الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج27%

الأسرة وقضايا الزواج مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 210

الأسرة وقضايا الزواج
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67125 / تحميل: 7500
الحجم الحجم الحجم
الأسرة وقضايا الزواج

الأسرة وقضايا الزواج

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية ، فإنّ له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية ، لأنّه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة ، والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً.

إنّ الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ، ولكن مع تحمّل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجيمع.

٤ - الشعور بالنقص:

قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يَجْنح الإنسان للسير في خُيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة.

ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية - وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس - إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين.وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة.

أمّا أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي ، فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم.

تقييم الذات:

القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ، ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور.

وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما

٦١

ولكل منهما ؛ والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان.ولا مجال هنا لأي محاولة ، أو سعي ، لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية.

إنّ حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودّة التي تربط الطرفين بوشائج متينة ، حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد.وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً.

ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه - مهما بلغ من العلو - في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر ؛ الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك.

ضرورة التغيير:

إنّ مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن ، بروح المحبة.ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما.ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل.

أيَّة لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصَغَار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأيَّ مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.

نعم ، إنّ الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعيَ مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء

إنّ أدبياتنا كمسلمين ، تدعونا - ومن أجل إسعاد الآخرين - إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة.

٦٢

طريق الحياة المشتركة:

أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ، ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش.وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً - هو الآخر - لا غبار عليه.ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنّه المعشوق الوحيد في هذا العالم.

على أنّ هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر ، بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام.ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها.

لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها ، فضلاً عن استقصائها ، ولا يليق بالإنسان - كإنسان - أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته.

اجتناب المعاملة الفظّة:

وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الأُلفة والمحبة بينهما ، وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق - مثلاً - أو الرؤية ، بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة ، التي تتناقض مع الحب والمودّة ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش.

إنّ الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإنّ طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح.وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر ، فإنّ هذا يستدعي الشكر لله والثناء عليه ، لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته.

٦٣

الفصل السادس

تعيين الحدود

الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل الحرية ، هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتُقَدِّم - من أجل تحقيقها - الغالي والنفيس.

للحرية جذورها في أعماق الإنسان ، بل وحتى الحيوان.فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوّة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر ، والعودة إلى دنيا الحرية.وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً.

أمّا الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود.

الحياة العائلية والحدود:

لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها.وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإنّ حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام - إذا صح

٦٤

التعبير - ؛ ذلك لأنّ الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلاّ أنّها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير.

فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه ، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار ( الآخرين ) في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة.

وإذن ، فإنّ هناك حدّاً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة ، والحياة المشتركة.وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع ؛ باعتبار أنّ الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية ، وقد يشعر بالغضب عندما يرى أنّ حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب ؛ يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ، ريثما تتوفر الأرضية المناسبة.وفي غير هذه الصورة ، سوف يَجْنَح الرجل إلى الاستبداد في رأيه ، وربّما النزاع.

وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً ، بأنّ زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأنّ الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات.

على هامش الحدود:

من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود ، يمكن إدراج ما يلي:

١ - تنظيم الحضور:

وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك.ولذا ، فإنّ على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده ، بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أنّ المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت.

ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك ، دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة.وخلاصة المسألة أنّه ينبغي على الزوجين

٦٥

تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار.وفي المقابل ، إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته، فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع.

٢ - المعاشرة:

المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة ، وأسسها ، وما يتعلق بها.غير أنّنا نجد - ومع الأسف - ممارسات قمعية لدى أحدهما ، تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة.

فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما ، تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يودُّ أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنّه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد.

٣ - التقيد في الإجراءات:

قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب - مثلاً - لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات ممّا يؤدي إلى النزاع والمواجهة.

قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربّما تعرّض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا.

إنّ التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصِدامي ، ينبغي على الزوجين أن يفكّرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات.

٤ - في الميزانية:

ربّما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق ، وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك.إنّ الكرم والسخاء في حياة

٦٦

الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحدّ المعقول في ذلك.

إنّ البُخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة.إنّنا - ومع الأسف - نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنّهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ، ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.

٥ - الطمأنينة وراحة البال:

نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً: نجد زوجاً يقضي جلَّ نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ، ثمّ يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق.

أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر ، تدير شؤون بيتها ، وترعى صغارها ، وتغسل الثياب ، وتطهو الطعام ، وعندما يحلّ المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها: لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تكْوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً ، أو لم تجد الوقت الكافي لكي تكوي له ثيابه - مثلاً -.إنّ محاولات كهذه ، وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة ، إلاّ أنّها تهدد الكيان الأسري بالخطر.

٦ - طرح الأسئلة:

تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها

٦٧

أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل ، حتى يتحوّل الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنّها تشعر بالمرارة لذلك.وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار.

وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية ، وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن ، حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن.ولذا ، فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة ؛ لأنّ صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإنّ صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر.

الأسباب:

ومحاولةً للإشارة إلى بواعث تلك القيود ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الجهل:

قد تتصور المرأة أنّ عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به.وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أنّ زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأنّ المنزل مجرّد مكان للاستراحة والاسترخاء.ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ، ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر.

٢ - سوء الظن:

قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن ، الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي.ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أنّ من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ، ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام.وإذن ، ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد

٦٨

الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك ؛ وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري.

٣ - إيحاءات الآخرين:

ربّما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة ، انطلاقاً من نوايا مغرضة ، وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد - ومع الأسف - بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أُسر تعيش في حالة من الصفاء والمودّة ، وممّا يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات ، ممّا يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع

وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة ، وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات.

٤ - النرجسية:

وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، انطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أنّ بعضهم إنّما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين.

٥ - غياب الحب:

وأخيراً يقف غيابُ الحبِّ كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة، أو بإهانة مقصودة ، أو بفرض بعض الحدود ؛ لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار.

ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته ، أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنّما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب

٦٩

الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل ، من قبيل: الحرية ، والأنانية ، والتكبر ، والإعجاب بالنفس ؛ لكي يتسنّى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام.

ضرورة استمرار الحياة الزوجية:

ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممّن يهدفون - ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم - إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ، ولا يمكن التنبؤ به أبداً.

وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون - ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة - انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أنّ العنف لا يمكن أن يولّد الحب الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي.

إنّ الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب ، وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه.

٧٠

الفصل السابع

تحمّل الآخر

من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الأُلفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكنّنا - ومع الأسف الشديد - نجد البعض - وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة - يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمّل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه ، ممّا يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر.

وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمّل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض ، انطلاقاً من أنّ معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء ، إلى حدٍّ ما.

صور متعددة:

تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إنّ لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلاّ الطاعة والتسليم.

فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية ، لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء ، وبسبب أي شيء لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني ؟ ولماذا الطعام الفلاني غير

٧١

جاهز ؟ لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أنّ الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأنّ تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل ، تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء.

وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء ، يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين ، أو أمر معين ، أو نهي محدد.فإنّ كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً ، وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه.

إنّ مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء.

سوء الخلق:

إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول: بأنّها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس ، وتحوِّله إلى هشيم تذروه الرياح.

لقد أثبتت الدراسات أنّ سوء الخلق ، والإساءة في التعامل ، وعدم التحمل ، يؤدي إلى الشيخوخة.حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً ، أنّ أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنّما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمّل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أنّ الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.

إن الأجواء المتشنجة والمتوترة ، التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة ، تعرِّض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضّة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.

٧٢

البواعث:

للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - غياب التفاهم:

إنّ غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أنّ التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك.وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف.وممّا يبعث على الأسف أنّ الزوجين - وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة - قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.

٢ - الفوضى في الحياة:

هناك الكثير من الأفراد ممّن يهتمون بالنظام إلى حدٍّ يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.

وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل - مثلاً - إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه.ربّما يعتبر البعض أنّ الأمر ليس بهذه الخطورة ، ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك.إنّ ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تُحمد عقباه.

٣ - الإجهاد في العمل:

ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب.وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أنّ العمل المتواصل، والإرهاق ، قد أضعف

٧٣

أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ، ودون رحمة ، ودون سبب وجيه ولو في الظاهر.

وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء ، من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً ، يجعلهن في النهاية جنائز - إذا صح التعبير - حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.

إنّنا نوصي الأزواج - نساء ورجالاً - في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.

٤ - الاضطراب الفكري:

قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني ، وتعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.

إنّ هذه المشاكل ، وما يتبعها من وسوسة فكرية ، تجعلهم سريعي الإثارة ، قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنّهم ينفجرون لأقلّ اصطدام ، ممّا يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.

٥ - عوامل خارجية:

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً: يعمل الزوج في مكان ما ، ثمّ يحصل له نزاع مع زملائه في العمل ممّا يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته، لسبب أو لغير سبب.أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفَّهة ، فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة ، التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكّي والبكاء.

ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات ، عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.

٧٤

٦ - عدم التحمّل:

قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها.قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنّه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفّي عنّي ؟! دعيني وشأني.

وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً ، مثلاً: ينتظر الزوج طعاماً ، ولكنّ الزوجة ، ومن أجل إعداد طعام لذيذ ، تتأخر قليلاً.عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها.وربّما يكون المرض علّة وراء عدم التحمّل أيضاً ، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفّر أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ، ثمّ سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.

٧ - انعدام التوازن النفسي:

نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي ، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً ، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصَغار والذلّة ، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم ، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك ، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب ، فيصبّون غضبهم على هذا وذاك ، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة ، حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم ، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.

ولا شك أنّ ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج ، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ أولئك لا يدركون أنّهم يعانون من حالة مرضية ، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.

٨ - غياب المداراة:

وأخيراً: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة.

٧٥

الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب ، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمّل.

يقوم بعض الأزواج - ومع الأسف ، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه - بمصارحة زوجه بعيوبه ، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات ، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للانتقام في المستقبل.

أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل ، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً ، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ، ويؤدي إلى أطيب النتائج.وفي كل ما ورد من أسباب يتحمّل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء ، قد يتحمّل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع ، وقد تتحمّل المرأة المسؤولية كاملة ، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد.

وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية.

ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقّل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة.

ضرورة ضبط النفس:

من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء ؛ إنّ المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة.ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة

٧٦

التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء.إنّنا إذ نخاطب الرجل في ذلك ؛ لِعِلمنا جميعاً بأنّه أقل عاطفية من المرأة. وقد ورد في الروايات أنّ من يتحمّل أذى زوجته ولا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين.

إنّ التحمّل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة.

السعي الدائم للتفاهم:

من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة.

إنّ الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنّها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر ، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما.

فقد تكون زوجتك عصبية المزاح - مثلاً - وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما، هذا إذا قررت العيش معها.فالإرادة دائماً - وكما يقول المثل - تصنع الوسيلة.

إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً.

التأثير الأخلاقي:

من الجدير بالذكر أنّ الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير ، سواء كانت حسنة أم سيئة ؛ إنّ نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك ، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها ، وينعكس على تصرفها ،

٧٧

وبالعكس ؛ ذلك أنّ النفس الإنسانية تبدو ، في بعض الأحيان ، وكأنّها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة.فإذا بدت زوجتك عنيفة حادّة الطبع عصبية المزاج ، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء.

إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خِلدها وما يعتمل في قلبها ، ولا شك أنّ إدراك ذلك سيساهم في حل المشكلة ، أو التخفيف من حدتها على الأقل.

٧٨

الفصل الثامن

الأهداف المادية

الزواج رباط إلهي مقدس ، والحياة الأسرية حياة سامية.ولذا ، فإنّ تشكيل الأسرة ينبغي أن ينهض على أسس رفيعة ومن أجل أهداف عالية ، لكي يمكن لها الديمومة والاستمرار والثبات.

إن ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك ما أيّدته التجارب والمشاهدات اليومية ، لَيؤكد بأنّ الزواج الذي يقوم على أساس الجمال أو الثراء هو زواج لا بدّ وأن ينتهي إلى الإخفاق والفشل ، ذلك أنّ هذه الأهداف قصيرة المدى ضعيفة الأساس ، خاوية المعنى ، وهي سرعان ما تنهار ، وبالتالي ينهار البناء برمّته.

إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل والمتبادل لكرامة الإنسان وإنسانيته ، وهو أمر - ومع بالغ الأسف - قد قوضّته إلى حد ما المدنية الحديثة.

وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد أزواجاً أو زوجات ، ومن أجل مظاهر الحياة الدنيا - يحوّلون بيوتهم ، التي ينبغي أن تكون أعشاشاً دافئة ، إلى ميادين للحرب والصراع ، حيث يكون همّ كلّ منهما قهر صاحبه.

تأمين الميزانية:

لا ريب في أنّ الحياة الأسرية تحتاج ، ومن أجل تسيير شؤونها اليومية إلى ميزانية يمكنها تغطية الحاجات الأساسية ، وغير الأساسية ، بشكل متوازن.إن النظام الإسلامي يجعل هذه المسألة من مهمّات الرجل التي لا تقبل

٧٩

نقاشاً ، حتى لو بلغت المرأة من الثراء حداً يمكنها القيام بذلك.ولذا ، فليس من حق الرجل أن يمدّ عينيه إلى ثروة زوجته ، أو يقرر له حقاً فيها ، أو يأمرها بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة.

وفي مقابل هذا يوصي الإسلام المرأة أن تتكيف مع المستوى المعاشي لزوجها ، وأن تنتهج منهجاً معتدلاً في الإنفاق بما يتوافق مع إمكانات الرجل ، وأن لا تفعل ما من شأنه أن يدفع بالزوج إلى مضاعفة عمله والإجهاد من أجل تغطيه نفقات البيت ، أو يدفعه - لا سمح الله - إلى ارتكاب الحرام من أجل ذلك.وهذه المسألة نراها واضحة جلية في حياة الأزواج من الشباب ، فمن أجل إثبات حبهم يتمسكون بهذا الجانب دون رعاية لوضعهم الاقتصادي.

وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات ذات الصبغة المادية ، والتي غالباً ما تؤدي إلى شلّ الحياة المشتركة أوالتفكير بالانفصال ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الوعود الكاذبة:

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنذ بعض الزيجات تنهض على أساس خاطىء حيث يكون الهدف - مثلاً - كسب الثراء والتمتع بأملاك الطرف الآخر.

ومن أجل هذا يقوم البعض بدور الثري ويحاول من خلال ذلك النفوذ إلى قلب الفتاة وأهلها ، وبالتالي موافقتهم على الزواج على أساس بعض الوعود ، ثمّ سرعان ما تظهر الحقيقة كاملة ولكن بعد فوات الأوان وحينها ينشب النزاع.

وقد يحصل ذلك حتى بعد الزواج حيث تشترط الزوجة ذلك ، فيقوم الزوج ، ومن أجل إثبات حبه لها ، بإطلاق الوعود الذهبية التي لا تجد لها في أرض الواقع مكاناً مما يؤدي بالزوجين إلى النزاع.

٢ - الكماليات:

من أسباب النزاع في الحياة الزوجية ، بل وحتى الوقوع في الحرام

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فاطمةعليها‌السلام وحديث الكساء الشريف

للسيد محمد مهدي القزويني الحلي

روت لنا فاطمة خير النسا

حديث أهل الفضل أصحاب الكسا

تقول : أن سيد الانام

قد جاءني يوما من الايام

فقال لي : اني أرى في بدني

ضعفا اراه اليوم قد أنحلني

قومي عليّ بالكسا اليماني

وفيه غطيني بلا تواني

قالت فجئته وقد لبيته

مشرعة وبالكساء غطيته

وكنت أرنو وجهه كالبدر

في أربع بعد ليال عشر

فما مضى إلاّ يسير من زمن

حتى أتى أبو محمد الحسن

فقال : يا أماه اني اجد

رائحة طيبة أعتقد

بأنها رائحة النبي

أخي الوصي المرتضى علي

قلت : نعم ها هو ذا تحت الكسا

مدثر به ، مغطى واكتسى

فجاء نحوه ابنه مسلما

مستأذنا قال له : ادخل مكرما

فما مضى إلاّ القليل الا

جاء الحسين السبط مستقلا

فقال يا أم أشم عندك

رائحة كأنها المـسك الذكي

وحق من اولاك منه شرفا

أظنها ريح النبي المصطفى

قلت : نعم تحت الكسا هذا

بجنبه أخوك فيه لاذا

فأقبل السبط له مستأذنا

مسلما قال له : ادخل معنا

وما مضى من ساعة إلاّ وقد

جاء أبوهما الغضنفر الاسد

أبو الأئمة الهداة النجبا

المرتضى رابع اصحاب الكسا

فقال يا سيدة النساء

ومن بها زوجت في السماء

اني اشم في حماك رائحة

كأنها الورد الندي فايحة

يحكي شذاها عرف سيد البشر

وخير من لبى وطاف واعتمر

١٨١

قلت نعم : تحت الكساء والتحفا

وضم شبليك وفيه اكتنفا

فجاء يستأذن منه سائلا

منه الدخول قال : فادخل عاجلا

قالت : فجئت نحوهم مسلمة

قال : ادخلي محبوة مكرمة

فعندما بهم أضاء الموضع

وكلهم تحت الكساء اجتمعوا

قال الامين : قلت : يا رب ومن

تحت الكسا ؟ بحقهم لنا أبن

فقال لي : هم فاطمة وبعلها

والمصطفى والحسنان نسلها

قال علي : قلت : يا حبيبي

ما لجلوسنا من النصيب ؟

قال النبي والذي اصطفاني

وخصني بالوحي واجتباني

ما أن جرى ذكرٌ لهذا الخبر

في محفل الاشياع خير معشر

إلاّ وأنزل الاله الرحمة

وفيهم حفت جنود جمة

من الملائك الذين صدقوا

تحرسهم في الدهر ما تفرقوا

كلا وليس فيهم مغموم

إلاّ وعنه كشفت هموم

كلا ولا طالب حاجة يرى

قضاؤها عليه قد تعسرا

إلاّ قضى الله الكريم حاجته

وانزل الرضوان فضلا ساحته

قال علي نحن والاحباب أشياعنا

الذين قدما طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبة

فليشكرن كل فردٍ ربه

يا عجبا يستأذن الامين

عليهم ويهجم الخؤون

قال سليم قلت : يا سلمان

هل دخلوا ولم يك استئذان

فقال : أي وعزة الجبار

ليس على الزهراء من خمار

لكنها لاذت وراء الباب

رعاية للستر والحجاب

فمذ رأوها عصروها عصرة

كادت بروحي ان تموت حسرة

تصيح : يا فضة اسنديني

فقد وربي قتلوا جنيني

فأسقطت بنت الهدى واحزنا

جنينها ذاك المسمى محسنا

         
١٨٢

حديث الكساء الشريف

عَنْ جابر بن عبد الله الانصاري قال سَمِعتُ فاطِمَةَ عليها‌السلام أنَّها قالت : ( دَخَلَ عَليَّ أبي رَسُولُ الله في بَعضِ الأيّام فقال السَّلامُ عليكِ يا فاطِمَةُ فَقُلتُ عليك السَّلامُ قالَ إني أَجدُ في بَدَني ضُعفاً فقُلتُ له أُعيذكَ باللهِ يا أبتاهُ منَ الضُعفِ فَقالَ يا فاطِمَةُ اتيني بالكِساء اليَماني فَغَطّيني به فأتَيتُهُ بالكساء اليَماني فَغَطّيتُهُ بِهِ وَصِرْتُ أنظُرُ إليه وَإذا وَجْهُهُ يَتَلألَؤُ كأنَّهُ البَدْرُ في لَيلَةِ تَمامِهِ وَكماله فَما كانت إلاّ ساعَةً وإذا بوَلدي الحَسَن قَدْ أقبلَ وقالَ السَّلامُ عليكِ يا أُمّاهُ فَقلتُ وعليكَ السَّلامُ يا ولدي ويا قُرَّةَ عَيني وثَمرَةَ فُؤادي فَقالَ يا أُمّاهُ إنّي أشَمُ عِندَكِ رائحةٌ طيّبَةً كأنَّها رائِحةُ جَدّي رَسُولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلتُ نَعَم إنَّ جَدَكَ تحت الكساء فأقبلَ الحَسَنُ نحوَ الكِساء وقالَ السّلامُ عليكَ يا جَدّاه يا رسوُل الله أتأذنُ لي أن أدخُلَ معك تحت الكساء فَقال وعليك السلام يا ولدي وصاحب حوضي قد اذنت لك فدخل معه تحت الكساء فما كانت إلاّ ساعة واذا بولدي الحسين عليه‌السلام قد اقبل وقال السلام عليك يا اماه فقلت وعليك السلام يا ولدي ويا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي يا اماه اني اشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله فقلت نعم ان جدك واخاك تحت الكساء فدنى الحسين نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من إختاره الله أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء فقال وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أُمتي قَدْ أذنت لك فَدَخَلَ مَعَهُمَا تَحْتَ الكساء فأقبَلَ عندَ ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال السلام عليكِ يا بنت رسول الله فقلتُ وعليْكَ السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين فقال يا فاطمة إني أشمُّ عندك رائحة طيبة كأنَها رائحة أخي وابن عَمّي رَسولِ الله فَقُلْتُ نَعَمْ هاهُوَ مَعَ وَلَدَيْكَ تَحْتَ الكساء فَأقْبَلَ عَلِيٌّ نَحْوَ الكساء وقالَ السلام عَلَيْكَ يا رسول الله أتأذَنُ لي أن أكونَ مَعَكُمْ تَحتَ الكساء قالَ وعَلَيْكَ السلام يا أخي وَيا وَصيّي وخَليفَتي وصاحِبَ لِوائي قَد أذِنتُ لَكَ فَدَخَلَ عَليٌّ تَحْتَ الكساء ثُمَّ أتَيْتُ نَحْوَ الكِساء وَقُلْتُ السلام عليك يا أبَتاه يا رَسول الله أتَأذن لي أن أكون مَعَكَمْ تَحْتَ الكساء قَالَ وعَلَيكِ السلام يا بنتي ويا بضعتي قَدْ أذنت لَكِ فَدَخَلتُ تَحْتَ الكساء فَلَما إكتَمَلنا جَميعاً تَحْتَ الكساء أخَذَ أبي رَسول الله بِطَرفي الكساء وأومئ بيده اليمنىٰ إلى السماء وقال

١٨٣

اللهم إنَّ هؤلاء أهلُ بيتي وخاصتي وحامّتي لحمهم لحمي وَدمهم دَمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم وَعَدوٌّ لمن عاداهم ومحب لمن أحَبَهُم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهم وأذهب عنهم الرجس وَطَهرهُم تطهيراً فقال الله عز وجل يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مَدحية وَلا قَمَراً منيراً ولا شمساً مضيئة لا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فُلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرائيل يا رَبِّ ومن تحت الكساء فقال عزّ وجلّ هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل يارب أتأذن لي أن أهبط الى الأرض لأكون معهم سادساً فقال الله نعم قد أذنت لك فهبط الأمين جبرائيل وقال السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلىٰ يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك وعزتي وجلالي إني ما خلقتُ سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلاّ لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله فقال رسول الله وعَليك السلام يا أمين وحي الله انه نعم قد أذنت لك فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي ان الله قد أوحىٰ اليكم يقول إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فقال علي لأبي يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي بعثني بالحق نبيا وإصطفاني بالرسالة نجيّا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الاّ ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم الىٰ أن يتفرقوا فقال علي عليه‌السلام إذاً والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة فقال أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي والذي بعثني بالحق نبيا وإصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمعٌ من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضىٰ الله حاجته فقال علي عليه‌السلام إذاً والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسُعِدُوا في الدُّنيا وَالاخرة ورب الكعبة ) .

١٨٤

البحث السادس

فاطمةعليها‌السلام

وحديث الكساء الشريف

يعتبر حديث الكساء من الأحاديث النورانية الولائية والذي عَبَّر عن مدىٰ ارتباط أهل البيتعليهم‌السلام بالسماء وذلك من خلال المضامين العالية التي وردت في طياته ، فما أدراك ما حديث الكساء وهل أتاك نبأه ! أنه الحديث المتصل بين الأرض والسماء ، فقد وعته كواكب الكون ونجوم السماوات السبع وما زال الإنسان في ريب من أمره ذلك إن الإنسان كان جهولا. لقد وعته قلوب المؤمنين وإفتدتهم قبل أن تعيه أسماعهم لذا سوف نعيش في رحابه ونقف مع حلقاته ونستضيء من نوره ونستجلي حقائقه ونحيا مع بركاته كي نصل الئ شاطي نور العلم والمعرفة تلكم هي معرفة نورانية أهل البيتعليهم‌السلام ، فحديث الكساء الشريف يعتبر مرسوم رباني قد قلده الله تبارك وتعالىٰ لنبيه الشريف محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولآله الطيبين الطاهرين حيث جاء موضحاً لإرادة رب العالمين التي وسمت قوله تعالىٰ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) كل ذلك حرصاً ومحبتاً من الله تعالىٰ للرسول ولأهل بيتهعليهم‌السلام ولكي لا يُشرقُ الناس أو يغربوا ولا تأخذهم الاهواء والميول والرغبات يميناً وشمالاً وحتىٰ لا يحَرّف المغرضون هذه الآية المباركة العظيمة عن أهلها وأصحابها الحقيقيين الذي أرادهم رب العالمين أطهاراً مطهرين يتولون قيادة الأُمة ويوضحون معالم طريقها بعد رسوله الكريم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . إن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عنده وقفة متأمله لكي ننفذ إلىٰ الأبعاد الانسانية والحقائق العلمية والمسائل العقائدية التي يرمي اليها والنتائج الرائعة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد حديث يروىٰ لأجل أن نأخذ معلومة جامدة تتوقف عند حدود الحديث وظاهر الالفاظ بل يجب أن نستشف المرامي الحضارية الكامنة خلف ألفاظه وكلماته ، لا سيما أن الله سبحانه وتعالىٰ

١٨٥

قد ميزنا عن سائر المخلوقات الاخرىٰ بأن وهب لنا عقلاً والهمنا كيف نستخدمه ونوظفه لخدمة المجتمع والانسانية جمعاء لا أن نكون مجرد مخلوقات تأكل وتنام وتضاجع دون أن نعي ما كان ويكون حولها.

وسيكون حديثنا حول هذا الحديث المبارك في ثلاث وقفات :

الوقفة الأولىٰ : ارتباط هذا الحديث بآية التطهير.

الوقفةالثانية : سند هذا الحديث الشريف.

الوقفة الثالثة : مضامين هذا الحديث المختلفة.

الوقفة الأولى

« حديث الكساء وآية التطهير »

ارتبط حديث الكساء الشريف بنزول آية التطهير ارتباطاً وثيقاً حيث جاءت هذه الآية المباركة( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) لتؤكد على مسألة عصمة أهل البيتعليهم‌السلام جميعاً بما فيهم فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، والذي يهمنا في المقام هو عصمة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، أمّا مسألة البحث حول هذه الآية المباركة ودلالتها على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام فهذا موكول إلى الكتب الكلامية الخاصة بهذا الموضوع ، أمّا دلالة هذه الآية على عصمة فاطمة الزهراءعليها‌السلام فهذا ما تجده من خلال الروايات التي بينت من هم أهل البيت الذين عنتهم الآية المباركة وكيفية اشتراك الزهراء مع أهل البيت في طهارتهم وعصمتهم ، أمّا الروايات فسنذكر بعضها بعدما أن نقف مع مفهوم أهل البيت ، ومن المراد بهم فلربما يقول قائل إنّنا لا نؤمن بالروايات أو لا نقبل هذه الروايات فنقول له تعال معنا لنقف سوية على مفهوم أهل البيت ومن المراد بهم ؟. إن التعرف على مفهوم أهل البيت لغة والمقصود منه في هذه الآية المباركة يعد من الأبحاث الضرورية في فهم مفاد هذه الآية فلقد ضلَّ

١٨٦

الكثير في تفسير هذه الآية والمراد فيها من أهل البيت ولأجل ذلك نبحث اولا وقبل كل شيء هذا المفهوم لغة علىٰ وجه يرفع الستار عن وجه الحقيقة.

مفهوم أهل البيت عند أهل اللغة

قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين احداهما في هذه الآية المرتبطة بحديث الكساء الشريف والأخرىٰ في قوله تعالى( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (1) . ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال :

1 ـ أهل الأمر والنهىٰ.

2 ـ أهل الانجيل.

3 ـ أهل الكتاب.

4 ـ أهل الاسلام.

5 ـ أهل الرجل.

6 ـ أهل الماء.

وهذه الموارد توقفنا علىٰ أن كلمة أهل تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه ، فأهل الأمر والنهىٰ هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر ، وأهل الانجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام.

وقد اتفقت كلمة أهل اللغة علىٰ أن الأهل والآل كلمتان بمعنىٰ واحد قال ابن منظور : آل الرجل : أهله وآل الله وآل رسوله : أولياؤه ، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزمان أبدلوا الثانية ألفاً. كما قالوا : آدم وآخر ، وفي الفعل آمن وآزر. وقد انشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال :

وانصر على آل الصليب

وعابديه اليوم آلك

وعلىٰ ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف الىٰ شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة

__________________

(1) هود : آية 73.

١٨٧

خاصة بالمضاف إليه ، فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به ، وأهل المسجد المترددون كثيراً إليه ، وأهل الغابة القاطنون فيها فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد وبل غيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج ولأجل ذلك ترىٰ أنّه سبحانه يطلقه علىٰ زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية هذا هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة.

قال ابن منظور : أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناته وصهره أعني علياًعليه‌السلام ، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم أهله(1) .

فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم ، أولاً ، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشار بقوله : قيل : الىٰ ضعف القول الآخر لأنه نسبه الىٰ القيل.

وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن أحمد : أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الاسلام من يدين به(2) .

وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف الىٰ شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به فاذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج.

اذن هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما ، وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا ان لفظ أهل البيت يطلق فقط علىٰ الزوجة ويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولاد والأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال علىٰ ذلك عن طريق اثباته ذلك من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة ـ أهل البيت ـ في قصة إبراهيم بالبشرىٰ حيث قال الله تعالى( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا

__________________

(1) لسان العرب : 11 / 29 « أهل ».

(2) معجم مقاييس اللغة : 1 / 150.

١٨٨

بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ *قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ *قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (1) . وفي قصة موسىٰعليه‌السلام أيضاً :( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ) (2) . فالمستشكل قال : إن الله استعمل هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيمعليه‌السلام لا غيركما في الآية الأولىٰ الخاصة بالبشرىٰ واستعمل الأهل في زوجة موسىٰعليه‌السلام وهي بنت شعيب كما في الآية ، إذن فالمستشكل قال إن الأهل تطلق علىٰ الزوجة حقيقة ، وهذا مردود من عدة جهات :

أولاً : تقدم علىٰ لسان أهل اللغة أن لفظة أهل تطلق علىٰ أخص الناس بالزوج وهم الأولاد.

ثانياً : ان كلامه غير صحيح من كون الأهل تطلق حقيقة علىٰ الزوجة ومجازاً علىٰ الأولاد فنحن نقول له من أين إستظهرت هذا ، فاذا قلت من آية البشرىٰ وآية موسىٰ فإنه مردود لأنه الاطلاق هنا علىٰ كلمة الأهل ليس دليلاً على الانحصار ـ أي إنحصار اللفظة علىٰ الزوجة فقط

ثالثاً : إنَّ الآية في قصة إبراهيم قالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليكِ لتكون ظاهرة في زوجته فقط كلمة أهل.

أمّا السؤال المهم في هذا المقام هو هل أنَّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق علىٰ الزوجة أو علىٰ الزوجة والأولاد ؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أو بعدها تصرف هذا اللفظ خاصة الىٰ أهل البيت الذين يقصد بهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، أم لا توجد قرائن ؟ والجواب علىٰ ذلك : إن بعض من وقف مع هذه الآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد من أهل البيت هم أزواجه ونسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله والبعض الآخر قال إنَّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق علىٰ بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصهره وولداهما الحسن والحسينعليهم‌السلام .

__________________

(1) هود : آية 73.

(2) القصص : آية 30.

١٨٩

والحق مع من ذهب الىٰ القول الثاني ـ علي وفاطمة والحسن والحسين ـ بدلالة عدة شواهد وقرائن حفت بالآية المباركة سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن.

1 ـ القرينة الأولىٰ اللام في أهل البيت للعهد وبيان ذلك : إنَّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قوله تعالىٰ( إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) ، وقد يراد من اللام الإستغراق مثل قوله تعالىٰ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) وقد يراد منها باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب ، أمّا الأول والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهما أما القول الثالث فهو الحق لأنّ الله تعالى إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت معهودين بين المتكلم والمخاطب ، وفمن هم هؤلاء أهل البيت ؟!!

2 ـ القرينة الثانية علىٰ أن المراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلاف الضمائر الاخرىٰ التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن ، اتقيتن. فلا تخضعن الخ.

3 ـ القرينة الثالثة : ـ هي ان الإرادة وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الارادة التكوينية إنما يريد الله ـ لا التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت على نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص من تطبيقه علىٰ جماعة خاصه من المنتمين إلىٰ البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهم بالاسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلىٰ العصمة ولا ينطبق هذا إلا علىٰ الإمام علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

وأضف الىٰ ذلك الىٰ أن المراد من أهل البيتعليهم‌السلام هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر علىٰ باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالى ـ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ ) ليوقضهم للصلاة وليؤكد على حرمة أهل هذا البيتعليهم‌السلام ، وكذلك نزول آية التطهير في بيت فاطمةعليها‌السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة علىٰ أن حديث الكساء كان في بيت فاطمةعليها‌السلام خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساء كان في بيت أُم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث.

١٩٠

إذن كان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم يرَ مثلها إلا في أقل الموارد حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل السّيَر والتأريخ لهم العناية الكاملة بتعريف أهل البيتعليهم‌السلام في مواضع مختلفة وحسب المناسبات التي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الاسلاميين الذين كان لهم العناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم علىٰ وجه يظهر من الجميع اتفاقهم علىٰ نزول الآية في حق العترة الطاهرة.

أما الروايات الواردة في بيان من هم أهل البيتعليهم‌السلام فنروي لك شاهدين الشاهد الأول : ما روي عن أُم سلمة انها قالت : ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بيتي فاستدعى علياً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ؛ وجللهم بعباءةٍ خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أُم سلمة : قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك ؟ قال لا : ولكنك إلىٰ خير(1) .

أما الشاهد الثاني : ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في إحتجاجه علىٰ أبي بكر حيث قال له أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت ؟ قال : فيكم : فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهداً على فاطمةعليها‌السلام بفاحشة ما كنت صانعاً ؟ قال :

كنت أقيم عليها الحد كما أقيم علىٰ نساء المسلمين !! قال الإمامعليه‌السلام كنتَ إذنْ عند الله من الكافرين قال : ولِمَ ؟ قال : لأنك رددت شهادة الله وتقبل شهادة غير لأنَّ الله عز وجل قد شهد لها بالطهارة فاذا رددت شهادتها وقبلتَ شهادةَ غيرها كنت عند الله من الكافرين قال : فبكىٰ الناس وتفرقوا ودمدموا(2) .

وعلى هذا يكون الشاهدين فيهما دلالة علىٰ أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة من الزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس الفعلية ، ومما يؤكد العصمة فيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذه الكتب إن الرسول كان دائماً يقول : فاطمة بضعة مني

__________________

(1) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي : 8 / 339.

(2) علل الشرائع : 191 باب 151.

١٩١

يغضبني من أغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرضىٰ لرضاها.

فان هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جلَّ شأنه وغضبه بغضبها حتىٰ إنها لو غضبت أو رضيت علىٰ أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لهاعليها‌السلام (1) وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه(2) في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأ ما نصه : قد ثبت عصمة فاطمةعليها‌السلام بإجماع الأمة على ذلك فتياً مطلقة ، وإجماعهم علىٰ إنّه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة ، لكان الشهود مبطلين في شهادتهم ، ووجب علىٰ الأمة تكذيبهم وعلىٰ السلطان عقوبتهم ، فإنّ الله تعالىٰ قد دل علىٰ ذلك بقوله :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

ولا خلاف بين نقلة الآثار إن فاطمةعليها‌السلام كانت من أهل هذه الآية ، وقد بيّنا فيما سلف إنَّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولاجماع الأمة ايضاً علىٰ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من آذىٰ فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذىٰ الله عز وجل ». فلولا أنّ فاطمةعليها‌السلام كانت معصومة من الخطأ ، مبرأة من الزلل ، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جاز وجوب آذاها لجاز آذىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأذىٰ لله عز وجل فلمّا بطل ذلك دلَّ علىٰ أنهاعليها‌السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه ، وإذا ثبت عصمة فاطمةعليها‌السلام وجب القطع بقولها ، واستغنت عن الشهود في دعواها ـ في قضية فدك ـ لأن المدعي إنمّا افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهر بالشهود وعلى قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم ، وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع علىٰ قول فاطمةعليها‌السلام وعلىٰ ظلم مانعها فدكاً ومطالبتها بالبينة عليها.

ويكشف عن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما على الظاهر مع جواز

__________________

(1) وفاة الصديقة الزهراء : 55 للمقرم.

(2) الفصول المختارة من العيون المحاسن : 88.

١٩٢

أن يكونا مبطلين كاذبين فيما شهدا به ، وليس يصح الإستظهار علىٰ قول من قد أمن من الكذب بقول من لا يؤمن عليه ، ذلك كيما لا يصح الاستظهار علىٰ قول المؤمن بقول الكافر ، وعلىٰ قول العدل البر بقول الفاسق الفاجر. ويدل أيضاً على ذلك : إنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استشهد علىٰ قوله فشهد خزيمة بن ثابت في ناقة نازعه فيها منازع ؛ فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أين علمت يا خزيمة ، أنَّ هذه الناقة لي ؟ أشهدت شرائي لها ؟ فقال : لا ولكني علمت أنَّها لك من حيث إنَّك رسول الله ، فأجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادته كشهادة رجلين وحكم بقوله فلو لا أن العصمة دليل الصدق وتغني عن الاستشهاد ، لما حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول خزيمة من ثابت وحده وصوّبه في الشهادة له على ما لم يره ولم يحضره ، باستدلاله عليه بدليل نبوته وصدقه علىٰ الله سبحانه فيما أداه الىٰ بريته ، وإذا وجب قبول قول فاطمةعليها‌السلام بدلائل صدقها ، واستغنت عن الشهود لها ثبت ان من قطع حقها وأوجب الشهود علىٰ صحة قولها ، قد جار في حكمه وظلم في فعله ، وآذىٰ الله تعالىٰ ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بايذائه لفاطمةعليها‌السلام وقد قال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (1) . اذن لا شك في عصمة فاطمةعليها‌السلام ، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر والأخبار المتواترة في فضائلها ومناقبها.

وأمّا الحجة علىٰ المخالفين :

1 ـ فبآية التطهير الدالة علىٰ عصمتها ، وكما بيّنا في إثبات نزول هذه الآية في جماعة كانت داخلة فيهم بل هي قطب الرحىٰ الذي يدور فيه أهل البيتعليهم‌السلام .

2 ـ وبالأخبار المتواترة الدالّة علىٰ أنّ إيذائها إيذاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ الله تعالىٰ يغضب لغضبها ويرضىٰ لرضاها : ووجه الإستدلال بالروايات علىٰ عصمتها صلوات الله عليها : أنّه كانت فاطمةعليها‌السلام ممن تقارق الذنوب وترتكبها ، لجاز إيذاؤها ، بل إقامة الحد عليها ، لو فعلت معصية ، وارتكبت ما يوجب حداً ، لم يكن رضاها رضىٰ الله

____________

(1) الأحزاب : آية 57.

١٩٣

سبحانه إذا رضيت بالمعصية ، ولا من سرها في معصية ساراً لله سبحانه ، ومن أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضباً له جل شأنه ، فإن قيل : لعل المراد ، من آذاها ظلماً فقد آذاني ، ومن سرّها في طاعة الله فقد سرّني ، وأمثال ذلك ، لشيوع التخصيص في العمومات قلنا :

أولاً : التخصيص خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلا بدليل فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل.

ثانياً : إن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين ، لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار ، ولا كان لها فيها تشريف ومدحة ؛ وذلك باطل بوجوه :

1 ـ إنّه لا معنىٰ حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على كونها بضعة منه كما يصرح بذلك صحيح البخاري ومسلم في رواياته.

2 ـ إنّ كثيراً من الأخبار السالفة المتضمنة لانكارهصلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ بني هاشم ، في أن ينكحوا إبنتهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أو انكاح بنت أبي جهل ، ليس من المشتركات بين المسلمين فإنَّ ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه ، بل ممّا رغّب فيه وحث عليه لولا كان كونه إيذاء لسيدة النساء ، وقد علل رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عدم الإذن بكونها بضعة منه يؤذيها ما آذاها ويريبه ما يريبها تظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين ، علىٰ إنه لو ثبت هذا القول بأن عليعليه‌السلام ربما أو أراد أن يتزوج من المتقدمي الذكر.

3 ـ إنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلوّه من الفائدة ، إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين ولا يقول ذلك من أوتي حظاً من الفهم والفطانة ، أو اتصف بشيء من الانصاف والأمانة ، وقد أطبق محدثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات الله عليها.

فإن قيل : أقصىٰ ما تدل عليه الأخبار ، هو أنَّ إيذاؤها إيذاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن جوّز صدور الذنب عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يأبىٰ عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء.

قلنا : بعد ما مر من الدلائل علىٰ عصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، قال الله تعالى( وَالَّذِينَ

١٩٤

يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (1) . وقال سبحانه :( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) (2) . وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (3) . فالقول بجواز ايذائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ردّ لصريح القرآن ، ولا يرضىٰ به أحد من أهل الإيمان ، فإن قيل : إنّما دلّت الأخبار علىٰ عدم جواز إيذائها ، وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه ، حتىٰ يؤذيها نهياً عن المنكر ، ولا ينافي صدور معصية عنها خفيّة فلا يدل علىٰ عصمتها مطلقاً.

قلنا : نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب أن ما جرى في قصة فدك وصدر عنها من الانكار علىٰ أبي بكر ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحاً وتلويحاً ، وتظلمها وغضبها علىٰ أبي بكر ، وهجرتها وترك كلامها حتىٰ ماتت ، لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أُعلنت بها علىٰ رؤوس الأشهاد ، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الردّ والانكار علىٰ الخليفة المفترض الطاعة علىٰ العالمين ؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمىٰ تحرزاً عن إسناد هذه المعصية الكبرىٰ إلىٰ سيدة النساء.

3 ـ ونحتج أيضاً في عصمتهاعليها‌السلام بالاخبار الدالة علىٰ وجوب التمسك بأهل البيتعليهم‌السلام وعدم جواز التخلف عنهم ، وما يقرّب هذا المعنىٰ ، ولا ريب في أن ذلك لا يكون ثابتاً لأحد ، إلاّ إذا كان معصوماً إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز إتباعه عند إرتكابها ، بل يجب ردعه ومنعه وايذاؤه واقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب واللسان وكل ذلك ينافي ما حث عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصىٰ به الأمة في شأنهم ، ويكفي في ذلك ما رواه المخالفون لنا عن الترمذي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّىٰ يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فلا يهولنَّك ما يقرع سمعك من الطنين آخذاً

__________________

(1) التوبة : آية 61.

(2) الأحزاب : آية 53.

(3) الأحزاب : آية 57.

١٩٥

من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة ، وقد تخلت الزهراءعليها‌السلام عنها ـ النبوة والإمامة ـ فلا تجب عصمتها ، الجواب إنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهمعليهم‌السلام لاجل تبليغ الاحكام حتىٰ يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها ، وإنما تمسّكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز بإقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الالهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتىٰ في ترك الاولىٰ(1) .

وإلى ذلك يشير المرحوم الشيخ الاصفهاني في ارجوزته :

تبتلت عن دنس الطبيعة

فيا لها من رتبة رفيعة

مرفوعة الهمة والعزيمة

عن نشأة الزخارف الذميمة

في افق المجد هي الزهراء

للشمس من زهرتها الضياء

بل هي نور عالم الأنوار

ومطلع الشموس والاقمار

رضيعة الوحي من الجليل

حليفة لمحكم التنزيل

مفطومة من زلل الأهواء

معصومة من وصمة الخطاء

إذن في النتيجة النهائية نصل إلى أن حديث الكساء إرتبط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات عصمة أهل البيتعليهم‌السلام وبما فيهم فاطمة الزهراءعليها‌السلام ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدُعائية ، ونختم الكلام في عصمة فاطمةعليها‌السلام فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول : ـ كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتهاعليها‌السلام بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج ، وكانتعليها‌السلام جوهره قدسية في تعين إنسيّ ، فهي إنسية حوراء وعصمة الله الكبرىٰ وحقيقة العصمة أنها قوة نوريّة ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب

__________________

(1) وفاة الصديقة الزهراء : 54.

١٩٦

والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما نص به الوصي الإمام عليعليه‌السلام في النهج : « وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان ».

ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه بالصواب حيث قال : « فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرٌّ عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجرو العترة في إجلالها وإعظامها والإنقياد لها والطاعة لأوامرها مجرىٰ القرآن ».

ثم قال : « فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم ـ يعني القائلين بمذهب الإعتزال ـ في ذلك ؟

قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية علىٰ ان علياًعليه‌السلام معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر إختص هو به دون غيره من الصحابة » فتدبَّر.

وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفىٰ وزوجة ولي الله وكلمة الله التامة فاطمةعليها‌السلام ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الاذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : « أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرىٰ » أو نحوها(1) .

الوقفة الثانية

سند هذا الحديث

أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية المتانة والصحة بل يُعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي ، ويكفي في ذلك إنّ روايات جمة تزيد علىٰ سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي هذا الحديث المبارك ،

__________________

(1) فص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية 14.

١٩٧

هذا فضلاً عن الطرق الخاصة لاهل المذهب الحق الشيعة الامامية ، هذا من جهة ومن جهة أُخرىٰ فيكفي في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبد الله الأنصاري الذي روىٰ الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل ـ جابر الانصاري ـ من الذين حملوا سلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلىٰ حفيده الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسينعليهم‌السلام حتى أدرك الإمام الباقرعليه‌السلام . فلقد روىٰ لنا التأريخ كيف دخل جابر الانصاري علىٰ الإمام الباقرعليه‌السلام قائلاً له : إن جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرك السلام والتحية والاكرام وقال لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي : إسمه اسمي يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام.

فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي تثبت مدىٰ صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوىٰ إن هو إلاّ وحي يوحىٰ وأن له شأن مع الله تعالىٰ. اذن حديث الكساء من الاحاديث المؤكده وسنده صحيح معتبر وانه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة.

الوقفة الثالثة

مضامين هذا الحديث المختلفة

قبل كل شيء لابد من التأكيد علىٰ مسألة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان علىٰ القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقاً للقرآن الكريم فإنّا نأخذ به وما كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في هذا المقام ، وعلىٰ ضوء هذا الأساس سيكون استقراءنا لهذا الحديث المبارك واستجلاء حقائقه على ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننّا لابد من ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا

١٩٨

الحديث فان هذا سوف يكون بحاجة الىٰ كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر علىٰ ضوء التمعن والتأمل علىٰ ضوء المرتكزات القرآنية لدىٰ الإنسان المؤمن.

* فالحديث علىٰ كل حال قد رواه المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد : هو أنَّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع أهل بيته وألقى عليهم رداءً وقال : « اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني مايؤلمهم ».

* إنّ حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا ما نجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك ـ وكما هو مثبوت في محله ـ فإننّا لابدَّ من الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية.

* هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث الشريف وهي هل أنَّ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها ـ ان الرسول تغطىٰ بكساء ـ كانت في بيت أم سلمة كما روىٰ ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمةعليها‌السلام ؟

والجواب علىٰ ذلك : إن قضية حديث الكساء وما له من الأهمية الكبرىٰ كان في بيت فاطمةعليها‌السلام وبدلالة الحديث نفسه حيث اننا سلمنا بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول : إنَّ هناك قرينة واضحة ومتصلة لا منفصلة في نفس الحديث تؤكد علىٰ كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي إنّ الحديث يبدأ بقوله علىٰ لسان فاطمةعليها‌السلام « عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت دخل عليَّ أبي رسول الله في بعض الأيام ».

فقولهاعليها‌السلام دخل عليَّ أبي رسول الله فيه دلالة واضحة على كون دخولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتها لا في بيت ام سلمة أضف الىٰ ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الامام عليعليه‌السلام في بيت أم سلمة لا معنى له ، ثم ما هي الثمرة العملية على هذه المسألة فلربّما يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمةعليها‌السلام مالفائدة في ذلك ؟ فنقول إنّ الفائدة تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا

١٩٩

القول إنّ العصمة والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة ، وان كان عندنا إنَّه لا ملازمة فيه فتأمل.

* وفي معرض الكلام حول أم سلمة هناك إشارة لطيفة لمن تمعّن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل علىٰ الرسول قال لها إنّك علىٰ خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء ، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال استظهار كلمة ـ إنَّك علىٰ خير ـ إنّها سوف تكون عاقبة أمرها إلى خير وإنَّك الآن فعلاً علىٰ خير وإنه سوف يكون مآل حياتك الىٰ العاقبة الحسنة وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن علىٰ إمام زمانهنّ.

*« دخل عليَّ أبي في بعض الأيام فقال » في الحديث أنَّ فاطمة هي الملجأ لأبيها فاذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلىٰ فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر الىٰ فاطمة يمسح الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام عليعليه‌السلام يقول : إذا نظرت الىٰ فاطمة إنجلت عني الهموم والأحزان وإلاّ لماذا لم يذهب النبي الىٰ إحدى زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدىٰ زوجته حيث يقول القرآن الكريم( خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) ، ويقول الله تعالى :( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) ، فلماذا لم يذهب النبي الىٰ واحدة من زوجاته وإنّما ذهب الىٰ الزهراء ؟ والجواب أنَّ فاطمة كانت أم أبيها وكان يشعر بالدفء والراحة عندما يزور الزهراء ، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يرىٰ فاطمةعليها‌السلام ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي لنا أنَّ آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمرّ عليه بعد رجوعه من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمةعليها‌السلام .

*« إني أجد في بدني ضُعْفاً فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف » ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي ضعفاً أو فكري وهذا خلاف ما إتهمه بعض المشركين بأنَّه شاعر مجنون إنّما هو ضعف بدني أصابه نتيجة الاجهاد والمثابرة علىٰ العمل فهو يقول لها : أني لأجد في بدني ضعفاً وهي تقول له : أعيذك بالله

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210