تجلي القرآن في نهج البلاغة

تجلي القرآن في نهج البلاغة42%

تجلي القرآن في نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 130

تجلي القرآن في نهج البلاغة
  • البداية
  • السابق
  • 130 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70111 / تحميل: 8285
الحجم الحجم الحجم
تجلي القرآن في نهج البلاغة

تجلي القرآن في نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

تجلّي القرآن في نهج البلاغة

آية الله محمد تقي مصباح اليزدي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٣

مصباح اليزدي، محمّد تقي، ١٩٣٤

تجلّي القرآن في نهج البلاغة / محمّد تقي مصباح اليزدي، المترجم : ماجد الخاقاني

قم : مركز إصدارات الإمام الخمينيرحمه‌الله للتعليم والبحث، ٢٦٧، علوم القرآن، ١٧

عربي

عناوين الكتب بشكل معلومات في أسفل الصفحة.

١ - علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الإمام الأوّل، ٢٣ قبل الهجرة، ٤٠ ق، نهج البلاغة - نقد وتفسير، ٢ - علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الإمام الأوّل، ٢٣ قبل الهجرة.

٤٠ ق - نهج البلاغة - الأبعاد القرآنية.إلف.الخاقاني ماجد، المترجم.ب.مركز إصدارات مؤسسة الإمام الخمينيرحمه‌الله للتعليم والبحث.ج.العنوان.

٤٠٤٣ ق ٥٥ م ٠٨ / ٣٨

المكتبة الوطنية الإيرانية

٤

* تجلّي القرآن في نهج البلاغة

* المؤلّف : آية الله محمّد تقي مصباح اليزدي

* المترجم : ماجد الخاقاني

* الناشر : مركز إصدارات مؤسسة الإمام الخمينيرحمه‌الله للتعليم والبحث، بيت الكاتب

* المطبعة : الارمغان البصير

* الطبعة وتاريخ النشر : الأُولى، ١٤٢٦ ه-

* عدد النسخ : ٢٠٠٠

٥

الفهرست

المقدمة - ٩

الفصل الأَوّل : منزلة القرآن في المجتمع الديني

القرآن الكتاب السماوي الوحيد بين يدي الإنسان - ١٥

حديث القرآن - ١٦

النبي وبيان القرآن - ١٨

تذكير بأمرين - ٢٠

دور القرآن في الحياة - ٢١

القرآن دليل الخطوط العامة - ٢٢

نموذج من الخطوط العامة في القرآن - ٢٣

تجلّي العطاء الإلهي في قيام الحكومة الإسلامية - ٢٥

علاج المشكلات الاجتماعية في ظل اتّباع القرآن - ٢٦

تنظيم الشؤون الاجتماعية في ضوء توجيهات القرآن - ٢٧

دور الهدف في الحياة الاجتماعية - ٢٨

الغنى في ظل اتّباع القرآن - ٣٢

القرآن دواء لأعظم الأدواء - ٣٤

الحكمة من بعض الابتلاءات - ٣٧

التكريم الظاهري والحقيقي للقرآن الكريم - ٤٢

القرآن نور حقيقي - ٤٤

مصابيح القرآن وأنواره - ٤٦

٦

فلاح اتّباع القرآن في يوم القيامة - ٤٨

التنبيه والإيقاظ - ٥٠

سرّ النجاح ودور القرآن - ٥١

إبراهيم أسوة التسليم والعبودية في القرآن الكريم - ٥٢

الفصل الثاني : فهم وتفسير القرآن

المشكلة الحقيقية - ٥٧

وصية عليعليه‌السلام في التعاطي مع القرآن - ٥٩

التفسير بالرأي - ٦١

إرشادات عليعليه‌السلام لتجنّب التفسير بالرأي - ٦٣

رؤيتان للقرآن والمعارف الدينية - ٦٤

التعددية الدينية أو إنكار الدين في إطار القراءات المتعددة - ٦٦

ضرورة اكتساب الأهلية لفهم القرآن وتفسيره - ٧٠

المراتب المختلفة لمعاني القرآن وفهم معارفه - ٧١

اختصاص تفسير القرآن-بمعنى تفصيل الأحكام-بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام - ٧٤

فهم علوم أهل البيتعليهم‌السلام مقدمة لفهم وتفسير القرآن - ٧٥

تفسير القرآن بالقرآن - ٧٦

الالتزام بأُصول وقواعد الحوار العقلائي في فهم القرآن - ٧٧

ملائمة فهم المفسّرين لقابلياتهم - ٧٨

وجوب معرفة القرائن الكلامية - ٧٩

وجود الصور الكلامية في القرآن الكريم - ٨٠

الفصل الثالث : القرآن والغزو الثقافي

امتزاج الحق بالباطل - ٨٣

شبهة عدم بلوغ حقيقة الدين - ٨٧

التلقين والتكرار سلاح مهم لدى الشياطين - ٩٠

الاستناد إلى المتشابهات، أسلوب آخر في مواجهة القرآن - ٩١

الحكمة من وجود المتشابهات في القرآن - ٩٢

٧

مزج الحق والباطل، سلاح آخر بيد المنحرفين - ٩٧

القراءات المختلفة، حربة لمجابهة القرآن - ٩٩

دافع وهدف المعارضين للثقافة الدينية من وجهة نظر القرآن - ١٠٠

موقف القرآن إزاء الفتنة في الدين - ١٠٣

١ - الفتنة العسكرية - ١٠٤

٢ - الفتنة الثقافية - ١٠٤

تحذير القرآن من الفتنة الثقافية - ١٠٥

الشرك في ثوب جديد - ١٠٦

نبوءة القرآن بوقوع الفتنة في الدين - ١٠٨

التنبّؤ بالفتن بعد الرسول - ١١٠

١ - الفتنة بالمال - ١١٠

٢ - الفتنة العقائدية - ١١١

٣ - التبريرات الكاذبة، أخطر فتنة - ١١٢

تعتيم الأجواء لتضليل الرأي العام - ١١٤

محرّفو العلوم الدينية من منظار عليعليه‌السلام - ١١٥

تعامل عبيد الدنيا المتظاهرين بالإسلام مع القرآن - ١١٨

تحذير عليعليه‌السلام للناس - ١٢١

دوافع الجهلاء المتظاهرين بالعلم في تحريف علوم الدين في منظار عليعليه‌السلام - ١٢٣

٨

المقدمة

بالرغم من اعتقادنا بأنّ القرآن الكريم أعظم هدية إلهية لبني البشر، وأنفس تراث خلّفه النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين، فإنّ الأمّة الإسلامية ما أبدت ولا تبدي اهتماماً للانتفاع من هذا التراث العظيم.

فبعد وفاة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله عاش المجتمع الإسلامي محروماً من التمسك بهذا الحبل الإلهي المتين، بالرغم من تأكيداتهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكثيرة بوجوب الرجوع إلى القرآن، والعمل به باعتباره الثقل الأكبر، وتعلّم علوم القرآن عن أهل البيتعليهم‌السلام باعتبارهم الثقل الأصغر، وبالنتيجة فقد أُقصي المجتمع الإسلامي عن موقعه الحقيقي الذي بشّر به القرآن بقوله :( وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ ) (١) ، واليوم لا مفرّ من الاعتراف بالحقيقة المرّة من أنّ المجتمع الإسلامي قد تجرّع خسائر لا تُعوّض؛ بسبب ابتعاده عن حقيقة القرآن وعلوم أهل البيتعليهم‌السلام .

ولكن رغم ابتعاد المسلمين عن حقيقة القرآن، وغربة هذه الجوهرة السماوية والهبة الرحمانية، فإنّ الاهتمام بظاهره لاقى رواجاً وازدهاراً جيداً بين الفينة والأخرى في أوساط المسلمين.

إنّ عامة المسلمين يعرفون القرآن كتاباً مقدّساً وسماوياً، نزل على القلب المبارك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة القدر، وهم يكنون له الإجلال، فاليوم احتلت طباعة القرآن الكريم بورق من النوع الممتاز، وتجليدات مذهّبة، وتلاوته وحفظه، والإلمام بالعلوم التي تتناول

____________________

(١) آل عمران : ١٣٩.

٩

ظواهر القرآن من قبيل التجويد وما شابه ذلك، مكانةً متميزةً في ثقافة المسلمين ونشهد بين الحين والآخر إقامة مسابقات حفظ وقراءة القرآن الكريم في البلدان الإسلامية وعلى مستوى دولي، وهذا بحد ذاته موضع استبشار.

ولا يخفى أنّ ازدهار القرآن الكريم في سائر البلدان الإسلامية مدين إلى حدّ كبير للإمام الخمينيرحمه‌الله ، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، فبعد بيان الإمام الخمينيرحمه‌الله حول إدارة الحرمين الشريفين من قِبل مجلس يضم الدول الإسلامية، بادرت السعودية إلى إعمار وتوسيع الحرمين الشريفين، والى جانب ذلك قامت بطبع ونشر المصحف وإهدائه إلى الحجّاج من البلدان الإسلامية؛ للإيحاء من خلال ذلك بأنّها السبّاقة في التبليغ للإسلام والقرآن، ولتحول دون اهتمام الشعوب والبلدان الإسلامية بإيران الإسلام.

على أية حال، إنّ الاهتمام بظاهر القرآن والابتعاد عن حقيقته، من أعظم المشاكل التي ما فتئت الشعوب الإسلامية تتلقى الضربات التي لا يمكن تلافيها بسببها، فمن الواضح أنّ المسلمين ما لم يتجاوزوا ظاهر القرآن إلى باطنه، ولم ينتقلوا من القول إلى العمل لا تتحقق هداية القرآن بحقهم.

إنّ هذا الكتاب ليس بصدد البحث في أسباب ابتعاد المسلمين عن حقيقة القرآن والعترة بعد وفاة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما ورد في هذا الكتاب تجلّيات من حقيقة القرآن في منظار نهج البلاغة، وعلى لسان القرآن الكريم نفسه، فيعرف الباحث القرآن ويتعرف على عظمته من خلال منظار أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما جرى التطرّق لبعض الشبهات التي تثار من قبل بعض المعاندين والرد عليها، وفي الختام تمّ وعلى لسان القرآن الناطق أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بيان الأسباب والدوافع الشيطانية وراء إثارة مثل هذه الشبهات.

جدير بالذكر أنّ موضوعات هذا الكتاب هي في الحقيقة عدة محاضرات ألقاها

١٠

سماحة آية الله مصباح اليزدي في مدينة قم خلال شهري رمضان للعامين ١٣٧٧ و ١٣٧٨ ه-.ش.من هنا فقد تركّز السعي على أن لا تحدث نقيصة أو زيادة أو تغيير في المطالب التي أدلى بها الأستاذ قدر الإمكان، وجرى العمل فقط لتقريب لغة الحديث إلى لغة الكتابة إلى حدّ ما؛ لذلك من الطبيعي أن لا ترى تلك الدقة المتعارف عليها في التحرير والتنقيح بشكل تام ومِئة بالمِئة في هذا الكتاب.

وفي الختام نتقدم بالشكر للمحقّق الجليل سماحة حجة الإسلام محمدي الذي قام بتحرير هذا الكتاب، وكذلك سماحة حجة الإسلام نادري الذي تولّى أمر التنقيح، سائلين البارئ المنّان المزيد من التوفيق.

مركز إصدارات مؤسسة الإمام الخمينيرحمه‌الله للتعليم والبحث

١١

١٢

الفصل الأَوّل

منزلة القرآن في المجتمع الديني

١٣

١٤

القرآن الكتاب السماوي الوحيد بين يدي الإنسان

لو أردنا التطرّق لكل ما جاء حول القرآن في نهج البلاغة فإنّ البحث يطول كثيراً، فلقد تناول الإمام عليعليه‌السلام في أكثر من عشرين خطبة في نهج البلاغة وصف القرآن ومنزلته، وقد يختص أكثر من نصف خطبة أحياناً لبيان منزلة القرآن ودوره في حياة المسلمين، وواجبهم إزاء هذا الكتاب السماوي، ونحن نكتفي هنا بتوضيح بعض توصيفات نهج البلاغة بشأن القرآن الكريم.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في الخطبة ١٣٣ : ( وَكِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لا يَعْيَى لِسَانُهُ )، فالقرآن في متناولكم وأمامكم، وعلى العكس من الكتب السماوية لسائر الأديان من قبيل كتاب النبي موسى والنبي عيسىعليهما‌السلام فإنّ القرآن بين أيديكم، وحري القول إنّ الكتاب المقدس لم يكن في متناول عامة الناس في الأُمم السابقة، لا سيما يهود بني إسرائيل، بل كانت هنالك نسخ معدودات من التوراة موجودة عند علماء اليهود، ولم يكن بمقدور عامة الناس مطالعة التوراة.

وكان الوضع وما زال أكثر مدعاة للقلق فيما يخص كتاب النبي عيسىعليه‌السلام ؛ لأنّ ما يعرف اليوم بالإنجيل في أوساط المسيحيين ليس بذلك الكتاب الذي نزل على النبي عيسى المسيحعليه‌السلام ، بل هي مضامين جُمعت على أيدي أشخاص، وعرفت بالأناجيل الأربعة، وعليه فإنّ الأمم السابقة كانت محرومةً من الوصول إلى الكتب السماوية، لكن الوضع مختلف بشأن القرآن، فلقد كانت كيفية نزول القرآن وقراءته وتعلّمه من قِبل

١٥

النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بنحو كان الناس يستطيعون تعلّمه وحفظ آياته، وأن يكون القرآن في متناولهم بشكل كامل.

من الخصائص المهمة الأخرى لهذا الكتاب السماوي، هي أنّ الله سبحانه وتعالى مَنَّ على الأمّة الإسلامية، وتعهد بنفسه الحفاظ على القرآن الكريم من أي خطر، بالإضافة إلى أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله اهتم بتعليم المسلمين القرآن، وحفظ آيات الله، بحيث أنّ عدداً كبيراً من المسلمين كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حفّاظاً للقرآن، ويحتفظون بنسخ الآيات التي كانت تنزل تواً، ويقومون بحفظها تدريجياً، فكان القرآن يصبح في متناول الجميع عن طريق استنساخ هذه النسخ، أو تناقلها من صدر حافظ إلى صدر حافظ آخر.

يقول عليعليه‌السلام : ( كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ )، أي كتاب الله فيما بينكم وفي متناولكم، ( نَاطِقٌ لا يَعْيَى لِسَانُهُ )، من المناسب التركيز والتأكيد على هذه العبارة؛ إذ يصرّحعليه‌السلام أنّ هذا الكتاب ناطق لا يعتري لسانه التعب، فلا يملّ من الكلام ولا يتلكأ، إنّه بناء لا تهتز أركانه، وظافر لا تُهزم أعوانه.

حديث القرآن

من ناحية يقول الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة واصفاً القرآن : إنّه كتاب ناطق يتكلم ولا يعيى من الكلام، وهو يتحدث ويدلي بكلامه بكل وضوح، ومن ناحية أخرى يقول إنّ القرآن ليس ناطقاً ويجب استنطاقه، وأنا الذي أُبيّن القرآن لكم، وجاء في بعض العبارات أحياناً أنّ القرآن ( صامت ناطق )(١) فما معنى هذا الكلام يا ترى ؟

يبدو أنّ هذه العبارة تبيّن نظرتين مختلفتين لهذا الكتاب السماوي، فرؤية فيها القرآن كتاب مقدّس لكنّه صامت منزوي لا يكلم أحداً ولا لأحد علاقة به، وفي رؤية

___________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧، جدير بالذكر أنّ كافة الهوامش المذكورة في هذا الكتاب عن نهج البلاغة تستند إلى نهج البلاغة لفيض الإسلام.

١٦

أخرى كتاب ناطق يوجّه خطابه لجميع الناس يدعوهم لاتّباعه، ويبشّر أتباعه بالسعادة والفلاح.

من البديهي أنّ القرآن الذي صفته التقدّس فقط، هو كلمات وعبارات وآيات مسطورة على الورق، يوليه المسلمون احتراماً، ويقبّلونه ويضعونه في أفضل مكان من بيوتهم، وقد يتلونه في المجالس أحياناً دون أن يتوجّهوا إلى حقيقته ومعناه، إذا ما نظرنا إلى القرآن بهذه النظرة فهو كتاب صامت لا يتحدث بصوت مسموع، ومَن يمتلك مثل هذه النظرة لن يسمع كلام القرآن، ولن يعالج القرآن الكريم له مشكلة.

بناءً على هذا نحن مكلّفون بالتزام الرؤية الثانية، أي أن نعتبر القرآن كتاب الحياة، ونعدّ أنفسنا لسماع كلام القرآن الكريم، الذي يمثّل بأسره تعاليم الحياة، وذلك من خلال خلق روح التسليم أمام الله سبحانه وتعالى، وفي مثل هذه الحالة يكون القرآن ناطقاً يحدّث الناس ويهديهم في كافة المجالات.

بالإضافة إلى هذا التفسير الذي قدّمناه لصمت القرآن ونطقه، ثَمّة معنى أكثر عمقاً لهذا الأمر، وذلك المعنى هو ما يقصده عليعليه‌السلام ، وعلى أساس هذا المعنى الخاص يقولعليه‌السلام إنّ القرآن صامت ويجب استنطاقه، وأنا الذي أُبيّن لكم القرآن، وها نحن نتطرق لتوضيح صامتية القرآن وناطقيته بالمعنى الثاني، وهو في الحقيقة بيان لمعناه الحقيقي :

بالرغم من أنّ القرآن الكريم كلام الله جلّ وعلا، وأنّ حقيقة هذا الكلام الإلهي وكيفية صدوره ونزوله ليست معروفة لدينا، ولكن بما أنّ الغاية من نزوله هداية الناس، فإنّ هذا الكلام الإلهي قد تنزّل بحيث أصبح على هيئة كلمات وعبارات وآيات، يتسنى قراءتها وسماعها بالنسبة للبشر، ولكن في نفس الوقت ليس الأمر بأن تكون مضامين جميع آياته يسيرة الفهم والمنال بالنسبة للعاديين من الناس، ويصبح بمقدور الناس أنفسهم بلوغ مقاصد الآيات دون تفسير وبيان من قِبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمة

١٧

المعصومينعليهم‌السلام ، والراسخين في العلم، منها على سبيل المثال تفصيل وبيان جزئيات الأحكام الواردة في القرآن، وكذلك هنالك آيات مجملة في القرآن الكريم تحتاج إلى بيان وإيضاح.بناءً على هذا، فالقرآن صامت في الكثير من الأبعاد، أي ليس من السهل الاستفادة منه بالنسبة لعوام الناس دون تفسير وبيان ممّن له ارتباط بالغيب وملمّ بالعلوم الإلهية.

النبي وبيان القرآن

من واجبات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إزاء الأمّة بيان آيات الله، يقول القرآن الكريم مخاطباً النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) أي أنّنا أنزلنا إليك القرآن وواجبك أن تقرأه على الناس، وتبيّن لهم معارفه؛ لأنّه وكما تقدمت الإشارة القرآن كلام الله، ورغم أنّه تنزّل كثيراً حتى ظهر بصورة كلمات وآيات، وأصبح في متناول المسلمين، لكن معارفه من العمق بحيث يتعذر فهمها كثيراً بالنسبة للعاديين من البشر؛ لذلك فإنّ القرآن من هذه الناحية صامت عند البسطاء من الناس، ويحتاج إلى تفسير وبيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام .وعلى هذا الأساس خاطب الله سبحانه نبيه قائلاً :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ ) .

بناءً على هذا أنّ لآيات القرآن تفسيرها الخاص بها، وهذا التفسير وبيانه وعلومه عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، وهم بدورهم قد وضعوا معارف القرآن بين أيدي المسلمين، وأسمعوا الناس بلاغ القرآن.إذن، القرآن بهذا المعنى ناطق، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام قاموا ببيان علوم القرآن، ولكن ينبغي الانتباه إلى أنّ القرآن يدلي بحديثه بمنأى عن ميول مخاطبه، سواء كان مطابقاً لمنى قلب الإنسان أو مخالفاً لهواه، ولا يحق لشياطين الإنس أن يفرضوا رغباتهم على القرآن، ويفسّروا كلام الله بآرائهم تحت

____________________

(١) النحل : ٤٤.

١٨

عنوان فهمهم الخاص عن القرآن، وفي المستقبل سوف نتحدث بالتفصيل بهذا الصدد.

في ضوء كلا المعنيين اللذَينِ جرى بيانهما عن صامتية القرآن وناطقيته يقول عليعليه‌السلام : (ناطقٌ لا يعيى لسانُه )، فالقرآن ناطق لا يكلّ من الحديث، ويُسمع الناس رسالته، ويتم الحجة على المسلمين.

في هذا المقطع من الكلام هكذا يصف عليعليه‌السلام القرآن بأنّه كلام الله بينكم، وبلسان ناطق وبليغ يدعو الناس إلى الفلاح ويبشّر أتباعه بالسعادة، ولا يتعب عن أداء رسالته أبداً.

يقولعليه‌السلام في الخطبة ١٥٧ واصفاً القرآن الكريم : ( ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ، أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ)، فهذا القرآن فاطلبوه ليُحدّثكم، وهو لن يتحدث دون بيان وتفسير من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام المعصومعليه‌السلام ، فيجب أن تتعرفوا على معارف القرآن عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام المعصومعليه‌السلام ، وتأخذوا علوم القرآن منهم.

إنّ القرآن بحر المعارف والعلوم الإلهية، ولا يقوى على سير أغوار هذا البحر اللجّيّ المترامي الأطراف، واقتناص جواهره التي تصنع الإنسان، إلاّ الذين هم على ارتباط بغيب عالم الوجود، وقد دعا الله عزّ وجلّ الناس لشق طريقهم نحو معارف القرآن السامية، مستعينين بألطاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة الهدىعليهم‌السلام ، ومستلهمين من علوم أهل البيت وإمداداتهم وإرشاداتهم؛ لأنّ علوم القرآن عند أهل البيت، وبالتالي فإنّ كلامهم كلام القرآن، وبما أنّ الأمر كذلك فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيتعليهم‌السلام هم القرآن الناطق.

على هذا الأساس الآنف الذكر يقولعليه‌السلام : ( ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق )، هذا القرآن وهؤلاء أنتم، فانظروا أنّكم عاجزون عن الانتفاع بالقرآن دون بيان من الإمام المعصومعليه‌السلام ! فالإمام المعصوم هو الذي يتعيّن أن يفسّر القرآن ويبيّنه لكم، ويطلعكم على معارف القرآن وعلومه.

١٩

بإيراده لهذه المقدمة يُلفتعليه‌السلام الانتباه إلى القرآن من زاوية أخرى، ويدعو الناس إلى الرجوع إلى القرآن والتدبر به إذ يقولعليه‌السلام : الآن حيث الإمام المعصوم هو الذي يجب أن يبيّن للمسلمين علوم ومعارف القرآن، والقرآن بنفسه لا يتحدث والناس عاجزون عن تلقّي البلاغات الإلهية مباشرة، فأنا الآن : أخبركم عنه، أنا أخبركم عن القرآن وأطلعكم على علومه ومعارفه، فاعلموا أنّ في القرآن الكريم كل ما تحتاجونه : ( أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ )، فعلم الماضي والمستقبل في القرآن، وعلاج آلامكم وتنظيم أموركم في القرآن، وأنتم الذين يجب أن تتولوا تنظيم أموركم، مستعينين بالقرآن الكريم، وبعلوم أهل البيتعليهم‌السلام .

تذكير بأمرين

١ - القرآن أهم وثيقة تاريخية بالنسبة للمسلمين وأتباع هذا الكتاب السماوي؛ نظراً لأنّ القرآن يتحدث عن الوقائع التاريخية، ويبيّن أفكار وعقائد الأقوام والأمم السالفة ونمط حياتهم، فهو أغنى وثيقة تاريخية، وإذا ما قورن بالكتب والمصادر التاريخية التي تفتقد السند القرآني، فهي ليست تضاهي القرآن بقيمتها واعتبارها وإن رويت بصورة متواترة، إذن ينبغي الاستماع إلى أخبار الماضين وقصص الأنبياء والأقوام السالفة، والاتعاظ بها عن طريق القرآن.

علينا نحن من خلال الرجوع إلى القرآن، واستقراء قصص الأقوام والأمم السابقة، استلهام العبر منها وأن ننظّم حياتنا على أساس الحق والمنهج الصحيح.

٢ - إنّ القرآن الكريم بالإضافة إلى نقله تاريخ الماضين إلينا، ومن خلال بيانه للوقائع التي جرت عليهم، يضعنا في أجواء حياتهم، ويدعونا لأن نستلهم العبر والدروس، فهو يخبرنا عن المستقبل أيضاً، فمن البديهي أنّ الحديث العلمي واليقيني عن المستقبل ليس شأن أحد غير الله سبحانه وتعالى، والذين يمتلكون العلم بالمستقبل بإذنه جلّ وعلا.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قيل : قد مضى مِن هذا الزمان(١٢٥) ما فيه كفاية.

وإذا كنّا نقطع على وجود الإمام في الزمان ومراعاته لأُمورنا ، فحاله عندنا منقسمة إلى أمرين ، لا ثالث لهما :

أمّا أن يكون معنا في بلد واحد ، فيراعي أُمورَنا بنفسه ، ولا يحتاج إلى غيره.

أو بعيداً عنّا ، فليس يجوز ـ مع حكمته ـ أن يبعد إلاّ بعد أن يستخلف مَنْ يقوم مقامه ، كما يجب أن يفعل لو كان ظاهر العين متميّز الشخص.

وهذه غاية لا شبهة بعدها.

[ الفرق بين الغَيْبة والظهور

في الانتفاع بوجود الإمام ]

فإن قيل : هذا تصريح منكم فأنّ ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه ونَيل المصالح من جهته ، وفي ذلك ما تعلمون !(١٢٦) .

قلنا : إنّا لا نقول : إنّ ظهوره في المرافق ـ به ـ والمنافع كاستتاره ، وكيف نقول ذلك وفي ظهوره وانبساط يده وقوّة سلطانه ، انتفاع الوليّ والعدوّ ، والمحّب والمبغض ؟! وليس ينتفع به في حال الغَيْبة ـ الانتفاع الذي

__________________

(١٢٥) كلمة « الزمان » ليس في « أ ».

(١٢٦) يعني أنّ هذا يقتضي أن لا يكون هناك فرق بين حالتي الغَيْبة والظهور ، في أداء الإمام دوره الإلهيّ ، وهو ظاهر التهافت لوضوح الفرق بين الأمرين ، مع أنّ هذا يؤدّي إلى بطلان جميع ما تحدّثتم به عن الغَيْبة وعللها ومصالحها وغير ذلك.

٨١

أشرنا إليه ـ إلاّ وليّه دون عدوّه.

وفي ظهوره وانبساطه ـ أيضاً ـ منافع جمّة لأوليائه وغيرهم ؛ لأنّه يحمي بيضتهم ، ويسدّ ثغورهم ، ويؤمن سبلهم ، فيتمكّنون من التجارات والمكاسب والمغانم ، ويمنع من ظلم غيرهم لهم ، فتتوفّر أموالهم ، وتدرّ معايشهم ، وتتضاعف مكاسبهم.

غير إنّ هذه منافع دنياويّة لا يجب ـ إذا فاتت بالغَيْبة ـ أن يسقط التكليف معها ؛ والمنافع الدينية الواجبة في كلّ حال بالإمامة قد بيّنّا أنّها ثابتة مع الغَيْبة ، فلا يجب سقوط التكليف لها.

ولو قلنا ـ وإنْ كان ذلك ليس بواجب ـ : أنّ انتفاعهم به على سبيل اللطف في فعل الواجب ، والامتناع من القبيح ـ وقد بيّنّا ثبوته في حال الغَيْبة ـ يكون أقوى في حال الظهور للكلّ وانبساط اليد في الجميع ، لجازَ :

لأنّ اعتراض ما يفّوت قوّة للطف ـ مع ثبوت أصله ـ لا يمنع من الانتفاع به على الوجه الذي هو لطف فيه ، ولا يوجب سقوط التكليف.

[ هل يقوم شيء مقام الإِمام في أداء دوره ]

فإن قيل : ألا جوَّزتم أن يكون أولياؤه غير منتفعين به في حال الغَيْبة ، إلاّ أنّ الله تعالى يفعل لهم من اللطف في هذه الأحوال ما يقوم في تكليفهم مقام الانتفاع بالإِمام ؟! كما قاله جماعة من الشيوخ في إقامة الحدود إذا فاتت ، فإنّ الله تعالى يفعل ما يقوم مقامها في التكليف.

قلنا : قد بيّنّا أنّ أولياء الإمام ينتفعون به في أحوال الغَيْبة على وجه

٨٢

لا مجال للريب عليه ، وبهذا القدر يسقط السؤال.

ثمّ يبطل من وجه آخر ، وهو : أنّ تدبير الإمام وتصرّفه واللطف لرعيّته به ، ممّا لا يقوم ـ عندنا ـ شيء من الأُمور مقامه. ولولا أنّ الأمر على ذلك لَما وجبت الإِمامة على كلّ حال ، وفي كلّ مكلّف ، ولكان تجويزنا قيام غيرها مقامها في اللطف يمنع من القطع على وجوبها في كلّ الأزمان.

وهذا السؤال طعن في وجوب الإمامة ، فكيف نتقبّله ونُسأل عنه في علّة الغَيْبة ؟!

وليس كذلك الحدود؛ لأنّها إذا كانت لطفاً ، ولم يمنع دليلٌ عقليّ ولا سمعيّ من جواز نظيرٍ لها وقائمٍ في اللطف مقامها ، جاز أن يقال : أنّ الله تعالى يفعل عند فوتها ما يقوم مقامها ، وهذا على ما بيّنّاه لا يتأتّي في الإِمامة.

[ كيف يعلم الإمام بوقت ظهوره ]

فإن قيل : إذا علّقتم ظهور الإِمام بزوال خوفه من أعدائه ، وأمنه من جهتهم :

فكيف يعلم ذلك ؟

وأيّ طريق له إليه ؟

وما يضمره أعداؤه أو يظهرونه ـ وهم في الشرق والغرب والبّر والبحر ـ لا سبيل له إلى معرفته على التحديد والتفصيل !

قلنا : أمّا الإماميّة فعندهم : أنّ آباء الإمام عليه وعليهم‌السلام

٨٣

عهدوا إليه وأنذروه وأطلعوه على ما عرفوه من توقيف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١٢٧) على زمان الغَيْبة وكيفيّتها ، وطولها وقصرها ، وعلاماتها وأماراتها ، ووقت الظهور ، والدلائل على ( تيسيره وتسهيله )(١٢٨) .

وعلى هذا لا سؤال علينا ؛ لأنّ زمان الظهور إذا كان منصوصاً على صفته ، والوقت الذي يجب أن يكون فيه ، فلا حاجة إلى العلم بالسرائر والضمائر.

وغير ممتنع ـ مضافاً إلى ما ذكرناه ـ أن يكون هذا الباب موقوفاً على غلبة الظنّ وقوّة الأمارات وتظاهر الدلالات.

وإذا كان ظهور الإمام إنّما هو بأحد أُمور : إمّا بكثرة أعوانه وأنصاره ، أوقوّتهم ونجدتهم ، أو قلّة أعدائه ، أو ضعفهم وجورهم ؛ وهذه أُمور عليها أمارات يعرفها من نظر فيها وراعاها ، وقربت مخالطته لها ، فإذا أحسَّ الإمامعليه‌السلام بما ذكرناه ـ إمّا مجتمعاً أو متفرِّقاً ـ وغلب في ظنّه السلامة ، وقويَ عنده بلوغ الغرض والظفر بالأرب ، تعيّن عليه فرض الظهور ، كما يتعيّن على أحدنا فرض الإِقدام والإِحجام عند الأمارات المؤمّنة والمخيفة.

[ هل يعتمد الإِمام على الظنّ

في أسباب ظهوره ]

فإن قيل : إذا كان مَنْ غلب عنده ظنّ السلامة ، يجوِّز خلافها ، ولا يأمن أن يحقّق ظنّه ، فكيف يعمل إمام الزمان ومهديّ الأُمّة على الظنّ في

__________________

(١٢٧) في « أ » :عليه‌السلام .

(١٢٨) في « ج » : تيّسره وتسهّله.

٨٤

الظهور ورفع التقيّة وهو مجوِّز أن يُقتل ويُمنع ؟!

قلنا : أمّا غلبة الظنّ فتقوم مقام العلم في تصرّفنا وكثير من أحوالنا الدينية والدنياوية من غير علم بما تؤول إليه العواقب ، غير إنّ الإمام خَطْبُه يخالف خَطْب غيره في هذا الباب ، فلا بُدّ فيه مِن أن يكون قاطعاً على النصر والظفر.

[ الجواب على مسلك المخالفين ]

وإذا سلكنا في هذه المسألة الطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرناهما ، كان لنا أن نقول : إنّ الله تعالى قد أعلم إمامَ الزمان ـ من جهة وسائط علمه ، وهم آباؤه وجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّه متى غلب في ظنّه الظفر وظهرت له أمارات السلامة ، فظهوره واجبٌ ولا خوف عليه من أحد ، فيكون الظنّ ها هنا طريقاً إلى(١٢٩) العلم ، وباباً إلى القطع.

وهذا كما يقوله أصحاب القياس إذا قال لهم نافوه في الشريعة ومبطلوه : كيف يجوز أن يُقْدِمَ ـ مَنْ يظنّ أنّ الفرع مشبه للأصل في الإباحة ، ومشارك له في علّتها ـ على الفعل ، وهو يجوِّز أن يكون الأمر بخلاف ظنّه ؟ لأنّ الظنّ لا قطع معه ، والتجويز ـ بخلاف ما تناوله ـ ثابتٌ ، أوليس هذا موجباً أن يكون المكلّف مُقْدِماً على ما لا يأمن كونه قبيحاً ؟! والإقدام على ما لا يؤمن قبحه كالإقدام على ما يعلم قبحه.

لأنّهم يقولون : تَعبد الحكيمِ سبحانه بالقياس يمنع من هذا

__________________

(١٢٩) في « م » : من.

٨٥

التجويز ؛ لأنّ الله تعالى إذا تَعبد بالقياس فكأنّه عزّوجلّ قال : « مَنْ غلب على ظنّه بأمارات ، فظهر له في فرع أنّه يشبه أصلاً محلّلاً فيعمل على ظنّه ، فذلك فرضه والمشروع له » فقد أمن بهذا الدليل ومن هذه الجهة الإقدام على القبيح ، وصار ظنّه ـ أنّ الفرع يشبه الأصل في الحكم المخصوص ـ طريقاً إلى العلم بحاله وصفته في حقّه وفيما يرجع إليه ، وإنْ جاز أن يكون حكم غيره في هذه الحادثة بخلاف حكمه إذا خالفه في غلبة الظنّ.

ومَنْ هذه حجّته وعليها عمدته ، كيف يشتبه عليه ما ذكرناه في غلبة الظنّ للإمام بالسلامة والظفر ؟!

والأَوْلى بالمنصف أن ينظر لخصمه كما ينظر لنفسه ويقنع به من نفسه.

[ كيف يساوى بين حكم الظهور والغَيْبة

مع أنّ مبنى الأول الضرورة ،

ومبنى الثاني النظر ]

فإن قيل : كيف يكون الإمام لطفاً لأوليائه في أحوال غَيْبته(١٣٠) ، وزاجراً لهم عن فعل القبيح ، وباعثاً على فعل الواجب على الحدّ الذي يكون عليه مع ظهوره ؟ وهو :

إذا كان ظاهراً متصرِّفاً : علم ضرورةً ، وخيفت سطوته وعقابه مشاهدةً.

__________________

(١٣٠) في « م » : الغَيْبة.

٨٦

وإذا كان غائباً مستتراً : علم ذلك بالدلائل المتطرّق عليها ضروب الشبهات.

وهل الجمع بين الإمرين إلاّ دفعاً للعيان ؟!

قلنا : هذا سؤال لم يصدر عن تأمّل :

لأنّ الإمامَ ، وإنْ كان مع ظهوره نعلم وجوده ضرورةً ، ونرى تصرّفه مشاهدةً ، فالعلم بأنّه الإمامُ المفتَرضُ(١٣١) الطاعة المستحقّ للتدبير والتصرّف ، لا يُعلم إلاّ بالاستدلال الذي يجوز اعتراض الشبهة فيه /(١٣٢) .

والحال ـ في العلم بأنّه /(١٣٣) الإمام المفروض الطاعة ، وأنّ الطريق إليه الدليل في الغَيْبة والظهور ـ واحد[ة].(١٣٤)

فقد صارت المشاهدة والضرورة لا تغني في هذا الباب شيئاً ؛ لأنّهما ممّا لا يتعلّقان إلاّ بوجود عين الإمام ، دون صحّه إمامته ووجوب طاعته.

واللطف إنّما هو ـ على هذا ـ يتعلّق بما هو غير مشاهد.

وحال الظهور ـ في كون الإمامعليه‌السلام لطفاً لمن يعتقد إمامته وفرض طاعته ـ [ كحال الغَيْبة ].(١٣٥)

__________________

(١٣١) في « م » : المفروض.

(١٣٢) إلى هنا تنتهي نسخة « ج ».

(١٣٣) إلى هنا تنتهي نسخة « أ ». وجاء هنا ما نصّه :

والله أعلم ببقيّة النسخة إلى هنا ، وفرغ من تعليقها نهار الاثنين الثامن من شهر شعبان المبارك ، من شهور سنة سبعين وألف ، الفقير الحقير ، المقرّ بالذنب والتقصير ، إبراهيم بن محمد الحرفوشي العاملي ، عامله الله بلطفه ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

(١٣٤) أثبتناه لضرورة السياق؛ لأنّها خبر « والحال ».

(١٣٥) أثبتناه لضرورة السياق.

٨٧

وسقطت الشبهة.

والحمد لله وحده ،

وصلّى الله على محمّد وأله وسلّم(١٣٦) .

__________________

(١٣٦) جاء هنا في نهاية نسخة « م » ما نصّه : كتب العبد محمد بن ابراهيم الأوالي. وفرغت من مقابلته وتتميم كتابته على نسخة مخطوطة في القرن العاشر ، بخطّ محمّد بن إبراهيم بن عيسى البحراني الأوالي ، ضمن مجموعة قيّمة في مكتبة السيّد المرعشي العامّة العامرة ، في مدينة قم ، في يوم الأربعاء سابع محرّم الحرام من سنة ١٤١٠ ، وأنا المرتهن بذنبه ، الفقير إلى عفو ربّه ، عبد العزيز الطباطبائي.

٨٨

مصادر المقدّمة والتحقيق

١ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ، لأمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ ه‍ ) دار الكتب الإسلامية ـ طهران ، بالتصوير على طبعة النجف الأشرف.

ومخطوطة منه ، من القرن السابع الهجري ، من محفوظات مكتبة مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث / قم.

٢ ـ تنزيه الأنبياء والأئمّة ، للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ ) منشورات الشريف الرضيّ ـ قم ( مصَّور ).

٣ ـ الذخيرة في علم الكلام ، للشريف المرتضى علىّ بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ ) تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، جماعة المدرّسين ـ قم / ١٤١١ ه‍.

٤ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، للشيخ آقا بزرك الطهراني ( ت ١٣٨٩ ـ ه‍ ) الطبعة الثانية ، دار الأضواء ـ بيروت / ١٤٠٣ ه‍.

٥ ـ رجال النجاشي ، للشيخ أبي العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه‍ ) تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، جماعة المدرّسين ـ قم / ١٤٠٧ ه‍.

٦ ـ رسالة في غَيْبة الحجّة ( رسائل الشريف المرتضى ـ المجموعة الثانية ) للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ ) إعداد السيّد مهدي الرجائي ، دارالقرآن الكريم ـ قم / ١٤٠٥ ه‍.

٨٩

٧ ـ الشافي في الإمامة ، للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ ) تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، مؤسسة الصادق ـ طهران / ١٤١٠ ه‍ ، بالتصوير على طبعة بيروت.

٨ ـ الصحاح ، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار ، الطبعة الثالثة ، دارالعلم للملايين ـ بيروت / ١٤٠٤ ه‍.

٩ ـ الغَيْبة ، لشيخ الطائفة الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍ ) تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح ، مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم / ١٤١١ ه‍.

١٠ ـ الفَرْق بين الفِرَق ، لعبد القاهر بن طاهر الاسفرائيني ( ت ٤٢٩ ه‍ ) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دارالمعرفة ـ بيروت.

١١ ـ الفرق الشيعة ، لأبي محمد الحسن النوبختي ( ق ٣ ه‍ ) تصحيح السيّد محمد صادق بحر العلوم ، المكتبة المرتضوية ـ النجف الأشرف / ١٣٥٥ ه‍.

١٢ ـ الفهرست ، لشيخ الطائفة الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍ ) منشورات الشريف الرضي ـ قم ، بالتصوير على طبعة المكتبة المرتضوية في النجف الأشرف بالعراق.

١٣ ـ لسان العرب ، لابن منظور المصري ، أدب الحوزة ـ قم / ١٤٠٥ ه‍ ( مصوَّر ).

١٤ ـ معجم الأدباء ، لياقوت الحموي ، الطبعة الثالثة ، دار الفكر ـ بيروت / ١٤٠٠ هجرية.

١٥ ـ معجم البلدان ، لياقوت الحموي ، دار صادر ـ بيروت / ١٣٩٩ ه‍.

١٦ ـ مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، لأحمد بن مصطفى طاش كبرى زاده ، الأُولى ، دارالكتب العلمية ـ بيروت / ١٤٠٥ ه‍.

١٧ ـ الملل والنحل ، للشهرستاني ( ٤٧٩ ـ ٥٤٨ ه‍ ) تخريج محمد بن فتح الله بدران ، منشورات الشريف الرضيّ ـ قم ، بالتصوير على الطبعة الثانية.

وطبعة أُخرى ، بتحقيق محمد سيّد كيلاني ، دارالمعرفة ـ بيروت.

١٨ ـ الواقفيّة دراسة تحليليّة ، للشيخ رياض محمد حبيب الناصري ، المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه‌السلام ـ مشهد / ١٤٠٩ و ١٤١١ ه‍.

٩٠

 فهرس المطالب

بسم الله الرحمن الرحيم. ٩

الحمد. ٣١

الإِمامة ، والعصمة ] ٣٤

والفِرَق الشيعية البائدة ] ٣٧

[ اعتماد شيوخ المعتزلة على هذه الطريقة ] ٤٨

بطريق أوْلى ] ٤٩

في بحث الغَيْبة ] ٥٠

[ التفرقة بين استتار النبيّ والإمام ٥٣

في أداء المهمّة والحاجة إليه ] ٥٣

[ عدم ارتضاء المصنِّف لهذه العلّة ] ٦٢

[ الأَوْلى في علّة الاستتار من الأولياء ] ٦٥

( كتاب الزيادة المكمّل بها كتاب « المقنع »  ٧٢

[ مقدّمة الزيادة المكمّلة ] ٧٢

ولو في الغَيْبة ] ٧٣

[ هل الغَيْبة تمنع الإمام من التأثير والعمل ؟ ] ٧٤

بين الغَيْبة والظهور ] ٧٥

وطرق ذلك ] ٧٦

[ أمكان استخلاف الإمام لغيره ٨٠

في الغَيْبة والظهور ] ٨٠

في الانتفاع بوجود الإمام ] ٨١

في أسباب ظهوره ] ٨٤

مصادر المقدّمة والتحقيق. ٨٩

٩١

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130