كتاب الغيبة

كتاب الغيبة12%

كتاب الغيبة مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 316

كتاب الغيبة
  • البداية
  • السابق
  • 316 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51941 / تحميل: 6699
الحجم الحجم الحجم
كتاب الغيبة

كتاب الغيبة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الصفتين هو ذلك الاستعداد الذاتي وما هو موجود فيهم «بالقوّة». أي أنّ الإنذار يؤثّر فقط في أولئك الذين لهم أسماع واعية وقلوب مهيّأة ، فالإنذار يترك فيهم أثرين : الأوّل إتّباع الذكر والقرآن الكريم ، والآخر الإحساس بالخوف بين يدي الله والمسؤولية.

وبتعبير آخر فإنّ هاتين الحالتين موجودتان فيهم بالقوّة ، وإنّها تظهر فيهم بالفعل بعد الإنذار ، وذلك على خلاف الكفّار عمى القلوب الغافلين الذين لا يملكون اذنا صاغية وليسوا أهلا للخشية من الله أبدا.

هذه الآية كالآية من سورة البقرة حيث يقول تعالى :( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

٢ ـ باعتقاد الكثير من المفسّرين أنّ المقصود من «الذكر» هو «القرآن المجيد».

لأنّ هذه الكلمة جاءت بهذه الصورة مرارا في القرآن الكريم لتعبّر عن هذا المعنى(١) ، ولكن لا مانع من أن يكون المقصود من هذه الكلمة أيضا المعنى اللغوي لها بمعنى مطلق التذكير ، بحيث يشمل كلّ الآيات القرآنية وسائر الإنذارات الصادرة عن الأنبياء والقادة الإلهيين.

٣ ـ «الخشية» كما قلنا سابقا ، بمعنى الخوف الممزوج بالإحساس بعظمة الله تعالى ، والتعبير بـ «الرحمن» هنا والذي يشير إلى مظهر رحمة الله العامّة يثير معنى جميلا ، وهو أنّه في عين الوقت الذي يستشعر فيه الخوف من عظمة الله ، يجب أن يكون هنالك أمل برحمته ، لموازنة كفّتي الخوف والرجاء ، اللذين هما عاملا الحركة التكاملة المستمرة.

الملفت للنظر أنّه ذكرت كلمة «الله» في بعض من الآيات القرآنية في مورد

__________________

(١) انظر النحل : ٤٤ وفصّلت : ٤١ ، والزخرف : ٤٤ والقمر : ٢٥ ، وفي نفس الوقت فإنّ لفظة «ذكر» تكرّرت في القرآن كثيرا بمعنى «التذكير المطلق».

١٤١

«الرجاء» والتي تمثّل مظهر الهيبة والعظمة( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) إشارة إلى أنّه يجب أن يكون الرجاء ممزوجا بالخوف ، والخوف ممزوجا بالرجاء على حد سواء (تأمّل!!).

٤ ـ التعبير بـ «الغيب» هنا إشارة إلى معرفة الله عن طريق الاستدلال والبرهان ، إذ أنّ ذات الله سبحانه وتعالى غيب بالنسبة إلى حواس الإنسان ، ويمكن فقط مشاهدة جماله وجلاله سبحانه ببصيرة القلب ومن خلال آثاره تعالى.

كذلك يحتمل أيضا أنّ «الغيب» هنا بمعنى «الغياب عن عيون الناس» بمعنى أنّ مقام الخشية والخوف يجب أن لا يتّخذ طابعا ريائيا ، بل إنّ الخشية والخوف يجب أن تكون في السرّ والخفية.

بعضهم فسّر «الغيب» أيضا بـ «القيامة» لأنّها من المصاديق الواضحة للأمور المغيبة عن حسّنا ، ولكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.

٥ ـ جملة «فبشّره» في الحقيقة تكميل للإنذار ، إذ أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البدء ينذر ، وحين يتحقّق للإنسان اتّباع الذكر والخشية وتظهر آثارها على قوله وفعله ، هنا يبشّره الباريعزوجل .

بماذا يبشّر؟ أوّلا يبشّره بشيء قد شغل فكره أكثر من أي موضوع آخر ، وهو تلك الزلّات التي ارتكبها ، يبشّره بأنّ الله العظيم سيغفر له تلك الزلّات جميعها ، ويبشّره بعدئذ بأجر كريم وثواب جزيل لا يعلم مقداره ونوعه إلّا الله سبحانه.

الملفت للنظر هو تنكير «المغفرة» و «الأجر الكريم» ونعلم بأنّ استخدام النكرة في مثل هذه المواضع إنّما هو للتدليل على الوفرة والعظم.

٦ ـ يرى بعض المفسّرين أنّ (الفاء) في جملة «فبشّره» للتفريع والتفضيل ، إشارة إلى أنّ (اتّباع التذكر والخشية) نتيجتها «المغفرة» و «الأجر الكريم» بحيث أنّ الاولى وهي المغفرة تترتّب على الأوّل ، والثانية على الثاني.

__________________

(١) الأحزاب ، ٢١.

١٤٢

بعد ذلك وبما يتناسب مع البحث الذي كان في الآية السابقة حول الأجر والثواب العظيم للمؤمنين والمصدّقين بالإنذارات الإلهية التي جاء بها الأنبياء ، تنتقل الآية التالية إلى الإشارة إلى مسألة المعاد والبعث والكتاب والحساب والمجازاة ، تقول الآية الكريمة :( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى ) .

الاستناد إلى لفظة «نحن» إشارة إلى القدرة العظيمة التي تعرفونها فينا! وكذلك قطع الطريق أمام البحث والتساؤل في كيف يحيي العظام وهي رميم ، ويبعث الروح في الأبدان من جديد؟ وليس نحيي الموتى فقط ، بل( وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ) وعليه فإنّ صحيفة الأعمال لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا وتحفظها إلى يوم الحساب.

جملة «ما قدّموا» إشارة إلى الأعمال التي قاموا بها ولم يبق لها أثر ، أمّا التعبير «وآثارهم» فإشارة إلى الأعمال التي تبقى بعد الإنسان وتنعكس آثارها على المحيط الخارجي ، من أمثال الصدقات الجارية (المباني والأوقاف والمراكز التي تبقى بعد الإنسان وينتفع منها الناس).

كذلك يحتمل أيضا أن يكون المعنى هو أنّ «ما قدّموا» إشارة إلى الأعمال ذات الجنبة الشخصية ، و «آثارهم» إشارة إلى الأعمال التي تصبح سننا وتوجب الخير والبركات بعد موت الإنسان ، أو تؤدّي إلى الشرّ والمعاصي والذنوب. ومفهوم الآية واسع يمكن أن يشمل التّفسيرين.

ثمّ تضيف الآية لزيادة التأكيد( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) .

أغلب المفسّرين اعتبروا أنّ معنى «إمام مبين» هنا هو «اللوح المحفوظ» ذلك الكتاب الذي أثبتت فيه وحفظت كلّ الأعمال والموجودات والحوادث التي في هذا العالم.

والتعبير بـ «إمام» ربّما كان بلحاظ أنّ هذا الكتاب يكون في يوم القيامة قائدا وإماما لجميع المأمورين بتحقيق الثواب والعقاب ، أو لكونه معيارا لتقييم الأعمال

١٤٣

الإنسانية ومقدار ثوابها وعقوبتها.

الجدير بالملاحظة أنّ تعبير (إمام) ورد في بعض آيات القرآن الكريم للتعبير عن «التوراة» حيث يقول سبحانه وتعالى :( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ) .

وإطلاق كلمة «إمام» في هذه الآية على «التوراة» يشير إلى المعارف والأحكام والأوامر الواردة في التوراة ، وكذلك للدلائل والإشارات المذكورة بحقّ نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففي كلّ هذه الأمور يمكن للتوراة أن تكون قائدا وإماما للخلق ، وبناء على ذلك فإنّ الكلمة المزبورة لها معنى متناسب مع مفهومها الأصلي في كلّ مورد استعمال.

* * *

مسألتان

١ ـ أنواع الكتب التي تثبت بها أعمال الناس

يستفاد من الآيات القرآنية الكريمة أنّ أعمال الإنسان تدون وتضبط في أكثر من كتاب ، حتّى لا يبقى له حجّة أو غدر يوم الحساب.

أوّلها : «صحيفة الأعمال الشخصية» التي تحصى جميع أعمال الفرد على مدى عمره( اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) (١) .

هناك حيث تتعالى صرخات المجرمين( يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ) .(٢) وهو الكتاب الذي يأخذه المحسنون في أيمانهم والمسيئون في شمائلهم ـ الحاقّة ١٩ و ٢٥.

ثانيا : «صحيفة أعمال الامّة» والتي تبيّن الخطوط الاجتماعية لحياتها ، كما

__________________

(١) الإسراء ، ١٤.

(٢) الكهف ، ٤٩.

١٤٤

يقول القرآن الكريم :( كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا ) .(١)

وثالثها : «اللوح المحفوظ» وهو الكتاب الجامع ، ليس لأعمال جميع البشر من الأوّلين والآخرين فقط ، بل لجميع الحوادث العالمية ، وشاهد آخر على أعمال بني آدم في ذلك المشهد العظيم ، وفي الحقيقة فهو إمام لملائكة الحساب وملائكة الثواب والعقاب.

٢ ـ كلّ شيء أحصيناه

ورد في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحابه : «ائتوا بحطب ، فقالوا : يا رسول الله ، نحن بأرض قرعاء! قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه. فجاءوا به حتّى رموا بين يديه ، بعضه على بعض ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هكذا تجمع الذنوب ، ثمّ قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب ، فإنّ لكلّ شيء ، طالبا ، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين»(٢) .

هذا الحديث المؤثّر ، صورة معبّرة عن أنّ تراكم صغائر الذنوب والمعاصي يمكنه أن يولد نارا عظيمة اللهب.

في حديث آخر ورد أنّ «بني سلمة» كانوا في ناحية المدينة ، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد ، فنزلت هذه الآية( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ آثاركم تكتب» ـ أي خطواتكم التي تخطونها إلى المسجد ، وسوف تثابون عليها ـ فلم ينتقلوا(٣) .

__________________

(١) الجاثية ، ٢٨.

(٢) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٧٨ ، ح ٢٥.

(٣) تفسير القرطبي ، ج ١٥ ، ص ١٢ ، نقل هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري ، كما في صحيح الترمذي وجاء مثله في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضا ، وقد ذكره مفسّرون آخرون كالآلوسي والفخر الرازي والطبرسي والعلّامة الطباطبائي ـ أيضا ـ بتفاوت يسير.

١٤٥

اتّضح إذا أنّ مفهوم الآية واسع وشامل ، وله في كلّ من تلك الأمور التي ذكرناها مصداق.

وقد يبدو عدم انسجام ما ذكرنا مع ما ورد من «أهل البيت»عليهم‌السلام حول تفسير «إمام مبين» بأمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام. كما ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : «لمّا أنزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) قام أبو بكر وعمر من مجلسهما فقالا : يا رسول الله ، هو التوراة؟ قال : لا ، قالا : فهو الإنجيل؟ قال : لا ، قالا : فهو القرآن؟ قال : لا ، قال : فأقبل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو هذا ، إنّه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كلّ شيء»(١) .

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن ابن عبّاس عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال : «أنا والله الإمام المبين ، أبيّن الحقّ من الباطل ، ورثته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

فمع أنّ بعض المفسّرين من أمثال «الآلوسي» ، قد إستاء كثيرا من عملية نقل أمثال هذه الروايات من طرق الشيعة ، ونسبهم لذلك إلى عدم المعرفة والاطلاع وعدم التمكّن من التّفسير ، إلّا أنّه بقليل من الدقّة يتّضح أنّ أمثال هذه الروايات لا تتنافى مع تفسير «الإمام المبين» بـ «اللوح المحفوظ». بلحاظ أنّ قلب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمقام الأوّل ، ثمّ يليه قلب وليّه ، ويعتبران مرآة تعكس ما في اللوح المحفوظ ، وإنّ الله سبحانه وتعالى يلهمهم القسم الأعظم ممّا هو موجود في اللوح المحفوظ ، وبذا يصبحان نموذجا من اللوح المحفوظ ، وعليه فإنّ إطلاق «الإمام المبين» عليهما ليس بالأمر العجيب ، لأنّهما فرع لذلك الأصل ، ناهيك عن أنّ وجود الإنسان الكامل ـ كما نعلم ـ يعتبر عالما صغيرا ينطوي على خلاصة العالم

__________________

(١) معاني الأخبار للصدوق ، باب معنى الإمام ، صفحة ٩٥.

(٢) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٧٩.

١٤٦

الكبير ، وطبقا للشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

أتزعم أنّك جرم صغير؟

وفيك انطوى العالم الأكبر

والعجيب أنّ «الآلوسي» لا يستبعد هذا التّفسير مع إنكاره للرّوايات السالفة الذكر ، وعلى كلّ حال فليس من شكّ في كون المقصود من «الإمام المبين» هو «اللوح المحفوظ» فإنّ الروايات السالفة الذكر يمكن تطبيقها عليه «دقّق النظر!!».

* * *

١٤٧

الآيات

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) )

التّفسير

واضرب لهم مثلا أصحاب القرية :

لمتابعة البحوث الماضية في الآيات السابقة حول القرآن ونبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمؤمنين الصادقين ، والكفّار المعاندين ، تطرح هذه الآيات نموذجا من موقف الأمم السابقة بهذا الصدد ، إنّ هذه الآيات وبعضا من الآيات التالية لها ،

١٤٨

والتي تشكّل بمجموعها ثماني عشرة آية ، تتحدّث حول تأريخ عدد من الأنبياء السابقين الذين بعثوا لهداية المشركين عبّاد الأوثان الذين سمّاهم القرآن الكريم( أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ) وكيف أنّهم نهضوا لمخالفة أولئك الأنبياء ، وتكذيبهم ، وكانت خاتمتهم أن أخذهم العذاب الأليم ، لتكون تنبيها لمشركي مكّة من جهة ، وتسلية للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفئة المؤمنين القليلة به في ذلك اليوم. على كلّ حال فإنّ التأكيد على إيراد هذه القصّة في قلب هذه السورة التي تعتبر هي بدورها قلب القرآن الكريم ، بسبب تشابه ظروف تلك القصّة مع ظروف المسلمين في ذلك اليوم.

أوّلا تقول الآيات الكريمة :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) (١) .

«القرية» في الأصل اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس ، وتطلق أحيانا على نفس الناس أيضا ، لذا فمفهومها يتّسع حتّى يشمل المدن والنواحي ، وأطلقت في لغة العرب وفي القرآن المجيد مرارا على المدن المهمّة مثل «مصر» و «مكّة» وأمثالهما.

لكن ما اسم هذه القرية أو المدينة التي ذكرت في هذه الآية؟

المشهور بين المفسّرين أنّها «أنطاكية» إحدى مدن بلاد الشام. وهي إحدى المدن الرومية المشهورة قديما ، كما أنّها ضمن منطقة نفوذ تركيا جغرافيا في الحال الحاضر ، وسنتعرض إلى تفصيل الحديث عنها في البحوث الآتية إن شاء الله ، وعلى كلّ حال فإنّه يظهر جيدا من آيات هذه السورة الكريمة أنّ أهل تلك المدينة كانوا يعبدون الأصنام ، وأنّ هؤلاء الرسل جاؤوا يدعونهم إلى التوحيد ونبذ الشرك.

__________________

(١) يعتقد البعض بأنّ «أصحاب القرية» مفعول أو للفعل «اضرب» و «مثلا» مفعول ثان مقدّم ، والبعض يقول : إنّها بدل عن «مثلا» ، ولكن الظاهر رجاحة الاحتمال الأوّل.

١٤٩

بعد ذلك العرض الإجمالي العام ، تنتقل الآيات إلى تفصيل الأحداث التي جرت فتقول :( إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ) (١) .

أمّا من هم هؤلاء الرسل؟ هناك أخذ وردّ بين المفسّرين ، بعضهم قال : إنّ أسماء الإثنين «شمعون» و «يوحنا» والثالث «بولس» ، وبعضهم ذكر أسماء اخرى لهم.

وكذلك هناك أخذ ورد في أنّهم رسل الله تعالى ، أم أنّهم رسل المسيحعليه‌السلام (ولا منافاة مع قوله تعالى :( إِذْ أَرْسَلْنا ) إذ أنّ رسل المسيح رسله تعالى أيضا) ، مع أنّ ظاهر الآيات أعلاه ينسجم معه التّفسير الأوّل ، وإن كان لا فرق بالنسبة إلى النتيجة التي يريد أن يخلص إليها القرآن الكريم.

الآن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم الضالّين قبال دعوة الرسل ، القرآن الكريم يقول : إنّهم تعلّلوا بنفس الأعذار الواهية التي يتذرّع بها الكثير من الكفّار دائما في مواجهة الأنبياء( قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ) .

فإذا كان مقرّرا أن يأتي رسول من قبل الله سبحانه ، فيجب أن يكون ملكا مقرّبا وليس إنسانا مثلنا. هذه هي الذريعة التي تذرّعوا بها لتكذيب الرسل وإنكار نزول التشريعات الإلهية ، والمحتمل أنّهم يعلمون بأنّ جميع الأنبياء على مدى التاريخ كانوا من نسل آدم ، من جملتهم إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، الذي عرف برسالته ، ومن المسلّم أنّه كان إنسانا ، وناهيك عن أنّه هل يمكن لغير الإنسان أن يدرك حاجات الإنسان ومشكلاته وآلامه؟

وثمّ لماذا أكّدت الآية أيضا على صفة «الرحمانية» لله؟ لعلّ ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى ضمن نقله هذه الصفة في كلامهم يشعر بأنّ الجواب كامن في كلامهم ، إذ أنّ

__________________

(١) بعض المفسّرين قالوا بأنّ كلمة «إذ» هنا بدل عن «أصحاب القرية» ، وذهب آخرون بأنّها متعلّق لفعل محذوف تقديره «اذكر».

١٥٠

الله الذي شملت رحمته العالم بأسره لا بدّ أن يبعث الأنبياء والرسل لتربية النفوس والدعوة إلى الرشد والتكامل البشري.

كذلك يحتمل أيضا أن يكونوا قد أكّدوا على وصف الرحمانية لله ليقولوا بذلك أنّ الله الرحمن العطوف لا يثير المشاكل لعباده بإرسال الرسل والأنبياء ، بل إنّه يتركهم وشأنهم! وهذا المنطق الخاوي المتهاوي يتناسب مع مستوى تفكير هذه الفئة الضالّة.

على كلّ حال ، فإنّ هؤلاء الأنبياء لم ييأسوا جرّاء مخالفة هؤلاء القوم الضالّين ولم يضعفوا ، وفي جوابهم( قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) ومسئوليتنا إبلاغ الرسالة الإلهية بشكل واضح وبيّن فحسب.

( وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) .

من المسلّم به أنّهم لم يكتفوا بمجرّد الادّعاء ، أو القسم بأنّهم من قبل الله ، بل إنّ ممّا يستفاد من تعبير «البلاغ المبين» إجمالا أنّهم أظهروا دلائل ومعاجز تشير إلى صدق ادّعائهم ، وإلّا فلا مصداقية (للبلاغ المبين) ، إذ أنّ البلاغ المبين يجب أن يكون بطريقة تجعل من الميسّر للجميع أن يدركوا مراده ، وذلك لا يمكن تحقّقه إلّا من خلال بعض الدلائل والمعجزات الواضحة.

وقد ورد في بعض الرّوايات أيضا أنّ هؤلاء الرسل كانت لهم القدرة على شفاء بعض المرضى المستعصي علاجهم ـ بإذن الله ـ كما كان لعيسىعليه‌السلام .

ولكن الوثنيين لم يسلموا أمام ذلك المنطق الواضح وتلك المعجزات ، بل إنّهم زادوا من عنفهم في المواجهة ، وانتقلوا من مرحلة التكذيب إلى مرحلة التهديد والتعامل الشديد( قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ ) (١) .

ويحتمل حدوث بعض الوقائع السلبية لهؤلاء القوم في نفس الفترة التي بعث فيها هؤلاء الأنبياء ، وكانت إمّا نتيجة معاصي هؤلاء القوم ، أو كإنذارات إلهية لهم ،

__________________

(١) تقدّم الكلام عن «التطيّر» بالتفصيل في تفسير سورة الأعراف ، الآية ١٣١ ، وذيل الآية ٤٧ من سورة النمل.

١٥١

فكما نقل بعض المفسّرين فقد توقّف نزول المطر عليهم لملمدّة(١) ، ولكنّهم لم يعتبروا من ذلك ، بل إنّهم اعتبروا تلك الحوادث مرتبطة ببعثة هؤلاء الرسل. ولم يكتفوا بذلك ، بل إنّهم أظهروا سوء نواياهم من خلال التهديد الصريح والعلني ، وقالوا :( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

هل أنّ «العذاب الأليم» هو تأكيد على مسألة الرجم ، أو زيادة المجازاة أكثر من الرجم وحده؟

يوجد احتمالان ، ولكن يبدو أنّ الاحتمال الثاني هو الأقرب ، لأنّ الرجم من أسوأ أنواع العذاب الذي قد ينتهي أحيانا بالموت ، ومن الممكن أن ذكر العذاب الأليم إشارة إلى أنّنا سنرجمكم إلى حدّ الموت ، أو أنّه علاوة على الرجم فإنّنا سنمارس معكم أنواعا اخرى من التعذيب التي كانت تستعمل قديما كإدخال الأسياخ المحمّاة في العيون أو صبّ الفلز المذاب في الفمّ وأمثالها.

بعض المفسّرين احتملوا أيضا أنّ (الرجم) هو تعذيب جسماني أمّا «العذاب الأليم» فهو عذاب معنوي روحي(٢) . ولكن الظاهر أنّ التّفسير الأوّل هو الأقرب.

أجل ، فلأنّ أتباع الباطل وحماة الظلم والفساد لا يملكون منطقا يمكنهم من المنازلة في الحوار ، فإنّهم يستندون دائما إلى التهديد والضغط والعنف ، غافلين عن أنّ سالكي طريق الله لن يستسلموا أمام أمثال هذه التهديدات ، بل سيزيدون من استقامتهم على الطريق ، فمنذ اليوم الأوّل الذي سلكت فيها أقدامهم طريق الدعوة إلى الله وضعوا أرواحهم على الأكف ، واستعدوا لأي نوع من الفداء والتضحية.

هنا ردّ الرسل الإلهيون بمنطقهم العالي على هذيان هؤلاء :( قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ ) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ذيل الآيات محلّ البحث.

(٢) وذلك في حال كون «لنرجمنّكم» من مادّة «رجم» بمعنى السبّ والاتّهام والقذف.

١٥٢

فإذا أصابكم سوء الحظّ وحوادث الشؤم ، ورحلت بركات الله عنكم ، فإنّ سبب ذلك في أعماق أرواحكم ، وفي أفكاركم المنحطّة وأعمالكم القبيحة المشؤومة ، وليس في دعوتنا ، فها أنتم ملأتم دنياكم بعبادة الأصنام وأتباع الهوى والشهوات ، وقطعتم عنكم بركات الله سبحانه وتعالى.

جمع من المفسّرين ذهبوا إلى أنّ جملة( أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ ) جملة مستقلّة وقالوا : إنّ معناها هو «هل أنّ الأنبياء إذا جاءوا وذكروكم وأنذروكم يكون جزاؤهم تهديدهم بالعذاب والعقوبة وتعتبرون وجودهم شؤما عليكم؟ وما جلبوا لكم إلّا النور والهداية والخير والبركة. فهل جواب مثل هذه الخدمة هو التهديد والكلام السيء؟!(١) .

وفي الختام قال الرسل لهؤلاء( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) .

فإنّ مشكلتكم هي الإسراف والتجاوز ، فإذا أنكرتم التوحيد وأشركتم فسبب ذلك هو الإسراف وتجاوز الحقّ ، وإذا أصاب مجتمعكم المصير المشؤوم فبسبب ذلك الإسراف في المعاصي والتلوّث بالشهوات ، وأخيرا ففي قبال الرغبة في العمل الصالح تهدّدون الهادفين إلى الخير بالموت ، وهذا أيضا بسبب التجاوز والإسراف.

وسوف نعود إلى شرح قصّة أولئك القوم ، وما جرى لهؤلاء الرسل ، بعد تفسير الآيات الباقية التي تكمل القصّة.

* * *

__________________

(١) التقدير هو «أئن ذكّرتم قابلتمونا بهذه الأمور» أو «أئن ذكّرتم علمتم صدق ما قلنا».

١٥٣

الآيات

( وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) )

١٥٤

التّفسير

المجاهدون الذين حملوا أرواحهم على الأكف!

تشير هذه الآيات إلى جانب آخر من جهاد الرسل الذي وردت الإشارة إليه في هذه القصّة. والإشارة تتعلّق بالدفاع المدروس للمؤمنين القلائل وبشجاعتهم في قبال الأكثرية الكافرة المشركة وكيف وقفوا حتّى الرمق الأخير متصدّين للدفاع عن الرسل.

تشرع هذه الآيات بالقول :( وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) .

هذا الرجل الذي يذكر أغلب المفسّرين أنّ اسمه «حبيب النجّار» هو من الأشخاص الذين قيّض لهم الاستماع إلى هؤلاء الرسل والإيمان وأدركوا بحقّانية دعوتهم ودقّة تعليماتهم ، وكان مؤمنا ثابت القدم في إيمانه ، وحينما بلغه بأنّ مركز المدينة مضطرب ويحتمل أن يقوم الناس بقتل هؤلاء الأنبياء ، أسرع ـ كما يستشفّ من كلمة يسعى ـ وأوصل نفسه إلى مركز المدينة ودافع عن الحقّ بما استطاع. بل إنّه لم يدّخر وسعا في ذلك.

التعبير بـ «رجل» بصورة النكرة يحتمل انّه إشارة إلى أنّه كان فردا عاديا ، ليس له قدرة أو إمكانية متميّزة في المجتمع ، وسلك طريقه فردا وحيدا. وكيف أنّه في نفس الوقت دخل المعركة بين الكفر والإيمان مدافعا عن الحقّ ، لكي يأخذ المؤمنين في عصر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درسا بأنّهم وإن كانوا قلّة في عصر صدر الإسلام ، إلّا أنّ المسؤولية تبقى على عواتقهم ، وأنّ السكوت غير جائز حتّى للفرد الواحد.

التعبير بـ «أقصى المدينة» يدلّل على أنّ دعوة هؤلاء الأنبياء وصلت إلى النقاط البعيدة من المدينة ، وأثّرت على القلوب المهيّأة للإيمان ، ناهيك عن أنّ أطراف المدن عادة تكون مراكز للمستضعفين المستعدين أكثر من غيرهم لقبول

١٥٥

الحقّ والتصديق به ، على عكس ساكني مراكز المدن الذين يعيشون حياة مرفّهة تجعل من الصعب قبولهم لدعوة الحقّ.

التعبير بـ «يا قوم» يوضّح حرقة هذا الرجل وتألمّه على أهل مدينته ، ودعوته إيّاهم إلى اتّباع الرسل ، تلك الدعوة التي لم تكن لتحقّق له أي نفع شخصي.

والآن لننظر إلى هذا الرجل المجاهد ، بأي منطق وبأي دليل خاطب أهل مدينته؟

فقد أشار أوّلا إلى هذه القضيّة( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ) . فتلك القضيّة بحدّ ذاتها الدليل الأوّل على صدق هؤلاء الرسل ، فهم لا يكسبون من دعوتهم تلك أيّة منفعة ماديّة شخصية ، ولا يريدون منكم مالا ولا جاها ولا مقاما ، وحتّى أنّهم لا يريدون منكم أن تشكروهم. والخلاصة : لا يريدون منكم أجرا ولا أي شيء آخر.

وهذا ما أكّدت عليه الآيات القرآنية مرارا فيما يخصّ الأنبياء العظام ، كدليل على إخلاصهم وصفاء قلوبهم ، وفي سورة الشعراء وحدها تكرّرت هذه الجملة خمس مرّات( وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) (١) .

ثمّ يضيف : إنّ هؤلاء الرسل كما يظهر من محتوى دعوتهم وكلامهم انّهم أشخاص مهتدون :( وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) إشارة إلى أنّ عدم الاستجابة لدعوة ما إنّما يكون لأحد سببين : إمّا لأنّ تلك الدعوة باطلة وتؤدّي إلى الضلال والضياع ، أو لأنّها حقّ ولكن الدعاة لها يكتسبون من تلك الدعوة منافع شخصية لهم ممّا يؤدّي إلى تشويه النظرة إلى تلك الدعوة ، ولكن حينما لا يكون هذا ولا ذاك فما معنى التردّد والتباطؤ عن الاستجابة.

ثمّ ينتقل إلى ذكر دليل آخر على التوحيد الذي يعتبر عماد دعوة هؤلاء الرسل ، فيقول :( وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ) .

فإنّ من هو أهل لأن يعبد هو الخالق والمالك والوهّاب ، وليس الأصنام التي لا

__________________

(١) الآيات : ١٠٩ ـ ١٢٧ ـ ١٤٥ ـ ١٦٤ ـ ١٨٠.

١٥٦

تضرّ ولا تنفع ، الفطرة السليمة تقول : يجب أن تعبدوا الخالق لا تلك المخلوقات التافهة.

والتأكيد على «فطرني» لعلّه إشارة إلى هذا المعنى أيضا وهو : إنّني حينما أرجع إلى الفطرة الأصيلة في نفسي ألاحظ بوضوح أنّ هناك صوتا يدعوني إلى عبادة خالقي ، دعوة تنسجم مع العقل ، فكيف أغضّ الطرف إذا عن دعوة تؤيّدها فطرتي وعقلي؟!

والملفت للنظر أنّه لا يقول : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟ بل يقول :( وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ) لكي يكون بشروعه بالحديث عن نفسه أكثر تأثيرا في النفوس وبعد ذلك ينبّه إلى أنّ المرجع والمآل إلى الله سبحانه فيقول :( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

أي : لا تتصوّروا أنّ الله له الأثر والفاعلية في حياتكم الدنيا فقط ، بل إنّ مصيركم في العالم الآخر إليه أيضا ، فتوجّهوا إلى من يملك مصيركم في الدارين.

وفي ثالث استدلال له ينتقل إلى الحديث عن الأصنام وإثبات العبودية لله بنفي العبودية للأصنام ، فيكمل قائلا :( أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ) .

هنا أيضا يتحدّث عن نفسه حتّى لا يظهر من حديثه أنّه يقصد الإمرة والاستعلاء عليهم ، وفي الحقيقة هو يحدّد الذريعة الأساس لعبدة الأوثان حينما يقولون : نحن نعبد الأصنام لكي تكون شفيعا لنا أمام الله ، فكأنّه يقول : أيّة شفاعة؟ وأي معونة ونجاة تريدون منها؟ فهي بذاتها محتاجة إلى مساعدتكم وحمايتكم ، فما ذا يمكنها أن تفعل لكم في الشدائد والملمّات؟

التعبير بـ «الرحمن» هنا علاوة على أنّه إشارة إلى سعة رحمة الله وأنّه سبب لكلّ النعم والمواهب ، وذلك بحدّ ذاته دليل على توحيد العبادة ، فإنّه يوضّح أنّ الله الرحمن لا يريدون أحدا بضرّ ، إلّا إذا أوصلت الإنسان مخالفاته إلى أن يخرج من

١٥٧

رحمة الله ويلقي بنفسه في وادي غضبه.

ثمّ يقول ذلك المؤمن المجاهد للتأكيد والتوضيح أكثر : إنّي حين أعبد هذه الأصنام وأجعلها شريكا لله فإنّي سأكون في ضلال بعيد :( إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) فأي ضلال أوضح من أن يجعل الإنسان العاقل تلك الموجودات الجامدة جنبا إلى جنب خالق السموات والأرض!!

وعند ما انتهى هذا المؤمن المجاهد المبارز من استعراض تلك الاستدلالات والتبليغات المؤثّرة أعلن لجميع الحاضرين( إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) .

أمّا من هو المخاطب في هذه الجملة( فَاسْمَعُونِ ) والجملة السابقة لها( إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ ) ؟

ظاهر الآيات السابقة يشير إلى أنّهم تلك المجموعة من المشركين وعبدة الأوثان الذي كانوا في تلك المدينة ، والتعبير بـ «ربّكم» لا ينافي هذا المعنى أيضا ، إذ أنّ هذا التعبير ورد في الكثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن الكفّار حينما تستعرض الاستدلالات التوحيدية(١) .

وجملة «فاسمعون» لا تنافي ما قلنا ، لأنّ هذه الجملة كانت دعوة لهم لاتّباع قوله ، بالضبط كما ورد في قصّة مؤمن آل فرعون حيث قال :( يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ) غافر ـ ٣٨.

ومن هنا يتّضح أنّ ما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المخاطب في هذه الجملة هم أولئك الرسل ، والتعبير بـ «ربّكم» وجملة «فاسمعون» قرينة على ذلك ـ لا يقوم عليه دليل سليم.

لكن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم إزاء ذلك المؤمن الطاهر؟

القرآن لا يصرّح بشيء حول ذلك ، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنّهم ثاروا عليه وقتلوه.

__________________

(١) راجع الآيات ٣ و ٣٢ يونس ـ ٣ و ٥٢ هود ـ ٢٤ النمل ٢٩ ـ الكهف وغيرها.

١٥٨

نعم فإنّ حديثه المثير والباعث على الحماس والمليء بالاستدلالات القويّة الدامغة ، واللفتات الخاصّة والنافذة إلى القلب ، ليس لم يكن لها الأثر الإيجابي في تلك القلوب السوداء المليئة بالمكر والغرور فحسب ، بل إنّها على العكس أثارت فيها الحقد والبغضاء وسعرت فيها نار العداوة ، بحيث أنّهم نهضوا إلى ذلك الرجل الشجاع وقتلوه بمنتهى القسوة والغلظة. وقيل انّهم رموه بالحجارة ، وهو يقول : اللهمّ اهد قومي ، حتّى قتلوه(١) .

وفي رواية اخرى أنّهم وطؤوه بأرجلهم حتّى مات(٢) .

ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) وهذا التعبير ورد في خصوص شهداء طريق الحقّ في آيات أخرى من القرآن الكريم( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) .(٣)

والجدير بالذكر والملاحظة أنّ هذا التعبير يدلّل على أنّ دخوله الجنّة كان مقترنا باستشهاده شهادة هذا الرجل المؤمن ، بحيث أنّ الفاصلة بين الإثنين قليلة إلى درجة أنّ القرآن المجيد بتعبيره اللطيف ذكر دخوله الجنّة بدلا عن شهادته ، فما أقرب طريق الشهداء إلى السعادة الدائمة!!

وواضح أنّ المقصود من الجنّة هنا ، هي (جنّة البرزخ) لأنّه يستفاد من الآيات ومن الرّوايات أنّ الجنّة الخالدة في يوم القيامة ستكون نصيب المؤمنين ، كما أنّ جهنّم ستكون نصيب المجرمين.

وعليه فإنّ هناك جنّة وجهنّم أخريين في عالم البرزخ ، وهما نموذج من جنّة وجهنّم يوم القيامة ، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال : «والقبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار»(٤) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ١٥ ، ص ١٨ و ١٩.

(٢) تفسير التبيان ، ج ٨ ، ص ٤١٤.

(٣) آل عمران ، ١٦٩.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ٢١٨.

١٥٩

وما احتمله البعض من أنّ هذه الجملة إشارة إلى خطاب يخاطب به هذا المؤمن الشهم في يوم القيامة ، وأنّها تحوي جنبة مستقبلية ، فهو خلاف لظاهر الآية.

على كلّ حال فإنّ روح ذلك المؤمن الطاهرة ، عرجت إلى السماء إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان ، وهناك لم تكن له سوى امنية واحدة( قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) .

يا ليت قومي يعلمون بأي شيء( بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (١) .

أي : ليست أنّ لهم عين تبصر الحقّ ، لهم عين غير محجوبة بالحجب الدنيوية الكثيفة والثقيلة ، فيروا ما حجب عنهم من النعمة والإكرام والاحترام من قبل الله ، ويعلموا أي لطف شملني به الله في قبال عدوانهم عليّ

لو أنّهم يبصرون ويؤمنون ، ولكن يا حسرة!!

في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يخصّ هذا المؤمن «إنّه نصح لهم في حياته وبعد موته»(٢) .

ومن الجدير بالملاحظة أنّه تحدّث أوّلا عن نعمة الغفران الإلهي ، ثمّ عن الإكرام ، إذ يجب أوّلا غسل الروح الإنسانية بماء المغفرة لتنقيتها من الذنوب ، وحينها تأخذ محلّها على بساط القرب والإكرام الإلهي.

والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام والاحترام والتجليل ، وإن كان من نصيب الكثير من العباد ، وأصولا فإنّه ـ أي الإكرام ـ يتعاظم مع «التقوى» جنبا إلى جنب ،( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (٣) . ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصا لمجموعتين :

__________________

(١) بخصوص موقع (ما) في الجملة احتملت ثلاثة احتمالات : إمّا مصدرية ، أو موصولة ، أو استفهامية ، ولكن يبدو أنّ احتمال كونها استفهامية بعيد ، ويبقى أنّ الأقرب كونها موصولة ، مع أنّ المعنى لا يختلف كثيرا حينما تكون مصدرية.

(٢) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، ـ صفحة ٢٠.

(٣) الحجرات ، ١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٦ - أخبرنا على بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عمن رواه، عن جعفر بن يحيى، عن أبيه، عن أبي [عبدالله] جعفر [بن محمد]عليهما‌السلام أنه قال: " كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائمعليه‌السلام الفساطيط في مسجد كوفان، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف، أمر جديد، على العرب شديد ".

٧ - أخبرنا محمد بن همام قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا أبوطاهر الوراق، قال: حدثنى عثمان بن عيسى، عن أبى الصباح الكناني، قال: " كنت عند أبى عبداللهعليه‌السلام فدخل عليه شيخ وقال: قد عقني ولدي وجفاني [إخواني]، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : أو ما علمت أن للحق دولة، وللباطل دولة كلاهما ذليل في دولة صاحبه [فمن أصابته رفاهية الباطل(١) اقتص منه في دولة الحق] ".

٨ - حدثنا أبوسليمان أحمد بن هوذة، قال: حدثنا أبوإسحاق إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدثني عبدالله بن حماد الانصاري، عن محمد بن جعفر ابن محمدعليهما‌السلام عن أبيهعليه‌السلام قال: " إذا قام القائم بعث في أقاليم الارض، في كل إقليم رجلا، يقول: عهدك في كفك(٢) فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه(٣) ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جندا إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟ ! فعند ذلك

____________________

(١)في بعض النسخ " فمن أصابته دولة الباطل اقتص منه في دولة الحق " وكأنه من تصرف النساخ، وفى بعضها " فمن أصابته ذحلة الباطل اقتص منه في دولة الحق " والذحلة - بالفتح ثم السكون -: الثار، وقيل: العداوة والحقد، وقيل: طلب مكافأة بجناية جنيت عليك أو عداوة اوتيت اليك، وما في الصلب واضح المراد، ولعل الكلمة في الاصل غير مقروء‌ة فنشأ الاختلاف من ذلك.

(٢)في بعض النسخ " في كنفك " ههنا وفى ما يأتى.

(٣)في بعض النسخ " ورد عليك مالا تفهمه ".

(*)

٣٠١

يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها ما يشاؤون "(١) .

٩ - أخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبى الخطاب، عن محمد بن سنان، عن حريز، عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول: " لا تذهب الدنيا حتى ينادي مناد من السماء: " يا أهل الحق اجتمعوا " فيصيرون في صعيد واحد، ثم ينادي مرة أخرى: " يا أهل الباطل اجتمعوا " فيصيرون في صعيد واحد، قلت: فيستطيع هؤلاء أن يدخلوا في هؤلاء؟ قال لا والله، وذلك قول الله عزوجل: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب "(٢) .

١٠ - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب أبوالحسن الجعفي، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ; ووهيب عن أبي بصير، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : " ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته رجوت لان ينسئ في عمره(٣) حتى يدركه [فيكون من أعوانه وأنصاره] ".

باب - ٢٢: ما روى أن القائمعليه‌السلام يستأنف دعاء جديدا

*(وأن الاسلام بداغريبا وسيعود غريبا كما بدا) *(٤) .

١ - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثني علي بن الحسن

____________________

(١)في بعض النسخ " ما يريدون ".

(٢)آل عمران: ١٧٩.

(٣)أى يؤخر أجله إلى أن يدرك القائمعليه‌السلام .

(٤)قوله " بدا اما ناقص واوى، أو مهموز اللام من " بدأ " بالهمز، والاول من بدا الامر يبدو بدوا أى ظهر، والمعنى ظهر الاسلام في قلة الناس، والثانى من الابتداء، وكأن " بدأ " يكون لازما ومتعديا فالمعنى أن الاسلام كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذى لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ.

(*)

٣٠٢

التيملي، قال: حدثنى أخواي محمد وأحمد ابنا الحسن، عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، وعن جميع الكناسي(١) جميعا عن أبي بصير، عن كامل، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: " إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء "(٢) .

٢ - أخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشى، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: " الاسلام بدا غريبا، وسيعود غ؟؟؟ ا كما بدا فطوبى للغرباء، فقلت: اشرح لي هذا أصلحك الله، فقال: [مما] يستأنف ا؟؟ اعي منا دعاء جديدا كما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ".

وأخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بهذا الاسناد، عن محمد بن سنان، عن الحسين ابن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

٣ - و [بهذا الاسناد] عن ابن سنان، عن عبدالله بن مسكان، عن مالك الجهني قال: " قلت لابى جعفرعليه‌السلام : إنا نصف صاحب هذا الامر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس(٣) ، فقال: لا والله لا يكون ذلك [أبدا] حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك، ويدعو كم إليه ".

٤ - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن المفضل بن ابراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن زرارة، عن سعد بن أبى عمر [و] الجلاب، عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام

____________________

(١)الظاهر كونه جميع بن عمير - بتصغيرهما - بن عبدالرحمن العجلى الكوفى المعنون في كتب الرجال من العامة والخاصة غير أنهم يقولون: رافضى ضعيف.

(٢)طوبى - فعلى من الطيب، ومعناه فرح وقرة عين، غبطة لهم، وقال في النهاية: أى الجنة لاولئك المسلمين الذين كانوا في أول الاسلام والذين يكونون في آخره، وانما خصهم بها لصبرهم على اذى الكفار أولا وآخرا ولزومهم دين الاسلام - انتهى.

(٣)أى نصف دولتهعليه‌السلام وخروجه على وجه لا يشبهه غيره، فقال(ع): لا يمكنكم معرفة ذلك على حقيقة الامر حتى تروه.أو المراد وصف التشيع وحالات الائمةعليهم‌السلام .

(*)

٣٠٣

أنه قال: " إن الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء ".

٥ - حدثنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علي بن رباح الزهري، قال: حدثنا محمد بن العباس بن عيسى الحسنى(١) ، عن الحسن بن علي البطائني، عن شعيب الحداد، عن أبى بصير، قال: " قلت لابى عبداللهعليه‌السلام : أخبرني عن قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : " إن الاسلام بدا غريبا وسيعود كما بدا(٢) فطوبى للغرباء " فقال: يا أبا محمد إذا قام القائمعليه‌السلام استأنف دعاء جديدا كما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت: أشهد أنك إمامى في الدنيا والآخرة أوالى وليك واعادي عدوك، وأنك ولي الله، فقال: رحمك الله ".

باب - ٢٣: ما جاء في ذكر سن الامام القائمعليه‌السلام ، وما جاء‌ت به

*(الرواية حين يفضى اليه أمر الامامة) *.

١ - أخبر نا علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، قال: حدثني محمد بن الحسين؟ ن أبى الخطاب، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ؟ نه سمعه يقول: " الامر في أصغرنا سنا، واخملنا ذكرا"(٣) .

أخبرنا علي بن الحسين قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن حسان؟؟؟ ازي، عن محمد بن على الصيرفي، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر؟؟؟؟؟ رعليه‌السلام مثله.

٢ - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا أحمد بن ما بنداذ، قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن أبي مالك الحضرمي، عن أبي السفاتج، عن أبي بصير، قال: " قلت؟؟؟ هما - لابي عبدالله أو لابي جعفر -عليهما‌السلام : أيكون أن يفضي هذا الامر(٤) إلى

____________________

(١)في بعض النسخ " الحضينى ".

(٢)كذا.

(٣)خمل صوته أو ذكره: خفى وضعف.

(٤)أى أمر الامامة.

(*)

٣٠٤

من لم يبلغ؟ قال: سيكون ذلك، قلت: فما يصنع؟ قال: يورثه علما وكتبا ولا يكله إلى نفسه "(١) .

٣ - حدثنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال: حدثنا محمد بن جعفر القرشي قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبى الخطاب، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال لي أبوجعفرعليه‌السلام : " لا يكون هذا الامر إلا في أخملنا ذكرا، وأحدثنا سنا ".

٤ - أخبرنا محمد بن همام قال: حدثنا أحمد بن ما بنداذ، قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن إسحاق بن صباح، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنه قال: " إن هذا سيفضى إلى من يكون له الحمل "(٢) .

انظروا - رحمكم الله - يا معشر الشيعة(٣) إلى ما جاء عن الصادقينعليهم‌السلام في ذكر سن القائمعليه‌السلام وقولهم إنه وقت إفضاء أمر الامامة إليه أصغر الائمة سنا وأحدثهم، وإن أحدا ممن قبله لم يفض إليه الامر في مثل سنه، وإلى قولهم: " واخملنا ذكرا " يشيرون بخمول ذكره إلى غيبة شخصه واستتاره، وإذا جاء‌ت الروايات متصلة متواترة بمثل هذه الاشياء قبل كونها، وبحدوث هذه الحوادث قبل حدوثها، ثم حققها العيان والوجود، وجب أن تزول الشكوك عمن فتح الله قلبه ونوره وهداه، وأضاء له بصره.

والحمد لله الذي يختص برحمته من يشاء من عباده بتسليمهم لامره وأمر أوليائه، وإيقانهم بحقيقة كل ما قاله، واثقا بحقيقة كل ما يق‍؟؟؟عليهم‌السلام من غير شك فيه ولا ارتياب، إذ كان الله عزوجل قد رفع منزلة حججه؟؟

____________________

(١)قال ي البحار: " لعل المعنى أن لا مدخل للسن في علومهم وحالاته‍؟ تعالى لا يكلهم إلى انفسهم بل هم مؤيدون بالالهام وروح القدس.

(٢)كذا.ولعل الاصل " من يكون له الخمول " فصحف، وفى البحار بعد نقل الخبر قال: بيان: لعل المعنى أنه يحتاج أن يحمل لصغره، ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة يعنى يكون خامل الذكر.

(٣)في بعض النسخ " يا معشر المؤمنين ".

(*)

٣٠٥

وخفض منزلة من دونهم أن يكونوا أغيارا عليهم، وجعل الجزاء على التسليم لقولهم والرد إليهم الهدى والثواب(١) وعلى الشك والارتياب فيه العمى وأليم العذاب، وإياه نسأل الثواب على ما من به، والمزيد فيما أولاه وحسن البصيرة فيما هدى إليه فإنما نحن به وله.

باب - ٢٤: في ذكر اسماعيل بن أبى عبداللهعليه‌السلام

*(والد لالة على أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام ) *.

١ - حدثنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا أبوعبدالله جعفر بن عبدالله المحمدي من كتابه في رجب سنة ثمان وستين ومائتين، قال: حدثني الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار الصيرفي قال: " وصف إسماعيل بن عمار أخى لابى عبداللهعليه‌السلام دينه واعتقاده، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنكم ووصفهم - يعني الائمة - واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، ثم قال: وإسماعيل من بعدك، قال: أما إسماعيل فلا ".

٢ - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثني الحسن ابن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: حدثنا أبونجيح المسمعي، عن الفيض بن المختار، قال: قلت لابى عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثم اؤاجرها من أكرتي على أن ما أخرج الله منها من شئ كان لي من ذلك النصف أو الثلث وأقل من ذلك أو أكثر، هل يصلح ذلك، قال: لا بأس به، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبتاه لم تحفظ، قال: أو ليس كذلك اعامل أكرتي يا بني؟ أليس من أجل ذلك كثيرا ما أقول لك: الزمنى فلا تفعل، فقام إسماعيل وخرج، فقلت: جعلت فداك فما على إسماعيل أن لا يلزمك إذ كنت متى مضيت

____________________

(١)قوله " الهدى " مفعول ثان لجعل، وهكذا " العمى ".

(*)

٣٠٦

افضيت الاشياء إليه من بعدك كما افضيت الاشياء إليك من بعد أبيك، فقال: يا فيض إن إسماعيل ليس [مني] كأنا من أبي، قلت: جعلت فداك فقد كنت لا أشك في أن الرحال تحط إليه من بعدك فان كان ما نخاف - وإنا نسأل الله من ذلك العافية - فإلى من؟ فأمسك عني، فقبلت ركبته وقلت: ارحم شيبتى فإنما هي النار، إني والله لو طمعت(١) أن أموت قبلك ما باليت ولكني أخاف أن أبقى بعدك، فقال لي: مكانك، ثم قام إلى ستر في البيت فرفعه ودخل فمكث قليلا، ثم صاح بي: يا فيض ادخل، فدخلت فإذا هو بمسجده قد صلى وانحرف عن القبلة، فجلست بين يديه فدخل عليه أبوالحسن موسىعليه‌السلام وهو يومئذ غلام في يده درة، فأقعده على فخذه وقال له: بأبى أنت وامى ما هذه المخفقة التى بيدك(٢) ؟ فقال: مررت بعلي أخي وهي في يده وهو يضرب بها بهيمة، فانتزعتها من يده، فقال لي أبوعبداللهعليه‌السلام : يا فيض إن رسولالله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افضيت إليه صحف إبراهيم وموسى فائتمن عليها عليا، ثم ائتمن عليها علي الحسن، ثم ائتمن عليها الحسن الحسين أخاه، وائتمن الحسين عليها علي بن الحسين، ثم ائتمن عليها علي بن الحسين محمد بن على، وائتمنني، عليها أبي، فكانت عندي وقد ائتمنت ابني هذا عليها علي حداثته وهي عنده، فعرفت ما أراد.

فقلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا فيض إن أبي كان إذا أراد أن لا ترد له دعوة أجلسني عن يمينه ودعا، فأمنت، فلا ترد له دعوة، وكذلك أصنع بابني هذا وقد ذكرت أمس بالموقف فذكرتك بخير، قال فيض: فبكيت سرورا، ثم قلت له: ياسيدي زدني، فقال: إن أبى كان إذا أراد سفرا وأنامعه فنعس وكان هو على راحلته أدنيت راحلتي من راحلته فوسدته ذراعي الميل والميلين حتى يقضى وطره من النوم(٣) وكذلك يصنع بي ولدي هذا، فقلت له: زدني جعلت فداك، فقال: يا فيض إني لاجد

____________________

(١)كذا، ولعل الاصل كان " لو اطماننت " فصحف.

وقوله " انما هى النار " أى في عدم معرفتى به دخول النار فخذ بيدى منها.

(٢)المخفقة - بكسر الميم وتقديم الفاء على القاف -: سوط من خشب.

(٣)الوطر - محركة -: الحاجة.

(*)

٣٠٧

بابني هذا ما كان يعقوب يجده بيوسف، فقلت: سيدي ! زدني، فقال: هو صاحبك الذي سألت عنه، قم فأقر له بحقه، فقمت حتى قبلت يده ورأسه، ودعوت الله له فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : أما إنه لم يؤذن لي في المرة الاولى منك، فقلت: جعلت فداك أخبر به عنك؟ قال: نعم أهلك وولدك ورفقاء‌ك، وكان معي أهلى وولدي، وكان معي يونس بن ظبيان من رفقائي، فلما أخبرتهم حمدو الله على ذلك، وقال يونس: لا والله حتى أسمع ذلك منه، وكانت به عجلة، فخرج فأتبعته فلما انتهيت إلى الباب سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول - وقد سبقنا -: يونس ! الامر كما قال لك فيض اسكت واقبل، فقال: سمعت وأطعت، ثم دخلت فقال لي أبوعبداللهعليه‌السلام حين دخلت: يا فيض زرقه [زرقه](١) قلت: قد فعلت ".

٣ - أخبر نا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن ابن حازم من كتابه؟ قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن درست بن أبي منصور، عن الوليد بن صبيح، قال: " كان بينى وبين رجل يقال له عبدالجليل كلام [في قدم] فقال لي: إن أبا عبداللهعليه‌السلام أوصى إلى إسماعيل، قال: فقلت ذلك لابي عبداللهعليه‌السلام إن عبدالجليل حدثني بأنك أوصيت إلى إسماعيل في حياته قبل موته بثلاث سنين فقال: يا وليد لا والله فإن كنت فعلت فإلى فلان - يعني أبا الحسن موسىعليه‌السلام - وسماه ".

٤ - أخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رباح الزهري الكوفي قال: حدثنا أحمد بن على الحميري قال: حدثنى الحسن ابن أيوب، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعمي، عن جماعة الصائغ(٢) قال: " سمعت المفضل بن عمر يسأل أبا عبداللهعليه‌السلام : هل يفرض الله طاعته عبد ثم يكتمه خبر السماء؟ فقال له أبوعبداللهعليه‌السلام : الله أجل وأكرم وأرأف بعباده وأرحم من أن

____________________

(١)زرقه " بالنبطية أى خذه اليك.

(٢)هذا الاسم مشترك بين جماعة بن سعد الجعفى الصائغ الضعيف، وجماعة بن عبدالرحمن الصائغ الكوفى المجهول، وفى البحار " حماد الصائغ ".

(*)

٣٠٨

يفرض طاعة عبد ثم يكتمه خبر السماء صباحا ومساء، قال: ثم طلع أبوالحسن موسىعليه‌السلام ، فقال له أبوعبداللهعليه‌السلام : أيسرك أن تنظر إلى صاحب كتاب علي؟ فقال له المفضل: وأي شئ يسرني إذاأعظم من ذلك، فقال: هو هذا صاحب كتاب علي، الكتاب المكنون الذي قال الله عزوجل " لا يمسه إلا المطهرون "(١) .

٥ - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا الحسن ابن محمد بن سماعة، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الميثمي، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه قال: " دخلت علي أبي عبداللهعليه‌السلام فسألته عن صاحب الامر من بعده قال لي: هو صاحب البهمة(٢) ، وكان موسىعليه‌السلام في ناحية الدار صبيا ومعه عناق مكية(٣) وهو يقول لها: اسجدي لله الذي خلقك ".

٦ - حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبدالله بن حماد الانصاري، عن معاوية بن وهب قال: " دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فرأيت أبا الحسن موسىعليه‌السلام وله يومئذ ثلاث سنين ومعه عناق من هذه المكية وهو آخذ بخطام عليها وهو يقول لها: اسجدي لله الذي خلقك، ففعل ذلك ثلاث مرات، فقال له غلام صغير: يا سيدي قل لها تموت، فقال له موسىعليه‌السلام : ويحك أنا احيي واميت؟ ! الله يحيى ويميت ".

٧ - ومن مشهور كلام أبي عبداللهعليه‌السلام عند وقوفه على قبر إسماعيل: " غلبني الحزن لك على الحزن عليك، اللهم إني وهبت لاسماعيل جميع ما قصر عنه مما افترضت عليه من حقى، فهب لي جميع ما قصر عنه فيما افترضت عليه من حقك ".

٨ - وروي عن زرارة بن أعين أنه قال: " دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام وعن يمينه سيد ولده موسىعليه‌السلام وقدامه مرقد مغطى، فقال لي: يا زرارة جئني بداود ابن كثير الرقي، وحمران، وأبي بصير، ودخل عليه المفضل بن عمر، فخرجت

____________________

(١)الواقعة: ٧٩.

(٢)البهمة - بالتحريك وبسكون الهاء - ولد المعز أو ولد الضأن.

(٣)العناق - بفتح العين - الانثى من أولاد المعز قبل استكمالها السنة.

(*)

٣٠٩

فأحضرته من أمرني باحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحدا إثر واحد حتى صرنا في البيت ثلاثين رجلا، فلما حشد المجلس(١) قال: يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل، فكشف عن وجهه، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : يا داود احي هو أم ميت؟ قال داود: يا مولاي هو ميت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل حتى أتى على آخر من في الملجس وانتهى عليهم بأسرهم، كل يقول: هو ميت يا مولاي، فقال: اللهم اشهد، ثم أمر بغسله وحنوطه وإدراجه في أثوابه، فلما فرغ منه قال للمفضل: يا مفضل احسر عن وجهه، فحسر عن وجهه فقال: أحي هو أم ميت؟ فقال: ميت، قال: اللهم اشهد عليهم، ثم حمل إلى قبره فلما وضع في لحده قال: يا مفضل اكشف عن وجهه، وقال للجماعة: أحى هو أم ميت؟ قلنا له: ميت، فقال: اللهم اشهد و اشهدوا فإنه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثم أومأ إلى موسىعليه‌السلام - " والله متم نوره ولو كره المشركون "، ثم حثونا عليه التراب، ثم أعاد علينا القول، فقال: الميت المحنط المكفن المدفون في هذا اللحد من هو؟ قلنا: إسماعيل، قال: اللهم اشهد، ثم أخذ بيد موسىعليه‌السلام ، وقال هو حق والحق منه إلى أن يرث الله الارض ومن عليها ".

ووجدت هذا الحديث عند بعض إخواننا، فذكر أنه نسخه من أبى المرجي ابن محمد الغمر التغلبى وذكر أنه حدثه به المعروف بأبى سهل يرويه عن أبى الفرج وراق بندار القمي عن بندار، عن محمد بن صدقة(٢) ; ومحمد بن عمرو، عن زرارة.

وأن أبا المرجي ذكرأنه عرض هذا الحديث على بعض إخوانه فقال: إنه حدثه به الحسن بن المنذر بإسناد له عن زرارة، وزاد فيه أن أبا عبداللهعليه‌السلام قال: " والله ليظهرن [عليكم] صاحبكم وليس في عنقه لاحد بيعة، وقال: فلا يظهر صاحبكم حتى يشك فيه أهل اليقين " قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون "(٣) .

____________________

(١)أى اجتمع فيه الناس.

(٢)في بعض النسخ " أنه نسخة من أبى المرجى محمد بن المعمر التغلبى، وذكرأنه حدثه به المعروف بأبى السهل يرويه عن أبى الصلاح ورواه بندار القمى عن بندار بن محمد ابن صدقة.

(٣)في نسخة " قل هو نبأ عظيم أنتم فيه مختلفون ".

(*)

٣١٠

٩ - حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي قال: حدثنا عبدالله بن حماد الانصاري، عن صفوان بن مهران الجمال، قال: سأل منصور بن حازم ; وأبوأيوب الخزاز أبا عبداللهعليه‌السلام وأنا حاضر معهما، فقالا: " جعلنا الله فداك إن الانفس يغدى عليها ويراح، فمن لنا بعدك، فقال: إذا كان ذلك فهذا - فضرب يده إلى العبد الصالح موسىعليه‌السلام وهو غلام خماسي بثوبين أبيضين - وقال: هذا، وكان عبدالله بن جعفر حاضرا يومئذ البيت ".

باب - ٢٥: ما جاء في أن من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر أو تأخر

١ - أخبرنا محمد بن يعقوب -رحمه‌الله - قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : " اعرف إمامك فإنك إذاعرفته لم يضرك تقدم هذا الامر(١) أوتأخر ".

٢ - أخبرنا محمد بن يعقوب قال: حدثني الحسين بن محمد بن عامر، عن معلي ابن محمد، عن محمد بن جمهور، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروان، عن الفضيل ابن يسار، قال: " سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزوجل " يوم ندعوا كل اناس بإمامهم(٢) " فقال: يا فضيل اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه ".

قال: ورواه

____________________

(١)قال العلامة المجلسى -رحمه‌الله - الجملة فاعل باعتبار مضمونها أو بتقدير " أن " والمقصود الحكم بالمساواة بين الامرين، فلا يرد أن الضرر لا يتصور في صورة التقدم.

أو ذكر التقدم تبعا واستطرادا كما قيل في قوله تعالى: " لا يتسأخرون ساعة ولا يستقدمون " ويمكن أن يكون الكلام محمولا على ظاهره باعتبار مفهومه، فان من لم يعرف يتضرر بالتقدم أيضا.

(٢)الاسراء ٧١." بامامهم " اى بمن كانوا يأتمون به من امام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم.أوبأئمتهم في الخير والشر.

(*)

٣١١

بعض أصحابنا " بمنزلة من استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم "(١) .

٣ - أخبر نا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد رفعه إلى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: " قلت لابى عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك متى الفرج، فقال: يا أبا بصير [و] أنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الامر فقد فرج عنه بانتظاره "(٢) .

٤ - أخبرنا محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن إسماعيل بن محمد الخزاعي، قال: " سأل أبوبصير أبا عبداللهعليه‌السلام وأنا أسمع، فقال: ترانى ادرك القائمعليه‌السلام ؟ فقال: يا أبا بصير ألست تعرف إمامك؟ فقال: إي والله وأنت هو - وتناول يده - فقال: والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبيا بسيفك في ظل رواق القائمعليه‌السلام "(٣) .

٥ - أخبرنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن محمد بن مروان، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: " من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهيلة، ومن مات وهو عارف لامامه لم يضره تقدم هذا الامر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لامامه كان كمن هو [قائم] مع القائم في فسطاطه "(٤) .

٦ - أخبرنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن الحسن ابن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول:

____________________

(١)انما يثابون ذلك من جهة نياتهم حيث عزموا على أنه اذا ظهر الامام الحق نصروه وجاهدوا في سبيل دعوته، وجاهدوا معه واستشهدوا تحت لوائه.كما أن أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم بأن لو بقوا في الدهر أبدا لكانوا مؤمنين صالحين.وكذلك أهل النار، لو بقوا في الدهر لكانوا كافرين فاجرين.

(٢)في الكافى " لانتظاره ".

(٣)احتبى ثوبه وبثوبه: اشتمل به.والرواق - ككتاب وغراب - سقف في مقدم البيت.

(٤)في نسخة " كان كمن قام في فسطاطه ".

وما بين القوسين ليس في الكافى.

(*)

٣١٢

" إعرف العلامة(١) فإذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر، إن الله تعالى يقول: " يوم ندعوا كل أناس بامامهم " فمن عرف إمامه كان كمن هو في فسطاط المنتظرعليه‌السلام ".

٧ - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني يحيى بن زكريا بن شيبان قال: حدثنا علي بن سيف بن عميرة، عن أبيه، عن حمران بن أعين، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: " اعرف إمامك فإذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الامر أم تأخر، فإن الله عزوجل يقول: " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " فمن عرف إمامه كان كمن هو في فسطاط القائمعليه‌السلام ".

باب - ٢٦: ما روى في مدة ملك القائمعليه‌السلام بعد قيامه

١ - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الكوفي قال: حدثني علي بن الحسن التيملي، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن أبيه ; ومحمد بن علي(٢) ، عن أبيه، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن حمزة بن حمران، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: " [ي‍] ملك القائمعليه‌السلام تسع عشرة سنة وأشهرا ".

٢ - أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة الباهلي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي سنة ثلاث وسبعين ومائتين، قال: حدثنا أبومحمد عبدالله بن حماد الانصاري سنة تسع وعشرين ومائتين، قال: حدثني عبدالله بن أبى يعفور(٣) ، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : " ملك القائم منا تسع عشرة سنة وأشهرا ".

٣ - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا محمد بن المفضل بن

____________________

(١)كذا في الكافى، وفى بعض النسخ " اعرف الامامة ".

(٢)يعنى به محمد بن على بن يوسف فان التيملى يروى عن الحسن ومحمد ابنى على بن يوسف عن أبيهما كما تقدم مرارا.

(٣)في السند سقط فان عبدالله بن أبى يعفور كان من أصحاب الصادقعليه‌السلام ومات في أيامه، وكان وفاة أبى عبداللهعليه‌السلام سنة ثمان وأربعين ومائة.ولعل الساقط كان حمزة بن حمران أو الحسين بن أبى العلاء، والسقط من قلم المؤلف.

(*)

٣١٣

إبراهيم بن قيس بن رمانة الاشعري ; وسعدان بن إسحاق بن سعيد ; وأحمد بن الحسين بن عبدالمك [الزيات] ; ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني، عن الحسن ابن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علىعليهما‌السلام يقول: " والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة [وثلاث عشرة سنة] ويزداد تسعا(١) ، قال: فقلت له: [و] متى يكون ذلك؟ قال: بعد موت القائمعليه‌السلام ، قلت له: وكم يقوم القائمعليه‌السلام في عالمه حتى يموت؟ فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته ".

٤ - أخبرنا علي بن أحمد البندنيجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن بعض رجاله، عن أحمد بن الحسن، عن إسحاق(٢) ، عن أحمد بن عمر بن أبى شعبة الحلبي، عن حمزة بن حمران، عن عبدالله بن أبى يعفور، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: " إن القائم [عليه‌السلام ] يملك تسع عشرة سنة وأشهرا ".

وإذ قد أتينا على الغرض الذي قصدنا له وانتهينا إلى ما أردنا منه(٣) - وفيه كفاية وبلاغ لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد - فإنا نحمد الله على إنعامه علينا ونشكره على إحسانه إلينا بما هو أهله من الحمد ومستحقه من الشكر، ونسأله أن يصلي على محمد وآله(٤) المنتجبين الاخيار الطاهرين، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، ويزيدنا هدى وعلما وبصيرة وفهما، ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه كريم وهاب(٥) .

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا مباركا زاكيا ناميا طيبا.

____________________

(١)مابين القوسين ليس في بعض النسخ، ولعل ذلك اشارة إلى الرجعة.

(٢)في بعض النسخ " احمد بن الحسن، عن أبيه، عن احمد بن عمر - الخ ".

(٣)في بعض النسخ " إلى مرادنا ".

(٤)في نسخة " وآل محمد ".

(٥)في النسخة الرضوية - على ما نقل - بعد قوله " كريم وهاب " " تم الكتاب والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد النبى وآله الطاهرين وسلم تسليما...سنة سبع و سب‍ين وخمسمائة.وفى هامشه بخط آخر سنة ٥٧٧ تاريخ كتابته ".

٣١٤

الفهرس

كتاب الغيبة تأليف: الشيخ الاجل ابن ابي زينب محمد بن ابراهيم النعماني من اعلام القرن الرابع تحقيق: علي اكبر الغفاري ١

باب - ١: ماروى في صون سر آل محمد عليهم‌السلام عمن ليس من أهله ١٦

باب - ٢: فيما جاء في تفسير قوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ٢٢

باب - ٣: ماجاء في الامامة والوصية، وانهما من الله عزوجل ٣٤

باب - ٤: ماروى في أن الائمة اثنا عشر اماما وأنهم من الله وباختياره ٤٠

باب - ٥: ماروى فيمن ادعى الامامة ومن زعم أنه امام وليس بامام ٩٤

باب - ٦ الحديث المروي عن طرق العامة(١) ٩٩

باب - ٧ ما روى فيمن شك في واحد من الائمة ١١٠

باب - ٨: ما روى في أن الله لا يخلى أرضه بغير حجة ١١٩

باب - ٩ ما روى في أنه لو لم يبق في الارض الا اثنان لكان أحدهما الحجة ١٢٢

باب - ١٠ ما روى في غيبة الامام المنتظر الثاني عشر عليه‌السلام ١٢٣

باب - ١١ ما روى فيما أمر به الشيعة من الصبر والكف والانتظار للفرج ١٧٧

باب - ١٢: ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرق والتشتت عند الغيبة ١٨٤

باب ١٣: ماروى في صفته وسيرته وفعله وما نزل من القرآن فيه عليه‌السلام ١٩٥

باب - ١٤: ما جاء في العلامات التى تكون قبل قيام القائم عليه‌السلام ٢٣٠

باب - ١٥: ما جاء في الشدة التى تكون قبل ظهور صاحب الحق عليه‌السلام ٢٦٦

باب - ١٦: ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الامر عليه‌السلام ٢٧١

باب - ١٧: ما جاء فيما يلقى القائم عليه‌السلام ويستقبل من جاهلية الناس ٢٧٩

باب - ١٨: ماجاء في ذكر السفيانى وأن أمره من المحتوم وأنه قبل قيام القائم عليه‌السلام ٢٨١

باب - ١٩: ما جاء في ذكر راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه لا ينشرها بعد يوم الجمل الا القائم عليه‌السلام ٢٨٩

باب - ٢٠: ما جاء في ذكر جيش الغضب وهم أصحاب القائم عليه‌السلام ٢٩٣

باب - ٢١: ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم عليه‌السلام وقبله وبعده ٢٩٩

٣١٥

باب - ٢٢: ما روى أن القائم عليه‌السلام يستأنف دعاء جديدا ٣٠٢

باب - ٢٣: ما جاء في ذكر سن الامام القائم عليه‌السلام ، وما جاء‌ت به ٣٠٤

باب - ٢٤: في ذكر اسماعيل بن أبى عبدالله عليه‌السلام ٣٠٦

باب - ٢٥: ما جاء في أن من عرف امامه لم يضره تقدم هذا الامر أو تأخر ٣١١

باب - ٢٦: ما روى في مدة ملك القائم عليه‌السلام بعد قيامه ٣١٣

الفهرس ٣١٥

٣١٦