التعرف على القرآن

التعرف على القرآن60%

التعرف على القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 93

التعرف على القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 93 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32010 / تحميل: 8584
الحجم الحجم الحجم
التعرف على القرآن

التعرف على القرآن

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الأوضاع المختلفة لتأريخ الإسلام المملوءة حركةً وثورةً ؛ ولهذا نلاحظ هناك أسباب لنزول آيات القرآن ، وسبب النزول لا يحدّد معنى الآية ، بل - وبالعكس - فإنّ معرفة سبب النزول يُرْشِد ويؤثّر كثيراً في توضيح مضمون الآيات.

* الشرط الثالث :

هو الإلمام بكلمات وأقوال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالرسول بنص القرآن ، أوّل مفسّر لهذا الكتاب ، حيث جاء في القرآن :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( سورة النحل : آية :٤٤ ).

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( سورة الجمعة : آية : ٢ ).

الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مِن نظر القرآن - بنفسه مبيّن ومفسّر لهذا الكتاب ، وما جاءنا من الرسول يعيننا على تفسير القرآن.

٢١

أمّا بالنسبة إلينا - نحن الشيعة - الذي نعتقد بالرسول والأئمّة الأطهارعليه‌السلام ، ونعتقد أنّ ما كان للرسول من قبل الله فقد نقله إلى أوصيائه المكرمين، فإنّ الأحاديث المعتبرة التي وصلتْنا من الأئمّة ، لها نفس اعتبار الأحاديث المعتبرة ، الواصلة من رسول الله ، فإنّ الروايات الموثّقة من الأئمّة ، تساعدنا كثيراً في معرفة القرآن.

هناك نقطة لا بدّ أنْ نهتمّ بها في التحقيق حول القرآن ، وهي أنْ نتعرّف على القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه ، وهي أنْ نتعرّف القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه.والغرض من ذلك أنّ مجموعة آيات القرآن تكوّن مع بعضها بناءً متراصّاً، أي إنّنا إذا أخذنا آية واحدة من آيات القرآن، وقلنا إنّنا نريد فهْم هذه الآية فقط ، يعتبر هذا أسلوب خاطئ ، وبالطبع يُحتمل أنْ يكون فهمنا لتلك الآية فهْماً صحيحاً، ولكنّ هذا عمل مخالف للاحتياط ، فآيات القرآن تفسّر بعضها بعضاً، وكما قال بعض المفسّرين الكبار ، فإنّ الأئمّة الأطهار أيّدوا هذا الأسلوب من التفسير.

القرآن له أسلوب خاص بنفسه في توضيح وبيان المسائل ، ففي موارد كثيرة إذا أخذتَ آيةً واحدة من

٢٢

القرآن، دون عرضها على الآيات المشابهة ، فإنّها تأخذ مفهوماً يختلف كلِّيَّاً عن مفهوم نفس الآية، إذا وضعت بجانب الآيات التي تشابهها في المضمون.

لعرض نموذج من هذا الأسلوب الخاص للقرآن ، نستطيع ذكر الآيات المحكمة والآيات المتشابهة.

هناك تصوّر ساذج بالنسبة للمحكمات والمتشابهات ، فيعتقد البعض بأنّ الآيات المحكمة : هي التي عرضت فيها المواضيع بصورة عاديّة وصريحة ، والآيات المتشابهة بعكس ذلك ، فإنّ الموضوعات فيها على صورة ألغاز ورموز.

وبمقتضى هذا التعريف يحق للناس أنْ يتدبّروا في الآيات المحكمة والصريحة فقط ، وأمّا الآيات المتشابهة فلا يمكن معرفتها، ويُمنع التفكّر فيها.

وهنا بالطبع يطرح هذا السؤال نفسه : ما هي إذن فلسفة الآيات المتشابهة ؟ لماذا يعرض القرآن آيات غير قابلة للمعرفة ؟ الجواب بالإيجاز هو أنّ الآيات المحكمة ليس معناها الآيات الصريحة والواضحة ، وليست الألغاز

٢٣

والرموز معاني للمتشابهات.

اللغز لفظ مبهم ، لا يُفهم معناه مباشرة ، والآن لننظر هل توجد في القرآن آيات مبهمة ؟

هذا القول ينافي نصّ القرآن الذي يقول بأنّ القرآن كتاب مبين في آياته ، وأنّ آياته واضحة مفهومة ، وجاءت لتكون نوراً وهدى للناس.

إلاّ أنّ سرّ الموضوع يكمن في بعض المواضيع المعروضة في القرآن ، خاصة عندما يأتي الكلام عن ما وراء الطبيعة والأمور الغيبيّة فإنّها غير قابلة للبيان والتوضيح أساساً مع الألفاظ.

ولكن بما أنّ لغة القرآن هي اللغة المتداولة بين البشر ، فإنّ هذه المواضيع المعنويّة اللطيفة وردت بنفس العبارات والألفاظ التي يستخدمها البشر في الموضوعات المادِّيَّة.ولكن لتجنّب سوء الفهم فإنّ المسائل الواردة في بعض الآيات لا بدّ أنْ تسرِ بمعونة الآيات الأخرى ، ولا يوجد سبيل آخر غير هذا السبيل.

فمثلاً يريد القرآن أنْ يذكر حقيقة ادّعاء رؤية الله بالقلب ( أي الإنسان يستطيع أنْ يرى الله بقلبه ) ، ورد

٢٤

هذا المعنى في قالب العبارات :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ( سورة القيامة : آية : ٢٢ - ٢٣ ).

استخدم القرآن لفظة ( النظر ) ؛ لأنّه لا توجد كلمة أنسب من هذه الكلمة لأداء الغرض والمقصود ، ولتجنّب الاشتباه يوضّح في مك-ان آخر :( لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ( سورة الأنعام آية : ١٠٣ ).

يلاحظ القارئ أنّه بالرغم من التشابه اللفظي ، لا يوجد تشابه بين هذه الأمور ، ويختلف كلٌّ عن الآخر اختلافاً كاملاً.والقرآن - لتجنّب الخطأ بين المعاني العالية والمعاني المادِّيَّة - يأمرنا بإرجاع المتشابهات إلى المحكمات.

( ... أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ... ) ( سورة آل عمران : آية : ٧ ).

بعض الآيات محكمة ، أي إنّ لها ذلك

٢٥

الاستحكام الذي لا يمكن فصلها عن معانيها ، واتخاذ معانٍ أخرى لها.هذه الآيات هي أمّ الكتاب ، أي إنّها الآيات الأم.

فكما أنّ الطفل يرجع إلى أمّه ، وأمّه تكون مرجعاً له ، وأنّ المدن الكبيرة ( أُمّ القرى ) تكون مرجعاً للمدن الأصغر ، فالآيات المحكمة أيضاً تحسب مرجعاً للآيات المتشابهة.

الآيات المتشابهة للتدبّر والتفكّر ، ولكن لا بدّ من الاستعانة بالآيات المحكمة لكي نتدبّر فيها.وبدون الاستعانة بالآيات الأم ، فإنّ ما يُستنتج من الآيات المتشابهة غير صحيح وليس له اعتباره.

هل يمكن معرفة القرآن

إنّ أوّل سؤال يطرح نفسه لدى التحقيق في موضوعات القرآن هو :

- هل يمكن - أصلاً - معرفة القرآن ؟

- وهل هناك إمكانيّة التحقيق في القرآن ؟

- وهل يمكن التفكّر والتدبّر في مواضيع ومسائل القرآن ؟ أَمْ أَنّ هذا الكتاب لم

٢٦

يُعرض أساساً للمعرفة ؟ بل فقط للتلاوة ، والقراءة ، والتبرّك ، والتيمّن ، وأخذ الثواب ؟

يمكن أنْ يخطر على البال أنّ هذا السؤال ليس له وجه ؛ لأنّه لا يشكّ أحد أنّ القرآن كتاب للمعرفة ، ولكن لظهور قضايا خاطئة في مسألة معرفة القرآن بعلل مختلفة في العالم الإسلامي ، وكان لها تأثير فعّال في انحطاط وتدهور المسلمين ولا زالت - مع الأسف - جذور تلك الأفكار المنحطّة الخطرة موجودة في مجتمعاتنا ، لذلك يلزمنا أنْ نوضّح قليلاً هذا الموضوع :

ظهر بين علماء الشيعة قبل ثلاثة أو أربعة قرون أشخاص يعتقدون بعدم حجِّيَّة القرآن ، ولم يعترفوا في ثلاثة من المصادر الأربعة للفقه ، والتي ارتضى بها علماء المسلمين ، بمثابة معايير لمعرفة المسائل الإسلاميّة ، وهي القرآن والسنّة والعقل والإجماع.

كانوا يدعون : إنّ الإجماع من بنات علماء المذاهب الأخرى ولا يمكن اتّباعه ، والعقل لا يجوز الاعتماد عليه لكثرة أخطائه ، وأمّا بالنسبة للقرآن فكانوا

٢٧

يعتقدون بأنّه أكبر من أنّ نستطيع نحن البشر أنْ نطالعه ونتأمّل فيه ولا يحقّ إلاّ للنبي والأئمّة من التعمّق في آيات القرآن ونحن لا يحقّ لنا غير تلاوة الآيات ، وهؤلاء هم الإخباريّون.

الأخباريّون لا يجوّزون إلاّ مراجعة الأخبار والأحاديث. ربّما تعجّبْتم إذا علمتم أنّ بعض التفاسير التي كُتبت من قِبل هؤلاء ، إذا رأوا حديثاً في ذيل آية ذكروها ، وإنْ لم يجدوا حديثاً امتنعوا حتّى من ذكر الآية ، وكأنّ تلك الآية ليست في القرآن.

هذا العمل كان نوعاً من الظلم والعدوان تجاه القرآن.وطبيعي أنّ مجتمعاً يطّرد بهذا الشكل كتابه السماوي - وأيّ كتاب كالقرآن - ، ويسلمه بيد النسيان، لا يمكن أنْ يتحرّك أبداً في مسير القرآن.

وكان هناك فِرَق أخرى غير الأخباريّين يمتنّعون من وضع القرآن في متناول أيدي العامّة ( من الناس ) ، نستطيع أنْ نذكر من هذه الفِرَق : الأشاعرة الذين كانوا يعتقدون بأنّ معرفة القرآن لا تعني التدبّر في آيات القرآن ،

٢٨

بل معناها فهم المعاني اللفظيّة للآيات ، أي إنّ ما عرفناه من ظاهر الآيات نقبلها ولا يهمّنا من واقعها شيئاً.

وطبيعي أنّ هذا الأسلوب من المعاملة مع القرآن سريعاً ما يدعو إلى الضلال والانحراف ؛ لأنّه لا مفرّ من توضيح معاني الآيات ، ولكن لأنّهم عطّلوا العقل ، فلا بدّ أنْ يحصلوا على نتائج ساذجة من القرآن.

وبدليل هذا النوع من التفكير ، انحرفوا عن طريق الإدراك الصحيح ، واعتقدوا اعتقادات باطلة من قبيل التجسّم ، أي إنّ الله جسم ، مئات من العقائد الانحرافيّة الأخرى مثل قولهم بإمكانيّة رؤية الله بالعين والتحدّث مع الله بواسطة اللسان العضوي و.....

وفي مقابل الفِرق التي تركت القرآن من الأساس ، ظهرتْ فرقة أخرى جعلوا القرآن وسيلة للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم الشخصيّة.وكلّما كانت تقتضي مصالحهم قاموا بتأويل القرآن ونسبوا إليه أموراً لا ترتبط أساساً بروح القرآن ، وعند مواجهتهم أيّ اعتراض كانوا يجيبون أنّهم دون غيرهم يعرفون بواطن الآيات ، وأنّ

٢٩

المعاني المستخرجة حصلوا عليها من معرفة بواطن الآيات.

وإنّ أبطال هذه الحركة في تاريخ الإسلام فرقتان :

أولاها الإسماعيليّة : ويُقال لهم الباطنيّة.

وثانيتها المتصوفة الإسماعيليّة : يسكنون الهند ويسكن بعضهم في إيران.وقد نجحوا في استلام الحكم، وهي الحكومة الفاطميّة في مصر.

يُعرف الإسماعيليّون بأنّهم من الشيعة ، ويعتقدون بستّة من الأئمّة ، ولكن أجمع علماء الشيعة الاثنا عشريّة أنّ هؤلاء بعيدون عن التشيّع كل البُعد ، حتّى أهل السنّة الذين لا يعتقدون بأئمّة الشيعة كما تعتقد الشيعة ، أقرب إلى التشيّع من هؤلاء الشيعة المعتقدين بستّة من الأئمّة ( اشترك جماعة - بالنيابة عن الإسماعيليّين - في مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة الذي تأسّس قبل ٣٥ سنة تقريباً، واجتمعتْ فيه جميع الفِرق الإسلامية ، وهناك اتّفق علماء الشيعة والسنّة أنّ الإسماعيليّين ليسوا من الفِرق الإسلاميّة ، ولم يسمحوا لهم بالاشتراك في ذلك المجمع ).

٣٠

ارتكب الإسماعيليّون بواسطة اعتقادهم بالباطنيّة خيانات كثيرة في تاريخ الإسلام ، وكان لهم دور كبير في إيجاد الانحراف في الأمور الإسلاميّة.

وإذا انصرفنا عن الإسماعيليّة ، فهناك المتصوّفة الذين لهم دور كبير في مسألة تحريف الآيات وتأويلها طبقاً لعقائدهم الشخصيّة ، أذكر هنا مثالاً واحداً لتفاسيرهم ، حتّى تتّضح طريقتهم في التحريف ، ولْيقرأ القارئ حديثاً مفصّلاً من هذا المجمل.

عندما ورد ذكر إبراهيمعليه‌السلام وابنه إسماعيلعليه‌السلام في القرآن ، يحكي القرآن أنّ إبراهيم كان يُؤمَر في المنام - عدّة مرّات - بذبح ابنه في سبيل الله.يتعجّب إبراهيم في البداية من هذا الأمر ، ولكن بعد تكرّر الرؤيا يتيقّن ويسلّم أمره إلى الله ، ثمّ يُخبر ابنه عن هذا الموضوع ، ويَقبل ابنه بكلّ إخلاص ويستسلم لحكم الله ، قال تعالى :

( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( س-ورة الصافات : الآية : ١٠٢ ) ، والغرض هو إظهار التسليم والرضا بقضاء الله.

٣١

ولذلك فعندما يستعدّ الأب والابن بكلّ إخلاص لتنفيذ أمر الله تبارك وتعالى ، يتوقّف تنفيذ الحكم بإذن الله.

وفي تفسير هذه الحادثة يقول المتصوّفة : إنّ المقصود من إبراهيم هو العقل ، والمقصود من إسماعيل هو النفس ، والعقل - هنا - كان يريد أنْ يذبح النفس !!

وواضح أنّ هذا النوع من التفسير لا يكون لعباً بالقرآن ، وإظهار نوع من المعرفة الانحرافيّة.وبالنسبة لهذه التفاسير المنحرفة والمبتنية على الأميال والأهواء النفسيّة والحزبيّة ، يقول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار ).

وهذا النوع من التفسير (المتقدّم) يعتبر اتّخاذ القرآن لعباً ، وأنّه خيانة كبرى.

( لقد كثرت في عصرنا الحاضر - وللأسف - التفاسير الانحرافيّة والالتقاطيّة ، وقد أخذتْ الأفكار الإلحاديّة صبغة إسلاميّة أحياناً.وقد بدأ أستاذنا الشهيد حركة واسعة النطاق لمواجهة مثل هذه الحركات الانحرافيّة، وناضل بفكره ويراعه ما استطاع ، حتّى أنّه استشهد في هذا السبيل ).

اتّخذ القرآن أسلوباً وسطاً في مقابل الجمود والتفكّر

٣٢

الجاف للأخباريّين ونظرائهم ، وكذلك في مقابل الانحرافات والتفاسير الخاطئة للباطنيّة وغيرهم ، وهذا الأسلوب ( الوسط ) عبارة عن التأمّل والتدبّر المنصف والبعيد عن الأغراض والأهواء.

القرآن يدعو المؤمنين ، بل وحتّى المخالفين بالتفكير في آياته ، ويدعوهم بأنْ يتأمّلوا في آياته بدلاً عن صدّها وإنكارها.

يقول في خطاب مع المخالفين :( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ( سورة محمّد : آية : ٢٤ ).

يقول في آية أخرى :( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) (سورة ص : آية : ٢٩ ).أنه كتاب مبارك مثمر أرسلناه إليك ، لماذا ؟ لم نرسله ليقبلوه ويضعوه فوق الرفوف ، بل أرسلناه ليفكّروا ويتدبّروا في آياته.

هذه الآيات وعشرات الآيات الأخرى التي تؤكّد على تدبّر القرآن ، تجوّز وتؤيّد تفسير القرآن ‎ ، ولكنْ ليس

٣٣

تفسيراً على الهوى والميل النفسي ، بل على أساس الصدق والإنصاف ، بعيداً عن الأغراض الشخصيّة.عندما تتأمّل في القرآن بإنصاف وبدون غرض ‎ ، فلا ضرورة لنا في إمكانيّة معرفة كلّ مسائلة.

القرآن من هذه الجهة يشبه الطبيعة.فكم من أسرار في الطبيعة لم تنكشف بعد ، وليس هناك أمل في اكتشافها في الأوضاع الحاليّة ، ولكنّها سوف تُكشف في المستقبل.

وإضافة على ذلك ، بالنسبة إلى معرفة طبيعة الإنسان ، لا بدّ من مطابقة التفكّر مع الطبيعة كيفما كانت.

القرآن أيضاً كتاب مثل الطبيعة لم ينزل لزمن واحد ، وإذا كان غير ذلك فقد كانوا يكتشفون غوامضها جميعاً في الماضي ، وكان هذا الكتاب السماوي يفقد جاذبيّته وطراوته وتأثيره.

إنّ الاستعداد للتدبّر والتفكّر وكشف غوامض القرآن موجود دائماً ، وهذه نقطة وضّحها النبي والأئمّة

٣٤

عليهم‌السلام ، في حديث منقول عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه - ما معناه - :مَثَل القرآن مثل الشمس والقمر ، يتحرّك مثلهما باستمرار ، أي إنّه ليس ثابتاً ولا يبقى في مكان واحد ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : ( القرآن ظاهرة أنيق وباطنه عميق ) ( هذه الجملة جاءتْ ضمن حديث طويل للرسول الأعظم - ص - في فضل القرآن ، الكافي : ج٤ ، ص ٣٩٩ ).

في عيون أخبار الرضا ، نُقل من قول الإمام الرضاعليه‌السلام ، أنّه سُئل الإمام الصادقعليه‌السلام : ما هو السرّ في بقاء القرآن على طراوته كلّما يُتلى أكثر ، وكلّما يمضي عليه الزمان زمناً أطول ؟

فأجاب الإمام : ( لأنّ الله لم ينزلْه لزمان دون زمان ، ولا لناسٍ دون ناس ).

لقد أوجده الله ليسبق الأفكار والأزمنة في أيّ زمان ، مع وجود الاختلافات الكثيرة في المعلومات وأنواع التفكّر ومدى اتّساع الفكر ، مع أنّه يحوي مجهولات لقُرّائه في كلّ زمان ، ولكنّه يعرض مقداراً كبيراً من المعاني والمفاهيم القابلة للإدراك ، بحيث يُشبع حاجة الزمان.

٣٥

الفصل الثاني

* المعرفة التحليليّة للقرآن.

* كيف يعرّف القرآن نفسه ؟

* التعرّف على لغة القرآن.

* المخاطَبون في القرآن.

٣٦

المعرفة التحليليّة للقرآن

في هذا الفصل نريد البحث في مضامين القرآن ، وفي الحقيقة لو أردنا التعرّض لمواضيع القرآن واحداً واحداً لكلّفنا أطناناً من الورق.لذلك نعرض الكلّيّات في البداية ثمّ نذكر بعض الجزئيّات.

لقد بحث القرآن مسائل كثيرة ، وتعرّض لبعضها بشيء من التفصيل ، وبحث البعض الآخر بحثاً بإيجاز.

ومن المسائل التي وردتْ في القرآن : مسألة العالَم وخالق العالَم.

* يجب أنْ نلاحظ تعريف القرآن لذات الله :

هل أنّه تعريف فلسفي أو عرفاني ؟

هل جاء هذا التعريف كما ورد في سائر الكتب الدينيّة مثل التوراة والإنجيل ، أو أنّه يشبه ما في المبادئ الهنديّة ؟

أو أنّ للقرآن أساساً ، أسلوب خاص وطريقة مستقلّة في معرفة الله ؟

٣٧

* الموضوع الآخر والمعروض في القرآن هو موضوع العالَم.يجب أنْ نلاحظ نظرة القرآن حول العالم :

هل يرى العالَم والخِلْقَة عبثاً ولعباً ، أو أنّه يرى العالم طبق نظام صحيح ؟

هل يرى العالَم على أساس مجموعة من السنن والقواعد ، أو يحسبه عبثاً ودون قواعد ، وكأنّه لا يوجب أي شيء شرطاً لشيء آخر ؟

* ومن المسائل العامّة الواردة في القرآن ، مسألة الإنسان ، يجب علينا أنْ نحلّل رأي القرآن بالنسبة للإنسان :

هل يتحدّث القرآن عن الإنسان مع حسن نيّة ، أو أنّ له نظرة سيّئة تجاه الإنسان ؟

هل يحقّر الإنسان ، أو يعتبر أنّ له عِزّة وكرامة ؟

* المسألة الأخرى هي مسألة المجتمع البشري :

هل يرى القرآن للمجتمع الإنساني أصالة وشخصيّة ، أو أنّه يعد للفرد أصالة فقط ؟

هل للمجتمع في نظر القرآن حياة وموت وارتقاء وانحطاط ، أو أنّ هذه الصفات تعتبر صادقة بالنسبة للفرد فقط ؟

* وبهذه المناسبة ، يأتي الحديث عن التأريخ :

فما هو رأي القرآن بالنسبة إلى التاريخ ؟

وما هي القوى

٣٨

المحرّكة للتأريخ ؟

وإلى أيّ حد يؤثّر الفرد في إيجاد التاريخ ؟

* وهناك مواضيع كثيرة جدّاً وردتْ في القرآن ، نُشير إلى بعض منها بإيجاز ، من ضمن هذه المواضيع :

نظرة القرآن حول نفسه.

ثمّ موضوع النبي في القرآن ، وأنّ القرآن كيف يعرّف النبي ، وكيف يتحدّث معه و....

الموضوع الآخر هو : وصف المؤمنين في القرآن وصفات المؤمنين وغير ذلك.

* وبالطبع ، فإنّ لكلّ هذه البحوث الكلّيِّة شعب وفروع ( مختلفة ) ، فمثلاً :

عندما نبحث حول الإنسان ، لا بدّ أنْ نبحث عن أخلاقه أيضاً.

وعندما نبحث عن المجتمع ، فيلزمنا التحدّث عن روابط الأفراد فيه.

وموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وموضوع الفوارق الاجتماعيّة.

كيف يعرّف القرآن نفسه ؟

عندما نبحث عمّا يشتمل عليه القرآن ، من الأحسن أنْ نرى رأي القرآن عن نفسه وكيف يعرّف نفسه ؟

* إنّ أوّل

٣٩

* نقطة يُصرّح بها القرآن - لدى التعريف عن نفسه - :

أنّ هذه الكلمات والجُمَل هي كلام الله ، ويُصرّح القرآن أنّه ليس من تعبير وإنشاء النبي ، بل إنّ النبي يبيّن - بإذن من الله - ما يُلقى عليه بواسطة روح القدس جبرائيل.

* والتوضيح الآخر الذي يعرضه القرآن في تعريف نفسه :

هو توضيح رسالته التي هي عبارة عن هداية أبناء البشر ، وإرشادهم للخروج من الظلمات إلى النور ،( ... كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ... ) ( سورة إبراهيم : آية : ١ ).

ولا شكّ أنّ الجهل والمجهولات من مصاديق هذه الظلمات ، وأنّ القرآن يُخرج البشر من هذه الظلمات ، ويدخلهم إلى أنوار العلم.

ولكن إذا كانت هذه الظلمات تنحصر في المجهولات ، فكان الفلاسفة أيضاً يتمكّنون من إجراء هذه المهمّة ، إلاّ أنّ هناك ظلمات أخرى أخطر كثيراً من ظلمات الجهل ، ولا يتمكّن العلم من مقاومتها.

٤٠

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(1) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(3) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209.

2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك.

3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

1 ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(1) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر.

2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص 179. وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7.

٤٢

الخ(1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(2) .

2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 / 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30.

2 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

3 ـ البحار ج 43 ص 363.

٤٣

السلام(1) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(2) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(3) .

3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(5) .

__________________

1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164.

3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.

4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 / 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.

5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 / 218.

٤٤

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(1) .

6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(2) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(3) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

1 ـ أمالي الصدوق ص 158.

2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.

3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(1) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(2) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(3)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(4) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(5) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.

3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى.

4 ـ أمالي الصدوق ص 140.

5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 / 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(1) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(2) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(3) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

1 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 / 451.

2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390.

4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772.

٤٧

من يحبهما(1) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(2) .

2 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد(3) .

4 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(4) .

5 ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(5) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم.

2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1.

3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي

5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129(1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى(3) .

__________________

= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 / 172.

1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.

2 ـ الاموال ص 289 /280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33.

3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(1) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(2) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

1 ـ الأموال هامش ص 280.

2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .

2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(2) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه.

2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 / 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(1) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس.

2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(1) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(2)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

1 ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(3) .

2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(4) .

__________________

1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.

2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 / 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

3 ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(1) .

4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(2) .

5 ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(3) .

6 ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(4) .

7 ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(5) .

8 ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(6) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

1 ـ العقد الفريد ج 4 ص 474 / 475.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 278.

4 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 249.

5 ـ راجع : تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

6 ـ إثبات الوصية ص 152.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(1) فلتراجع.

9 ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(2) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

10 ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(3) .

11 ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(4) .

12 ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(5) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(6) .

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 10 ص 89 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143 ، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج 1 ص 297 ـ 300 ،

2 ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

3 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

4 ـ مروج الذهب ج 2 ص 413.

5 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 140.

6 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.

٥٦

13 ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(1) .

14 ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(2) .

15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(3) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

1 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 139.

2 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

3 راجع : الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93