دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي0%

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 224

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مؤلف: الغدير للدراسات والنشر
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 81938
تحميل: 9688

توضيحات:

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81938 / تحميل: 9688
الحجم الحجم الحجم
دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

دراسات في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مؤلف:
العربية

1 - مُعطّلة لمانع لا يستطيع العمل البشري إزالته، كالأهوار العميقة.

2 - معطّلة لمانع فقدان وحدات العمل لتهيئتها للانتفاع، بضابط كونه يجري مرّة واحدة في العمر، مثل استنباط بئر ماء، أو إزالة استيلاء الماء عليها.

3 - أو مانع من عدم وجود وحدات العمل التي يلزم أن تتكرّر سنويّاً، كالبذار والكراب والحصاد.

وبذلك يكون الفقه المسلم قد ميّز أنماط التعطّل الأصلي والعارض.

  إنّ الباحث ليرى أنّ النوع الثالث قد لا يدخل في مجال الأرض الموات، طالما هو مهيّأ لاعتبار عدم التعطّل بالمعنى المفيد للعطلة؛ ولذلك لا يكون الحقّ المكتسب هنا مثيل الحقّ المكتسب على مانع لا يزول إلاّ بكُلَف ماليّة وجهديّة كبيرة، فيلحق استصلاحاً بالأراضي العامرة التي تقبل من قِبل وليّ الأمر بخراج لمصلحة المسلمين.

روى البخاري (أنّ عمَر (رضي الله عنه) عامل الناس على بياض أرض إن جاءهم عمَر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا) (1) . ولعمري أنّ مكونّات رأس المال في مجال الأرض - في الفهْم المعاصر - تنطلق من تقسيم الأرض (مساحة الإقليم) إلى:

1 - مساحة القابل للزراعة منها.

2 - ما يحتاج إلى استصلاح من مساحة الإقليم (وهو مجال الإحياء).

3 - المخصّص فعليّاً للزراعة (وهو مجال العُشر أو الخراج).

4 - المستثمر فعليّاً.

وإذا لاحظنا أنّ بلداً كالعراق، في عام (1970م)، يزرع منه فعلاً (3 و14%) (2) من مساحة القطر، نجد أنّ مقولة الإحياء ذات أثر فاعل في حركة البناء والإعمار..

____________________

(1) البخاري، هامش فتح البخاري: 5/10، صحيح مسلم، هامش النووي: 10/8.

(2) د. هاشم (جواد)، تكوين رأس المال في العراق: 1957 - 1970، ص: 18.

٨١

ثانياً: شروط صحّة الإحياء

اشترط الفقهاء لصحّة تحقّق مِلك مُحيي الأرض لها مجموعة من الشروط اتّفقوا في بعضها واختلفوا في بعضهـا الآخـر، وسأُشير إلى ذلك إشارة سريعة. وأهمّ الشروط عند الفقهاء:

1 - شرط إذن الدولة (وليّ الأمر).

2 - شروط التحجير.

3 - انتفاء الموانع:

أ - مانع القرب مِن العامر.

ب - مانع ارتفاق أهل العمران به.

جـ - كونه حريماً لمملوك.

4 - تحقّق القصد في عملية الإحياء مِن قِبَل المُحيي.

تفصيل شروط الإحياء

1 - الشرط الأوّل: إذْن الدولة (وليّ الأمر)

اشترط فقهاء الإماميّة (1) وأبو حنيفة (2) ومَن وافقه إلاّ أبو يوسف (3) أنّه لا يصحّ إحياء الموات إلاّ بإذن السلطان مُطلقاً؛ إذ من دونه يسقط الحقّ المُكتسب عن الإحياء.

أمّا الزيديّة (4) فربطوا شرط الإحياء بشخص المُحيي، فذهبوا إلى أنّ المُسلم لا يحتاج إلى إذن؛ لعموم الحديث ولإطلاقه عن النبيّ، وهو مُشرِّع، لا من جهة كونه وليّ أمر المسلمين، فالذمّي إذا أراد إحياء أرض ميتة احتاج لإذن الدولة؛ لِما ورد عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَوَتان الأرض لله وللرسول، ثمّ هي لكم من بعدي) ، واستفيد من مُفردة (لكم) أي للمسلمين، وقد ورد في بعض متون الحديث (هي لكم من بعدي أيّها المسلمون) (5) .

أمّا المالكيّة (6) ، فإنّ الإذن عندهم مُرتبط بما إذا كان المورد المراد إحياؤه قريباً مِن البلد، ومعيار القرب أنْ يلامس حريم العامر.

____________________

(1) النجفي، (م. س): 38/11.

(2) أبو يوسف، (م.س)، ص: 64، الكاساني، بدائع الصنايع: 6/192.

(3) أبو يوسف، (م. ن)، ص: 64، اُنظر: عبد الله داماد، مجمع الأنهر: 2/558.

(4) ابن المرتضى (أحمد بن يحيى)، البحر الزخّار: 4/87.

(5) الفياض (إسحاق)، أحكام الأراضي، ص: 27، قحطان الدوري، صفوة الأحكام، ص: 16.

(6) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/66.

٨٢

في حين جعل الشافعيّة (1) الإذن مُستحبّاً في ما حماه الإمام من الأرض الموات، أمّا الظاهريّة (2) والحنابلة (3) فلم يشترطوا إطلاقاً.

وقد مرّ أنّ وراء هذا الخلاف أصل ملكيّة الأرض الموات بالعنوان الأصلي. أمّا الأدلّة الفرعيّة التي استند إليها المشترطون، فهي أدلّتهم نفسها في أنّ الأرض الموات ملكٌ للمنصب الإلهيّ؛ حيث يرى أبو حنيفة - مثلاً - أنّ الأرض كلّها مغنومة، والغنيمة أمرها إلى الإمام، فصار حكمها حكم موجودات بيت المال، لا يجوز التصرّف بها من قِبل الأفراد إلاّ بإذن الإمام، بينما استند مالك إلى أصل المصلحة، حيث أوجب الإذن في ما لامَس حريم العامر بدلالة الضابط عند المالكيّة، الذي هو (مراعاة مدى ما يعدّ الإحياء مضرّاً بمرافق البلد أم لا، فإذا حكّمت مصلحة المسلمين، فلا يحكم فيها إلاّ وليّ الأمر) (*) .

إنّ أهمّ ما استوقف الباحث هو أنّ مُشترطي الإذن يؤسّسون مبدأ تخصيص الموارد، واستثمار موضوع الوفورات الخارجية للمشروعات المتكاملة مع مثيلاتها، من خلال التخطيط التكامليّ. أمّا إذا تركت مشاريع النموّ سائبة هكذا، فإنّ ذلك يسبّب هدراً كبيراً لانعدام سمة التكامل.

2 - الشرط الثاني: التحجير

التحجير: هو وضع أشياء محيطة بالأرض تُعلِم بإرادة الشخص إحياء الأرض. ويُعدّ التحجير شرطاً ابتدائيّاً، وكأنّ المُحجّر بتحجيره يمنع غيره من التصرّف بمساحة ما؛ لذا لا يفيد التحجير أكثر من حقّ أولويّة، وعليه يقرّر

____________________

(*) لم يكن حتى عام (1919م) أيّ قانون لتخصيص المنشآت المجلبة للضرر ومنعها عن الأحياء السكنيّة في أوربا، اُنظر: (مفاهيم ابن خلدون عن التخطيط الحضري)، ص: 10، بينما نلحظ هذا المناط في ذهن فقهاء المسلمين في القرن الأوّل الهجريّ عند مناقشتهم جواز إحياء ما قَرُب من العامر، الأمر الذي يدلّ على أنّ الشريعة الإسلاميّة تقرب الذهن البشريّ من الإنجاز العقلي الكبير باختزال الكثير من مراحله؛ لوجود الإرشاد الإلهي في نصوص الشرع ومفاهيمه.

(1) المهذّب، شرح النووي: 1/423، الرملي، نهاية المحتاج: 5/326.

(2) ابن حَزم، (م. س): 8/233.

(3) ابن قُدامة، (م. س): 5/543.

٨٣

الفقهاء أنّ التحجير لا يُسوّغ المحجِّر بيع الأرض المُحجّرة، وإن كانوا يصحّحون الصلح عليه للتنازل عن الأولويّة لغيـره، على خلاف بينهم، ويمنعون من تأخّره عن مدّةٍ ما، وفي المدّة خلاف:

أ - فهي عند الشيخ الطوسي مُحالة إلى العُرف في تقديرها.

ب - وعند غيره من الفقهاء أنّ الحقّ موقوف على ثلاث سنوات.

يستندون في ذلك على قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ليس لمحتجز حقّ بعد ثلاث سنين) ، والتحقيق أنّ هذا الأثر يُروى عن عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، لكن يحمل على سماعه منه (1) .

قال أبو عبيد: (وقد جاء توقيته في بعض الحديث عن عمَر أنّه جعله ثلاث سنين، ويمتنع غيره من عمارتها لمكانـه، فيكون حكمها إلى الإمام) (2) .

أمّا في ما يتعلّق بالإجابة عن السؤال التالي: إذا ترك المحجِّر أرضه هل يوجب ذلك سقوط حقّه؟ يرى الإماميّة، في المشهور عندهم، أنّه لا يسقط؛ لعدم الموجب، ولمقتضى الاستصحاب، والعلاج عندهم أنّ لمَن بيده الأمر إجبار المُحيـي، فإذا امتنع سقط حقّه، إلاّ إذا كان قد ترك الإحياء لعذرٍ مُعتبر، ولأجله يمكن القول: إنّ التحجير مفهوم عُرفـيّ، وليس له حدّ خاصّ لدى الشرع، فالمرجع في تحقّقه للعُرف وولاية الأمر.. (3) .

مقتضيات شرط التَحجير

يلاحظ في مقتضيات شرط التحجير ما يأتي:

أ - تحديد مساحات المشروعات المنوي إقامتها على الأرض، والتعليم على نوع إنتاجها.

ب - التعجيل ببدء المشروع واكتمال أُسس المشاريع، وإلاّ تعرّض المُحيي إلى سحب الحقّ.

____________________

(1) اُنظر في ذلك: أبو عبيد، (م. س)، ص: 302.

(2) المُصدر نفسه.

(3) الفيّاض (إسحاق)، (م. س)، ص: 163.

٨٤

جـ - تدخّل السلطة التنفيذيّة نيابة عن المُجتمع في حثّ المُحيين على إنجاز المشروعات لتحقيق المصالح العامّة.

3 - الشرط الثالث: انتفاء الموانع

بعد شرط تحجير الأرض المراد إحياؤها وحصول الإذن، يلزم أن تكون الأرض غير قريبة من العمران؛ لأنّ القريب يعدّ من مرافق أهل البلدة، وربّما يشكل الحقّ هذا حتى على وليّ أمر إحيائه أو إقطاعه، وليس في آراء الفقهاء معيار محدّد لمعرفة القُرب، وإن كان من استخدام للصوت ومدى سماعه، أو لاختفاء جدران آخِر البيوت، فإنّه ليس من آراء الفقهاء توقيفات وإنّما هي آراء اجتهاديّة، يقول الدكتور الزحيلي: (وهذا لا يعتبر، إنّما يكفي عدم ارتفاق أهل القرية به) (1) .

والقريب عند الإمام الشافعي ما كان حريماً لعامر، وعند أبي حنيفة ما لم يبلغْه الماء (2) ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإمام أبا حنيفة قد لاحظ كُلفة الإحياء مُعتبراً وصول الماء أمارة على كون المورد ممّا يسهل الاستفادة منه، وداخلاً في مرتفقات العامر، وكون الاستفادة السهلة منه تجعل وليّ الأمر في سعة فيما لو أراد استغلاله للمصلحة العامّة..

ويعدّ مِن الموانع ألاّ تكون الأرض المُحياة ممّا حماه السلطان للمصالح العامّة أو ممّا أقطعه، إلاّ أنّ الفقهاء ضيّقوا سلطة الدولة ووسائلها الاقتصاديّة في إدارة اقتصاديّات الموارد المُتاحة، بأن حكموا بأنّ الأرض المُحجّرة أو المُحماة أو المُقْطعة من قِبل الدولة حينما لا تكون مستغلّة، فأجازوا إحياءها بعد حصول إذن وليّ الأمر.

ويراد بذلك عدم بقاء المورد المتاح معطّلاً عن الإنتاجيّة الماديّة أو العباديّة؛ لذلك منعوا إحياء المشاعر المقدّسة لتعلّق حقّ المسلمين بها جميعاً. وفي هذا نلحظ الخلاف الآتي:

يطرح بعض الفقهاء السؤال الآتي: إنّ الأماكن العامّة والموقوفة للنفع العامّ لو خربت هل يصحّ إحياؤها؟

____________________

(1) الزحيلي، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: 2/530.

(2) الماوردي، (م. س)، ص: 276.

٨٥

ذهب صاحب (الشرائع) إلى أنّ عدم المزاحمة، أو ما يوجِبها، يسوّغ إحياء ما لو عمّر لا يضرّ ولا يؤدّي إلى الضيق، في حين منَع شارح (الشرائع) ذلك، ذاكراً أنّ المنع حاصل في ما لا يوجب المزاحمة أو ما يوجبها خلافاً للمتن.

ولعلّ بعضهم ذكر أنّ المشاعر الموسميّة للاستغلال لا مانع من الاستفادة منها في المواسم الأُخرى؛ لانتفاء علّة المُزاحمة. والثمرة في ذلك أن لا مانع من تأسيس عمارات أو مشاريع تُستغلّ في غير أوقات الحجّ - مثلاً - في المشاعر المقدّسة للمعتكفين والناسكين، ويتساوى في المنع حريم العامر وحريم المملوك.

4 - الشرط الرابع: تحقّق القصد في عمليّة الإحياء

يرى الفقهاء أنّ العزم المسبق على إحياء المورد شرط في تحقّق نتائجه؛ ولذلك يرَون أنّ انتفاء القصد في عمل ما لا يكسب تملّكاً، كما لو كان شخص ما قد حفر بئراً بُغية البحث عن شيء حتى استنبط منها ماء، فصار ما تسقيه أرضاً مُحياة، فلا يلتزم له باكتساب حقّ الاختصاص أو التملّك، وقد عبّر الفقهاء عن ذلك بإرادة المِلك.

ويُبنى على ذلك أنّ الوكيل والأجير الخاص إذا أحيا أرضاً لا يملكها هو؛ لعدم تحقّق القصد منه، ولا الموكِّل؛ لعدم المُباشرة، وقد نوقشت المسألة من وجهين:

الأوّل: ما إذا اعتبر التوكيل وحده كافياً في تحقّق القصديّة.

الثاني: ما إذا كان الموجِب للحقّ هو الإحياء، فإذا تحقّقت العلّة وُجد المعلول (اكتساب الملكيّة)؛ لأنّ ترتّب السبب على المسبّب قهريّ؛ لذلك يذهب صاحب (الجواهر) إلى أنّه لا دليل لُبّيّاً على اشتراطه، وأنّ ظاهر الأدلّة خلافه، والإجماع مظنّة على عدم اشتراطه.

أمّا بصدد المناقشة الأُولى، فإنّ القياس موجب لاعتبار الوكالة في التصرّفات العقديّة، وعدم اعتبارها في التكوينيّة، كالإحياء ونحوه؛ لأنّ الفعل

٨٦

التكوينيّ بطبْعه غير قابل للتوسعة في الانتساب، فإنّه إنّما ينتسب إلى مَن يقوم به، زيادة على أنّ الإضافة الفعليّة في متن الحديث (مَن أحيا أرضاً) للمالك الأصيل مفقودة في مقام التوكيل العامّ والإجارة ضرورة؛ حيث لا يصدق تبادراً أنّه على المستأجر والوكيل أنّه قام بالإحياء فعلاً. يرى الشيخ الفياض أنّ أقلّ ما يستدلّ به على بطلان أثر الوكالة والإجارة في إحياء الأرض، أنّها في الأُمور التكوينيّة بحاجة إلى دليل، وإلاّ فمقتضى القاعدة بطلان الوكالة فيها (1) .

ثالثاً: المقتضي الاقتصادي لشروط صحّة الإحياء

ولهذا الشرط مجموعة مُقتضيات:

1 - إنّ مباشرة الشخص بنفسه للعمل تجعل الموارد المُحياة وحدات مُثلى في التشغيل، بحيث لا فرصة لمَن لا يستطيع أن يستفيد من الإحياء أن يكوّن إقطاعيّات كبيرة.

نقَل، في الأموال، عن الحارث المزني، عن أبيه (أنّ رسول الله أقطعه العقيق أجمع، قال: فلمّا كان زمان عمَر قال لبلال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقطعك لتحجّره عن الناس، إنّما أقطعَك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته وردّ الباقي) (2) .

وروى يحيى بن آدم الحديث عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قال الخليفة عُمَر لبلال: (أنت لا تُطيق ما في يديك، فانظر ما قويت عليه فأمسكه، وما لم تقوَ عليه فادفعه إلينا نُقسّمه بين المسلمين...، فأخذ عُمَر منه ما عجَز عن عمارته فقسّمه بين المسلمين) (3) .

2 - إنّ المقصد الشرعي وراء موضوعة الإحياء هو تحقّق فرَص العمل، لا الاتّكاء على الوكلاء والمؤجِّرين.

والدليل على ذلك أنّ الشرع يوفّر للأفراد عناصر الإنتاج الرئيسة (الأرض، رأس المال)، ويقابله عنصر العمل لدى المُحيي، بما يؤدّي ذلك إلى خلْق فرصة إنتاجيّة جديدة أو توسيع القائمة منها، وأنّ ما يقرّر سِعة وحدة

____________________

(1) الفيّاض (إسحاق)، (م. س)، ص: 171 - 183.

(2) أبو عبيد، (م. س)، ص: 302.

(3) المصدر نفسه، هامش الجميلي، ص: 302.

٨٧

التشغيل في التصوّر الإسلامي هو القدرة الذاتيّة عليه، بشرط عدم المضارّة بحقوق الآخرين في توفير فُرص العمل واستمرارها (1) .

وبصدد توفير رأس المال فإنّ في مصارف الزكاة سعة للفقير والغارم، وفي مصارف الفَيء والخُمس سعة في إقرار إسعاف العامل، إذا احتاج لشراء أدوات عمله (*) ، بل إنّ ما حصل في عهد عُمَر في قوله: (إذا أعطيتم فاغنوا، ولو كان مئة مِن الإبل) دليل؛ لأنّ الإبل في عصره (رضي الله عنه) وحدات إنتاجيّة، مِن ذلك نجد أنّ إسقاط الوكالة والإجارة الرئيسة في الإحياء أمرٌ منطقيّ ومنسجم مع مقاصد الشريعة.

____________________

(*) يرى صاحب (الجواهر): (حتى إن كان الرجُل بزّازاً أو جوهريّاً يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار، فنقص عن ذلك، حلّ له أخذ الصدقة، هذا عند الشافعي، والذي رواه أصحابنا أنّها تحلّ لصاحب السبعمئة، وتحرم على صاحب الخمسين، وذلك على قدَر حاجته لِما يتعيّش به). اُنظر (جواهر الكلام): 15/307 - 308.

(1) كاظم (عبد الأمير)، التنمية في الاقتصاد الإسلامي (رسالة ماجستير)، رونيو، ص: 120.

٨٨

المبحث الثالث

أوّلاً: ماهيّة الإحياء

اختلف الفقهاء في ماهيّة الإحياء على مذهبين:

1 - المذهب الأوّل: مَن أحاله إلى العُرف، وهُم الإماميّة (1) والشافعيّة (2) .

2 - المذهب الثاني: مَن حدّد له مصداقيّة واقعيّة، وهُم بقيّة الفقهاء.

قال أصحاب المذهب الأوّل: إنّ المرجع في كيفيّة الإحياء هو العُرف:

أ - لعدم التنصيص على مفهومه من جهة اللغة؛ لأنّه من جهتها جعل الشيء حيّاً.

ب - ولعدم التنصيص شرعاً؛ إذ لم يُبيّن لنا الشارع مفهومه، إلاّ ما أورده صاحب (نصب الراية) عن جابر - رضي الله عنه - مِن قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن أحيا أرضاً ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة).

فإذا فسّر هذا الحديث الإعمار بالزرع وما فيه مِن أجر، فإنّه تخصيص لعموم لفظ الإحياء، لكن ما يقف في وجهه أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ذكر أحد مصاديقه، أو الشائع من مصاديقه في عصره، فهل يعقل أن نوقف مفهوم الإحياء على الزرع؟ على أنّ الفقهاء مجمعين على أنّه يصحّ في غير مجال الزراعة، وسنرى ذلك في أقوالهم.

جـ - إنّ مُتون الأحاديث - ما عدا الحديث الذي ذُكر - أطلقت مفهوم الإحياء، فصار مصطلحاً متحرّكاً يمكن جعله من مكوّنات منطقة الفراغ التي تستوعب التطوّرات التقنيّة والمدنيّة للمجتمعات، فعدم تحديده شرعاً في ما أظنّ فيه حكمـه؛ لأنّ اعتبار العُرف فيه مُزيل لمشكلٍ شرعيّ.

د - ومقولة العُرف المحال إليه مفهوم الإحياء فيه فُسحة شرعيّة وعمليّة، فإنّ التملّك يحصل يقيناً بحصوله. إذنْ فهو حاصل فيما إذا كان قصد المُحيي

____________________

(1) المحقّق الحلّي، (م. س): 3/275، الروضة البهيّة: 2/256.

(2) المهذّب: 1/424.

٨٩

إخراج الأرض عن التعطيل إلى الانتفاع، أي الحدّ الأدنى ممّا يسمّى إحياء، وبه تحصل القناعة بحصول الحكم، وهو كذلك يستوعب رأي مَن يرى أنّه لا يتحقّق إلاّ بالغرس.

  إذنْ فمقولة إحالة مفهوم الإحياء إلى العُرف مقولة منطقيّة متناسبة مع مبدأ استيعاب الشريعة لحاجات الإنسان وتطوّراته إلى يوم القيامة.

هـ - ويؤيّد مقولة العُرف أنّ الفقهاء يرون أنّ إحياء كلّ شيء بحسب حاله، ولتعدّد أغراض المُحيي، ولا يمكن القول بكيفيّة معيّنة يتحقّق بها الإحياء، فيلحَق الأشكال الأُخرى إشكالٌ شرعيّ في تحقّق التملّك المترتّـب علـى الإحيـاء (1) .

المذهب الثاني: وأصحابه مَن حدّد مصاديق واقعيّة للإحياء، فمثلاً ورد عن الحنفيّة أنّهم قالوا: إنّ الكراب والسقي والبناء والغرس إحياء. ونُقل عن شمس الأئمّة أنّه يكتفي بأن يجعل الأرض صالحة للزراعة (2) .

بينما ذهب المالكيّة إلى تحديد الإحياء بواحد من أُمور تراوحت بين حدّ إخراج المورد من العطلة إلى الانتفاع، وبين تحقّق الانتفاع الفعليّ، فقالوا: يكون الإحياء بواحد من سبعة: تفجير بئر أو عَين، إزالة الماء عن الأرض، بناء الأرض، الغرس فيها، حراثتها، قطع الشجر عنها بِنيّة وضع اليد، تكسير أحجارها وتسويتها (3) . وزاد الظاهريّة على ذلك: إزالة المُلوحة (4) ، واكتفى الزيديّة بإحاطتها بحائط إذا كان قصد المُحيى - مثلاً - أن يجعلها مكاناً لتربية المواشي (5) ، ومستندهم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن أحاط حائطاً على أرض فهي له)، رواه أحمد وأبو داود عن جابر، ولعلّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد بـ (له) حقّ أولويّة، كما هو حقّ التحجير، وإلاّ لماذا حَكم الفُقهاء بأنّ التحجير لا يكسب أكثر مِن أولويّة استثمار؟

الذي أضافه الحنابلة للمسألة أنّهم وضعوا معياراً مؤدّاه (ما يتكرّر كلّ عام فليس بإحياء، وما لا يتكرّر إحياء)، حكاه القاضي في (المُقنع) رواية؛ لأنّ الشارع أطلق الإحياء، ولم يُبيّن صفته، فوجب أن يُرجَع فيه إلى العُرف، كمقولة القبض في البيع، والحرز في أحكام السرقة (6) .

____________________

(1) اُنظر: رأي الدكتور جميل (هاشم)، (م. س): 2/78.

(2) شرح كنز الدقائق: 2/238.

(3) الشرح الكبير: 4/69.

(4) ابن حزم، (م. س): 8/238.

(5) ابن المرتضى (أحمد بن يحيى)، (م. س): 4/87.

(6) اُنظر: القاضي، المقنع: 2/288.

٩٠

إذنْ، تدور أقوال الفقهاء في بيان حقيقة الإحياء بين خَلق الفرصة الإنتاجيّة واستثمار الفرصة الإنتاجيّة، فيكون ما بينهما هو القدَر المُتيقّن لاكتساب الحقّ.

ثانياً: النتائج المترتّبة عليه

المغزى الاقتصادي وراء آراء الفقهاء في ماهيّة الإحياء:

1 - إنّ إحالة مفهوم الإحياء إلى العُرف جعل هذا المفهوم واسعاً ومتحرّكاً ليشمل: استثمارات الإسكان، الصناعيّة والزراعيّة، وتربية الحيوانات، واستثمارات الحفر والتنقيب، والصناعات المعدنيّة، ومشاريع الموارد المائيّة باعتبارها جزءاً من مسطّحات الأرض.

وبهذا الفهْم للإحياء تكون هناك ممارسة فعليّة في زيادة تيّار السلع المُنتجة، وتعظيم تيّار الخدمات المضافة سنويّاً إلى حجم الدخل القومي، ويرى الباحث أنّ هذا الاتّجاه مُنسجم مع مقاصد الشريعة.

2 - إذا توقّفنا عند إخراج الأرض من التعطّل إلى كون المورد مهيّئاً للانتفاع، فيجعل المسألة في الأرض قريبة الشبَه بالأرض البيضاء، فتلحقها مشكلة عدم صحّة البيع أو الإجارة، وبحمل إحدى المسألتين على الأُخرى يتبيّن رُجحان مسألة تحقّق الانتفاع الفعلي.

3 - إنّ الإحياء في مجال الاستثمارات الزراعيّة يكثر في الأرض المحدودة؛ الأمر الذي لا يضطرّ نمط النشاط الاقتصادي إلى أن يركّز على رأس المال ووحدات العمل، وهذا أمر مُلائم لشعوب العالم الثالث التي تُعاني غالباً من أزمة في موجوداتها أو في مهارة العمل، فإذا توسّعت الأرض بفِعل الإحياء مع زيادة السُكّان قلّ اعتماد الدول النامية على رأس المال؛ الأمر الذي يُعدّ ثغرة في ما يسمّونه بالحلقات المفرغة، فإذا أضفنا أنّ المسلم مأمور كفايةً بتحصيل المهارات، فإنّ فُرَص التقدّم الاقتصادي في المُجتمع الإسلامي ستكون أوفر، وإنّ المعجل التنموي سيكون أكثر فاعليّة.

٩١

4 - يسهم الإحياء بهذا المفهوم بامتصاص أنواع البطالة، فهو يقلّل من الدوريّة منها؛ لأنّ فترات الكساد وليدة نقص الطلب بسبب نقص الدخل عن الوفاء بمتطلّباته؛ ولأنّ الإحياء متعدّد الجوانب فسُيقلّل أثر البطالة الموسميّة، وسيقلّل الاحتكاكيّة؛ لتعمّق مهارة العامل للتخصّص في حِرفة واحدة، وكذا الحال في الفنّية والهيكليّة.

أمّا البطالة المقنّعة، فإنّ القطّاع الزراعي هو مجالها، ولكن لتعدّد صور الإحياء، ولانتشار القوى العاملة في استصلاح الأراضي واستثمارها فسيقلّل أثرها، فإنّنا - مثلاً - نلحظ أنّ المقنّعة في الريف المصري تصل إلى نسبة (20 - 50%) من القوى العاملة بالقطاع الزراعي.

5 - يخفّف الضغط على الدولة إذا أُتيحت الفرصة للكوادر الزراعيّة أو الصناعات الغذائيّة باستثمار خبراتها في ميدان العمل الفعلي، بدلاً من العمل المكتبي أو الإرشادي، وبالتالي فإنّ زيادة السِلع مع الكفّ عن الضغط على الميزانيّة يغلق فرَص التضخّم بسبب ضخّ السيولة النقديّة لأغراض الاستهلاك، فيرتفع الطلب مُقابل نسبة ثابتة من العَرْض.

6 - وتلحق بالإحياء منفعة مباشرة، فلو استنبط المُحيي بئراً في حائط، فيلزمه أن يعطي فائض حاجته من الماء لجاره إلى أن يصلح بئره، ولا يستحقّ عن ذلك عوضاً، على رأي أبي حنفية والإماميّة وأصحاب الشافعي (1) ؛ استناداً لقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ، منَعه الله فضل رحمته يوم القيامة) (2) .

والراجح عندي ما ذهب إليه الإماميّة وأحمد في عدم جوار أخْذ العوض عن بذل الماء الفائض من بئر مملوك؛ لأنّ الحديث دالّ على ذلك دلالة لا غُبار عليها، ولأنّ التكلُفة الحدّية (*) معدومة (صفر)، وتكاليف الصيانة ثابتة تقريباً ما دامت البئر مستعملة، ومنفعة صاحب البئر الحدّية

____________________

(*) التكلفة الحدّية: وهي الإضافيّة التي يتطلّبها إنتاج مقدار صغير آخر من المنتوج (الماء).

(1) الدمشقي (محمّد بن عبد الرحمن)، رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة، ص: 190، اُنظر: الشيخ الطوسـي، المبسوط (حجري)، كتاب إحياء الموات.

(2) البخاري، فتح الباري: 5/31، أخرجه أبو داود: 2/101، والموطّأ: 4/1498، اُنظر: الماوردي، تحقيق الجميلي، ص: 285 و286.

٩٢

طالما حدّد الأمر في فضل الماء (صفر) أيضاً، فصار عند ذاك أشبه بالسلعة الحرّة، وهي التي متى أنتجت لواحد أمكن أن ينتفع بها سواه من دون كُلفة إضافيّة؛ ولذا يُعدّ تقاضي الثمن خسارة لا مُبرّر اقتصادياً لها. وهذا يعني أنّ الإسلام يقف دون إهدار الموارد موقفاً صارماً، ويعدّه مِن الممنوعات شرعاً (1) .

الخاتمة

ملامح نظريّة الإنتاج الإسلاميّة من مبحث إحياء الأراضي المَوات

1 - اتّضح من خلال البحث أنّ الإسلام - بمباحث متعدّدة في الفقه الإسلامي - يُنظّر للإنتاج، فهو ليس مجموعة من الوصايا الأخلاقيّة في البِرّ بالفقراء والإحسان إليهم، ممّا يفتقر إلى محتوى أُطروحة اقتصاديّة، وأنّ الجهود المشار إليها في صدر البحث والرامية إلى إشاعة هذا التصوّر الخاطئ جهود ليست مُحايدة ولا موضوعيّة، وبالتالي غيـر علميّـة؛ حيث إنّها ذات أهداف خاصّة وعدائيّة.

فإذا كان مفهوم الإنتاج يتمثّل في تحويل المادّة الخام إلى سِلع تشبع حاجة ما، أو ما يعبّر عنه بخلْق المنافع، فإنّ الهيكل الحقوقي في الفقه الإسلامي يدفع بهذا الاتّجاه وينظّمه..، وبإمكان الباحثين تلمّس الهيكل النظري للإنتاج في الإسلام من حيث هو صياغة اقتصاديّة للحاجات المقترنة بالقدرة والرغبة في دفع ثمن مشجّع على إنتاج السلعة.

2 - عرّف الفقه الإسلامي الإنتاج بأوسع معانيه منذ السنوات الأُولى لنشوئه، فقد وسع مفهوم الإحياء لما يشمل النشاطات الزراعيّة والصناعيّة والحيوانيّة وصناعات التعدين..، في حين يقصر (الفيروقراط) حتى القرن (18) الإنتاج على النشاط الزراعي؛ لاعتبار أنّه الوحيد الذي يُعطي ناتجاً (2) .

____________________

(1) للتفاصيل اُنظر: الزرقا (أنس)، نُظم التوزيع الإسلاميّة، بحث منشور في مجلّة أبحاث الاقتصاد الإسلامي: العدد 1 / المجلّد 2 ص: 2 - 5، 1404 / 1984م.

(2) المحجوب (محمّد)، الاقتصاد السياسي: 1/261.

٩٣

3 - لا تبدأ آليّة الأُطروحة الاقتصاديّة الإسلاميّة في الإنتاج منه، بل من توزيع عناصره المستند على معيار المعاوضة (العمل)، ومعيار الحاجة، مع طرح معيار القوّة ومعيار القيَم الاجتماعيّة التي يستند إليها في الاستيلاء على الموارد (1) ، ويقرّر اكتساب ملكيّة عناصر الإنتاج في الإسلام الحكم الشرعي فقط، فلا السلطة العامّة لها حقّ منعه أو منحه ولا الفرد، فالملكيّة - من هذا التصوّر - تعدّ نتيجة للحكم الشرعي، فهي ليست حقّاً طبيعيّاً، أو وظيفةً اجتماعيّة، على أنّ مفهوم اكتسابها يستوعب تلبية الفطرة الإنسانيّة، ويكفيها لكي تؤدّي وظائف عباديّة واجتماعيّة.

4 - تنسجم نظريّة الإنتاج الإسلاميّة مع فلسفة الاستخلاف، فلا فاصل بين النظرة الشموليّة للموارد والاستفادة منها، وبين الهيكل النظري للإنتاج؛ الأمر الذي يفهم منه أنّ النظام الاقتصاديّ الإسلاميّ يعمل كلاًّ متكاملاً، ويظهر من موضوع البحث أنّ الإنتاج في الشريعة يُقلّل من كُلفة الرَيع، ويعدّ رأس المال عنصراً ثانوياً، ويعتمد في معادلة الإنتاج على طرفين: العمل والموارد المسخّرة.

5 - لتحديد ملامح نظريّة الإنتاج لا بدّ من بحث (ماذا ننتج؟)، فنجد أنّ الإحياء يرد على إنتاج السِلع النافعة المباحة شرعاً التي يطلق عليها القرآن مصطلح الطيّبات، وإلاّ فرقبة الأرض للدولة، تسحبها متى أخلّ المكلّف بضوابط الاستخلاف، وتبحث فيها أهداف الإنتاج، فيتجاوز المشرّع الإسلامي هدف الرخاء الفردي، أو رخاء المُجتمع إلى أهداف عباديّة وفكريّة تجعل من الكفاية الفرديّة للعيش وقدرة المجتمع وسائل لتلك الأهداف، وتبحث في الملامح (كيفيّة الإنتاج)، فنُلاحظ أنّ صرامة حقوقيّة تبرز في أجر الأجير وحصّة الشريك في المزارعة والمضاربة والمُساقاة، وتوزيع عناصر الدَخل، بعد ترحيل الفوائض الشرعيّة (الزكاة، الخُمس، الخَراج) لمصلحة المجتمع. ثمّ كيف نتصرّف بالإنتاج الفائض،

____________________

(1) للتفاصيل اُنظر: الزرقا (أنس)، (م. س)، مجلّة أبحاث الاقتصادي الإسلامي: العدد 1 / مجلّد 2.

٩٤

فإنّ المشرّع الإسلامي يرى المسلمين مسؤولين عن الجياع في العالم؛ لتصوّره أنّ المشكلة الاقتصاديّة ليست قائمة على الندرة.

ويمكن دراسة البناء التحتي لنظريّة الإنتاج، للبحوث التي تُكمِل هذا الجُهد في مباحث: ما يجوز الاكتساب به وما لا يجوز، ومباحث الصيد والذباحة، ومباحث البيوع وأنواعها، ومباحث الشِركة وأقسامها، ومباحث إحياء الموات (الأراضي وما عليها، والأراضي وما تضمّ)، والأجواء لتملّك السلع الحرّة.

6 - يتّضح طرف المعادلة الآخر في اكتساب حقوق المنتِج من خلال تفريق الباحث بين الاستثمار على أرض عامرة فُتحت عُنوةً، وأرض مَوات كذلك، فعلى الأُولى يتمّ الاستثمار مثقلاً بدفع الرَيع لمصلحة المجتمع (بيت المال... الخَـراج)، بينما لا يكون ذلك ضرورة في الاستثمار على النمط الثاني؛ بسبب أنّ الأُولى فرصة عمل مُهيّأة، والثانية فُرصة عمل غير مُكتشفة أو غير مهيّأة، والعمل لاكتشافها أو تهيئتها أكسب المُحيي حقّ اختصاص أعفاه مِن الرَيع؛ لأنّه يحقّق للمجتمع منافع أُخرى، ولربط هيكل الإنتاج بالوسائل الاقتصاديّة لإدارته يعني في مجال السياسة الاقتصاديّة أنّه يحقّ لوليّ الأمر أن يعفي:

أ - المشاريع المبتكرة من قِبَل الأفراد والشركات.

ب - المشاريع التي يتطلّب الشروع فيها تهيئة مُكلفة (العمل، رأس المال) من الالتزامات الماليّة إزاء المجتمع؛ لأنّها ستضيف كمّاً لطبيعة الإنتاج أو نوعاً يزيد وتائر الدخل القومي، وبالتالي دخول الأفراد فيترحّل مزيد من الفوائض من دخولهم، سواء من قناة الزكاة أو الخُمس أو الخَراج، وإن شئت قُل: إنّ لوليّ الأمر أن يمدّ يد العون المالي والخبرة لمثل هذه المشاريع، للغرض السابق ذكره.

7 - رجّح البحث ملكيّة الأرض الموات للدولة، وأعطاها حقّ منح الامتياز للأفراد إحياءً أو إقطاعاً، وقياساً عليه؛ ولتوفّر العلّة في الشركات

٩٥

المساهمة، لا مانع من منح الشركات موارد من الموات إحياءً أو إقطاعاً إذا توفّرت المصلحة.

وعليه يمكن القول: إنّ تنظيم الإنتاج في الإسلام لا يرفض شكلاً من أشكاله الثلاثة (المشروع الخاصّ (فرداً / مساهماً)، المختلط، العام).

كما أنّه يستلزم أن تُعطى للدولة مسؤوليّة التخطيط، ويجعل ذلك من مهامّ وظائفها الاقتصاديّة.

8 - يلحظ من خلال آراء الفقهاء في تضييق فترة التحجير أنّ الهيكل النظري يدفع باتّجاه تحقّق الكفاءة الإنتاجيّة، ويعدّ بقاء الموارد معطّلة من الآثام، ويحافظ على توزيع عناصر الإنتاج على قوّة العمل خاصّة، وقد ألغى آثار الوكالة والإجارة في الاستيلاء على المُباح؛ ليصل إلى تحقيق الحجم الأمثل للسكّان، لا من خلال تحديد النسل، بل مِن خلال زيادة فُرص العمل؛ لأنّ الحجم الأمثل هو العدد الذي يجعل الدخل الحقيقيّ للفرد المتوسّط يصل إلى أعلى قدَر مُمكن (أي يُحقّق أكبر إشباع ممكن لحاجاته) باستثمار الموارد الطبيعيّة المُتاحة، كما يسهل الإحياء بإلغائه للريع، وإلغاء الإسلام للفائدة (الربا) في تقليل الكُلَف، وبالتالي تقليل الأسعار؛ الأمر الذي يُساعد على حصول تراكم مالي يُعادل الاندثار والنموّ السكّاني، ويتوازن النموّ في جانب العَرض مع النموّ في جانب الطَلَب.

بهذا القَدَر أستطيع القول إنّ هذه الملامح ليست ممّا يغني هيكل النظريّة الإنتاجيّة في الإسلام ما لم تبحث الموضوعات الفقهيّة الأُخرى المشار إليها في البحث.

أرجو أن يتّسع المجال لإخواني أوْ لي للوقوف عند معطياتها الفكريّة؛ لمواصلة البناء النظريّ لتحديد (أُطروحة الإنتاج في الفكر الاقتصادي الإسلامي). والله المستعان، وله الحمد أوّلاً وآخِراً.

٩٦

المصادر

أ - القرآن الكريم.

ب - كُتب تفسير القرآن:

1 - الطبرسي (أبو علي الفضل بن الحسن)، مجمع البيان في تفسير القرآن، شركة المعارف الإسلامية، 1339هـ.

2 - الطوسي (محمّد بن الحسن)، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد القصير، مطبعة النعمان - النجف.

3 - الجصّاص (أبو بكر أحمد بن عليّ الرازي)، أحكام القرآن، دار الكتاب العربي - بيروت.

4 - الطبري (أبو جعفر محمّد بن جرير)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عيسى الحلبي، 1954م.

5 - القرطبي الأنصاري (أبو عبد الله محمّد بن أحمد)، الجامع لأحكام القرآن، إحياء التراث - بيروت، 1965م.

جـ - كُتب الحديث النبوي الشريف:

6 - العسقلاني (محمّد بن حجر)، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، تحقيق محمّد بن معطي وآخرين، مكتبة الكلّيات الأزهريّة، وصحيح البخاري، مطبعة الحلبي - مصر، ط1، 1377هـ.

7 - صحيح الإمام النيسابوري (مسلم بن الحجّاج)، مطبعة محمّد علي صبيح - مصر.

٩٧

8 - سُنن السجستاني (أبي داود)، تحقيق أحمد سعد علي، البابي الحلبي - مصر، ط1، 1952م.

9 - سُنن الترمذي، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، الباب الحلبي - مصر، ط1، 1962م.

10 - ابن أنس (مالك)، الموطّأ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب ومطبعة الحلبي، 1951م.

11 - ابن عبد البرّ، التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد، الملَكية - الرباط، 1067م.

12 - الحافظ الطبراني، المُعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد، وزارة الأوقاف - بغداد.

13 - الحرّ العاملي (محمّد بن الحسن)، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، دار إحياء التراث، ط4، 1391هـ.

14 - السيوطي (جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر)، الجامع الصغير، الحلبي - مصر، ط4، د. ت.

15 - الزيلعي (أبو محمّد عبد الله بن يوسف)، نصب الراية لأحاديث الهداية، المكتبة الإسلاميّة - مصر، 1973م.

د - كتُب فقه الإماميّة:

16 - النجفي (الشيخ محمّد حسن)، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق محمود القوجاني، مطبعة الآداب - النجف، 1967م.

17 - الجبعي العاملي (زين الدين)، الملقّب بالشيهد الثاني، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، تحقيق محمّد كلانتر، مطبعة الآداب - النجف، 1967م.

18 - الحسيني العاملي (محمّد الجواد بن محمّد بن محمّد)، مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة، تحقيق محسن بن عبد الكريم العاملي، المطبعة الرضويّة، مصر، 1323م.

٩٨

19 - المحقّق الحلّي (أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن)، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تحقيق عبد الحسين محمّد عليّ، الآداب - النجف، ط1، 1969م.

20 - الطوسي (محمّد بن الحسن)، المبسوط، طبعة محمّد باقر (حجريّة)، 1271هـ.

هـ - فقه الحنفيّة:

21 - الكاساني (علاء الدين)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، المطبعة الجماليّة - مصر، 1328هـ.

22 - الزيلعي (فخر الدين)، تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق، مطبعة الأميريّة.

23 - الميرغيناني (عليّ بن أبي بكر برهان الدين)، الهداية، شرح بداية المبتدي، الحلبي - مصر، ب. ت.

24 - أبو يوسف الأنصاري (يعقوب بن إبراهيم بن حبيب)، الخراج، المطبعة السلفيّة - مصر، ط2، 1352هـ.

25 - ابن سليمان (عبد الله بن محمّد)، مجمع الأنهر في شرح مُلتقى الأبحر، دار الطباعة العامرة، 1316هـ.

و - فقه الحنابلة:

26 - ابن الفرّاء (محمّد بن الحسين)، الأحكام السلطانيّة، تحقيق محمّد حامد الفقي، الحلبي، 1938م.

27 - ابن قُدامة (عبد الله بن أحمد)، المُغني، دار الكتاب العربي - بيروت، 1972م.

28 - المرداوي (عليّ بن سليمان)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (شرح المُقنعة)، تحقيق محمّد حامد الفقي، مطبعة السنة، ط1، 1957م.

ز - فقه الشافعيّة:

29 - الماوردي (عليّ بن محمّد بن حبيب)، الأحكام السلطانيّة، وبهامشه إقباس الأنام في تخريج أحاديث الأحكام للجميلي، دار الحرّية - بغداد، 1989م.

٩٩

30 - الدمشقي (محمّد بن عبد الرحمن)، رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة، منشورات مكتبة أسعد - بغداد، 1990م.

31 - الإمام الشافعي، الأُم، كتاب الشعب - مصر، 1968م.

32 - الشربيني (محمّد بن أحمد)، مُغني المُحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، الحلبي، 1958م.

33 - الفيروز آبادي الشيرازي (إبراهيم بن عليّ)، المهذّب في فقه الشافعي، الحلبي - مصر، ب. ت.

34 - الرملي (شمس الدين)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الحلبي - مصر، 1938م.

ح - فقه الزيديّة:

35 - ابن المُرتضى (أحمد بن يحيى)، البحر الزخّار لمذاهب عُلماء الأمصار، مؤسّسة الرسالة - بيروت، 1975م.

ط - فقه الظاهريّة:

36 - ابن حَزم (عليّ بن أحمد بن سعيد)، المحلّى، تحقيق أحمد محمّد شاكر، المكتب التجاري للطباعة - بيروت.

ي - فقه المالكيّة:

36 - الدردير (أحمد بن محمّد بن أحمد)، الشرح الكبير، ومع (حواشي الدسوقي وتقريرات أُخرى)، المكتبة التجارية، مصطفى محمّد - مصر، 1373هـ.

38 - ابن أنس (مالك)، المدوّنة برواية سحنون بن سعيد، دار صادر - بيروت.

ك - الفقه المُقارن والمدخل:

39 - ابن رشد (محمّد بن أحمد)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مطبعة المعاهد - القاهرة، 1935م.

40 - د. جميل (هاشم)، مسائل في الفقه المُقارن، دار الحكمة - بغداد، 1989م.

41 - مجموعة علماء، موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي - مصر.

١٠٠