الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم 20%

الأمثال في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-6243-73-8
الصفحات: 291

الأمثال في القرآن الكريم
  • البداية
  • السابق
  • 291 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97979 / تحميل: 8243
الحجم الحجم الحجم
الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٦٢٤٣-٧٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

عقيدة المشركين في عهد يوسف إلاّ أنّها تماثل إلى حد كبير عقيدة المشركين في مكة ، بشهادة انّ الآية نزلت للتنديد بهم والحطِّ من عقيدتهم الفاسدة.

وهناك آيات أخرى تكشف عن شركهم في الربوبية :

يقول سبحانه :( وَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لَعلَّهُمْ يُنْصَرُون ) (١) فقد كانوا يعبدون آلهتهم في سبيل نصرتهم في ساحات الوغى ، قال سبحانه :( وَ اتّخذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ) .(٢)

فكان الهدف من الخضوع لدى الآلهة هو طلب العزّ منهم في مختلف المجالات ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أنّ مشركي عصر الرسول لم يكونوا موحدين في الربوبية ، وإن كانوا كذلك في مجال الخالقية.

وهناك آيات كثيرة تصف الأصنام والأوثان بأنّها لا تملك كشف الضرّ ، كما لا تملك النفع والضرّ ، ولا النصر في الحرب ، ولا العزة في الحياة ، كل ذلك يدل على أنّ المشركين كانوا يعتقدون أنّ في آلهتهم قوة وسلطاناً يكشف عنهم الضرّ ويجلب إليهم النفع ، وهذه عبارة أخرى عن تدبيرهم للحياة الإنسانية ، يقول سبحانه :( قُلِ ادْعُوا الّذينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّر عَنْكُمْ وَلا تحْوِيلاً ) .(٣) وقال تعالى :( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرّك ) .(٤)

وقال تعالى :( إِن تَدَعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ) (٥) إلى غير ذلك من الآيات التي تبطل تدبير الآلهة المزيفة.

__________________

١ ـ يَس : ٧٤.

٢ ـ مريم : ٨١.

٣ ـ الإسراء : ٥٦.

٤ ـ يونس : ١٠٦.

٥ ـ فاطر : ١٤.

٢٠١

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه سبحانه ضرب في المقام أمثالاً أبطل بها ربوبية الأصنام ، بالبيان التالي :

أمّا الذباب ، فهو عندهم أضعف الحيوانات وأوهنها ، ومع ذلك فآلهتهم عاجزون عن خلق الذباب ، وإن سلب الذباب منهم شيئاً لا يستطيعون استنقاذه منه.

فقد روي أنّ العرب كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ، يقول سبحانه :( يا أَيُّها الناس ضربَ مثل فاستمعوا له انَّ الذينَ تَدعُون مِنْ دُونِ الله ) أي يعبدونه والدعاء هنا بمعنى العبادة ، كما في قوله سبحانه :( وَقالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِين ) (١) فدعاؤه سبحانه عين عبادته كما أنّ دعاء الآلهة المزيّفة ـ بما انّها أرباب عند الداعي ـ عبادة لها.

( لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ) مع صغره وضعفه (وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه ) كما عرفت من أنّ الذباب ربما يأكل العسل الموجود على رؤوس الأصنام.

( ضعف الطالب والمطلوب ) وفيها احتمالات :

الأوّل : انّ المراد من الطالب والمطلوب هو العابد والمعبود ، فالإنسان ضعيف كما هو واضح ، وقال سبحانه :( وَخلق الإنْسان ضعيفاً ) والمطلوب ، أعني : الأصنام مثله لأنّه جماد لا يقدر على شيء.

__________________

١ ـ غافر : ٦٠.

٢٠٢

الثاني : ويحتمل أن يكون المراد من الطالب هو الذباب الذي يطلب ما طليت به الأصنام ، والمطلوب هي الأصنام التي تريد استنقاذ ما سلب منها.

الثالث : المراد من الطالب الآلهة فانّـهـم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون على استنقاذ ما سلبهم ، والمطلوب الذباب حيث يطلب للاستنقاذ منه ، والغاية من التمثيل بيان ضعف الآلهة لتنزيلها منزلة أضعف الحيوانات في الشعور والقدرة.

ثمّ إنّه سبحانه يعود ليبين منشأ إعراضهم عن عبادة الله وانكبابهم على عبادة الآلهة ، بقوله :( ما قَدَرُوا الله حقّ قدره انّ اللهَ لقوىّ عَزيز ) أي ما نزلوه المنزلة التي يستحقها ولم يعاملوه بما يليق به ، فلذلك أعرضوا عن عبادة الخالق وانصرفوا إلى عبادة المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر ، فلو كان هؤلاء عارفين بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، لاعترفوا بأنّه لا خالق ولا رب سواه ، وعلى ضوء ذلك لا معبود سواه ، ولكن لم يقدروا الله بما يليق به ، فلذلك شاركوه أضعف المخلوقات وأذلّهم ، مع أنّه سبحانه( هو القويُّ العَزيز ) بخلاف الآلهة فانّهم الضعفاء والأذلاّء.

٢٠٣

النور

٣٥

التمثيل الخامس والثلاثون

( اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكوة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحٌ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرة مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيم ) .(١)

تفسير الآية

المشكاة : كوّة غير نافذة ، وتُتخذ في جدار البيت لوضع بعض الاَثاث ومنها المصباح وغيره ، وربما تكون الكوّة مشرفة على ساحة الدار وتجعل بينها زجاجة ، لتحفظ المصباح من الرياح ، ولتضيء الساحة والغرفة معاً.

ومنه حافظة المصباح ، وهي ما تصنع على شكل مخروطي توضع على المصباح لتحفظه من الرياح ، وفي أعلاها ثقب يخرج منه الدخان.

« المصباح » : السراج ، وهو آلة يتألف من أُمور أربعة :

أ : وعاء للزيت ، ب : فتيل يشتعل بالزيت ، ج : زجاجة منصوبة عليه ، د : آلة التحكم بالفتيل.

__________________

١ ـ النور : ٣٥.

٢٠٤

ثمّ إنّ أفخر أنواع الزيوت هو المأخوذ من شجرة الزيتون المغروسة في مكان تشرق عليه الشمس من كل الجوانب حيث تكون في غاية الصفاء وسريعة الاشتعال ، بخلاف المغروسة في جانب الشرق أو جانب الغرب ، فانّها لا تتعرض للشمس إلاّ في أوقات معينة.

قال العلاّمة الطباطبائي :

والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية ، انّها ليست نابتة في الجانب الشرقي ، ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ، ويضيء الظل عليها في الطرف الآخر ، فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها ، فلا تجود الاِضاءة.(١)

إلى هنا تمَّ ما يرجع إلى مفردات الآية ، فعلى ذلك فالمشبه به عبارة عن مشكاة فيها مصباح وعليها زجاجة ، يوقد المصباح من زيت شجرة الزيتون المغروسة المتعرضة للشمس طول النهار على وجه يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار ، لأنّ الزيت إذا كان خالصاً صافياً يرى من بعيد كأنّ له شعاعاً فإذا مسّتْهُ النار ازداد ضوءاً على ضوء.

فالمشبه به هو النور المشرق من زجاجة مصباح ، موقد من زيت جيد صافٍ موضوع على مشكاة ، فانّ نور المصباح تجمعه المشكاة وتعكسه فيزداد إشراقاً.

وأمّا قوله في آخر الآية :( نور على نور ) بمعنى تضاعف النور وأنّ نور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها.

قال العلاّمة الطباطبائي :

__________________

١ ـ الميزان : ١٥ / ١٢٤.

٢٠٥

فأخذ المشكاة ، لأجل الدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جوِّ البيت.

واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن وجودته الموَثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله.

وجودة الضياء على ما يدل عليه كون زيته يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار.

واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون نور الزجاجة مستمد من نور المصباح.(١)

هذا هو حال المشبه به ، وإنّّما الكلام في المشبه أو الممثل له ، فقد طبقت كلّ طائفة ذلك الممثل على ما ترومه ، وإليك الأقوال :

القول الأوّل : المشبه به هداية الله ، إذ قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات وصارت بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء.

وأمّا عدم تشبيهها بضوء الشمس مع أنّه أبلغ ، فلأجل انّ المراد وصف الضوء الكامل وسط الظلمة ، لأنّ الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنّما هي الشبهات التي هي كالظلمات ، وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات.

القول الثاني : المراد من النور : القرآن ، ويدل عليه قوله تعالى :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبين ) .(٢)

__________________

١ ـ لميزان : ١٥ / ١٢٥.

٢ ـ المائدة : ١٥.

٢٠٦

القول الثالث : المراد هو الرسول ، لأنّه المرشد ، ولأنّه تعالى قال في وصفه :( وسِراجاً مُنِيراً ) .(١) ولعلّ مرجع القولين الأخيرين هو الأوّل ، لأنّ القرآن والرسول من شعب هداية الله سبحانه.

القول الرابع : إنّ المراد ما في قلب المؤمنين من معرفة الشرائع ، ويدل عليه انّه تعالى وصف الإيمان بأنّه نور والكفر بأنّه ظلمة ، فقال :( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للاِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ ) .(٢)

وقال تعالى :( لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور ) (٣) . وحاصله انّ إيمان المؤمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات والامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور.

وعلى هذا فالتمثيل مفرداً وهو تشبيه الهداية وما يقرب منها بنور السراج ، ولا يجب أن يكون في مقابل كل ما للمشبه به من الأمور موجود في المشبه بخلاف الوجه التالى.

القول الخامس : إنّ المراد هو القوى المدركة ومراتبها الخمس ، وهي : القوة الحسّاسة ، القوة الخيالية ، القوة العقلية ، القوة الفكرية ، القوة القدسية.

وإليها أشارت الآية الكريمة :( وَكَذلِكَ أَوحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَلا الإيمانُ ولكِن جعلناهُ نُوراً نهدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادنا ) .(٤)

فإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار ، إذ بها تظهر أصناف

__________________

١ ـ الأحزاب : ٤٦.

٢ ـ الزمر : ٢٢.

٣ ـ إبراهيم : ١.

٤ ـ الشورى : ٥٢.

٢٠٧

الموجودات ، وهذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها بالاَُمور الخمسة التي ذكرها الله تعالى ، وهي : المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت.

وعلى هذا فالتمثيل مركباً نظير القول الآتي :

القول السادس : إنّ النفس الإنسانية قابلة للمعارف والإدراكات المجردة ، ثمّ إنّه في أوّل الأمر تكون خالية عن جميع هذه المعارف ، فهناك تسمى عقلاً هيولانياً ، وهي المشكاة.

وفي المرتبة الثانية يحصل فيها العلوم البديهية التي يمكن التوصل بتركيباتها إلى اكتساب العلوم النظرية. ثم إن أمكنه الانتقال إن كانت ضعيفة فهي الشجرة ، وإن كانت أقوى من ذلك فهي الزيت ، وإن كانت شديدة القوة فهي الزجاجة التي كأنّها الكوكب الدرّي ، وإن كانت في النهاية القصوى وهي النفس القدسية التي للأنبياء فهي التي( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) .

وفي المرتبة الثالثة يكتسب من العلوم الضرورية العلوم النظرية ، إلاّ أنّها لا تكون حاضرة بالفعل ، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استحضارها قدر عليه ، وهذا يسمّى عقلاً بالفعل وهو المصباح.

وفي المرتبة الرابعة أن تكون تلك المعارف حاصلة بالفعل ، وهذا يسمّى عقلاً مستفاداً ، وهو نور على نور ، لأنّ الحكمة ملكة نور وحصول ما عليه الملكة نور آخر. ثم إنّ هذه العلوم التي تحصل في الأرواح البشرية ، إنّما تحصل من جوهر روحاني يسمى بالعقل الفعال وهو مدبر ما تحت كرة القمر وهو النار.

القول السابع : إنّه سبحانه شبّه الصدر بالمشكاة ، والقلب بالزجاجة ، والمعرفة بالمصباح ، وهذا المصباح إنّما يوقد من شجرة مباركة وهي إلهامات الملائكة. وإنّما شبّه الملائكة بالشجرة المباركة لكثرة منافعهم ، ولكنّه وصفها بأنّها

٢٠٨

لا شرقية ولا غربية لأنّها روحانية ، ووصفهم بقوله :( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) لكثرة علومهم وشدة اطّلاعهم على أسرار ملكوت الله تعالى.

القول الثامن : إنّ المراد من( مثل نوره ) ، أي مثل نور الإيمان في قلب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كمشكاة فيها مصباح ، فالمشكاة نظير صلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمصباح نظير الإيمان في قلب محمد أو نظير النبوة في قلبه.

القول التاسع : إن « المشكاة » نظير إبراهيمعليه‌السلام ، والزجاجة نظير إسماعيلعليه‌السلام ، والمصباح نظير جسد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشجرة النبوة والرسالة.

القول العاشر : إنّ قوله :( مثل نوره ) يرجع إلى المؤمن.(١)

إنّ المشبه هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين ، والمشبه به النور المشرق من زجاجة ، وقوله سبحانه :( يَهدي الله لنوره من يشاء ) استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ، ومن المعلوم من السياق انّ المراد بقوله :( من يشاء ) هم الذين يذكرهم الله سبحانه بقوله بعد هذه الآية :( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ) (٢) فالمراد بمن يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم. والمعنى انّ الله إنّما هدى المتلبسين بكمال الإيمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر.(٣)

وقوله :( يضرب الله الأمثال للناس والله بكلّ شيء عليم ) إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طور من العلم ، وإنّما اختير المثل لكونه أسهل الطرق لتبين الحقائق والدقائق ، ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كلّ ما قسم له ، قال تعالى :( وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلاّ العالِمُون ) .(٤)

__________________

١ ـ تفسير الفخر الرازى : ٢٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٥.

٢ ـ النور : ٣٧.

٣ ـ الميزان : ١٨ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

٤ ـ العنكبوت : ٤٣.

٢٠٩

النور

٣٦

التمثيل السادس والثلاثون

( وَالّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمآنُ ماءً حَتّى إذَا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوفّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الحِسَابِ ) .(١)

تفسير الآية

« السراب » : ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنّه ماء يجري ، و « القيعة » : بمعنى القاع أو جمع قاع ، وهو المنبسط المستوي من الأرض ، والظمآن هو العطشان.

يشبه سبحانه أعمال الكفار تارة بالسراب كما في هذه الآية ، وأخرى بالظلمات كما في التمثيل الآتي ، ولعلّ المشبه في الأوّل هو حسناتهم ، وفي الثاني قبائح أعمالهم.

وإليك توضيح التمثيل الوارد في الآية :

قال سبحانه :( وَالّذِينَ كَفَرُوا أَعمالهم ) أي ما يعملون من الطاعات ويقدمون من قرابين وأذكار يتقربون بها إلى آلهتهم ، مثلها ك‍( سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ) .

____________

١ ـ النور : ٣٩.

٢١٠

فقد وصف الظمآن بصفات عديدة :

الاَُولى : حسبان السراب ماءً ، كما قال سبحانه :( كَسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ) .

الثانية : إذا وصل إلى السراب لم يجده شيئاً نافعاً ، كما قال سبحانه( حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) وإنّما خصّ الظمآن به مع أنّ السراب يتراءى ماء لكلّ راءٍ ، لأن المقصود هو مجيء الرائي إلى السراب ، ولا يجيئه إلاّ الظمآن ليرتوي ويرفع عطشه.

الثالثة : عند ما يشرف على السراب لا يجد فيه ماءً ، ولكن يجد الله سبحانه عنده ، كما قال سبحانه :( وَوَجد الله عنده ) .

وهذا خبر عن الظمآن ، ولكن المقصود منه في هذه الجملة هو الكافر ، والمعنى وجد أمر الله ووجد جزاء الله ، وذلك عند حلول أجله واشرافه على الآخرة.

فالكافر يتصوّر أنّ ما يقدم من قرابين وأذكار سوف ينفعه عند موته وبعده ، وسوف تقوم الآلهة بالشفاعة له ، ولكن يتجلّـى له خلاف ذلك وانّ الأمر أمر الله لا أمر غيره فلا يجدون أثراً من ألوهية آلهتهم.

فعند ذلك يجدون جزاء أعمالهم ، كما يقول سبحانه :( فَوَفّاهُمُ اللهُ حسابهم ) .

ثمّ إنّه سبحانه يصف نفسه بقوله :( وَاللهُ سريع الحساب ) .

وبذلك تبين انّ الآية المباركة لبيان حال الظمآن الحقيقي إلى قوله :( لم يجده شيئاً ) ، كما أنّها من قوله( ووجد ...) يرجع إلى الظمآن لكن بالمعنى المجازي وهو الكافر.

٢١١

وحاصل التمثيل هو انّ الطاعة والعبادة والقربات كلها لله تبارك وتعالى ، فمن قدمها إليه وقام بها لأجله فقد بذر بذرة في أرض خصبة سوف ينتفع بها في لقائه سبحانه.

وأمّا من عبد غيره وقدم إليه القربات راجياً الانتفاع به ، فهو كرجاء الظمآن الذي يتصوّر السراب ماءً فيجيئه لينتفع به ولكنّه سرعان ما يرجع خائباً.

إلى هنا تمَّ ما يشترك فيه الظمآن والكافر ، أي المشبه به والمشبه ، ولكن المشبه ، أعني : الكافر الذي شبه بالظمآن فهو يختص بأُمور أخرى.

أولاً : انّه عند مجيئه إلى الانتفاع بأعماله يجد الله هو المجازي لا غير.

وثانياً : انّه سبحانه يجزيه بأعماله.

وثالثاً : فيوفيه حسابه.

وما ذلك إلاّ لأنّ الله سريع الحساب.

وعلى ضوء ما ذكرنا فقد أُريد من الظمآن الاسم الظاهر الظمآن الحقيقي ، وأُريد من الضمائر الثلاثة في « وجد » « وفّاه » « حسابه » الظمآن المجازي أعني الكافر الخائب.

٢١٢

النور

٣٧

التمثيل السابع والثلاثون

( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَنْ لَمْ يَجعلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) .(١)

تفسير الآية

« اللجيّ » : منسوب إلى اللجّة ، وهي في اللغة البحر الواسع العميق ، ولكنّه استخدم في لازم معناه وهو تردد أمواجه ، فانّ البحر كلما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه ، وعلى ذلك فيكون المراد من قوله( بحرٍ لجيّ ) أي بحر متلاطم.

و « السحاب » : عبارة عن الغيوم الممطرة ، بخلاف الغيم فهو أعم ، وانّما استخدم كلمة السحاب ليكون سبباً لازدياد الظلم.

هذا ما يرجع إلى تفسير مفردات الآية ، وأمّا المقصود فهو كالتالي.

انّه سبحانه شبه في الآية السابقة أعمال الكافرين ، لأجل عدم الانتفاع بها بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء ، ولكنّه تعالى شبّه أعمالهم في هذه الآية بالظلمة وخلوّها من نور الحق ببحر لجيّ فوقه سحابة سوداء ممطرة ويعلو ماءه

__________________

١ ـ النور : ٤٠.

٢١٣

موج فوق موج ، فراكب هذا البحر تغمره ظلمة دامسة لا يرى أمامه شيئاً حتى لو أخرج يده فانّه لا يراها مع قربها منه.

هذا هو المشبه به ، وأمّا المشبه فالأعمال التي يقوم بها الكافر باطلة محضة ليس فيها من الحقّ شيء مثل هذا البحر اللجي المحيط به عتمة الظلام الذي ليس فيه نور.

ثمّ إنّ الآية تشير إلى ظـلمات ثلاث.

الاَُولى : ظلمة البحر المحجوب من النور.

الثانية : ظلمة الأمواج المتلاطمة.

الثالثة : السحاب الأسود الممطر.

فتراكم هذه الظلمات يحجب كلّ نور من الوصول ، وهكذا الحال في الكافر ففي أعماله ظلمات ثلاث يمكن بيانها بأنحاء مختلفة :

النحو الأوّل : ظلمة الاعتقاد ، ظلمة القول ، ظلمة العمل.

النحو الثاني : ظلمة القلب ، ظلمة البصر ، ظـلمة السمع.

النحو الثالث : ظلمة الجهل ، ظلمة الجهل بالجهل ، ظلمة تصوّر الجهل علماً.(١) .

ويمكن أن تكون هذه الظلمات المتراكمة إشارة إلى أمر آخر وهو إصرار الكافر المتزايد على كفره وقبائح أعماله.

ولذلك يصفه سبحانه بقوله :( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) .

__________________

١ ـ انظر تفسير الفخر الرازى : ٢٤ / ٨ ـ ٩.

٢١٤

إيقاظ

ثمّ إنّ بعض المؤلفين في أمثال القرآن ذكروا الآية التالية واعتبروها من الأمثال ، قال سبحانه :( وَقَالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأكُلُ الطَّعام وَيَمْشي فِي الأسْواقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثال فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) .(١)

ولكن الآية رغم ما جاء فيها من لفظ الأمثال ليست من قبيل التمثيل ، وإنّما هي بصدد نقل ما وصف به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في لسان الكفّار ، حيث وصفوه بأنّه يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، فلا يصلح للرسالة.

ثمّ نقموا منه بأنّا سلمنا انّه رسول ، ولكنّه لماذا لا ينزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ليتصل إنذاره بالغيب بتوسط الملك ؟

ثمّ نقموا منه أيضاً بأنّه لماذا لم يُلقَ إليه كنز من السماء حتى يصرفه في حوائجه المادية ، أو لماذا لا تكون له جنّة يأكل منها ، ثمّ في الختام وصفوه بأنّه مسحور.

فقال سبحانه اعتراضاً وتنديداً بوصفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إيجاباً وسلباً بقوله( انظر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثال ) أي انظر كيف وصفوك تارة بأنّك تأكل وتمشي في الأسواق ، وأخرى بعدم اقترانك بملك ، وثالثة بالفقر ، ورابعة بكونك مسحوراً بتخيّل انّه رسول يأتيه ملك الوحي بالرسالة والكتاب.

وليس هاهنا مشبه ولا مشبه به ولا تمثيل ليبين موقف الرسول ، ولأجل ذلك صرّحنا في المقدمة انّه ليس من الأمثال القرآنية.

__________________

١ ـ الفرقان : ٧ ـ ٩.

٢١٥

العنكبوت

٣٨

التمثيل الثامن والثلاثون

( مَثَلُ الّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإنّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُون * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيم * وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُهَا إلاّ العالِمُون ) .(١)

تفسير الآيات

ضرب سبحانه لآلهة المشركين مثلاً بالذباب تارة ، وبيت العنكبوت أخرى ، أمّا الأوّل فقد مضى البحث عنه ، وأمّا الثاني فهو ما تتضمنه الآية من تشبيه آلهة المشركين ومعبوداتهم المزيفة بأوهن البيوت وهو بيت العنكبوت.

وقد مرّ انّ التشبيه يترك تأثيراً بالغاً في النفوس مثل تأثير الدليل والبرهان ، فتارة ينهى عن الغيبة ويقول : لا تغتب فانّه يوجب العذاب ويورث العقاب ، وأخرى يمثل عمله بالمثل التالي : وهو انّ مثل من يغتاب مثل من يأكل لحم الميت ، لأنّك نلت من هذا الرجل وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيب ، فكان نيلك منه كعمل من يأكل لحم الميت وهو لا يعلم ما يفعل به ولا

____________

١ ـ العنكبوت : ٤١ ـ ٤٣.

٢١٦

يقدر على الدفع.

ثمّ إنّ الغرض من تشبيه الآلهة المزيفة بهوام وحشرات الأرض كالبعوض والذباب والعنكبوت هو الحط من شأنها والاستهزاء بها.

إنّ العنكبوت حشرة معروفة ذكورها أصغر أجساداً من إناثها ، وهي تتغذى من الحشرات التي تصطادها بالشبكة التي تمدها على جدران البيوت ، فتصنع تلك الشبكة من مادة تفرزها لها غدد في باطنها محتوية على سائل لزج تخرجه من فتحة صغيرة ، فيتجدد بمجرد ملامسته للهواء ويصير خيطاً في غاية الدقة ، وما أن تقع الفريسة في تلك الشبكة حتى تنقض عليها وتنفث فيها سمـاً يوقف حركاتها ، فلا تستطيع الدفاع عن نفسها.(١)

ومع ذلك فما نسجته بيتاً لنفسها من أوهن البيوت ، بل لا يليق أن يصدق عليه عنوان البيت ، الذي يتألف من حائط هائل ، وسقف مظلٍّ ، وباب ونوافذ ، وبيتها يفقد أبسط تلك المقومات هذا من جانب ، ومن جانب آخر فانّ بيتها يفتقد لأدنى مقاومة أمام الظواهر الجوية والطبيعية ، فلو هبّ عليه نسيم هادئ لمزق النسيج ، ولو سقطت عليه قطرة من ماء لتلاشى ، ولو وقع على مقربة من نار لاحترق ، ولو تراكم عليه الغبار لمزق.

هذا هو حال المشبه به ، والقرآن يمثل حال الآلهة المزيفة بهذا المثل الرائع. وهو انّها لا تنفع ولا تضرّ ، لا تخلق ولاترزق ، ولا تقدر على استجابة أي طلب.

بل حال الآلهة المزيفة الكاذبة أسوأ حالاً من بيت العنكبوت ، وهو انّ العنكبوت تنسج بيتها لتصطاد به الحشرات ولولاه لماتت جوعاً ، ولكن الأصنام والأوثان لا توفر شيئاً للكافر.

__________________

١ ـ انظر دائرة معارف القرن الرابع عشر : ٦ / ٧٧٢.

٢١٧

وبذلك تقف على عظمة التمثيل الوارد في قوله :( وَإنّ أَوهن البُيُوت لَبَيْتُ العَنْكَبُوت لَو كانُوا يَعْلَمُون ) .

ثمّ إنّ قوله :( لو كانوا يعلمون ) ليس قيداً لقوله :( أَوهن البُيُوت لَبَيْتُ العَنْكَبُوت ) ، لأنّه من الواضح لكلّ أحد انّ بيت العنكبوت في غاية الوهن ، وانّما هو من متمّمات قوله : (اتخذوا ) أي لو علموا انّ عبادة الآلهة كاتخاذ العنكبوت بيتاً سخيفاً ، ربما أعرضوا عنها.

ثمّ إنّه سبحانه أردف المثل بآية أخرى ، وقال :( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يدعُونَ مِنْ دُونِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكيم ) والظاهر انّ « ما » في قوله :( ما يدعون ) موصولة ، أي انّه يعلم ما يعبد هؤلاء الكفار وما يتخذونه من دونه أرباباً. ولكن علمهم لا يضر إذ هو العزيز الذي لا يغالب فيما يريد والحكيم في جميع أفعاله.

ثمّ قال سبحانه :( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس وما يعقلها إلاّ العالمون ) أي نذكر تلك الأمثال ، وما يفهمها إلاّ العلماء العاقلون.

٢١٨

الروم

٣٩

التمثيل التاسع والثلاثون

( وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالأرْضِ كُلّ لَهُ قانِتُون * وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى فِي السَّموات وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً من أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يعْقِلُون ) .(١)

« القانت » : هو الخاضع ، الطائع ، فقوله :( كلّ له قانتون ) أي خاضعون وطائعون له في الحياة والبقاء والموت والبعث ، وبالجملة كلّ ما في الكون مقهور لله سبحانه.

ثمّ إنّ هذه الآيات تتضمن برهاناً على إمكان المعاد وتمثيلاً على بطلان الشرك في العبادة ، أمّا البرهان فقوله سبحانه :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّموات وَالأرْض كُلّ لَهُ قانِتُون ) واللام في قوله « وله » للملكية ، والمراد منه الملكية التكوينية ، كما أنّ قنوطهم وخضوعهم كذلك ، ومفاد الآية انّ زمام ما في الكون بيده سبحانه ، والكل مستسلمون لمشيئته سبحانه دون فرق بين الصالحين والطالحين ، وذلك لأنّه سبحانه

__________________

١ ـ الروم : ٢٦ ـ ٢٨.

٢١٩

هو الخالق الذي يدبر العالم كيفما يشاء ، والمربوب مستسلم لربه.

ثمّ إنّه سبحانه رتَّب على ذلك مسألة إمكان المعاد ، بقوله :( وَهُوَ الّذي يَبْدَوَُا الخَلْق ثُمَّ يُعيدهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ) .

وحاصل البرهان : انّـه سبحانـه قادر على الخلق من العدم ـ كما هو المفروض ـ فالقادر على ذلك قادر على الإعادة ، إذ ليس هو إعادة من العدم ، بل إعادة لصورة الأجزاء المتماسكة وتنظيم المتفرقة ، فالخالق من لا شيء أولى من أن يكون خالقاً من شيء.

ثمّ إنّ هذه الأولوية حسب تفكيرنا ورؤيتنا ، وإلاّ فالاَُمور الممكنة أمام مشيئته سواء ، قال علىعليه‌السلام :

وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوى والضعيف في خلقه إلاّ سواء.(١)

ولأجل توضيح هذا المعنى ، قال سبحانه :( وَلَهُ المَثَلُ الأعلى فِي السَّمواتِ وَالأرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الحَكيم ) والمراد من المثل الوصف ، والمراد من المثل الأعلى هو الوصف الأتم والأكمل ، الذي له سبحانه ، فهو علم كله ، قدرة كله ، حياة كله ، ليس لأوصافه حد.

إلى هنا تمَّ ما ذكره القرآن من البرهان على إمكانية قيام المعاد بحشر الأجسام.

وإليك بيان الأمر الثاني وهو التنديد بالشرك في العبادة من خلال التمثيل الآتي.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٨٥.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ودلالته على إمامة عليّ وولده ظاهرة من وجوه :

الأوّل : إنّ تصريحه بأنّ الكتاب والعترة لا يفترقان ، دالّ على علمهم بما في الكتاب ، وأنّهم لا يخالفونه قولا وعملا.

والأوّل دليل الفضل على غيرهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

والثاني دليل العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم.

الثاني : إنّه جعلهم عديلا(١) للقرآن ، فيجب التمسّك بهم مثله ، واتّباعهم في كلّ أمر ونهي ، ولا يجب اتّباع شخص على الإطلاق إلّا النبيّ أو الإمام المعصوم.

الثالث : إنّه عبّر عن الكتاب والعترة ب‍ « خليفتين » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٢)

وحديث أحمد في « مسنده »(٣) ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ومن الواضح أنّ خلافة كلّ شيء بحسبه ، فخلافة القرآن بتحمّله أحكام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومواعظه ، وإنذاره ، وسائر تعاليمه ؛ وخلافة الشخص بإمامته ، وقيامه بما تحتاج إليه الأمّة ، ونشر الدعوة ، وجهاد المعاندين.

الرابع : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر في مفتتح الحديث قرب موته ، كقوله : «يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب »(٤)

__________________

(١) العدل والعدل والعديل : النّظير والمثيل ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٨٤ مادّة « عدل ».

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٣) ص ١٨٢ و ١٨٩ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

(٤) راجع ما تقدّم في الصفحتين ٢٣٦ و ٢٣٧.

٢٤١

أو قوله : «كأنّي قد دعيت فأجبت »(١)

أو نحو ذلك كما في أحاديث مسلم(٢) ، وأحد حديثي الحاكم(٣) ، وحديث أحمد عن زيد بن أرقم(٤) ، وحديثه عن أبي سعيد(٥) .

ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ ومن المعلوم أن ذا السلطان والولاية ، الذي له نظام يلزم العمل به بعده ، إذا ذكر موته وقال : « إنّي تارك فيكم فلانا ، وكتابا حافظا لنظامي » ، لم يفهم منه إلّا إرادة العهد إلى ذلك الشخص بالإمرة بعده ؛ خصوصا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، أو : «من كنت وليّه فعليّ وليّه » ، كما في حديثي الحاكم وغيرهما(٦) .

ولا يبعد أنّ وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالثّقلين كانت في غدير خمّ ، أو أنّه أحد مواردها(٧) ؛ لقوله في حديث مسلم : « خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٨ وص ١٣٠ ح ٨٤٦٤.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ و ١٢٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

(٤) ص ٣٦٧ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٥) ص ١٧ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ ، المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦ ، فوائد سمّويه : ٨٤ ح ٨١.

(٧) لقد صدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث الثّقلين في مواطن متعدّدة ومواقف شتّى ، وقد أحصيت تلك المواقف فكانت خمسة ؛ مرّة يوم عرفة من حجّة الوداع ، وأخرى بعد انصرافهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف ، وتارة على منبره في المدينة ، وتارة أخرى يوم غدير خمّ ، وآخرها في حجرته المباركة في مرضه الذي توفّي فيه والحجرة غاصّة بأصحابه.

راجع تفصيل ذلك في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ١٠٤ ـ ١٠٧ ، حديث الثّقلين تواتره ، فقهه : ٣٣ ـ ٣٥.

٢٤٢

بماء يدعى خمّا »(١) ، ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الأحاديث : «من كنت مولاه فعليّ مولاه »(٢) ، فإنّه صادر بالغدير ، فيكون قد عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خمّ بالخلافة إلى أهل البيت عموما ، وإلى عليّ خصوصا ، فكان الخليفة بعده أمير المؤمنين ، ثمّ الحسنان.

وقد بيّنّا في الآية الثالثة أنّ أهل البيت لا يشمل بقيّة أقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

الخامس : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما » ، كما في أحد حديثي الحاكم ، وصحّحه على شرط الشيخين(٤)

ونحوه ما في « الصواعق »(٥) وصحّحه

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٦)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الترمذي عن زيد بن أرقم(٧)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا » ، كما

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، المعجم الكبير ٥ / ١٨٣ ح ٥٠٢٨.

(٢) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦.

(٣) راجع : ج ٤ / ٣٥١ ـ ٣٨٠ من هذا الكتاب.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٧.

(٥) في المقام السابق [ ص ٢٣٠ ]. منهقدس‌سره .

(٦) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٧) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ ح ٣٧٨٨.

٢٤٣

في حديث الترمذي عن جابر(١) ، وحديث أحمد عن أبي سعيد(٢) .

فإنّ كلّ واحد من هذه الأقوال صريح في بطلان خلافة المشايخ الثلاثة ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب عدم ضلال أمّته دائما وأبدا على التمسّك بالثقلين.

وبالضرورة ، أنّ الضلال واقع ولو أخيرا ؛ لاختلاف الأديان وفساد الأعمال ، فيعلم أنّهم لم يتمسّكوا في أوّل الأمر بالعترة والكتاب ، وأنّ خلافة الثلاثة خلاف التمسّك بهما ، ولذا وقع الضلال.

ولا يرد النقض بأنّ الأمّة تمسّكت بالعترة ـ حين بايعت عليّاعليه‌السلام ـ ومع ذلك وقع الضلال المذكور ؛ وذلك لأنّ المراد هو التمسّك بالعترة كالكتاب بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

على أنّ الأمّة لم تتمسّك بعليّعليه‌السلام بعد مبايعته ؛ لمخالفة الكثير منهم له حتّى انقضت أيّامه بحرب الأمّة.

فأين تمسّكها بالعترة؟! وأين تمسّكها بالكتاب ، وهو قد قاتلهم على تأويله؟!(٣) .

فإن قلت : لعلّ المراد : أنّكم إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ما دمتم متمسّكين بهما ، فلا يدلّ ضلالهم أخيرا على عدم تمسّكهم أوّلا.

قلت : هذا احتمال خارج عن الظاهر ، حتّى بلحاظ قوله ـ في خبري الترمذي المذكورين ـ : «ما إن تمسّكتم به » و « ما إن أخذتم به » ؛ لأنّ « ما » فيهما مفعول به ل‍ «تركت » و «تارك » ، لا ظرفية زمانية.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦.

(٢) ص ٥٩ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٣) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٤٤

فقد ظهر من هذه الوجوه الخمسة دلالة الحديث على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ، لا على مجرّد الوصيّة بأخذ العلم منهم.

ولو سلّم ، فمن الواضح دلالة الحديث على وجوب أخذ العلم منهم ، وعدم جواز مخالفتهم ، كالقرآن ، وحينئذ فيجب اتّباع قولهم في الإمامة ، وفي صحّة إمامة شخص وعدمها ؛ لأنّه من أخذ العلم منهم.

ومن المعلوم أنّ عليّا خالف في إمامة أبي بكر ـ ولو في بعض الأوقات ـ ، فتبطل ولو في الجملة ، وهذا خلاف مذهب القوم.

فكيف وقد ادّعى أنّ الحقّ له من يوم وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حين موته هوعليه‌السلام ، وتظلّم منهم مدّة حياته ـ كما سبق(١) ـ؟!

وأيضا : لم تتّبع الأمّة عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر الخمس والمتعتين وكثير من الأحكام ، فيكونون ضلّالا!

وما أدري متى تمسّكت الأمّة بالعترة؟!

أفي زمن أمير المؤمنين؟! أو في زمن أبنائه الطاهرين؟! وقد تركوا كلّا منهم حبيس بيته لا يسمع له قول ، ولا يتّبع له أمر ، ولا يؤخذ منه حكم.

بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة والشام والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي الترك والديلم!

فهل تراهم مع هذا قد تمسّكوا بهم ، أو نبذوهم وراء ظهورهم وانقلبوا على الأعقاب ، كما ذكره سبحانه في عزيز الكتاب(٢) ؟!

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٩٦ من هذا الكتاب.

(٢) كما في قوله تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ

٢٤٥

هذا ، ولا يخفى أنّ الحديث دالّ على بقاء العترة إلى يوم القيامة لأمور :

الأوّل : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ فإنّه دالّ على أنّه ترك فيهم ما يحتاجون إليه ، وما هو كاف في حصول حاجتهم.

وبالضرورة ، أنّه لو لم يدل الثقلان لم يكفيا ؛ لأنّ الأمّة محتاجة مدى الدهر إلى الأحكام والحكّام.

الثاني : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ؛ فإنّ تأبيد عدم الضلال موقوف على تأبيد ما يتمسّك به.

الثالث : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لن يفترقا » ؛ فإنّه لو لم يكن في وقت من الأوقات من هو قرين الكتاب من العترة ، لافترق الكتاب عنهم.

وقد أقرّ ابن حجر في عبارته السابقة بإفادة الحديث بقاء العترة إلى يوم القيامة(١)

وقال بعد ذلك : « وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : (في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ) »(٢) إلى آخره.

__________________

أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(١) راجع الصفحة ٢٤٠ من هذا الجزء.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٣٢.

٢٤٦

أقول :

أراد بالخبر السابق ، ما نقله قبل هذا الكلام عن الملّاء في « سيرته » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون »(١) .

وليت شعري ، إذا علم ابن حجر ذلك ، فما باله أنكر إمامة العترة ، ودان بإمامة أضدادهم ، وتمسّك بالشجرة الملعونة في القرآن؟!

وكيف حلّ له أن يترك الأخذ ممّن ينفون عن الدين تحريف الضالّين ، ويرجع في أحكامه إلى من حرّفوا الدين ، بشهادة مخالفتهم لمن ينفون عنه التحريف؟!

بل لم يكتف ابن حجر وأصحابه حتّى عيّنوا لأخذ الأحكام أئمّتهم الأربعة ، وحرّموا الرجوع إلى أهل البيت!

فهل هذا من التمسّك بالكتاب والعترة اللذين لا يفترقان إلى يوم القيامة؟!

هذا كلّه في حديث الثّقلين(٢) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ ؛ وانظر : ذخائر العقبى : ٤٩ ، جواهر العقدين : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٢) وانظر تخريج الحديث مفصّلا في : ج ٢ / ١٨٧ ه‍ ١ من هذا الكتاب.

وراجع ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء

٢٤٧

وأمّا غيره ممّا ذكره المصنّفرحمه‌الله :

فالخبر الأوّل قد رواه أحمد(١) ، ورواه الترمذي في مناقب عليّ من « سننه » وحسّنه(٢) .

ودلالته على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ساواهم معه دون من سواهم ، في أنّ من أحبّهم نال تلك المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية ، الدالّة على الفضل عند الله سبحانه والقرب منه.

فيثبت لهم الفضل على غيرهم ، وتكون الإمامة بهم.

ومثله في الدلالة على المطلوب الخبر الثاني ، الذي حكاه المصنّف عن أحمد ، عن جابر ؛ ولم أجده في « مسنده » ، ولا يبعد أنّه ممّا نالته يد الإسقاط كما هو العادة(٣) !

وقد تقدّم في الآية الحادية والأربعين ما يصدّق هذا الحديث(٤) .

__________________

١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، من بحوث علمية في ما يتعلّق بالحديث وما يرتبط به.

وأمّا في ما يخصّ لفظ « كتاب الله وسنّتي » الوارد في بعض روايات الجمهور ، فانظر :

ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني في كتابه « حديث الثّقلين : تواتره ، فقهه كما في كتب السنّة ».

ورسالته في حديث الوصيّة بالثّقلين : الكتاب والسنّة.

وكذلك ما كتبه الشيخ جلال الدين الصغير ـ حفظه الله ـ في كتابه : عصمة المعصوم عليه‌السلام وفق المعطيات القرآنية : ٢٠٥ ـ ٢٤٢.

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٧٧. منهقدس‌سره .

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ح ٣٧٣٣.

(٣) تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة ٢٣٥ ه‍ ٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٤) راجع : ج ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ من هذا الكتاب.

٢٤٨

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما هو قريب منه ، عن ابن مردويه ، بسند فيه عبّاد بن يعقوب ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مثلي مثل شجرة ، أنا أصلها ، وعليّ فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فأيّ شيء يخرج من الطيّب إلّا الطيّب »(١) .

قال ابن الجوزي : « عبّاد ، رافضي ، يروي المناكير »(٢) .

أقول :

لا وجه لذكر حديثه في « الموضوعات » ، وإلّا لجرّ الطعن إلى صحاحهم ؛ لأنّه ممّن روى له البخاري في « صحيحه » ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة ، ووثّقه جماعة(٣) .

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٤٥.

(٢) الموضوعات ١ / ٣٩٧.

(٣) انظر : تهذيب الكمال ٩ / ٤٣٣ رقم ٣٠٨٨ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ، تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٩ رقم ٣٢٣٩ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤ رقم ٣٢٣٩ ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٥٧٩ ، وقد وضعوا له رمز البخاري والترمذي وابن ماجة.

وعبّاد هو : أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدي الرّواجني الكوفي ، المتوفّى سنة ٢٥٠ ه‍.

ومن جملة ما تثبت به وثاقته ـ فضلا عن كونه من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة ـ رواية كبار أعلام الجمهور ومحدّثيهم عنه ، وتوثيقهم له ؛ فقد روى عنه أبو حاتم والبزّار وابن خزيمة.

وقال عنه أبو حاتم : شيخ ، ثقة.

وقال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول عنه : حدّثنا الثقة في روايته.

وقال الدارقطني : صدوق.

وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم

٢٤٩

وليست مناكيره عندهم إلّا رواياته في فضل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال ابن عديّ : « روى أحاديث في الفضائل أنكرت عليه » كما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال »(١) .

وأظهر من الحديثين المذكورين في الدلالة على مذهب الإماميّة حديث الزمخشري(٢) ؛ فتبصّر واعتبر!

* * *

__________________

حديث ؛ عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون.

وقال الذهبي : صادق في الحديث.

وقال ابن حجر مرّة : بالغ ابن حبّان فقال : يستحقّ الترك.

وقال أخرى : رافضيّ مشهور ، إلّا أنّه كان صدوقا.

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ؛ وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٣٤٨ رقم ١١٨٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ فراجع!

٢٥٠

٢٦ ـ حديث الكساء

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السادس والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، من عدّة طرق ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي ، فأتت فاطمة فقال : ادعي زوجك وابنيك.

فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وكان تحته كساء خيبري ، فأنزل الله :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ ) يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(٢) .

فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال :هؤلاء أهل بيتي.

فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معهم يا رسول الله.

قال :إنّك إلى خير (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٨.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣.

وأخرجه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » من موطّأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من

٢٥١

وقد روي نحو هذا المعنى من « صحيح أبي داود »(١)

و « موطّأ مالك »(٢)

و « صحيح مسلم » في عدّة مواضع وعدّة طرق(٣) .

* * *

__________________

صحيح النسائي.

راجع : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ح ٣٤ و ٣٥.

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٤٣ ح ٤٠٣٢ باب في لبس الصوف والشعر!! وطالته يد الخيانة فبترت الحديث ، فلم يبق منه إلّا : « خرج رسول الله وعليه مرط مرحّل من شعر أسود » فجاء ناقص المعنى!!

(٢) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٣٤ و ٣٦ و ٣٧ عن « الموطّأ ».

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ـ ١٣١ كتاب الفضائل / باب فضائل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٢

وقال الفضل(١) :

إنّ الأمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت؟ وظاهر القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإن صدق في النقل عن « الصحاح » فكانت نازلة في آل العباء ، وهي من فضائلهم ، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٥.

٢٥٣

وأقول :

سبق في الآية الثالثة ما فيه تبصرة ومعتبر(١) .

وليت شعري ، كيف تكون ذاهبة الرجس ، طاهرة عند الله سبحانه ، من ضرب مثلها في الكتاب العزيز بامرأة نوح وامرأة لوط(٢) ؟!

* * *

__________________

(١) تقدّم في مبحث آية التطهير ، في ج ٤ / ٣٥٦ ـ ٣٨٠ ؛ فراجع!

(٢) إشارة إلى قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.

وراجع مبحث الآية ٣٤ ، وهي قوله تعالى :( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ، في ج ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٣ من هذا الكتاب.

وانظر : ج ٤ / ٣٥٩ ه‍ ٢ و ٣ من هذا الكتاب.

٢٥٤

٢٧ ـ حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السابع والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض »(٢) .

ورواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد المكّي(٣) .

وفي « مسند أحمد » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : [ اللهمّ ] ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) (٤) ،عليّا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٩.

(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في أرجح المطالب : ٣٢٨ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٣٥ ح ١١٤٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١ عن عبد الله بن أحمد في « زيادات المسند ».

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٦٢ ح ٦٥ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٦٣ رقم ٤٦١ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٩ ح ٧١٦٦ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠ ، ذخائر العقبى : ٤٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤١ ح ٥١٥ وص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ح ٥٢١ و ٥٢٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، جواهر العقدين : ٢٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ـ ٣٤١٩٠.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٢٩.

٢٥٥

أخي( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) »(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٣١ و ٣٢.

(٢) رواه أحمد في « المسند » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٣٥ ح ٤٥٤ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ح ١١٥٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٥٨ ح ٥ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٦٦ عن ابن مردويه والخطيب البغدادي ، الطيوريات : ٧٥٣ ح ٢٥ م ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ح ٥١١ ـ ٥١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ، ذخائر العقبى : ١١٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

هذا موافق في المعنى للحديث المذكور قبل ، وهو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »(٢) .

ومراد موسى في قوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، الإشراك في أمر النبوّة ، ودعوة فرعون.

وهذا لا يصحّ هناك ؛ لقوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » ، اللهمّ إلّا أن يراد المشاركة في دفع الكفّار بالحرب وتبليغ العلم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٦.

(٢) راجع مبحث حديث المنزلة في الصفحة ٨٠ وما بعدها من هذا الجزء.

٢٥٧

وأقول :

سبق دلالة هذا الحديث ورواته في آخر آية من الآيات التي ذكرناها في الخاتمة ؛ فراجع(١) .

وما زعمه من إرادة المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما سأل عين ما سأله موسىعليه‌السلام بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

ومن الواضح أنّ موسى لم يرد المشاركة في دفع الكفّار ؛ لأنّه قد طلب دفعهم بطلب جعله وزيرا ، فإنّ دفع الأعداء أظهر فوائد الوزارة ، فلا حاجة لإعادة هذا الطلب بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

فينبغي أن يريد المشاركة في النبوّة ، والرئاسة على الأمّة ، وتحمّل العلوم إلى نحو ذلك.

فإذا دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما دعا به موسىعليه‌السلام ، ثبتت لعليّ المشاركة في كلّ ذلك سوى النبوّة ؛ للدليل المخرج لها.

على أنّ ظاهر الأخبار كون المشاركة من خواصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلا يراد بها المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ؛ لأنّها لا تخصّ عليّاعليه‌السلام ، إلّا أن يراد بها أعلى مراتب المشاركة في الدفع والتبليغ ، بحيث لا يعدّ غيره مشاركا بالنسبة إليه ، فله وجه.

ولكنّه ـ أيضا ـ مثبت للمطلوب ؛ لأنّه فرع الفضل العظيم على غيره ،

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٤٠٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٥٨

والأفضل أحقّ بالإمامة.

وقد تقدّم في الحديث التاسع ما ينفعك ؛ فراجع(١) .

واعلم أنّ الحديث الأوّل ـ الذي حكاه المصنّفرحمه‌الله عن أحمد وموفّق بن أحمد(٢) ـ لم يتعرّض الفضل لجوابه غفلة أو تغافلا ، وقد حكاه غير المصنّف عن « المسند » ، كصاحب « ينابيع المودّة »(٣) ، وابن حجر في « الصواعق »(٤) ، كما ستعرف.

وأنا لم أجده في « المسند » بعد التتبّع ، والظاهر أنّ أيدي التلاعب لعبت في إسقاطه!

ولعلّ الحديث الآخر كذلك(٥) ، ولا ريب أنّه من أدلّ الأمور على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ إذ لا يكون المكلّف أمانا لأهل الأرض إلّا لكرامته على الله تعالى ، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة ، مع كونه معصوما ، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه ، فضلا عن أن يكون أمانا لغيره ، ولا سيّما إذا كان عظيما ، فإنّ المعصية من العظيم أعظم ، والحجّة عليه ألزم.

فإذا كانوا أفضل الناس ومعصومين ، فقد تعيّنت الإمامة لهم ، وهو دليل على بقائهم ما دامت الأرض ، كما هو مذهبنا.

وقد جعل الله تعالى هذه الكرامة العظيمة لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أهل بيته ،

__________________

(١) انظر كلامهقدس‌سره في مبحث حديث المنزلة ، في الصفحات ٨٣ ـ ٨٧ من هذا الجزء.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.

(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

٢٥٩

فقال سبحانه :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (١) .

وأشار إلى ذلك ابن حجر في « صواعقه »(٢) ، فقال : « السابعة : قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته ، وأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانا لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ».

ثمّ ذكر أخبارا من جملتها رواية أحمد التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله أوّلا(٣) .

وحكى في « كنز العمّال » في فضائل أهل البيت(٤) ، عن ابن أبي شيبة ، ومسدّد ، والحكيم ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر ، أنّهم رووا عن سلمة بن الأكوع ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».

وروى الحاكم في « المستدرك » ، وصحّحه(٥) ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٣.

(٢) عند الكلام على الآية السابعة من الآيات الواردة في أهل البيت : [ ص ٢٣٣ ]. منهقدس‌سره .

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٤) ص ٢١٧ من الجزء السادس [ ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠.

أمّا في مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٦٠ ح ٧٢٧٦ فقد جاءت لفظة « أصحابي » بدلا عن لفظة « أهل بيتي » ؛ فلاحظ!

(٥) ص ١٤٩ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ]. منهقدس‌سره .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291