الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم 0%

الأمثال في القرآن الكريم مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-6243-73-8
الصفحات: 291

الأمثال في القرآن الكريم

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

ISBN: 964-6243-73-8
الصفحات: 291
المشاهدات: 91537
تحميل: 7452

توضيحات:

الأمثال في القرآن الكريم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 291 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91537 / تحميل: 7452
الحجم الحجم الحجم
الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم

مؤلف:
ISBN: 964-6243-73-8
العربية

فالآيات تشرح حالهم بإمعان وتخبر بأنّهم « لا يقاتلونكم » معاشر المؤمنين جميعاً إلاّ في قرى محصنة ، أي لا يبرزون لحربكم خوفاً منكم ، وإنّما يقاتلونكم متدرّعين بحصونهم ، أو « من وراء جدر » ، أي يرمونكم من وراء الجدر بالنبل والحجر.

( بأسهم بينهم شديد ) ، والمراد من البأس هو العداء ، أي عداوة بعضهم لبعض شديدة ، فليسوا متّفقي القلوب ، ولذلك يعقبه بقوله :( وقلوبهم شتى ) ، ثمّ يعلل ذلك بقوله :( ذلك بأنّهم لا يعقلون ) .

ثمّ يمثّل لهم مثلاً ، فيقول : إنّ مثلهم في اغترارهم بعددهم وعدّتهم وقوتهم( كمثل الذين من قبلهم ) ، والمراد مشركو قريش الذين قتلوا ببدر قبل جلاء بني النضير بستة أشهر ، ويحتمل أن يكون المراد قبيلة بني قينقاع حيث نقضوا العهد فأجلاهم رسول الله بعد رجوعه من بدر.

فهؤلاء( ذاقوا وبال أمرهم ) ، أي عقوبة كفرهم ولهم عذاب أليم.

٢٦١

الحشر

٥٢

التمثيل الثاني والخمسون

( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ للاِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ) .(١)

تفسير الآية هذه الآية أيضاً ناظرة إلى قصة بني النضير ، فلمّا تآمروا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلاء ، ولكنّ المنافقين وعدوهم بالنصر ، فقالوا لهم :( لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم ) .

ولكن كان ذلك الوعد كاذباً ، ولذلك يقول سبحانه :( والله يشهد انّهم لكاذبون ) وآية كذبهم :( لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُون ) .(٢)

ولقد صدق الخبر الخبر ، فأجلاهم الرسول بقوة وشدة ، فما ظهر منهم أي نصر ومؤازرة ودعم ، فكان وعدهم كوعد الشيطان ، إذ قال للإنسان أكفر فلمّا كفر قال إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين ، بمعنى انّه أمره بالكفر ولكنّه تبرّأ منه في النهاية.

وهل المخاطب في قوله : « اكفر » مطلق الإنسان الذي ينخدع بأحابيل

__________________

١ ـ الحشر : ١٦.

٢ ـ الحشر : ١٢.

٢٦٢

الشيطان ووعوده الكاذبة ثمّ يتركه ويتبرّأ منه ، أو المراد شخص معين ؟ وجهان.

فلو قلنا بالثاني ، فقد وعد الشيطان قريشاً بالنصر في غزوة بدر ، كما يحكي عنه سبحانه ، ويقول( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرى ما لاَ تَرَوْنَ إِنّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقابِ ) .(١)

وهناك قول ثالث ، وهو انّ الشيطان وعد عابداً من بني إسرائيل اسمه برصيصا حيث انخدع بالشيطان وكفر ، وفي اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه. ذكر المفسرون انّ برصيصا عبد الله زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرأون على يده ، وانّه أُتِي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها إخوة فأتوه بها ، فكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها ، فحملت ، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها ، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها ، فأخبره بالذي فعل الراهب وانّه دفنها في مكان كذا ، ثمّ أتى بقية إخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له ، فجعل الرجل يلقى أخاه ، فيقول : والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشيطان ، فقال : أنا الذي ألقيتك في هذا ، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك ، أخلصك مما أنت فيه ؟ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة ، فقال : كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة ، فقال : اكتفي منك بالإيماء فأوحى له بالسجود ، فكفر بالله ، وقتل الرجل.(٢)

__________________

١ ـ الأنفال : ٤٨.

٢ ـ مجمع البيان : ٥ / ٢٦٥.

٢٦٣

الحشر

٥٣

التمثيل الثالث والخمسون

( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .(١)

تفسير الآية

« الخشوع » : الضراعة ، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح على عكس الضراعة ، فانّ أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ، وقد روي إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

ويؤيد ما ذكره انّه سبحانه ينسب الخشوع إلى الأصوات والأبصار ، ويقول :( وخشعت الأصوات ) ،( خاشعة أبصارهم ) ، (أبصارهم خاشعة ) .

ولو أردنا أن نُعرّفه ، فنقول : هو عبارة عن السكينة الحاكمة على الجوارح مستشعراً بعظمة الخالق.

و « التصدع » : التفرق بعد التلاؤم.

إنّ للمفسرين في تفسير الآية رأيين :

أحدهما : انّه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ، مع ما له من الغلظة والقسوة

__________________

١ ـ الحشر : ٢١.

٢٦٤

وكبر الجسم وقوة المقاومة قبال النوازل ، لتأثّر وتصدّع من خشية الله ، فإذا كان هذا حال الجبل ، فالإنسان أحقّ بأن يخشع لله إذا تلا آياته.

فما أقسى قلوب هؤلاء الكفّار وأغلظ طباعهم حيث لا يتأثرون بسماع القرآن واستماعه وتلاوته.

ثانيهما : انّ كلّ من له حظّ في الوجود فله حظ من العلم والشعور ، ومن جملتها الجبال فلها نوع من الإدراك والشعور ، كما قال سبحانه :( وَإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْها لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) .(١)

فعلى هذا ، فمعنى الآية انّ هذا القرآن لو نزل على جبل لتلاشى وتصدّع من خشية الله ، غير انّه لم ينزل عليه.

وعلى كلا المعنيين ، فليست الآية من قبيل التمثيل أي تشبيه شيء بشيء ، بل من قبيل وصف القرآن وبيان عظمته بما يحتوى من الحقائق والأصول ، وإنّها على الوصف التالي : « لو أنزلناه على جبل لصار كذا وكذا ».

نعم يمكن أن يعد لازم معنى الآية من قبيل التشبيه ، وهو انّه سبحانه يشبّه قلوب الكفّار والعصاة الذين لا يتأثرون بالقرآن بالجبل والحجارة ، وانّ قلوبهم كالحجارة لو لم تكن أكثر صلابة ، بشهادة انّ الحجارة يتفجر منها الأنهار أو تهبط من خشية الله ، فلأجل ذلك جعلنا الآية من قبيل التمثيل وإن كان بلحاظ المعنى الالتزامي لها.

__________________

١ ـ البقرة : ٧٤.

٢٦٥

الجمعة

٥٤

التمثيل الرابع والخمسون

( مَثَلُ الّذينَ حُمّلُوا التُّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَومَ الظّالِمِين ) .(١)

تفسير الآية

« الأسفار » : السَّفر : كشف الغطاء ، ويختص ذلك بالاَعيان نحو سَفَرَ العمامة عن الرأس ، والخمار عن الوجه ، إلى أن قال : والسّفْر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق وجمعه أسفار.(٢)

ذكر المفسرون انّه سبحانه لما قال : إنّه بعثه إلى الاَُميّين أخذت اليهود الآية ذريعة لاِنكار سعة رسالته ، وقالوا : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى العرب خاصة ولم يبعث إليهم ، فعند ذلك نزلت الآية وشبّهتهم بالحمار الذي يحمل أسفاراً لا ينتفع منها ، إذ جاء في التوراة نعت الرسول والبشارة بمقدمه والدخول في دينه.

مضافاً إلى أنّه يمثل حال من يفهم معاني القرآن ولا يعمل به ويعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه ، والمراد من قوله( حُمّلُوا ) أي كلّفوا بالقيام بها ، وقيل :

__________________

١ ـ الجمعة : ٥.

٢ ـ مفردات الراغب : مادة «سفر ».

٢٦٦

ليس هو من الحمل على الظهر ، وإنّما هو من الحمالة بمعنى الكفالة والضمان ، ولذا قيل للكفيل : الحميل ، والمراد والذين ضمنوا أحكام التوراة ، ثمّ لم يحملوها ، أي لم يأدّوا حقها ولم يحملوها حق حملها ، فهؤلاء أشبه بالحمار ، كما قال :( كَمَثَلِ الحِمار يَحْمِلُ أَسْفاراً ) .

وانتخب الحمار من بين سائر الحيوانات لما فيه من الذل والحقارة ما ليس في غيره بل والجهل والبلادة ، مضافاً إلى المناسبة اللفظية الموجودة بين لفظ الأسفار والحمار.

فعلى كلّ تقدير فالآية تندّد باليهود ، وفي الوقت نفسه تحذر عامة المسلمين في أن لا يكون حالهم حال اليهود ، في عدم الانتفاع بالكتاب المنزل الذي فيه دواء كلّ داء وشفاء لما في الصدور.

وللأسف الشديد أصبح القرآن بين المسلمين مهجوراً ، إذ يتبرك به في العرائس ، أو يجعل تعاويذ للأطفال ، أو زينة الرفوف ، أو يقرأ في القبور إلى غير ذلك ممّا أبعد المسلمين عن النظر في القرآن بتدبّر.

ثمّ إنّه سبحانه يصف اليهود المكذبة للقرآن وآياته ، بقوله :( بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوم الظالِمين ) .

٢٦٧

التحريم

٥٥

التمثيل الخامس والخمسون

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبادِنا صالِحَينِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وَقيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلين ) .(١)

تفسير الآية

إنّ إحدى الأساليب التربوية هي عرض نماذج واقعية لمن بلغ القمة في مكارم الأخلاق وجلائلها أو سقط في حضيض مساوئ الأخلاق ، والقرآن في هذه الآية يعرض زوجتين من زوجات الأنبياء ابتليتا بالنفاق والخيانة ولم ينفعهما قربهما من أنبياء الله.

ثمّ إنّ الحافز لهذا التمثيل هو التنديد بزوجتي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اللّتين اشتركتا في إفشاء سره ، والغرض هو إيقافهما على أنّهما لا تنجوان من العذاب لمجرد مكانتهما من الرسول كما لم ينفع زوجة نوح ولوط ، فواجهتا العذاب الأليم.

يذكر سبحانه في هذه الصورة قصة إفشاء سرّ النبي بواسطة بعض أزواجه يقول :( وَإِذْ أَسَـرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَديثاً فَلَمّـا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ

__________________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢٦٨

عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبير ) .(١)

وهذه الآية على اختصارها تشتمل على مطالب :

١. انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ إلى بعض أزواجه حديثاً ، كما يقول سبحانه :( وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً ) ، وأمّا ما هو السر الذي أسرّه إليها فغير واضح ، ولا يمكن الاعتماد بما ورد في التفاسير من تحريم العسل على نفسه وغيره.

٢. انّ هذه المرأة التي أسرّ إليها النبي لم تحتفظ بسره وأفشته ، فحدّثت به زوجة أخرى ، كما يقول سبحانه :( فلمّا نبّأت به ) ، والمفسرون اتفقوا على أنّ الأولى منهما هي حفصة والثانية هي عائشة.

وبذلك أساءت الصحبة وأفشت سر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّ واجبها كان كتم هذا السر.

٣. انّه سبحانه أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله به ، كما يقول سبحانه :( وأظهره الله عليه ) أي أطلعه الله عليه.

٤. انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عرّف حفصة ببعض ما ذكرت وأعرض عن ذكر كلّ ما أفشت ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علم جميع ذلك ولكنّه أخذ بمكارم الأخلاق ، فلم يذكر لها جميع ما صدر منها ، والتغافل من خلق الكرام ، وقد ورد في المثل : « مااستقصى كريم قط ».

٥. لما أخبر رسول الله حفصة بما أظهره الله عليه سألت ، وقالت : من أخبرك بهذا؟ فأجاب الرسول : نبّأني العليم الخبير ، كما يقول سبحانه :( فلمّا نبّأها به

__________________

١ ـ التحريم : ٣.

٢٦٩

قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير ) .

وبما انّ مستمع السر كمفشيه عاص ، يعود سبحانه يندّد بهما ويأمرهما بالتوبة ، لأجل ما كسبت قلوبهما من الآثام ، وانّه لو لم تكُفَّا عن إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاعلما انّ الله يتولّـى حفظه ونصرته ، وأمين الوحي معين له وناصر يحفظه ، وصالح المؤمنين وخيارهم يؤيدونه ، وبعدهم ملائكة الله من أعوانه. كما يقول سبحانه :( ان تتوبا فقد صغت قلوبكما ) أي مالت إلى الإثم ، وإن تظاهرا عليه أي تعاونا على إيذاء النبي ، فانّ الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.

هاتان الآيتان توقفنا على مكانة الزوجتين من القيام بوظائف الزوجية ، حيث إنّ حفظ الاَمانة من واجب الزوجة حيال زوجها ، كما أنّ الآية الثانية تعرب عن مكانتهما عند الله سبحانه حيث تجعلهما على مفترق الطرق : إمّا التوبة لأجل الإثم ، وإمّا التمادي في غيّهما وإحباط كلّ ما تهدفان إليه ، لأنّ له أعواناً مثل ربه والملائكة وصالح المؤمنين.

وبما انّ السورة تكفّلت بيان تلك القصة ناسب أن يمثل سبحانه حالهما بزوجتين لرسولين أذاعتا سرهما وخانتاهما.إذ لم تكن خيانتهما خيانة فجور لما ورد : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنّما كانت خيانتهما في الدين.

قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس : إنّه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح ، كما أنّ امرأة لوط دلّت على أضيافه.

وعلى كلّ حال فقد شاركت هذه الزوجات الأربع في إذاعة أسرار أزواجهنّ ، وبذلك صرن نموذجاً بارزاً للخيانة.

وقد كنَّ يتصورنّ انّ صلتهن بالرسل تحول دون عذاب الله ، ولم يقفن على أنّ

٢٧٠

مجرد الصلة لا تنفع مالم يكن هناك إيمان وعمل صالح ، قال سبحانه :( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَومَئِذٍ ) (١) وقال سبحانه مخاطباً بني آدم :( يا بَنِى آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .(٢)

ومن هنا تقف على أنّ صحبة الرسول لا تنفع مالم يضم إليه إيمان خالص وعمل صالح ، فلا تكون مجالسة الرسول دليلاً على العدالة ولا على النجاة ، وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمام الله سبحانه كالتابعين يحكم عليهم بما يحكم على التابعين ، فكما أنّ الصنف الثاني بين صالح وطالح ، فهكذا الصحابة بين صالح وطالح.

__________________

١ ـ المؤمنون : ١٠١.

٢ ـ الأعراف : ٣٥.

٢٧١

التحريم

٥٦

التمثيل السادس والخمسون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امرأتَ فِرْعَون إذْ قالَتْ رَبّ ابنِ لي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنّةِ وَنَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمين * وَمَرْيم ابْنَتَ عِمْرانَ الّتي أحصَنَت فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقت بِكَلِماتِ رَبّها وَكُتُبهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتين ) .(١)

تفسير الآيات

« الحصن » : جمعه حصون وهي القلاع ، ويطلق على المرأة العفيفة ، لأنّها تحصّن نفسها بالعفاف تارة وبالتزويج أخرى.

القنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع ، قوله :( كُلّ لَهُ قانِتُون ) أي خاضعون.

لما مثّل القرآن بنماذج بارزة للفجور من النساء أردفه بذكر نماذج أخرى للتقوى والعفاف من النساء بلغن من التقوى والإيمان منزلة عظيمة حتى تركن الحياة الدنيوية ولذائذها وعزفن عن كل ذلك بغية الحفاظ على إيمانهنّ ، وقد مثل القرآن بآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فقد بلغت من الإيمان والتقوى بمكان انّها طلبت من الله سبحانه أن يبني لها بيتاً في الجنة ، فقد آمنت بموسى لمّا رأت معاجزه

__________________

١ ـ التحريم : ١١ ـ ١٢.

٢٧٢

الباهرة ودلائله الساطعة ، فأظهرت إيمانها غير خائفة من بطش فرعون وقد نقل انّه وتدها بأربعة أوتاد واستقبل بها الشمس.

هذه هي المرأة الكاملة التي ضحّت في سبيل عقيدتها واستقبلت الشهادة بصدر رحب ولم تعر للدنيا وزخارفها أيّة أهمية ، وكان هتافها حينما واجهت الموت قولها :( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين ) .

فقولها : « عندك » ، يهدف إلى القرب من رحمة الله ، وقولها : « في الجنة » يبين مكان القرب.

فقد اختارت جوار ربها والقرب منه وآثرت بيتاً يبنيه لها ربها على قصر فرعون الذي كان يبهر العقول ، ولكن زينة الحياة الدنيا عندها نعمة زائلة لا تقاس بالنعمة الدائمة.

ثمّ إنّه سبحانه يضرب مثلاً آخر للمؤمن ات مريم ابنة عمران ، ويصفها بقوله :( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين ) .

ترى أنّه سبحانه يصفها بالصفات التالية :

١.( أحصنت فرجها ) فصارت عفيفة كريمة وهذا بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها ، كما يعرب عنه قوله سبحانه :( وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ) (١) وفي سورة الأنبياء قوله :( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا ) .(٢)

__________________

١ ـ النساء : ١٥٦.

٢ ـ الأنبياء : ٩١.

٢٧٣

٢.( فنفخنا فيه من روحنا ) : أي كونها عفيفة محصّنة صارت مستحقة للثناء والجزاء ، فأجرى سبحانه روح المسيح فيها ، وإضافة الروح إليه إضافة تشريفية ، فهي امرأة لا زوج لها انجبت ولداً صار نبياً من أنبياء الله العظام.

وقد أُشير إلى هذين الوصفين في سورة الأنبياء ، قال سبحانه :( وَالّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِين ) .

وهناك اختلاف بين الآيتين ، فقد جاء الضمير في سورة الأنبياء مؤنثاً فقال :( فنَفخنا فيها من روحنا ) وفي الوقت نفسه جاء في سورة التحريم مذكراً( فنفخنا فيه من روحنا ) .

وقد ذكر هنا وجه وهو :

إنّ الضمير في سورة الأنبياء يرجع إلى مريم ، وأمّا المقام فإنّما يرجع إلى عيسى ، أي فنفخنا فيه حتى أنّ من قرأه « فيها » أرجع الضمير إلى نفس عيسى والنفس مؤنثة.

أقول : هذا لا يلائم ظاهر الآية ، لأنّه سبحانه بصدد بيان الجزاء لمريم لأجل صيانة فرجها ، فيجب أن يعود الجزاء إليها ، فالنفخ في عيسى يكون تكريماً لعيسى ولا يعد جزاءً لمريم.

٣.( صدَّقت بكلمات ربّها وكتبه ) : ولعل المراد من الكلمات الشرائع المتقدمة ، والكتب : الكتب النازلة ، كما يحتمل أن يكون المراد الوحي الذي لم يكن على شكل كتاب.

٤.( وكانت من القانتين ) : أي كانت مطيعة لله سبحانه ، ومن القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه ، وقد جيء بصيغة المذكر تغليباً ، يقول

٢٧٤

سبحانه :( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعين ) .(١)

ونختم البحث بذكر ثلاث روايات :

١. روى الطبري ، عن أبي موسى ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».(٢)

٢. أخرج الحاكم ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن( قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ) ».(٣)

٣. أخرج الطبراني ، عن سعد بن جنادة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله زوجني في الجنة : مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأُخت موسى ».

__________________

١ ـ آل عمران : ٤٣.

٢ ـ مجمع البيان : ٥ / ٣٢٠.

٣ ـ و ٤. الدر المنثور : ٨ / ٢٢٩.

٢٧٥

الملك

٥٧

التمثيل السابع والخمسون

( أَمَّنْ هذا الّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَه بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْههِ أَهْدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيم ) .(١)

تفسير الآيات

« لجّ » : من اللجاج : التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه.

« عُتُوّ » : التمرّد.

« النفور » : التباعد عن الحقّ.

« مكب » : من الكبو ، وهو إسقاط الشيء على وجهه ، قال سبحانه :( فَكُبَّتْ وُجُوهُهُم فِي النّار ) . ومنه قوله : « إنّ الجواد قد يكبو » أي قد يسقط ، والمراد هنا بقرينة مقابله :( يمشي سوياً ) ، أي من يمشي ووجهه إلى الأرض لا الساقط. وقال الطبرسي : أي منكساً رأسه إلى الأرض ، فهو لا يبصر الطريق ولا من يستقبله.

وأمّا الآيات فقد جاءت بصيغة السؤال بين الضالين الذين لجّوا في عتو ونفور وظلّوا متمسّكين بالأوثان والأصنام ، وبين المهتدين الذين يمشون في جادة

__________________

١ ـ الملك : ٢١ ـ ٢٢.

٢٧٦

 التوحيد ولا يعبدون إلاّ الله القادر على كلّ شيء.

فمثل هؤلاء مثل من يمشي على أرض متعرجة غير مستوية يكثر فيها العثار ، وبالتالى يسقط الماشي مكباً على وجهه ، ومن يمشي على جادة مستوية مستقيمة ليس فيها عثرات ، فيصل إلى هدفه بسهولة.

فالاختلاف بين هاتين الطائفتين ليس في كيفية المشي ، وإنّما الاختلاف في طريقهم حيث إنّ طرق الكفّار ملتوية متعرجة فيها عقبات كثيرة ، وطريق المهتدين مستقيمة لا اعوجاج فيها ، فعاقبة المشي في الطريق الأوّل هو الانكباب على الأرض ، وعاقبة المشي في الطريق الثاني هو الوصول إلى الهدف ، فتأويل الآية : أفمن يمشي على طريق غير مستقيم بل متعرج ملتوٍ مكبّاً على وجهه أهدى أم من يمشي على صراط مستقيم بقامة مستقيمة.

قال العلاّمة الطباطبائي : والمراد أنّهم بلجاجهم في عتوّ عجيب ونفور من الحقّ ، كمن يسلك سبيلاً وهو مكب على وجه لا يرى ما في الطريق من ارتفاع وانخفاض ومزالق ومعاثر ، فليس هذا السائر كمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ، فيرى موضع قدمه وما يواجهه من الطريق على استقامة ، وما يقصده من الغاية ، وهؤلاء الكفّار سائرون سبيل الحياة وهم يعاندون الحقّ على علم به ، فيغمضون عن معرفة ما عليهم أن يعرفوه والعمل بما عليهم أن يعملوا به ، ولا يخضعون للحق حتى يكونوا على بصيرة من الأمر ويسلكوا سبيل الحياة وهم مستوون على صراط مستقيم فيأمنوا الهلاك.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٩ / ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٢٧٧

خاتمة المطاف

ربما عدّ غير واحد ممّن كتب في أمثال القرآن ، الآية التالية منها :

( وَما جَعَلْنا أَصحابَ النّارِ إلاّ مَلائكةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُم إلاّ فِتْنةً لِلّذينَ كَفَرُوا ليَستَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَيَزدادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرتابَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالمُوَْمِنُونَ وَلِيَقُول الّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكافِرُون ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلّ اللهُ مَن يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلمُ جنودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ وَما هِيَ إلاّ ذِكرى لِلبَشر ) .(١)

تفسير الآية

لمّا نزل قوله سبحانه( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وما أدراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي ولا تَذَرُ * لواحَةٌ للبشرِ * عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) .(٢)

قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أُمّهاتكم أتسمعون ابن أبي كبيشة يخبركم انّ خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم(٣) الشجعان ، أفيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم.

__________________

١ ـ المدثر : ٣١.

٢ ـ المدثر : ٢٦ ـ ٣٠.

٣ ـ الدهم : الجماعة الكثيرة.

٢٧٨

فقال أبو أسد الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، فأكفوني أنتم اثنين ، فنزلت هذه الآية :( وَما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة ) ، أي جعلنا أصحاب النار ملائكة أقوياء مقتدرون وهم غلاظ شداد ، يقابلون المذنبين بقوة ، وهم أمامهم ضعفاء عاجزون ، ويكفي في قوتهم انّه سبحانه يصف واحداً منهم بقوله :( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) .(١)

فالكفّار ما قدروا الله حقّ قدره وما قدروا جنود ربّهم ، وظنوا انّ كلّ جندي من جنوده سبحانه يعادل قوة فرد منهم.

ثمّ إنّه سبحانه يذكر الوجوه التالية سبباً لجعل عدتهم تسعة عشر :

١.( فتنة للذين كفروا ) .

٢.( ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب ) .

٣.( يزداد الّذين آمنوا إيماناً ) .

٤.( لا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ) .

٥.( وَليقول الّذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ) .

وإليك تفسير هذه الفقرات :

أمّا الأولى : فيريد انّه سبحانه لم يجعل عدتهم تسعة عشر إلاّ للإفتتان والاختبار ، قال سبحانه :( واعلموا انّما أموالكم وأولادكم فتنة ) أي يختبر بهم الإنسان ، فجعل عدتهم تسعة عشر يختبر بها الكافر والمؤمن ، فيزداد الكافر حيرة واستهزاءً ويزداد المؤمن إيماناً وتصديقاً ، كما هو حال كلّ ظاهرة تتعلق بعالم الغيب. يقول سبحانه :( وَإذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ

__________________

١ ـ النجم : ٥ ـ ٦.

٢٧٩

إيماناً فَأَمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُون ) .(١)

ولا تظن انّ عمله سبحانه هذا يوجب تعزيز داعية الكفر ، وهو أشبه بالجبر وإضلال الناس ووجه ذلك انّ الاستهزاء والابتعاد عن الحقّ أثر الكفر الذي اختاره على الإيمان ، فهذا هو السبب في أن تكون الآيات الإلهية موجبة لزيادة الكفر والابتعاد عن الحقّ ، والدليل على ذلك انّ هذه الآيات في جانب آخر نور وهدى وموجباً لزيادة الإيمان والتصديق.

وأمّا الثانية : أي استيقان أهل الكتاب من اليهود والنصارى انّه حقّ وانّ محمّداً رسول صادق حيث أخبر بما في كتبهم من غير قراءة ولا تعلم.

وأمّا الثالثة : وهي ازدياد إيمان المؤمنين ، وذلك بتصديق أهل الكتاب ، فإذا رأوا تسليم أهل الكتاب وتصديقهم يترسخ الإيمان في قلوبهم.

وأمّا الرابعة : أعني قوله :( ولا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ) ، فهو أشبه بالتأكيد للوجه الثاني والثالث.

وفسره الطبرسي بقوله : وليستيقن من لم يؤمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن آمن به صحة نبوته إذا تدبّروا وتفكّروا.

وأمّا الخامسة : وهي تقوّل الكافرين ومن في قلوبهم مرض بالاعتراض ، بقولهم : ماذا أراد الله بهذا الوصف والعدد ، وهذه الفقرة ليست من غايات جعل عدتهم تسعة عشر ، وإنّما هي نتيجة تعود إليهم قهراً ، ويسمّى ذلك لام العاقبة ، كما في قوله سبحانه :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ) (٢) ومن المعلوم

__________________

١ ـ التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥. ٢ ـ القصص : ٨.

٢٨٠