزئياً إضافياً، وهو كما ترى. وإن كانت هي الموجبة لكونه جزئياً ذهنياً، حيث أنّه لا يكاد يكون المعنى حرفياً، إلا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر، ومن خصوصياته القائمة به، ويكون حاله كحال العرض، فكما لا يكون في الخارج إلا في الموضوع، كذلك هو لا يكون في الذهن إلا في مفهوم آخر، ولذا قيل في تعريفه: بأنّه ما دلّ على معنى في غيره، فالمعنى، وإن كان لا محالة يصير جزئياً بهذا اللحاظ، بحيث يباينه إذا لوحظ ثانياً، كما لوحظ أولاً، ولو كان اللاحظ واحداً(٣) ، إلّا أن هذا اللحاظ لا يكاد مأخوذاً في المستعمل فيه، وإلا فلا بدّ من لحاظ آخر، متعلّق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ، بداهة أن تصوّر المستعمل فيه مما لا بدّ منه في استعمال الألفاظ، وهو كما ترى. مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات، لامتناع صدق الكلّي العقلي عليها، حيث لا موطن له إلّا الذهن، فامتنع امتثال مثل (سر من البصرة) إلا بالتجريد وإلغاء(٤) الخصوصية، هذا مع أنّه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف إلا كلحاظه في نفسه في الأسماء، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبراً في المستعمل فيه فيها، كذلك ذاك اللحاظ في الحروف، كما لا يخفى.

____________________

(١) في «أ و ب»: خاصاً.

(٢) المراد من بعض الفحول، إما صاحب الفصول، الفصول/١٦، وإمّا المحقق التقي، هداية المسترشدين/٣٠.

(٣) في «أ» واحد إلا أن.

(٤) في «ب»: إلقاء.

١١

وبالجملة: ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الإبتداء - مثلاً - إلا الإبتداء، فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلاً، كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيرها وآلة، وكما لا يكون لحاظه فيه موجباً لجزئيته، فليكن كذلك فيها.

إن قلت: على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى، ولزم كون مثل كلمة (من) ولفظ الإبتداء مترادفين، صحّ استعمال كل منهما في موضع الآخر، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها، وهو باطل بالضرورة، كما هو واضح.

قلت: الفرق بينهما إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع، حيث [أنّه](١) وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه، والحرف ليراد منه معناه لا كذلك، بل بما هو حالة لغيره، كما مرّت الاشارة إليه غير مرّة، فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع، يكون موجباً لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر، وإن اتفقا فيما له الوضع، وقد عرفت - بما لا مزيد عليه - أن نحو إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته.

ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والإنشاء أيضاً كذلك، فيكون الخبر موضوعاً ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه، والإنشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته، وإن اتفقا فيما استعملا فيه، فتأمّل.

ثم إنّه قد انقدح مما حققناه، أنّه يمكن أن يقال: إن المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضاً عام، وأن تشخّصه إنما نشأ من قبل طور استعمالها، حيث أن أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها، وكذا

____________________

(١) أثبتناها من «ب».

١٢

بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب به(١) المعنى، والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى، فدعوى أن المستعمل فيه في مثل (هذا) أو (هو) أو (إيّاك) إنّما هو المفرد المذكّر، وتشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة، أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه، فإن الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون إلا إلى الشخص أو معه، غير مجازفة.

فتلخّص مما حققناه: إنّ التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات، لا يوجب تشخص المستعمل فيه، سواء كان تشخصاً خارجياً - كما في مثل أسماء الإشارة - أو ذهنياً - كما في أسماء الأجناس والحروف ونحوهما - من غير فرق في ذلك أصلاً بين الحروف وأسماء الأجناس، ولعمري هذا واضح. ولذا ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصاً في الحرف عين ولا أثر، وإنّما ذهب إليه بعض من تأخّر(٢) ، ولعلّه لتوهّم كون قصده بما هو في غيره، من خصوصيات الموضوع له، أو المستعمل فيه، والغفلة من أن قصد المعنى من لفظه على أنحائه، لا يكاد يكون من شؤونه وأطواره، وإلّا فليكن قصده بما هو هو وفي نفسه كذلك، فتأمّل في المقام فإنّه دقيق، وقد زلّ(٣) فيه أقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق.

الثالث

صحّة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له، هل هو بالوضع، أو بالطبع؟ وجهان، بل قولان، أظهرهما أنّه بالطبع بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه و لو مع ترخيصه، ولا معنى لصحته إلا حسنه، والظاهر أن صحة الاستعمال

____________________

(١) في «ب»: بها.

(٢) صاحب الفصول، الفصول / ١٦.

(٣) في «ب»: ذل.

١٣

اللفظ في نوعه أو مثله من قبيله، كما يأتي الإشارة إلى تفصيله(١) .

الرابع

لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ، وإرادة نوعه به، كما إذا قيل: ضرب - مثلاً - فعل ماض، أو صنفه كما إذا قيل: (زيد) في (ضرب زيد) فاعل، إذا لم يقصد به شخص القول أو مثله ك‍ (ضرب) في المثال فيما إذا قصد.

وقد أشرنا(٢) إلى أن صحة الاطلاق كذلك وحسنه، إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك، لصحة الاطلاق كذلك فيها، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى.

وأمّا إطلاقه وإرادة شخصه، كما إذا قيل: (زيد لفظ) وأريد منه شخص نفسه، ففي صحته بدون تأويل نظر، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول، أو تركب القضية من جزء‌ين كما في الفصول(٣) .

بيان ذلك: أنّه إن اعتبر دلالته على نفسه - حينئذٍ - لزم الاتحاد، وإلا لزم تركبها من جزء‌ين، لأن القضية اللفظية - على هذا - إنما تكون حاكية عن المحمول والنسبة، لا الموضوع، فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزء‌ين، مع امتناع التركب إلا من الثلاثة، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين.

قلت: يمكن أن يقال: إنّه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتباراً، وإن اتَّحَدا ذاتاً، فمن حيث أنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالّاً، ومن حيث أن

____________________

(١) في الأمر الرابع.

(٢) أشار إليه في الأمر الثالث.

(٣) الفصول / ٢٢، عند قوله: فصل قد يطلق اللفظ..الخ.

١٤

نفسه وشخصه مراده كان مدلولاً، مع أن حديث تركب القضية من جزء‌ين - لو لا اعتبار الدلالة في البين - إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه، وإلا كان أجزاؤها الثلاثة تامة، وكان المحمول فيها منتسباً إلى شخص اللفظ ونفسه، غاية الأمر أنه نفس الموضوع، لا الحاكي عنه، فافهم، فانه لا يخلو عن دقة.

وعلى هذا، ليس من باب استعمال اللفظ بشيء، بل يمكن أن يقال: إنه ليس أيضاً من هذا الباب، ما إذا أُطلق اللفظ وأُريد به نوعه أو صنفه، فإنّه فرده ومصداقه حقيقة، لا لفظه وذاك معناه، كي يكون مستعملاً فيه استعمال اللفظ في المعنى، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى المخاطب خارجاً، قد أحضر في ذهنه بلا وساطة حاكٍ(١) ، وقد حكم عليه ابتداءً، بدون واسطة أصلاً، لا لفظه، كما لا يخفى، فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى، بل فرد قد حكم في القضية عليه - بما هو مصداق لكلي(٢) اللفظ، لا بما هو خصوص جزئيّة.

نعم فيما إذا أُريد به فرد آخر مثله، كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى، اللَّهمّ إلا أن يقال: إنّ لفظ (ضرب) وإن كان فرداً له، إلّا أنه إذا قصد به حكايته، وجعل عنواناً له ومرآته، كان لفظه المستعمل فيه، وكان - حينئذ - كما إذا قصد به فرد مثله.

وبالجملة: فإذا أُطلق وأُريد به نوعه، كما إذا أُريد به فرد مثله، كان من باب استعمال اللفظ في المعنى، وإن كان فرداً منه، وقد حكم في القضية بما يعمه، وإن أُطلق ليحكم عليه بما هو فرد كليّه ومصداقه، لا بما هو لفظه وبه حكايته، فليس من هذا الباب، لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهراً

____________________

(١) في «أ و ب»: حاكي.

(٢) في «أ»: لكليه.

١٥

ليست كذلك، كما لا يخفى، وفيها ما لا يكاد يصح أن يراد منه ذلك، مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعمّ شخص اللفظ، كما في مثل: (ضرب فعل ماض).

الخامس

لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي، لا من حيث هي مرادة للافظها، لما عرفت بما لا مزيد عليه، من أن قصد المعنى على أنحائه من مقومات الاستعمال، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه.

هذا مضافاً إلى ضرورة صحة الحمل والاسناد في الجمل، بلا تصرّف في ألفاظ الأطراف، مع أنّه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة، لما صح بدونه؛ بداهة أن المحمول على (زيد) في (زيد قائم) والمسند إليه في (ضرب زيد) - مثلاً - هو نفس القيام والضرب، لا بما هما مرادان، مع أنه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عامّاً والموضوع له خاصاً، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فإنه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإِرادة فيه، كما لا يخفى، وهكذا الحال في طرف الموضوع.

وأمّا ما حكي(١) عن العلمين (الشيخ الرئيس(٢) ، والمحقق

____________________

(١) راجع الشفاء، قسم المنطق في المقالة الأولى من الفن الأول، الفصل الثامن / ٤٢، عند قوله (وذلك لان معنى دلالة اللفظ، هو أن يكون اللفظ اسماً لذلك المعنى على سبيل القصد الأوّل) انتهى.

وحكى العلّامة الحلّيرحمه‌الله في الجوهر النضيد في شرح التجريد / ٤. عن أستاذه المحقق الطوسيرحمه‌الله قوله بأن اللفظ لا يدلّ بذاته على معناه بل باعتبار الإرادة والقصد.

(٢) الشيخ الرئيس أبوعلي الحسين بن عبدالله بن سينا الحكيم المشهور، أحد فلاسفة المسلمين ولد سنة ٣٧٠ ه‍ بقرية من ضياع بخارى، نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه، لم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره الّا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها، صنف كتاب «الشفاء» و «النجاة» و «الإشارات» و «القانون» وغير ذلك ممّا يقارب مائة مصنّف، =

١٦

الطوسي(١) ) من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الارادة، فليس ناظراً إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة، كما توهمه بعض الأفاضل(٢) ، بل ناظر إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية، أي دلالتها على كونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها، ويتفرع عليها تبعية مقام الإِثبات للثبوت، وتفرع الكشف على الواقع المكشوف، فإنّه لولا الثبوت في الواقع، لما كان للإثبات والكشف والدلالة مجال، ولذا لا بدّ من إحراز كون المتكلّم بصدد الإِفادة في إثبات إرادة ماهو ظاهر كلامه ودلالته على الارادة، وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة، وإن كانت له الدلالة التصورية، أي كون سماعه موجباً لإِخطار معناه الموضوع له، ولو كان من وراء الجدار، أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار.

إن قلت: على هذا، يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ، والقطع بما ليس بمراد، أو الاعتقاد بإرادة شيء، ولم يكن له من اللفظ مراد.

قلت: نعم لا يكون حينئذٍ دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة، يحسبها الجاهل دلالة، ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية - على ما بيّنّاه - واضح لا محيص عنه، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظراً إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل، فضلاً عمن هو عَلَم

____________________

= وله شعر، توفي بهمدان يوم الجمعة من شهر رمضان ٤٢٨ ه‍ ودفن بها. (وفيات الاعيان ٢ / ١٥٧ رقم ١٩٠).

(١) المحقق خواجه نصير الدّين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الحكيم الفيلسوف ولد في طوس عام ٥٩٧ ه‍ ، درس في صغره مختلف العلوم وأتقن علوم الرياضيات وكان لايزال في مطلع شبابه، سافر إلى نيشابور وقضى فيها فترة ظهر نبوغه وتفوّقه، باشر إنشاء مرصد مراغة وأسس مكتبة مراغة، حضر درس المحقق الحلّي عندما زار الفيحاء بصحبة هولاكو، كتب ما يناهز ١٨٤ مؤلفاً في فنون شتّى، توفي ٦٨٢ ه‍ ودفن في جوار الامام موسى الكاظمعليه‌السلام . (أعيان الشيعة ٩ / ٤١٤).

(٢) صاحب الفصول ١٧، السطر الأخير.

١٧

في التحقيق والتدقيق؟ !.

السادس

لا وجه لتوهّم وضع للمركبات، غير وضع المفردات، ضرورة عدم الحاجة إليه، بعد وضعها بموادها، في مثل (زيد قائم) و (ضرب عمرو بكراً) شخصياً، وبهيئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعياً، ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات، بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعياً؛ بداهة أن وضعها كذلك وافٍ بتمام المقصود منها، كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها، مع استلزامه الدلالة على المعنى: تارة بملاحظة وضع نفسها، وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها، ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك، هو وضع الهيئات على حدة، غير وضع المواد، لا وضعها بجملتها، علاوة على وضع كل منهما.

السابع

لا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ، وانسباقه إلى الذهن من نفسه - وبلا قرينة - علامة كونه حقيقة فيه؛ بداهة أنه لولا وضعه له، لما تبادر.

ولا يقال: كيف يكون علامة؟ مع توقفه على العلم بأنه موضوع له، كما هو واضح، فلو كان العلم به موقوفاً عليه لدار.

فإنه يقال: الموقوف عليه غير الموقوف عليه، فإن العلم التفصيلي - بكونه موضوعاً له - موقوف على التبادر، وهو موقوف على العلم الإِجمالي الإِرتكازي به، لا التفصيلي، فلا دور.

هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم، وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة، فالتغاير أوضح من أن يخفى.

١٨

ثم إنّ هذا فيما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ، وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة، فلا يجدي أصالة عدم القرينة في إحراز كون الاستناد إليه، لا إليها - كما قيل(١) - لعدم الدليل على اعتبارها إلا في إحراز المراد، لا الاستناد.

ثم إن(٢) عدم صحة سلب اللفظ - بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن اجمالاً كذلك - عن معنى تكون علامة كونه حقيقة فيه، كما أن صحة سلبه عنه علامة كونه مجازاً في الجملة.

والتفصيل: إن عدم صحة السلب عنه، وصحة الحمل عليه بالحمل الأولي الذاتي، الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوماً، علامة كونه نفس المعنى، وبالحمل الشائع الصناعي، الذي ملاكه الاتحاد وجوداً، بنحو من أنحاء الاتحاد، علامة كونه من مصاديقه وأفراده الحقيقية(٣) .

كما أن صحّة سلبه كذلك علامة أنّه ليس منها، وإن لم نقل بأن إطلاقه عليه من باب المجاز في الكلمة، بل من باب الحقيقة، وإن التصرف فيه في أمر عقلي، كما صار إليه السكاكي(٤) ، واستعلام حال اللفظ، وأنه حقيقة أو

____________________

(١) قوانين الأصول / ١٣.

(٢) في «أ»: إنّه كذلك عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم، المرتكز في الذهن إجمالاً عن معنى..الخ.

(٣) فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كلياً وفرداً، لا فيما إذا كانا كليين متساويين، أو غيرهما، كما لا يخفى. منهقدس‌سره .

وفي نسخة «أ» لم يظهر كونه تعليقاً بل الظاهر دخوله في المتن.

(٤) مفتاح العلوم / ١٥٦، الفصل الثالث في الاستعارة.

أبويعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي، ولد سنة ٥٥٥ ه‍ كان علامة بارعاً في فنون شتّى خصوصاً المعاني والبيان، وله كتاب «مفتاح العلوم» فيه إثنا عشر علماً من علوم العربية، وله النصيب الوافر في علم الكلام وسائر الفنون مات بخوارزم سنة ٦٢٦ ه‍. (بغية الوعاة ٢ / ٣٦٤ رقم ٢٢٠٤).

١٩

مجاز في هذا المعنى بهما، ليس على وجه دائر، لما عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه، بالإجمال والتفصيل أو الإضافة إلى المستعلم والعالم، فتأمّل جيداً.

ثم إنه قد ذُكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضاً، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات، حيث لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها، وإلّا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال، فالمجاز مطرد كالحقيقة، وزيادة قيد (من غير تأويل) أو (على وجه الحقيقة)(١) ، وإن كان موجباً لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة، إلا أنه - حينئذٍ - لا يكون علامة لها إلا على وجه دائر، ولا يتأتّى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا(٢) ، ضرورة أنّه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة، لا يبقى مجال لاستعلام(٣) حال الاستعمال بالاطراد، أو بغيره.

الثامن

انّه للّفظ أحوال خمسة، وهي: التجوّز، والاشتراك، والتخصيص، والنقل، والإضمار، لا يكاد يصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي، إلا بقرينة صارفة عنه إليه.

وأما إذا دار الأمر بينها، فالأصوليون، وإن ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوهاً، إلّا أنّها استحسانية، لا اعتبار بها، إلّا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى، لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك، كما لا يخفى.

____________________

(١) الزيادة من صاحب الفصول، الفصول / ٣٨، فصل في علامة الحقيقة والمجاز.

(٢) في «أ»: هاهنا.

(٣) في «ب»: الاستعلام.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وروى العامّة عن عليعليه‌السلام أنّه إن كان سهواً حلّت ، وإلّا فلا(١) .

ويعرف استقرار الحياة بوجود الحركة القويّة بعد قطع العنق قبل قطع المري والودجين والحلقوم ، ولو كانت ضعيفةً أو لم تتحرّك ، لم تحلّ ؛ لاجتماع فعل يدلّ على الإباحة وآخر يدلّ على التحريم ، ولأنّ الظاهر من حال الحيوان إذا قُطع رأسه من قفاه لا تبقى فيه حياة مستقرّة قبل قطع الأعضاء الأربعة.

وتكره الذباحة ليلاً في الاُضحية وغيرها ؛ لنهيهعليه‌السلام عنها(٢) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فلو ذبحها ليلاً ، أجزأه ؛ لأنّ الليل محلّ الرمي ، فكان محلّ الذبح ، كالنهار.

وقال مالك : لا تجزئه ويكون لحم شاة(٣) ؛ لقوله تعالى :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) (٤) والأيّام تُطلق على بياض النهار دون الليل.

وهو ممنوع ، فإنّ الأيّام إذا اجتمعت ، دخلت الليالي فيها ، ولهذا تدخل في الاعتكاف لو نذر ثلاثة أيّام.

مسألة ٦٤٩ : يستحب الأكل من الاُضحية‌ إجماعاً.

وقال بعضهم بوجوبه(٥) ؛ للآية(٦) ، فإنّه قرن الأكل بالإطعام.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ٩٩.

(٢) كما في المغني ١١ : ١١٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٥٧.

(٣) المدوّنة الكبرى ٢ : ٧٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٤ ، المجموع ٨ : ٣٩١ ، المغني ١١ : ١١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧.

(٤) وردت في نسختي « ق ، ك » والطبعة الحجرية الآية ٣٤ من سورة الحج ، وهي( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) وأثبتنا في المتن الآية ٢٨ من نفس السورة ؛ لأجل السياق.

(٥) المغني ١١ : ١١٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، المجموع ٨ : ٤١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٥.

(٦) الحج : ٢٨.

٣٢١

وهو غير دالّ على الوجوب كما في قوله تعالى :( كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (١) فالإيتاء واجب دون الأكل.

ويجوز أن يأكل الأكثر ، ويتصدّق بالأقلّ.

قال الشيخ : فإن أكل الجميع ، ضمن الفقراء قدر المجزئ(٢) . وبه قال الشافعي(٣) ؛ للآية(٤) .

وقال بعض الشافعية : لا يضمن ، وتكون القربة في الذبح خاصّة(٥) .

ويستحب أن يأكل الثلث ، ويتصدّق بالثلث ، ويهدي الثلث - وهو الجديد للشافعي(٦) - لقوله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٧) القانع : السائل ، والمعترّ : غير السائل.

وفي القديم : يأكل النصف ، ويتصدّق بالنصف(٨) ، لقوله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) (٩) .

____________________

(١) الأنعام : ١٤١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٣.

(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٤) الحج : ٢٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٦) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٧) الحج : ٣٦.

(٨) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٩) الحج : ٢٨.

٣٢٢

ولا ينافي الإهداء الثابت بالآية الاُخرى.

مسألة ٦٥٠ : لا يجوز بيع لحم الأضاحي‌ - وبه قال الشافعي وأكثر العامّة(١) - لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه ، واستحقّها المساكين.

وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه وشراؤه(٢) .

ويكره بيع جلودها وإعطاؤها الجزّارين ، فإن باعها ، تصدّق بثمنه.

ومنع الشافعي من بيعه(٣) ، وبه قال أبو هريرة(٤) .

وقال عطاء : لا بأس ببيع اُهب الأضاحي(٥) .

وقال الأوزاعي : يجوز بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية ، كالقِدْر والقدوم(٦) والمنخل والميزان(٧) .

لنا : ما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقوم على بُدْنه واُقسّم جلودها وجلالها ولا اعطي الجزّارين منها شيئاً »(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول معاوية بن عمّار - في الصحيح - أنّه سأل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٤٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢.

(٣) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٤) المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٥) الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٦) القدوم : التي ينحت بها. لسان العرب ١٢ : ٤٧١ « قدم ».

(٧) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧.

(٨) صحيح البخاري ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٥٤ / ١٣١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ بتفاوت يسير.

٣٢٣

الصادقَعليه‌السلام : عن الإهاب ، فقال : « تصدّق به أو تجعله مصلّى ينتفع به في البيت ولا يعطى الجزّارين »(١) .

وروى علي بن جعفر - في الصحيح - عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّى بها أن يجعلها جراباً؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جراباً إلّا أن يتصدّق بثمنها »(٢) .

ولا يجوز أن يعطى الجزّار لجزارته ، لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها ، فكانت الأجرة عليه ، ويوصل ذلك إلى الفقراء ، ولو كان الجزّار فقيراً ، جاز أن يأخذ منها شيئاً لفقره ؛ لأنّه من المستحقّين.

مسألة ٦٥١ : يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام وادّخارها‌ ، وقد نسخ بذلك النهي عنها.

روى العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث ، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدّد ونهدي إلى أهالينا(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها ، قال : كُلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا »(٤) .

ويكره أن يُخرج شيئاً ممّا يضحّيه عن منى ، بل يفرّق بها ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام - في الصحيح - : « لا يخرج منه شي‌ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٢.

(٣) الموطّأ ٢ : ٤٨٤ / ٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٦٢ / ٢٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٩١ نحوه.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٢ بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٤.

٣٢٤

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا تخرجنّ شيئاً من لحم الهدي »(١) .

ولا بأس بإخراج لحم ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه.

ويكره أن يضحّي بما يربّيه.

مسألة ٦٥٢ : إذا تعذّرت الاُضحية ، تصدّق بثمنها‌ ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدون ، وتصدّق بثلث الجميع ؛ لأنّ أبا الحسنعليه‌السلام وقّع إلى هشام المكاري : « انظروا إلى الثمن الأوّل والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه »(٢) .

وإذا اشترى شاةً تجزئ في الاُضحية بنيّة أنّها اُضحية ، قال الشيخ : تصير أضحية بذلك ، ولا يحتاج إلى قوله : إنّها أضحية ، ولا إلى نيّة مجدّدة ، ولا إلى إشعار ولا تقليد(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّه مأمور بشراء الاُضحية ، فإذا اشتراها بالنيّة ، وقعت عنها ، كالوكيل إذا اشترى لموكّله بأمره.

وقال الشافعي في الجديد : لا تصير اُضحية إلّا بقوله : قد جعلتها اُضحية ، أو : هي اُضحية ، وما أشبهه - وفي القديم : تصير اُضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد - لأنّها إزالة ملك على وجه القربة ، فلا تؤثّر فيها النيّة المقارنة للشراء ، كما لو اشترى عبداً بنيّة العتق(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإذا عيّن الاُضحية بما يصحّ به التعيين ، زال ملكه عنها.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ / ٩٧٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٨٠٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٧٤ ، المجموع ٨ : ٤٢٦ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

(٥) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٧ ، المجموع ٨ : ٤٢٣ و ٤٢٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٠ - ١٠١ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

٣٢٥

وهل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، ولا يزول ملكه عنها(١) .

وقال الشافعي : لا يجوز له إبدالها ، وقد زال ملكه عنها(٢) . وبه قال أبو يوسف وأبو ثور(٣) ، وهو ظاهر كلام الشيخ(٤) ؛ لما روي عن عليعليه‌السلام أنّه قال : « مَنْ عيّن اُضحيةً فلا يستبدل بها»(٥) .

واحتجّ أبو حنيفة : بأنّ النبيعليه‌السلام أهدى هدايا فأشرك عليّاًعليه‌السلام فيها(٦) ، وهو إنّما يكون بنقلها إليه.

ويجوز أن يكونعليه‌السلام وقت السياق نوى أنّها عنه وعن عليعليه‌السلام .

فعلى قول التعيين يزول ملكها عن المالك ، ويفسد بيعها ، ويجب ردّها مع بقائها ، وإن تلفت ، فعلى المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلى حين التلف ، وعلى البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلى حين التلف أو مثلها يوم التضحية. وكذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت ، أو ذبحها قبل وقت الاُضحية. هذا اختيار الشافعي(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٢ : ١٣ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١.

(٢) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢.

(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢.

(٤) الخلاف ٦ : ٥٥ ، المسألة ١٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩١.

(٥) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب الضحايا ، ذيل المسألة ١٦ ، والماوردي في الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤.

(٧) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨١ ، المجموع ٨ : ٣٧١ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠.

٣٢٦

وقال الشيخرحمه‌الله : قيمتها يوم التلف(١) . وبه قال أبو حنيفة(٢) ، لأنّه أتلف الأضحية ، فلزمه قيمتها ، كالأجنبي.

واحتجّ الشافعي : بأنّها اُضحية مضمونة عليه لحقّ الله تعالى وحقّ المساكين ، لوجوب نحرها وتفرقة لحمها ، ولا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك ، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين ، وجب شراء أضحية لعشرين ليوفي حقّ الله تعالى وهو نحرها ، بخلاف الأجنبي ، فإنّه لا يلزمه حقّ الله تعالى فيها. وفيه قوّة.

فإن أمكنه أن يشتري بها أضحيتين ، كان عليه إخراجهما معا.

ولو فضل جزء حيوان يجزئ في الأضحية - كالسّبع - فعليه شراؤه ، لإمكان صرفه في الأضحية ، فلزمه ، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعا. ولو تصدّق بالفاضل ، جاز ، لكنّ الأوّل أفضل. ولو قصر الفاضل عن السّبع ، تصدّق به.

ولو كان المتلف أجنبيّا ، فعليه القيمة يوم الإتلاف ، فإن أمكن أن يشتري بها أضحية أو أكثر ، فعلى ما تقدّم ، وإلاّ جاز شراء جزء حيوان الأضحية ، فإن قصر ، تصدّق به ، ولا شي‌ء على المضحّي ، لأنه غير مفرّط.

ولو تلفت الاُضحية في يده أو سُرقت من غير تفريط ، لم يضمن ، وقد سأل معاويةُ بن عمّار الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل اشترى اُضحية فماتت أو سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء »(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩١.

(٢) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، المجموع ٨ : ٣٧١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٧٣٣.

٣٢٧

والفرق بينه وبين منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه ، فإنّه ظاهر لا يضمنه ؛ لأنّ الحقّ في الاُضحية للفقراء وهم باقون بعد تلفها ، والحقّ في عتق العبد له ، فإذا تلف ، لم يبق مستحقّ لذلك ، فسقط الضمان ، فافترقا.

ولو اشترى شاةً وعيّنها للاُضحية ثم وجد بها عيباً ، لم يكن له ردّها ؛ لزوال ملكه عنها ، ويرجع بالأرش ، فيصرفه في المساكين ، ولو أمكنه أن يشتري به حيواناً أو جزءاً منه مجزئاً في الاُضحية ، كان أولى.

مسألة ٦٥٣ : إذا عيّن اُضحيّةً ، ذبح معها ولدها‌ ، سواء كان حملاً حال التعيين أو حدث بعد ذلك ؛ لأنّ التعيين معنى يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد ، كالعتق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) ، لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام لـمّا رأى رجلاً يسوق بدنةً معها ولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فاحلبها ما لا يضرّ بولدها »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٨٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

٣٢٨

وقال أبو حنيفة : لا يحلبها ، ويرشّ على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن ؛ لأنّ اللبن متولّد من الاُضحية ، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به ، كالولد(١) .

والفرق : إمكان حمل الولد إلى محلّه ، بخلاف اللبن.

والأفضل أن يتصدّق به.

ويجوز له ركوب الأضحية ؛ لقوله تعالى :( لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٢) .

مسألة ٦٥٤ : إذا أوجب اُضحيةً بعينها وهي سليمة فعابت عيباً يمنع الإجزاء من غير تفريط ، لم يجب إبدالها‌ ، وأجزأه ذبحها ، وكذا حكم الهدايا ؛ لأصالة براءة الذمّة. ولأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها.

وقال أبو حنيفة : لا تجزئه(٣) .

ولو كانت واجبة عليه على التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح ، أجزأه أيضاً ، وبه قال أبو حنيفة استحسانا(٤) .

وقال الشافعي : لا يجزئه(٥) .

أمّا لو نذر اُضحيةً مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب ، فإن عيّنها في شاة بعينها ، تعيّنت ، فإن عابت قبل أن ينحرها عيباً يمنع الإجزاء - كالعور - لم تجزئه عن التي في ذمّته ، وعليه إخراج ما في ذمّته سليماً من العيوب.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥.

(٢) الحجّ : ٣٣.

(٣) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٠.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٢ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤.

(٥) المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤.

٣٢٩

ولو عيّن اُضحيةً ابتداءً وبها ما يمنع من الاُضحية الشرعية - كالعور - أخرجها على عيبها ، لزوال ملكه عنها بالنذر ولم تكن اُضحيةً ، بل صدقة واجبة ، فيجب ذبحها ، ويتصدّق بلحمها ، ويثاب على الصدقة لا على الاُضحية.

ولو عيّنها معيبةً ثم زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف ، فإنّها لا تقع موقع الاُضحية ؛ لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الاُضحية ، فزال ملكه عنها ، وانقطع تصرّفه حال كونها غير اُضحية ، فلا تجزئ ؛ لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب ، لزوال الملك به ، ولهذا لو عابت بعد التعيين ، لم يضرّه ذلك ، وأجزأ عنه. وكذا لو كانت معيبةً فزال عيبها ، لم تجزئه.

مسألة ٦٥٥ : لو ضلّت الاُضحية المعيّنة من غير تفريط ، لم يضمن ؛ لأنّها أمانة ، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق ، ذبحها ، وكانت أداءً ، وبعد فواتها يذبحها قضاءً ، قاله الشيخ(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يذبحها بل يسلّمها إلى الفقراء ، فإن ذبحها ، فرّق لحمها ، وعليه أرش النقصان بالذبح(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، ولهذا لا يكفي شراء اللحم ، فلا يسقط بفوات وقته ، كتفرقة اللحم ، وذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها ، فإنّه يفرّقها بعد ذلك.

احتجّ : بأنّ الذبح موقّت ، فسقط بفوات وقته ، كالرمي والوقوف(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٩٢ ، وانظر : الخلاف ٦ : ٥٩ ، المسألة ٢٠.

(٢) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٠ - ١١١ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٧.

(٣) المغني ١١ : ١١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١١.

(٤) اُنظر : المغني ١١ : ١١٦.

٣٣٠

والفرق : أنّ الاُضحية لا تسقط بفوات الوقت ، بخلاف الرمي والوقوف.

ولو أوجب اُضحيةً في عام فأخّرها إلى قابل ، كان عاصياً ، وأخرجها قضاءً.

ولو ذبح اُضحية غيره ، المعيّنة ، أجزأت عن صاحبها ، وضمن الأرش - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، فإذا فَعَله شخصٌ بغير إذن المضحّي ، ضمن ، كتفرقة اللحم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه شي‌ء ؛ لأنّ الاُضحية أجزأت عنه ووقعت موقعها ، فلم يجب على الذابح ضمان الذبح ، كما لو أذن له(٢) .

والفرق : أنّ مع عدم الإذن يعصي فيضمن.

وقال مالك : لا تقع موقعها ، وتكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها ، ويكون له أرشها ؛ لأنّ الذبح عبادة ، فإذا فَعَلها غيرُه بغير إذنه ، لم تصح ، كالزكاة(٣) .

ونمنع احتياجها إلى نيّة كإزالة النجاسة ، بخلاف الزكاة ، ولأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلّا بإخراج المالك ، بخلاف المعيّنة.

وإذا أخذ الأرش ، صَرَفَه إلى الفقراء ؛ لأنّه وجب لنقص في الاُضحية المتعيّنة لهم ، ويتخيّر بين الصدقة به وشراء حيوان أو جزء للاُضحية.

مسألة ٦٥٦ : تجزئ الاُضحية عن سبعة ، وكذا الهدي المتطوّع به ، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم ، وسواء كانوا أهل بيت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٢ - ٤٨٣ ، المغني ١١ : ١١٨.

(٢) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢.

(٣) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ - ١١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٧.

٣٣١

واحد أو لم يكونوا ، وبه قال الشافعي ومالك ، إلّا أنّ مالكاً اشترط كونهم أهل بيت واحد(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين(٢) . وقد سلف(٣) .

والعبد القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتب المشروط لا يملكون شيئاً ، فإن ملّكهم مولاهم شيئاً ، ففي ثبوت ذلك قولان : الأقوى : العدم ، فلا تجوز لهم اُضحية.

وعلى قول ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا ، ولو ضحّوا من غير إذن سيّدهم ، لم يجز.

ولو انعتق بعضه وملك بجزء الحُرّيّة اُضحية ، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣ ، المغني ١١ : ١١٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٤ ، المغني ١١ : ١١٩ - ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣.

(٣) تقدّم في ص ٢٨٢ ، المسألة ٦١٩.

٣٣٢

٣٣٣

الفصل السادس

في الحلق والتقصير‌

مسألة ٦٥٧ : إذا ذبح الحاجّ هديه ، وجب عليه الحلق أو التقصير بمنى يوم النحر‌ ، عند علمائنا ، وهو نسك عندنا - وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٢) ولو لم يكن نسكاً ، لم يصفهم الله تعالى به ، كالطيب واللُّبْس.

ولما رواه العامّة عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصّروا )(٣) والأمر للوجوب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك »(٤) والأمر للوجوب أو للقدر الدالّ على استحقاق الثواب ، فيكون عبادةً لا مباحاً صرفاً.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله داوم عليه هو وأصحابه وفعلوه في حجّهم وعمرتهم ، ولو لم يكن نسكاً لم يداوموا عليه ولا خلوا به في أكثر الأوقات‌

____________________

(١) المنتقى - للباجي - ٣ : ٣١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

(٢) الفتح : ٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٨.

٣٣٤

ولم يفعلوه إلّا نادراً ، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه ، ولا فيه فضل فيفعلوه.

وقال الشافعي وأحمد [ في الرواية الاُخرى ](١) : أنّه إطلاق محظور لا نسك ؛ لقولهعليه‌السلام لمـّا سعى بين الصفا والمروة : ( مَنْ كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة )(٢) وأمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق والتقصير(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ المعنى : فليحلّ بالتقصير أو الحلق.

مسألة ٦٥٨ : يتخيّر الحاجّ بين الحلق والتقصير أيّهما فَعَل أجزأه ، عند أكثر علمائنا(٤) - وبه قال أبو حنيفة(٥) - لقوله تعالى :( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٦) والجمع غير مراد ، فيتعيّن التخيير.

وما رواه العامّة من أنّه كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ قصّر ولم ينكرعليه‌السلام عليه(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية : اللّهم اغفر للمحلّقين ، مرّتين ، قيل : وللمقصّرين‌

____________________

(١) أضفناها لأجل السياق.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ - ١٠٢٤ / ٣٠٧٤.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧.

(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ١٤١ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢.

(٥) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤.

(٦) الفتح : ٢٧.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ١٣٠١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣.

٣٣٥

يا رسول الله؟ قال : وللمقصّرين »(١) .

وقال الشيخان رحمهما الله : إن كان الحاجّ صرورة ، وجب الحلق ، وكذا مَنْ لبّد شعره في الإحرام وإن لم يكن صرورةً(٢) . وبه قال الحسن البصري ومالك والشافعي والنخعي وأحمد وإسحاق(٣) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ لبّد فليحلق )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام »(٥) .

وهو محمول على الندب.

وقال ابن عباس : من لبّد أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو على ما نوى ، يعني أنّه إن نوى الحلق فليحلق ، وإلّا فلا يلزمه(٦) .

وتلبيد الشعر في الإحرام : أن يأخذ عسلاً أو صمغاً ، ويجعله في رأسه لئلّا يقمل أو يتّسخ.

إذا عرفت هذا ، فالحلق أفضل إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( رحم الله المحلّقين ) ثلاثاً ، ثم قال : ( والمقصّرين ) مرّةً(٧) . وزيادة الترحّم تدلّ على الأولويّة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨٢٢.

(٢) المقنعة : ٦٦ ، النهاية : ٢٦٢ - ٢٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٣٤ ، المجموع ٨ : ٢٠٦ و ٢١٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ ، الكامل - لابن عدي - ٥ : ١٨٧٠.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٣ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨١٩.

(٦) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤.

٣٣٦

والحلق للملبّد والصرورة آكد فضلاً من غيرهما.

والمرأة لا حلق عليها ، ويجزئها من التقصير قدر الأنملة ؛ لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، قال : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تحلق المرأة رأسها »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها(٢) مقدار الأنملة»(٣) .

ويجزئ من التقصير ما يقع عليه اسمه ؛ لأصالة براءة الذمة ، وسواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه.

مسألة ٦٥٩ : يجب في الحلق والتقصير : النيّة ؛ لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور.

ويستحب لمن يحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا بالحلاّق ، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسم بين مَنْ يليه الشعرة والشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه ، ثم قال : ( هاهنا أبو طلحة؟ ) فدفعه إلى أبي طلحة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : عن الباقرعليه‌السلام - في الصحيح - : أنّه أمر الحلّاق أن يدع الموسى على قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق وسمّى هو وقال : « اللّهم أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة »(٥) .

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٥٧ / ٩١٤ ، سنن النسائي ٨ : ١٣٠.

(٢) في المصدر : لعمرتها.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٤.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٦.

٣٣٧

مسألة ٦٦٠ : مَنْ لا شعر على رأسه لا حلق عليه إجماعاً ، بل يمرّ الموسى على رأسه إجماعاً.

ولأنّ رجلاً من خراسان قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له الصادقعليه‌السلام ، فأمر أن يلبّى عنه ويمرّ الموسى على رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه(١) .

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : إنّ هذا الإمرار واجب ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )(٢) وهذا لو كان له شعر ، لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل(٣) .

وقول الصادقعليه‌السلام يدلّ عليه ، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب.

وقال أكثر العامّة : إنّه للاستحباب ؛ لأنّ محلّ الحلق الشعر ، فيسقط بفوات محلّه(٤) .

مسألة ٦٦١ : لو ترك الحلق والتقصير معاً حتى زار البيت ، فإن كان عامداً ، وجب عليه دم شاة ، وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، وعليه إعادة الطواف والسعي ؛ لأنّه نسك أخّره عمداً عن محلّه ، فلزمه الدم.

ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقرعليه‌السلام : في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٨١ / ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥٠٨.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٢١٢.

(٤) المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٩.

٣٣٨

وسأل محمّدُ بن حمران الصادقعليه‌السلام : عن رجل زار البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً »(١) .

وسأل علي بن يقطين - في الصحيح - الكاظمَعليه‌السلام : عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتى زارت البيت وطافت وسعت من الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : « لا بأس يقصّر ويطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شي‌ء »(٢) .

مسألة ٦٦٢ : لو رحل من منى قبل الحلق ، رجع وحلق بها أو قصّر‌ واجباً مع الاختيار ، ولو لم يتمكّن من الرجوع ، حلق مكانه ، وردّ شعره إلى منى ليدفن هناك ، ولو لم يتمكّن ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه قد ترك نسكاً واجباً ، فيجب عليه الإتيان به وتداركه مع المكنة.

وسأل الحلبي - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : « يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً »(٣) .

[ وعن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : « فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصّر ، ](٤) وعلى الصرورة أن يحلق »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١١.

(٤) حيث إنّ قولهعليه‌السلام الآتي : « وعلى الصرورة أن يحلق » ليس من تتمّة رواية الحلبي ، السابقة ، وإنّما من تتمّة رواية أبي بصير ، فلذلك أثبتنا صدرها في المتن من التهذيب والاستبصار.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١٢.

٣٣٩

وقال الصادقعليه‌السلام في رجل زار ولم يحلق رأسه ، قال : « يحلقه بمكّة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا حلق رأسه بمنى ، استحبّ له أن يدفن شعره بها ، لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « كان علي بن الحسينعليهما‌السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : كانوا يستحبّون ذلك » ، قال : وكان الصادقعليه‌السلام يكره أن يخرج الشعر من منى ويقول : « مَنْ أخرجه فعليه أن يردّه »(٢) .

مسألة ٦٦٣ : يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

قال ابن المنذر : ثبت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حلق رأسه قلّم أظفاره(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك »(٤) .

ووقت الحلق يوم النحر إجماعاً ، فلا يجوز قبله.

قال الله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٥) .

ويجب أن يؤخّره عن الذبح والرمي ، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجباً ، عند أكثر علمائنا(٦) - وبه قال مالك والشافعي في أحد القولين ، وأبو حنيفة وأحمد(٧) - لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٤.

(٣) المغني ٣ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦ ، المجموع ٨ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ - ٨٠٨.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ١٨٠ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢.

(٧) اُنظر حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، والمجموع ٨ : ٢٠٧ ، وفتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، والمغني ٣ : ٤٧٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٧٠.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521