اقتصادنا

اقتصادنا7%

اقتصادنا مؤلف:
تصنيف: فقه مقارن
الصفحات: 741

اقتصادنا
  • البداية
  • السابق
  • 741 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156684 / تحميل: 9861
الحجم الحجم الحجم
اقتصادنا

اقتصادنا

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يسطو فتصعق من بوارقه

وبعزمه كف الردى يسطو

يا روضة الدنيا وبهجتها

ودليلها إن راعها خبط

تقضي ظماً والماء تشربه

عصب الشقا والوحش والرط

الله أكبر أيّ نازلة

بالدين قام بعبئها السبط

سلبت من الدنيا أشعتها

وبها السماء اغتالها الشط

يقضي ابن فاطمة ولا رفعت

سوداء ملؤ إهابها سخط

وهذا نموذج من شعره في الغزل ـ وهذه القطعة من الروضة:

سل عن جوى كبدي لظى أنفاسي

تخبرك عنه وما له من آس

سفك الغرام دمي ولا من ثائر

كمهلهل فيه على جساس

سيان حدّ السيف والمقل التي

بسوادها يبيض شعر الراس

سرّ الهوى أودعت قلبا واثقاً

لولا الدموع وحرقة الأنفاس

سأقول إن عدنا وعاد حديثنا

واها لقلبك من حديد قاسي

ومن غزله قوله:

أهلاً بها بعد الصدود

هيفاء واضحة الخدود

بكر كغصن البان

باكره الصبا بربى زرود

تختال في برد الصبا

أحبب بهاتيك البرود

فسكرتُ في نغماته

وطربت فيه بغير عود

حتى إذا صال الصبا

ح على الدجنّة في عمود

ألوى فقمتُ معانقا

شغفا به جيداً بجيد

مضنى الحشاشة قائلاً

حذر القطيعة والصدود

عُدلي بوصلك وادّكر

يا ظبي ( أوفوا بالعقود )

حتى تريح من الجوى

قلباً به ذات الوقود

فرنا إليّ بمقلة

تصطاد هاصرة الاسود

١٤١

متلفتاً كالريم حلأ

ه الرماة عن الورود

حذر الوشاة فليتهم

فزعوا لقاطعة الوريد

وتذكر العهد القديم

فجاد بالوصل الجديد

ترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة ضافية وقال: جمع ديوانه بنفسه وبخطه الجيد ويبلغ خمسة عشر الف بيت كله من الرصين المحكم وأكثره في مدايح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام كما ضمّنه مفاكهات ومراسلات مع العلماء من أحبابه والادباء والاشراف من أترابه، أقول وكان الشيخ السماوي يحتفظ بنسخة من الديوان ويقول البعض أنها مستنسخة من نسخة المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي، وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة.

جاء في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 صفحة 430: الشيخ حسين الحلي، هو الشيخ حسين بن مصبح الحلي النجفي فاضل جليل. كان من فضلاء عصره في النجف، ويظهر من بعض الخصوصيات أنه كان من الأجلاء. استعار بعض الكتب العلمية في حدود (1240) كما على ظهر ( إثبات الهداة ) في النصوص والمعجزات في مكتبة السيد اغا التستري في النجف، فالظاهر أن وفاته بعد التاريخ، وهو جد الشاعر الشهير الشيخ حسن مصبح الحلي ابن حسين ابن المترجم، المولود في حدود (1246) المتوفى في 1317 ه‍ كما ترجمناه في ( نقباء البشر ) م 1 صفحة 429.

١٤٢

الشيخ محمد نظر علي

المتوفى 1317

قال من قصيدة يرثي بها الحسين (ع):

لهفي لزينب بعد الصون حاسرة

بين اللئام ومنها الخدر مبتذل

تقول وآضيعتا بعد الحسين أخي

من لي وقد خاب مني الظن والأمل

وأخرجوا السيد السجاد بينهم

يساق قسراً وبالاغلال يعتقل

إذا وَنى قنّعوه بالسياط وإن

مشى أضرّ به من قيده ثقل

وقد سروا ببنات المصطفى ذللا

تسرى بها في الفيافي الأنيق البزل

ما بين باكية للخدّ لاطمة

وبين ثاكلة أودى بها الثكل

وبين قائلة يا جدنا فعلوا

بنا علوج بني مروان ما فعلوا

وقال:

يا قلب ذب كمداً لما

قد ناب أبناء النبيّ

أيلومني الخالي بهم

أين الخليّ من الشجيّ

قد جرعتني علقما

أرزاء نهر العلقميّ

أجسامهم فوق الثرى

ورؤوسهم فوق القنيّ

وعقائل المختار تسبى

بعدهم لابن الدعيّ

وحملن من بعد الخدور

سوافراً فوق المطيّ

* * *

هو ابن الشيخ جعفر بن نظر علي، وبجده هذا يعرف بين الحليين فيعبرون عنه ب‍ ( الشيخ محمد بن نظر علي ) ويلقبونه بالمحدث أيضاً لطول باعة وسعة

١٤٣

أطلاعه في علم الحديث، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار خصوصاً ما ورد منها في صحاح الإمامية وما ألف بعدها من الكتب المعتبرة وقد استفاد كثيراً في هجرته من الحلة إلى النجف من منبر العلامة المتأله الشيخ جعفر التستري ومن ثمة اشتهر أمره بالصلاح والورع وحسن الأساليب في مواعظه وخطابته المنبرية، ودرس عنده جماعة منهم الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي، وقد ترك جملة من الاثار والمجاميع المخطوطة كان قد دوّن فيها ما وعاه من مشايخه وما انتخبه من أُمهات الكثب في سيرة أهل البيت وآثارهم وقد تلف قسم منها وبقي بعضها عند صهريه على كريمتيه، الأول منهما خطيب الفيحاء الشيخ محمد آل الشيخ شهيب ( والد الدكتور محمد مهدي البصير ) والثاني السيد جعفر ابن السيد محمد حسن آل السيد ربيع ـ من أطباء العيون في النجف ـ وكان المترجم لهرحمه‌الله يحب العزلة ولا يغشى أندية الفيحاء على كثرتها يوم ذاك عدا نادي آل السيد سلمان في عهد المرحوم السيد حيدر وعمه السيد مهدي بن السيد داود لقرب بيته من بيوتهم. وما زال منقطعاً إلى التهجد والاذكار في مسجدهم الواقع تجاه داره وهو المعروف بمسجد ( أبو حواض ). كانت ولادة المترجم له في الحلة سنة 1259 على التقريب ونشأ وتأدب فيها وكان يقضي شهري المحرم وصفر في البصرة للوعظ والارشاد في المحافل الحسينية كغيره من الخطباء فعاد في آخر سنيّ حياته منها وقد أُصيب فيها بمرض الحمى النافضة ( الملاريا ) فلم تمهله إلا أياماً حتى أجاب داعي ربه سنة 1317 ه‍ أو قبلها بسنة، ورثاه جماعة من شعراء الفيحاء الذين كانوا معجبين بفضله ونسكه منهم الأديب الحاج عبد المجيد الشهير بالعطار والشاعر الفحل الحاج حسن القيم ـ فمن قصيدة القيم قوله:

بادرا في بردة النسك أدرجاه

واعقدا اليوم على التقوى رداه

لي بقايا كبد بينكما

بالبكا يا ناظريّ اقتسماه

وهذا الشيخ وان كان ذا موهبة شعرية ولكنه لا ينظم إلا في اهل البيتعليهم‌السلام . ( انتهى عن البلابليات )

١٤٤

الشيخ محمد العوّامي

المتوفى 1318

مصائب عاشورا تهيج تضرمي

فلله من يوم بشهر محرم

بها المجد ينعى مصدر الفيض إذ غدا

بلا قيّم يأوى إليه وينتمى

ومن قصيدة أخرى:

فيا مضر الحمرا ويا أُسد الشرى

ويا غوث مَن يبغي الندا ويريد

وأمنع مَن في الأرض جاراً وجانبا

وأمنتح مَن أمّت اليه وفود

فيا مطعمي الأضياف يوم مجاعة

ويا خير مَن يبنى العلا ويشيد

ويا مخمدي نار الوغى إن تضرّمت

وشبّ إلى الحرب العوان وقيد

وبدر واحد يشهدان لهاشم

ورب السما من فوق ذاك شهيد

ولما بدت من آل حرب ضغائن

لثارات بدر أظهرت وحقود

وأخرجت المولى الحسين مروّعاً

وقد سبقت منكم اليه عهود

فلهفي عليه من وحيد مضيّع

على الماء يقضي وهو عنه بعيد

بني مضر ماذا القعود عن العدا

وفي كربلا مولى الوجود فريد

وكيف بقى ملقى ثلاثاً على الثرى

تواريه من نسج الرياح برود

١٤٥

الشيخ محمد بن عز الدين الشيخ عبد الله العوامي القطيفي. اشتهر بأبي المكارم لمكارم أخلاقه، ولدرحمه‌الله سنة 1255 ه‍ ثالث شهر شعبان وبدت طلائع النبوغ على أساريره ونمت مداركه ومعارفه فأصبح منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه، حج سنة 1317 ه‍ فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه، وعندما تشرف بزيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه الله اليه في عصر يوم السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318 وعمره ثلاث وستون سنة فدفع بالبقيع، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل، أما آثاره العلمية فهي:

1 ـ أجوبة المسائل النحوية، كتاب مختصر.

2 ـ المناظرات في مسائل متفرقة.

3 ـ المسائل الفقهية.

4 ـ ديوان شعره يحتوي على: منظومة في عقائد الاصول، من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد.

شكوى وعتاب:

ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من ادباء البحرين والاحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد الله في العلم والأدب والتشيع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وادبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

١٤٦

الشيخ حسن القيِّم

المتوفى 1318

قال يرثي الامام الحسين (ع):

إن تكن جازعاً لها أو صبورا

فلياليك حكمها أن تجورا

تصحبنك الضدين ما دمت حياً

نوبا تارة وطوراً سرورا

ربما استكثر القليل فقير

وغنيٌ بها استقل الكثيرا

فكأن الفقير كان غنياً

وكأن الغني كان فقيرا

فحذاراً من مكرها في مقام

ليس فيه تحاذر المحذورا

نذرت أن تسيء فعلاً فأمست

في بني المصطفى تقضّي النذورا

يوم عاشور الذي قد أرانا

كل يوم مصابه عاشورا

يوم حفت بابن النبي رجال

يملؤن الدروع بأساً وخيرا

عمروها في الله أبيات قدس

جاورت فيه بيته المعمورا

ما تعرّت بالطف حتى كساها

الله في الخلد سندساً وحريرا

لم تعثّر أقدامها يوم أمسى

قدم الموت بالنفوس عثورا

بقلوب كأنما البأس يدعو

هالقرع الخطوب كوني صخورا

رفعت جرد خيلهم سقف نقع

ألف الطير في ذراه الوكورا

حاليات يرشحن بالدم مرجاناً

ويعرقن لؤلؤاً منثورا

عشقوا الغادة التي أنشقتهم

من شذاها النقع المثار عبيرا

فتلقوا سهامها بصدور

تركوهن للسهام جفيرا

١٤٧

لازموا الوقفة التي قطّرتهم

تحت ظل القنا عفيراً عفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بدوراً

وهووا أجبلا وغاضوا بحورا

من صريع مرمل غسّلته

من دماء السيوف ماء طمورا

ومعرى على الثرى كفنته

أُمّه الحرب نقعها المستثيرا

عفّر الترب منهم كل وجه

علّم البدر في الدجا أن ينيرا

ونساء كادت بأجنحة الرعب

شظايا قلوبها أن تطيرا

قد أداروا بسوطهم فلك الضرب

عليهنّ فاغتدى مستديرا

صرن في حيث لو طلبن مجيراً

بسوى السوط لم يجدن مجيرا

لو يروم القطا المثار جناحاً

لأعارته قلبها المذعورا

يا لحسرى القناع لم تلف إلا

آثماً من أمية أو كفورا

أوقفوها على الجسوم اللواتي

صرن للبيض روضة وغديرا

فغمرن النحور دمعاً ولو لم

يك قانٍ غسلن تلك النحورا

علّ مستطرقاً يرى الليل درعاً

وعلى نسجه النجوم قتيرا

يبلغن المهديّ عني شكوى

قلّ في أنها تضيق الصدورا

قل له إن شممت تربة أرض

وطأت نعله ثراها العطيرا

وتزودت نظرة من محيّا

تكتسي من بهائه الشمس نورا

قم فأنذر عداك وهو الخطاب

الفصل أن تجعل الحسام نذيرا

كائناً للمنون هارون في البعث

لموسى عوناً له ووزيرا

قد دجا في صدورهم ليل غي

فيه يهوى نجم القنا أن يغورا

أو ما هزّ طود حلمك يوم

كان للحشر شره مستطيرا

يوم أمسى الحسين منعفر الخد

ين فيه ونحره منحورا

أفتديه مخدّراً صار يحمي

بشبا السيف عن نساء الخدورا

ليس تدري محبوكة الدرع ضمّت

شخصه في ثباته أم ثبيرا

١٤٨

أعدت السيف كفه في قراها

فغدا في الوغى يضيف النسورا

صار موسى وآل فرعون حرباً

والعصى السيف والجواد الطورا

وأصريعاً بثوب هيجاء مدرو

جاً وفي درع صبره مقسورا

كيف قرت في فقد مسكنها الأر

ض وقد آذنت له أن تمورا

وقضى في الهجير ظام ولكن

بحشى حرها يذيب الهجيرا

صار سدراً لجسمه ورق البيض

ونقع الهيجا له كافورا

أحسين تقضي بغير نصير

مستظاماً فلا عدمت النصيرا

بأبي رأسك المشهرّ أمسى

يحمل الرمح منه بدراً منيرا

* * *

الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره. كان شاعراً بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم، في شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده. كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح. والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها:

لمن الطلول كأنهنّ رقوم

تصحو لعينك تارة وتغيم

بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنّت بواديه الخماص الهيم

ولد سنة 1278 ه‍ فاحتضنه أبوه، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد والحلة، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي، والشيخ حمادي نوح من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية. ثم كان له من حانوته الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية المعروفة ب‍ ( الحُيُص ) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي يعلق على هذا الزعم بقوله:

١٤٩

وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍ وعثرت أخيراً على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد القزويني قال:

هي نفس تقدست فحباها

محض تقديسها عُلا لا يُضاهى

كيف منها الردى استطاع دنواً

وبأسد الشرى يُحاط خباها

يا لنفس لها نفائس أوصاف

بها الله للملائك باهى

سكنت خدرها المنيع إلى أن

سكنت خير مرقد واراها

فهب اللحد في ثراه طواها

أفهل يستطيع طيّ علاها

شكرت أجرها صحيفتها الملآى

بما قدمت فيا بشراها

فمضت والعفاف يتبعها بالنوح

والنسك ثاكلا ينعاها

يا خطوب الزمان إن خلت أن لا

عاصم اليوم للعلى من أساها

فقد استعصمت ببأس ( أبي

القاسم ) من كل معضل يغشاها

بدر علم وطودُ حلم ولجيّ

صفات جلّت فلا تتناهى

نير المحتد الذي تتجلى الشمس

فيه فيستشف ضياها

طاهر البرد معدن الرشد سامي

المجد غوث الأنام في بأساها

فالقوافي بنعته انشقتنا

نفحات يحيى النفوس شذاها

جمع الله فيه شمل المعالي

وأعزّ الاله فيه حماها

سادة العالمين آل معز الدين

فيكم سمت شريعة طه

فبكم تكشف الحوادث عنا

وتنال النفوس أقصى مُناها

ولنا تُرسل السحائب من أنملكم

حفّلا يفيض نداها

والينا شوارق العلم منكم

تتجلّى فنهتدي بهداها

١٥٠

وجميل اصطباركم بشّر الله

به الصابرين في أُخراها

قدس الله تربة عطّرتها

بنت خير الورى بنشر تقاها

لا عداها صوب الغوادي لأني

قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )

وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها:

تخطّى الردى في فيلق منه جرار

اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال: أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن ـ ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.

توفيرحمه‌الله سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول، فأكثر من الهذيان إلى أن قال: أكثر ما يؤذيك شدّة الحر ـ وكان الفصل صيفاً ـ فأجابه شاعرنا قائلاً: وكثرة الهذيان.

١٥١

ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنت بواديه الخماص الهيم

وتذكرت بالأنعمين مرابعاً

خضر الأديم ونبتهن عميم

أيام مرتبع الركائب باللوى

خضل وماء الواديين جميم

ومن العذيب تخب في غلس الدجى

بالمدلجات مسومات كوم

والركب يتبع ومضة من حاجر

فكأنه بزمامها مخطوم

سل أبرق الحنّاء عن أحبابنا

هل حيهم بالأبرقين مقيم

والثم ثرى الدار التي بجفونها

يوم الوداع ترابها ملثوم

واحلب جفونك ان طفل نباتها

عن ضرع غادية الحيا مفطوم

عجباً لدار الحي تنتجع الحيا

وأخو الغوادي جفني المسجوم

ومولّع باللوم ما عرف الجوى

سفهاً يعنف واجداً ويلوم

فأجبته والنار بين جوانحي

دعني فرزئي بالحسين عظيم

أنعاه مفطور الفؤاد من الظما

وبنحره شجر القنا محطوم

جمّ المناقب منه يضرب للعلا

عرق بأعياص الفخار كريم

فلقد تعاطى والدماء مدامة

ولقد تنادم والحسام نديم

في حيث أودية النجيع يمدّها

بطل بخيل الدارعين يعوم

يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه

قبل الفرار أمامه مهزوم

لبّاس محكمة القتير مفاضة

يندق فيها الرمح وهو قويم

يعدو وحبات القلوب كأنها

عقد بسلك قناته منظوم

ومضى يريد الحرب حتى أنه

تحت اللواء يموت وهو كريم

واختار أن يقضي وعمّته الضبا

فيها وظِلته القنا المحطوم

وقضى بيوم حيث في سمر القنا

قِصدٌ وفي بيض الضبا تثليم

ثاوٍ بظل السمر يشكر فعله

في الحرب مصرعه بها المعلوم

١٥٢

فدماؤه مسفوكة وحريمه

مهتوكة وتراثه مقسوم

عجباً رأى النيران بابن قسيمها

برداً خليل الله ابراهيم

وابن النبي قضي بجمرة غلة

منها يذيب الجامدات سموم

وكريمة الحسبين بابن زعيمها

هتفت عشية لا يجيب زعيم

هتكوا الحريم وأنت أمنع جانباً

بحميةٍ فيها تصان حريم

ترتاع من فزع العدو يتيمة

ويأن من ألم السياط يتيم

تطوي الضلوع على لوافح زفرة

خرساء تقعد بالحشا وتقوم

في حيث قدر الوجد يوقد نارها

ملؤ الجوانح زفرة وهموم

فتعج بالحادي ومن أحشائها

جمعت شظايا ملؤهن كلوم

إما مررت على جسوم بني أبي

دعني ولولوث الأزار أقيم

وأرواح ألثم كل نحرٍ منهم

قبلي بأفواه الضبا ملثوم

وأشمّ من تلك النحور لطائماً

فيهن خفاق النسيم نموم

وبرغمهم أسري وأترك عندهم

كبداً ترف عليهم وتحوم

أنعى بدوراً تحت داجية الوغى

يطلعن فيها للرماح نجوم

أكل الحديد جسومهم ومن القنا

صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم

ماتوا ضرباً والسيوف بوقفة

فيها لأظفار القنا تقليم

ومشوا لها قدماً وحائمة الردى

لهم بأجنحة السيوف تحوم

وقضوا حقوق المجددون مواقف

رعفت بهنّ أسنة وكلوم

* * *

١٥٣

وله في الامام الحسينعليه‌السلام :

بأيّ حمى قلب الخليط مولع

وفي أي واد كاد صبرك ينزع

وقفن بها لكنها أيّ وقفة

وجدن قلوباً قد جرت وهي ادمع

ترجّع ورقاء الصدى في عراصها

فتنسيك مَن في الأيك باتت ترجّع

مضت ومضى قلب المشوق يؤمها

فلا نأيها يدنو ولا القلب يرجع

فأسرعت دمعي فيهم حيث أسرعوا

وودعت قلبي فيهم حيث ودعوا

كأن حنيني وانصباب مدامعي

زلازل إرعاد به الغيث يهمع

جزعت ولكن لا لمن كان ركبهم

ولولاك يوم الطف ما كنت أجزع

قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية

سقتها العدى كأس الردى وهو مترع

بيوم أهاجوا للهياج عجاجة

تضيّع وجه الشمس من حيث تطلع

بفيض نجيع الطعن والسمر شرّع

ويسود ليل النقع والبيض لمّع

بخيل سوى فرسانها ليس تبتغي

وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع

تجرد فوق الجرد في كل غارة

حداد سيوف بينها الموت مودع

عليها من الفتيان كل ابن بجدة

يردّ مريع الموت وهو مروع

أحب اليها في الوغى ما يضرها

إذا كان من مال المفاخر ينفع

وما خسرت تلك النفوس بموقف

يحافظ فيها المجد وهي تضيع

تُدفّع من تحت السوابق للقنا

نفوساً بغير الطعن لا تتدفع

كأن رماح الخط بين أكفهم

أراقم في أنيابها السمّ منقع

ولما أبت إلا المعالي بمعرك

به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع

هوت في ثرى الغبرا ولكن سما لها

على ذروة العلياء عزٌ مرفّع

فبين جريح فهو للبيض أكلة

وبين طعين وهو للسمر مرتع

ثوت حيث لا يدري بيوم ثوائها

اصيبت اسود ام بنو الوحي صرّع

فمنعفر خداً وصدر مرضض

ومختضبٌ نحراً وجسم مبضع

١٥٤

كأني بها في كربلا وهي كعبة

سجود عليها البيض والسمر ركع

فيا لوجوه في ثرى الطف غيبت

ومن نورها ما في الأهلة يسطع

ولما تعرّت بالعراء جسومها

كساها ثياباً مجدها ليس ينزع

وظمآنة كادت تروي غليلها

بأدمعها لو كان يروي وينقع

فذا جفنها قد سال دمعاً وقلبها

بكف الرزايا بات وهو موزع

هوت فوق أجساد رأت في هوّيها

حشاشتها من قلبها فهي وقّع

تبيت رزايا الطف تأسر قلبها

وتطلقه أجفانها وهي أدمع

فيا منجد الاسلام إن عز منجد

ويا مفزع الداعي إذا عزّ مفزع

حسامك من ضرب الرقاب مثلّمٌ

ورمحك من طعن الصدور مصدّع

فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى

بهام الأعادي موجه المتدفع

إذا حسرت سود المنايا لثامها

وللشمس وجه للغبار مقنع

ولم أدر يوم الطعن في كل موقف

قناتك ام طير القرى فيه اطمع

فجمعت شمل الدين وهو مفرق

وفرقت شمل الشرك وهو مجمع

إذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى

خطيباً على هاماتهم وهو مصقع

له شعلة لو يطلب الأفق ضوءها

لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع

ولو كان سمعٌ للصوارم لاغتدى

مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع

وقفتَ وقد حمّلتَ ما لو حملنَه

الجبال الرواسي أوشكت تتصدع

ورحّبتَ صدراً في امور لو أنها

سرت بين رحب ضاق وهو موسّع

بحيث الرماح السمهريات تلتوي

عليك وبيض المشرفيات تلمع

فلا عجب من هاشم حيث لم تكن

تذب بيوم الطف عنك وتدفع

إذا ضيعوا حتى الوصي ولم تقم

بنصرته فاليوم حقك أضيع

تشيّع ذكر الطف وقعتك التي

بقيت لديها عافراً لا تشيّع

لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا

بجنبك يوم الطعن فيهن ضلّع

١٥٥

فنحرك منحور وصدرك موطأ

ورأسك مشهور وجسمك مودع

إذا لم تضيّع حق عهد جفوننا

عليك فعهد الصبر منا مضيع

وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا

لهن عيون في مصابك تدمع

وإن أدركت بالطف وترك هاشم

فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع

تروّي القنا الخطار وهي عواطش

وتشبع ذؤبان الفلا وهي جوّع

تدافع عن خدر التي قد تقنعت

بسوط العدى اذلا حماة تقنّع

أموقع يوم الطف أبقيت حرقة

لها كل آن بين جنبيّ موضع

سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت

فلي مقلة عبرى وقلب مفجّع

بنفسي أوصال المكارم واصلت

سيوف العدى حتى انحنت تتقطع

مصارعها في كربلا غير أنها

لها كل آنٍ نصب عينيّ مصرع

* * *

١٥٦

الشيخ محمد سعيد السكافي

المتوفى 1319

يقلّ لدمعي دماً أن يصوبا

وللقلب مني أسىً أن يذوبا

لما قد ألمّ بآل النبي

فأجرى الدموع وأورى القلوبا

ولا مثل يومهم في الطفوف

فقد كان في الدهر يوماً عصيبا

غداة حسين وخيل العدى

تسدّ عليه الفضاء الرحيبا

دعته لينقاد سلس القياد

وتأبى حميته أن يجيبا

فهبّ لحربهم ثائراً

بفتيان حرب تشبّ الحروبا

فمن كل ليث وغىً تتقي

له في الوغى الاسد بأساً مهيبا

وأروع يغشى الوغى باسما

ووجه المنية يبدي قطوبا

فكم ثلمت للمواضي شبا

وكم حطمت للعوالي كعوبا

إلى أن ثوت في الثرى جثّما

تضوّع من نشرها الترب طيبا

وأضحى فريداً غريب الديار

بنفسي أفدي الفريد الغريبا

فراح يخوض غمار الحتوف

ونار حشاه تشبّ لهيبا

وأضحى بجنب العرى عاريا

كسته الأعاصير برداً قشيبا

وسيقت حرائره كالإماء

تجوب حزونا وتطوي سهوبا

ويا رب نادبة والحشى

يكاد بنار الجوى أن يذوبا

أريحانة المصطفى هل ترى

درى المصطفى بك شلواً سليبا

يعز على المصطفى أن يرى

على الترب خدك أمسى تريبا

١٥٧

يعزّ على المصطفى أن يرى

بقاني الدما لك شيباً خضيبا

يعزّ على المصطفى أن يرى

بأيدي العدى لك رحلاً نهيبا

ألانت قناتي يد الحادثا

ت وقد كان عود قناتي صليبا

فهل لليالي بهم أوبة

وهيهات ما قد مضى أن يؤوبا

* * *

الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه‍ ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال: الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر، الجامع لاشتات المفاخر، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله:

وأخ وفيٌ لا أُطيق فراقه

حكم الزمان بأن أراه مفارقي

بان الأسى مذبان وابيضت أسى

لنواه سود نواظري ومفارقي

ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب‍ ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت

١٥٨

التي تقطن النجف زهاء الف عام، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال:

تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا

فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى

وأومض من وادي الغضا لمع بارق

فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا

فيا حبذا تلك المغاني وإن نأت

وياما أُحيلى العيش فيها وإن مرّا

فيا طالما بالانس كانت أواهلا

وان هي أمست بعد موحشة قفرا

عشية عاطاني المدامة شادن

أغنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا

حكى الغصن قداً والجأذر لفتة

وعين ألمها عيناً وبيض الضبا نحرا

فبتنا وقد مدّ الظلام رواقه

علينا وأرخى من جلابيبه سترا

وقد هدأت عنا العيون وهوّمت

سوى أن عين النجم ترمقنا شزرا

من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى

وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا

لقد هنت قدراً في هواك وإنني

لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا

ويا رب لاح قط ما خامر الهوى

حشاه ولا فاضت له مقلة عبرى

يلوم فلم أرع المسامع عذله

كأن باذني عند تعنيفه وقرا

وهيهات يصغى للملامة وامق

معنّى الحشى مضنى أخو كبد حرى

وقائلة مالي أراك مشمراً

لجوب القفار البيد توسعها مسر

تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً

فلم تتئد أن تقطع البر والبحرا

١٥٩

فقلت لها كفيّ الملامة إنما

هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا

سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا

وأقطع من أجوازها السهل والوعرا

لأمنية أحظى بها أو منية

فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخرى

وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه‍ ودفن في صحن الإمام الحسين (ع) وكان عمره 69 عاماً.

ومن رثائه للحسين (ع):

معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى

سقاهن وجافّ الغمام إذا همى

وقفت بها كيما أبثّ صبابتي

فكان لسان الدمع عنها مترجما

دهتها صروف الحادثات فلم تدعد

بها أثراً إلا طلولاً وأرسما

بلى إنها الأيام شتى صروفها

إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى

وليس كيوم الطف يوم فإنه

أسال من العين المدامع عندما

غداة استفزت آل حرب جموعها

لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما

فلست ترى إلا أصمّ مثقفاً

وأبيض إصليتا وأجرد أدهما

أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى

وباعت هداها يوم باعته بالعمى

أتحسب أن يستسلم السبط ملقياً

اليها مقاليد الامور مسلّما

ليوث وغىً لم تتخذ يوم معرك

بها أجماً إلا الوشيج المقوّما

ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت

لدى الروع مشحوذ الغرارين مخذما

ومذ عاد فرد الدهر فرداً ولم يجد

له منجداً إلا الحسام المصمما

رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق

يردّ لُهام الجيش أغبر أقتما

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

لو لم يمضها لردع عنها فلا بدّ إذن ـ لدى الاستدلال بالسيرة العقلائية ـ من الجزم بعدم صدور الردع ؛ ليتحقّق العلم بالإمضاء، والجزم بعدم صدور الردع لا يتحقّق مع وجود ما يحتمل دلالته في الأخبار على الردع ، ولو لم يكن تامّاً سنداً ؛ لأنّ مجرد احتمال وروده بنحو الردع من الشارع يكفي لعدم حصول الجزم بالإمضاء فالخبر الضعيف وإن لم يكن حجّة ولكنّه يكفي ـ في جملة من الموارد ـ لإسقاط حجيّة السيرة ، والمنع عن الجزم بالإمضاء وهذه نكتة عامة يجب أن تلاحظ في جملة من موارد الاستدلال بالسيرة العقلائية .

وبناء عليها نقول في المقام : إنّ الروايات العديدة والواردة تارة بلسان : أنّ الناس شركاء في الماء(١) ، وأخرى : بلسان : النهي عن منع فضل الماء ، وثالثة بلسان : النهي عن بيع القناة بعد الاستغناء عنها تؤدّي على أقلّ تقدير إلى احتمال ورود الردع عن الاختصاص المطلق ، المسمّى بالملكيّة

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٧ من أبواب إحياء المَوات ، الحديث الأوّل ، الصفحة ٤١٩ ، الباب ٧

٧٠١

بحثٌ في : وجوب إعارة القناة عند الاستغناء عنها( ١٠ )

وهناك من يوقع المعارضة بين هذه الطائفة ، وبين ما دلّ على جواز بيع القناة، كخبر الكاهلي ، قال :( سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده : عن قناة بين قوم ، لكلّ رجل منهم شرب معلوم ، فاستغنى رجل منهم عن شربه ، أيبيع بحنطةٍ أو شعير ؟ قال : يبيعه بما شاء ، هذا ممّا ليس فيه شيء ) (١) .

وبعد إيقاع المعارضة ، يجمع بينهما بحمل الروايات الناهية على الكراهة .

ولكن التحقيق : أنّ هذا الجمع غير تامّ ؛ إذ لو فرض التعارض بينهما وورودهما في موضوع واحدٍ ، فكيف يوفّق بين النهي ولو بمعنى الكراهة ، وبين قوله :( هذا ممّا ليس في شيءٍ ) الظاهر جدّاً في خلوّه من كلّ حزازة وشبهةٍ ؟!

والتحقيق في الجمع بين الطائفتين : أنّ الطائفة الناهية ، كموثقة أبي بصير المذكورة في المتن ، تدلّ على أمرين :

أحدهما : وجوب الإعارة وبذل القناة مجّاناً لأجل أن ينتفع بها المستعير عند إشباع صاحب القناة حاجته

والثاني : عدم جواز بيعها والطائفة الثانية ، التي منها خبر الكاهلي المتقدّم آنفاً ، لا تنافي الأمر الأوّل بوجه ، لأنّها تدلّ على عدم وجوب إعارة القناة للغير ، وإنّما تدل على جواز بيعها وجواز بيعها لا يستلزم عدم وجوب إعارتها .

ولا يتوهّم في المقام : الملازمة ، بدعوى : أنّه لو كان يجب إعارته مجّاناً لما كان هناك داع لاشترائها ، ولم يبقَ موضع لبيعها ، لأنّ من يريد اشتراءها يمكنه

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٥ : ٤١٨ ، الباب ٦ من أبواب إحياء المَوات ، الحديث ٢ .

٧٠٢

الاستغناء عن شرائها باستعارتها مجّاناً ، مادام صاحب القناة ملزماً بإعارتها مجّاناً فنفس فرض البيع والحكم بجوازه ، ملازم مع عدم وجوب الإعارة ، لكي يتحقّق الداعي العقلائي للشراء فإنّه يندفع هذا التوهّم بأنّ وجوب الإعارة لا يجعل الاشتراء لغواً ؛ لأنّ الشخص قد لا يكتفي بمجرّد الانتفاع المبذول له مجّاناً بالإعارة ، بل يريد أن يكون له حقّ الأولوية في القناة ، كما كان لصاحبها الذي استغنى عنها وهذا الحقّ إنّما ينقل بالبيع والشراء .

وعليه : فالطائفة الدالّة على جواز البيع لا تنافي وجوب الإعارة أصلاً نعم ، تقع المعارضة بين هذه الطائفة الدالّة على جواز البيع ، وبين الطائفة الناهية ؛ بلحاظ مدلولها الثاني ، وهو النهي عن بيع القناة وحلّ هذه المعارضة : أنّ الطائفة الناهية عن البيع والآمرة بالإعارة يحتمل في نهيها عن البيع وجهان :

أحدهما : أنّه نهي حقيقيٌ عن البيع بقول مطلق .

وثانيهما : أنّه نهي عن البيع في قِبال الإعارة بمعنى أنّ من يريد أن يستعير منك القناة لا تضطره إلى الشراء ، ولا تبعها عليه ، بل أعره إياها مجّاناً ، فهو نهي عن البيع في مورد طلب الإعارة ، لا نهي عن البيع مطلقاً ، حتى فيما إذا كان مقصود المشتري أن يكتسب حقّ الاختصاص بها ، كما يقرّبه جعله في قِبال الإعارة فإن كان النهي بالمعنى الأوّل ، وقعت المعارضة بينها وبين الطائفة الدالّة على جواز البيع وإن كان بالمعنى الثاني فلا معارضة .

وحينئذٍ ينبغي أن يقال : أنّ ظهور الطائفة الدالّة على الجواز ، أقوى من ظهور النهي عن البيع في الطائفة الأخرى في المعنى الأوّل ، لو كان له ظهوره في ذلك ولم نقل بتردّده بين المعنيين ، أو ظهوره في الثاني ، فيقدّم ظهور الجواز وينتج من مجموع الطائفتين وجوب إعارة الزائد على الحاجة من القناة مجّاناً للآخرين وجواز بيعها ، المنتج لانتقال حقّ الاختصاص والأولوية إلى المشتري .

٧٠٣

إلحاق المعدن بالأرض( ١١ )

نعني بذلك : أنّ المعدن كالأرض من هذه الناحية ، لأنّ دليل الحقّ أو التملّك الثابت في المعدن لبّي ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقه ، والاستصحاب يمكن منع جريانه لأكثر من وجه واحد .

فإن قيل : أنّ الأخبار الواردة في خمس المعدن التي تأمر المستخرج للمعدن بدفع الخمس تدلّ بالإطلاق أو الالتزام على كون المستخرج مالكاً لغير الخمس من المعدن ، وعليه يكون الدليل على تملّك الفرد للمعدن لفظياً لا لبّياً .

قلنا : إنّ تلك الأخبار ليست في مقام البيان من ناحية حكم المعدن ، وحقّ الشخص المستخرج فيه ، لتتمسّك بها لإثبات ذلك الحقّ في موارد الشكّ في ثبوته ، وإنّما هي بصدد بيان ثبوت الخمس ، في مورد يملك الفرد فيه المعدن بالاستخراج ، فلا يمكن إثبات نفس الملكيّة بقاءً أو حدوثاً في مورد الشكّ بها ، ومورد الكلام فيها المادّة المستخرجة لا رقبة المعدن .

٧٠٤

الطير يملك بالصيد وإن لم تتم حيازته ( ١٢ )

إنّ إطلاق قول الإمام الرضاعليه‌السلام في الصحيح :( من صاد ما هو مالك لجناحيه ، لا يَعرِف له طالباً فهو له ) (١) . يدلّ على ما تقدّم في الكتاب(٢) ؛ لأنّه يقرّر : أنّ الطير يحكم به للصائد بمجرّد تحقق عنوان الصيد ، سواء تحقّقت الحيازة أو لا فيشمل صورة انفكاك الصيد عن الحيازة ، كما في الفرضية التي بينّاها في الكتاب ومدلول ذلك أنّ الصيد بنفسه سبب كالحيازة ، ومردّ هذا من الناحية النظرية إلى تملّك الصياد للفرصة التي خلقها عمله .

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٨٨ ، الباب ٣٦ من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل .

(٢) راجع مبحث : أساس التملّك في الثروات المنقولة .

٧٠٥

الفرق بين التملّك بالصيد والتملّك بالحيازة ( ١٣ )

والدليل الفقهي على ذلك إطلاق قول الإمام الصادق (ع) في الصحيح :( إذا ملك الطائر جناحيه فهو لمن أخذه ) (١) . فإنّ هذا الإطلاق يشمل ما إذ كان هذا الطائر المالك لجناحيه ، قد استحقّه قبل ذلك شخص آخر بالصيد ، ثمّ استرد امتناعه وطار .

فإنّ قيل : إنّ هذا الإطلاق مقيّد بما جاء في رواية محمّد بن الفضيل وغيرها :( قال : سألته عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهماً ، قال : إذا عرفت صاحبه فردّه عليه ) (٢) .

قلنا : إنّ هذا النصّ وأمثاله ، وإنّ كان مقيّداً للمطلق السابق ، ولكن مورده هو ما إذا كان الطير قد دخل في حيازة صاحبه السابق ، وذلك بقرينة قوله( رده عليه ) فإنّ الأمر بالردّ ظاهر في : أنّ المفروض هو العلم بسبق يد الغير عليه وأمّا فرض الاستحقاق بمجرّد الصيد ، دون الحيازة ، كما في الصورة التي بيناها ، فلا ينطبق عليه النصّ الوارد في الرواية محمّد بن الفضيل ، لعدم صدق عنوان الردّوعليه : فينتج ـ بعد ملاحظة المطلق مع رواية ابن الفضيل ـ التفضيل بين ما إذا كان الطير المالك لجناحيه قد حازه شخص سابقاً وملكه بالحيازة ، وبين ما إذا كان قد ملكه واستحقّه بمجرّد الصيد ففي الأوّل لا يحلّ الطير لمن يصطاده ثانياً ، وفي الثاني يحلّ

ـــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ٢٣ : ٣٨٩ ، الباب ٣٧ من أبواب الصيد ، الحديث الأوّل .

(٢) المصدر السابق : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الباب ٣٦ من أبواب الصيد ، الحديث ٢ .

٧٠٦

بحثٌ في : تملّك الشخص لِما يحوزه المتبرّع أو الوكيل أو الأجير ( ١٤ )

يمكن تصنيف البحث إلى جهاتٍ ثلاث :

الجهة الأولى : فيما إذا حاز الفرد لآخر تبرّعاً دون وكالة أو إجارة ، فهل يملك الآخر أو لا ؟

والجواب على هذا : يجب أن يكون بعد الفراغ عن تعقّل إضافة الحيازة بوجه ما إلى غير المباشر ، وذلك بأنّ يقصد المباشر الاستيلاء على مال تمهيداً لاستيلاء الغير وانتفاعه به ، فتكون حيازة المباشر للمال ذات إضافة إلى ذلك الشخص تجعله يوصف بأنّه محازٌ له ، فيتّجه السؤال عن تملّك المُحاز له للمال المُحاز .

والجواب : بالنفي ؛ وذلك لعدم وجود شيء من العناصر التي يحتمل فقهياً أنّها تبرّر تملّك غير الحائز لمّا يحوزه من أموال بلا عقد إجارة ولا وكالة ، ونفس الحيازة إنّما تبرّر ملكيّة الحائز لا غيره ، والمُحاز له ليس حائزاً فلا يوجد بالإضافة إليه سبب الملكية ، سواء كان السبب مجرّد ممارسة عملية الحيازة ، أيّ المظهر المادّي لها ، أو الحيازة التي يمارسها الحائز بشكلٍ هادفٍ وبقصد الانتفاع بما يحوز ، فعلى كلاً التقديرين لا يوجد مبرّر لتملّك المُحاز له تلك الثروة التي حازها غيره .

أمّا على الأساس الأوّل ، الذي يجعل من الجانب المادّي للحيازة سبب كافياً للملكية ، فلأنّ المُحاز له لم يصدر منه أيّ استيلاء ليكتسب عن طريقه الملكية وإمّا على الأساس الثاني فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الاستيلاء عنصر أساسي في السبب المملّك على أيّ حال ، وهو لا يوجد في المُحاز له .

٧٠٧

وقصارى الفرق بين الأساسين : أنّ الحائز المباشر الذي قصد بالحيازة غيره يملك المال المُحاز على الأساس الأوّل ؛ لأنّ الجانب المادّي من الحيازة قد تحقّق منه ، وأمّا على الأساس الثاني فلا يملكه .

الجهة الثانية : فيما إذا وكّل فردٌ غيره في الحيازة له ، فحاز الوكيل لموكّله وهذا هو نفس الغرض السابق ، مع زيادة فرض الوكالة ، فبعد الفراغ عن عدم تملّك المُحاز له في الفرض السابق يتركّز الكلام هنا في سببية الوكالة ، لتملّك الموكّل لِما يحوزه الوكيل من ثروات الطبيعة .

وما يمكن أن يقال في تبرير هذه السببية هو : أنّ فعل الوكيل ينتسب بالوكالة إلى الموكّل ، فتكون حيازة الوكيل حيازة للموكِّل كما يكون بيع الوكيل بيعاً لموكِّله ، فيتمّ بذلك سبب الملكية بالنسبة إلى الموكّل .

والجواب على هذا البيان : أنّ انتساب فعل الوكيل إلى الموكّل إنّما هو في الأمور الاعتبارية كالبيع والهبة والإجارة لا في الأمور التكوينية التي يكون انتسابها تكوينياً فبالوكالة يصدق على الموكّل أنّه باع كتابه إذ باعه وكيله ، ولكن لا يصدق عليه أنه زار فلاناً إذا وكّل شخصاً في زيارته ؛ لأنّ انتساب الزيارة للزائر تكويني ، بخلاف انتساب البيع إلى البائع فإنّه اعتباري قابل للتوسعة عرفاً بالوكالة والحيازة بوصفها استيلاءً خارجياً هي من نوع الزيارة التي لا تنتسب إلى غير الزائر بمجرّد الوكالة ، وليست من قبيل البيع والهبة .

وعلى هذا الأساس نقول : إنّ صحّة الوكالة في الأمور الاعتبارية المشروعة بأدّلتها ، كالبيع ونحوه من المعاملات ، على وفق القاعدة ، ويكفي فيها نفس الأدلّة الأوّلية العامة كدليل صحّة البيع من المالك مثلاً ؛ لأنّ الوكالة ـ نظراً إلى أنّها تؤدّي إلى انتساب بيع الوكيل إلى الموكل ـ تحقّق بذلك مصداقاً لإطلاق الدليل الأوّلي الدالّ على صحّة البيع بلا حاجة إلى دليل شرعي خاص يدلّ على صحّة الوكالة .

وأمّا في غير الأمور الاعتبارية ، فحيث أنّ مجرّد الوكالة لا يحقّق توسعة في الانتساب التكويني ، فتحتاج صحّة الوكالة وتنزيل عمل الوكيل منزلة عمل الموكِّل في الآثار الشرعية إلى دليل خاص ، ولا يكفي الدليل الأوّلي الدالّ على ترتب تلك الآثار على أسبابها .

٧٠٨

وحيث إنّه لا إطلاق في أخبار الوكالة ، فالأصل يقتضي عدم ترتب آثار فعل الموكّل على فعل الوكيل في الأمور التكوينية ، ما لم يقم دليل خاص على التنزيل التعبّدي من قبل الشارع وفي باب الحيازة لم يقم دليل خاص من هذا القبيل ، فتلغوا بالوكالة فيها(١) .

ـــــــــــــــ

(١) فإن قيل : إنّ مردّ الوكالة في جميع الأمور الاعتبارية إلى تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكّل ، وإسناد بيع الوكيل إلى الموكِّل إنّما هو باعتبار هذا التنزيل ، فتتوقّف صحّة الوكالة في أيّ مورد سواء كان اعتبارياً كالبيع أو تكوينياً كالحيازة على قيام دليل على التنزيل الشرعي الابتدائي أو التنزيل العقلاني المُمضى شرعاً ولا يكفي التمسّك بنفس الأدلّة الأوّلية الدالّة على صحّة بيع المالك ، أو على التملّك بالحيازة فلا فرق ـ إذن ـ بين الأمور الاعتبارية والتكوينية من حيث الاحتياج إلى دليل آخر على ثبوت التنزيل الشرعي تأسيساً أو إمضاء .

قلنا : إنّ تصحيح الوكالة في موارد الأمور الاعتبارية والإنشائية كالبيع ونحوه ، ليس بملاك تنزيل فعل الوكيل وبيعه منزلة فعل الموكّل وبيعه ؛ وذلك لأنّنا في موارد الوكالة في الأمور الاعتبارية نرى صحّة إسناد البيع الصادر من الوكيل إلى المالك حقيقة ، فإذا بيع دار زيد من قبل وكيله ، صحّ لزيد أن يقول : بعت داري ، ولنا أن نقول : زيد باع داره ومن الواضح : أنّ تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكّل غاية أثره أنّه يكون حاكماً على الدليل الأوّلي الدالّ على بيع المالك ، وموسّعاً لموضوعه ، ومدرجاً لبيع الوكيل فيه بالتعبّد والحكومة ، ولا يوجب صحّة إسناد البيع إلى المالك حقيقة ؛ لأنّ باب التوسعة في دائرة الحكم غير باب التوسعة في دائرة الإسناد والاستعمال ، كما هو الحال في سائر موارد الأدلّة الحاكمة ، فالدليل الدالّ على تنزيل الاحتمال منزلة العلم ـ مثلاً ـ لا يصحّح إسناد العلم إلى الشاكّ حقيقة ، وإن أوجب توسعة دائرة أحكام العلم .

وهكذا نعرف : أنّ تصحيح الوكالة في الأمور الاعتبارية ليس من باب التنزيل ؛ لأنّ التنزيل لا يصحّح الإسناد والتوسعة في دائرة الاستعمال حقيقة ، فلا بدّ من الالتزام بوجه في معنى الوكالة في الأمور الاعتبارية يلتئم مع ما هو المرتكز عرفاً من صحة إسناد بيع الوكيل إلى المالك حقيقة وهذا الوجه هو : أن يكون مردّ التوكيل ـ بالارتكاز العرفي ـ إلى إنشاء مضمون المعاملة على سبيل التعليق .

فتوكيّل المالك في بيع داره ، معناه : إنشاء بيعها على تقدير بيع الوكيل للدار بحيث يكون إنشاء المالك للبيع فعلياً ، ومتضمّناً في نفس إنشاء التوكيل بالارتكاز ، ويكون المنشأ معلّقاً على حصول البيع من الوكيل فعلى هذا يصحّ إسناد البيع حينئذٍ إلى المالك حقيقة ، عند حصول البيع من الوكيل .

فإن قيل : إنّ التعليق في المنشأ يوجب البطلان في البيع ونحوه من المعاملات .

قلنا : إنّ كون التعليق موجباً للبطلان ليس له دليل لفظي ، وإنّما دليله أحد أمرين : إمّا الإجماع التعبّدي على ذلك ، وإمّا أنّ المعاملة المعلّقة في مقام الإنشاء مخالفة للارتكاز العرفي ، الذي يصبح سبباً في انصراف المطلقات نظير ـ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) ـ عنها وكلا الأمرين غير موجود في هذا التعليق الذي فسّرنا به الوكالة أمّا الإجماع فهو منعقد على صحّة الوكالة بمعناها الارتكازي ، والمفروض أنّ المعنى الارتكازي يتضمّن التعليق .

٧٠٩

الجهة الثالثة : فيما إذا استأجر فرد غيره لحيازة المباحات ، فهل يملك المستأجر ما يحوزه الأجير أو لا ؟

وهذه الجهة يمكن تقسيمها إلى فرعين .

أحدهما : فيما إذا تعلّقت الإجارة بحصّة خاصة من الحيازة ، وهي حيازة الأجير للمستأجر بحيث يملك المستأجر على الأجير هذه الحصّة من العمل .

والفرع الآخر : ما إذا تعلّقت الإجارة بطبيعي الحيازة .

أمّا الفرع الأوّل : وهو ما إذا تعلّقت الإجارة بالحيازة للمستأجر ، فتارة يفرض أنّ الأجير يحقّق حصّة أخرى من الحيازة ، كما إذا حاز لنفسه وأخرى يفرض أنّه يجوز للمستأجر وفقاً لما استأجره عليه .

ففي الفرض الأوّل لا ريب في عدم تملّك المستأجر لما حازه الأجير ؛ لأنّ الحيازة التي وقعت منه ليست مملوكة له ، ولا مستندة إلى عقد الإجارة ليتوهّم ملكيّته لنتائجها .

وأمّا الفرض الثاني من الفرع الأوّل : وهو ما إذا حاز الأجير للمستأجر وفقاً لعقد الإجارة ، فليس هناك ما يميّزه بالبحث فقهياً عن الفرع الثاني ، وهو ما إذا تعلّقت الإجارة بطبيعي الحيازة إذ لا يوجد فيه ما يحتمل كونه مبرّراً لتملّك المستأجر للثروة التي يحوزها الأجير إلاّ عقد الإجارة ، فلو قيل في هذا الفرض : بأنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره ، فإنّما ذلك على أساس عقد الإجارة وهذا الأساس بنفسه ثابت في الفرع الثاني أيضاً .

وهكذا يجب تركيز البحث عن الفرض الثاني من الفرع الأوّل ، وعن الفرع الثاني في هذه النقطة ، وهي : أنّ عقد الإجارة هل يكون سبباً لتملّك المستأجر الثروة الطبيعية التي يحوزها أجيره ؟

ومن الواضح فقهياً : أنّ المدلول الابتدائي لعقد الإجارة ودوره الأصيل هو : منح المستأجر ملكيّة منفعة العين المستأجرة ، كالسكنى في إجارة الدار ومنفعة الأجير في استئجار العامل ، ومنفعة الأجير هي عمله بما هو حيثية قائمة به كقيام حيثية الانتفاع بالسكنى بالدار المستأجرة.

وهذا يعني في موضوع البحث : أنّ ما يملكه المستأجر بصورة رئيسيّة إنّما هو فعل الأجير ، أيّ حيازته بما هي منفعة قائمة به وأمّا موضوع الحيازة ـ أي : الثروة المُحازة ـ فهو إن كان يملكه المستأجر فليس ذلك مدلولاً مباشراً لعقد الإجارة ، بل لا بدّ أن يكون نتيجة لتملّكه للحيازة ، كما إذا افترضنا أن تملّك الحيازة يلزم منه فقهياً تملّك موضوعها ، أي : المال المُحاز .

٧١٠

وهكذا يتعيّن علينا أن نبحث هذه الناحية فقهياً ؛ لكي نرى أنّ تملّك الحيازة هل يكون سبباً أو ملازماً بلون من الألوان لتملّك المال المُحاز ؟

وعلى الصعيد الفقهي عدّة أمور يمكن الاستناد إليها في تبرير هذه السببية ، والاستدلال على أنّ ملكيّة المستأجر لحيازة الأجير سبب في تملّكه لما يحوزه الأجير من أموال ، وهي كما يلي :

الأوّل : ما هو المعروف في كتاب الجواهر(١) وغيره(٢) ، من أنّ المُحاز نتيجة للحيازة التي يملكها المستأجر ، فيملك المال المُحاز بتبع ملكيته للحيازة ؛ لأنّ الذي يملك الأصل يملك نتائجه .

وهذا الدليل يبيّن ببيانين :

أحدهما : أنّ المال المُحاز نماء لعمل الحيازة المملوك للمستأجر ، فهو كنماء الشجرة ، فكما أنّ مالك الشجرة يملك ثمرتها بسبب ملكيته للشجرة ، كذلك المستأجر يملك الخشب الذي حازه أجيره من الغابة ، بسبب ملكيّته للحيازة التي مارسها الأجير .

والآخر : أنّ الحيازة كالخياطة ، فكما أنّ أثر الخياطة مملوك بملك الخياطة كذلك أثر الحيازة بعد جعل الشارع لها سبباً مملوك بملك الحيازة ، وكون الأثر تارة هيئة ، وأخرى عيناً ، غير فارق ؛ لأنّ منفعة كلّ شيء بحسبه .

أمّا البيان الأوّل : فهو غير صحيح ، لوضوح الفرق بين نسبة المال المُحاز إلى الحيازة ونسبة الثمرة إلى الشجرة فإنّ الثمرة نماء طبيعي للشجرة ، وأمّا الخشب المُحاز فهو ليس نماءً للحيازة بوجه من الوجوه ، وإنّما الذي ينتج عن الحيازة وقوع الخشب تحت السيطرة لا الخشب نفسه ، والدليل إنّما دلّ على أنّ من يملك شيئاً يملك نماءه الطبيعي ، كثمر الأشجار وبيض الدجاج ، وأمّا النماء بالمعنى المجازي الذي قد يطلق هنا على الخشب المُحاز فلا دليل على تملّكه بتملّك الحيازة .

وأمّا البيان الثاني فيرد عليه :

أوّلاً : أنّ اثر الخياطة ليس مملوكاً بنفس عقد الإجارة ، فلو أنّ شخصاً

ـــــــــــــــ

(١) راجع : جواهر الكلام ٢٦ : ٣٣٤ .

(٢) انظر : مسالك الأفهام ٤ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ .

٧١١

استأجر الخياط لخياطة قطعة من الصوف قميصاً له ، فهو لا يملك أثر الخياطة ، وهو الهيئة الخاصة التي بها يكون الصوف قميصاً بسبب عقد الإجارة ، وإنّما يملك الهيئة بنفس ملكيّة للصوف الثابتة قبل عقد الإجارة ؛ لأنّ ملكيّة المادّة في الشرع هي ملكية لجميع ما يطرأ عليها من هيئات محضة ، وليس للهيئة ملكية مستقلّة .

ولهذا لو افترضنا أنّ قطعة الصوف ليست للمستأجر ، وإنّما هي لشخص آخر باح له التصرّف فيها لم يكن المستأجر يملك بعقد الإجارة هيئة الثوبية ، وهذا يعني أنّ أثر عمل الأجير ـ كهيئة الثوب مثلاً ـ إنّما يكون مِلكاً للمستأجر إذا حصل في مادّة مملوكة له في الدرجة السابقة على عقد الإجارة ، وفي موضع البحث حيث أنّ الخشب المُحاز لم يكن مملوك للمستأجر قبل الإجارة ، بل هو من المباحات العامة ، فقياسه بأثر الخياطة باطل لوجود الفارق .

وثانياً : أنّ أثر الحيازة المقابل للهيئة الناتجة عن الخياطة ، ليس هو نفس الخشب ، بل ملكيّة الخشب المترتبة شرعاً على الحيازة فملكية المال المُحاز في موارد الحيازة هي التي تقابل نفس الهيئة الحاصلة من الخياطة فلو أريد قياس الحيازة بالخياطة وقطعنا النظر عن الاعتراض الأوّل ، لكانت نتيجة ذلك أن يملك المستأجر ملكية الخشب ، لا نفس الخشب ، وهذا لا معنى له .

الثاني : أنّ حيازة الأجير لمّا كانت مملوكة للمستأجر فهي حيازته في الحقيقة ، فالمستأجر يملك الخشب المُحاز ، بوصفه حائزاً له بنفس حيازة أجيره .

واعتراضنا على هذا الوجه :

أوّلاً : إنّ ملكية المستأجر لحيازة الأجير تحقّق إضافة الحيازة إلى المستأجر بإضافة الملكية ، لا على حدّ إضافة الفعل إلى فاعله ، بحيث يكون المستأجر حائزاً بحيازة أجيره ، وما هو سبب تملّك فرد للمال إنّما هو كونه حائزاً له لا كونه مالكاً لحيازته .

٧١٢

وثانياً : لو سلّمنا انتساب نفس الفعل ـ وهو الحيازة ـ إلى المستأجر بسبب ملكيّته له ، فلا يجدي أيضاً ؛ لأنّ دليل التملّك بالحيازة ليس دليل لفظياً له إطلاق ليتمسّك بإطلاقه ، وإنّما هو دليل لبّي ، يقتصر فيه على القدر المتيقّن .

وأمّا دعوى الإجماع على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره فهي دعوى غير مقطوع بصحّتها ، ولو سلّمناها لَما كفى الإجماع المذكور لإثبات الملكية في موضع البحث ؛ لأنّ من المحتمل استناد كثير من المجمعين إلى الاعتقاد بأنّ قواعد الإجارة تقتضي ذلك ، إيماناً منهم بالملازمة بين ملكية الحيازة وملكية موضوعها وحيث إنّا لا نقرّ هذا الأساس ، فلا يكون الإجماع بالنسبة إلينا تعبّدياً .

الثالث : أنّ السيرة العقلانية ـ أو العرف العام ـ قائمة على تملّك المستأجر لِما يحوزه الأجير من الأموال .

ويمكن لأحد أن يقول : إنّ هذه السيرة لم تتوفّر لدينا الأسباب التي تكفي للعلم بوجودها وامتدادها وانتشارها في عصر التشريع ، إلى درجة يستكشف إمضاؤها من عدم وصول الردع عنها .

وإذا اعترفنا بهذه السيرة ، ووجاهة الاستدلال بها فهي إنّما تدلّ في الموارد التي يعلم بشمول السيرة لها ؛ لأنّها دليل لبي فلا يمكن الاستدلال بها ـ حينئذٍ ـ إلاّ فيما إذا قصد الأجير بالحيازة تملك المستأجر ، ولا تشمل صورة ما إذا لم يحز الأجير بنيّة المستأجر ؛ لأنّ هذه الصورة ليست متيقّنة من السيرة جزماً .

الرابع : دعوى دلالة عمومات وإطلاقات صحة الإجارة على المطلوب ، وذلك لأنّها تدلّ على صحة الإجارة في موضع البحث بالمطابقة ، وتدلّ على تملّك المستأجر لما يحوزه الأجير بالالتزام ، وإلاّ لكانت الإجارة لغواً ، وبل منفعة عائدة إلى المستأجر ، ولكانت لأجل ذلك باطلة فصحّتها ملازمة مع تملك المستأجر للمال المُحاز .

٧١٣

ويرد عليه :

أوّلاً : أنّ انتفاع المستأجر بعمل الأجير لا ينحصر بتملّكه للمال المُحاز ، بل قد يتعلّق غرض عقلائي بنفس الحيازة ، واقتطاع الخشب من الغابة أو بتملّك الأجير نفسه فالإجارة ليست سفهيّة على أيّ حال .

وثانياً : أنّه لو سلّم كون الإجارة سفهيّة ، وأنّ الإجارة السفهيّة خارجة تخصّصاً أو تخصيصاً عن أدلّة صحّة الإجارة ، فلا يصحّ التمسّك بهذه الأدلّة لإثبات صحّتها ، فضلاً عن إثبات تملّك المستأجر للمال المُحاز ؛ لأنّه من التمسّك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية .

أضف إلى ذلك إمكان التشكيك في وجود إطلاقات في أدلّة الإجارة ؛ لأنّ أخبار الباب الصحيحة ليس فيها ما يكون مسوقاً لبيان أصل صحّة الإجارة بقول مطلق ليتمسّك بإطلاقها وآية :( أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (١) تدلّ على اللزوم ، ولا تدلّ على الصحّة ، لا مطابقة ولا التزاماً وقوله :( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) (٢) ، مختصّ بالتجارة ، وهي ظاهرة في البيع والشراء ولا تشمل مطلق العقود التمليكية .

الخامس : ما جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام من أنّه قال :( من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق ) (٣) .

وهذا يدلّ على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره ، وإلاّ لما صحّ هذا الكلام على الإطلاق ، ولَمَا صدق على من آجر نفسه للحيازة ونحوها .

ـــــــــــــــ

(١) سورة المائدة : ١ .

(٢) سورة النساء : ٢٩ .

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٠٣ ، الباب ٢ من أبواب كتاب الإجارة ، الحديث الأوّل .

٧١٤

فإطلاق النصّ وشموله لكلّ أجير ، دليل على أنّ المال المُحاز يملكه المستأجر لا الأجير .

ويرد عليه : ـ إضافة إلى إمكان المناقشة في دلالة النصّ ـ : أنّ هذا النصّ لم يرد بسندٍ صحيح ، وطرقه كلّها غير صحيحة فيما أعلم(١) ، فلا يمكن الاعتماد عليه .

وهكذا نعرف ـ على ضوء جميع هذا المناقشات ـ : أنّ ملكية المستأجر لحيازة الأجير ليست سبباً في تملّكه للأموال التي يحوزها أجيره(٢) .

ـــــــــــــــ

(١) راجع وسائل الشيعة ١٧ : ٢٣٨ ، الباب ٦٦ من أبواب ما يكتسب به .

(٢) وقد يلاحظ على ما سبق : أنّ تملّك المستأجر للثروة التي يحوزها أجيره يكفي في ثبوته فقهياً عدم توفّر دليل على تملك الأجير الممارس للحيازة لها ؛ لأنّ الأجير وإن باشر الحيازة ولكن الدليل على أنّ الحيازة سبب للملكية ليس إلاّ السيرة العقلائية ـ لضعف الأخبار الواردة في هذا الباب دلالة وسنداً ـ ولا نعلم أنّ السيرة العُقلائية في عصر التشريع كانت تمنح الأجير ملكية الثروة المُحازة ، فإذا لم يثبت تملّك الأجير للثروة تعين أن يكون المستأجر هو المالك .

ولكن هذه الملاحظة لا تبرّر ملكية المستأجر للثروة حتى إذا تمّت وسلّمنا معها بعدم وجود دليل على ملكية الأجير ، فإنّ عدم توفّر هذا الدليل لا يعني توفّره من الناحية المقابلة .

ويمكن أن نضيف إلى ذلك :

أنّ هذا الملاحظة لا تطّرد في موارد الإحياء التي جاء فيها النصّ القائل : ( من أحيا أرض فهي له ) ؛ لأنّ الدليل هناك متوفّر على أنّ صاحب الحقّ هو المُحيي للأرض ، والمحيي هو الأجير ؛ لأنّه الذي مارس عملية الإحياء ، فيكون الحقّ له بموجب إطلاق النصّ فتأمّل (المؤلّف قدّس سرّه)

٧١٥

بحثٌ في : أنّ المالك بالحيازة هو المُحاز له لا الحائز ( ١٥ )

قد يكون من الأفضل القول : بأنّ الثروة الطبيعية إذا حازها الشخص لفردٍ آخر مَلكها ذلك الفرد المُحاز له ، لا على أساس أنّ المباشر للحيازة وكيل عنه أو أجير له ، بل مجرّد كونه مُحازاً له هو السبب في تملّكه ؛ لأنّ الدليل على التملّك بالحيازة إنّما هو السيرة ، التي يمكن أن يقال : أنّها قائمة على تُملِّك المُحاز له سواء كان هو الحائز أو غيره فتملُّك المُحاز له ليس بوصفه حائزاً ليعترض عليه بما تقدّم ـ في الجهة الأولى من الملحق السابق ـ من أنّ المُحاز له ليس حائزاً بوصفه موكّلاً أو مستأجراً ، ليعترض عليه بما مرّ ـ في الجهتين الأخيرتين من الملحق السابق ـ من أنّ عقد الوكالة أو عقد الإجارة لا يقتضي ذلك .

وإذا تمّ هذا فمعناه أنّ غير الممارس للحيازة إنّما يملك الثروة المُحازة في صورة واحدة ، وهي : ما إذا قصد الممارس أن يحوز له ، وأمّا في غير هذه الصورة فلا يملك غير الممارس الثروة المُحازة ، ولا يبرّر تملّكه له كون المباشر وكيلاً عنه أو أجيراً له ؛ لأنّا عرفنا في الملحق السابق أنّ صحّة الوكالة في الأمور التكوينية تحتاج إلى دليل خاص وهو ليس موجودا ً. وإنّ عقد الإجارة إنّما يقتضي تملّك المستأجر لحيازة الأجير بما هي عمل من أعماله لا لموضوع الحيازة ، أي : الثروة المُحازة .

٧١٦

الجُعالة في كتاب اقتصادنا(١) ( ١٦ )

الجُعالة هي كما يقال عادةً : الالتزام بعوضٍ على عملٍ ، كما إذا قال صاحب المال : من خاطَ ثوبي فله درهم ، ومن فتّش عن كتابي الضائع فله دينار فالخياطة والتفتيش عن الكتاب الضائع عملان يلتزم صاحب الثوب والكتاب بالمكافأة عليهما بدرهم أو بدينار ، وإذا مارسها شخص استحقّ العوض المفروض في الجُعالة ، بمعنى أنّ العامل يملك في موارد الجُعالة العوض بالعمل وأمّا صاحب المال فهو لا يملك العمل على العامل ، ولهذا يختلف عن المستأجر الذي يملك عمل أجيره بموجب عقد الإجارة ، كما أوضحنا ذلك في الكتاب الثاني من اقتصادنا ، الصفحة ٦٧٦ .

وقد قلنا في ذلك الكتاب ( ص ٦٨٨ ) : إنّ العامل قد يفرض له في الجُعالة عوض منفتح مرتبط بأرباح الجاعل ، كما إذا كان الجاعل من منتجي الأسِرّة الخشبيّة فيجعل لكلّ من يعمل من ألواحه سريراً نصف ما سوف يجنيه من الأرباح ، فترتبط مكافأة العامل بنتائج العمليّة وأرباحها ارتفاعاً وانخفاضاً .

كما قلنا أيضاً : إنّ تاجر الأسِرّة الخشبيّة هذا لا يمكن أن يفرض مكافأة من هذا القبيل لأدوات الإنتاج ، فلا يصحّ أن يقول : من أعانني بجهازٍ لتقطيع الخشب فله عليّ كذا .

ـــــــــــــــ

(١) لم يطبع هذا الملحق في كتاب اقتصادنا وقد كتبه المؤلّف الشهيد نظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّاها بهذا الشأن ، فأدرجناه هنا إتماماً للفائدة (لجنة التحقيق) .

٧١٧

ونظراً إلى بعض الأسئلة التي تلقّيتها بهذا الشأن أردت أن أوضّح الفكرة من الناحية الفقهيّة في كلٍّ من هاتين النقطتين:

أمّا النقطة الأولى ـ وهي علاقة تاجر الأسِرّة بالعامل في الجُعالة ـ فتوضيحها : أنّ الجُعل الذي يفرضه تاجر الأسِرّة للعامل في الجُعالة يمكن تصويره بأنحاء :

١ ـ أن يجعل له نصف الخشب الذي يملكه التاجر فعلاً ، وذلك بأن يقول التاجر : من عمل سريراً من خشبي هذا فله نصف هذا الخشب وفي هذه الحالة يكون العوض شخصيّاً وعيناً خارجيّة معيّنة ولا إشكال فيه .

٢ ـ أن يجعل له مالاً في الذمّة يحدّد بكونه مساوياً لنصف الثمن أو الربح الذي سوف يحصل عليه التاجر عند بيع السرير لو أراد بيعه ، بمعنى : أنّ تاجر الأسرّة يقول : من عمل سريراً من خشبي هذا فله في ذمّتي مالٌ بقدر نصف الثمن الذي سوف يتاح الحصول عليه عند بيع السرير بعد إكمال صنعه .

وفي هذه الحالة يكون العوض أمراً في الذمّة ، ولا إشكال فيه إلاّ من ناحية أنّ العوض هنا غير محدّد تحديداً كاملاً ، فبناءً على عدم اشتراط تعيين العوض في باب الجُعالة ـ كتعيين الأجرة في الإجارة ـ لا مانع من الالتزام بصحّة هذه الجُعالة .

٣ ـ أن يجعل التاجر نصف الثمن الشخصي الذي سوف يحصل عليه عند بيع السرير ، لا مالاً في ذمّته يعادل النصف ، أو يفرض له نصف الربح العيني الذي سوف يوجد في البضاعة .

ولا بدّ لتحقيق هذه الصورة من الالتفات إلى شيء ، وهو : أنّ العامل في باب الجُعالة يملك الجعل بإتيانه للعمل ، ففيما إذا كان الجعل نصف الثمن الذي سوف يحصل عليه البائع لا نتصوّر ملكيّة العامل لشيء على التاجر ؛ لأنّ الجعل

٧١٨

ليس عيناً شخصيّة مملوكة للتاجر فعلاً ليملكها العامل بالعمل ، ولا مالاً في ذمّته ليعقل تملّك العامل له بعد إنجاز عمله .

وهذا الإشكال نظير الإشكال في إجارة الأرض وجعل الأجرة شيئاً من حاصلها ، فإنّ الأجرة في هذا الفرض ليست عيناً خارجيّةً وشيئاً خارجيّاً موجوداً في ملك المستأجر فعلاً ، ولا مالاً في ذمّته ليصبح بعقد الإجارة مِلكاً للمؤجّر ، فمن اختار بطلان الإجارة بهذا النحو لأجل هذا الإشكال لَزمه في محلّ الكلام أيضاً ؛ لأنّ الجعل في الصورة المشار إليها كالأجرة في تلك الإجارة ، لا هو أمرٌ خارجي مملوك فعلاً للجاعل ولا شيء في ذمّته ، فأيّ شيء يملك العامل على الجاعل بالعمل ؟ ومن لم يأخذ بهذا الإشكال بعين الاعتبار في باب الإجارة يمكنه البناء على صحّة الجُعالة في المقام أيضاً .

هذا هو ملخّص الكلام في النقطة الأولى .

وأمّا النقطة الثانية ـ وهي علاقة تاجر الأسرّة بأداة الإنتاج ـ فتوضيحها : أنّ الجُعالة هنا تتصوّر على أنحاء أيضاً بلحاظ ما يجعل بإزائه الجعل :

الأوّل : أن يكون الجعل بإزاء منفعة أداة الإنتاج ، بأن يقول تاجر الأسرّة : إنّي أجعل ديناراً لمن انتفع بالأداة التي يملكها في تقطيع الخشب ، وهذا الجُعالة باطلة ؛ لأنّ الجُعالة لا بدّ أن تتضمّن جعلاً على عمل لا على منافع لأموال ، فلا يمكن فرض المجعول له منفعة أداة الإنتاج .

الثاني : بأن يكون الجعل بإزاء تمليك صاحب الأداة منفعة أداته لتاجر الأسرّة ، والفرق بين هذا وسابقه : أنّ الجعل هنا يكون على عمل ، وهو تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة ، لا على منفعة المال ولكنّ الإشكال في تصوّر تمليك المنفعة من قبل صاحب الأداة ، فإنّه إن كان تمليكاً مجّانيّاً بعنوان الهبة فهو يتوقّف على القول بصحّة الهبة في المنافع وعدم اختصاصها بالأعيان ، كما هو

٧١٩

المعروف وإن كان تمليكاً بعنوان الإجارة فهو خلاف المفروض ونظيره : أن يفرض الجعل على إباحة مالك الأداة للتصرّف فيها والانتفاع بها لا على تمليك منافعها وعلى أيّ حال لا يكون الجعل بإزاء مساهمة أداة الإنتاج في العمليّة ، بل بإزاء عمل يصدر من مالك الأداة ، وهو التمليك أو الإباحة ، ولهذا يستحقّه ولو لم تساهم الأداة في الإنتاج أصلاً .

الثالث : أن يكون الجاعل هو مالك الأداة لا تاجر الأسرّة ، بأن يقول مالك الأداة : من أعطاني نصف هذا الخشب فله منفعة هذه الأداة جعلاً ، بحيث تكون منفعة الأداة والعمل الذي جعل له هذا الجعل هو إعطاء تاجر الأسرّة نصف الخشب لمالك الأداة ، أي تمليكه نصف الخشب ، ولا يأتي فيه الإشكال السابق في هبة المنافع ؛ لأنّ هذا يدخل في باب هبة الأعيان لا المنافع ، ولكنّ منفعة الأداة في هذا الفرض تكون بنفسها مكافأة ، والكلام إنّما هو في تحديد نوع مكافأتها لا في صيرورتها مكافأة على شيءٍِ آخر .

٧٢٠

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741