* هل مارس الفقهاء المتأخِّرون عملية الاستنباط عن طريق المِلاكات؟
الشيخ معرفت:
أجل، بل بادروا أحياناً إلى بيان أحكام عن طريق القياس أيضاً.
سأذكر في ما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:
أ -
إذا قصد الإنسان الإقامة في غير وطنه، ثُمَّ تراجع عن قصده بعد أداء صلاة رباعية، فإنَّ صلاته ستبقى تماماً ما دام موجوداً في ذلك المكان. أمَّا إذا رجع عن قصد الإقامة قبل أن يؤدِّي صلاة رباعية، فإنَّ صلاته ستكون قصراً. إنَّ لدينا نصَّاً حيال هذا المطلب.
لكن ما هو حكم الشخص المذكور إزاء الصوم، على ضوء الفرض الذي يفيد أنَّه لم يصلِ رباعية، فهل حكمه حكم المسافر؛ بحيث يستطيع أن يفطر (إذا ما كان قد غيَّر قصده قبل الزوال)، أو أنَّ عليه أن يواصل صومه حتّى الغروب؟ لقد أفتى الفقهاء بأنَّ على مثل هذا الإنسان أن يتابع صيامه إلى الغروب، مع أنَّه لا وجود لنصٍّ في هذه الحالة مطلقاً، ولا دليل عليها إلاّ تسرية حكم الصلاة وتطبيقه على الصوم، أليس هذا قياساً؟!
لقد مورس هنا، وعلى نحو لا شعوري، ضرب من القياس، والأكثر أنَّه استعمال للقياس في حقل العبادات، وإلاّ ما هي صلة الصَّوم بالصَّلاة؟! لقد أفتى صاحب العروة [محمد كاظم اليزدي، ١٢٤٧ - ١٣٣٧هـ] بذلك، وعلى هذا النحو وافقه جميع من كتب حواشي على كتاب العروة.
ب -
إذا ما أفطر الصائم عمداً في شهر رمضان، فإنَّه يُعزَّر بخمسةٍ وعشرين سوطاً، وهذا حكم لا دليل عليه، إلاّ أنَّه استُمدَّ من حكم مسألة أخرى تفيد: أنَّ من جامع زوجته في نهار شهر رمضان يُعزَّر بخمسة وعشرين سوطاً، حيث هناك نص على هذه المسألة. هذه الحالة تُعبِّر هي الأخرى عن ضرب من القياس أو الاعتماد على المِلاك.
ج -
ما يذكرونه في باب اللواط أنَّه يحتاج إلى أربعة شهود عدول لإثباته، وليس من دليل هنا غير القياس إلى الزنا الذي يحتاج إثباته إلى شهادة أربعة عدول.
إنَّ أمثال هذه الموارد كثير في الفقه، حيث يفيد ظاهرها القياس، في حين أنَّها في حقيقتها تعبير عن تسرية الحكم عن طريق كشف المِلاكات القطعية للحكم.