اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156493 / تحميل: 9833
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فهل ينطبق هذا الوصف على مفاهيم المادّية التأريخية ، وتفاسيرماركس ؟!

إنّ الماركسية تؤكّد أنّ الانقلاب من مرحلة تأريخية إلى أخرى لا يتمّ إلاّ بشكل ثوري ؛ لأنّالتغيرات الكمّية التدريجية تؤدّي إلى تحوّل دفعي آني . مع أنّ تحوّل اليابان من الإقطاع إلى الرأسمالية تمّ بشكل سلمي وتنازل سادة الإقطاع عن حقوقهم ، فلم يضطرّوا اليابان ـ وهي في طريقها الرأسمالي ـ إلى ثورة كالثورة الفرنسية عام ( ١٧٨٩م ) .

كما أنّ الماركسية تعتبر أنّ كلّ تطوّر لا يتمّ إلاّ من خلال الصراع الطبقي : بين طبقة تقف إلى صفّ التطوّر ، وأخرى تحاول الوقوف في وجهه بينما نرى أن المجتمع الياباني قد وقف بمجموعه إلى جانب حركة التطوّر الصناعي والرأسمالي ، ولم يشذّ عن ذلك حتى سادة الإقطاع أنفسهم فقد آمنوا جميعاً بأنّ حياة البلاد رهن هذه الحركة وتنميتها .

والماركسية ترى ـ كما قرأنا نصوص رأس المال السابقة ـ أنّ التراكم الرأسمالي الذي تقوم الرأسمالية الصناعية على أساسه ، لا يمكن أن يفسّر بطرائق (العزل البريء ) ـ على حدّ تعبير ماركس ـ وإنّما يفسّر بأعمال العنف والغزو وعمليات التجريد والاغتصاب ، مع أنّ الواقع التأريخي لليابان يدلّل على العكس ؛ فلم يحدث التراكم الرأسمالي ولم تنشأ الرأسمالية الصناعية في اليابان نتيجة للغزو والاستعمار أو عمليات تجريد المنتجين من وسائل إنتاجهم ، وإنّما وجدت هذه الحركة بفضل نشاط ساهمت فيه اليابان كلّها ، واستخدمت في تنمية السلطة الحاكمة كلّ نفوذها السياسي ، فظهرت البورجوازية على المسرح الاجتماعي كنتيجة لتلك النشاطات السياسية والفكرية وغيرها ، وليس كقوّة خالقة للجوّ السياسي والفكري الذي يلائمها

١٦١

قوانين المجتمع الرأسمالي :

حين نعرض لقوانين المجتمع الرأسمالي من وجهة نظر المادّية التأريخية نكون بحاجة إلى إبراز الوجه الاقتصادي للماركسية ، الذي لا يتجلّى بملامحه الاقتصادية الكاملة عند تحليل الماركسية لأيّ مرحلة من مراحل التأريخ كما يتجلّى عند دراستها للمرحلة الرأسمالية فقد قامت الماركسية بتحليل المجتمع الرأسمالي وشروطه الاقتصادية ، ودرست قوانينه العامة على أسس المادّية التأريخية ، وانتهت من ذلك إلى التأكيد على ما يكمن في أعماق الرأسمالية من تناقضات ، تتراكم وفقاً للقوانين المادّية التأريخية ، حتى تدفع بالنظام الرأسمالي في النهاية إلى قبره المحتوم في لحظة حاسمة من لحظات التأريخ .

القيمة أساس العمل :

وقد بدأ (ماركس ) دراسته لجوهر المجتمع الرأسمالي وقوانين الاقتصاد السياسي البورجوازي بتحليل القيمة التبادلية ، بوصفها عصب الحياة في المجتمع الرأسمالي ـ كما بدأ غيره من الاقتصاديين الذين عاصروه وسبقوه ـ وجعل من نظريته التحليلية في القيمة حجر الزاوية في بنائه النظري العام ولم يصنعماركس شيئاً أساسياً في مجال تحليل القيمة التبادلية ، وإنّما أخذ بالنظرية التقليدية التي شادها قبله (ريكاردو ) وهي النظرية القائلة : إنّ العمل البشري هو جوهر القيمة التبادلية فالقيمة التبادلية لكلّ منتوج إنساني ، تقدّر على أساس كمية العمل المتجسّد فيه ، وتتفاوت قيم الأشياء بتفاوت العمل المهراق فيها فقيمة السلعة التي يتطلّب إنتاجها ساعة واحدة من العمل تساوي نصف قيمة السلعة التي ينفق عليها في العادة ساعتان من العمل .

وتعتبر هذه النظرية نقطة البدء عند (ريكاردو ) و(ماركس ) معاً في دراستهما التحليلية لهيكل الاقتصاد الرأسمالي فقد جعل كلّ منهما منها القاعدة التي يقوم عليها بناؤه العلمي ولئن كان (ريكاردو ) قد سبق (ماركس ) إلى وضع هذه النظرية في صيغة علمية محدّدة ، فقد سبقهما معاً عدّة مفكرين اقتصاديين وفلسفيين إلى التنويه بها ، كالفيلسوف الإنكليزي (جون لوك ) الذي أشار إلى هذه النظرية في بحوثه ، ثمّ أخذ بها (آدم سميث ) ـ الاقتصادي الكلاسيكي المعروف ـ في حدود ضيّقة ، فاعتبر العمل أساساً للقيمة التبادلية بين الجماعات البدائية ، غير أن (ريكاردو ) كان بحقّ هو الذي أعطى النظرية معنى الشمول والاستيعاب ، وآمن بأنّ العمل هو المصدر العام للقيمة التبادلية ، ثمّ جاء (ماركس ) يسير في طريقه بأسلوبه الخاص

١٦٢

وهذا لا يعني ـ بطبيعة الحال ـ أنّ ماركس لم يصنع شيئاً في حقل هذه النظرية سوى ترديد الصدى الذي تركه(ريكاردو ) ، بل إنّه ـ حين أخذ النظرية منه ـ صاغها في إطاره الفكري الخاص ، فادخل على بعض جوانبها إيضاحات جديدة وضمّنها عناصر ماركسيّة ، وقبل بعض جوانبها الأخرى كما تركها سلفه .

فـ (ريكاردو ) حين آمن بهذه النظرية : (العمل أساس القيمة ) ، أدرك أنّ العمل لا يحدّد القيمة في حالات الاحتكار التي تنعدم فيها المنافسة ؛ إذ إنّ من الممكن في هذه الحالات أن تتضاعف قيمة السلعة المحتكرة وفقاً لقوانين العرض والطلب ، دون أن تزيد كميات العمل المنفقة عليها ولأجل هذا اعتبر المنافسة الكاملة شرطاً أساسياً لتشكل القيمة التبادلية على أساس العمل وهذا ما قاله ماركس أيضاً ، معترفاً بأنّ النظرية لا تنطبق على حالات الاحتكار

ولاحظ (ريكاردو ) أيضاً أنّ العمل البشري يتفاوت في كفايته ، فساعة من عمل الصانع الذكي النشيط لا يمكن أن تساوي ساعة من عمل الصانع البليد البطيء وقد عالج ذلك بافتراض مقياس عام للكفاية الإنتاجية في كلّ مجتمع ، فكلّ كمّية من العمل إنّما تخلق القيمة التي تتناسب معها إذا كانت تتوافق مع ذلك المقياس العام وهذا المقياس نفسه هو الذي عبّر عنهماركس : بكمّية العمل الضرورية اجتماعياً ، إذ قال : إنّ كلّ عمل إنتاجي يخلق قيمة تناسبه إذا أنفق بالطريقة المتعارفة اجتماعياً

١٦٣

ووجد (ريكاردو ) نفسه ـ بعد وضع النظرية ـ مضطراً إلى إبعاد غير العمل من عناصر الإنتاج ـ كالأرض ورأس المال ـ عن عملية تكوين القيمة ، ما دام هو الأساس الوحيد لها ، فجاء لأجل ذلك بنظريته الجديدة في تفسير الريع(١) العقاري ، التي قلب بها المفهوم الاقتصادي السائد عن الريع ، كي يبرهن على أنّ الأرض لا تساهم في تكوين القيمة التبادلية في حالة المنافسة الكاملة فقد كان من عادة الاقتصاديين قبل (ريكاردو ) أن يفسّروا ريع الأرض بأنّه : هبة من الطبيعة تنشأ من اشتراك الأرض مع الجهود الإنسانية في الإنتاج الزراعي ، وبالتالي في تكوين القيمة التبادلية المنتجة وهذا يعني ضمناً : أنّ العمل ليس هو الأساس الوحيد للقيمة فكان من الضروري لريكاردو أن يرفض هذا التفسير للريع وفقاً لنظريته عن القيمة ويأتي بالتفسير الذي ينسجم مع النظرية ، وهذا ما قام به فعلاً ، فقرّر أنّ الريع نتيجة للاحتكار ، ولا يمكن أن يظهر في حالة المنافسة الكاملة فالأشخاص الذين سيطروا على الجزء الأكثر خصباً من الأرض يحصلون على ريع نتيجة لاحتكارهم واضطرار الآخرين إلى استثمار الأراضي الأقل خصباً

وأمّا فيما يتّصل برأس المال فقد ذكر (ريكاردو ) أنّ رأس المال ليس إلاّ عملاً متجمّعاً قد ادّخر مجسّداً في أداة أو مادة لينفق من جديد في سبيل الإنتاج ، فلا مبرر لاعتباره عاملاً مستقلاً في تكوين القيمة التبادلية فالمادة التي بذلت في إنتاجها ساعة من العمل ، ثمّ استهلكت في عملية إنتاج جديدة تعبّر عن عمل ساعة يضاف إلى الكمية الجديدة من العمل التي يتطلّبها الإنتاج الجديد ، وهكذا ينتهيريكاردو إلى أنّ العمل هو الأساس الوحيد للقيمة .

ـــــــــــــــ

(١) راجع ـ لنظرية ( ريكاردو ) في الريع ـ : كتاب أُسس الاقتصاد الحديث : ٣٠٣ ـ ٣٠٦ .

١٦٤

وكان من المنتظر أن يشجب (ريكاردو ) الربح الرأسمالي ما دام رأس المال لا يخلق قيمة تبادلية جديدة ، وما دامت السلعة مدينة في قيمتها التبادلية لعمل العامل فحسب ، غير أنّريكاردو لم يفعل شيئاً من هذا واعتبر من المنطقي أن تباع السلعة بسعر يعود بعائد صاف لمن يملك رأس المال ، وفسّر ذلك بفترة الوقت التي تمضي بين الاستثمار وظهور المنتجات للبيع وبهذا اعترف بالزمن بوصفه عاملاً آخر لتكوين القيمة التبادلية ومن الواضح أنّ هذا يعتبر منريكاردو تراجعاً عن نظريته القائلة : بأنّ العمل هو الأساس الوحيد للقيمة وعجزاً عن الاحتفاظ بالنظرية حتى النهاية(١) .

وأمّاماركس فهو حين عالج عناصر الإنتاج التي تشترك مع العمل في العملية الإنتاجية ، والتي عالجهاريكاردو من قبله أدخل على أفكار سلفه من ناحية شيئاً من التعديل ، وجاء من ناحية أخرى بأفكار جوهرية لها خطرها .

فمن الناحية الأولى : درس الريع العقاري فأقرّ تفسير (ريكاردو ) له ، واستطاع أن يميّز بين الريع التفاضلي الذي تحدّث عنه ريكاردو ، والريع المطلق الذي أثبت عن طريقه : أنّ للأرض بمجموعها ريعاً قائماً على أساس الاحتكار

ـــــــــــــــ

(١) راجع : المشكلة الاقتصادية : ٩٣ .

١٦٥

الطبيعي ، ومحدوديّة مساحة الأرض (١) .

ومن الناحية الثانية : هاجم اعترافريكاردو بمنطقية الربح الرأسمالي وشنّ حملة عنيفة ضدّه ، على أساس نظرية القيمة الفائضة التي تعتبر ـ بحقٍّ ـ الجزء الماركسي الصميم في البناء النظري الذي شادهماركس .

كيف وضع ماركس القاعدة الأساسية لاقتصاده ؟

يبدأ ماركس في استدلاله على جوهر القيمة بالتفرقة بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية فالسرير والملعقة ورغيف الخبز مجموعة من السلع تتضمّن كلّ واحدة منها قيمة استعمالية معيّنة بسبب المنفعة التي تؤدّيها السلعة ، وتختلف قيمها الاستعمالية تبعاً لاختلافها في نوعية المنفعة التي يجنيها الإنسان منها ، ولكلّ واحدة من تلك السلع قيمة من نوع آخر فإنّ السرير الخشبي الذي ينتجه الصانع كما يمكن أن ينام عليه ـ وهذا ما يحدّد قيمته الاستعمالية ـ كذلك يمكنه أن يستبدله بثوب يلبسه ، وهذا يعبّر عن القيمة التبادلية فالثوب والسرير بينما كانا متناقضين في منافعهما وقيمهما الاستعمالية ، نجد أنّهما يشتركان في قيمة تبادلية واحدة ، أي : إنّ كلاً منها يمكن استبداله بالآخر في السوق ؛ لأنّ سريراً خشبياً واحداً يساوي ثوباً حريرياً من نوع معيّن .

وهذه المعادلة تعني أنّه يوجد ثمّة في شيئين مختلفين : السرير والثواب ، شيءٌ مشترك بالرغم من اختلاف منافعهما وموادّهما فالشيئان هما إذن مساويان لشيء ثالث ليس في ذاته سريراً ولا ثوباً وهذا الشيء الثالث لا يمكن أن يكون خاصة طبيعية أو هندسية للبضائع ؛ لأنّ خصائصهما الطبيعية لا تدخل في الحساب إلاّ بقدر ما تمنحها من منفعة استعمالية ، ولمّا كانت القيم والمنافع الاستعمالية في الثوب والسرير مختلفة فيجب أن يكون الشيء الثالث المشترك بينهما أمراً غير القيم الاستعمالية ومقوّماتها الطبيعية ، فإذا أسقطنا من الحساب هذه القيم وطرحنا جميع الخصائص الطبيعية للثوب والسرير لا يبقى بين أيدينا إلاّ الصفة الوحيدة التي تشترك فيها السلعتان ، وهي : العمل البشري فكلّ منهما تجسيد لكمّية خاصة من العمل ، ولمّا كانت الكمّيتان المنفقتان على السرير والثوب متساويتين ، نتج عن ذلك تساويهما في القيمة التبادلية أيضاً .

ـــــــــــــــ

(١) رأس المال ٣ ، القسم الثاني : ١١٨٦ .

١٦٦

وهكذا ينتهي تحليل عملية التبادل إلى :أنّ العمل هو جوهر القيمة التبادلية (١)

ويتحدّد ثمن السلعة في السوق بصورة أساسية طبقاً لقانون القيمة التبادلية هذا ، أي : لكمّية العمل البشري المتجسّد فيها غير أنّ الثمن السوقي لا يطابق مع القيمة التبادلية الطبيعية التي يحدّدها القانون الآنف الذكر إلاّ في حالة معادلة العرض للطلب ومن هنا يمكن لثمن السلعة أن يرتفع عن قيمتها الطبيعية وفقاً لنسبة العرض إلى الطلب فقوانين العرض والطلب تستطيع أن ترفع الثمن أو تخفضه ، أي أن تجعله مناقضاً للقيمة الطبيعية ، ولكنّ القيم الطبيعية للسلع تحدّد بدورها من فعل قوانين العرض والطلب فهي وإن سمحت للسلعة بأن يزيد ثمنها عن قيمتها بسبب قلّة العرض وزيادة الطلب مثلاً ولكنّها لا تسمح لهذا الارتفاع أن يتزايد بشكل غير محدود ، ولذلك نجد أنّ المنديل ـ مثلاً ـ مهما تحكمت فيه قوانين العرض والطلب فهي لا تتمكّن من رفع ثمنه إلى ثمن السيارة وهذه القوّة الكامنة في المنديل التي تجذب الثمن إليها ولا تسمح له بالانطلاق غير المحدود هي القيمة التبادلية.

فالقيمة الطبيعية حقيقة ثابتة من وراء الثمن ، تخلقها كمّيات العمل المتجسّدة في السلع والثمن تعبير سوقي عنها تحدّده القيمة الطبيعية ، وتلعب قوانين العرض والطلب دوراً ثانوياً في خفضه ورفعه وفقاً لحالة المنافسة ونسبة العرض إلى الطلب ومدى وجود الاحتكار في السوق .

ـــــــــــــــ

(١) لاحظ : رأس المال ١ ، القسم الأوّل : ٤٤ ـ ٤٩ .

١٦٧

وقد لاحظماركس ـ و(ريكاردو ) من قبله ـ : أنّ قانون القيمة هذا لا ينطبق على حالات الاحتكار ؛ لأنّ القيمة في هذه الحالات تحدّد وفقاً لقوانين العرض والطلب التي يتحكّم فيها المحتكرون ، وكذلك لا ينطبق أيضاً على بعض ألوان الإنتاج الفني والأثري ، كاللوحة التي تنتجها ريشة فنّان مبدع ، أو الرسالة الخطّية التي يمتدّ تأريخها إلى مئات السنين ، فيكون لها ثمن مرتفع جداً نظراً إلى طابعها الفنّي أو التأريخي ، رغم الضآلة النسبية لكمية العمل الممثّلة فيها .

ولأجل هذا أعلنت الماركسية أنّ قانون القيمة القائم على أساس العمل يتوقّف :

أوّلاً : على توفّر المنافسة التامة ، فلا يسري إلى حالات الاحتكار .

وثانياً : على كون السلعة نتاجاً اجتماعياً يمكن إيجاده عن طريق العمل الاجتماعي دائماً ، فلا يسري القانون على الإنتاج الفردي الخاص كاللوحة الفنّية والرسالة الخطّية

ونودّ أن نشير قبل كلّ شيء إلى ظاهرة خطيرة في التحليل الماركسي لجوهر القيمة ، وهي أنّماركس اتّبع في تحليله واستكشافه لقانون القيمة طريقة تجريدية خالصة بعيداً عن الواقع الخارجي وتجاربه الاقتصادية وهكذا بدا فجأة وقد تقمّص شخصية (أرسطو ) الميتافيزيقية في الاستدلال والتحليل ولهذه الظاهرة سببها الذي اضطرماركس إلى هذا الموقف ؛ لأنّ الحقائق الواضحة عن الحياة الاقتصادية ، تعبّر دائماً عن ظواهر تناقض تماماً النتائج التي تؤدّي إليها النظرية الماركسيّة فإنّ من نتيجة هذه النظرية أنّ الأرباح المكتسبة تختلف من مشروع إلى آخر تبعاً لاختلاف كمّية العمل المأجور المنفق خلال الإنتاج دون أن يكون لكمّية الآلات والأدوات أثر في ذلك ، لأنّها لا تضفي على النتائج أيّة قيمة أكثر ممّا تفقده ، مع أنّ الربح في الحياة الاقتصادية السائدة يزداد كلّما ازدادت الآلات والأدوات التي يتطلّبها المشروع فلم يتمكّن ماركس لأجل هذا من التدليل على نظريته بشواهد من واقع الحياة الاقتصادية ، فحاول أن يبرهن عليها بصورة تجريدية ، حتى إذا أكمل مهمّته هذه جاء إلى النتائج المقلوبة في واقع الحياة الاقتصادية ليؤكّد أنّها لم توجد مقلوبة نتيجة لخطأ النظرية التي يؤمن بها ، وإنّما هي مظهر من مظاهر المجتمع الرأسمالي ، الذي يضطر المجتمع إلى الانحراف عن قانون القيمة الطبيعي والتكيف وفقاً لقوانين العرض والطلب(١) .

ـــــــــــــــ

(١) رأس المال ٣ ، القسم الثاني : ١١٨٥ .

١٦٨

نقد القاعدة الأساسية للاقتصاد الماركسي :

والآن فلنفحص قانون القيمة عندماركس في ضوء الدليل الذي قدّمه عليه

يبدأ ماركس في دليله ـ كما رأينا ـ من تحليل عملية التبادل ( تبادل السرير الخشبي بثوبٍ من حرير مثلاً ) ، فيرى أنّ هذه العملية تعبّر عن مساواة السرير للثوب في القيمة التبادلية ، ثمّ يتساءل : لماذا كان السرير والثوب متساويين في القيمة التبادلية ؟ ويجيب أنّ السبب في ذلك اشتراكهما في أمر واحد موجود فيهما بدرجة واحدة ، وليس هذا الأمر المشترك بين الثوب والسرير إلاّ العمل المتجسّد فيهما ، دون المنافع والخصائص الطبيعية التي يختلف فيها السرير عن الثوب ، فالعمل هو إذن جوهر القيمة

ولكن ماذا تقول الماركسية لو اصطنعنا نفس هذه الطريقة التحليلية ، في عملية تبادل بين إنتاج اجتماعي وإنتاج فردي ؟ أفليس للخط الأثري ـ وهو ما تسمّيه الماركسية بالإنتاج الفردي ـ قيمة تبادلية ؟! أوَليس من الممكن استبداله في السوق بنقد أو كتاب أو بأي مال آخر ؟! ، فإذا استبدلناه بنتاج اجتماعي كنسخة مطبوعة من تأريخ الكامل مثلاً ، كان معنى ذلك أنّ صفحة الخط الأثري مثلاً ، تساوي قيمتها التبادلية نسخة من تأريخ الكامل فلنفتّش هنا عن الأمر المشترك الذي أملى على السلعتين قيمة تبادلية واحدة ، كما فتّشت الماركسيّة عن الأمر المشترك بين السرير والثوب ، فكما كان يجب أن تكون القيمة التبادلية الواحدة للسرير والثوب تعبيراً عن صفحة مشتركة بينهما ( وهي في رأي الماركسية كمّية العمل المنفقة فيهما ) كذلك أيضاً تعبّر القيمة التبادلية الواحدة للخط الأثري ونسخة من تأريخ الكامل عن الأمر المشترك ، فهل يمكن أن يكون هذا الأمر المشترك هو كمّية العمل المنفقة عليهما ؟! كلاّ طبعاً ؛ فإنّنا نعلم أنّ العمل المتجسّد في الخطّ الأثري أقلّ كثيراً من العمل المتجسّد في نسخة مطبوعة من تأريخ الكامل بورقه وجلده وحبره وطباعته ، ولأجل هذا استثنت السلع الفنية والأثرية من قانون القيمة

١٦٩

ولسنا نؤاخذ الماركسية على هذا الاستثناء ؛ لأنّ لكلّ قانون من قوانين الطبيعة شروطه واستثناءاته الخاصة ، ولكنّنا نطالبها ـ على هذا الأساس ـ بتفسير الأمر المشترك بين الخطّ الأثري ونسخة من تأريخ الكامل ، اللذين تمّ التبادل بينهما في السوق كما يتمّ التبادل بين السرير والثوب فإن كان من الضروري أن يوجد من وراء المساواة في عملية التبادل أمر مشترك بين السلعتين المتساويتين في قيمتها ، فما هو هذا الأمر المشترك بين الخطّ الأثري ونسخة من تأريخ الكامل ، هاتين السلعتين المختلفتين في كمّية العمل المكتنز فيهما وفي نوعية المنفعة وشتى الخصائص ؟! أفلا يبرهن هذا على أنّ هناك أمراً مشتركاً بين السلع التي يجري بينها التبادل في السوق غير العمل المتجسّد فيها ، وأنّ هذا الأمر المشترك موجود في السلع المنتجة إنتاجاً فردياً كما يوجد في السلع التي تحمل طابع الإنتاج الاجتماعي ؟!

وإذا كان يوجد أمر مشترك بين جميع السلع بالرغم من اختلافها في كمّيات العمل المنفقة عليها ، وفي طابع العمل من ناحية كونه فردياً أو اجتماعياً ، واختلافهما أيضاً في المنافع والخصائص الطبيعية والهندسية ، إذا كان يوجد مثل هذا الأمر المشترك العام حقاً ، فلماذا لا يكون هو المصدر الأساسي للقيمة التبادلية وجوهرها الداخلي ؟!.

وهكذا نجد أنّ الطريقة التحليلية التي اتخذهاماركس تتوقّف به في منتصف الطريق ولا تسمح له بمواصلة استنتاجاته ، ما دامت كمّيات العمل المتجسّد في السلع قد تختلف اختلافا كبيراً مع مساواة بعضها لبعض في القيمة التبادلية فليست كمّيات العمل المتساوية هي السرّ الكامن وراء المساواة في عمليات التبادل

فما هو هذا السر الكامن إذن ؟

ما هو هذا الأمر المشترك بين الثوب والسرير ، والخطّ الأثري والنسخة المطبوعة من تأريخ الكامل ، الذي يحدّد لكلّ واحدة من هذه السلع قيمتها التبادلية تبعاً لنصيبها منه ؟

وفي رأينا هناك مشكلة أخرى تواجه قانون القيمة عندماركس لا يمكن للقانون أن يتغلّب عليها ؛ لأنّها تعبّر عن تناقض هذا القانون مع الواقع الطبيعي الذي يعيشه الناس مهما كان الطابع المذهبي والسياسي لهذا الواقع ، فلا يمكن أن يكون هذا القانون تفسيراً علمياً للواقع الذي يناقضه

١٧٠

ولنأخذ الأرض مثالاً لهذا التناقض بين القانون والواقع ، فالأرض تصلح ـ دون شكّ ـ لإنتاج عدد كبير من الحاصلات الزراعية ، أي لعدد كبير من الاستعمالات البديلة ، فيمكن أن تستعمل الأرض في زراعة الحنطة ، كما يمكن أن تستخدم ـ بدلاً عن الحنطة ـ في إنتاج القطن والرزّ ، وهكذا ومن الواضح أنّ الأرضي ليست متشابهة في كفاءتها الطبيعية ، فهناك من الأراضي ما يكون أكثر كفاءة في فرع معيّن من فروع الإنتاج الزراعي كإنتاج الرز مثلاً وهناك ما هو أكثر كفاءة لزراعة الحنطة أو القطن وهكذا تتمتّع كلّ أرضٍ باستعداد طبيعي يرشّحها لفرع معيّن من فروع الإنتاج ويعني هذا أنّ كمّية من العمل إذا أنفقت على زراعة الأرض في حالة تقسيمها على فروع الإنتاج الزراعي تقسيماً صحيحاً ، واستخدام كلّ أرض فيما هي أصلح له تنتج مقادير مهمّة من الحنطة والرزّ والقطن ، بينما لو صرفت نفس تلك الكمّية المعيّنة من العمل الاجتماعي في حالة توزيع سيء للأرض على فروع الإنتاج واستخدام كلّ أرض في غير ما هي أجدر به لَمَا أمكن الحصول إلاّ على جزء من تلك المقادير المهمّة فهل نستطيع أن نتصوّر أنّ هذا الجزء من الحنطة مثلاً ، يساوي ـ من الناحية التبادلية ـ ذلك المقدار المضاعف الذي ينتج في حالة توزيع الأرض ـ على فروع الإنتاج ـ توزيعاً صحيحاً ، لا لشيءٍ إلاّ لأنّه يساويه في كمّية العمل الاجتماعي المتجسّد فيه ؟! وهل يسمح الاتحاد السوفييتي ـ القائم على أساس ماركسي ـ لنفسه أن يساوي في التبادل بين هاتين الكمّيتين المختلفتين ، بوصفهما تعبيراً عن كمّية واحدة من العمل الاجتماعي .

إنّ الاتحاد السوفييتي ، وأيّ دولة أخرى في العالم ، تدرك عملياً ـ دون شك ـ مدى الخسارة التي تحيق بها من جراء عدم استخدام كلّ أرض فيما هي أكثر صلاحية له .

١٧١

وهكذا نعرف أنّ الكمّية الواحدة من العمل الزراعي قد تنتج قيمتين مختلفتين ، تبعاً للطريقة المتبّعة في تقسيمها على الأراضي المتنوّعة ومن الواضح ـ في ضوء ذلك ـ أنّ القيمة المضاعفة التي تحصل من استخدام كلّ أرض فيما هي أكثر صلاحية له ليست نتيجة للطاقة التي أنفقت في الإنتاج ، لأنّ الطاقة هي الطاقة لا تتغيّر ، سواء زرعت كلّ أرض بما هي أصلح له أم زرعت بغيره ، وإنّما هي ـ القيمة المضاعفة ـ مدينة للدور الإيجابي الذي تلعبه الأرض نفسها في تنمية الإنتاج وتحسينه(١) .

ـــــــــــــــ

(١) ويمكن للماركسية أن تقرّر ـ بصدد الدفاع عن وجهة نظرها ـ : أنّ الكيلو من القطن مثلاً إذا كان يتطلب إنتاجه ساعة من العمل في بعض الأراضي وساعتين من العمل في البعض الآخر ، فلا بدّ من أخذ المعدّل لمعرفة العمل المتوسط اللازم اجتماعيا لإنتاج كيلو من القطن ، وهو ـ في مثالنا ـ ساعة ونصف ، فيصبح الكيلو من القطن تعبيراً عن ساعة ونصف من العمل الاجتماعي المتوسّط ، وتحدّد قيمته وفقاً لذلك ، ويكون عمل ساعة في الأرض الأكثر كفاية منتجاً لقيمة أضخم من القيمة التي ينتجها عمل ساعة في الأرض الأخرى ؛ لأنّ العملين وإن كانا متساويين من ناحية شخصية ولكن كمّية العمل الاجتماعي المتوسّط المتضمّنة في أحدهما أكبر منها في الآخر ؛ لأنّ عمل ساعة في الأرض الخصبة يساوي ساعة ونصف من العمل الاجتماعي المتوسّط ، وأمّا عمل ساعة في الأرض الأخرى فهو يعادل ثلاثة أرباع ساعة من العمل المتوسط اجتماعياً فمردّ الفرق بين النتاجين في القيمة التبادلية هو اختلاف العملين نفسيهما في كمّية العمل الاجتماعي المتوسط المتضمّن في كلّ منهما .

ولكنّنا بدورنا نتساءل : أنّ عمل ساعة في الأرض الأكثر كفاءة لزراعة القطن كيف أصبح أكبر من نفسه ؟ وبقدرة أيّ قادر أضيفت إليه نصف ساعة من العمل فأصبح يساوي عمل ساعة ونصف ؟! إنّ هذه النصف ساعة من العمل التي دسّت نفسها بطريقة سحرية في عمل ساعة ونصف فصيّرته أكبر من نفسه ، ليست إنتاجا إنسانيا ، و لا تعبيراً عن طاقة منفقة في سبيلها ـ لأنّ الإنسان لم يصرف في استخدام الأرض الأكثر كفاءة ذرّة من طاقة أكثر ممّا يصرف في استخدام الأرض الأقل كفاءة ـ وإنّما هو نتاج الأرض الخصبة نفسها ، فخصب الأرض هو الذي قام بالعمل السحري ، فمنح مجّاناً نصف ساعة من العمل الاجتماعي للعامل .

فإذا كانت نصف الساعة هذه تدخل في حساب القيمة التبادلية للإنتاج كان معنى ذلك أنّ الأرض ـ بقدرتها على تمديد ساعة من العمل ومنحها قوّة ساعة ونصف ـ ذات دور إيجابي في تكوين القيمة التبادلية ، وليس العمل الإنتاجي من المنتج هو وحده جوهر القيمة ومصدرها .

وإمّا إذا لم تدخل نصف الساعة السحرية في حساب القيمة ، وتحدّدت القيمة وفقاً للعمل الذي قدّمه الإنسان فحسب كان معنى ذلك أنّ القطن الناتج عن عمل ساعة في الأرض الأكثر كفاءة له يساوي القطن الناتج عن عمل ساعة في الأرض الأقلّ كفاءة ، وبمعنى آخر : أنّ كيلو من القطن يساوي نصف كيلو منه ( المؤلّف قدّس سرّه ) .

١٧٢

وهكذا نواجه السؤال السابق نفسه مرّة أخرى : ما هو المحتوى الحقيقي للقيمة التبادلية الذي تلعب الطبيعة دوراً في تكوينه ، كما يلعب العمل الإنتاجي دوره الخطير في ذلك ؟

وظاهرة أخرى لا تستطيع الماركسية أن تفسّرها ، على ضوء قانونها الخاص في القيمة ، بالرغم من وجودها في كلّ مجتمع ، وهي : انخفاض القيمة التبادلية للسلعة تبعاً لانخفاض الرغبة الاجتماعية فيها : فكلّ سلعة إذا تضاءلت الرغبة فيها ولم يعد المجتمع يؤمن بمنفعة مهمّة لها تفقد ـ بسبب ذلك ـ جزءاً من قيمتها التبادلية ، سواء كان هذا التحوّل ـ في رغبات المجتمع ـ نتيجة عامل سياسي أو ديني أو فكري أو أيّ عاملٍ آخر ، وهكذا تتضاءل قيمة السلعة بالرغم من احتفاظها بنفس الكمّية من العمل الاجتماعي ، وبقاء ظروف إنتاجها كما هي دون تغيير وهذا يبرهن بوضوح على أنّ للدرجة التي تتيحها السلعة من الانتفاع وإشباع الحاجات أثراً في تكوين القيمة التبادلية فمن الخطأ أن تعتبر نوعية القيمة الاستعمالية ودرجة الانتفاع بالسلعة كمّية مهملة ، كما تقرّر الماركسية

والماركسية حين تتغاضى عن هذه الظاهرة وتحاول تفسيرها في ضوء قوانين العرض والطلب تؤكّد على ظاهرة أخرى ، بوصفها تعبيراً واقعياً عن قانونها في القيمة ، وهي : أنّ القيمة التبادلية تتناسب طردياً مع كمّية العمل المتجسّد في السلعة فإذا ساءت ظروف الإنتاج وتطلّب عملاً مضاعفاً في سبيل إنتاج السلعة تضاعفت قيمتها التبادلية تبعاً لذلك وإذا اتفق عكس هذا فتحسّنت ظروف الإنتاج وأصبح من الممكن الاكتفاء بنصف الكمّية السابقة من العمل الاجتماعي في إنتاج السلع انخفضت قيمة السلعة بدورها إلى النصف أيضاً

وهذه الظاهرة وإن كانت حقيقة واضحة في مجرى الحياة الاقتصادية ولكنّها لا تبرهن على صحّة قانون القيمة عند الماركسية ؛ إذ كما يمكن لهذا القانون أن يفسّر هذا التناسب بين القيمة وكمّية العمل ، كذلك يمكن تفسيره في ضوء آخر أيضاً فإنّ ظروف إنتاج الورق مثلاً إذا ساءت وتطلّب إنتاجه كمّية مضاعفة من العمل انخفضت كمّية الورق المنتجة اجتماعياً إلى النصف ـ في حالة بقاء مجموع العمل الاجتماعي المنفق على إنتاج الورق بنفس الكمّية السابقة ـ وحين تنخفض كمية الورق المنتج إلى النصف يصبح أكثر ندرة ، وتزداد الرغبة فيه ، وترتفع منفعته الحدّية .

١٧٣

وإذا حدث العكس ، فانخفضت كمّية العمل التي يتطلّبها إنتاج الورق إلى النصف فسوف تتضاعف كمّية الورق التي ينتجها المجتمع ـ في حالة بقاء مجموع العمل الاجتماعي المنفق على إنتاج الورق بنفس الكمّية السابقة ـ وتهبط منفعة الحدّية ، وتقل ندرته نسبياً ، وبالتالي تنخفض قيمته التبادلية وما دام من الممكن تفسير الظاهرة في ضوء عامل الندرة ، أو المنفعة الحدّية ، كما يمكن تفسيرها على أساس القانون الماركسي في القيمة فلا يمكن أن تعتبر دليلاً علمياً من واقع الحياة على صحّة هذا القانون دون سواه من الفرضيات

والعمل ـ بعد هذا كلّه ـ عنصر غير متجانس يضمّ وحدات من الجهود مختلفة في أهمّيتها ومتفاوتة في درجتها وقيمتها فهناك العمل الفنّي الذي يتوقّف على خبرة خاصة ، والعمل البسيط الذي لا يحتاج إلى الخبرة العلمية والفنية فساعة من عمل الحمّال تختلف عن ساعة من عمل المهندس المعماري ، ونهار من عمل الصانع الفنّي الذي يبذله لإنتاج محرّكات كهربائية يختلف ـ تمام الاختلاف ـ عن عمل العامل الذي يحفر السواقي الصغيرة في الحديقة

وهناك أيضاً العوامل الذاتية الكثيرة التي تؤثّر على العمل ـ باعتباره صفة إنسانية ـ فتحدّد أهمّية ودرجة كفايته ، كما تحدّد الجهد النفسي والعضوي الذي يتطلّبه فالاستعداد الطبيعي العضوي والذهني للعامل ، ومدى رغبته في النبوغ والتفوّق على الآخرين ، ونوعية ما يختلج في نفسه من عاطفة بالنسبة إلى العمل ، يجعله يُقبل عليه مهمّا بلغت مشقّته أو يعرض عنه مهما خفّ عبؤه ، وما يشعر به من حيف وحرمان ، أو ما ينعم به من حوافز تدفعه إلى التفنّن والإبداع ، وما تحيط به من ظروف تدعه فريسة لعوامل السأم والضجر ، أو تبعث في نفسه شيئاً من قوّة الأمل والرجاء كلّ هذه الأمور تعتبر من العوامل التي تؤثّر على نوعية العمل وتحدّد قيمته .

فمن الخطأ أن تقاس الأعمال قياساً كمّياً عددياً فحسب ، وإنّما هي بحاجة إلى قياس نوعي وصفي أيضاً ، يحدّد نوعية العمل المقاس ومدى تأثّره بتلك العوامل فساعة من العمل في ظل شروط نفسية ملائمة ، أكثر كفاية في إنتاجها من ساعة عمل في ظلّ شروط معاكسة فكما يجب أن نقيس كمّية العمل ـ وهذا هو العنصر الموضوعي في المقياس ـ كذلك يجب أن نقيس أيضاً نوعية العمل وأوصافه في ضوء العوامل النفسية المختلفة التي تؤثّر فيه ، وهذا هو العنصر الذاتي في المقياس

ومن الواضح أنّا إذا كنا نملك دقائق الساعة بوصفه مقياساً للعنصر الموضوعي وضبط كمّية العمل ، فلا نملك مقياساً نقيس به العنصر الذاتي للعمل ونوعيته وأوصافه التي تُحدّد طبقاً له

١٧٤

فبِمَ تتخلّص الماركسية من هاتين المشكلتين : مشكلة قياس عامّ للكمّيات الفنّية وغير الفنّية من العمل ، ومشكلة قياس نوعي لكفاية العمل وفقاً للمؤثّرات النفسية والعضوية والذهنية التي تختلف بين عامل وآخر ؟

أمّا المشكلة الأولى فقد حاولت الماركسية حلّها عن طريق تقسيم العمل إلى : بسيطٍ ومركبفالعمل البسيط هو الجهد الذي يعبّر عن طريق القوّة الطبيعية التي يملكها كلّ إنسان سَوي ، بدون تنمية خاصة لجهازه العضوي والذهني ، كعمل الحمّالوالعمل المركب هو : العمل الذي تستخدم فيه الإمكانات والخبرة التي اكتسبت عن طريق عمل سابق ، كأعمال المهندس والطبيب فالمقياس العام للقيمة التبادلية هو العمل البسيط ولمّا كان العمل المركب عملاً بسيطاً مضاعفاً ، فهو يخلق قيمة تبادلية أكبر ممّا يخلقه العمل البسيط المجرّد فالعمل في أسبوع الذي ينفقه المهندس الكهربائي على صنع جهاز كهربائي خاص أضخم من عمل أسبوع ينفقه الحمّال على حمل الأثقال ؛ نظراً إلى ما يتضمّنه عمل المهندس من جهد وعمل سابق بذل في سبيل اكتساب الخبرة الهندسية الخاصة

ولكن هل يمكن أن نفسّر الفرق بين العمل الفنّي وغيره على هذا الأساس ؟

إنّ هذا التفسير الماركسي للتفاوت بين عمل المهندس الكهربائي وعمل العامل البسيط يعني : أنّ المهندس الكهربائي إذا أنفق عشرين سنة مثلاً ، في سبيل الظفر بدرجة علمية وخبرة فنّية في الهندسة الكهربائية ومارس العمل بعد ذلك عشرين سنة أخرى يحصل على قيمة لمجموع نتاجه الذي أنجزه خلال العقدين تساوي القيمة التي يخلقها الحمّال عن طريق مشاركته في الإنتاج بحمل الإثقال خلال أربعة عقود ، وبمعنى آخر : أنّ يومين من عمل الحمّال الذي يساهم في الإنتاج بطريقته الخاصة تعادل يوماً واحداً من عمل المهندس الكهربائي ؛ لما يتضمّنه هذا اليوم من عمل دراسي سابق فهل هذا هو الواقع الذي نشاهده في مجرى الحياة الاقتصادية ؟ أو هل يمكن لأيّ سوق أو دولة الموافقة على مبادلة إنتاج يومين من عمل العامل البسيط بنتاج يوم واحد من عمل المهندس الكهربائي ؟!

١٧٥

ولا شكّ أن من حسن حظ الاتحاد السوفييتي أنّه لا يفكّر في الأخذ بالنظرية الماركسية عن العمل البسيط والمركب ، وإلاّ لمُني بالدمار إذا أعلن : استعداده لإعطاء مهندس في مقابل كلّ عاملين بسيطين ولذلك نجد أنّ العامل الفنّي في روسيا قد يزيد راتبه على راتب العامل البسيط بعشرة أضعاف أو أكثر ، بالرغم من أنّه لم يقض تسعة أضعاف عمر العامل البسيط في الدراسة ، وبالرغم من توفّر الكفاءات الفنّية في روسيا بالكمّية المطلوبة ، كتوفّر القوى العاملة البسيطة كذلك فمرّد الفرق ـ إذن ـ إلى قانون القيمة وليس إلى ظروف العرض والطلب ، وهو فرق كبير لا يكفي لتفسيره إدخال العمل السابق في تكوين القيمة .

وأمّا المشكلة الثانية ( مشكلة قياس نوعي لكفاية العمل وفقاً للمؤثّرات النفسية والعضوية والذهنية التي تختلف بين عامل وآخر ) فقد تخلّصت عنها الماركسية بأخذ المعدّل الاجتماعي للعمل مقياساً للقيمة فقد كتبماركس يقول :

( إنّ الوقت الضروري اجتماعياً لإنتاج البضائع هو الوقت الذي يقتضيه كلّ عمل يجري إنتاجه بدرجة وسطية من المهارة والقوّة وفي شروط اعتيادية طبيعية بالنسبة إلى البيئة الاجتماعية المعينة إذن ، فكمّية العمل وحدها أو وقت العمل الضروري في مجتمع معيّن لإنتاج صنف ما هي التي تحدّد كمّية القيمة وكلّ بضاعة خاصة تعتبر ـ بصورة عامة ـ بمثابة نسخة وسطية عن نوعها ) (١) .

وعلى هذا الأساس ، إذا كان العامل المنتج يتمتّع بشروط ترفعه عن الدرجة الوسيطة اجتماعياً يصبح بإمكانه أن يخلق لبضاعته خلال عمل ساعة قيمة أرقى من القيمة التي يخلقها العامل الوسطي خلال تلك الساعة ؛ لأنّ ساعة من عمله تفوق ساعة من معدل العمل الاجتماعي للعمل فالمعدل الاجتماعي للعمل ، ولمختلف العوامل المؤثّرة فيه ، هو المقياس العام للقيمة .

والخطأ الذي ترتكبه الماركسية بهذا الصدد هو أنّها تدرس المسألة دائماً بوصفها مسألة كمّية فالشروط العالية التي تتهيأ للعامل ليست ـ في نظر الماركسية ـ إلاّ عوامل تساعد العامل على إنتاج كمّية أكبر في وقت أقصر ، فتصبح الكمّية التي ينتجها في ساعة أوفر من الكمّية المنتجة في ساعة من معدل العمل الاجتماعي ، وبالتالي أكثر قيمة منها بينما ينتج هذا العامل مترين من النسيج في

ـــــــــــــــ

(١) رأس المال ١ ، القسم الأوّل : ٤٩ ـ ٥٠ .

١٧٦

ساعة واحدة، ينتج العامل الوسطي خلال تلك الساعة متراً واحداً فقط فيكون للمترين ضعفا قيمة هذا المتر الواحد ؛ لأنّهما يعبّران عن ساعتين من العمل الاجتماعي العام وإن تمّ إنتاجهما في الواقع بساعة واحدة من العمل الممتاز .

ولكنّ الشيء الجدير بالملاحظة هو أنّ الشروط الذهنية والعضوية والنفسية التي لا يتمتّع بها العامل الوسطي لا تعني دائماً زيادة كمية في منتوج العامل الذي يحظى بتلك الشروط ، بل قد تعني أحياناً امتيازاً كيفياً في السلعة المنتجة كما إذا كان هناك رسّامان تستغرق عملية التصوير عند كلّ منهما ساعة ولكن الاستعداد الطبيعي عند أحدهما يجعل الصورة التي يرسمها أروع من الصورة الأخرى فالمسألة هنا ليست مسألة إنتاج كمّية أضخم في وقت أقصر ، بل الذي لا يملك تلك الموهبة الطبيعية لا يستطيع أن يأتي بنظير تلك الصورة ولو ضاعف الوقت الذي ينفقه على عملية التصوير فلا نستطيع إذن القول : بأنّ الصورة الأكثر روعة تعبّر عن ساعتين من العمل الاجتماعي العام ، فإنّ ساعتين من العمل الاجتماعي العام لا تكفي أيضاً لإنتاج هذه الصورة التي أبدعها الرسّام الموهوب بفضل استعداده الطبيعي

وهنا نصل إلى النقطة الأساسية في شأن هاتين الصورتين ، وهي : أنّهما تختلفان في قيمتهما دون شكّ في كلّ سوق مهما كانت طبيعته السياسية ، ومهما كانت نسبة العرض فيه إلى الطلب ، فإنّ أحداً لا يقبل أن يستبدل الصورة الرائعة بالصورة الأخرى ولو كان الطلب والعرض متعادلين ، وهذا يعني : أنّ الصورة الرائعة تستمدّ قيمتها من عنصر لا يوجد في الصورة الأخرى ، وليس هذا العنصر هو كمّية العمل ؛ لأنّ روعة الصورة ـ كما عرفنا ـ لا تعبّر عن عمل كمّي زائد ، وإنّما تعبّر عن نوعية العمل المنفق على إنتاجها فلا يكفي إذن المقياس الكمّي للعمل ـ أو دقائق الساعة بتعبير آخر ـ لضبط قيمة السلع التي تتجسّد فيها تلك الكمّيات المختلفة من العمل فليس من الممكن أن نجد دائماً في كمّية العمل الفردي أو الاجتماعي تفسيراً لتفاوت السلع في قيمتها التبادلية ، لأنّ مردّ هذا التفاوت أحياناً إلى الكيف لا إلى الكم ، إلى الصفة والنوعية لا إلى عدد ساعات العمل .

هذه بعض الصعوبات العلمية التي تعترض طريقماركس ، وتبرهن على عدم كفاية القانون الماركسي لتفسير القيمة التبادلية ولكنماركس ـ بالرغم من كلّ هذه الصعاب ـ وجد نفسه مضطرّاً إلى قانونه هذا ، كما يبدو بكلّ وضوح من تحليله النظري للقيمة الذي استعرضناه في مستهلّ هذا البحث ؛ لأنّه حين حاول أن يستكشف الأمر المشترك بين السلعتين المختلفتين كالسرير والثوب

١٧٧

أسقط من الحساب المنفعة الاستعمالية وجميع الخصائص الطبيعية والرياضية ؛ لأنّ السرير يختلف عن الثوب في منفعته وخصائصه الفيزيائية والهندسية ، وبدا له ـ عندئذٍ ـ أنّ الشيء الوحيد الذي ظلّ مشتركاً بين السلعتين هو العمل البشري المنفق خلال إنتاجهما .

وهنا يكمن الخطأ الأساسي في التحليل ، فإنّ السلعتين المعروضتين في السوق بثمنٍ واحد وإن كانتا مختلفتين في منفعتهما وفي خصائصهما الفيزيائية والكيميائية والهندسية ولكنّهما بالرغم من ذلك مشتركتان في صفة سيكولوجية موجودة بدرجة واحدة فيهما معاً ، وهي الرغبة الإنسانية في الحصول على هذه السلعة وتلك فهناك رغبة اجتماعية في السرير ورغبة اجتماعية في الثوب ، ومردّ هاتين الرغبتين إلى المنفعة الاستعمالية التي يتمتّع بها السرير والثوب فهما وإن كانا مختلفين في نوعية المنفعة التي يؤدّيها كلّ منها ولكنّهما يشتركان في نتيجة واحدة ، وهي الرغبة الإنسانية وليس من الضروري ـ في ضوء هذا العنصر المشترك ـ أن يعتبر العمل أساساً للقيمة بوصفه الأمر المشترك الوحيد بين السلع المتبادلة كما زعمت الماركسيّة ، ما دمنا قد وجدنا أمراً مشتركاً بين السلعتين غير العمل المنفق على إنتاجهما

وبذلك ينهار الاستدلال الرئيسي الذي قدّمه لناماركس على قانونه ، ويصبح من الممكن أن تحلّ الصفة السيكولوجية المشتركة موضع العمل وتُتّخذ مقياساً للقيمة ومصدراً لها وعندئذٍ فقط يمكننا أن نتخلّص من الصعوبات السابقة التي اعترضتماركس ، وأنّ نفسّر ـ في ضوء هذا العنصر الجديد المشترك ـ الظواهر التي عجز قانون القيمة الماركسي عن تفسيرها فالخطّ الأثري والنسخة المطبوعة من تأريخ الكامل اللذان كنا نفتّش عن الأمر المشترك بينهما فلم نجده في العمل لاختلاف كمّية العمل المنفقة فيهما سوف نجد الأمر المشترك بينهما الذي يفسّر قيمتهما التبادلية في هذا المقياس السيكولوجي الجديد فالخط الأثري والنسخة المطبوعة من تأريخ الكامل إنّما يتمتّعان بقيمة تبادلية واحدة ؛ لأنّ الرغبة الاجتماعية موجودة فيهما بدرجة متساوية .

وكذلك تذوب سائر المشاكل الأخرى في ضوء هذا المقياس الجديد ، ولمّا كانت الرغبة في السلعة ناتجة عن منفعتها الاستعمالية فلا يمكن إذن أن نسقط المنافع الاستعمالية من حساب القيمة ، ولذلك نجد أنّ السلعة التي ليس لها منفعة لا تملك قيمة تبادلية إطلاقاً مهما أُنفق على إنتاجها من عمل وقد اعترفماركس نفسه بهذه الحقيقة ولكنّه لم يوضح لنا ـ ولم يكن من الممكن له أن يوضح ـ سرّ هذا الترابط بين المنفعة الإستعمالية والقيمة التبادلية ، وكيف دخلت المنفعة الاستعمالية في عملية

١٧٨

تكوين القيمة التبادلية مع أنّه أسقطها منذ البدء لأنّها تختلف من سلعة لأخرى ؟! وأمّا في ضوء المقياس السيكولوجي فالترابط بين المنفعة والقيمة واضح تماماً ما دامت المنفعة هي أساس الرغبة والرغبة هي مقياس القيمة ومصدرها العام .

والمنفعة الاستعمالية وإن كانت الأساس الرئيسي للرغبة ولكنّها لا تنفرد بتحديد الرغبة في الشيء ، فإنّ درجة الرغبة ـ في أيّ سلعة كانت ـ تتناسبطرداً مع أهمية المنفعة التي تؤدّيها السلعة ، فكلّما كانت السلعة أعظم منفعةً كانت الرغبة فيها أكثر وتتناسب درجة الرغبة عكسياً مع مدى إمكانية الحصول على السلعة ، فكلّما توفّرت إمكانات الحصول على السلعة أكثر تنخفض درجة الرغبة في السلعة وبالتالي تهبط قيمتها ومن الواضح أنّ إمكانية الحصول على السلعة تتبع الندرة والكثرة ، فقد يكون الشيء كثيراً ومتوفّراً بصورة طبيعية إلى الدرجة التي تجعل من الممكن الحصول عليه من الطبيعة دون جهد ، كالهواء ، وفي هذه الحالة تبلغ القيمة التبادلية درجة الصفر لانعدام الرغبة ، ومهما قلّت إمكانية الحصول على الشيء تبعاً لقلّة وجوده أو صعوبة إنتاجه ازدادت الرغبة فيه وتضخّمت قيمته (١) .

ـــــــــــــــ

(١) وهذا العرض أكثر انطباقاً على الواقع من نظرية المنفعة والحدّية القائمة على قانون تناقض المنفعة ، وهي النظري التي تقدّر قيمة السلعة على أساس ما للواحدة الأخيرة من وحدات السلع من قدرة على إشباع الرغبة والوحدة الأخيرة هي أقلّ الوحدات إشباعاً للرغبة ؛ نظراً إلى تناقص الرغبة بإلاشباع التدريجي ، فتحدّد قيمة كل الوحدات طبقاً لما تتيحه الوحدة الأخيرة من إشباع ؛ ولهذا كانت كثرة السلعة سبباً في تناقص المنفعة الحدّية وانخفاض قيمتها بوجه عامّ .

وهذه النظرية لا تفسّر الواقع تماماً ؛ لأنّها لا تنطبق على بعض الحالات التي قد يكون استهلاك الوحدة الأولى من السلعة أو الوحدات الأولى سبباَ لزيادة الرغبة وشدّة الحاجة إلى استهلاك وحدات جديدة ، كما يتّفق ذلك في المواد التي يسرع الاعتياد عليها فلو صحّت نظرية المنفعة الحدّية لكان من نتيجتها أن تزداد القيمة التبادلية في مثل هذه الحالة بزيادة الوحدات المعروضة من السلعة ؛ لأنّ الرغبة أو الحاجة حال استهلاك الوحدة الثانية أشدّ من الرغبة أو الحاجة حال استهلاك الوحدة الأولى ، مع أنّ الواقع العام يدلّ على العكس ، وهذا يدلّ على أنّ المقياس العام ليس هو الدرجة التي يحسّها الإنسان من الحاجة إلى الإشباع عند استهلاك الوحدة الأخيرة ، بل إنّ درجة إمكانية الحصول هي التي تحدّد ـ مع نوعية المنفعة وأهميتها ـ قيمة السلعة ( المؤلّف قدّس سرّه )

١٧٩

نقد الماركسية للمجتمع الرأسمالي :

قد يتبادر إلى بعض الأذهان أنّنا حين ندرس الملاحظات الماركسيّة حول المجتمع الرأسمالي إنّما نستهدف من وراء ذلك إلى تزييف هذه الملاحظات وتبرير الرأسمالية ، نظراً إلى كونها واقعاً معترفاً به في المجتمع الإسلامي الذي يؤمن بالملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج ويرفض الأخذ بمبدأ الملكية الاشتراكية ، فما دام الإسلام يحتضن الرأسمالية فيجب إذن على المذهبيّين الإسلاميين أن يفنّدوا مزاعم الماركسيّة حول الواقع الرأسمالي المعاش في تأريخنا الحديث ، ويقدّموا الدليل على خطأ التحليل الماركسي فيما يبرزه من مضاعفات هذا الواقع وتناقضاته ونتائجه الفظيعة التي تشتدّ وتتفاقم حتى تقضي عليه .

قد يتبادر إلى الأذهان شيء من هذا ، ولكنّ الواقع أنّ الموقف الإسلامي للباحث لا يفرض عليه أن يُنصبَ نفسه مدافعاً عن الواقع الرأسمالي المعاش وأنظمته الاجتماعية ، وإنّما يجب إبراز الجزء المشترك بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الرأسمالي ، ودرس التحليل الماركسي ليتبيّن مدى علاقته بهذا الجزء المشترك .

فمن الخطأ إذن ما يتّجه إليه بعض المذهبيّين الإسلاميين من الدفاع عن واقع الرأسمالية الغربية ، وإنكار ما يضج به من أخطاء وشرور ، ظنّاً منهم بأنّ هذا هو السبيل الوحيد لتبرير الاقتصاد الإسلامي الذي يعترف بالمِلكيّة الخاصة .

كما أنّ من الخطأ أيضاً ـ وقد عرفنا أنّ العامل الاقتصادي ليس هو العامل الأساسي في المجتمع ـ الطريقة التي اتخذهاماركس في تحليل المجتمع الرأسمالي والكشف عن عوامل الدمار فيه ، إذ اعتبر جميع النتائج التي تكشّف عنها المجتمع الرأسمالي على مسرح التأريخ وليدة مبدأ أساسي لهذا المجتمع ، وهو مبدأ الملكيّة الخاصة ، فكلّ مجتمع يؤمن بالملكية الخاصة يسير حتماً في الاتجاه التأريخي الذي سار فيه المجتمع الرأسمالي ، ويُمني بنفس النتائج والتناقضات .

وهكذا أرى من الضروري ، لتصفية الحساب مع موقف الماركسيّة من المجتمع الرأسمالي ، أن نؤكّد دائماً على هاتين الحقيقتين :

أوّلاً : أنّ الهدف المذهبي للباحثين المسلمين في الاقتصاد لا يفرض عليهم أن يصحّحوا أوضاع المجتمع الرأسمالي ، ويتنكّروا للحقائق المرّة التي تعصف به

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الجاهلية، مع أنّ (الصحاح) إنّما قال: (و إذا علم القامر يفوز قدحه قيل جرى ابناعيان)، لا كما قال ابن أبي الحديد: استعان الإنسان، إذا قال وقت الظفر و الغلبة هذه الكلمة. مع أنّه أيّ ربط للاستعانه بمثل (ابناعيان) و الاستعانة من العون، و ابناعيان من العين و بينهما بون ذكر (الصحاح) و (القاموس) الأوّل في الأوّل( ١ ) و الثاني في الثاني( ٢ ) ، و قد عرفت كلام (الصحاح)، و في (القاموس):

ابناعيان ككتاب طائران أو خطان يخطهما العائف في الأرض، ثم يقول ابناعيان أسرعا البيان و إذا علم...( ٣ ) ، مع أنّك قد عرفت أنّ أصل الاستعانه تصحيف من المصنّف.

«و عونان على العجز و الأود» بالتحريك مصدر أود الشي‏ء بالكسر أي:

اعوج.

ثم الظاهر أنّ طلحة و الزبير لمّا رأيا أنّ عمر كان شريك أبي بكر في خلافته، و بني اميّة لا سيما مروان كانوا شركاء عثمان في خلافته، طمعا منهعليه‌السلام ذلك.

٦ - الخطبة (٢٠٥) و من كلام له ع كلم به؟ طلحة؟ و؟ الزبير؟ بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما:

لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَ أَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لاَ تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ وَ أَيُّ قَسْمٍ اِسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ.

____________________

(١) الصحاح ٦: ٢١٦٩، مادة: (عون)، القاموس المحيط ٤: ٢٥٠ مادة (عون).

(٢) الصحاح ٦: ٢١٧٢، مادة: (عين)، القاموس المحيط ٤: ٢٥٢، مادة: (عين).

(٣) القاموس المحيط ٤: ٢٥٢، مادة: (عين).

٥٤١

وَ اَللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي اَلْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ وَ لاَ فِي اَلْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ وَ لَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ مَا اِسْتَنَّ؟ اَلنَّبِيُّ ص؟ فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا وَ لاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَ لاَ وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَ إِخْوَانِي اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَ لاَ عَنْ غَيْرِكُمَا.

وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ اَلْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَ لاَ وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص؟

قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اَللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وَ أَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَ اَللَّهِ عِنْدِي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى.

أَخَذَ اَللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى اَلْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ ثم قال ع رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَ كَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ أقول: رواه أبو جعفر الاسكافي في (نقض العثمانية) فقال بعد ذكر قصّة بيعتهعليه‌السلام : ثم بعث عليّعليه‌السلام بعمّار بن ياسر و عبد الرحمن بن حنبل إلى طلحة و الزبير و هما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما فقاما حتّى جلسا إلى عليّعليه‌السلام فقال لهما: نشدتكما اللّه هل جئتماني طائعين للبيعة، و دعوتماني إليها و أنا كاره لها؟ قالا: نعم، فقالعليه‌السلام : غير مجبرين و لا مقسورين فأسلتما لي بيعتكما و أعطيتماني عهدكما؟ قالا: نعم، قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا: أعطيناك بيعتنا على أن لا تقتضي الامور و لا

٥٤٢

تقطعها دوننا، و تستشيرنا في كلّ أمر و لا تستبد بذلك علينا، و لنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، و أنت تقسم و تقطع الأمر و تمضي الحكم بغير مشاورتنا و لا علمنا. فقال عليّعليه‌السلام : لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا، فاستغفرا اللّه يغفر لكما، ألا تخبرانني أدفعتكما عن حقّ واجب لكما فظلمتكما إيّاه؟ قالا: معاذ اللّه. قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشي‏ء؟ قالا: معاذ اللّه. قال: أفوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا:

معاذ اللّه. قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، إنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا، و سوّيت بيننا و بين من لا يماثلنا فيما أفاء اللّه تعالى بأسيافنا و رماحنا، و أوجفنا عليه بخيلنا، و ظهرت عليه دعوتنا، و أخذناه قسرا عمّن لا يرى الإسلام إلاّ كرها. فقالعليه‌السلام :

أما ما ذكرتموه من الاستشارة بكما فو اللّه ما كانت لي في الولاية رغبة، و لكنّكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها، فخفت أن أردّكم فتختلف الامّة، فلمّا أفضت إليّ نظرت في كتاب اللّه و سنّة رسوله، فأمضيت ما دلاّني عليه و اتّبعته، و لم احتج إلى رأيكما فيه و لا رأي غيركما، و لو وقع حكم ليس في كتاب اللّه بيانه و لا في السنّة برهانه، و احتيج إلى المشاورة فيه تشاورتكما.

و أما القسم و الاسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادى‏ء بدء، قد وجدت أنا و أنتما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بذلك، و كتاب اللّه ناطق به، و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

و أمّا قولكما: جعلت فيئنا و ما أفاءته سيوفنا و رماحنا سواء بيننا و بين غيرنا، فقديما سبق إلى الإسلام قوم و نصروه بأسيافهم و رماحهم، فلا فضّلهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القسمة و لا آثرهم بالسبق، و اللّه سبحانه موف السابق و المجاهد يوم القيامة أعمالهم، و ليس لكما و اللّه عندي و لا لغيركما إلاّ

٥٤٣

هذا، أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ و ألهمنا و إيّاكم الصبر ثمّ قال: رحم اللّه امرأ رأى حقّا فأعان عليه، و رأى جورا فردّه و كان عونا للحقّ على من خالفه.

و رواه ابن عقدة الحافظ بأسانيده، كما نقله محمّد بن الحسن الطوسي في أواخر (أماليه)( ١) .

قولهعليه‌السلام : «لقد نقمتما» أي: أنكرتما و عتبتما.

«يسيرا و أرجأتما» أي: أخّرتما.

«كثيرا» نقمهما اليسير ما عرفت من طلبهما شيئا ليس لهما فيه حق، و إرجاؤهما الكثير ترك طاعتهما الإمام الواجب الإطاعة.

قال ابن أبي الحديد: روى الجاحظ أن طلحة و الزبير أرسلا إلى عليّعليه‌السلام قبل خروجهما محمّد بن طلحة و قالا له: لا تقل له يا أمير المؤمنين، و لكن قل له يا أبا الحسن، لقد فال فيك رأينا و خاب ظنّنا، أصلحنا لك الأمر و وطدنا ليك الإمرة، و أجلبنا على عثمان حتى قتل، فلمّا طلبك النّاس لأمرهم أسرعنا إليك و بايعناك، و قدنا إليك أعناق العرب، و وطى‏ء المهاجرون و الأنصار أعقابنا في بيعتك، حتّى إذا ملكت عنانك، استبددت برأيك عنّا و رفضتنا رفض التريكة، و أذللتنا إذلالة الإماء، و ملكت أمرك الأشتر و حكيم بن جبلة و غيرهما من الأعراب و نزاع الأمصار، فكنّا في ما رجوناه منك و أمّلناه من ناحيتك كما قال الأوّل:

فكنت كمهريق الذي في سقائه

لرقراق آل فوق رابية صلد

فلمّا أبلغه محمّد بن طلحة ذلك قال عليّعليه‌السلام له: قل لهما فما الذي يرضيكما؟ فذهب و جاء فقال: إنّهما يقولون ولّ أحدنا البصرة و الآخر الكوفة.

____________________

(١) الأمالي للشيخ الطوسيّ رحمه اللّه ٢: ٣٣٧ ٣٤١.

٥٤٤

فقال: لاها اللّه إذن يحلم الاديم و يستسري الفساد، و تنتقض عليّ البلاد من أقطارها، و اللّه إنّي لا آمنهما و هما عندي بالمدينة، فكيف آمنهما و قد وليتهما العراقين؟ اذهب إليهما و قل لهما: أيّها الشيخان احذرا من اللّه و نبيّه على امّته، و لا تبغيا المسلمين غائلة و كيدا، و قد سمعتما قول اللّه تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين( ١ ) . فقام و لم يعد إليه و تأخرا عنهعليه‌السلام أيّاما، ثم جاءاه فاستأذناه للخروج إلى مكة للعمرة، فأذن لهما بعد أن أحلفهما ألا ينقضا بيعة، و لا يغدرا به، و لا يشقّا عصا المسلمين، و لا يوقعا الفرقة بينهم، و أن يعودوا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة، فحلفا على ذلك كلّه ثم خرجا ففعلا ما فعلا( ٢) .

و روي انّهما لمّا خرجا قال عليّعليه‌السلام : و اللّه ما يريدان العمرة و إنّما يريدان الغدرة،... فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه و من أوفى بما عاهد عليه اللّه فسيؤتيه أجرا عظيما( ٣) .

و في (خلفاء ابن قتيبة): كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، و طلحة في اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاعليه‌السلام غير موليهما شيئا أظهرا الشكاة، فتكلّم الزبير في ملأ من قريش فقال: هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان، حتّى أثبتنا عليه الذنب، و سببنا له القتل، و هو جالس في بيته و كفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا فوقنا. و قال طلحة: ما اللوم إلاّ لنا، كنّا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا و بايعناه و أعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده( ٤) .

«ألا تخبراني أي شي‏ء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه و أيّ» هكذا في

____________________

(١) القصص: ٨٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١: ١٦.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ١٧، و الآية ١٠ من سورة الفتح.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ٥١.

٥٤٥

(المصرية)( ١ ) ، و لكن في (ابن ميثم)( ٢ ) : (أو أيّ)، و في (ابن أبي الحديد)( ٣ ) : (أم أيّ).

«قسم» أي: تقسيم.

«استأثرت» أي: استبددت.

«عليكما به» كما كان عثمان يستأثر نفسه و أقاربه على النّاس.

«أم أيّ حق رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم أخطأت بابه» كما في المتقدمين عليه فقالوا: أمر عمر برجم حامل، فقال له معاذ: إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على بطنها. فرجع عن حكمه و قال: لو لا معاذ لهلك عمر( ٤) .

و أمر أيضا برجم مجنونة فقال له عليّعليه‌السلام : إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق( ٥ ) . فقال: «لو لا عليّ لهلك عمر»( ٦) .

«و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة» فهوعليه‌السلام كان إماما بتعيين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من قبل اللّه تعالى، و ليست الخلافة و السلطنة جزء للإمامة كالنبوة و إن كانت حقّها.

«و لا في الولاية» على النّاس.

«إربة» اي: حاجة.

«و لكنّكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها فلمّا أفضت» أي: الخلافة.

«إليّ نظرت إلى كتاب اللّه و ما وضع لنا و أمرنا بالحكم به فاتّبعته و ما استن»

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١٠.

(٢) في شرح ابن ميثم ٤: ٩ «و أيّ» أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٧.

(٤) ذكره العلاّمة الأمينيّ رحمه اللّه مع مصادره في الغدير ٦: ١٣٢ فراجع.

(٥) مسند أحمد ١: ١٤٠ و ١٥٤، فضائل الصحابة ٢: ٧١٩، المناقب للخوارزمي: ٨٠.

(٦) هذه الكلمة قالها عمر بن الخطّاب في موارد شتّى، انظر في تبيين مواضعها ملحقات إحقاق الحقّ ٨: ١٨٢ ١٩٢.

٥٤٦

هكذا في (المصرية)( ١ ) ، و الصواب: (و ما استسن) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية).

«النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاقتديته» و هكذا كان مذهبهعليه‌السلام في عدم حجيّة غير كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«فلم احتج في ذلك إلى رأيكما و لا رأي غيركما» لأنّ كل شي‏ء مذكور في كتاب اللّه و سنة نبيّه، و إن كان باقي الصحابة لم يعرفوا ذلك.

«و لا وقع حكم جهلته فأستشيركما و إخواني المسلمين» كما كان من تقدم عليه كذلك فقالوا: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّ زوجي يصوم النّهار و يقوم الليل، و إنّي أكره أن أشكوه و هو يعمل بطاعة اللّه. فقال لها عمر: نعم الزوج زوجك. فجعلت تكرّر إليه القول و هو يكرّر عليها الجواب. فقال كعب بن سور لعمر: إنّها تشكو زوجها في مباعدته إيّاها عن فراشه. ففطن عمر حينئذ و قال له: قد وليّتك الحكم بينهما. فقال كعب لعمر: إنّ اللّه أحلّ لزوجها من النّساء مثنى و ثلاث و رباع، فله ثلاثة أيام و لياليهنّ يعبد فيها ربّه، و لها يوم و ليلة.

فقال له عمر: و اللّه ما أعلم من أي أمر بك أعجب، أمن فهمك أمرهما، أم من حكمك بينهما، اذهب قد وليّتك قضاء البصرة( ٣) .

«و لو كان ذلك» على طريق الفرض.

«لم أرغب عنكما و لا عن غيركما» و إلاّ فكان وقوع ذلك منهعليه‌السلام محالا.

«و أما ما ذكرتما من أمر الاسوة» أي: المساواة بين النّاس في قسمة الغنيمة.

«فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي و لا ولّيته هوى مني، بل وجدت أنا و أنت

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١٠.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٧ و شرح ابن ميثم ٤: ٩ «استنّ» أيضا.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٤٦ ٤٧.

٥٤٧

ما جاء به رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فرغ منه، فلم احتج إليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه و أمضى فيه حكمه» و هذا دليل على كون التفضيل الذي أحدثه عمر بدعة منكرة، فقد عرفت من رواية الإسكافي( ١ ) أنّهعليه‌السلام قال لهما: ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالوا: خلافك عمر في القسم أنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا. فقالعليه‌السلام لهما: إنّ كتاب اللّه و سنّة نبيّه على التسوية فكيف يمكن إعمال الرأي في قبالهما.

و كما رضيعليه‌السلام بترك حقّه لمّا قال له ابن عوف: ابايعك على أن تعمل بسنّة الرجلين، دلالة على بطلان سنتهما، كذلك رضي بتزلزل أمره بخروج طلحة و الزبير عليه فيتعقبه قيام معاوية، دون إجابتهما إلى التفضيل، دلالة على كون فعل عمر مخالفا لصريح القرآن و السنّة.

«فليس لكما و اللّه عندي و لا لغيركما في هذا» أي: أمر الأسوة.

«عتبى» أي: حقّ. عودا إلى مقصدكما و ما يرضيكما، لكونها خلاف الشريعة.

«أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ» حتى لا نستدعي الباطل.

«و ألهمنا و إيّاكم الصبر» على العمل بالحقّ.

«ثم قال: رحم اللّه امرأ» هكذا في (المصرية)( ٢ ) ، و الصواب: (رجلا) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية).

«رأى حقا فأعان عليه»... و تعاونوا على البرّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان...( ٤) .

____________________

(١) مضت آنفا.

(٢) نهج البلاغة ٢: ٢١١.

(٣) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨، و لكن في شرح ابن ميثم ٤: ١٠ «امرأ» أيضا.

(٤) المائدة: ٢.

٥٤٨

«أو رأى جورا فردّه» فهو الواجب على كلّ مسلم.

«و كان عونا بالحقّ على صاحبه» هكذا في النسخ( ١ ) ، و الأصحّ ما في رواية الإسكافي( ٢ ) : (و كان عونا للحقّ على من خالفه).

٧ - الخطبة (١٣٦) و من كلام لهعليه‌السلام :

لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً وَ لَيْسَ أَمْرِي وَ أَمْرُكُمْ وَاحِداً إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ اَلْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ وَ لَأَقُودَنَّ اَلظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ اَلْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ كَارِهاً أقول: الأصل في هذا الكلام ما رواه (الإرشاد): عن الشعبي عنهعليه‌السلام حين تخلّف ابن عمر و سعد و أسامة و حسان و محمّد بن مسلمة عن بيعته، فقال الشعبي: لمّا توقف هؤلاء عن بيعته، حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان من قبلي، و إنّما الخيار للناس( ٣ ) قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، و إنّ على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم، و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتّبع غير سبيل أهله، و لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، و ليس أمري و أمركم واحدا، و إنّي اريدكم للّه و أنتم تريدونني لأنفسكم، و ايم اللّه لأنصحن للخصم

____________________

(١) نهج البلاغة ٢: ٢١١، شرح ابن أبي الحديد ١١: ٨، شرح ابن ميثم ٤: ١٠.

(٢) مضت آنفا.

(٣) قال العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في البحار ٣٢: ٣٣ ما لفظه: «إنّما الخيار» أي: بزعمكم و على ما تدّعون من ابتناء الأمر على البيعة.

٥٤٩

و لأنصفن للمظلوم، و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و اسامة و عبد اللّه و حسّان امور كرهتها، و الحقّ بيني و بينهم( ١) .

و ما رواه الدينوري مرفوعا قال: لمّا قتل عثمان بقي النّاس ثلاثة أيّام بلا إمام، و كان الذي يصلّي بالناس الغافقي، ثم بايع النّاس عليّاعليه‌السلام فقال: أيّها النّاس بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، و إنّما الخيار قبل أن تقع البيعة، فإذا وقعت فلا خيار، و إنّما عليّ الاستقامة و على الرعية التسليم، و إنّ هذه بيعة عامّة من ردّها رغب عن دين الإسلام و إنّها لم تكن فلتة( ٢) .

«لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة» كما كانت بيعة أبي بكر، كما صرّح به عمر.

ففي (تاريخ اليعقوبي): استأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد فقال: قد تقدّم لكم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة، لا يخرجوا فيسللوا بالناس يمينا و شمالا. فقال له عبد الرحمن بن عوف: و لم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن أسكت عنك فلا اجيبك خير لك من أن أجيبك.

ثم اندفع يحدّث عن أبي بكر حتّى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه( ٣) .

و في (الطبري): عن ابن عباس قال: حججنا مع عمر و إنّي لفي منزلي بمنى إذ جاءني عبد الرحمن بن عوف فقال: شهدت اليوم عمر و قام إليه رجل فقال: إنّي سمعت فلانا يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا فقال عمر: إنّي لقائم العشيّة في النّاس احذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا النّاس أمرهم. فقلت له: إنّ الموسم يجمع رعاع النّاس و غوغاءهم، و هم الذين يقربون من مجلسك و يغلبون عليه، و أخاف أن تقول مقالة لا يعونها و لا

____________________

(١) الإرشاد ١: ٢٤٣ ٢٤٤، بحار الأنوار ٣٢: ٣٣.

(٢) الأخبار الطّوال: ١٤٠.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧ ١٥٨.

٥٥٠

يحفظونها فيطيروا، و لكن امهل حتّى تقدم المدينة و تخلص بأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول فيعوا مقالتك. فقال: و اللّه لأقومن بها أوّل مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس: فلمّا قدمنا المدينة و جاء يوم الجمعة، هجرت للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن إلى أن قال فقال عمر على المنبر: بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغرنّ امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك، غير أن اللّه وقى شرّها، و ليس فيكم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر. و أنّه كان من خبره حين توفي النبيّ أنّ عليّا و الزبير و من معهما تخلفوا عنّا في بيت فاطمة، و تخلّفت عنّا الأنصار بأسرها...( ١) .

و قال الجاحظ: إنّ الرجل الذي قال: (لو مات عمر لبايعت فلانا) كان عمّار بن ياسر فإنّه قال: لو قد مات عمر لبايعت عليّاعليه‌السلام ( ٢) .

و روى ابن الهيثم بن عدي في كتابه كما نقل الفضل بن شاذان في (إيضاحه) و المرتضى في (شافيه) و الهيثم من مصنّفيهم كما ذكره المسعودي في أوّل (مروجه)( ٣ ) عن عبد اللّه بن عباس الهمداني، عن سعيد بن جبير عن أبن عمر في خبر قال: أشهد أنّي كنت عند أبي يوما و قد أمرني أن أحبس النّاس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال أبي: دويبة سوء و لهو خير من أبيه. فأوحشني ذلك منه فقلت: يا أبة عبد الرحمن خير من أبيه؟ فقال: و من ليس بخير من أبيه لا أمّ لك ايذن له. فدخل فكلّمه في الحطيئة و قد كان عمر حبسه في شعر قاله فقال له عمر إنّ في الحطيئة أودا فدعني اقوّمه بطول حبسه، فألحّ عبد الرحمن عليه و أبى هو، فخرج عبد الرحمن فأقبل

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٠٣ ٢٠٥، سنة ١١، و النقل بتلخيص.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٥.

(٣) مروج الذهب ١: ٧١.

٥٥١

عليّ أبي و قال: أ في غفلة أنت إلى يومك هذا عمّا كان من تقدم احيمق بني تيم عليّ و ظلمه لي؟ فقلت: لا علم لي بذلك، قال: فما عسيت يا بنيّ أن تعلم؟ فقلت له:

و اللّه أحب إلى النّاس من ضياء أبصارهم، قال: إنّ ذلك لكذلك على رغم أبيك، قلت: أ فلا تجلي عن فعله بموقف في النّاس تبيّن ذلك لهم؟ قال: فكيف لي بذلك مع ما ذكرت إذا يرضخ رأس أبيك بالجندل. قال: ثمّ تجاسر و اللّه فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا فقال: أيّها النّاس إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى اللّه شرّها، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه( ١) .

و عن مجالد بن سعيد قال: غدوت يوما إلى الشعبيّ إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا، فأخذ الأزدي في ذكر أبي بكر و عمر، فضحك الشعبي و قال:

لقد كان في صدر عمر ضبّ( ٢ ) على أبي بكر إلى أن قال بعد ذكر استغراب الأزدي لذلك فقال الشعبي له: فكيف تصنع بالفلتة التي وقى اللّه شرها، أ ترى عدوّا يقول في عدوّ يريد ان يهدم ما بنى لنفسه في النّاس، أكثر من قول عمر في أبي بكر؟ فقال الأزدي: سبحان اللّه أنت تقول ذلك؟ فقال: أنا أقوله قاله عمر على رؤس الأشهاد، فلم أدعه...( ٣) .

و المفهوم من سوق الكلام و مقتضى المقام أنّ عمر كان ينكر أن يعقد إمامة ببيعة النّاس، كما صنعت لأبي بكر و اعتقاده أنّ الامامة انّما يجب أن تكون إمّا بنص مفصل كما نصّ أبو بكر عليه، أو مجمل كما صنع هو لعثمان.

و امّا من دعا النّاس إلى بيعته كما أرادت قريش طلحة و الزبير و غيرهما في أيّامه أن يخرجوا من المدينة باسم الجهاد، و كما خرج طلحة و الزبير في أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام باسم العمرة إلى مكة، و يدعو النّاس إلى

____________________

(١) الإيضاح: ١٣٥ ١٣٨، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩، الصراط المستقيم ٣: ٣٠٢، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٢) الضبّ: الحقد، نقول: أضبّ فلان على غلّ في قلبه، أي أضمره. الصحاح ١: ١٦٧، مادة: (ضبب).

(٣) الإيضاح: ١٣٩ ١٤٠، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩، و النقل بتصرّف.

٥٥٢

بيعتهم كأبي بكر و يدل على ذلك قول ابن عوف له في رواية اليعقوبي( ١ ) : لم تمنعنا من الجهاد؟ و جواب عمر له: لا اجيبك خير لك، و كما أراد عمّار في رواية الطبري( ٢ ) دعوة النّاس بعد موت عمر إلى أمير المؤمنين، لعدم جرأته على ذلك في أيّام عمر فهو عند عمر أمر منكر ذو مفاسد كثيرة، و إنّما كانت بيعة النّاس لأبي بكر كذلك فلتة و تصادفا و اتفاقا سلموا من عواقبها بأمور:

الأوّل: اجتماع الأنصار لمّا رأوا طمع قريش في الإمارة عليهم بمنعهم نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوصيّة، و تخلفهم عن جيش أكّد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتجهيزه حتى لعن المتخلّف عنه فقالوا: لمّا رأوا ذلك إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبث بضع عشرة سنة في قريش بمكّة فما آمن به أكثرهم، و من آمن به منهم ما قدروا أن يمنعوه عن أعدائه، و انّما استقامت العرب له طوعا و كرها بنصر الأنصار له، فهم أولى بسلطانه من قريش الطامعين.

و الثاني: أنّ سعد بن عبادة رئيسهم كان مريضا، فقال لابنه قيس: إنّي لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلّهم كلامي، فكان يتكلّم سعد و يحفظ ابنه قوله و يسمعه النّاس( ٣ ) ، و لذا قال سعد لعمر لمّا قال اقتلوا سعدا: أما و اللّه لو أن لي بكم قوّة أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها و سككها زئيرا يحجرك و أصحابك، و إذن لألحقنّك و اللّه بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع( ٤) .

و الثالث: أنّ بشير بن سعد الخزرجي ابن عمّ سعد بن عبادة حسده أن يصير أميرا، فبادر إلى بيعة أبي بكر قبل الجميع حتّى قبل عمر، فقال له الحبّاب بن المنذر: عققت عقاق أنفست على ابن عمّك الإمارة( ٥) .

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧ ١٥٨.

(٢) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٠٥، سنة ١١.

(٣) تاريخ الطبريّ ٣: ٢١٨، سنة ١١، شرح ابن أبي الحديد ٦: ٥.

(٤) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢١، سنة ١١.

(٥) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢١، سنة ١١، الإمامة و السياسة ١: ٩.

٥٥٣

و الرابع: أنّ الأوس كانوا منافسين للخزرج في الجاهليّة و الإسلام، فاغتنموا الفرصة لمّا رأوا عمل بشير ابن عم سعد معه، فقال اسيد بن حضير رئيس الأوس لهم: و اللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، و لا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد و الخزرج ما كانوا أجمعوا من أمرهم( ١) .

و الخامس: أن أمير المؤمنينعليه‌السلام و بني هاشم كانوا مشتغلين بتجهيز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لم يحضر أحد منهم السقيفة، و لو حضروا كيف يعقل أن يحاجّ أبو بكر مع الأنصار و يقول لهم في مقابل نصرتهم له: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ اللّه المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه، و المواساة له، و الصبر معه على شدّة أذى قومه و تكذيبهم له؟

و كيف يمكن لعمر أن يقول لهم: و اللّه لا ترضى العرب أن يؤمروكم و نبيّها من غيركم، و لكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم، و من ذا ينازعنا سلطان محمّد و إمارته و نحن أولياؤه و عشيرته إلاّ مدل بباطل( ٢) .

فلمّا أخرجوا أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد قهرا إلى بيعتهم قالعليه‌السلام لهم: لا ابايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تأخذوه منّا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم، لمّا كان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم؟ فأعطوكم المقادة و سلّموا إليكم الإمارة، فإذن أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا و ميّتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، و إلاّ فبوؤا بالظلم و أنتم تعلمون. و حتّى إنّ بشير بن سعد الذي كان أوّل من

____________________

(١) المصدر نفسه ٣: ٢٢١ ٢٢٢، سنة ١١.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٧ ٨.

٥٥٤

بايع أبا بكر، حتّى قبل عمر، لمّا سمعهعليه‌السلام قال لأبي بكر و عمر نحن أحقّ بهذا الأمر لأنّا أهل البيت إلى آخر ما مر قال لهعليه‌السلام : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلفت عليك، فقالعليه‌السلام له: أفكنت أدع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته لم أدفنه و أخرج انازع بسلطانه.

و كذلك لمّا كانعليه‌السلام يخرج بفاطمة ليلا إتماما للحجّة لسؤال الأنصار النصرة، كانوا يقولون لها: يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، و لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق قبل أبي بكر ما عدلنا عنه، فتقولعليها‌السلام لهم: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، و لقد صنعوا ما اللّه حسيبهم( ١) .

و لمّا دعا عمر بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها، وقفت فاطمةعليها‌السلام على بابها و قالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم( ٢) .

و السادس: أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان وتر قريش، فلم يرضوا أن ينتقل الأمر إليهعليه‌السلام ، و لم يكن فيهم أنفسهم من يتصديه بشخصه لكون أكثرهم من الطلقاء و المؤلفة، و كون إسلام أبي بكر أقدم من إسلامهم حتّى من إسلام عمر، و كونه ذا سياسة زائدة مع طبيعة لينة، و صيرورة مصاحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار سببا لاشتهاره و مستمسكا للتلبيس به على العامّة، و كون بنته عايشة التي لم تكن في السياسة و الجلارة دون أبيها في بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و بواسطتها زيد على مصاحبة غاره أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بالصلاة في مرض موته، و بهما تمسّك عمر في تقديمه. و قد وصف عمر بغض قريش لهعليه‌السلام كبغض الثور لجازره، فقال يوما لابن عباس: أنتم أهل النبيّ و بنو عمّه فما

____________________

(١) المصدر نفسه ١: ١٢.

(٢) المصدر نفسه.

٥٥٥

تقول منع قومكم عنكم؟ قال: لا أدري و اللّه ما أضمرنا لهم إلاّ خيرا، قال: اللهمّ غفرا ان قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة و الخلافة، فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا، و لعلكم تقولون إنّ أبا بكر كان أوّل من أخّركم، أما إنّه لم يقصد ذلك و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل، و لو لا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا، و لو فعل ما هناكم مع قومكم أنّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره.

و السابع: أنّ قريشا كانوا أهل دنيا، و كانوا يريدون الإمارة و السلطنة، و كانوا علموا أنّه إن تصدّى أمير المؤمنينعليه‌السلام للأمر لم يجعله إلاّ في المعصومين من عترته، فجعلوه في أبي بكر و هو نظيرهم ليردّه إليهم، و ليكون لهم به سبب يدعونه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب كتبه ليقرأ على النّاس لمّا سألوه عن الثلاثة و قد رواه ابن قتيبة و الثقفي و غيرهما:

و جعلني عمر سادس ستّة فما كانوا لولاية أحد منهم بأكره منهم لولايتي، لأنّهم كانوا يسمعونني و أنا احاج أبا بكر و أقول: يا معشر قريش أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان منّا من يقرأ القرآن و يعرف السنّة، فخشوا إن وليت عليهم ألا يكون لهم في هذا الأمر نصيب، فتابعوا إجماع رجل واحد حتّى صرفوا الأمر منّي لعثمان، فأخرجوني منها رجاء أن يتداولوها حين يئسوا أن ينالوها، ثمّ قالوا لي: هلم فبايع و إلاّ جاهدناك. فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا...( ١) .

و رووا عن جندب خبرا طويلا و أنّهعليه‌السلام قال لجندب لمّا قال لهعليه‌السلام : ادع النّاس إلى نفسك: لا يجيبني من المائة واحد، سأخبرك أنّ النّاس إنّما ينظرون إلى قريش فيقولون هم قوم محمّد و قبيلته، و أما قريش في ما بينها

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٥٥، الغارات للثقفيّ ١: ٣٠٧ ٣٠٨.

٥٥٦

فيقولون إنّ آل محمّد يرون لهم على النّاس بنبوّته فضلا، يرون أنّهم أولياء هذا الأمر دون قريش و دون غيرهم من النّاس، و أنّهم إن ولّوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا، و متى كان في غيرهم تداولته قريش بينها، لا و اللّه لا يدفع النّاس هذا الأمر إلينا طائعين أبدا...( ١) .

و الثامن: أن معين أبي بكر كان مثل عمر تلك الحوزة الخشناء، التي يغلظ كلمها، و يخشن مسّها، و لولاه لمّا تم الأمر له، و قد صرّح النظام بأن عمر هو الذي جعل أبا بكر خليفة. فتارة كان عمر يخاصم الحباب بن المنذر بأنّه من ينازعنا سلطان محمّد و نحن عشيرته، و اخرى يقول: اقتلوا سعدا قتله اللّه.

و يقوم على رأسه و يقول: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عصوك، و اخرى يقول في الزبير لمّا خرج بالسيف من عند بني هاشم: عليكم بالرجل فخذوه.

فوثبوا عليه و أخذوا السيف منه، و انطلقوا به فبايع. و يدعو بالحطب على باب أهل البيت و يقول: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها، فقيل له إنّ فيها فاطمة. فقال: و إن، فخرج الهاشميون غيرهعليه‌السلام فبايعوا. و اخرى يقول لأبي بكر مرة بعد مرة: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام فيرسل أبو بكر قنفذا بأنّ خليفة النبيّ يدعوك فيقولعليه‌السلام :

سريعا كذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجي‏ء عمر بنفسه مع جماعة إلى الباب. و مع أنّ فاطمةعليها‌السلام تصيح: يا أبه يا رسول اللّه ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فانصرف عدّة منهم لأنّ قلوبهم كادت تتصدّع و أكبادهم تتفطّر من بكاء فاطمةعليها‌السلام و كلامها لم يكترث عمر بذلك و بقي مع عدّة حتّى أخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام و مضى به إلى أبي بكر و يقول لهعليه‌السلام : إن لم تبايع و اللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، و كانعليه‌السلام يصيح مخاطبا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٥٧ ٥٨.

٥٥٧

ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني...( ١ ) فلم يخلّه حتّى أخذ منه البيعة.

و اخرى يقول للعبّاس لمّا قال هو و أبو بكر له بإشارة المغيرة عليهما، أن يجعلا له سهما في الأمر فيضعف عليّ لكون العباس عم النبيّ إي و اللّه و اخرى إنّا لم نأتكم حاجة منّا إليكم، و لكنّا كرهنا أن يكون الطعن منكم في ما اجتمع عليه العامّة، فيتفاقم الخطب بكم و بهم فانظروا لأنفسكم.

و أيضا لمّا قدم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولاّه المدينة لم يبايع كما في (سقيفة الجوهري) أبا بكر أيّاما، ثم أتى بني هاشم و قال: أنتم الظهر و البطن و الشعار دون الدثار و العصا دون اللحا إلى أن قال: فولاّه أبو بكر الجند الذي استنفرهم إلى الشام، فقال عمر لأبي بكر: أتولّي خالدا و قد حبست عليك بيعتة. و قال لبني هاشم ما قال، ما أرى أن توليه و ما آمن خلافه، فولّى أبو بكر أبا عبيدة و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و انصرف عن خالد( ٢) .

ثم ما ذكرنا من ميل قريش إلى أبي بكر رغبة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، و قيام عمر بتلك الامور لإتمام بيعة أبي بكر، هو معنى قول عمر في خطبته في الفلتة: (و ليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر)، إلاّ أنّك عرفت الحقيقة و أنّ قطع الأعناق إلى أبي بكر لبيعته، كان على أنحاء منها: تسابق عمر و أبي عبيدة للبيعة لتواطئهما معه بردّها اليهما، و منها سبقة بشير بن سعد حسدا لابن عمّه سعد بن عبادة أن ينال الإمارة ثمّ جميع الأوس حسدا أن ينالها خزرجي، ثم بيعة باقي طوائف قريش من مخزوم و زهرة و اميّة و غيرهم طمعا أن ينالوها بواسطته، و ثمّ بيعة بني هاشم بإحراق البيت و ضرب

____________________

(١) الأعراف: ١٥٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٨ ٥٩، السقيفة للجوهريّ: ٥٢ ٥٣.

٥٥٨

الأعناق لو لم يبايعوا و باقي النّاس بالإكراه.

فرووا عن البراء بن عازب في خبر قال: و إذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة، و إذا قائل آخر يقول: قد بويع أبو بكر. فلم ألبث و إذ أنا بأبي بكر قد أقبل و معه عمر و أبو عبيدة و جماعة من أصحاب السقيفة، و هم محتجزون بالأزر الصنعائيّة لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه، و قدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أنكر...( ١) .

ثم بيعة أمير المؤمنين لم تكن محتاجة إلى قطع الأعناق إليه، بل كانت الأعناق تتقطّع دونها، فتداكّوا عليه تداك الإبل الهيم يوم ورودها، قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها، و أقبلوا إليه إقبال العوذ المطافيل على ولدها، حتّى كاد أن يقتل بعضهم بعضا، و حتّى شق عطفاه و حتى وطى‏ء الحسنانعليهما‌السلام و كان يقبض يده فيبسطوها، و يكفها فيجاذبوها بدون غرض نفساني، بل و كان يقبض يده فيبسطوها، و يكفها يجاذبوها بدون غرض نفساني، بل لكونه أقرب النّاس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا و ميّتا، و أعلم النّاس بكتابه و سنّته، و سوابقه التي لم يشاركه فيها أحد.

ثمّ إنّ عمر و إن قال في خطبته: «فمن عاد إلى مثل بيعة أبي بكر فاقتلوه»( ٢ ) ، و أراد بذلك أن تبقى الخلافة فيهم و لا تنتقل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيتداولونها بينهم من يد إلى يد ككرة اللعب فقد عرفت أنّه خطب بما خطب لمّا سمع ان عمّارا قال أنه يبايع عليّاعليه‌السلام إن مات عمر إلاّ ان النّاس لمّا رأوا أن من عيّنه عمر في شوراه و هو عثمان، سار فيهم بما سار، خافوا أن يسير باقي أهل شوراه حقيقة (طلحة و الزبير و سعد) بما عاملهم به عثمان، فبادروا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام بتلك الكيفيّة، و قد كان عمّار قال لهم:

رأيتم سيرة عثمان بالأمس، فإن لم تنظروا لأنفسكم تقعون في مثله، فخاب

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٢١٩.

(٢) الإيضاح: ١٣٥ ١٣٨، الشافي ٤: ١٢٦ ١٢٩.

٥٥٩

أمل عمر و بطل ما دبّر في مدة، لكن آل الأمر إلى انقطاعه بقيام طلحة و الزبير، لكونهما من شورى عمر، ثمّ قيام معاوية لكونه والي عمر و لقد كان عمر يتأوّه شديدا حيث يفكّر و يدبّر ألا يدع يرجع الأمر إليهعليه‌السلام يوما، فيحصل له بسط يد فيوضح الأمر للناس، و يحصل له شيعة فرأى أن ذلك لا يحصل له بتمامه، فكان يتمنّى تارة حياة أبي عبيدة الذي كان أبو بكر يقول للناس:

«بايعوا عمر أو أبا عبيدة» و هما يقولان: «كيف نقدمك»، و اخرى حياة سالم مولى أبي حذيفة، و هو من أعوانه و أعوان صاحبه يوم السقيفة.

ثم إنّ من المضحك أن سيف بن عمر الذي طريق الطبري الغالبي إليه (السري عن شعيب عنه) و طريقه النادر (عبيد اللّه عن عمر عنه) أنكر المتواتر من عدم بيعة سعد بن عبادة مع أبي بكر فقال ببيعته، و أنّ الفلتة تأمّل سعد أوّلا فقال: لمّا قام الحبّاب و انتضى سيفه، حامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه، و وثبوا على سعد و تتابع القوم على البيعة، و بايع سعد و كانت فلتة كفلتات الجاهلية، قام أبو بكر دونها( ١) .

و كيف أراد سيف ستر كون بيعة أبي بكر فلتة و قد ضرب بها المثل؟

ففي (أدباء الحموي): انفلت ليلة في مجلس الصاحب بن عباد صوت من بعض الحاضرين، و الصاحب في الجدل فقال: كانت بيعة أبي بكر فخذوا في ما أنتم فيه( ٢) .

قولهعليه‌السلام في رواية (أخبار طوال) أبي حنيفة الدينوري و (إرشاد) المفيد: و إنّ هذه بيعة عامّة من ردّها أو (من رغب عنها) رغب عن دين الإسلام( ٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٣: ٢٢٣، سنة ١١.

(٢) معجم الأدباء ٦: ٢١٧.

(٣) الأخبار الطوال: ١٤٠، الإرشاد ١: ٢٤٣.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741