مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني33%

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 174

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني
  • البداية
  • السابق
  • 174 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64603 / تحميل: 8042
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولو قلع جلدة عليها شعر ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضموناً ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في المحرم هل له أن يحلق رأس المـُحِلّ؟ فجوّزه في الخلاف‌ ولا ضمان - وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور(١) - لأصالة براءة الذمّة(٢) .

وقال في التهذيب : لا يجوز - وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة(٣) - لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالشاة تصرف إلى المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئاً ؛ لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلى المساكين ، كغيرها من الكفّارات.

ولما رواه ابن بابويه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين )(٥) .

مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار على أنّ المـُحْرم ممنوع من قصّ أظفاره‌ ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(٦) - وبه قال حمّاد ومالك‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٠٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ - ٣١٢ ، المسألة ١٠٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ذيل الحديث ١١٧٨ والحديث ١١٧٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ذيل الحديث ١٠٨٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢.

٢١

والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدى الروايتين(١) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر.

وفي الرواية الاُخرى عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(٢) .

ونمنع عدم ورود الشرع على ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله(٣) - لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدَّ من طعام حتى يبلغ عشرة »(٤) .

والثاني للشافعي : عليه درهم.

والثالث : ثُلْث دم ؛ لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(٥) .

إذا ثبت هذا ، ففي الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٢ ، الاُم ٢ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

٢٢

وفي حديث الحلبي عنهعليه‌السلام « مدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة »(١) .

وقال أبو حنيفة : إن : قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة. وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم.

وبالجملة : فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - وهو رواية لنا(٢) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ، بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة(٣) .

وهو حجّة لنا ؛ فإنّ الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدى اليدين أو إحدى الرِّجلين.

وقال الشافعي : إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه من قال : عليه دم. وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥٢.

(٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٤) انظر : المغني ٣ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، والمجموع ٧ : ٣٦٩ و ٣٧٦ ، و ٣٨٠ - ٣٨١ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ و ٣١٠ ، المسألتان ١٠٠ و ١٠١.

٢٣

ونمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ.

وقال محمّد : إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع :

أ - الكفّارة تجب على كلّ مَنْ قلّم متعمّداً‌ ، ولا شي‌ء على الناسي ولا الجاهل عند علمائنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد(٢) - لما تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد »(٣) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان.

روى أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان »(٤) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١.

٢٤

د - مَنْ أفتى غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب على المفتي دم شاة‌ ، لأنّه الأصل في إراقة الدم.

ولأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظمَعليه‌السلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « على الذي أفتاه شاة »(١) .

البحث الرابع : في جزاء قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر.

مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المـُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام‌ - وبه قال عطاء(٢) - لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ، فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل(٣) شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يتصدّق بمهما كان(٥) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) في المصدر : « وإن قتل ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

٢٥

وقال مالك : حفنة من طعام(١) .

وقال طاوُس وسعيد بن جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين : لا شي‌ء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغى(٢) .

ولا دلالة فيه على عدم الفدية.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد. وللرواية(٣) .

مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ(٤) .

وأوجب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( ولا يعضد شجرها )(٦) .

ولقول ابن عباس : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) تقدّمت في صدر المسألة.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) الاُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٤ و ٤٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

٢٦

شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(١) .

والرواية مرسلة.

وقال مالك : لا ضمان فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء على المـُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإِحرام لا يتفاوت ، كالصيد(٢) .

والجواب : أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(٣) دون الأصل ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٤) .

ونمنع الصغرى.

البحث الخامس : فيما يجب بالفسوق والجدال.

مسألة ٤٠٠ : المـُحْرم إذا جادل صادقاً مرّةً أو مرّتين ، لم يكن عليه شي‌ء من الكفّارة‌ ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا جِدالَ ) (٥) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرّتين‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥.

(٣) الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جُعل مقيساً على الأصل وهو شجر الحِلّ.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

(٥) البقرة : ١٩٧.

٢٧

فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة »(١) .

ولو جادل مرّةً كاذباً ، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور »(٢) .

هذا كلّه إذا فَعَله متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء.

مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه ، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك ، فإنّه من قول الجاهلية »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و « بلى والله » أو إحداهما؟ الأقرب : الثاني.

وأمّا الفسوق : فهو الكذب ، ولا شي‌ء فيه ؛ للأصل.

ولأنّ محمّد بن مسلم والحلبي قالا للصادقعليه‌السلام : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي »(٤) .

البحث السادس : فيما يجب بالاستمتاع.

مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم‌ عامداً قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

٢٨

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(١) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٢) : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتى يقضيا حجّهما(٣) .

قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شي‌ء روي فيمن وطئ في حجّه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الاُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرى عليهما عقوبة »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٣ - ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٢٩

ويكفّر ببدنة ، وإذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتى يقضيا مناسك القضاء إن حجّا على ذلك الطريق - وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور(١) لأنّه وطئ في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

ولرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل »(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة - وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة(٣) - لأنّه معنى يتعلّق به وجوب القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات(٤) .

وهو باطل ؛ للفرق ، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق.

مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد‌ عند علمائنا - وهو قول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ و ٤١٤ و ٤١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦.

٣٠

عامّة العلماء(١) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٢) وهو يتناول الفاسد.

ولما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسدة ، ويقضي من قابل(٣) . ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك »(٤) .

وقالت الظاهرية : يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود )(٥) (٦) .

والجواب : المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المـُقْبلة على الفور وجوباً عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٧) - لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، المحلّى ٧ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٥) كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - ١ : ٢٨ / ٥٢ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ - ١٣٤٤ / ١٨ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٦ و ١٨٠ و ٢٥٦.

(٦) المحلّى ٧ : ١٨٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠.

٣١

وسأل ابن عمر ، فقال كذلك(١) ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم في المسألة السابقة(٢) .

ولأنّه لمـّا دخل في الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً.

ولأنّ الحجّ واجب على الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

واختلف أصحاب الشافعي على قولين : أحدهما كما قلناه.

والثاني أنّه على التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب على التراخي ، فالقضاء أولى ، فإنّ الصوم يجب على الفور ، وقضاؤه على التراخي(٣) .

ونمنع التراخي في الأداء ، وقد سبق(٤) .

مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً - وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد(٥) - لوجود المقتضي - وهو الإِفساد - في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة.

ولما رواه علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) من رواية زرارة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٩.

(٤) سبق في ج ٧ ص ١٧ ، المسألة ٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٢

رجل مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتى عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّى ينتهيا إلى مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه »(١) .

وقال الشافعي : يجزئهما هدي واحد - وبه قال عطاء وأحمد في إحدى الروايتين - لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان(٢) .

ونمنع الحكم في الأصل ؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً(٣) .

ولأنّها أحد المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل.

فروع :

أ - لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شي‌ء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا على الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - وهي مُحْرمة - على الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرى عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ - ٣١٨ / ١٠٩٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، المجموع ٧ : ٣٩٥ ، المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٣

وقال في الاُخرى : لا شي‌ء عليه عنها. وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر(١) .

وعنه ثالثة : أنّ البدنة عليها(٢) .

وهو خطأ ؛ لما مرّ.

ولا يجب عليها حجّ ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها على الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه.

ونفقة الحجّ عليها لا على الزوج.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها(٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء.

احتجّوا : بأنها غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت على الزوج كالمهر(٤) .

والجواب : أنّ المهر عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

وعلى هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم(٥) .

مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك‌ إن حجّا على ذلك الطريق - وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد(٦) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨.

٣٤

وعثمان وابن عباس(١) ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٢) في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ».

واختلف أصحاب الشافعي على وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب(٣) .

وقال مالك : يفترقان من حيث يُحْرمان - ونقله في الموطّأ(٤) عن عليعليه‌السلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما(٥) .

والجواب : أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر على موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلى الوطء.

وقال أبو حنيفة : لا أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا(٦) .

والجواب : التفريق في الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنى يجمعهما.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٠٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٥١.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢.

٣٥

ولأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن.

ولأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتى يقضيا المناسك.

والروايات تعطي التفريق أيضاً في الحجّة الاُولى من ذلك المكان حتى يأتيها بها فاسدة أيضاً.

وهو جيّد ؛ لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة.

وحدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما ، بل متى اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة ، كمنع التفريق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه »(١) .

مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي في الجديد(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المغني ٣ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٣٦

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم.

وقال الشافعي في القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوى عمده وسهوه كالفوات.

ولأنّه من محظورات الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ الفوات ترك ركن ، فاستوى عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول.

وجزاء الصيد ضمان الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه.

تذنيب : لو اُكره على الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا - وللشافعي قولان كالناسي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( وما استكرهوا عليه )(٣) .

ولأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ، لعدم الفرق بينهما.

مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤١ - ٣٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٨.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٧

ومحمّد(١) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل.

وللروايات الدّالة على إيجاب ما ذكرنا على مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع.

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالوطء في الدُّبُر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(٢) .

والفرق : أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع.

قال الشيخرحمه‌الله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. وبه قال الشافعي(٣) .

ومنهم مَنْ قال : لا يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة.

وقال أبو حنيفة : إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر على روايتين : المعروف : أنّه يفسده.

واستدلّ على الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلى الثاني : ببراءة الذمّة(٤) .

وهو يدلّ على تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام.

وجزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤.

(٣) في الطبعة الحجرية زيادة : ومنهم من قال : لا يتعلّق به فساد الحجّ. وفي النسخ « ف ، ط ، ن » مضافا إلى ذلك زيادة : وبه قال الشافعي. ولم ترد في المصدر.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المسألة ٢١٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٦.

٣٨

وأمّا إتيان البهائم : فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت(١) .

وقال الشافعي : يفسد الحجّ(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لو استمنى بيده ، قال الشيخرحمه‌الله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة(٣) ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسنعليه‌السلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنى ، قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل »(٤) .

ولأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال على وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه(٥) في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة.

وقال ابن إدريس : لا يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ على براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ، للإجماع ، فيبقى الباقي على أصله(٦) .

مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٧) - لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٣) النهاية : ٢٣١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ذيل الحديث ١١١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣.

(٥) الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية - : لمشابهته إيّاه.

(٦) السرائر : ١٢٩.

(٧) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

٣٩

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(١) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « إن كان أفضى إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(٢) .

ولأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ ، فلم يفسد الحج ، كالتقبيل.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه - وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام(٣) .

والفرق : أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

وقال الشافعي وأصحاب الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة(٤) .

والفرق : أنّه أفحش ذنباً من القبلة ، فالعقوبة فيه أشدّ.

ولو لم ينزل ، قال العامّة : تجب الشاة(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ - ٣٧٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٢٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٣٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

في هذه العجالة لتحليل ذلك، نعم نتوقف عند الفرض الثالث، لأنه الفرض المقبول اجمالاً في أذهان كثير من المتأثرين بالداروينية، وذلك لنبحث مدى صحة نظرية دارون الاحيائية.

- ٣ -

ملخص نظر دارون في علم الاحياء:

إن الأنواع الحية بما فيها الانسان ترجع إلى كائن حي وحيد الخلية. حدثت في داخل هذا الكائن تغيرات نوعية بشكل بالطفرات أوجبت انقسامه إلى أنواع بعد أن كان وحيد النوع. وهذه الطفرات لا تتم بتوجيه وقصد، وإنما تتم صدفة يحصل صراع - وفقاً لقانون تنازع البقاء - بين الأنواع التي زودتها الطفرة الصدفة بكفاءات نوعية جديدة، وبين تلك التي لم تحظ بذلك، وبحكم قانون بقاء الأصلح تبيد هذه الأنواع أمام الانواع المزودة بالطفرات. وهذه التغيرات المكتسبة بالطفرات الصدفة لا بد من افتراض أنها قابلة للتوريث إلى الاعقاب، وهكذا ينشأ جيل جديد ورث الخصائص النوعية المميزة عن اسلافه. وتستمر الطفرات في الحدوث صدفة ويستمر قانون الوراثة في عمله. ويستمر قانونا تنازع البقاء وبقاء الأصلح في عملهما وتستمر التطورات من خلال ذلك، حتى يصل بنا المطاف إلى الانواع الحية السائدة الان، ومن بينها الانسان، قمة هذه العملية التطورية.

هذا ملخص لنظرية دارون في اكمل صورها، بعد كثير من الاصلاحات التي اضافها خلفاء دارون إليها. فهل هي علم يقيني تماثل أن ٢ + ٢ = ٤ ؟

٨١

كلا، إنها في غالبها ظنون واحتمالات وفرضيات صنفت لأجل تكوين صورة عن عملية التطور التي لا شك فيها إجمالاً، والتي لا تختص بالأنواع الحية وحدها وإنما تشمل الجماد والنبات والحيوان. فعلينا أن نميز بين أصل مسألة التطور وهي قضية مسلمة إجمالاً وبين تفاصيلها كما شرحها دارون وخلفاؤه وهي لا تعدو أن تكون مجموعة من الظنون والاحتمالات، ولا ترقى الى مرتبة العلم واليقين.

والمناقشات التي تدور حول النظرية تكشف عن ضعفها، وعدم تماسكها:

أولاً: لماذا تحدث الطفرة؟ يجيب الداروينيون: انها تحدث صدفة.

ولكن هذا التعليل غير مقنع. إن الطفرة ظاهرة طبيعية لا بد لها من أسباب، فما هي أسبابها؟ لا ندري!!، إذن تعليلنا للتغير النوعي الذي يحدث بأنه طفرة حدثت صدفة، لا يعني اكثر من أننا نجهل سبب التغيير النوعي. وإلا فإذا كانت الصدفة وحدها كافية - علمياً - لتفسير النوع الحيواني فلماذا لا نفسر الظواهر الطبيعية الاخرى بالصدفة ايضاً؟ وإذا كان التعليل بالصدفة يكفي علمياً فلماذا نرفض فكرة أن السلالة البشرية الموجودة الآن تناسلت من أبوين وجدا صدفة، ولم يتسلسلا من نوع اخر؟.

الحقيقة أن التمسك بالصدفة لا يعني شيئاً اكثر من أننا نجهل السبب في حدوث التنوع الحيواني. وهكذا تختفي السمة العلمية من النظرية لتعوذ بالالفاظ التي تخفي عجزها عن البيان العلمي المقنع ثم ما هي الصدفة؟

٨٢

هل في الكون صدفة؟ إن للصدفة قانوناً معينا يكشف لنا عن استحالة تعليل نشوء جزيء واحد من البروتين من المركبات الاساسية في جميع الخلايا الحية - إن العالم الرياضي السويسري (تشارلز يوجين جاي) قام بحساب الفرصة التي يمكن أن تتاح لتكوين جزيء واحد من البروتين صدفة فوجد أنها بنسبة(١) إلى (١٠ ١٦٠) أي بنسبة رقم واحد إلى عشرة مضروباً في نفسه (١٦٠) مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به والتعبير عنه بالكلمات. وينبغي أن تكون كمية المادة اللازمة لحدوث هذا التفاعل لينتج جزيء واحد من البروتين صدفة اكثر مما يتسع له هذا الكون بملايين المرات. ويجب أن يستمر هذا التفاعل بلايين من السنين قدرها العالم المذكور بأنها عشرة مضروبة في نفسها (٢٤٣) (١٠ ٢٤٣) من السنين. كل هذا لانتاج جزيء واحد من البروتين صدفة فإذا قلنا أن التنوع الحيواني في الكون ناشيء عن طريق الصدفة نصل إلى الصفر، أي أن قيمة الاحتمال أو الصدفة تساوي الصفر أي تساوي المحال الرياضي.

ومع ذلك يقول الداروينيون إن النوع الحيواني في الكون وجد صدفة!!

ثم ان هذه التغيرات التي يسميها الداروينيون طفرات، ما الدليل على أنها نقلت كائناً حياً من حالة نوعية إلى حالة نوعية أُخرى؟ لا دليل، إنه مجرد افتراض لا غير، فلم تستطع جميع العلوم التي استعانت بها الداروينية أن تثبت بصورة علمية لا تقبل الشك حلقات الاتصال بين نوع حيواني ونوع آخر.

ان التغيرات موجودة بلا شك، وتدل على تطور في الكفاءات،

٨٣

ولكن في داخل كل نوع، ولاتدل أبداً على الانتقال بسببها من حالة نوعية إلى حالة نوعية أُخرى.

ثانياً - ننتقل إلى مشكلة توريث الصفات المكتسبة بواسطة الطفرات، دون الصفات المكتسبة الاخرى التي ثبت علمياً عدم قابليتها للتوارث. بأي تعليل علمي مقبول نعلل هذا الافتراض الذي يشكل العمود الفقري للنظرية - إلى جانب حكاية الطفرة الصدفة لقد فشل دارون وخلفاؤه في اعداد جواب علمي مقبول وكاف على هذا السؤال. أما علم الوراثة فقد اثبت ان مرد جميع الصفات الوراثية إلى الجينات التي تحويها خلايا التناسل. وقد أوضح العلم أن الجينات لم تشتق من خلايا جسمية بل من «جرمبلازم» الوالدين فالأجداد، وهكذا وعلى هذا الضوء أثبت علم الوراثة بعد التمييز بين الخلايا الجسمية والخلايا التناسلية ان الصفات المكتسبة لاتورث. وهكذا تنهار الداروينية، من هنا لتلجأ إلى فرضية التنوع عن طريق الطفرات، وقد عرفنا قيمة هذه الفرضية آنفاً.

وهكذا تبقى الداروينية - مجرد فرضية لم يحالفها التوفيق.

ثالثاً: نساير الداروينية فنقول: لقد وصل التطور إلى قمته متمثلاً بالعقل الانساني، فكيف حدث ذلك؟ ما هو العقل؟ وما هو سره العجيب؟

إن العلم الحديث لا يعرف شيئاً عن طبيعة العقل. والداروينية كغيرها من الفرضيات عاجزة عن تقديم تفسير لنشأة العقل الانساني المدهش.

هل تفرض الداروينية ان العقل تطور من تطورات المادة نشأ بواسطة

٨٤

الطفرات الصدفة وتنازع البقاء وبقاء الاصلح والتوريث؟..الحق أن أشد مذاهب علم النفس غلواً في المادية «المذهب السلوكي» حاول الجواب وفشل بشكل فاضح.

الخلاصة: إن الداروينية عاجزة عن إثبات دعواها إنها ذات نتائج احتمالية مبنية على مقدمات احتمالية، فهل يصح أن نعتبرها علماً، وان نتخذها سنداً في نقد الافكار الدينية؟ وهل نكون أُمناء حين نسمي الظنون والاحتمالات علماً(١) .

إن الدكتور العظم وقع في الخطأ حين أصدر أحكاماً جازمة مبنية على ما أسماه علماً، وما هو بعلم إن هو إلا ظن واحتمال والظن لا يغني من الحق شيئاً، وندرك مدى خطأه حين يهاجم العقائد مستنداً على هذه النظرية ويهاجم الموفقين بين العلم والدين الذين يرفضون هذه النظرية. انظر ص ٤٢ ، ٤٣ من الكتاب.

____________________

(١) نشرت صحيفة الأهرام القاهرية في عددها الصادر يوم الاربعاء ٢ شوال سنة ١٣٩٢ هجري - ٨ نوفمبر (تشرين الثاني) ١٩٧٢ م ، الخبر التالي:

واشنطن، في ٧ - ١ - ٧٢ وكالات الانباء:

أعلن ريتشار دليكي، أحد علماء الانثروبولوجيا - علم الانسان - في كينيا، أنه تم اكتشاف بقايا جمجمة يرجع تاريخها الى مليونين ونصف مليون عام، ويعد أقدم أثر من نوعه للانسان الأول. وقال العالم: ان هذا الاكتشاف يمتد في أثره مليوناً ونصف مليون عام عن أقدم أثر يمكن العثور عليه حتى الآن. وقد تم اكتشاف عظام الجمجمة مع عظام لساق بشرية ترجع إلى نفس الحقبة من التاريخ في جبل حجري بصحراء تقع شرق بحيرة رودلفا في كينيا.

وقال العالم: ان هذا الأثريمكن أن يقلب النظريات القائمة بشأن تطور الانسان عن أجداده فيما قبل التاريخ، وكيف ومتى تم. =

٨٥

____________________

= وقد قدم ريتشارد، (وهو مدير المتحف البريطاني في كينيا) تقريراً عن اكتشافه إلى الجمعية الجغرافية في واشنطن، وقال فيه:

إن نظريات التطور الحالية - وعلى رأسها نظرية دارون - تفيد أن الانسان تطور من مخلوق بدائي كانت له سمات بدنية شبيهة بسمات القرود. وان اقدم اثر للانسان كمخلوق منتصب يسير على رجليه وله مخ كبير يرجع الى نحو مليون سنة، في حين ان الاكتشاف الجديد يدل على أن المخلوق الانساني المنتصب في الساقين لم يتطور عن المخلوق البدائي الذي يشبه القرد، بل كان يعاصره منذ أكثر من مليون ونصف مليون عام، وإنه يمكن على هذا الاعتبار استبعاد المخلوق البدائي الأول على اساس ان الانسان انحدر من سلالته وذكرت الجمعية الجغرافية في تعليقها:

«ان نظرية ليكي تقوم على أساس أن المخلوق البدائي الأول، واسمه العلمي (أوسترالو بيتشيكوس) - وكان اساساً من أكلة النباتات - قد وصل الى مرحلة تطورية مسدودة، بينما استطاع الانسان الذي استعمل اللحم في غذائه، وتمكن من صناعة الادوات الحجرية أن يبقى على قيد الحياة.

وأكد ليكي في تقريره أنه أمكن إعادة بناء جمجمة من شظايا العظام التي عثر عليها، وأنه بالرغم من أن هذه الجمجمة لا تشبه جماجم الجنس البشري المعروف حالياً إلا أنها تختلف كذلك عن جميع اشكال الجماجم التي عثر عليها للانسان الأول، ولذلك لا تتفق مع أي نظرية حالية من تطور الانسان»

وفي ١١ - ٣ - ١٩٧٣ نشرت جريدة الأخبار القاهرية في صفحتها الثالثة تحت عنوان «انتكاسة نظرية الارتقاء» ما يأتي للاستاذ ظفر الاسلام خان - الهندي: «تعرضت نظرية الارتقاء لهزة عنيفة في اوائل الشهر الحالي حين قرر المجلس التعليمي الحكومي بولاية كاليفورنيا الامريكية بأن تشير جميع الكتب المدرسية للعلوم الى نظرية الارتقاء الداروينية بأنها «نظرية افتراضية وليست حقيقية» وجاء في قرار المجلس التعليمي للولاية: «ان ما يمكن معرفته عن اصول الحياة لا يعدو أن يكون مجرد افتراض ذكي - على اكثر تقدير -» وأمر المجلس «باستخدام تعديل على العقائد النظرية المسلم بها الى بيانات قابلة للتعديل وفقاً للظروف».

أوردت هذا الخبر مجلة (الايكونومست) الاسبوعية البريطانية في عددها الصادر في ١٠ مارس سنة ١٩٧٣ نقلنا هذين الخبرين عن الاستاذ الدكتور عبد اللنعم النمر مدير البحوث الاسلامية في الازهر الشريف (خواطر من الدين والحياة) الطبعة الاولى ١٩٧٣ م - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان ص ٢١٠ - ٢١٢.

٨٦

الجن والملائكة وابحاث أخرى (الجن والملائكة)

ثمة حقائق أثبتها الوحي ولا سبيل إلى العلم بها عن طريق الحس والتجربة، وهي الحقائق الغيبية. إن الملائكة والجن وابليس والجنة والنار وما إليها ليست أساطير كما يقول المؤلف.

هل النظرة العلمية التجريبية الحسية تنفي وجود هذه الكائنات؟ أو ان الحس والتجربة لم تكتشف هذه الكائنات؟ إن التعبير الصحيح هو الثاني، ولم يقل أحد ان هذه الأشياء يمكن اكتشافها في المختبر، لسبب بسيط جداً، وهو انها خارجة عن نطاق التجربة الحسية. فالرجوع إلى النظرة العلمية الحسية للحكم على ما هو خارج عن نطاقها مسلك غير علمي، ولا ينفي عدم قدرة الحس والتجربة على ملامسة هذه الأشياء ان تكون هذه الأشياء حقيقة أيضاً كالأشياء الحسية.

إن الوحي الصادق الذي ثبت بالبرهان القاطع هو طريقنا إلى العلم بهذه الامور، فاننا إذا آمنا بالعلة الاولى للكون، وهي اللّه. وآمنا بالنبوة والوحي فلا بد لنا من الايمان بالحقائق الغيبية التي اخبرنا الوحي عنها.

٨٧

إننا حين نؤمن بأن شيئاً ما مصدر للمعرفة، فلا بد لنا من الايمان بالمعرفة التي تأتينا من هذا المصدر.

وإذن فالايمان بهذه الامور فرع للايمان بظاهرة الوحي، ومن لا يؤمن بالوحي لا معنى للكلام معه في الفرع وهو ينكر الأصل، وإذا آمنا بالوحي فمن المنطقي حينئذٍ الايمان بالغيب الذي جاء عن طريق الوحي.

والدكتور العظم وامثاله من الماديين الماركسيين وغيرهم حين يردون الكون وظواهره إلى اصل غير معروف وغير معقول، وحين يلوذون بحكاية الصدفة إذا حوصروا واعوزتهم الحجة المقنعة - هؤلاء ايضاً يؤمنون بالغيب الذي يعتقد بمثله المؤمنون بالاديان، فلماذا يكون غيب الماديين حقاً وغيب المؤمنين بالاديان باطلاً؟ مع أن غيب المؤمنين اكثر عقلانية وانسجاماً مع المنطق السليم.

***

من هنا يتضح لنا أن سخرية المؤلف في (٣٧ - ٣٨) لامعنى لها فليس المراد من النص الذي اختاره المؤلف أن بالامكان اكتشاف موجات ضوئية جنِّية وملائكية، وإنما المراد هو أن ثمة عوالم غير منظورة كثيرة وراء عالمنا، فعدم اطلاعنا على تلك العوالم وتركيبها لا ينفي وجود كائنات غير منظورة وذات طبيعة غير إنسانية فيها - وهذا معنى معقول صحيح لا وجه للسخرية منه.

***

النظرة الغائية

وهذا ينقلنا إلى مناقشة المؤلف للنظرة الغائية إلى الكون. إن المؤلف ينفي القصد والغاية من النظام الكوني. إنه نظام وجد صدفة، نعم صدفة، ووجد بهذا الشكل من النظام الدقيق المحكم المتناسق صدفة.

لا يأبى عقل الدكتور «العلمي» أن يؤمن بالصدفة في كل النظام الدقيق الشامل الذي يسيطر على كل ظواهر الطبيعة ويأبى عقله التصديق بالوحي وبالحقائق الغيبية الآتية عن طريق الوحي.

نعود إلى النظرة الغائية. إن النظام الدقيق المحكم الذي يسيطر على الكون يكشف عن القصد والغاية التي تقود الكون نحو النمو والتكامل. إن المؤلف قد نفى هذه النظرة بكلام خطابي عن العلم وعدم إدراكه للغاية والقصد مع قائمة بأسماء علماء الطبيعة والرياضيات (ص - ٣٨ ٣٩).

٨٨

وقد فات الدكتور انه لا منافاة بين النظرة الغائية وبين العلم. إن وظيفة العلم وظيفة وصفية، العلم لا يفسر ولا يفلسف، العلم يحلل ويصف فقط، أما التفسير، اما إدراك المعنى الكامن ولاء الظاهرة الطبيعية، فهو من شأن الفلسفة، من شأن العقل المفكر الواعي، وليس من شأن أنابيب الاختبار وأفران الصهر. إن العلم يستطيع أن يحلل التفاحة إلى عناصرها الأساسية، ويصفها، ولكنه لا يستطيع أن يقول لنا انها جملية أو غير جميلة، لذيذة أو غير لذيذة، فلذلك شأن يتعلق بقوى إدراكية لدى الانسان لا علاقة للعلم التجريبي بها.

***

تدخل القدرة الإلهية في عمل الطبيعة

اعترض المؤلف على قوله تعالى في سورة المؤمن:

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ من سُلالَةٍ من طين. ثم جَعَلْنَاه نُطْفَةً في قرارٍ مَكين. ثم خَلَقْنَا النّطْفةَ عَلَقَةً. فخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً فخَلَقْنا المضغة عظاماً. فكسوْنا العظام لحماً. ثم انشأناهُ خلقاً آخر فتباركَ اللّه أحسَنُ الخالقين ) (١) .

اعترض بأن ما تدل عليه الآيات من تدخل الارادة الإلهية في عملية تكون الجنين ينافي ما يقرره علم الأجنة.

ونقول للمؤلف اننا بينا عند الحديث عن المسألة الإلهية ان إيماننا باللّه علةً أُولى للكون لا يعني أننا ننفي العلل الطبيعية من التأثير، كيف ذلك ونحن نشاهد بحسنا وندرك بعقولنا تدخل العلل الطبيعية وعملها؟ وانما يعني ان العلل المتصاعدة لا بد ان تنتهي إلى علة أُولى هي اللّه تعالى.

ونزيد البيان هنا فنقول:

إن الظاهرة تارة تكون خارقة للطبيعية «معجزة» وأُخرى تكون طبيعية. حين تكون الظاهرة خارقة للطبيعة ففي هذه الحالة تكون نتيجة للتدخل الإلهي المباشر. وأما حين تكون الظاهرة طبيعية فهي تتبع بصورة مباشرة أسبابها الطبيعية، ومن ذلك نمو الجنين في الرحم، فإنه تابع

____________________

(١) سورة المؤمن، الآيات: ١٢ - ١٤

٨٩

لأسبابه الطبيعية المباشرة، وإسناد عملية الخلق إلى اللّه في هذه الآيات، إنما هو باعتبار أن اللّه تعالى هو العلة الاولى والنهائية في سلسلة العلل المتصاعدة. فهو سبحانه وتعالى خلق الأسباب وجعل العلل وفقاً لهذا النظام الذي يحكم الكون كله.

***

تزوير وتناقض

يهاجم المؤلف (ص - ٤٢ - ٤٣) المسلمين الذين يرفضون نظرية دارون، ونظرية الحريات العامة في التاريخ كما بشرت بها الثورة الفرنسية، ونظرية فرويد والماركسية ويهاجمهم لأنهم يرفضون العلم في الوقت الذي يدعون ان الاسلام ينسجم مع العلم.

ونقول للمؤلف اننا قد بينا مدى «علمية» نظرية دارون آنفاً فهي ليست علماً بل ظن واحتمال لا يغني عن الحق شيئاً.

ونقول للمؤلف الماركسي: هل تقر عقيدتك الماركسية نظرية الحريات كما بشرت بها الثورة الفرنسية او ان الماركسية تستغل الحريات إلى أن يستولى اتباعها على السلطة فتخنق كل الحريات. هل يتاح لمسلم أن يهاجم الماركسية في دولة شيوعية كما هاجمت أنت الاسلام والمسيحية في كتابك موضوع البحث. هل توجد حريات في المجتمع الشيوعي؟

ونقول للمؤلف الماركسي هل تعترف الماركسية بنظرية فرويد التي قلت عنها (ص - ٤٣) «انها من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية

٩٠

في مجال الدراسات النفسية». نقول له: هل تقر الماركسية نظرية فرويد في أن المحرك الأساسي للانسان هو الغريزة الجنسية، وتنخلى الماركسية عن مبدئها الاساسي في ان العامل الاقتصادي هو العامل الوحيد في حركة الفرد والمجتمع؟

إن الماركسية ترفض نظرية فرويد فلماذا لا يجوز للمسلم أن يرفضها؟ أو إنها بالنسبة إلى الماركسي تكون سخافة وبالنسبة إلى المسلم تصير علماً..

وأما مدى ما في الماركسية من «علم» فنرجو ان تتاح لنا فرصة الحديث عنه مع المؤلف في الفصل الأخير من كتابه.

***

التوفيق التبريري

في الصفحات (٤٥ - ٥١) انتقد المؤلف المحاولات التي تبذل في الدول الإسلامية لتبرير اشكال الحكم القائمة في كل دولة. ونحن نقول للمؤلف إن الإسلام كدين ليس مسؤولاً عن هذه المحاولات، وإنما المسؤول هو الحكام الذين يريدون أن يبرروا أنفسهم، ومسؤولية المبررين.

وقد عرضنا لهذه المسألة في قسم سابق من حديثنا مع المؤلف، ونبهنا على تناقض المؤلف مع نفسه بين ما ذكره هنا وبين ما ذكره عن هذا الموضوع في ص - ٢٣ - ٢٤.

التوفيق التعسفي

في الصفحات (٥١ - ٥٧) ندد المؤلف بقسوة وسخرية عن

٩١

المحاولات الرامية إلى تقرير أن بعض المكتشفات العلمية الحديثة قد وردت في القرآن.

ونقول للمؤلف: ان المبدأ العام بالنسبة إلى هذه المسألة هو أن القرآن ليس كتاباً في العلوم، ولذا فليس المطلوب منه ان يتضمن مبادئ علوم الطبيعة وغيرها، وإنما هو كتاب هدى ونور، يقوّم السلوك الإنساني ويهديه سواء السبيل.

ولكن هذا المبدأ لا ينفي أبداً أن في القرآن آيات كثيرة تتضمن إشارات واضحة جداً إلى حقائق علمية كشف العلم عنها بصورة نهائية. ان الآيات التي أتحدث عنها لم تسق للتعبير عن الحقيقة العلمية بصورة مباشرة، وإنما سيقت للتعبير عن أغراض أُخرى تتعلق بالانسان وسلوكه، وقدرة اللّه الكلية ولكنها في طيات ذلك تومئ إلى الحقيقة العلمية. والملاحظة الأمينة المحايدة الواعية تكشف عن ذلك بوضوح. ولو كان المقام يتسع لذكر بعض الأمثلة لذكرتها.

إن السخرية التي يلجأ إليها المؤلف لنفي الآراء التي لا تعجبه لا تقوى على دفع هذه الحقيقة. لسنا مع أولئك المتحمسين الذين يريدون أن يجعلوا من القرآن موسوعة علمية، ولكننا أيضاً لانوافق المؤلف على نفيه القاطع.

التوفيق على الطريقة اللبنانية

في الصفحات (٥٧ - ٦٩) استعراض المؤلف المحاولات المبذولة لانشاء حوار إسلامي مسيحي في لبنان والعالم، واعتبرها ظاهرة من ظواهر

٩٢

التفكير المجامل في اذهان المسؤولين عن شؤون الفكر الديني عامة واهتماماتهم».

ونقول: لسنا مع الأب يواكيم مبارك وغيره ممن يرون ان يحصروا الحوار في «المقابلة اللاهوتية البحت» فذلك لا يجدي ولا يفيد.

المفروض انه يوجد إسلام ويوجد مسيحية، وانهما دينان متميزان فلا معنى للمطالبة بوحدتهما في كل شيء، وإلا لكانا ديناً واحداً. إن الحوار ينبغي أن يستهدف اكتشاف المبادئ الكبرى التي تجمعها، المبادئ الكبرى في السلوك وفي احترام الانسان، وفي تيسير حركة التقدم الانساني، والتعايش بين الامم والجماعات الثقافية والدينية المختلفة.

إن الاسلام منذ ظهوره منفتح على المسيحية والمسيحيين، وتاريخه خلال العصور أعظم شاهد على انفتاحه، والمسيحية من خلال تطور الكنيسة تحاول الانفتاح على الاسلام، ونأمل أن يترجم هذا الانفتاح إلى دعم جهود العالمين الاسلامي والعربي بصورة واضحة وصريحة في المسألة الفلسطينية(١) .

تناقض

بعد أن حارب المؤلف الدين من كل الوجوه، ونفى أُسسه على جميع المستويات، ابتداء من اكبر قضاياه «وجود اللّه» إلى أبسط قضية

____________________

(١) لاحظ بحثنا عن الحوار الاسلامي المسيحي الذي نشر بعد كتابة هذه المطارحات في جريدة السفير البيروتية في حلقتين الاولى في العدد ٧٠٨ الاثنين ١٤ ربيع الأول ١٣٩٦ هجري = ١٥ / ٣ / ١٩٧٦ بعنوان (تأملات في صيغة الحوار الاسلامي المسيحي - ازمة الحضارة ومشروع جديد للحوار والثانية في العدد ٧٠٩ الثلاثاء ١٦ / ٣ / ١٩٧٦ بعنوان (تأملات في صيغة الحوار الاسلامي المسيحي - آفاق جديدة لعلاقات الحوار بين الديانتين).

٩٣

دينية، بعد كل هذا عاد في ص ٧٨ إلى القول بأنه «لا يريد نسخ الشعور الديني في تجارب الانسان من الوجود».

ونتساءل: كيف لايعترف بوجود إله، ويرفض وجود عالم غيبي، ومع ذلك يريد بقاء الشعور الديني، من أين يأتي الشعور الديني اذا لم يكن ثمة إله؟

وهذا التناقض شبيه بما ذكره في أول كتابه في (ص ١٧) حيث فرق بين ظاهرتين للدين:

١ - كونه «ظاهرة روحية نقية وخالصة على نحو ما نجدها في حياة قلة ضئيلة من الناس» والدين بهذا الاعتبار ليس موضوعاً لنقد المؤلف.

٢ - كون الدين «قوة هائلة تدخل في صميم حياتنا، وتؤثر في جوهر بنياننا الفكري والنفسي» وهو بهذا الإعتبار موضوع لنقد المؤلف.

نتساءل أولاً:

لماذا أعفى الدين بالاعتبار الأول من نقده، هل ينسجم فكر المؤلف - وهو الماركسي اللينيني - مع الظاهرة التي يمثلها هؤلاء «القديسون والمتصوفون وبعض الفلاسفة» وهل تسير الحياة الروحية لهؤلاء الذين اعفاهم المؤلف من نقده إلا على أساس المفهوم الإلهي والروحي للكون؟ وهو مفهوم يرفضه المؤلف جملة وتفصيلاً.

ونتساءل ثانياً:

هل الدين بالاعتبار الثاني الذي جعله المؤلف موضوعاً لنقده إلا نتيجة لكونه ظاهرة روحية؟ وهل هو باعتباره ظاهرة روحية تبدو في حياة

٩٤

قلة ضئيلة إلا السبب الفاعل في الحياة الاجتماعية والفكرية لجماهير المعتنقين للدين؟

أَليست هذه القلة الضئيلة من الناس التي اعفاها المؤلف من نقده هي التي أغنت الدين بأفكارها وتأملاتها، وتَقَبّل المجتمع المتدين هذه الأفكار والتأملات فجعلها خميرة لثقافته وروحاً لحضارته.

ان هذه الملاحظة، وأمثالها كثير، تكشف لنا عن مدى تناقضات المؤلف.

وإلى اللقاء مع قصة المؤلف في قصة ابليس

قصة ابليس

يجب أن يكون القرآن هو المادة الأساسية للبحث في قصة إبليس الاسلامية، لأن القرآن الكريم هو المصدر الأصيل الذي لا يرقى إليه الشك حول ملامح هذه القصة من وجهة النظر الإسلامية.

وعلى هذا فيجب أن يكون القرآن هو المادة الأساسية للمؤلف في بحثه الذي كتبه عن إبليس. ولا يجوز - في منطق المنهج العلمي - اعتماد مصادر أُخرى غير موثوقة لهذه القصة، كما هو الشأن في كل بحث يتناول أية مسألة من مسائل المعرفة.

وإذن، فللبحث في قصة إبليس صلة بعلم التفسير، وعلم الفقه، وعلم أُصول الفقه: صلته بعلم التفسير من حيث انه يتناول نصاً قرآنياً، وصلته بعلم الفقه من حيث انه يتناول - في النص القرآني - تكليفاً شرعياً بالسجود، تعلق بمخلوق معين هو إبليس، وصلته بعلم اصول الفقه من حيث أنه (بحث المؤلف) يحتاج إلى معرفة بالمصطلحات الخاصة بعلم الفقه والأدلة الشرعية ليستطاع التوصل إلى فهمٍ صحيح للنص.

٩٥

الأمر التشريعي والأمر التكويني «كما سنبينه في الفقرة الثالثة» «وثانياً» انها تعبر عن افكار وتصورات متأثرة بعقائد غريبة عن الاسلام مستمدء من الافلاطونية الحديثة وغيرها. وعلى أي حال فهي ذات منابع غير إسلامية.

وأما الاحاديث المسماة «الاحاديث القدسية» فاغلبها غير اسلامي، وانما تسرب إلى التراث الاسلامي من مصادر هندية وفارسية ويونانية واسرائيلية ونصرانية، ولذا فلا يمكن اعتبارها معبرة عن وجهة النظر الاسلامية الصافية.

إن الذي يعبر عن النظرة الاسلامية - بعد القرآن - هو السنة النبوية الصحيحة التي تثبت للدراسة النقدية فيما يتعلق بالسند والمتن، والشكل والمضمون، أي لما نصطلح عليه بالنقد الخارجي والنقد الداخلي.

والعجيب من المؤلف، وهو يدعي في اكثر من موضع من كتابه تقديس العلم، ويشحن كتابه بالعبارات التي ينعى فيها على مخالفيه في الرأي أنهم لا يتبعون «المنهج العلمي» في كلامهم - من العجيب أنه هو بالذات يترك ابسط مقتضيات المنهج العلمي، وهو التأكد من المصادر التي يعتمد عليها.

مثلاً: من الصحيح أن نعتبر كتاب الطواسين معبراً عن وجهة نظر الحلاج بالذات في قصة ابليس، وذلك فيما إذا أردنا أن نكتب عن شخصية الحلاج وآرائه، وأما نعتبر آراء الحلاج هي آراء الاسلام، وفهم الحلاج هو وجهة النظر الاسلامية، فهذا خطأ كبير يدركه حتى

٩٦

الطلاب الذين يحضرون اطروحة الليسانس حين يرشدهم استاذهم المشرف إلى نوعية المصادر التي تصلح أن تكون مادة للدراسة المنوي انجازها.

٢ - الحرية الداخلية:

إن البحث الذي أداره المؤلف حول قصة ابليس يبتني على نظرية الجبر، وهي فكرة باطلة، وغير إسلامية. في الاسلام: المخلوق العاقل حر، وهو الذي يقرر بحريته واختياره التام موقفه من الاشياء والأحداث. وإرادة اللّه تأتي في مرحلة متأخرة عن اختيار العبد.

إن الفعل الانساني يتم انجازه نتيجة لاختيار المخلوق وحريته الداخلية مضافاً إليها - في مرحلة تالية إرادة اللّه، وذلك وفقاً للمعادلة التالية:

إرادة الانسان + إرادة اللّه - الفعل.

فالفعل مخلوق لارادة اللّه، ولكن ليس ابتداء‍ً، وإنما بعد أن يريده الانسان ويقرره بتمام حريته، فهو - الفعل - نتيجة لعامل الحرية - يتلوه تدخل الاراد ة الالهية في خلق الموقف الذي قرر الانسان اتخاذه.

هذا تبسيط لنظرية أهل البيت (ع) في مسألة حرية الانسان وعلاقتها بالارادة الالهية، وذلك في النص الوارد عنهم «لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين الأمرين»، فالمخلوق ليس مجبراً، لاننا بوجداننا ندرك ما نتمتع به من حرية داخلية مطلقة، والمخلوق ليس مفوضاً لا دخل لارادة اللّه في خلق افعاله، وفي تسيير الكون، بل إرادة اللّه حاضرة دائماً، ولكن في مرحلة لاحقة على قرار العبد الذي يتخذه.

٩٧

إن الأمر التشريعي (أو النهي التشريعي) هما الأمر والنهي المتعلقان بأفعال العباد (الانسان والملائكة، الجن، ومنهم إبليس) وفعل العبد (أو تركه) منسوب إلي العبد حقيقة، فهو الذي يفعل، وهو الذي يترك، ويتمتع بالحرية المطلقة في إطاعة الأمر الإلهي والنهي الإلهي وعصيانهما. ولكن العبد عاجز عن خلق أفعاله بنفسه، فهو يمارس حريته بمعونة الارادة الإلهية، فاذا قرر العبد موقفاً معيناً من شيء (والعبد يمارس حرية مطلقة في اتخاذ قراره بدون تدخل للارادة الالهية) حينئذٍ - وبعد أن يتخذ العبد قراره يأتي دور الارادة الالهية في تحقيق قرار العبد باعانته على جعل قراره النظري نافذاً في الواقع. وبهذا يتأكد مبدأ الحرية، اذ بدون تحقيق ارادة العبد تبقى حريته نظرية لا قيمة لها.

وقد بينا هذه الحقيقة في مطلع هذا البحث عند حديثنا عن الحرية الداخلية ان اللّه كلف العباد، وأمرهم بالطاعة، واعطاء الحرية، وجعلهم مسؤولين عن كيفية ممارستهم لحريتهم، فاذا قرروا الطاعة فهم احرار في اتخاذ هذا القرار، وإذا قرروا المعصية فهم احرار في اتخاذ هذا القرار، ويتحملون مسؤوليته، ولأجل أن تتحقق لهم حريتهم الكاملة تتدخل الارادة الإلهية في تنفيذ قراراتهم التي اتخذوها.

على هذا الضوء نصل إلى النتائج التالية:

١ - الارادة التكوينية (يسميها المؤلف «المشيئة») مجال عملها عالم الأشياء.

٢ - الارادة التشريعية (الأمر التشريعي) مجاله أفعال العباد، ولا

٩٨

دخل للارادة التكوينية فيه إلا بالنحو الذي بيناه، وهو كما قلنا لا يتعارض مع مبدأ الحرية، بل يؤكد مبدأ الحرية، ويجعله واقعاً عملياً معاشاً.

٣ - لأن اللّه جعل الانسان حراً، فلا يمكن أن يأمره بشيء تشريعاً، ويريد منه خلافه تكويناً، بل اذا أمره بشيء تشريعاً يترك له حرية اتخاذ قراره، وينفذ له قراره الذي اتخذه.

ومن هنا يتضح مدى الخطأ الذي وقع فيه المؤلف حين قال (في ص ٨٩) «.... لقد شاء اللّه وجود أشياء كثيرة غير انه أمر عباده بالابتعاد عنها، كما انه أمرهم باشياء ولكنه أرادهم ان يحققوا أشياء أُخرى».

***

على ضوء هذه الملاحظات نشرح بإيجاز قصة إبليس من وجهة النظر الاسلامية مستهدين في ذلك بالنص القرآني، وبعد ذلك نوضح أخطاء المؤلف في آرائه وأحكامه الني أطلقها فيما يتعلق بقصة ابليس:

٩٩

( ...فَسَجَدُوا إلا إبْليسَ أبَى واسْتَكْبَر، وكَانَ منَ الكَافرين ) (١) .

وفي بعض آخر من الآيات يقول اللّه على لسان ابليس:

( ....قَالَ يا إبْليسُ مَا لكَ ألا تَكُونَ مَعَ السّاجدين؟ قَالَ: لم أكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَر خَلَقْتَه منْ صَلْصَالٍ منْ حمأٍ مَسْنوُن ) (٢) .

( وَإذْ قُلْنَا للمَلائكَةَ اسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْليسَ قَالَ: أَ أَسْجُدُ لمَنْ خَلَقْتَ طيناً ) (٣)

وفي بعض ثالث من الآيات تبرز «الأنا» عند ابليس في مقابل الذات الالهية:

( قَالَ: مَا مَنَعكَ ألا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ؟ قَالَ أنَا خَيْز منْه خَلَقتْنَي منْ نَارٍ وَخَلَقْتَه منْ طين ) (٤) .

( فَسَجَدَ الملائكَةُ كُلّهم أجْمعَوُن إلا إبْليسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ منَ الكَافرين. قَالَ يَا إبْليس مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لما خَلَقتُ بيَدي أسْتكبرت أمْ كُنْتَ منَ العَالين؟ قَالَ: أنَا خَيْر منْهُ خَلَقْتَني منْ نَارٍ وَخَلَقْتَه من طين ) (٥) .

____________________

(١) سورة البقرة الآية ٣٤ ٠

(٢) سورة الحجر الآية ٣٢ - ٣٣.

(٣) سورة الاسراء الآية ٦١.

(٤) سورة الاعراف الآية ١٢.

(٥) سورة الاعراف الآية ٧٥ - ٧٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174