فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248169 / تحميل: 11102
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فاطمة الزهراءعليها‌السلام استعداداً للزفاف، فقامت النسوة فضمَّخنها بالطيب، وألبسنها الحلي، فكانت إحداهن تمشّط شعرها، والأُخرى بتزيينها ولبست الحلَّة التي جاء بها جبرئيل من الجنّة، وكانت الحلَّة لا تُقوَّم بقيمة، ولا تثمَّن بثمن.

وإنّما بذل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه العناية الخاصة، وخصَّ ابنته السيدة فاطمة الزهراء بعواطفه الغزيرة دون سائر بناته لأسباب، منها:

فضائلها الشخصية، ومزاياها النفسية.

وأنّ زوجها علي بن أبي طالب صاحب المواهب والسوابق وهو ابن عمّ الرسول، ولم يكن في أصهاره مَن له تلك القرابة القريبة والمنزلة الخصيصة.

وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم أنّ ابنته الطاهرة ستشملها آية التطهير وآية المباهلة والقربى.

وأنّها أُمّ الأئمّة الطاهرين إلى يوم القيامة.

لقد جاءت تلك الليلة التي ستشعر السيدة فاطمة بأنّها يتيمة، وتشعر بفقدان أُمّها خديجة، والأُم لها دور مهم في ليلة عرس ابنتها، ولكن أين خديجة هذه الليلة؟

ولمّا انصرفت الشمس نحو الغروب دعا الرسول بابنته الطاهرة ودعا بصهره العظيم فأقبلت السيدة فاطمة، وقد لبست ثوباً طويلاً، تجرّ ذيلها على الأرض، وقد تصبّبت عرقاً حياءً من أبيها سيّد الأنبياء.

وقد شاء الله تعالى أن يكون زواج السيدة فاطمة ممتازاً من جميع الجوانب والنواحي وهكذا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن

١٤١

لا تشعر ابنته العزيزة باليتم، ولهذا، ولغير ذلك أتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي.

وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان أن يقود البغلة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسوقها(١) .

بالله عليك - أيها القارئ - هل سمعت أو قرأت في تاريخ عظماء الدنيا - من أنبياء وملوك ووزراء وسلاطين - أن بنتاً تزف إلى دار زوجها، وسيِّد الأنبياء يسوق بغلتها؟

نعم، لقد اشترك أهل السماء مع أهل الأرض في زفاف الإنسية الحوراء.

فقد روى الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ج٥ ص٧) والجويني في (فرائد السمطين) والذهبي في (ميزان الاعتدال) والعسقلاني في (لسان الميزان) والقرماني في (أخبار الدول) والقندوزي في (ينابيع المودة) عن ابن عباس أنّه قال:

لمّا زُفت فاطمة إلى علي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قُدّامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر.

ورُوي عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (... فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغلته الشهباء(٢) وثنى عليها قطيفة، وقال: اركبي.

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٢) كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمّى ناقته: العضباء، وبغلته: الشهباء، وعصاه: الممشوق، وعمامته: السحاب. وهكذا.

١٤٢

وأمر سلمان أن يقودها، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوقها.

فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي وجبة(١) فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً.

فقال النبي: ما أهبطكم إلى الأرض؟

قالوا: جئنا نزفّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب.

فكبّر جبرئيل، وكبَّر ميكائيل، وكبّرت الملائكة، وكبّر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(٢) .

وهكذا اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موكب السيّدة. وأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنات عبد المطلب (عمّاته) ونساء المهاجرين والأنصار أن يرافقن فاطمة في تلك المسيرة وكانت زوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشين قُدَّامها، ويرجزن فكانت أُمّ سلمة تقول:

سِرنَ بعون الله جاراتي

واشكرنه في كل حالاتِ

واذكرن من أنعم ربّ العلى

من كشف مكروه وآفاتِ

فقد هدانا بعد كفرٍ، وقد

أنعشنا ربُّ السماواتِ

وسرن مع خير نساء الورى

تُفدى بعمَّاتٍ وخالاتِ

يا بنت مَن فضّله ذو العلى

بالوحي منه والرسالاتِ

ثم قالت عائشة:

يا نسوة استترن بالمعاجر

واذكرن ما يحسن في المحاضرِ

واذكرن ربَّ الناس إذ يخصّنا

بدينه مع كل عبدٍ شاكرِ

والحمد لله على أفضاله

والشكر لله العزيز القادرِ

____________________

(١) الوجبة: السقطة مع الهدَّة.

(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٦٣.

١٤٣

سرن بها فالله أعطى ذكره

وخصّها منه بطهر طاهرِ

ثم قالت حفصة:

فاطمة خير نساء البشر

ومَن لها وجه كوجه القمر

فضَّلك الله على كل الورى

بفضل مَن خصَّ بآي الزمَّر

زوَّجك الله فتىً فاضلاً

أعني عليّاً خير مَن في الحضر

فَسرن جاراتي بها إنّه

كريمة بنت عظيم الخطر

ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:

أقول قولاً فيه ما فيه

وأذكر الخير وأبديه

محمد خير بني آدمٍ

ما فيه من كبرٍ ولا تيه

بفضله عرَّفنا رشدنا

فالله بالخير يجازيه

ونحن مع بنت نبيّ الهدى

ذي شرفٍ قد مكنت فيه

في ذروةٍ شامخة أصلها

فما أرى شيئاً يدانيه

وكانت النسوة يرجّعن أوّل بيت من كل رجز، ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي ودعاه ثم دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد علي وقال: بارك الله في ابنة رسول الله.

يا علي! هذه فاطمة وديعتي عندك!

يا علي! نعم الزوجة فاطمة!

ويا فاطمة! نعم البعل علي!!

اللّهمّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في سبيلهما، اللّهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما من الشيطان الرجيم.

ثم دعا بماءٍ فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجّها في القعب، ثم صبّها على رأس فاطمة وعلى صدرها وبين كتفيها ثم دعا عليّاً فصنع به

١٤٤

كما صنع بها.

وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء بالخروج فخرجن، وبقيت أسماء بنت عميس، فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرج رأى سواداً فقال: مَن أنت؟ قالت: أسماء بنت عميس! قال: ألم آمركِ أن تخرجي؟ قالت: بلى يا رسول الله! فداك أبي وأُمّي، وما قصدت خلافك، ولكنّي أعطيت خديجة عهداً - وحدّثَتْه - فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ هاجت عواطفه من حديث خديجة، وإنّها كانت تتفكّر حول تلك الليلة، وأنّ فاطمة - الليلة - منكسرة القلب.

فقال لها: بالله لهذا وقفت؟

قالت أسماء: نعم، والله!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء، قضى الله لك حوائج الدنيا والآخرة.

١٤٥

الأقَوالُ حَوْلَ سَنَةِ زَوَاجهَا

اختلف المؤرّخون والمحدّثون في تاريخ سنة زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؛ فقد روى السيد ابن طاووس في الإقبال بإسناده إلى الشيخ المفيد: إنّ زواجها كان ليلة إحدى وعشرين من المحرّم سنة ثلاث من الهجرة.

وفي المصباح: في أوّل يوم من ذي الحجّة، ورُوي أنّه كان يوم السادس منه.

وفي الأمالي: أنّ زواجها كان بعد وفاة رقيّة زوجة عثمان بستّة عشر يوماً وذلك بعد رجوعه من بدر، وذلك لأيام خلت من شوّال.

١٤٦

تحقيق حول أسْمَاء بنْتِ عُميس وَأُمّ سَلمـَة

إنّ أسماء بنت عُميس كانت زوجة جعفر بن أبي طالب وقد هاجر جعفر إلى الحبشة مع زوجته وعدد من المسلمين قبل الهجرة من مكّة بسنوات، ورجع جعفر من الحبشة إلى المدينة يوم فتح خيبر في السنة الخامسة من الهجرة.

هذا هو المتفق عليه بين المؤرّخين، ولكنّك تجد حديثاً يصرّح به بحضور أسماء بنت عُميس عند السيدة خديجة الكبرى ساعة وفاتها في مكّة كما مرّ عليك.

وتجد الأحاديث الكثيرة التي تصرِّح بحضورها في زواج السيدة فاطمة الزهراء تجد التصريح باسمها واسم أبيها واللقب: (أسماء بنت عُميس الخثعمية).

وقد روى صاحب كشف الغمّة حضور أسماء بنت عُميس الخثعمية في زواج السيدة فاطمة، ورواه الحضرمي في (رشفة الصادي ص١٠) وأحمد بن حنبل في (المناقب) والهيثمي في (مجمع الزوائد) والنسائي في (الخصائص ص٣١) ومحب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) عن ابن عباس، وعن الخوارزمي عن الحسين بن عليعليهما‌السلام وعن السيد جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي، وعن الدولابي، وعن الإمام الباقر عن آبائهعليهم‌السلام .

وروى عن بعض هؤلاء شيخنا المجلسي في البحار ج ٤٣.

١٤٧

مع العلم أنّ زواج السيدة فاطمة كان بعد واقعة بدر، وقبل واقعة أحد، أي في السنة الأُولى أو الثانية من الهجرة، فكيف الجمع بين هذين القولين؟

وهذه مشكلة تاريخية لم يجد المؤرّخون لها حلاًّ مقبولاً صحيحاً، وقد تكلَّف شيخنا المجلسي في العاشر من البحار ببعض التأويلات أو التصرّفات. ولكنّها لا تتفق مع التصريح باسم أسماء بنت عُميس الخثعمية.

وأعجب من هذا ما ذكره القمّي في سفينة البحار في مادة (ك ذ ب) عن مجاهد قال: قالت أسماء بنت عُميس: كنت صاحبة عائشة التي هيّأتها وأدخلتها على رسول الله، ومعي نسوة، وقالت: فو الله ما وجدنا عنده قوتاً إلاَّ قدحاً من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية فقلت لها: لا تردّي يد رسول الله، خذي منه فأخذته على حياء فشربت منه، ثم قال: ناولي صواحبك

فقلن: لا نشتهيه.

فقال: لا تجمعن جوعاً وكذباً.

قالت: فقلت: يا رسول الله إن قالت إحدانا - لشيء -: لا نشتهيه أيعدُّ ذلك كذباً؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الكذب ليكتب حتى يكتب الكذيبة كذيبة.

كان المقصود من ذكر هذا الحديث هو حضور أسماء بنت عميس في زواج الرسول بعائشة، وكان ذلك قبل زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

أضف إلى هذا أنّه قد اشتهر بالتواتر حضور أسماء بنت عميس عند ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام في السنة الرابعة أو الخامسة من الهجرة،

١٤٨

وكل ذلك قبل فتح خيبر، أي قبل رجوع جعفر بن أبي طالب من الحبشة.

وقد روى شيخنا المجلسي في العاشر من البحار عن محمد بن يوسف الكنجي في كتابه: (كفاية الطالب) حضور أسماء بنت عميس في زواج السيدة فاطمة الزهراء، قال محمد بن يوسف: هكذا رواه ابن بطة، وهو حسن عال، وذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأنّ أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب... إلى أن قال: وأسماء التي حضرت في عرس فاطمةعليها‌السلام إنّما هي أسماء بنت يزيد ابن السكن الأنصاري، وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة، وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع، وكان زواج فاطمةعليها‌السلام بعد وقعة بدر بأيام يسيرة، فصحَّ بهذا أنّ أسماء المذكورة في هذا الحديث إنّما هي بنت يزيد... الخ.

أقول: لو لم يكن في الأحاديث تصريح باسم أسماء واسم أبيها ولقبها لأمكن هذا التوجيه أو التأويل، ولكن كيف يصح هذا التكلّف والتعسّف في التأويل في مقابل هذا النص الصريح، وهو: (أسماء بنت عميس الخثعمية)؟

وأمّا أسماء بنت يزيد الأنصاري كيف كانت أنصارية أي يوم توفّيت السيدة خديجة، مع العلم أنّها أنصارية أي من أهل المدينة؟ والحال أنّ أسماء التي حضرت وفاة خديجة في مكّة هي التي حضرت زواج فاطمة الزهراء في المدينة.

وإنّني أظن أنّ الكنجي إنّما قال هذا لوجود المشاركة في الاسم بين أسماء بنت عميس وأسماء بنت يزيد، ولم يذكر أحد من المؤرّخين حضور أسماء الأنصارية في مكّة عند وفاة السيدة خديجة.

١٤٩

والذي يقوى عندي أنّ الحل الصحيح والجواب المعقول: أنّ أسماء هذه هي أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة جعفر بن أبي طالب، وأنّها هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ولكنّها رجعت إلى مكّة وهاجرت إلى المدينة، ولعلّها كرّرت سفرها إلى الحبشة لأنّ المسافة من جِدّة إلى الحبشة هي مسافة عرض البحر الأحمر، وليس قطع هذه المسافة بالصعب المستصعب ذهاباً وإياباً، وإن كان التاريخ لم يذكر ذلك لأسماء فإنّ التاريخ أيضاً لن يذكر لأبي ذر الغفاري قوله: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة... إلى آخر كلامه.

روى ذلك الشيخ المجلسي عن كتاب: (علل الشرائع) للصدوق.

وقد ظفرت برواية رواها المجلسي في العاشر من البحار في باب تزويج السيدة فاطمةعليها‌السلام عن كتاب (مولد فاطمة) عن ابن بابوية: أمر النبي بنات عبد المطلب... إلى أن يقول: والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمزة وعقيل و(جعفر) وأهل البيت يمشون خلفها... إلى آخره.

فالتصريح بوجود جعفر يحل هذه المشكلة.

بقيت هنا كلمة: وهي أنّ هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت بعد وفاة السيدة خديجة الكبرى قطعاً، على اختلاف في تاريخ وفاتها في الشهور والأعوام قبل الهجرة.

ولكن الظاهر أن السيدة خديجة توفيت قبل الهجرة بأقل من سنة.

ومن ناحية أُخرى كانت هجرة جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة مرّتين، وهجرته الثانية كانت بعد وفاة السيدة خديجة، وقبل هجرة الرسول إلى المدينة.

١٥٠

والدليل على ذلك هو الخبر المروي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم كان في الغار قال: (إنّي أرى سفينة جعفر تعوم في البحر).

ومن هنا يسهل علينا أن نعرف بأنَّ بنت عميس كانت في مكّة يوم وفاة خديجة، وأنّها قد حضرت عند وفاتها.

وأمّا مشكلة أُم سلمة، فإنّنا نجد اسم السيدة أُم سلمة في الأيام التي سبقت زواج السيدة فاطمة الزهراء، فقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتها يوم خطبة عليعليه‌السلام من فاطمة الزهراء، وقد سمعت أنّ النبي أودع عندها شيئاً من صداق فاطمة الزهراء وكانت مرجع النساء في قضايا زواج السيدة فاطمة.

مع العلم أنّ المؤرّخين ذكروا أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّجها في السنة الرابعة من الهجرة، وزواج السيدة فاطمة كان في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر وقبل أُحد، فكيف كانت أُم سلمة في هذه المراحل مع العلم أنّها لم تكن زوجة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يومذاك.

نُجيب عن هذا الكلام بما يلي:

أوّلاً: المناقشة في سنة زواجها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلعلّ الرسول تزوّجها في أوائل الهجرة، أو أنّ زواج السيدة فاطمة الزهراء كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهذا احتمال بعيد وقول ضعيف لا يُعبأُ به.

ثانياً: إنّ السيدة أُم سلمة هي بنت عمّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا مانع أن تساهم في مراحل زواج السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بحيث إنّ النبي يستودعها صداق فاطمة الزهراء، أو يكون لها اقتراح ورأي في تعجيل زفاف السيدة فاطمة الزهراء.

هذا ما يتبادر إلى ذهني، والله العالم بحقائق الأمور.

١٥١

بَيْتُ فَاطِمَةعليها‌السلام

إنّ الحضارة - اليوم - بدأت تشعر بضرورة احترام بعض المساكن والمباني والأراضي، وذلك بعد أن شعرت باحترام الفضيلة وأهلها، والتقدير عن الشرف والعلم والقيم.

وعلى هذا الأساس أحدثت الحضارة قانوناً بل قوانين بهذا الشأن، ورعاية لهذا الأمر، فالصيانة الدبلوماسية التي منحها القانون لمباني السفارات والهيئات الدبلوماسية، وهكذا القوانين التي تفرض احترام الجامعات والمعاهد العلمية والمساجد والمعابد تقديراً للعلم والدين والثقافة، هي من نتائج الشعور بهذا المعنى.

ولكن هذه الحقيقة كانت ثابتة عند الله تعالى، وعند أوليائه من أهل السماوات والأرض منذ الأزل، وانطلاقاً من هذه الحقيقة نجد الأحكام الواردة حول احترام المساجد وخاصة المسجد الحرام، وتحريم الدخول فيه على بعض الأفراد كالمشركين أو المجنب أو الحائض، وتحريم تنجيسها، أو إتيان ما ينافي قدسيتها واحترامها، أو الصيد في الحرم (وهو المناطق المحيطة بمكّة من جميع الجوانب، حسب حدود معينة مذكورة في كتب الفقه).

بعد ذكر هذه المقدّمة اعلم أنّ البيت الذي كانت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تسكن وتعيش فيه كان محاطاً بالقداسة والروحانية والنور، كان ذلك البيت مبنيّاً بمواد الاحترام والتقدير، والتجليل والتبجيل، يعرف حق ذلك البيت كل مَن يعرف حق فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها.

١٥٢

وقد روى شيخنا المجلسي (عليه الرحمة) عن أنس بن مالك وعن بريدة قال: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (١) .

فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟

فقال: بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟!

وأشار إلى بيت علي وفاطمة.

قال: نعم، من أفضلها!!(٢) .

وعن ابن عباس قال: كنت في مسجد رسول الله، وقد قرأ القارئ:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ... ) فقلت: يا رسول الله، ما البيوت؟

فقال: بيوت الأنبياء. وأومأ بيده إلى منزل فاطمة(٣) .

وفي الكافي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد فاطمةعليها‌السلام وأنا معه، فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم.

فقالت فاطمةعليها‌السلام : عليك السلام يا رسول الله.

قال: أأدخل؟

قالت: ادخل يا رسول الله.

____________________

(١) النور: ٣٦.

(٢) وفي نسخة: من أفاضلها / تفسير الثعلبي ومنه تفسير (البرهان) ج ٣ / ١٣٩.

(٣) كشف الغمّة.

١٥٣

قال: أدخل أنا ومن معي؟

فقالت: يا رسول الله ليس علي قناع.

فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك، فقنّعي به رأسك. ففعلت.

ثم قال: السلام عليكم.

فقالت: وعليك السلام يا رسول الله

قال: أأدخل؟

قالت: نعم يا رسول الله

قال: أنا ومَن معي؟

قالت: أنتَ ومَن معك... إلى آخره(١) .

____________________

(١) الكافي ج ٥ / باب الدخول على النساء حديث ٥.

١٥٤

حيَاتُهَا الزّوْجيّة

انتقلت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام إلى البيت الزوجي، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوّة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، وحصل تطوّر في سعادة حياتها، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوّة صارت تعيش قرينة الإمام.

كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.

وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعيّة التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.

وليس ذلك بعجيب، فإنّ السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإنّ السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدّره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي؛ لأنّه أعزّ الخلق إلى رسول الله.

لأنّه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.

لأنّه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيّه.

لأنّه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.

١٥٥

وهكذا كان عليعليه‌السلام يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنّها زوجته فقط:

بل لأنّها أحبّ الخلق إلى رسول الله.

لأنّها سيّدة نساء العالمين.

لأنّ نورها من نور رسول الله.

لأنّها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنّها كتلة من العظمة.

لأنّها مجموعة من الفضائل متوفّرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.

فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أيّة امرأة في العالم كلّه، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسيّة، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيّتها وشخصيّتها، وغير ذلك من مئات المزايا ممّا يطول الكلام بذكرها.

بعد ما قصصنا وما لم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيّبة السعيدة الحلوة - بجميع معنى الكلمة - التي كانا يتمتّعان بها:

حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.

حياة يهبّ عليها نسيم الحب والوئام، وتزيّنها العاطفة بجمالها المدهش.

وفي البحار عن المناقب قال عليعليه‌السلام : فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت

١٥٦

أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان (١) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : إنّ فاطمةعليها‌السلام ضمنت لعليعليه‌السلام عمل البيت والعجين والخبز، وقَّم البيت، وضمن لها عليعليه‌السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت: والّذي عظّم حقَّك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به.

قال: أفلا أخبرتني؟

قالت: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألي ابن عمّكِ شيئاً، إن جاءك بشيء وإلاّ فلا تسأليه (٢) .

ولا يُعلم بالضبط مدّة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السّلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاَّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقيّة الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٢) بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٣١ عن تفسير العيّاشي.

١٥٧

أُكْذُوبَةُ التَاريخ في حَقِّ عَليّعليه‌السلام

لقد تكرّر منّا الكلام أنّ بعض حَمَلة الأقلام أساءوا إلى السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في شتّى الميادين ومختلف المجالات، وقد تقدّم منّا الكلام أنّ زواج الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد هيَّج الأحقاد في قلوب الحاسدين، فجعلوا يتشبثون بشتّى الوسائل لتعكير حياة الزوجين السعيدين، وإثارة الفتن والمشاغبات، كما هو شأن المفسدين الذين تتكون عندهم عقدة الحقارة النفسية بسبب الفشل في الحياة.

ومن جملة تلك المشاغبات أنّهم أشاعوا أنّ عليّاً قد خطب ابنة أبي جهل، ووصل الخبر إلى السيدة فاطمة الزهراء أنّ زوجها قد خطب بنت رئيس المشركين وقطب الكافرين أبي جهل.

فتأثّرت السيدة فاطمة وذهبت إلى حجرة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن سرعان ما انكشف الأمر، واتضحت الحقيقة، وظهر تزوير هذا الخبر.

هذه خلاصة الحديث على فرض صحّته.

ولكن هلمّ معي إلى بعض المؤلّفين والكُتّاب كيف اتخذوا هذه التهمة مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الإمام أمير المؤمنين، فجعلوا يطبّلون ويزمّرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

ومن جملة المطبّلين والمزمّرين هي الكاتبة المصرية بنت الشاطيء التي

١٥٨

كتبت ما كتبت وهي غير مبالية بما تكتب، أو متعمّدة فيما تكتب، فإنّها اعتبرت هذه الأكذوبة حقيقة ثابتة عندها، لا شك فيها ولا ريب.

وهنا نقتطف بعض ما كتبته الكاتبة المصرية في كتابها: (بنات النبي) ص١٦٧.

(لقد همّ علي بالزواج على فاطمة... دون أن يخطر بباله أنّ في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام).

أنا لا أدري بماذا أُجيب على هذه الكلمة الهوجاء التائهة؟

وهل يوجد في العالم كلّه رجل لا يشعر أنّ زوجته تكره الضرّة؟ وتكره أن يتزوّج عليها زوجها؟

إنَّ أقلَّ الناس إدراكاً ومعرفة بالأمور يشعر بهذا الأمر، ولكن الكاتبة تقول: (دون أن يخطر بباله (ببال علي) أنّ في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام)!!

وتقول بعد ذلك: (ألا ليت عليّاً قد صبر على واحدة).

ثم إنّها ملأت صفحات من كتابها في ذم أبي جهل ومواقفه ضد الإسلام، ثم قارنت بين بنت أبي جهل وبين بنت الرسول، وهي بهذه المقارنة تقصد التشنيع والتهريج ضدّ هذا الزواج المزعوم.

ومن العجب أنّ الكاتبة نفسها تبدي استيائها من بعض المستشرقين المسيحيين المتعصّبين، الذين تلاعبوا بالتاريخ الإسلامي، وتخص الكاتبة منهم (لامانس) المبشّر المسيحي المعادي.

ومع الأسف أنّ الكاتبة نفسها نسيت التريّث والتروّي حول هذه المفتريات، واعتبرتها وحياً يوحى.

واستعانت الكاتبة بنسيج خيالها ووصفها الروائي الذي هو عادة مؤلّفي الأساطير.

١٥٩

وهنا يجيب العلاّمة المعاصر السيد حسن الأمين - عن هذه المفتريات - في الجزء الثالث من كتابه: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ص (١٠) تحت عنوان:

دسائس على النبيِّ وعليّ وفاطمة:

ورد في كتاب ذخائر العقبى أنّ عليّاً أراد أن يتزوّج بنت أبي جهل على فاطمة، وأنّ النبي غضب لذلك وصعد المنبر محتدّاً ناقماً على هذا الأمر، شاجباً له، بالتفاصيل المزرية التي وردت في الكتاب ممّا هو طعن صريح بمحمد، فضلاً عن أنّه طعن بعليٍّ وفاطمة.

أمّا أنّه طعن بمحمد، فذلك أنّه أظهره بمظهر مَن يرفض أن يطبّق الشريعة على نفسه، وعلى مَن يتصل به في حين أنّه يفرض على غيره تطبيقها.

فهو يبيح للناس تعدّد الزوجات، ولكن يأبى أن ينطبق هذا التعدّد على ابنته.

وهذا من أفظع ما يوجَّه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من مطاعن، ولكنّ أعداء محمد استطاعوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستغلّوا ذوي النظر القصير، فيروونه في كتبهم ولا يرون فيه شيئاً.

أمّا أنّه طعن في علي؛ فذلك بإظهاره بمظهر مَن أغضب فاطمة وأغضب النبي نفسه.

وأمّا أنّه طعن فاطمة؛ لأنّها ترفض أن تطبِّق شريعة الله التي جاء بها أبوها على نفسها.

نحن لن نتعرّض لسند الخبر، فإنّ هذا الخبر بادئ الفساد من نفسه ولكنّنا نتساءل: لماذا خصّ رواة الخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟

ولماذا لم ينسبوا إلى علي محاولته التزوّج على فاطمة من غير بنت

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

(٤٥) كتاب : الإفصاح في الإمامة

الحديث :

في ردّه على من استدلّ على إمامة أبي بكر وعمر بحديث : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، أجاب الشيخ المفيد : قيل لهم : هذا حديث موضوع ، فصل آخر : على أنّ أصحاب الحديث قد رووه بلفظين مختلفين ، على وجهين من الإعراب متباينين : أحدهما الخفض ، وقد سلف قولنا بما بيّناه ، والآخر النصب ، وله معنى غيرما ذهب إليه أهل الخلاف.

وذلك إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمّا دعا الأُمّة إلى التمسّك بكتاب الله تعالى ، وبعترته ( عليهم السلام ) ، حيث يقول : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، وكانا ـ أيّ أبي بكر وعمر ـ هما المناديين بالاتّباع دون أن يكون النداء إليهما على ما شرحناه(١) .

الإفصاح في الإمامة :

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في رجاله(٢) ، والشيخ الطوسي

____________

١ ـ الإفصاح في الإمامة ( مصنّفات الشيخ المفيد مجلّد ٨ ) : ٢١٩ ـ ٢٢٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٩٩ [ ١٠٦٧ ] ، وانظر : روضات الجنّات ٦ : ١٥٣ [ ٥٧٦ ].

٤٠١

( ت ٤٦٠ هـ ) في فهرسته(١) ، وابن شهر آشوب ( ٥٨٨ هـ ) في المعالم(٢) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : وقال في كشف الحجب ( إنّه كان هذا الكتاب في دهلي عند بعض الثقات ، وقد نقل عنه والدي العلاّمة بعض عباراته في كتابه برهان السعادة في الإمامة ) ، « أقول » هو متداول في العراق ورأيت منه نسخاً منها نسخة من بقايا موقوفات مكتبة الشيخ عبد الحسين الطهراني ، ونسخة الشيخ الحجّة ميرزا محمّد الطهراني ، ونسخة السيّد الجليل أبي القاسم الموسوي الإصفهاني النجفي ، ونسخة بخطّ العالم السيّد محمّد علي بن محمّد الموسوي اللاريجاني كتابتها سنة ١٢٦٢ في مكتبة آية الله السيّد أبي الحسن الإصفهاني ونسخة في مكتبة الشيخ علي بن الشيخ محمّد رضا آل كاشف الغطاء ، ونسخة في مكتبة الشيخ محمّد السماوي وغيرها(٣) .

وذكر السيّد الطباطبائي عدّة نسخ له وعدّة طبعات(٤) ، وحقّقته مؤسّسة البعثة في قم على ثلاث نسخ خطّية وأُخرى مطبوعة(٥) .

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٤٤٤ [ ٧١١ ].

٢ ـ معالم العلماء : ١١٢ [ ٧٦٥ ].

٣ ـ الذريعة ٢ : ٢٥٨ [ ١٠٥١ ].

٤ ـ مقالات مؤتمر الشيخ المفيد ( رحمه الله ) ، رقم (١) : ٢١٢.

٥ ـ الإفصاح في الإمامة ( مصنّفات الشيخ المفيد مجلّد ٨ ) : ١٢ ، مقدّمة التحقيق.

٤٠٢

مؤلفات شريف المرتضي علي بن الحسين

الموسوي البغدادي ( ت ٤٣٦ هـ )

(٤٦) كتاب : الشافي في الإمامة

الحديث :

الأوّل : قال الشريف المرتضى في ردّه على القاضي عبد الجبّار(١) عند استدلاله بحديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر »(٢) ، على إمامة أبي بكر في كتاب الإمامة من المغني ـ بعد أن ذكر عدّة ردود على هذا الخبر وغيره ـ : وفيهم من حكى رواية الخبر بالنصب وجعل أبا بكر وعمر على هذه الرواية مناديين مأمورين بالاقتداء بالكتاب والعترة ، وجعل قوله ( اللذين من بعدي ) كناية عن الكتاب والعترة ، واستشهد على صحّة تأويله بأمره ( صلى الله عليه وآله ) في غير هذا الخبر بالتمسّك بهما والرجوع إليهما في قوله : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

وأورده الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في تلخيص الشافي(٤) .

____________

١ ـ في كتابه المغني.

٢ ـ الشافي في الإمامة ٢ : ٣٠٦.

٣ ـ الشافي في الإمامة ٢ : ٣٠٨.

٤ ـ تلخيص الشافي ٣ : ٣٦.

٤٠٣

الثاني : ما يذكره من مناقشة القاضي عبد الجبّار ( ت ٤١٥ هـ ) في دلالة حديث الثقلين ، قال الشريف المرتضى :

قال صاحب الكتاب(١) : دليل لهم آخر ، وربّما تعلّقوا بما روي عنه ( صلى الله عليه وآله ) من قوله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، وأنّ ذلك يدلّ على أنّ الإمامة فيهم ، ثمّ قال : وهذا يدلّ على أنّ إجماع العترة لا يكون إلاّ حقّاً

يقال له(٢) : أمّا قوله « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، فإنّه دالّ على أنّ إجماع أهل البيت حجّة على ما أقررت به(٣) .

وأورده الطوسي في تلخيص الشافي(٤) .

علم الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي « الشريف المرتضى » :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : علي بن الحسين بن موسى بن محمّد ابن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، أبو القاسم المرتضى ، حاز من العلوم ما لم يدانيه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلّماً شاعراً

____________

١ ـ القاضي عبد الجبّار صاحب المغني.

٢ ـ جواب الشريف المرتضى.

٣ ـ الشافي في الإمامة ٣ : ١٢٠ ـ ١٢٢ ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٧٠١ ح ١١١ ، والبحار ٢٣ : ١٥٥ ، تتميم ، وسيأتي الكلام في الدلالة مفصّلا.

٤ ـ تلخيص الشافي ٢ : ٢٣٩.

٤٠٤

أديباً ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا ، إلى أن قال : مات رضي الله عنه لخمس بقين من شهر ربيع الأوّل سنة ست وثلاثين وأربع مائة ، وصلّى عليه ابنه في داره ودفن فيها ، وتولّيت غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمّد ابن الحسن الجعفري وسلاّر بن عبد العزيز(١) .

وقال الشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله : علي بن الحسين الموسوي ، يكنّى أبا القاسم ، الملقّب بالمرتضى ، ذي المجدين علم الهدى أدام الله تعالى أيّامه ، أكثر أهل زمانه أدباً وفضلا ، متكلّم فقيه جامع للعلوم كلّها مدّ الله في عمره ، يروي عن التلعكبري والحسين بن علي بن بابويه وغيرهم من شيوخنا ، له تصانيف كثيرة ذكرنا بعضها في الفهرست وسمعنا منه أكثر كتبه وقرأناها عليه(٢) .

وقال في الفهرست : على بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى ابن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ، كنيته أبو القاسم المرتضى الأجلّ علم الهدى طوّل الله عمره وعضد الإسلام وأهله ببقائه وامتداد أيّامه ، متوحّد في علوم كثيرة ، مجمع على فضله ، مقدّم في علوم ، مثل : علم الكلام والفقه وأُصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك ، وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت ، وله من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير يشتمل على ذلك فهرسته المعروف ، غير أنّي أذكر أعيان كتبه وكبارها ، إلى أن قال :

توفّي ( رحمه الله ) في شهر ربيع الأوّل سنة ست وثلاثين وأربع مائة ، وكان

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٧٠ [ ٧٠٨ ].

٢ ـ رجال الطوسي : ٤٣٤ [ ٦٢٠٩ ].

٤٠٥

مولده في رجب سنة خمس وخمسين وثلاث مائة ، وسنّه يوم توفّي ثمانون سنة وثمانية أشهر وأيّام ، نضّر الله وجهه(١) .

وقصّة الرؤيا التي رآها المفيد بحقّه وحقّ أخيه ، وقصّة تلقّبه بعلم الهدى مذكورتان في كتب التراجم لم نذكرهما اختصاراً.

الشافي في الإمامة :

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في رجاله(٢) ، وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) : كتاب الشافي في الإمامة ، نقض كتاب الإمامة من كتاب المغني لعبد الجبّار بن أحمد ، وهو كتاب لم يصنّف مثله في الإمامة(٣) ، ووصفه ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم بأنّه حسن(٤) .

وجعله العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه البحار(٥) ، وقال : كتب السيّدين الجليلين(٦) كمؤلّفيها لا تحتاج إلى البيان(٧) .

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٢٨٨ [ ٤٣٢ ] ، وانظر : معالم العلماء : ٦٩ [ ٤٧٧ ] ، رجال ابن داوود : ١٣٦ [ ١٠٣٦ ] ، خلاصة الأقوال : ١٧٩ [ ٥٣٣ ] ، حاوي الأقوال ٢ : ٢٢ [ ٣٥٧ ] ، نقد الرجال ٣ : ٢٥٤ [ ٢٥٥٢ ] ، مجمع الرجال ٤ : ١٨٩ ، أمل الآمل ٢ : ١٨٢ [ ٥٤٩ ] ، رياض العلماء ٤ : ١٤ ، منتهى المقال ٤ : ٣٩٧ [ ٢٠٠٤ ] ، روضات الجنّات ٤ : ٢٩٤ [ ٤٠٠ ] ، بهجة الآمال ٥ : ٤٢١ ، تنقيح المقال ٢ : ٢٨٤ ، معجم رجال الحديث ١٢ : ٤٠ [ ٨٠٧٧ ] ، قاموس الرجال ٧ : ٤٤١ [ ٥١١٣ ] ، بلغة المحدّثين : ٣٨٣ ، جامع الرواة ١ : ٥٧٥ ، لؤلؤة البحرين : ٣١٣ [ ١٠٤ ] ، الدرجات الرفيعة : ٤٥٨ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٨٠.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٧٠ [ ٧٠٨ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٢٨٨ [ ٤٣٢ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٦٩ [ ٤٧٧ ].

٥ ـ البحار ١ : ١٠ ، مصادر الكتاب.

٦ ـ أي الشريف الرضي والمرتضى.

٧ ـ البحار ١ : ٣٠ ، توثيق المصادر.

٤٠٦

وهو مذكور في إجازة المرتضى للبصروي ، والتي رآها الميرزا عبد الله الأفندي في بعض المواضع المعتبرة(١) ولهذا الكتاب قيمة علميّة كبيرة ومكانة مرموقة عند الطائفة.

قال الشيخ محمّد جواد مغنية ( ت ١٤٠٠ هـ ) : ولا أُغالي إذا قلت : إنّ كتاب الشريف هو أوّل كتاب شاف كاف في الدراسات الإسلاميّة الإماميّة بحيث لا يستغني عنه من يريد الكلام في هذا الموضوع(٢) .

وللشافي عدّة مخطوطات ذكرها السيّد الخطيب في مقدّمة تحقيق الكتاب منها :

١ ـ نسخة مكتبة آية الله المرعشي النجفي ٢ ـ نسخة المكتبة الرضويّة ٣ ـ نسخة أُخرى في الرضويّة وغيرها ، ذكرها السيّد الخطيب(٣) .

قال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة للشريف المرتضى علم الهدى ، طبع في إيران سنة ١٣٠١ هـ ، وقد لخّصه تلميذه شيخ الطائفة الطوسي وسمّاه تلخيص الشافي وطبع أيضاً منضمّاً إلى الشافي(٤) . وطبع أيضاً بتحقيق السيّد حسين بحر العلوم في مجلّدين.

____________

١ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤.

٢ ـ الشيعة في الميزان : ١٢٠.

٣ ـ الشافي في الإمامة ١ : ١٦ ، مقدّمة التحقيق.

٤ ـ الذريعة ١٣ : ٨ [ ١٧ ] و ٤ : ٤٢٣ [ ١٨٦٦ ].

٤٠٧
٤٠٨

(٤٧) كتاب : الانتصار

الحديث :

في ما يذكره في المقدّمة من أنّ الذين يشنّعون على فقه الشيعة ، الأفضل لهم أن يتركوا هذا البحث ; لأّن فقههم مقرون بالقرآن ، قال : مذاهبهم حجّة يرجع إليها ويعوّل عليها ، كالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

كتاب الانتصار

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) بعنوان كتاب مسائل انفرادات الإماميّة وما يظنّ انفرادها به(٢) ، وقال الشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : مسائل الانفرادات في الفقه تامّة(٣) ، وابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) بعنوان : ما تفرّدت به الإماميّة من المسائل الفقهيّة(٤) .

____________

١ ـ الانتصار : ٨٠.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٧٠ [ ٧٠٨ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٢٨٨ [ ٤٣٢ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٦٩ [ ٤٧٧ ].

٤٠٩

وجعله المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه البحار(١) ، وقال : كتب السيّدين الجليلين كمؤلّفيها لا تحتاج إلى البيان(٢) .

وهذا الكتاب ذكر ضمن كتب المرتضى في إجازة البصروي التي رآها الميرزا عبد الله الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) ، تحت عنوان : الانتصار لما اجتمعت عليه الإماميّة(٣) .

وقال الميرزا الأفندي : قال المولى نظام القرشي في نظام الأقوال : علي بن الحسين بن موسى ، المشهور بالمرتضى علم الهدى ، متوحّد في علوم كثيرة ، وله كتب كثيرة ، منها : الانتصار في الحديث

وأقول : في كلامه نظر من وجوه : منها ما قاله في شرح نسب هذا السيّد فلاحظ ، ومنها قوله « الانتصار في الحديث » ، فإنّه ليس في الحديث ، بل في الفقه في المسائل الفقهيّة التي انفردت بها الإماميّة ، وهو كتاب معروف متداول وعندنا منه أيضاً نسخة(٤) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : الانتصار في انفرادات الإماميّة للسيّد الشريف المرتضى ، إلى أن قال : صنّفه للأمير الوزير عميد الدين في بيان الفروع التي شنّع على الشيعة بأنّهم خالفوا فيها الإجماع ، فأثبت أنّ لهم فيها موافقة من فقهاء سائر المذاهب ، وأنّ لهم عليها حجّة قاطعة من الكتاب والسنّة ، ثمّ قال : طبع بطهران ضمن الجوامع الفقهيّة سنة ١٢٧٦ ، ومنفرداً أيضاً سنة ١٣١٥ ، وتوجد في الخزانة الرضويّة نسخة منها ، تاريخ كتابتها سنة ٥٩٦(٥) .

____________

١ ـ البحار ١ : ١١ ، مصادر الكتاب.

٢ ـ البحار ١ : ٣٠ ، توثيق المصادر.

٣ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤.

٤ ـ رياض العلماء ٤ : ٦١.

٥ ـ الذريعة ٢ : ٣٦٠ [ ١٤٥٥ ] و ٢٠ : ٣٣٦ [ ٣٢٨٦ ].

٤١٠

وتوجد عدّة نسخ خطيّة أُخرى ، منها : في مكتبة السيّد المرعشي النجفي تاريخها سنة ٥٩١ هـ ، نسخة مكتبة گوهرشاد نسخها سنة ١٠٦٨ وغيرها(١) .

ومن محتوى الكتاب ظهر سبب اختلاف تسميته عند علماء الرجال.

____________

١ ـ الانتصار : ٦٣ ، منهج التحقيق.

٤١١
٤١٢

(٤٨) كتاب : الآيات الناسخة والمنسوخة

أو ( رسالة المحكم والمتشابه )

الحديث :

قال في المقدّمة :

الحمد لله العدل ذي العظمة ، وعلى الأئمّة المصطفين ، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه ، حيث يقول جلّ ثناؤه( طِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) فدلّ سبحانه وأرشد إليهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ، الثقلين : كتاب الله وعترتي ، فإنّ ربّي اللطيف الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

كتاب الآيات الناسخة والمنسوخة أو ( رسالة المحكم والمتشابه ) :

هذه الرسالة لم تذكر في الكتب القديمة للرجال في ضمن مؤلّفات السيّد المرتضى(٢) ، وكذا لم ترد في فهرست مؤلّفاته التي وردت في إجازته للشيخ البصروي(٣) .

____________

١ ـ الآيات الناسخة والمنسوخة : ٤١ ، المقدّمة ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٥٧١ ح ٤٦٧.

٢ ـ انظر رجال النجاشي : ٢٧٠ [ ٧٠٨ ] ، فهرست الطوسي : ٢٨٨ [ ٤٣٢ ] ، معالم العلماء : ٦٩ ، وغيرها.

٣ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤.

٤١٣

وإنّما ذكرها الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في أمل الآمل ، وقال : ومن مؤلّفاته رسالة المحكم والمتشابه ، وكلّها منقولة من تفسير النعماني(١) ، ومثله في خاتمة الوسائل(٢) ، وأورد صاحب اللؤلؤة نفس عبارة الحرّ العاملي(٣) .

وعدّها المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادر البحار من ضمن مؤلّفات المرتضى(٤) ، وأوردها كاملة في كتاب القرآن ، ولكنّه قال في أوّلها : رسالة مفردة مدوّنة كثيرة الفوائد برواية النعماني(٥) ، وقال في فصل مصادره : وكتاب التفسير الذي رواه الصادق ( عليه السلام ) ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) المشتمل على أنواع آيات القرآن وشرح ألفاظه برواية محمّد بن إبراهيم النعماني ، وسيأتي بتمامه في كتاب القرآن(٦) ، ونقل عنه مكرّراً بعنوان ( تفسير النعماني ، وأنّه سيأتي في كتاب القرآن كاملا ) في الجزء الخامس(٧) والسادس(٨) والسابع(٩) ، وهكذا في الأجزاء الأُخرى من البحار.

أقول : لا أعلم هل يعتبرهما اثنان ، أو اشتبه عليه الحال ، مع أنّه لم يرو عن هذه الرسالة بعنوان المحكم والمتشابه في البحار كلّه ، وإنّما يروي عنها بعنوان تفسير النعماني ، كما أشرنا إليه ، رغم أنّه عدّها من مصادر البحار عند ذكره لمؤلّفات المرتضى ، فلاحظ.

____________

١ ـ أمل الآمل ٢ : ١٨٤ ، وانظر : رياض العلماء ٤ : ٤٧.

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٥ [ ٢٣ ].

٣ ـ لؤلؤة البحرين : ٣٢٢ ، وانظر : روضات الجنّات ٤ : ٣٠٣.

٤ ـ البحار ١ : ١١ ، وانظر : رياض العلماء ٤ : ٤٦.

٥ ـ البحار ٩٣ : ١.

٦ ـ البحار ١ : ١٥ ، وانظر : الذريعة ٢٠ : ١٥٤ [ ٢٣٦١ ].

٧ ـ البحار ٥ : ٢٩ ، ١١٠ ، ١٧٤ ، ٢٠٨.

٨ ـ البحار ٦ : ٢٤٥.

٩ ـ البحار ٧ : ٤٢ ، ٦٢ ، ٣١٨.

٤١٤

هذا وقد ذكر الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في أمل الآمل أنّه رأى قطعة من تفسير النعماني(١) ، وقال صاحب الذريعة : ولعلّ مراده من القطعة هي الروايات المبسوطة التي رواها النعماني بإسناده إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وجعلها مقدّمة تفسيره ، وهي التي دوّنت مفردة مع خطبة مختصرة وتسمّى بـ ( المحكم والمتشابه ) ، كما يأتي ، وتنسب إلى السيّد المرتضى ، وطبع في الأواخر بإيران ، وقد أوردها بتمامها العلاّمة المجلسي في مجلّد القرآن من البحار(٢) .

ثمّ إنّ الحرّ العاملي ذكر طريقه إليها في خاتمة الوسائل ، وقال : ونروي رسالة ( المحكم والمتشابه ) للسيّد المرتضى : بالإسناد السابق عن الشيخ أبي جعفر الطوسي(٣) ، عن السيّد المرتضى علي بن الحسين الموسوي(٤) .

وقد قال السيّد المرتضى في أوّل الرسالة كما في المطبوع والبحار : قال أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتابه تفسير القرآن ، عن أحمد بن محمّد بن سعد بن عقدة ، قال : حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) ، يقول :(٥) .

ولكن المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) قال في نهاية الرسالة : أقول : وجدت رسالة قديمة مفتتحها ، هكذا : حدَّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ( رحمه الله ) ،

____________

١ ـ أمل الآمل : ٢٣٣ [ ٦٩١ ].

٢ ـ الذريعة ٤ : ٣١٨ [ ١٣٤٢ ].

٣ ـ ذكر إسناده عن الشيخ الطوسي في خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٧٦ ، الطريق ١٩.

٤ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٠ ، الطريق (٢٤).

٥ ـ الآيات الناسخة والمنسوخة : ٤٦ ، والبحار ٩٣ : ٣.

٤١٥

قال : حدَّثني سعد الأشعري القمّي أبو القاسم ( رحمه الله ) ، وهو مصنّفه : الحمد لله ذي النعماء والآلاء والمجد والعزّ والكبرياء ، وصلّى الله على محمّد سيّد الأنبياء وعلى آله البررة الأتقياء ، روى مشايخنا عن أصحابنا ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « أُنزل القرآن ، » وساق الحديث إلى آخره ، لكنّه غيّر الترتيب ، وفرّقه على الأبواب ، وزاد في ما بين ذلك بعض الأخبار(١) .

وقد نقل المجلسي من هذه الرسالة القديمة بعض الأحاديث ، كما في كتاب القرآن ، الباب السابع(٢) .

ويظهر من كلامه ( قدس سره ) وبقرينة إيراده في نهاية الرسالة الأُولى ، أنّ الثانية هي نفس الأُولى ولكن بسند آخر ، وأنّ الرسالة عبارة عن حديث واحد من أوّلها إلى آخرها ، حيث قال : وساق الحديث إلى آخره ، لكنّه غيّر الترتيب وفرّقه على الأبواب ، وزاد في ما بين ذلك بعض الأخبار.

ولكن بالتأمّل في ما نقله من أوّل الرسالة القديمة ( الثانية ) ، حيث قال : حدّثني سعد الأشعري القمّي أبو القاسم ( رحمه الله ) وهو مصنّفه ، وما نقله منها في الباب السابع من كتاب القرآن ، حيث ورد في ضمنها روايات عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، لا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في أوّل الرسالة ، يتبادر إلى الذهن أنَّ هناك تصنيفاً وتأليفاً وجمعاً ، وعدّة روايات لا روايةً واحدةً طويلة ، ولكن يبقى الاحتمال من أنّ الأشعري لم يفعل إلاّ أن فرّق الرواية على الأبواب ، وأضاف روايات عن الصادق ( عليه السلام ) ، وهي التي أشار إليها المجلسي بقوله : وزاد في ما بين ذلك بعض الأخبار.

ومن هنا يتطرّق الاحتمال أيضاً إلى أنّ ما ذكره المرتضى ( رحمه الله ) عن

____________

١ ـ البحار ٩٣ : ٩٧.

٢ ـ البحار ٩٢ : ٦٠.

٤١٦

تفسير النعماني هل هو رواية واحدة طويلة وما ذكره سنداً لها؟ ، أو أنّها روايات متفرّقة رواها النعماني بسند واحد في تفسيره ، وانتخبها المرتضى منه وضمنها هذه الرسالة؟.

ولا بأس بالإشارة إلى أنّ بعض مقاطع هذه الرسالة ( المحكم والمتشابه ) وردت أيضاً في بداية تفسير القمّي ، ولكن لا دليل على أنّها من رواية القمّي نفسه ، ولا أنّها رواية واحدة أيضاً.

وعلى كلّ فمن المستبعد أن تكون الرسالة رواية واحدة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، خاصّة وإنّ فيها ردود على فرق لم تكن ظهرت في زمن الإمام علي ( عليه السلام ) ، فربّما تكون من كلام الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بل إنّ بعضه ربّما يكون من شخص متأخر عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قد يكون هو النعماني نفسه لو قلنا بأنّ الرسالة مأخوذة كلّها من تفسيره ، كما هو الأرجح والظاهر من قول المرتضى في أوّل الرسالة.

على الرغم من وجود احتمال أنّ هذا البعض ( الكلام ) كلام المرتضى ، ضمّنه ما انتخبه من روايات من تفسير النعماني ، فهو قريب من أُسلوبه في المناظرة والجدل في بقيّة كتبه الأُخرى.

ثمّ إنّ الرسالة سمّيت في النسخ المخطوطة التي اعتمدت في طبع الرسالة بـ ( الآيات الناسخة والمنسوخة ) ونسبت إلى السيّد المرتضى علم الهدى ، كما ذكر ذلك محقّق الرسالة المطبوعة ، حيث ذكر أنَّه عثر على ثلاث نسخ : الأُولى في مكتبة أمير المؤمنين في النجف ، استقرب تاريخها بسنة ١٠٥٠ هـ ، والثانية في مكتبة الإمام السيّد محسن الحكيم ( رحمه الله ) في النجف أيضاً ، واستقرب تاريخها بسنة ١٠٨٠ هـ ، والثالثة في خزانة مكتبة دار الكتب في القاهرة كتبت بتاريخ ١٣٣١ هـ ، وأنّ اثنتين منها ـ هما نسخة مكتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ونسخة دار الكتب في القاهرة ـ قد عنونت بهذا

٤١٧

العنوان ، لهذا اعتمده كعنوان للرسالة(١) .

وعلى كلّ فهذه الرسالة نسبت إلى السيّد المرتضى ولم تنسب إلى غيره ، وعليه فتكون المقدّمة القصيرة في بدايتها والتي ورد فيها حديث الثقلين من كلامه هو ( قدس سره ) ، ثمّ أورد بعدها ما انتخبه من تفسير النعماني.

____________

١ ـ الآيات الناسخة والمنسوخة : ١٦ ، عملنا في التحقيق.

٤١٨

(٤٩) المسائل المبادريات

الحديث :

جاء في إجازة السيّد المرتضى للشيخ أبي الحسن محمّد بن محمّد البصروي ذكر تصانيف السيّد ( رحمه الله ) ، ومنها :

المسائل المبادرات وهي أربع وعشرون مسألة :

العشرون : قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي »(١) .

المسائل المبادريات أو البادرانيّات :

ذكرها العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة ، وقال : جوابات المسائل البادرائيّات للسيّد الشريف المرتضى علم الهدى المتوفّى ( ٤٣٦ ) ، أربع وعشرون مسألة ، ذكره النجاشي(٢) ، وبادراياطسوج بنهروان كما في معجم البلدان(٣) .

وجاء تفصيل ما موجود في هذه المسائل في إجازة المرتضى

____________

١ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤ ، إجازة البصروي.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٧٠ [ ٧٠٨ ].

٣ ـ الذريعة ٥ : ٢١٤ [ ١٠٠٧ ] ، ٢٠ : ٣٣٧.

٤١٩

للبصروي التي وجدها صاحب الرياض في بعض المواضع المعتبرة ، ونقلها في الرياض(١) ، وقد ذكر الإجازة أيضاً صاحب الذريعة(٢) .

____________

١ ـ رياض العلماء ٤ : ٣٤.

٢ ـ الذريعة ١ : ٢١٦ [ ١١٣٢ ].

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568