دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي33%

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 224

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86960 / تحميل: 11034
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مؤلف:
العربية

دراسات

في

الفِكر الاقتصادي الإسلامي

١

٢

دراسات

في

الفِكر الاقتصادي الإسلامي

د. عبد الأمير زاهد

الغدير

بيروت - لبنان

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٤

كلمةُ المركز

يبحث هذا الكتاب في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فيُعالج خمس قضايا أساسيّة مِن قضاياه، ولا يخفى على أيّ معنيٍّ بهذا الشأن، أنّ قضايا الفكر الاقتصادي تُعدّ، وبخاصّة في مجتمعات البلدان النامية، وبلادنا منها، من القضايا المركزيّة الكبرى المفروض أن تُولى أهمّية خاصّة، وقد درج كثير من الباحثين في هذا المجال على استلهام النُظم الوضعيّة، والغربيّة منها بخاصّة، مُعتقدين أنّ الإسلام يُقدّم مجموعة نُظم جزئيّة أخلاقيّة تقتصر على معالجة قضايا التوزيع؛ الأمر الذي جعلهم يرون استحالة تقدّم المجتمع الذي تحكمه هذه النُظم، وبغية تأكيد وجهة نظرهم هذه يقدّمون ما عرفته البلدان الإسلاميّة من نُظم، ومنها بخاصّة نظام الدولة العُثمانية، ويقارنون بينها وبين ما عرفته الدول الأوروبية من نُظم مُختلفـة، ويرون أنّ النُظم الأُولى لم توفّر ما يُلبّي حاجات الإنسان الأساسيّة؛ بسبب فقدانها القدرة الذاتية على النموّ والتطوّر والإنتاج وتجاوز وضعها الساكن، في حين أنّ النُظم الثانية وفّرت تلك الحاجات، ومضت في تجاوز مستمرّ لكل وضع تصل إليه.

يدرك مؤلّف هذا الكتاب وجهة النّظر هذه، ويتّفق مع أصحابها في القول بأنّ تقدّم المجتمع هو غايةُ أيّ نظام، وقدرته على تحقيقها هي وسيلة فحص صلاحيّته، لكنّه يختلف معهم في ما تبقّى مِن قول؛ ذلك أن النُظم التي يقدّمونها، بوصفها نماذج للنظام الإسلامي، ليست كذلك، فهي لا تمثّل النظام الإسلامي المُنبثق من النظرية الإسلاميّة الشاملة الرائية إلى الكون والحياة والعلاقات بين الناس، والتي يمثّل القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة مصدرها.

مِن هنا كانت الحاجة ماسّة إلى بيان هذه النظرية في مُختلف المجالات، وبخاصّة في مجال الفكر الاقتصادي، الذي يقلّ البحث فيه، وتبرز الحاجة أكثر إلحاحاً وضرورة.

٥

وإذ يعي مؤلّف هذا الكتاب، أ. د. عبد الأمير زاهد (شاركه أ. د. فاضل عبّاس الحسب في تأليف البحث الأوّل) هذه الحقيقة يعمد إلى إجراء (دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي)؛ ليقدّم معرفةً بالنظرية الاقتصادية الإسلامية في مجالات التنمية والحاجة والإنتاج والرّشد والجريمة الاقتصادية وسُبل الوقاية منها، ويعتمد منهجاً يتدرّج في بحث كل قضية من عرضِ مفاهيم المذاهب المعاصرة إلى عرضِ المفاهيم المستنبطة من مصادر التشريع الإسلامي، إلى إجراء بحث مُقارن بين وجهتي النَظر، ما يُفضي إلى بلورة وجهة النَظر الإسلاميّة في كيفيّة النهوض الاقتصادي واستمرار النمو والتقدّم.

وتتميّز هذه الحركة النهضوية التنموية...، في المنظور الإسلامي، بأنّها ترمي إلى تحقيق أهداف مختلفة عن الأهداف التي ترمي إليها النظرية التي تحكم النظريات الوضعيّة؛ ذلك أنّ الأصل الأوّل في النظريّة الإسلامية هو عمارة الأرض وإقامة الحقّ فيها، وهذا الأصل هو تكليف شرعي يستنبط من نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) [البقرة / ٣٠]، و ( هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) [هود / ٦١]، فقد جاء في تفسير الآية الأُولى: أنّ الله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها ويقيم الأرض عامرةً بما يحتاج إليه، بوصفه خليفة في الأرض، وهذا الأصل يُفيد، علاوةً على ما ذكرناه، أنّ هذه النظريّة لا تقتصر، كما يزعم بعضهم، على جُزئيات أخلاقيّة تتعلّق بالتوزيع، وإنّما تشمل إنتاج جميع ما يحتاجه الإنسان وسُبل توزيعه وفق مبدأ إقامة الحقّ الذي يكرّم الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض.

إنّنا إذ نعي أهميّة ما تُقدّمه هذه الدراسات من معرفة نُقْدِم على نشرها في هذا الكتاب، آملين أن تُسهم في تحقيق الهدف الذي يرمي إليه، وهو خدمة ديننا الحنيف، والله سبحانه وتعالى الموفّق إلى سواء السبيل.

مركز الغدير للدراسات الإسلامية

٦

البحث الأوّل

  التنمية الاقتصاديّة في المذهب

الاقتصاديّ الإسلاميّ

(هذا البحث مِن إعداد، المؤلّف أ. د. عبد الأمير زاهد و أ. د. فاضل

عبّاس الحسب، أُستاذ في كليّة الإدارة والاقتصاد - جامعة بغداد)

٧

٨

مُقدّمة

ثمّة مسلّمات، أو منطلقات أساسيّة في العلوم الاقتصاديّة، يتسالم عليها الفكر الاقتصاديّ، بمصدرَيه: الإلهيّ والبشريّ، تفيد أنّ التنمية الاقتصاديّة تشكّل الحصيلة النهائيّة التي يمكن بفحصها اختبار الفاعليّة لأيّ نظام اقتصاديّ، ذلك أنّ مجموعة النُظم الجزئيّة داخل التصوّر الشامل للمشكلة الاقتصاديّة، وطُرق علاجها في أيّ نظام، هي المحدّد لأسلوبه في تحقيق النشاط الاقتصاديّ الأمثل. وعلى هذا الأساس ترتكز مقولة التنمية وأُسلوب النُظم في حلّ مضاعفاتها مؤسّسيّاً واجتماعيّاً، وبالتالي تشكّل البرهنة على قدرة أيّ نظام على الديمومة ومواكبة الحياة.

أهمّية البحث والحاجة إليه

لمّا كانت التنمية غاية الجهد المؤسّسي لأيّ نظام، فهي بذاتها، وفي الوقت عينه، وسيلة فحص القدرة الدائميّة لصلاحية النُظم الاقتصاديّة؛ لذا فإنّ أهمّية البحث تكمن في فحص قدرة النظام الاقتصاديّ الإسلاميّ على تحقيقها. وضمن هذا السياق الفكريّ كانت الحاجة ماسّة إلى تلمّس قدرة هذا النُظم على تحقيق هذه الموضوعة، ليتمّ اختيار النظام المؤهّل لبناء المجتمعات المعاصرة؛ وبخاصّة مجتمعات العالم الثالث، وتشكيل حياتها الاقتصاديّة.

لقد ركّزت الأبحاث الاقتصاديّة على إجرائيّة تحقيق التنمية، فافترضت تصوّراتها أنّ التخلّف: (سلسلة مِن عوامل النكوص التي تتجلّى في تخلّف قوى الإنتاج السائدة، سواء في المعدّات (درجة تطويرها الفنّي)،

٩

أمْ في القوى البشريّة مِن حيث المهارات والفنون والمعرفة التراكميّة) (١) .

لتنطلق منه إلى إيجاد البديل الشموليّ لوضع المجتمع وحركته ونشاطه الاقتصاديّ على الدرب الصحيح، للانطلاق بعوامل الاندفاع نحو رقيّ قوى الإنتاج باتّجاه الغاية التي يراها الفكر الاقتصاديّ ذاك غاية النشاط الاقتصاديّ برمّته.

ومن تشخيص صور التخلّف ومظاهره ركّزت الأبحاث أيضاً على أسبابه وماهيّته وتفسير نشوئه وعوامل استمراريّة الظاهرة، وقد انقسم البحث في هذه التصوّرات إلى مذاهب شتّى وآراء متعدّدة، سنرى بالمقارنة مع التصوّر الإسلاميّ للتخلّف الفارق في أساس التصوّر ونوعيّة المنطلق وطبيعة المعالجة، وباستخدام المقارنة نُحاول الوصول إلى الترجيح بين الآراء والمواقف.

وعلى ضوء تصوّر الفكر الإسلاميّ للتخلّف وما يُحيط به، سيعدّ البحث محاور تصوّر الإسلام للعمليّات التنمويّة التي يتبنّاها أطروحةً لحلّ المُشكلة الاقتصاديّة من بين الأُطروحات السائدة في عصرنا الحالي، وبالتحديد المدرستان الرئيسيّتان: الرأسماليّة والاشتراكيّة.

أهداف البحث ومنهجيّته

يهدف البحث إلى مناقشة الاتّهامات الفكريّة الموجّهة إلى الفكر الاقتصاديّ الإسلاميّ وتحليلها، وهي تستهدف الوصول إلى تقرير استحالة التطوّر في ظلّ المجتمع الخاضع لأحكام الكتاب والسنّة، مع ما يعرض من تطوّر المجتمعات في ظلّ الأُطروحات الاقتصاديّة الوضعيّة، وخصوصاً تلك التي ترى الإسلام مجموعة نُظم جزئيّة أخلاقيّة..، أو في الحدّ الأعلى قوانين عامّة يتجلّى أثرها في مضمار التوزيع فقط، من دون أن يكون لها أثر في الإنتاج (٢) مِن حيث كون التنمية في الفكر الاقتصاديّ الوضعيّ مقولة إنتاجيّة أوّلاً على أبسط التقديرات، ويعتمد البحث في مناقشة هذه (التحدّيات الفكريّة)، الرّامية إلى دراسة نظريّة الإسلام في التنمية، تحليل

____________________

(١) اُنظر: حمزة (سعد ماهر)، مقدّمة في اقتصاديّات التبعيّة والتنمية، دار المعارف - مصر، ١٩٦٧م، ص: ٣.

- القاضي (عبد الحميد)، تحويل التنمية الاقتصاديّة، دار المعارف - الإسكندريّة، ص: ٥٨.

(٢) تُلاحظ هذه المحاولات في اتّهام الإسلام لدى: رودنسون (مكسيم)، الإسلام والرأسمالية.

واردنبورغ، جـ، د، ح، مذكّرات في الإسلام والتنمية، مجلة اكشينج - هولندا، ١٩٧٣م.

مجلّة أندونيسيا، الدين ومشكلة التنمية في أندونيسيا.

روبرت ن، الدين والتقدّم في آسيا الحديثة.

فضل الرحمان، أثر الحداثة على الإسلام.

محمّد (أركون)، الإسلام أمام التنمية، ورقة عمل وزّعت على مؤتمر أوروبي عام ١٩٧٤م، ت٢.

١٠

العلاقات الداخليّة بين موضوعات مؤلّفة مِن العقيدة والفقه، بغية الكشف عن ظاهرة التناسق والاتّساق في آليّة التطبيق الاقتصاديّ لمعرفة مدى التحسين الشامل لمصير المسلمين الاقتصاديّ وعُمقه وأهمّيته، وبالتالي وضع اليد على إمكانيّة التطوّر داخل فلسفة المسلمين الاقتصاديّة بالمقارنة مع الإمكانيّات الفكريّة في الفلسفات الوضعيّة المعاصرة.

على أنّ البحث يُنبّه هنا على أنّ المقولات الإسلاميّة وقوانين النموّ المركزيّة فيه سابقة زمنيّاً على نشوء علم الاقتصاد وتطوّره، ونضج الفكر الاقتصاديّ الحديث. ومع ذلك، فقد اختار الباحثان منهجاً يفترض عرض مفاهيم النموّ في المذاهب المعاصرة على المعايير الإسلاميّة، ومقارنتها بتلك القوانين الناتجة عن مصادر التشريع؛ لاستنباط وجهة نظر الإسلام في كيفيّة التحديث الاقتصاديّ، وخلْق عوامل الدفع والتطوّر في قوى الإنتاج للتخلّص مِن أسر التخلّف، والوصول إلى الأُسلوب الشمولي في خطّ الحركة الاقتصاديّة لتلك القوى في ظلّ منهجيّة القرآن والسنّة؛ ولذلك كان عليه أن يبدأ بتحديد ماهيّة التخلّف، وماهيّة النموّ، والتنمية، والباعث عليها، والمقياس الذي توزن به قوانينها، والغاية من النموّ؛ للخروج بالخصائص المميّزة لنموذج التنمية الإسلاميّ.

تحديد مُصطلحات البحث

ولأجل تحقيق هذا الهدف لا بدّ من تحديد مُراد الباحِثَين من الاصطلاحات المُستخدمة في بحثهما، وعلى الوجه الآتي:

يعني الباحثان بالاتّجاه الفردي: الفكر والنظام القائمَين على الملكيّة الخاصّة، وأظهر مصاديق هذا الاتّجاه المدرسة الليبراليّة باتّجاهاتها ومدارسها كافّة.

ويعني بالاتّجاه الجماعي: ما قام على الملكيّة الاجتماعيّة، وأظهر مصاديقه: الفكر الاشتراكيّ واجتهاداته وتيّاراته الفكريّة.

١١

أمّا المذهبيّة الإسلاميّة: فهي مُجمل الفلسفة الشاملة للكون والحياة والعلاقات بين الناس، ويمثّل القرآن والسنّة الأساس النظريّ لهذه المذهبيّة، على أنّ البحث يفترض أن لا يقاس في التصوّر الإسلاميّ نظام جزئيٌ واحدٌ بمعزل عن مُجمل النُظم الإسلاميّة.

أوّلاً: التخلّف ومفاهيمه في الفكرين: الوضعيّ والإسلاميّ

لمّا كانت التنمية هي البديل التاريخيّ للتخلّف، فلا بدّ من عرض موقف الفكرين منه:

١ - في الفكر الوضعيّ

يرى بعض الاقتصاديّين أنّ التخلّف: مجموعة مِن الظواهر التي تصاحب انخفاض الإنتاجيّة (١) .

ويرى آخرون أنّه: نظام وبُنية كلّية تسِم الهيكل الاقتصاديّ السائد (٢) .

وبناءً على الاتّجاه الأوّل يحاول المنظّرون الرأسماليّون عَدّه ظاهرة طبيعيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة، أو تركيباً يجمع هذه الظواهر مجتمعة، بما يؤدّي إلى انخفاض الإنتاجيّة، بينما يُدافع الاتّجاه الثاني عن كونه ظاهرة تاريخيّة مُركّبة، (حيث يرى بأنّه مقولة عالميّة خاصّة بعصر الامبرياليّة، ومرتبطة بمجموعة معيّنة من العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الداخليّة والخارجيّة) (٣) .

إنّ تصوّر الاتّجاه الفرديّ للتخلّف يجعله مضطرّاً إلى الكشف عنه فكريّاً من خلال مظاهره ونتائجه، وتعوّل تلك الدراسات كثيراً على نمط الارتباط بين التخلّف ومعدّلات النموّ السكّاني، أو انخفاض إجماليّ الإنتاج، أو انخفاض إنتاجيّة العاملين، أو تدنّي كفاءة مُجمل النشاط الاقتصاديّ.

وتوسّعاً، فقد ناقشه من خلال مظاهره غير الاقتصاديّة، مثل انخفاض نسبة المتعلّمين بالقياس إلى مجموعه السكّان، أو طبيعة النظام الحقوقيّ السائد.

____________________

(١) انظر: حمزة (سعد ماهر)، م. س.

القاضي (عبد الحميد)، م. س.

(٢) اُنظر: سنتش (توماس)، الاقتصادي السياسيّ للتخلّف، ترجمة فالح عبد الجبّار، ص: ١٤، مطبعة الأديب - بغداد.

د. البعّاج (هشام)، المغزى الحقيقيّ لنظريّة الحلقات، مجلّة كلّية الإدارة والاقتصاد، العدد ٢، السنة الأُولى، ١٩٨١م، ص: ٩.

(٣) اُنظر: افينسيف م. م، نظريّات النموّ الاقتصادي للبلدان النامية، ترجمة عز الدين جوني، ص: ٣٤، دار الفارابي - بيروت، ١٩٧٩م.

١٢

واعتُمِد لجلاء التخلّف، في تصوّر الاتّجاه الأوّل، على مقياس غير منضبط (١) ، باعتماد المقارنة بين ما تقدّمه الدول المتقدّمة لسكّانها، بما تقدّمه دول العالم الثالث، فاختير مقياس حجم الدخل الفرديّ الحقيقيّ مؤشّراً هامّاً في تلك المقارنات، وإن انطلقت دراسات أُخرى من اعتماد مدى انخفاض إنتاجيّة العمل أو مؤشّر الاختلال في هيكل الاستخدام لصالح القطاعات التقليديّة.

وبالمقابل ركّز أصحاب الاتّجاه الثاني على أسباب الظاهرة والمحاكمة التاريخيّة للنشأة والتطوّر، فربطوا التخلّف بتطوّر الحيازة الفرديّة لملكيّة وسائل الإنتاج، بما يوصل إلى عدم التوافق بين الطابع الاجتماعيّ لعمليّة الإنتاج، وبين شكل الملكيّة، وبالتالي عدم التوافق بين قوى الإنتاج الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة؛ الأمر الذي يخلق في رأيهم خرقاً لواحد من أساسيّات التقدّم الاقتصاديّ، هو ضرورة التوافق بين القوى المُنتجة وعلاقات الإنتاج.

وحوكمت أيضاً أسباب الاستمراريّة والديمومة لهذه الظاهرة، وعُزيت إلى التأثيرات الاقتصاديّة للرأسماليّة على اقتصاديّات بُلدان العالم الثالث؛ حيث جعلت هذه البلدان هوامش للأوطان الأمّهات، وقد صاحب ذلك تخريب شامل للبنيان الاقتصاديّ في هذه البلدان، وأحدث فيها نموّاً مُشوّهاً متّسماً بثُنائيّة القطاعات (٢) .

وبالجمع بين العوامل الخارجيّة والداخليّة انشطر العالم الحديث إلى دول تنمو بسرعة، وأُخرى تُراوح أو تتراجع. وبتوسّع الهوّة نشأ التخلّف، وتطوّر في بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، بينما اضطرد التقدّم الاقتصاديّ في أوروبا وشرق آسيا واليابان.

٢ - في التصوّر الإسلاميّ

لقد طرح الفكر الإسلاميّ موضوع التخلّف معبّراً عنه بالشقاء، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم، في تحديد العلاقة بين الإنسان المتلقّي لهدى السماء، وبين الكائنات والمخلوقات التي تتصرّف في الحياة بقياساتها البشريّة:

____________________

(١) اُنظر: درويش (حسين)، التنمية الاقتصاديّة، ١٩٧٩م، دار النهضة العربيّة - القاهرة، ص: ١٨.

(٢) اُنظر: كوك (أوليفر)، الرأسماليّة نظاماً، ترجمة الدكتور إبراهيم كُبّه، ص: ١٨٤ - ١٨٩.

توماس سنتش، مصدر سابق، ص: ٢٢.

مرسي (فؤاد)، التخلّف والتنمية، ص: ٥٢.

١٣

( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مِنّي هُدىً فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ‏ ) [طه: ١٢٣ - ١٢٤].

وقال: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل: ٩٧].

وقال عزّ وجلّ: ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل: ١١٢].

إنّ ما يُفهم من مُفردات (الضلال، والشقاء، والمعيشة الضنكا)، هي تلك التركيبة من الخصائص السلبيّة التي تعمّ نشاطات الحياة والمجتمع كلّها، بمظهرٍ خارجيّ مؤدّاه عدم قدرة الهيكل الاقتصاديّ على توفير ما يُلبّي الحاجات الأساسيّة ( Basic Needs )؛ بسبب فقدان القدرة الذاتيّة لذلك الهيكل على النموّ والتطوّر، وعدم قدرته على تجاوز سِمة السكونيّة.

قال المفسّرون: (المراد بـ ( يَشْقَى ) : أي يقع في تعب العمل وكدّ الاكتساب والنفقة، وقال الجبائي: المراد بـ ( مَعِيشَةً ضَنكاً ) أي أنّ الله يُقتّر عليه الرزق عقوبة له على إعراضه) (١) .

وعليه، فقد دلّ الشقاء الوارد في الآية على تدنّي الإنتاجيّة في العمل، ودلّ مفهوم المعيشة الضنكا على عدم القدرة الإنتاج الاجتماعيّ على الوفاء بسداد الحاجات العامّة للسكّان، ولعمليّة تجديد الإنتاج الاجتماعيّ، ومِن خلال إشارة الجبائي إلى أنّ الله (إن وسّع على المعرض فإنّه يُضيّق عليه بأن يجعله ممسكاً لا ينفق على نفسه) (٢) ، يراد به ربط ذلك بالتوزيع غير المتساند، مع الاندفاع والإيجابيّة في استثمار المسخّر من الكون بأُسلوب إمساك الدخْل عن المساهمة الفاعلة في التوظّف، مع التزامن في تدنّي مستويات الاستهلاك.

____________________

(١) الطبرسي (أبو علي الفضل بن الحسن)، مجمع البيان في تفسير القرآن، المطبعة الإسلامية ٧/٣٤.

(٢) المصدر نفسه.

١٤

أمّا في قوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) ؛ أي مَن عَمل عملاً صالحاً، وهو مؤمن مصدّق بالله وأنبيائه، ومنفّذ لقوانين الشريعة، فقد وعده الله بأن يُحييه حياة طيّبة.

قال المفسّرون: المراد بالحياة الطيّبة: الرزق الحلال (عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير وعطاء)، وقيل: رزق يوم بيوم (تدفّق الإنتاج وزيادته بما يوازي زيادة الحاجات الكمّية بزيادة السكّان، أو النوعيّة بانشطار الحاجات وتطوّرها واتّساعها عموديّاً وأُفقياً حسب تطوّر المستوى الحضاريّ) (١) .

ويُلاحظ أنّ قول الله تعالى: ( قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً ) ؛ أي ذات أمْن، يأمَن أهلها من الإغارة عليهم، و ( مّطْمَئِنّةً ) ، قارّة ساكنة بأهلها، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو بضيق، و ( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلّ مَكَانٍ ) ، أي يحمل إليها الرزق الواسع من كلّ موضع، ( فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ ) ، أي كفر أهلها بأن لم يؤدّوا شكرها، فأخذهم الله بالجوع والخوف بضيعهم، وسمّاه لباساً؛ لأنّ أثر الجوع والهزال يظهر على الإنسان كما يظهر اللباس، وقيل: يشملهم الجوع والخوف جميعاً كما يشمل اللباس البدن كلّه (٢) .

وفي ضوء ما تقدّم، فإنّ ماهيّة التخلّف في المفهوم الإسلامي: هي (عجز البُنية الاقتصاديّة - الاجتماعيّة عجزاً كاملاً أو جزئيّاً عن تحقيق مُعدّل استثمار مستمرّ يعلو على معدّل الزيادة السكّانية، بما يجعلها - أي البُنية - غير قادرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسيّة، بسبب تقصير الإنسان في مهمّاته الاستخلافيّة مِن جهة السياسة الاقتصاديّة أو مِن جهة عدم استجابة الأفراد لبرامج الاستخلاف في تكليف الإنسان شرعاً بعمارة الأرض) (٣) .

إلاّ أنّه ممّا تلزم الإشارة إليه أنّ ما مرّ من تشخيص للماهيّة والظواهر، فإنّما هو على مستوى اقتصاد مغلق ( closed Economy )، الذي تجري عمليّاته بمعزل عن قسمة العمل الدوليّة، بعيداً عن حركة السِلع والخدمات العالميّة، وعن انتقال رؤوس الأموال بين الاقتصاديّات المُختلفة، وتبادل الأيدي العاملة في ما بينها، علماً بأنّ المذهب الاقتصاديّ الإسلاميّ يرى أصلاً أنّ

____________________

(١) المصدر نفسه: ٣/٣٨٤.

(٢) المصدر نفسه: ٣/٣٨٩، ٣٩٠.

(٣) اُنظر: خلفيّات انتزاع هذا المفهوم عند: صالح (عبد الأمير كاظم)، التنمية في الاقتصاد الإسلاميّ.

١٥

وجود أكثر من نمط إنتاجيّ ( Production Mod ) إنّما هو حالة مؤقّتة وطارئة؛ لأنّ التكليف الشرعيّ الدائم يلزم بتعميم الشريعة الإسلاميّة على كلّ المعمورة.

أمّا الحوار على مستوى الاقتصاد المفتوح ( Open Economy )، أي أخذ الاقتصاد الإسلاميّ ضمن حركة الاقتصاد العالميّ، وبوصفه جُزءاً مِن السوق العالميّة، فإنّ التقصير بمهمّة الاستخلاف فيه (في المجتمع الإسلاميّ) إذ يتجسّد في انخفاض إنتاجيّة العمل الاجتماعيّة، فإنّه ينعكس رأساً في تدنّي مستوى تلك الإنتاجيّة عن المعدّل العالميّ، وبالتالي تصبح نسب التبادل التجاريّ مائلةً إلى الانخفاض دائماً؛ لذا فإنّ معيار الإنتاجيّة الاجتماعيّة للمجتمع الإسلاميّ، مقارنةً بنظائرها الخارجيّة، يغدو معياراً للمقدرة الاقتصاديّة ( Economic Potential ) للاقتصاد الإسلامي.

فكلّما كانت المقدرة الاقتصاديّة كبيرة كبُر إجمالي القوّة المُنتجة والإنتاج الاجتماعيّ، وبالتالي توسّعت وتعمّقت مكانة الاقتصاد الإسلاميّ في قسمة العمل الدوليّة.

فالاستقلال الاقتصاديّ - كما نراه - هو المكانة التي يحقّقها الاقتصاد بالمعنى للاقتصاد الدوليّ، تمشّياً مع مقدرته الاقتصاديّة التي ليست هي إلاّ إجمالي القوّة المُنتجة، زائداً على مجموع الإنتاج الاجتماعيّ، على أن ينظر إليها بوصفها مُتغيّراً تابعاً للمتغيّرات الهيكليّة في البُنية الاقتصاديّة، وإنّ تغيير الاقتصاد هيكليّاً يجرّ وراءه تغييرات وتحوّلات في كمّ القوى المنتجة وفي نوعيّتها، بحيث تؤدّي إلى تغيير في نمط الإنتاج، وبالتالي في حجمه وقيمته ونوعيّته، وأخيراً في مقدرته الاقتصاديّة ذاتها.

إنّ الآيات الكريمة التي أشارت إلى مفهوم التخلّف وسببه، أشارت أيضاً إلى ظواهر من أبرزها الانخفاض المُطلق والنسبيّ لحدّ الكفاية (١) ؛ لكونها من المعايير الكمّية في نمط التوزيع الإسلاميّ القائم على مِعيارَي العمل والحاجة.

____________________

(١) حدّ الكفاية بمنظور عيني هو: مجموع السِلع والخدمات التي يتناسب مقدارها كمّاً ونوعاً مع إنتاجيّة الفرد، ومدى التزامات بيت المال نحوه محسوباً على أساس الموقع الاقتصاديّ لذلك الفرد.

للتّفيصلات اُنظر في ذلك:

الحسب (فاضل)، الماوردي في نظريّة الإدارة الإسلاميّة العامّة، ص: ٥٩، عمان، المنظّمة العربيّة للعلوم الإداريّة، ١٩٨٤م.

المياحي (عبد الأمير كاظم)، التنمية في الاقتصاد الإسلاميّ، رسالة ماجستير مقدّمة إلى مجلس كلّية الشريعة، جامعة بغداد، رونيو، ١٩٨٧م.

إبراهيم (أحمد إبراهيم)، في نمط التوزيع الإسلاميّ، رسالة دبلوم عالي مقدّمة إلى معهد البحثو والدراسات العربية - بغداد، رونيو، ١٩٨٧م.

١٦

وسبب الانخفاض في حدّ الكفاية انخفاض إنتاجيّة العمل؛ بسبب عدم توفّر ظروف الجدّية في مُمارسة عمـارة الأرض، والتفريط بما سخّره الله تعالى من مُعطيات الطبيعة، بما يعني انخفاض صافي الأرباح الاجتماعيّ، وبالتالي ضيق حدود كفاية الأفراد؛ لصغر حجم السِلع والخدمات التي تدخل فيه، ومحدوديّة تنوّعها.

وعلى العكس، فإنّ إدراك العاملين في الاقتصاد الإسلاميّ لفريضة العمل والاستجابة لها تعني زيادة فاعليّة العمل؛ لتحويل نِعَم الله تعالى إلى سِلَع إنتاج وسِلَع استهلاك بدرجة توجب توسيع حدود الكفاية على نطاق الفرد، ومن ثَمّ على المستوى الاقتصاديّ كلّية.

إنّ البُعد النسبي لحدود الكفاية في الاقتصاد الإسلاميّ يتّضح في مجال المقارنة مع معايير مستوى المعيشة في الاقتصادات الأُخرى، على أن تُؤخذ بنظر الاعتبار المتغيّرات النوعيّة المميّزة لنمط الاستهلاك الإسلاميّ، ومثالاً على ذلك نذكر: استبعاد السِلع المحرّمة والمكروهة - مثلاً - مِن مجال المقارنة والعوامل المُشابهة الأُخرى.

وفي حالة افتراض مُستوى مُعيّن من حدود الكفاية يمكن أن نتصوّر ثلاث حالات:

أ - تناسب مقدار (الكفاية) عيناً أو نقداً مع إنتاجيّة الفرد، وبذلك يكون عمل الفرد هو الكفيل بسدّ متطلّبات معيشته بالمستوى والموقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ في مُدّة زمنيّة مُعيّنة، اعتمد الفقهاء فيها غالباً السَنة مدّةً قياسيّة، نلحظ ذلك في شرط (الحول) في الزكاة والخُمس والخَراج.

ب - زيادة مردود عمل الفرد وإنتاجيّته مِن جهة المردود الاقتصاديّ (فائض الدَخل) بما يفوق (حدّ الكفاية)، بحيث يخضع هذا الفائض إلى موازنة ماليّة أقامتها الشريعة الإسلاميّة، مِن خلال تأسيس عِدّة قنوات تُرحِّل قسماً منه إلى بيت المال بوساطة الحقوق الشرعيّة على المال، وفي مقدّمتها

١٧

الزكاة والخُمس والكفّارات والنُذور والوَقف والخَراج والصدقات التطوّعيّة التي تمتلك خاصّية تتفرّد بها؛ إذ إنّها ترتبط بدرجة التقوى في ذات الفرد، أو إنّ المردود أو جزءاً منه يوظَّف في استثمارات إضافيّة في الأُصول الثابتة أو المتداولة للإنتاج، وبذلك لا يخضع للزكاة.

جـ - أمّا الحالة الثالثة، فهي عجز مردودات عمل الفرد وإنتاجيّته عن تغطية حدّ الكفاية، بما يجعل الفرد محلاً للمدفوعات التحويليّة، من صندوق الزكاة، أو بيت المال؛ لتغطية المتبقّي عن طريق مصارف الزكاة أو مصارف الخُمس، أو الاستفادة من تحقّق الكفّارات والنُذور والأوقاف التي تُسيل منافع الأُصول لصالح المحتاجين للمنافع المحبسـة (١) .

وحيث تنتهي البحوث في نمط التوزيع الإسلاميّ إلى أنّ قوانين التوزيع في الإسلام لا تدع شريحة العجز عرضة للهلكة أو الإحسان، إنّما تجعل الإمام والمسلمين جميعاً مسؤولين مباشرة عن انتزاع هذه الشريحة إلى مستوى الكفاية، فإنّ مفهوم التخلّف الناتج عن سوء التوزيع لا يكاد يرى في تصوّر اقتصاد إسلامي.

ويترتّب على ذلك أنّ نموذج التنمية في الإسلام لا يقوم على أساس (الإنتاج) فقط، فللتوزيع دور هامّ في إنجاز النموّ.

وقد يُؤسّس على ذلك أنّ محور التوزيع سيدخل في حسابات المخطّط الاقتصاديّ المسلم، إلى جانب الإنتاج عند صياغة السياسة الاقتصاديّة أو الخطط الطويلة والمتوسّطة؛ بما يؤدّي إلى اقتران النموّ مع توزيع إمكاناته توزيعاً عادلاً.

مِن كلّ ما تقدّم يخرج الباحث من هذا الاقتران بالنتائج الآتية:

١ - إنّ النمط التوزيعيّ يُهيّئ جميع قوّة العمل المتاحة للمساهمة بالإنماء.

٢ - تحقيق الكفاية للجميع، بوصفها حدّاً أدنى يسهم في زيادة إنتاجيّة القوى العاملة ورأس المال معاً.

____________________

(١) اُنظر: الآيات الخاصّة بالإنفاق: [التوبة: ٦٠، الأنفال: ٤٠].

والمُستندات الشرعيّة للكفّارات، واجتهادات الفقهاء في الوقف والخراج. اُنظر في ذلك: الحسن بن يوسف بن المُطهّر، شرائع الإسلام، تحقيق عبد الحسين محمّد علي، الآداب - النجف، ط١، ١٩٦٩م. وتذكرة الفقهاء، الطبعة الحجريّة.

الطوسي (محمّد بن الحسن)، المبسوط، الطبعة الحجريّة، ١٢٧١م. المحقّق النجفي (محمّد حسن)، جواهر الكلام، مطبعة النجف، ط٦: ١٥/١٦. الكاساني (علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مطبعة الجمالية - مصر، ١٩١٠م.

الحسب (فاضل عبّاس)، م. س. المياحي (عبد الأمير كاظم)، م. س.

١٨

٣ - السماح بالتفاوت بعد تحقيق الكفاية؛ الأمر الذي يحرّك الطلب المنشّط، ثمّ الفعّال الذي يُشجّع الإنتاج، وبالتالي يُقلّل من فُرص الركود وآثاره السيّئة على الدورة الإنتاجيّة.

نخلص ممّا تقدّم - أيضاً - إلى أنّ نظرة المذهبيّة الإسلاميّة للتخلّف نظرة فكريّة وليست مادّيةً، هذه النظرة الفكريّة تستوعب كافّة مظاهره ونتائجه وأسبابه، وتعدّ أساساً لمعالجته، كما سيظهر من تصوّر تلك المذهبيّة للتنمية.

وإنّ تلك التصوّرات - كما يبدو - تُعطي للتوزيع أولويّة في انتزاع المفهوم الحقيقيّ للتخلّف، فتربطه بنمطه، ثمّ تحلّل تدنّي الأنماط من خلال عزوف الإنسان عن استثمار الموارد المُتاحة (المُسخّرة) للكون؛ بسبب عدم أداء الإنسان (المُستخلف) لمهامه الاستخلافيّة في الأرض (عمارة الكون).

وكلّ ذلك بسبب عدم وضوح أُسلوب المعالجة الإسلاميّة للمُشكلة الاقتصاديّة عند الفرد المُستخلَف - غير المسلم - أو سيطرة حالة التبعيّة الفكريّة والمنهجيّة لدى المسلمين في الإعراض عن القوانين المركزيّة للنموّ، كما ترسمها الشريعة الإسلاميّة. أمّا ما يترتّب على هذه العلّة المركزيّة فهو من قبيل النتائج والمظاهر التي تفرزها تلك العلّة.

وهذا يعني أنّ المذهبيّة الإسلاميّة تُعالج المسألة مُعالجة جذريّة عميقة، تبدأ مِن تمكين العقيدة في النفوس؛ لأنّ النموّ لا يعدّ ممارسة شرعيّة إلاّ إذا كان استجابة لحُكم شرعيّ، ثمّ وضع الإنسان تحت تأثيرات مجموعة من القيَم المحفّزة، إضافةً إلى دور الفقه (النُظم الحقوقيّة المؤسّسيّة) في تنظيم بيئة قانونيّة اجتماعيّة سياسيّة مُهيأة للإنماء، بما يشكّل، وفق مصطلح الاقتصاديّين، الإطار المُلائم للتنمية.

إذنْ، لتعدّ المنهجيّة الإسلاميّة المعادل لِما يُسمّى في أدب التنمية بشروط الانطلاق، على أنّنا لا بدّ من أن نشير إلى الخلاف في التصوّر والمعالجة بين الفكرين: الوضعيّ والإسلامي، وما يترتّب على كّل تصوّر من عناصر توجّه الطريقة الكليّة لكلّ فِكر في استخلاص قيميّ لحلّ المشكلة الاقتصاديّة، وعلى

١٩

ذلك، فإنّ منظومة معايير التخلّف في الدراسات الاقتصاديّة للتنمية لا ترقى إلى وصف التخلّف ماهيّةً أو مفهوماً، ذلك أنّ فائض الزيادة السكّانيّة مفهوم نسبيّ، فليس الأمر إلاّ عدم استخدام الموارد المُتاحة (المسخّرة)؛ لأنّ التصوّر الإسلاميّ لا يعترف البتّة بنقص الموارد إزاء زيادة السكّان، ولأنّ وجوب العمل في التصوّر الإسلاميّ وجوب مُنحل إلى كلّ قادر عليه، إلى جانب كفاية الموارد للحاجات الأُفقيّة (زيادة السكّان). كما أنّ نقص الموارد - كما يُمثّل له الحزام الاستوائيّ - مسوّغ غريب، فإنّ النظرة الإسلاميّة، إلى جانب كونها تؤكّد بدلالات قرآنيّة متعدّدة كفاية الموارد، لا ترى المسألة من زاوية إقليميّة، بل إنّ المسلمين جميعاً مسؤولون عن إخوانهم مسؤوليّة وجوبيّة حيناً وندبيّة حيناً آخر.

لقد أسهب الآلوسي والزمخشري في تفسير قول الله تعالى: ( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) [إبراهيم: ٣٤]، قال الألوسي: ( كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) يعني ما من شأنه أن يُسأل لاحتياج الناس إليه، سواء سأله الإنسان أمْ لم يسأله).

وقال الزمخشري: (إنّه آتاكم كلّ ما احتجتم إليه، والذي لم تصلح أحوالكم ومعايشكم إلاّ به) (١) .

وقد أيّد العلم هذه النظرة الشموليّة بما جعل الباحثين يؤكّدون على أنّ معارف الإنسان لم تصل إلى اكتشاف فائدة كلّ ما يحيط به الموارد، وكلّ ما توصّل إلى معرفة فائدته لا يتجاوز قطرة من بحر، إذا قيس بجميع ما يشتمل عليه هذا الكون.

ففي المملكة الحيوانيّة التي تُعدّ فصائلها بمئات الآلاف، لم يستخدم الإنسان منها إلاّ نحو مِئتي فصيلة (٢) .

ويرى العُلماء أنّ ارتفاع عدد سكّان العالم مِن (٧٥٠ مليوناً) في سنة (١٧٥٠) إلى (٤٠٠٠ مليون) حالياً صاحَبه ارتفاع في مستوى المعيشة، وهذا لا يتمّ إلاّ مع فرض كفاية الموارد (٣) .

____________________

(١) الآلوسي (شهاب الدين محمود شكري)، روح المعاني، الطبعة النيرية: ١٣/ ٢٢٦.

الزّمخشري (جار الله محمود بن عمر)، الكشّاف، طبعة الحلبي، ١٩٦٦م: ٢/٣٧٩.

(٢) وافي (علي عبد الواحد)، الاقتصاد السياسيّ، ط ٥، دار الحلبي، ١٩٥٢م، ص ٦ و٧.

(٣) البيلاوي (حازم)، أصول الاقتصاد السياسيّ، ص: ٣٤.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أمرضك وأقوم عليك، فإذا مت غسلتك ثم كفنتك ثم حنطتك، ثم اتبعك مشيعا إلى حفرتك، فاثني عليك خيرا عند من سألني عنك، وأحملك في الحاملين، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا أخوه الذي هو أهله، فأي أخ ترون هذا؟ قالوا: أخ غير طائل، يا رسول الله، ثم قال لأخيه الذي هو عمله: ماذا عندك في نفعي والدفع عني، فقد ترى ما نزل بي؟ فقال له: أؤنس وحشتك واذهب غمك، فأجادل عنك في القبر، وأوسع عليك جهدي، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا أخوه الذي هو عمله، فأي أخ ترون هذا؟ قالوا: خير أخ، يا رسول الله، قال: فالامر هكذا ».

[١٣٧٨٠] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام ، يقول: « [ كان أبو ذر يقول ](١) في عظته: يا مبتغي العلم، كأن شيئا من الدنيا لم يك شيئا، إلا عمل ينفع خيره أو يضر شره، يا مبتغي العلم، لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت اليوم تفارقهم، كضيف بت فيهم ثم غدوت من عندهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزلة تحولت منها إلى غيرها، وما بين الموت والبعث كنومة نمتها ثم استيقظت منها ».

١٠٠ -( باب وجوب الحذر من عرض العمل على الله ورسوله والأئمة( صلوات الله عليهم) )

[١٣٧٨١] ١ - العياشي في تفسيره: عن محمد بن مسلم، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: سئل عن الاعمال، هل تعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: « ما فيه شك » قيل له: أرأيت قول الله:

__________________

٢ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٣٥.

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

الباب ١٠٠

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٨ ح ١١٩.

١٦١

( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (١) قال: « لله شهداء في أرضه ».

[١٣٧٨٢] ٢ - وعن زرارة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ، عن قول الله( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (١) قال: « تريدون أن ترووا علي، هو الذي في نفسك ».

[١٣٧٨٣] ٣ - وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أن أبا الخطاب كان يقول: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعرض عليه اعمال أمته كل خميس، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ليس هو هكذا، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرض عليه اعمال الأمة كل صباح، ابرارها وفجارها، فاحذروا، وهو قول الله تبارك وتعالى:( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (١) ».

[١٣٧٨٤] ٤ - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن قول الله تبارك وتعالى:( فسيرى الله ) (١) الآية، قال: « يعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعمال أمته كل صباح، ابرارها وفجارها(٢) ».

[١٣٧٨٥] ٥ - وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ) (١) قال: « إن لله شاهدا في أرضه، وان اعمال العباد تعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

__________________

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٨ ح ١٢٠.

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٩ ح ١٢٢.

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٩ ح ١٢٣.

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

(٢) في المصدر زيادة: فاحذروا.

٥ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٩ ح ١٢٦.

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

١٦٢

[١٣٧٨٦] ٦ - كتاب العلاء بن رزين: عن محمد بن مسلم قال: هل يعرض على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: « ما فيه شك، قوله عز وجل:( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (١) قال: لله شهداء في ارضه ».

[١٣٧٨٧] ٧ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سمعتهعليه‌السلام يقول: « ما لكم تسوؤن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال رجل: جعلت فداك، وكيف نسوؤه؟ قال: أما تعلمون ان أعمالكم تعرض عليه؟ فإذا رأى فيها معصية لله ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسروه ».

[١٣٧٨٨] ٨ - السيد علي بن طاووس في رسالة محاسبة النفس: نقلا من تفسير محمد ابن العباس الماهيار، بإسناده عن أبي سعيد الخدري: أن عمارا قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وددت انك عمرت فينا عمر نوحعليه‌السلام ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عمار، حياتي خير لكم، ووفاتي ليس بشر لكم، اما في حياتي فتحدثون واستغفر الله لكم، واما بعد وفاتي فاتقوا الله وأحسنوا الصلاة علي وعلى أهل بيتي، فإنكم تعرضون علي ( وعلى أهل بيتي )(١) وأسماؤكم(٢) وأسماء آبائكم وقبائلكم، فان يكن خيرا حمدت الله، وان يكن ( سوى ذلك )(٣) استغفر الله لذنوبكم، فقال المنافقون، والشكاك والذين في قلوبهم مرض: يزعم أن

__________________

٦ - كتاب العلاء بن رزين ص ١٥٦.

(١) التوبة ٩: ١٠٥.

٧ - أمالي المفيد ص ١٩٦.

٨ - محاسبة النفس ص ١٨.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: بأسمائكم.

(٣) في المصدر: سوءا.

١٦٣

الاعمال تعرض عليه بعد وفاته، بأسماء الرجال وأسماء آبائهم وأنسابهم إلى قبائلهم، ان هذا لهو الإفك، فانزل الله جل جلاله:( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (٤) فقيل له: ومن المؤمنون؟ فقال: عامة وخاصة، اما الذين قال الله عز وجل:( والمؤمنون ) فهم آل محمد، الأئمة منهمعليهم‌السلام ».

[١٣٧٨٩] ٩ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن موسى بن سيار قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام وقد أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية(١) فاتبعتها، فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه، ثم اقبل نحو الجنازة فرفعها، ثم اقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمها، ثم اقبل علي وقال: « يا موسى بن سيار، من شيع جنازة ولي من أوليائنا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه » حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره، رأيت سيدي قد اقبل فاخرج الناس عن الجنازة، حتى بدا له الميت، فوضع يده على صدره، ثم قال: « يا فلان بن فلان، أبشر بالجنة، فلا خوف عليك بعد هذه الساعة » فقلت: جعلت فداك، هل تعرف الرجل؟ والله انها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال لي: يا موسى بن سيار، اما علمت انا معاشر الأئمة تعرض علينا اعمال شيعتنا صباحا ومساء، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه ».

[١٣٧٩٠] ١٠ - الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري رحمة الله عليه، قال: حدثني الشيخ أبو القاسم الحسين بن روحرضي‌الله‌عنه ، قال: اختلف أصحابنا

__________________

(٤) التوبة ٩: ١٠٥.

٩ - المناقب ج ٤ ص ٣٤١.

(١) الواعية: الصراخ على الميت ونعيه ( لسان العرب ج ١٥ ص ٣٩٧ ).

١ - الغيبة ص ٢٣٨.

١٦٤

في التفويض وغيره، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال، في أيام استقامته، فعرفته الخلاف فقال: أخرني، فاخرته أياما فعدت إليه، فاخرج إلي حديثا باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إذا أراد الله أمرا عرضه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أمير المؤمنين وسائر الأئمةعليهم‌السلام ، واحدا بعد واحد، إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمانعليه‌السلام ، ثم يخرج إلى الدنيا، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز وجل عملا، عرض على صاحب الزمانعليه‌السلام ، ثم على واحد واحد إلى أن يعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يعرض على الله، فما نزل من الله فعلى أيديهم، وما عرج إلى الله فعلى أيديهم، وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين ».

[١٣٧٩١] ١١ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: عن القاضي أبي الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي، عن أبي زيد عمر(١) بن أحمد العسكري، عن أبي أيوب، عن أحمد بن الحجاج، عن نويا(٢) بن إبراهيم، عن مالك بن مسلم، عن أبي مريم، عن أبي صالح الهروي(٣) ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « تعرض اعمال الناس كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن، إلا من كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا ».

__________________

١١ - كنز الفوائد ص ١٤١.

(١) في المصدر: عمرو.

(٢) وفيه: ثويا.

(٣) كذا في الطبعة الحجرية، وفي المصدر: « أبو صالح عن أبي هريرة » ولم نجد في كتب الرجال بعنوان « أبو صالح الهروي » بل وجدنا في تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ١٣١ رقم ٦١٤ « أبو صالح الخوزي » وفي ص ١٣٢ / ٦٢٣ « أبو صالح مولى ضباعة » يروي عن أبي هريرة، فلعله هو الصواب.

١٦٥

١٠١ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب جهاد النفس، وما يناسبه)

[١٣٧٩٢] ١ - أبو يعلى الجعفري في كتاب النزهة: عن الكاظمعليه‌السلام ، قال: « الزم العلم لك ما دلك على صلاح قلبك، وأظهر لك فساده ».

[١٣٧٩٣] ٢ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحارث بن مالك: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله يا رسول الله من المؤمنين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل مؤمن حقيقة، فما حقيقة ايمانك؟ قال: أسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وأنفقت مالي، وعزفت(١) نفسي عن الدنيا، وكأني انظر إلى عرش ربي عز وجل قد أبرز للحساب، وكأني انظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون، وكأني انظر إلى أهل النار يتعاوون، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا عبد نور الله قلبه، أبصرت فألزم، فقال: يا رسول الله، ادع لي بالشهادة، فدعا له فاستشهد من الناس ».

وفي نسخه نوادر الراوندي: « فاستشهد اليوم الثامن »(٢) .

[١٣٧٩٤] ٣ - ثقة الاسلام في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي

__________________

الباب ١٠١

١ - نزهة الناظر ص ٦٠.

٢ - الجعفريات ص ٧٧.

(١) عزف عن الشئ: تركه وزهد فيه وانصرف عنه ( لسان العرب ج ٩ ص ٢٤٥ ).

(٢) نوادر الراوندي ص ٢٠.

٣ - الكافي ج ٢ ص ٤٤ ح ٣.

١٦٦

عبد اللهعليه‌السلام ، مثله باختلاف يسير، وفي آخره قال: « اللهم ارزق حارثة الشهادة » فلم يلبث الا أياما حتى بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسرية(١) ، فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية، ثم قتل.

وفي رواية القاسم بن بريد(٢) ، عن أبي بصير، قال استشهد مع جعفر بن أبي طالب، بعد تسعة نفر، وكان هو العاشر.

[١٣٧٩٥] ٤ - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره، إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ما أنتم؟ فقالوا: نحن مؤمنون، يا رسول الله، فقال فما حقيقة ايمانكم؟ فقالوا: الرضا بقضاء الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لامر الله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء حكماء، كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فان كنتم صادقين، فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه تحشرون(١) ».

[١٣٧٩٦] ٥ - الصدوق في معاني الأخبار: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، مثله، إلا في تقديم التسليم على التفويض.

وفي الأمالي(١) : عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه،

__________________

(١) في المصدر: سرية فبعثه فيها.

(٢) في الطبعة الحجرية: يزيد، وما أثبتناه من المصدر ( راجع معجم رجال الحديث ج ١٤ ص ١٢ )

٤ - الكافي ج ٢ ص ٤٣ ح ١.

(١) في المصدر: ترجعون.

٥ - معاني الأخبار ص ١٨٧ ح ٦.

(١) أمالي الصدوق ص ٢٤٩ ح ٧.

١٦٧

عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عيسى النهر يري، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف الله وعظمه، منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعنى(٢) نفسه بالصيام، والقيام، قالوا: بآبائنا وأمهاتنا، يا رسول الله، هؤلاء أولياء الله، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكرا، وتكلموا فكان كلامهم ذكرا(٣) ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة » الخبر.

[١٣٧٩٧] ٦ - أبو يعلى الجعفري في النزهة: عن الهاديعليه‌السلام ، أنه قال: « الأخلاق تتصفحها المجالسة ».

[١٣٧٩٨] ٧ - مصباح الشريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « نجوى العارفين تدور على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والحب، فالخوف فرع العلم، والرجاء فرع اليقين، والحب فرع المعرفة، فدليل الخوف الهرب، ودليل الرجاء الطلب، ودليل الحب ايثار المحبوب على ما سواه، فإذا تحقق العلم في الصدر خاف، وإذا خاف(١) هرب، وإذا هرب نجا، وإذا أشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل وإذا تمكن ( من رؤية الفضل )(٢) رجا، وإذا وجد حلاوة الرجاء طلب، وإذا وفق للطلب وجد، وإذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة، وإذا هاج ريح المحبة استأنس في ظلال المحبوب، وآثر المحبوب على ما سواه، وباشر أوامره واجتنب نواهيه،

__________________

(٢) عنى نفسه: أتبعها. ( مجمع البحرين ج ١ ص ٢٠٨ ).

(٣) في المصدر زيادة: ونظروا فكان نظرهم عبره.

٦ - نزهة الناظر ص ٧٠.

٧ - مصباح الشريعة ص ٨ ١٩.

(١) في المصدر: « صح الخوف ».

(٢) وفيه: « منه ».

١٦٨

( واختارهما على كل شئ غيرهما )(٣) ، وإذا استقام على بساط الانس بالمحبوب، مع أداء أوامره واجتناب نواهيه، وصل إلى روح المناجاة ( والقرب )(٤) ، ومثال هذه الأصول الثلاثة كالحرم والمسجد والكعبة، فمن دخل الحرم أمن من الخلق، ومن دخل المسجد آمنت جوارحه أن يستعملها في المعصية، ومن دخل الكعبة أمن قلبه من أن يشغله بغير ذكر الله تعالى، فانظر أيها المؤمن، فان كانت حالتك حالة ترضاها لحلول الموت، فاشكر الله تعالى على توفيقه وعصمته، ( وان تكن الأخرى )(٥) فانتقل عنها بصحة العزيمة، واندم على ما سلف من عمرك في الغفلة، واستعن بالله تعالى على تطهير الظاهر من الذنوب، وتنظيف الباطن من العيوب، واقطع رباط(٦) الغفلة عن قلبك واطفئ نار الشهوة من نفسك ».

[١٣٧٩٩] ٨ - وقالعليه‌السلام : « اعراب القلوب على أربعة أنواع: رفع، وفتح، وخفض، ووقف، فرفع القلب في ذكر الله تعالى، وفتح القلب في الرضى عن الله، وخفض القلب في الاشتغال بغير الله، ووقف القلب في الغفلة عن الله تعالى، ألا ترى ان العبد إذا ذكر الله بالتعظيم خالصا، ارتفع كل حجاب كان بينه وبين الله تعالى من قبل ذلك؟ فإذا انقاد القلب لمورد قضاء الله بشرط الرضى عنه، كيف ينفتح(١) بالسرور بالروح والراحة؟ وإذا اشتغل قلبه بشئ من أسباب الدنيا، كيف تجده إذا ذكر الله بعد ذلك وأناب(٢) ، منخفضا مظلما، كبيت خراب خاو ليس فيه عمران ولا مؤنس؟ وإذا غفل عن ذكر الله تعالى، كيف تراه بعد ذلك موقوفا ومحجوبا، قد قسا وأظلم منذ فارق نور التعظيم؟ فعلامة الرفع ثلاثة أشياء: وجود

__________________

(٣)، (٤) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٥) في نسخة: « وان كانت أخرى ».

(٦) ليس في المصدر.

٨ - مصباح الشريعة ص ٢٠.

(١) في المصدر: لا ينفتح القلب.

(٢) ليس في المصدر.

١٦٩

الموافقة، وفقد المخالفة، ودوام الشوق، وعلامة الفتح ثلاثة أشياء: التوكل، والصدق، واليقين، وعلامة الخفض ثلاثة أشياء: العجب، والرياء، والحرص، وعلامة الوقف ثلاثة أشياء: زوال حلاوة الطاعة، وعدم مرارة المعصية، والتباس علم الحلال والحرام ».

[١٣٨٠٠] ٩ - وقالعليه‌السلام : « من رعى قلبه عن الغفلة، ونفسه عن الشهوة، وعقله عن الجهل، فقد دخل في ديوان المتنبهين، ثم من رعى علمه عن الهوى، ودينه عن البدعة، وماله عن الحرام، فهو من جملة الصالحين ».

[١٣٨٠١] ١٠ - أبو يعلى في النزهة: عن الحارث الهمداني، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « حسبك من كمال المرء تركه ما لا يجمل(١) به، ومن حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره، ومن عقله حسن رفقه، ومن أدبه علمه بما لا بد [ له ](٢) منه، ومن ورعه عفة بصره وعفة بطنه، ومن حسن خلقه كفه أذاه، ومن سخائه بره لمن يجب حقه، ومن كرمه ايثاره على نفسه، ومن صبره قلة شكواه، ومن عدله انصافه من نفسه، وتركه الغضب عند مخالفته، وقبوله الحق إذا بان له، ومن نصحه نهيه لك عن عيبك، ومن حفظ جواره ستره لعيوب جيرانه، وتركه توبيخهم عند إساءتهم إليه، ومن رفقه تركه الموافقة على الذنب بين أيدي من يكره المذنب وقوفه عليه، ومن حسن صحبته اسقاطه عن صاحبه مؤنة أداء حقه(٣) ، ومن صداقته كثرة موافقته، ومن صلاحه شدة خوفه من ذنبه، ومن شكره معرفته ( باحسان من أحسن إليه، ومن تواضعه معرفته )(٤) بقدره، ومن حكمته

__________________

٩ - مصباح الشريعة ص ٢٧.

١٠ - نزهة الناظر ص ١٨.

(١) في المصدر: « يحمد ».

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) ليس في المصدر واستظهرها المصنف « قده ».

(٤) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٧٠

معرفته بذاته، ومن مخافته ذكر الآخرة بقلبه ولسانه، ومن سلامته قلة تحفظه لعيوب غيره، وعنايته باصلاح نفسه من عيوبه ».

[١٣٨٠٢] ١١ - الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بن مسعود، عليك بالسكينة والوقار، وكن سهلا، لينا، عفيفا، مسلما، تقيا، نقيا، بارا، طاهرا، مطهرا، صادقا، خالصا، سليما، صحيحا، لبيبا، صالحا، صبورا، شكورا، مؤمنا، ورعا، عابدا، زاهدا، رحيما، عالما، فقيها » الخبر.

[١٣٨٠٣] ١٢ - أصل لبعض قدمائنا: بإسناده عن عمار بن ياسر، قال: بينا أنا أمشي بأرض الكوفة، إذ رأيت أمير المؤمنين علياعليه‌السلام جالسا وعنده جماعة من الناس، وهو يصف لكل انسان ما يصلح له، فقلت: يا أمير المؤمنين، أيوجد عندك دواء الذنوب؟ فقال: « نعم اجلس » فجثوت على ركبتي حتى تفرق عنه الناس، ثم أقبل علي، فقال: « خذ دواء أقول لك » قال: قلت: قل يا أمير المؤمنين، قال: « عليك بورق الفقر، وعروق الصبر، وهليلج(١) الكتمان، وبليلج(٢) الرضى، وغاريقون(٣) الفكر، وسقمونيا(٤) الأحزان، واشربه بماء الأجفان، واغله في طنجير(٥)

__________________

١١ - مكارم الأخلاق ص ٤٥٦.

١٢ - أصل لبعض قدمائنا ص ١٩٠.

(١) في الطبعة الحجرية: وهليج، وما أثبتناه من المصدر، والاهليلج: ثمر منه أصفر ومنه أسود. ينفع من الخوانيق ويزيل الصداع « القاموس المحيط ج ١ ص ٢٢٠ ».

(٢) في الحجرية: بليج، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) دواء يستخدم لدفع السموم، راجع « آنندارج فرهنك جامع فارسي ج ٤ ص ٣٠٢٤ مادة غاريقون ».

(٤) دواء مر ومسهل للصفراء والبلغم، ويطلق عليه: محمودة، انظر « آنندراج فرهنك جامع فارسي ج ٣ ص ٢٤٤٤ مادة سقمونيا و ج ٦ ص ٣٨٨١ مادة محمودة ».

(٥) طنجير: الاناء، انظر: « آنندراج فرهنك جامع فارسي ج ٤ ص ٢٨٥٠ مادة طنجير و ج ١ ص ١٠٧ مادة آوند ».

١٧١

القلق، ودعه تحت نيران الفرق، ثم صفه بمنخل الأرق، واشربه على الحرق، فذاك دواك وشفاك، يا عليل ».

[١٣٨٠٤] ١٣ - السيد علي بن طاووس في فرج المهموم: نقلا من كتاب التوقيعات لعبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، باسناده إلى الكاظمعليه‌السلام ، انه كتب إلى علي بن جعفر، وذكره، وفيه: « مر فلانا لا فجعنا الله به بما يقدر عليه من الصيام إلى أن قال ويستعمل نفسه في صلاة الليل والنهار استعمالا شديدا، وكذلك في الاستغفار، وقراءة القرآن، وذكر الله تعال، والاعتراف في القنوت بذنوبه، ويستغفر الله منها، ويجعل أبوابا في الصدقة والعتق عن أشياء من ذنوبه، ويخلص نيته في اعتقاد الحق، ويصل رحمه، وينشر الخير » الخبر.

[١٣٨٠٥] ١٤ - الشيخ المفيد في الإختصاص قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أول ما ينزع من العبد الحياء، فيصير ماقتا ممقتا، ثم ينزع الله منه الأمانة، فيصير خائنا مخونا، ثم ينزع الله منه الرحمة، فيصير فظا غليظا، ويخلع دين الاسلام من عنقه، فيصير شيطانا لعينا ملعونا ».

[١٣٨٠٦] ١٥ - القطب الراوندي في لب اللباب: سئل الصادقعليه‌السلام : على أي شئ بنيت عملك؟ قال: « على أربعة أشياء: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فوثقت به، وعلمت أن علي أمورا لا يقوم بأدائها غيري فاشتغلت بها، وعلمت أن الموت يأخذني بغتة فاستعددت له، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت منه ».

[١٣٨٠٧] ١٦ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « خصلتان من. كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا: من نظر في دينه إلى من فوقه فاقتدى

__________________

١٣ - فرج المهموم ص ١١٥.

١٤ - الاختصاص ص ٢٤٨.

١٥ - لب اللباب: مخطوط.

١٦ - لب اللباب: مخطوط.

١٧٢

به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فشكر الله، فان نظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته، لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا ».

[١٣٨٠٨] ١٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « بئس العبد عبد بخل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر واعتدى، ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد سها ولها، ونسي المقابر والبلى، بئس العبد عبد يضله الهوى ».

[١٣٨٠٩] ١٨ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ان الله عز وجل يقول: وضعت خمسة في خمسة، والناس يطلبونها في خمسة فلا يجدونها، وضعت الغنى في القناعة، والناس يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه، ووضعت العز في خدمتي، والناس يطلبونه في خدمة السلطان فلا يجدونه، ووضعت الفخر في التقوى، والناس يطلبون بالأنساب فلا يجدونه، ووضعت الراحة في الجنة، والناس يطلبونها في الدنيا فلا يجدونه ».

[١٣٨١٠] ١٩ - مجموعة الشهيد رحمة الله عليه: روي عن مولانا جعفر الصادقعليه‌السلام ، أنه قال: « طلبت الجنة فوجدتها في السخاء، وطلبت العافية فوجدتها في العزلة، وطلبت ثقل الميزان فوجدته في شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وطلبت السرعة في الدخول إلى الجنة فوجدتها في العمل لله تعالى، وطلبت حب الموت فوجدته في تقديم المال لوجه الله، وطلبت حلاوة العبادة فوجدتها في ترك المعصية، وطلبت رقة القلب فوجدتها في الجوع والعطش، وطلبت نور القلب فوجدته في التفكر والبكاء، وطلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة، وطلبت نور الوجه فوجدته في صلاة الليل، وطلبت فضل الجهاد فوجدته في الكسب للعيال، وطلبت حب الله عز وجل فوجدته في بغض أهل المعاصي، وطلبت الرئاسة فوجدتها في

__________________

١٧ - لب اللباب: مخطوط.

١٨ - عوالي اللآلي ج ٤ ص ٦١ ح ١١.

١٩ - مجموعة الشهيد.

١٧٣

النصيحة لعباد الله، وطلبت فراغ القلب فوجدته في قلة المال، وطلبت عزائم الأمور فوجدتها في الصبر، وطلبت الشرف فوجدته في العلم، وطلبت العبادة فوجدتها في الورع، وطلبت الراحة فوجدتها في الزهد، وطلبت الرفعة فوجدتها في التواضع، وطلبت العز فوجدته في الصدق، وطلبت الذلة فوجدتها في الصوم، وطلبت الغنى فوجدته في القناعة، وطلبت الانس فوجدته في قراءة القرآن، وطلبت صحبة الناس فوجدتها في حسن الخلق، وطلبت رضى الله فوجدته في بر الوالدين ».

١٧٤

١٧٥

١٧٦

أبواب الأمر والنهي وما يناسبها

١ -( باب وجوبهما، وتحريم تركهما)

[١٣٨١١] ١ - العياشي في تفسيره: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال في قوله تعالى:( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (١) قال: « في هذه الآية تكفير ( أهل المعاصي بالمعصية )(٢) ، لأنه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بين المسلمين، فليس من الأمة التي وصفها الله، لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بدت هذه الآية، وقد وصفت أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدعاء إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن لم توجد فيه هذه الصفة التي وصفت بها فكيف بها، فكيف يكون من الأمة؟ وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمة، ووصفها به ».

[١٣٨١٢] ٢ - وعن الفضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، عن الورع من الناس، فقال: « الذي يتورع من محارم الله ويجتنب هؤلاء، وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه وإذا رأى المنكر فلم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحب أن يعصى الله، ومن أحب أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة » الخبر.

__________________

أبواب الأمر والنهي

الباب ١

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٥ ح ١٢٧، وعنه في البرهان ج ١ ص ٣٠٨ ح ٣.

(١) آل عمران ٣ الآية ١٠٤.

(٢) في المصدر: أهل القبلة بالمعاصي.

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦٠ ح ٢٥، وعنه في البحار ج ١٠٠ ص ٧٣ ح ٧.

١٧٧

[١٣٨١٣] ٣ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من يشفع شفاعة حسنة، أو يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر، أو دل على خير أو أشار به، فهو شريك، ومن أمر بشر أو دل عليه أو أشار به، فهو شريك ».

ورواه السيد فضل الله في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه، عنه صلوات الله عليهم، مثله(١) .

[١٣٨١٤] ٤ - وبهذا الاسناد، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة، أو أمر بمعروف، فان الدال على الخير كفاعله ».

[١٣٨١٥] ٥ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله ابن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى الله ووعظه وخوفه، كان له مثل اجر الثقلين من الجن والإنس، ومثل أجورهم(١) ».

[١٣٨١٦] ٦ - وفي الأمالي: عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، [ عن علي بن حديد ](١) عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد،

__________________

٣ - الجعفريات ص ٨٩.

(١) نوادر الراوندي ص ٢١.

٤ - الجعفريات ص ١٧١.

٥ - الاختصاص ص ٢٦١.

(١) في المصدر: أعمالهم.

٦ - أمالي المفيد ص ١٨٤ ح ٧.

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه لاستقامة السند ( راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٣٠٥

١٧٨

عن أبي سعيد الزهري، عن أحدهماعليهما‌السلام ، أنه قال: « ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » الخبر.

[١٣٨١٧] ٧ - القطب الراوندي في فقه القرآن: في قوله تعالى( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) (١) روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : ان المراد بالآية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي لب اللباب(٢) : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فهو خليفة الله في الأرض وخليفة رسوله ».

[١٣٨١٨] ٨ - السيد الرضي في المجازات النبوية قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليلحينكم(١) الله كما لحيت عصاي هذه » ( لعود في يده )(٢) .

[١٣٨١٩] ٩ - أبو علي في أماليه: عن أبيه، عن جماعة، عن أبي المفضل الشيباني، عن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي، عن هارون بن عمرو بن عبد العزيز بن محمد المجاشعي، عن محمد بن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال: حدثنا أبو عبد اللهعليه‌السلام ، قال المجاشعي: وحدثنا الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى، عن أبيه أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله أموركم

__________________

و ج ١٢ ص ٢٠٠ »، وقد أضافه محقق الأمالي في المتن بين معقوفتين أيضا.

٧ - فقه القرآن ج ١ ص ٣٦١.

(١) البقرة ٢ الآية ٢٠٧.

(٢) لب اللباب: مخطوط.

٨ - المجازات النبوية ص ٣٥٣ ح ٢٧١.

(١) اللحاء: قشر كل شئ، ولحوت العود: قشرته ( لسان العرب ج ١٥ ص ٢٤٢ ).

(٢) في الطبعة الحجرية: « بعود في يدي »، وما أثبتناه من المصدر.

٩ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٣٦.

١٧٩

شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ( دعاؤكم )(١) ».

[١٣٨٢٠] ١٠ - الشيخ الطوسي في أماليه: عن الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن علي بن حبشي، عن العباس بن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، وجعفر بن عيسى، عن الحسين بن أبي غندر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل، فبينا هو يصلي وهو في عبادته، إذ بصر بغلامين صبيين، قد اخذا ديكا وهما ينتفان ريشه، فأقبل على ما هو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك، فأوحى الله إلى الأرض أن سيخي بعبدي، فساخت به الأرض، فهو يهوي في الدردور(١) أبد الآبدين ودهر الداهرين ».

[١٣٨٢١] ١١ - نهج البلاغة: في وصيته للحسنينعليهم‌السلام عند وفاته: « قولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم(١) خصما، وللمظلوم عونا، ثم قال: الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ».

[١٣٨٢٢] ١٢ - إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات: عن محمد بن هشام المرادي، عن عمر بن هشام، عن ثابت، عن أبي حمزة، عن موسى، عن شهر ابن حوشب، ان علياعليه‌السلام قال لهم: « انه لم يهلك من كان قبلكم من الأمم، إلا بحيث ما أتوا من المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا

__________________

(١) ليس في المصدر.

١٠ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٢.

(١) في الطبعة الحجرية: « الدردون »، والصحيح ما أثبتناه، والدردور: موضع في وسط البحر يجيش ماؤه فلا تكاد تسلم منه سفينة ( لسان العرب ج ٤ ص ٢٨٣ ).

١١ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٨٥ ح ٤٧.

(١) في الحجرية: للظالمين.

١٢ - الغارات ج ١ ص ٧٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224