فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248156 / تحميل: 11100
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي ( مختصر التحفة الاثني عشريّة ) أنّه قال: ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) (1) . يعني السنتين اللَّتين انتهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق ( عليه السلام ).

قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري: ( وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة: ما رأيتُ أفقه منه، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) (2) .

2 - الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة، ولقد اختلفتُ إليه زمانا، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صامتا ً (3) ، وإمّا يقرأ القرآن، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ ) (4) .

____________________

(1) مختصر التحفة الاثني عشريّة: 9، المطبعة السلفيّة، القاهرة.

(2) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب: 55.

(3) هذا حسب كتاب: ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عِيَاض، ولعلّ الأصحّ صائماً كما ذكره ابن حجر في التهذيب.

(4) نقل كلامه القاضي عِيَاض في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ): 2 / 42 طبع دار الفكر، ونقل قريباً من ذلك ابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ): 2/70، دار الفكر.

٢٤١

3 - الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):

علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: ( لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِن جُنَّتِهِ ) (1) .

4 - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):

قال في رسائله عند ذكر الجواب عمّا فخرتْ بهِ بنو أُميّة على بني هاشم، ما نصّه: ( فأمّا الفقه والعلم والتفسير والتأويل، فإنْ ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد، وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب... وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه. ويُقال إنّ أبا حنيفة مِن تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب... ) (2) .

كما أنّه مدح عشرة من أهل البيت من ضمنهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقال: ( وَمنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نَسَق؛ كلّ واحد منهم: عالمٌ، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون:

ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر [ الصادق ] بن محمّد بن علي بن الحسين

____________________

(1) أورده ابن حجر الهيتمي في ( الصواعق المحرقة ): 310، دار الكتب العلميّة.

(2) رسائل الجاحظ: 106، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر.

٢٤٢

بن علي ( عليهم السلام )؛ وهذا لم يتّفق لبيتٍِ من بيوت العرب ولا من بيُوت العجم ) (1) .

5 - الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت: 261 هـ):

قال في ( معرفة الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولهم شيء ليس لغيرهم، خمسة أئمّة... ) (2) .

6 - محمّد بن إدريس، أبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله ) (3) .

7 - عبد الرحمان بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي (ت: 327 هـ):

قال في كتابه ( الجرح والتعديل ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله كرّم الله وجهه... روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، والثوري، وشعبة، ومالك، وابن إسحاق، وسليمان بن بلال، وابن عيينة، وحاتم، وحفص، سمعتُ أبي يقول ذلك ).

ثمّ نقل بعض مدائح وتوثيقات العلماء للإمام، كتوثيق الشافعي، وابن معين، وأبي عبد الرحمان، وأبي زرعة، مقرّاً لهم على ذلك بدلالة عدم تعليقه على كلماتهم، خصوصاً أنّ كتابه موسوم بالجرح والتعديل (4) .

____________________

(1) المصدر نفسه: 109.

(2) معرفة الثقات: 1 / 270، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة.

(3) نقله ولده الرازي في ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر. والذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ): 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي، وغيرهما.

(4) انظر: ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر.

٢٤٣

8 - محمّد بن حِبَّان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت: 354هـ):

قال في كتابه ( الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، كنيته أبو عبد الله، يروي عن أبيه، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس... ) (1) .

9 - عبد الله بن عدي الجرجاني (ت: 365 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولجعفر بن محمّد حديث كبير عن أبيه عن جابر، وعن أبيه عن آبائه، ونُسَخَاً لأهل البيت برواية جعفر بن محمّد، وقد حدّث عنه من الأئمّة مثل: ابن جريج، وشعبة بن الحجّاج، وغيرهم... وجعفر من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ) (2) .

10 - أبو عبد الرحمان السلمي (ت: 412 هـ):

قال في ( طبقات المشايخ الصوفيّة ): ( جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ) (3) .

____________________

(1) الثقات: 6 / 131، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الدكن، الهند.

(2) الكامل في الضعفاء: 2، 134، دار الفكر. ونقله ابن حجر بلفظ قريب من ذلك في ( تهذيب التهذيب )، 2 / 69، واللفظ المذكور من كتاب التهذيب.

(3) ذكره محمّد الخواجة البخاري في ( فصل الخطاب ). ونقله عنه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

٢٤٤

11 - أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت: 428 هـ):

قال في ( رجال مسلم ): ( جعفر بن محمّد الصادق... وكان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً ) (1) .

12 - أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ):

قال في ( حلية الأولياء ) عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): (.. الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع ) (2) .

13 - محمّد بن طاهر بن علي المقدسي (ت: 507 هـ):

قال في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ): ( جعفر بن محمّد الصادق، وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ( رضي الله عنهم )، يُكنّى أبا عبد الله... وكان من سادات أهل البيت... روى عنه عبد الوهاب الثقفي، وحاتم بن إسماعيل، ووهيب بن خالد، وحسن بن عيّاش، وسليمان بن بلال، والثوري، والداروردي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غيّاث، ومالك بن أنس، وابن جريج... ) (3) .

14 - أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت: 548 هـ):

قال في ( الملل والنحل ): ( جعفر بن محمّد الصادق، هو ذو علم غزير، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات، وقد أقام

____________________

(1) رجال مسلم: 1 / 120، دار المعرفة.

(2) حلية الأولياء: 3 / 176، دار إحياء التراث العربي.

(3) الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 70، دار الكتب العلميّة.

٢٤٥

بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ ) (1) .

15 - جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597 هـ):

قال في تاريخه ( المنتظم ) عند ذكر وفيات سنة: (148 هـ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر الصادق... كان عالماً، زاهداً، عابداً... ) (2) .

وقال في كتابه ( صفة الصفوة ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام )، يكنّى أبا عبد الله، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق. كان مشغولاً بالعبادة عن حبّ الرياسة... ) (3) .

16 - أبو سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (ت: 562 هـ):

قال في كتاب ( الأنساب ): ( الصادق: بفتح الصاد، وكسر الدال المهملتَين، بينهما الألف وفي آخرها القاف، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق، لصدقه في مقاله... ) (4) .

____________________

(1) الملل والنحل: 1 / 166، دار المعرفة.

(2) المنتظم: 8 / 110 - 111، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

(3) صفة الصفوة: 2 / 168، عند ذكر الطبقة الخامسة من أهل المدينة، رقم: 186، دار المعرفة.

(4) الأنساب: 3 / 507، دار الجنان، بيروت.

٢٤٦

17 - الفخر الرازي، محمّد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت: 604 هـ):

قال في تفسيره عند ذكره معاني كلمة ( الكوثر ): ( والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثمّ العالَم ممتلئ منهم. ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر، والصادق، والكاظم، والرضا ) (1) .

18 - عزّ الدين، ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ):

قال في ( اللباب في تهذيب الأنساب ): ( الصادق... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو المشهور بالصادق، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله... ومناقبه مشهورة ) (2) .

19 - محمّد بن طلحة الشافعي: (ت: 652 هـ):

قال في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ): ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن، ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تُذكِّر الآخرة، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا، والاقتداء

____________________

(1) تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: مجلّد16/ ج32/ 125، دار الفكر.

(2) اللباب في تهذيب الأنساب: 2 / 3، دار الفكر، طبعة جديدة ومنقّحة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر.

٢٤٧

بِهَدْيِهِ يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة.

نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيَيْنَة، وشعبة، وأيّوب السجستاني وغيرهم (رض)، وعدّوا أَخْذَهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلة اكتسبوها )

إلى أنْ قال: ( وأمّا مناقبه وصفاته، فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها، تُضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه ) (1) .

20 - يوسف بن فرُغلي بن عبد الله سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( وهو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... ويلقّب بالصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق )، ثمّ ذكر قول علماء السّير بأنّ الإمام الصادق: كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة ).

ونقل قول عمرو بن أبي المقدام، وهو: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ).

____________________

(1) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 2 / 111، مؤسّسة أمّ القرى.

٢٤٨

كما ذكر طرفاً من أخباره وإرشاداته ومكارم أخلاقه (1) .

21 - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):

نقل في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره عن أبي عثمان الجاحظ، مقرّاً له عليه (2) .

وقد ذكر في نفس الفصل أيضاً عند تطرّقه لذكر الإمام الباقر ( عليه السلام ) ما نصّه: ( وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ) (3) .

22 - أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت: 676 هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ): ( الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق... روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون. واتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمر بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (4) .

23 - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خِلَّكان (ت: 681 هـ):

قال في كتابه ( وفيات الأعيان ): ( أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد

____________________

(1) تذكرة الخواص: 307، مؤسّسة أهل البيت، بيروت، لبنان.

(2) شرح نهج البلاغة: 15 / 274 و278، دار الكتب العلميّة، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

(3) المصدر نفسه: 277.

(4) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 155، دار الفكر.

٢٤٩

الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر. وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل (1) ، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة...

تُوفّي في: شوّال، ثمان وأربعين ومئة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين، فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.. ) (2) .

24 - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ):

قال في ( تذكرة الحفّاظ ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد، وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول: ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي )، وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء، قلتُ [ أي الذهبي ]: مناقبُ هذا السيّد

____________________

(1) انظر: التنبيه في آخر هذا الفصل.

(2) وفيات الأعيان: 1 / 307، دار الكتب العلميّة.

٢٥٠

جمّة... ) (1) .

وقال في ( سير أعلام النبلاء ): في الجزء الثالث عشر، عند ذكره للإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ) (2) .

كما ذكر له في الجزء السادس ترجمة طويلة فيها توثيقات ومدائح العديد من العلماء كالشافعي، ويحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حنيفة وغيرهم، كما تفرّقت أقواله عن الإمام في طيّات هذهِ الترجمة:

فقد قال في أحد المواضع: ( شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام ) (3) .

وقال في موضع آخر عنه وعن أبيه الباقر ( عليه السلام ): ( وكانا من جُلَّة علماء المدينة ) (4) .

وقال في موضع ثالث: ( جعفر: ثقة، صدوق ) (5) .

كما أنّ الذهبي ترجم الإمام ترجمة مطوّلة شبيهة بما في ( سير أعلام النبلاء ) وذلك في كتابه تاريخ الإسلام (6) . وقال في آخرها: ( مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه ).

____________________

(1) تذكرة الحفّاظ: 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي ( إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهنديّة ).

(2) سير أعلام النبلاء: 13 / 120، مؤسّسة الرسالة.

(3) المصدر نفسه: 6 / 255.

(4) المصدر نفسه: 6 / 255.

(5) المصدر نفسه: 6 / 257.

(6) تاريخ الإسلام: حوادث وفيات - 141 هـ - 160 هـ): 93 / دار الكتاب العربي.

٢٥١

25 - صلاح الدين الصفدي (ت: 764 هـ):

قال في كتابه ( الوافي بالوفيات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. هو المعروف بالصادق، الإمام العَلَم المدني... ) إلى أنْ قال: ( وحدّثَ عنه: أبو حنيفة، وابن جريج، وشُعبة، والسفيانان، ومالك، ووهيب، وحاتم بن إسماعيل، ويحيى القطان، وخلق غيرهم كثيرون آخرهم وفاةً أبو عاصم النبيل، وثّقه يحيى بن معين والشافعي وجماعة ).

ثمّ نقل توثيق ومدح أبي حنيفة وأبي حاتم المتقدّم ذكرهما...، إلى أنْ قال: ( وله مناقب كثيرة وكان أهلاً للخلافة؛ لسؤدده وعلمه وشرفه... وتُوفّي سنة: ثمان وأربعين ومئة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه. ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله... ) (1) .

26 - أبو عبد الله أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت: 768 هـ):

قال في كتابه ( مرآة الجنان ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( فيها توفيّ الإمام السيّد الجليل، سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي، وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... وُلِدَ سنة: ثمانين في المدينة الشريفة وفيها تُوفّي.

ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرِمْ بذلك القبر وما جمع من

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 11 / 126 - 128، دار النشر: فرانز شتايز، شتوتغارت.

٢٥٢

الأشراف الكرام أُولي المناقب، وإنّما لقّب بالصادق؛ لصدقه في مقالته: وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمئة رسالة ) (1) .

27 - المحدّث محمّد خواجه بارساي البخاري (ت: 822 هـ):

قال في كتابه ( فصل الخطاب ): ( ومِن أئمّة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق ( رضي الله عنه )... وكان جعفر الصادق ( رضي الله عنه ) من سادات أهل البيت... روى عنه ابنه موسى الكاظم ( رضي الله عنه )، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو حنيفة، وابن جريج، ومالك، ومحمّد بن إسحاق، وسفيان الثوري، وسفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ( رحمهم الله )، واتّفقوا على جلالته وسيادته ) (2) .

28 - الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ):

قال في ( تقريب التهذيب ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، من السادسة، مات سنة: ثمان وأربعين [ أي 148 هـ ] ) (3) .

____________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 1 / 238، دار الكتب العلميّة.

(2) نقله القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

(3) تقريب التهذيب: 1 / 91، دار الفكر للطباعة والنشر.

٢٥٣

ونقل في كتابه ( تهذيب التهذيب ) مدائح العديد من العلماء وتوثيقاتهم للإمام سلام الله عليه كالشافعي، وابن معين، وأبي حاتم، والنسائي، وابن عدي، وابن حِبَّان وغيرهم، كما أرسل قول عمرو بن أبي المقدام إرسال المسلّمات، فقال:

قال عمرو بن أبي المقدام: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (1) .

29 - ابن الصبّاغ المالكي (ت: 855 هـ):

قال في كتابه ( الفصول المهمّة ): ( كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، وروى عنه جماعة من أعيان الأمّة، مثل:

يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وصّى إليه أبو جعفر ( عليه السلام ) بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة، ونصّ عليه نصّاً جلياً ) إلى أنْ قال:

( وأمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب، وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب، الذي يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي هو من كلامه، وله فيه المنقبة السنيّة والدرجة التي هي في مقام الفضل عَلِيَّة )، وقال في آخر الفصل:

( مناقب أبي جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على

____________________

(1) انظر: (تهذيب التهذيب): 2 / 68 - 70، دار الفكر.

٢٥٤

جهات الأيّام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهِلَة.

مات الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام سنة: ثمان وأربعين ومئة، في شوّال... وقبره في البقيع، دُفن في القبر الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه... ) (1) .

30 - عبد الرحمان بن محمّد الحنفي البسطامي (ت: 858 هـ):

قال في ( مناهج التوسّل ): ( جعفر بن محمّد، ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين ) (2) .

31 - المؤرّخ يوسف بن تغري بردي، جمال الدين الأتابكي (ت: 874هـ):

قال في ( النجوم الزاهرة ) عند ذكره لأحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، الإمام السيّد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني... وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقّب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه: الصادق... حدّث عنه أبو حنيفة، وابن جريج، وشعبة، والسفيانان ومالك، وغيرهم، وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ) (3) .

____________________

(1) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة: 211 - 219 دار الأضواء.

(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 55 عن ( مناهج التوسّل ): 106.

(3) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 2 / 8، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والطباعة والنشر، نسخة مصوّرة على طبعة دار الكتب.

٢٥٥

32 - محمّد بن سراج الدين الرفاعي (ت: 885 هـ):

قال في ( صحاح الأخبار ): (قال العميدي: وُلِد الصادق بالمدينة، يوم الجمعة عند طلوع الفجر، سنة: ثلاث وثمانين من الهجرة... وعاش خمساً وستّين سنة، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم ما سارت به الركبان، وقد عُدّ أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل... ) (1) . وواضح من اسم الكتاب ومقدّمته أنّه يتبنّى كلّ ما جاء فيه.

33 - أحمد بن عبد الله الخزرجي (ت: بعد 923 هـ):

قال في ( خلاصته ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله، أحد الأعلام... [ حدّث ] عنه خَلْق كثير لا يحصون، منهم ابنه موسى، وشعبة، والسفيانان، ومالك، قال الشافعي: وابن معين، وأبو حاتم، ثقة ) (2) .

34 - شمس الدين محمّد بن طولون (ت: 953 هـ):

قال في ( الأئمة الاثنا عشر ): ( وهو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله

____________________

(1) صحاح الأخبار في نَسَب السادة الفاطميّة الأخيار: 44، الركابي المصوّرة على طبعة نخبة الأخبار في الهند.

(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 63، نشر مكتبة المطبوعات الإسلاميّة بحلب.

٢٥٦

أشهر مِن أنْ يُذكر ) (1) .

35 - الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي (ت: 974 هـ):

قال في ( الصواعق المحرقة ) في آخر كلامه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): ( وخلّف ستّة أولاد، أفضلهم وأكملهم جعفر الصادق، ومن ثمّ كان خليفته، ووصيّه، ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتُه في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك، والسفيانَين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السختياني... ) (2) .

36 - الملاّ علي القاري (ت: 1014 هـ):

قال في ( شرح الشفا ): (جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق... متّفق على إمامته وجلالته وسيادته ) (3) .

37 - أحمد بن يوسف القرماني (ت: 1019 هـ):

قال في ( أخبار الدول ) عند ترجمته الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): ( كان [ رضي الله عنه ] من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، ونقل عنه من العلوم ما لم ينقل من غيره.

وكان رأساً في الحديث، روى عنه يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني،

____________________

(1) الأئمّة الاثنا عشر: 85، منشورات الشريف الرضي.

(2) الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البِدَع والزندقة: 305، دار الكتب العلميّة.

(3) شرح الشفا: 1 / 43 - 44، دار الكتب العلميّة.

٢٥٧

وغيرهم. وُلِد بالمدينة سنة: ثمانين من الهجرة... )، إلى أن قال:

( ومناقبه كثيرة، تُوفّي في سنة: ثمان وأربعين ومئة وله من العمر ثمان وستّون سنة، وقيل: إنّه مات مسموماً في زمن المنصور. ودُفِنَ بالبقيع الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه [ من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه ] ) (1) .

38 - محمّد بن عبد الرؤوف المنّاوي القاهري (ت: 1031 هـ):

قال في ( الكواكب الدريّة ): ( جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... كان إماماً نبيلاً... قال أبو حاتم: ( ثقة لا يُسأل عن مثله )، وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة:

منها: أنّه سُعي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وقال للساعي: أتحلف؟

قال: نعم، فحلف.

فقال جعفر للمنصور: حلّفهُ بما أراه.

فقال: حلِّفه؟

فقال: قل برئتُ مِن حول الله وقوّته والْتَجَأْتُ إلى حولي وقوّتي، لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل، ثمّ حلف، فَمَا تمّ حتّى مات مكانه.

ومنها: أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلّي ثمّ دعا عليه عند السحر فسُمِعَت الضجّة بموته.

ومنها: أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عبّاس الكلبي في عمّه زيد:

صَلَبْنَا لَكُمْ زَيْدَاً عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ

وَلَمْ نَرَ مَهْدِيَّاً عَلَى الجِذْعِ يُصْلَبُ

قال: اللّهم سلّط عليه كلباً من كلابك، فافترسه الأسد... ) (2) .

____________________

(1) أخبار الدول وآثار الأول: 1 / 334 - 336، عالم الكتب، وقد أثبتنا الأقواس كما هي في النسخة التي اعتمدنا عليها، أمانةً للنقل.

(2) الكواكب الدريّة: 94، وورسة تجليد الأنوار، مصر.

٢٥٨

39 - أحمد بن شهاب الدين الخفاجي (ت: 1069 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق، أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روى عنه كثيرون، كمالك والسفيانان وابن جريح وابن إسحاق، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، وُلِدَ سنة: 80 هـ، وتُوفّي سنة: 148 هـ قيل مسموماً، وثّقه في روايته: الشافعي، وابن معين، وأبو حاتم، والذهبي، وهو مِن فضلاء أهل البيت وعلمائهم ) (1) .

40 - الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت: بعد 1083 هـ):

قال في كتابه ( نور الأبصار ) تحت عنوان: فصل في ذكر مناقب سيّدنا جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: (... ومناقبه كثيرة تكاد تفوت عدّ الحاسب، ويُحار في أنواعها فَهْم اليَقِظ الكاتب، روى عنه جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وأيّوب السختياني، وغيرهم.

قال أبو حاتم جعفر: الصادق ثقة لا يُسأل عن مثله... وفي حياة الحيوان الكبرى، فائدة، قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما فيه كلّ ما يحتاجون علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله:

لَقَد عَجِبُوا لآلِ البَيْتِ لَمّا

أَتَاهُم عِلْمُهُم فِي جِلْد جَفْرِ

____________________

(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 59، ونقله محمّد علي دخيل في ( أئمّتنا ): 1/485 عن ( شرح الشفا ): 1 / 124.

٢٥٩

وَمِرْآةُ المُنَجِّمِ وَهِيَ صُغْرَى

تُرِيْهِ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرِ

... وفي الفصول المهمّة: نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي من كلام جعفر الصادق، وله فيه المنقبة السَّنيَّة، والدرجة التي في مقام الفضل عَلِيَّه، و ( كان ) جعفر الصادق رضي الله عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه... ) (1) .

41 - شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي (ت: 1089 هـ):

قال في كتابه ( شذرات الذهب ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفِّي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً.

ووُلِدَ سنة: ثمانين بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبّة أبيه وجدّه وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمسمئة، وهو عند الإماميّة من الاثني عشر بزعمهم...

وقال في ( المغني ): جعفر بن محمّد بن علي ثقة... وقد وثّقه ابن معين وابن عدي... ) (2) .

42 - حسين بن محمّد الديار بكري (ت: 1111 هـ):

قال في ( تاريخ الخميس ): ( وفي سنة: ثمان وأربعين ومئة، تُوفّي سيّد بني

____________________

(1) نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار: 160 - 161، دار الفكر، طبعة مصوّرة على طبعة القاهرة، 1948م.

(2) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: 1 / 362، دار الكتب العلميّة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التحدّث عن فترة الانقلاب

ثم انتقلت إلى التحدّث عن فترة الانقلاب الذي قام به الأفراد بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت:

(فلمّا اختار الله لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دار أنبيائه).

ما أروع هذه الكلمة!

وما أحسن هذا التعبير الراقي!

إذ إنّها ما قالت: فلمّا مات النبي. بل قالت: (فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه) وهي الدرجات العلا في الجنّة، فهناك الأنبياء، وهناك (مأوى أصفيائه).

(ظهرت فيكم حسكة النفاق) وفي نسخة: (حسكية) وهي الشوكة، ويراد بها العداوة وهي عداوة النفاق، أي العداوة الحاصلة بسبب النفاق.

(وسمل جلباب الدين) وفي نسخة: (أسمل) وفي بعض النسخ: (جلباب الإسلام) أي ظهرت آثار الاندراس على ثياب الإسلام، بعد أن كانت في غاية الحسن والجمال والطراوة.

(ونطق كاظم الغاوين) وفي نسخة: (فنطق كاظم، ونبغ خامل) أي تكلّم الذي ما كان يتجرّأ أن يتكلّم من جهة الخوف.

(ونبغ خامل الأقلِّين) وفي نسخة: (الآفلين) والمقصود بروز الأفراد الساقطين غير النابهين.

٣٦١

(وهدر فنيق المبطلين) وفي نسخة: (فنيق الكفر) أي رفع البعير - الفحل الذي لا يركب - صوته.

(فخطر في عرصاتكم) أي مشى ذلك البعير مشية المعجب بنفسه، مشية الكبرياء والغرور، وكلها كنايات عن ظهور النفاق الكامن في الصدور، وبروز النزعات والاتجاهات التي كانت مختفية في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وانقلاب الضعفاء العجزة أقوياء.

(وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم) تعتبر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام تلك الأحداث نوعاً من التجاوب مع الشيطان الرجيم الذي حلف بقوله:( وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) فالشيطان الذي كان فاشلاً في عهد الرسول يوم كان الإسلام في التقدّم والقوّة، الشيطان أخرج رأسه بعد أن كان مختفياً، أخرج رأسه كالقنفذ الذي يخرج رأسه عند زوال الخوف، وهتف بكم ودعاكم إلى نقض البيعة التي تمت يوم الغدير، وسلب الحقوق عن أهلها وأصحابها الشرعيّين.

(فألفاكم لدعوته مستجيبين) وفي نسخة: (فوجدكم لدعوته التي دعا إليها مجيبين) أي حينما هتف بكم الشيطان وجدكم كما يجب، وصدق عليكم ظنّه.

(وللغرّة فيه ملاحظين) أي وجد الشيطان فيكم تجاوباً شديداً، وقبولاً للانخداع كالإنسان الذي يقبل كل شيء يقال له، ويعمل كل شيء يؤمر به، بلا تفكر ولا تعقّل في الأمور.

(ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً) أمركم بالقيام به فوجدكم مسرعين دون تثاقل.

(وأحمشكم فألفاكم غضاباً) وفي نسخة: (فوجدكم غضاباً) أي

٣٦٢

حملكم على الغضب، وحرّضكم عليه فوجدكم تغضبون لغضبه، أو تندفعون نحو الغضب على حسابه ولمصلحته، والمقصود: وجدكم الشيطان منقادين لأوامره، مطيعين له في كل الأحوال.

(فوسمتم غير إبلكم) فكانت النتيجة أنّكم عملتم ما لا يجوز لكم أن تفعلوه، وانتخبتم من ليس بأهل الانتخاب، وأعطيتم مقاليد الأمور غير أهلها، وخوّلتم القيادة إلى غير أكفائها .

(وأوردتم غير شربكم) وفي نسخة: (وأوردتموها شرباً ليس لكم) كالراعي الذي ينزل إبله في عين ماء ليست له، والمقصود إنكم أخذتم ما ليس لكم بحق من الخلافة، والمراد التصرّفات الشاذّة التي قام بها الناس في تعيين الخليفة، وصرف الخلافة عن أهلها وأصحابها الشرعيين؛ لأن هذه التصرفات ليست من حق الناس، بل هي من عند الله تعالى.

(هذا والعهد قريب) حَدَث كل هذا التغيير والحال أنّ العهد قريب، أي لم يمضِ زمن بعيد عن أيام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ من الممكن أّن الدين يتغيّر، أو المسلمين ينسون الأوامر والتعاليم بسبب مرور الزمان، ولكن - هنا - ليس الأمر كذلك فإنه لم يمضِ على وفاة الرسول أسبوعان.

(والكلم رحيب) وجراحة القلب بسبب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يزال فمها واسعاً، وهذا تعبير عن سعة الجراحة، والمقصود عِظَم المصيبة، وفظاعة الخطب.

(والجرح لما يندمل) أي لم يلتئم جرح مصاب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(والرسول لما يقبر) أي ظهرت بوادر الانقلاب قبل دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل في تلك الساعات التي كان عليعليه‌السلام

٣٦٣

يغسّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفّنه، فاجتمعتم وصنعتم ما صنعتم.

(ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة) وفي نسخة: (بداراً) أي أسرعتم إلى تلك الأعمال بكل استعجال، وتزعمون أنّكم إنّما فعلتم ما فعلتم وقاية عن وقوع الفتنة، ومعنى زعم: ادّعى شيئاً وهو يعلم كذبه، ومعنى - زعمتم - هنا: ادّعيتم أنكم فعلتم تلك الأفعال لئلا تقع الفتنة، وكنتم تعلمون أنكم كاذبون في هذا الإدعاء.

( أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) الفتنة أنتم، وأنتم الفتنة، وعملكم هو الفتنة المفسدة، غصبتم الحقوق عن أهلها لأجل الوقاية من الفتنة حسب ادعائكم، وأيّ محنة أعظم من تغيير مجرى الإسلام، وتبديل أحكامه، وغصب حقوق أهل البيت، ومعاملتهم بتلك القسوة والخشونة؟؟

وكان من المناسب أن تقول السيدة فاطمة: إلا في الفتنة سقطتم. ولكنّها ذكرت الآية الشريفة كما هي.

(فهيهات منكم) كلمة: (هيهات) معناها البُعد، وكأنّها تستبعد تلك الأعمال منهم استبعاداً ممزوجاً بالتعجّب من أنّهم كيف أقدموا على تلك الأعمال، ومَن الذي يصدّق أن تلك الحثالة من الناس يقومون بتلك الجرائم العظيمة بالرغم من تصريح القرآن، وتصريحات الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وتوصياته في حق عترته وأهل بيته؟

(وكيف بكم) تتعجّب السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام من ذلك التبدّل في العقائد والسلوك، أي كيف فعلتم هذه الأعمال؟ وكيف تليق بكم تلك الجنايات؟

٣٦٤

(وأنّى تؤفكون؟!) أي إلى أين صَرَفكم الشيطان عن طريقتكم المثلى، وحدا بكم إلى هذه الأعمال.

(وكتاب الله بين أظهركم) أي والحال أن القرآن لا يزال موجوداً فيما بينكم، محفوفاً بكم، وفي نسخة: (وكتاب الله - عزّ وجل - بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه).

(أُموره ظاهرة) أي لا يوجد في القرآن ما يوجب الشك والارتياب، لأن أموره ظاهرة.

(وأحكامه زاهرة) متلألئة مشرقة.

(وأعلامه باهرة) أي العلامات التي يستدل بها على القرآن غالبة النور والضياء.

(وزواجره لائحة) أي نواهيه التي تزجركم عن اتباع الهوى واضحة.

(وأوامره واضحة) الأوامر التي تأمركم بإطاعتنا، وتعلّم الأحكام منا، والانقياد لنا ظاهرة.

(وقد خلّفتموه وراء ظهوركم) يا للأسف! إنّ القرآن الموصوف بهذه الأوصاف صار اليوم منبوذاً وراء ظهوركم، لا تعملون به ولا تأخذون بقوله.

(أرَغبة عنه تريدون؟) هذا استفهام توبيخي؛ لأنّ الإنسان إذا ألقى الشيء وراءه فمعناه أنّه لا يرغب إليه لهذا يدبر عنه.

تقولعليها‌السلام كأنّكم رفضتم العمل بالقرآن، أو لا يعجبكم القرآن، أي أحكامه التي تزاحم هواياتكم وأهدافكم.

(أم بغيره تحكمون؟) أي تحكمون بغير القرآن من القوانين؟ إذ القرآن لا يصلح للعمل عندكم؟

(بئس للظالمين بدلاً) بئس ذلك البدل الذي أخذتم به بدل القرآن،

٣٦٥

وهو الحكم الباطل.

(ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها) وهنا شبّهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الفتنة بالناقة أو الدابّة الشاردة التي يصعب قيادها، أي الاستيلاء عليها بالركوب تقولعليها‌السلام بعد استيلائكم على المقام الأسمى الأرفع الأعلى، وهو مقام الخلافة، لم تلبثوا حتى استتمّت لكم الأمور، وهدأ الاضطراب ثم شرعتم بالأعمال التخريبية.

(ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها) أي شرعتم بإثارة الفتن كالذي ينفخ في الجمرة حتى تلتهب، أو يحرّك الجمرة حتى تشتعل وتظهر نارها، وتحرق الرطب واليابس، والمقصود من ذلك تلك المآسي التي قام بها أولئك الأفراد من سلب الإمكانيات من أمير المؤمنينعليه‌السلام وهجومهم على الدار، وما جرى على السيدة فاطمة وزوجها وولديها، ثم مصادرة أملاكها ومنعها عن الخمس والفيء، وغير ذلك ممّا ذكره المؤرّخون وما لم يذكروه...

وخلاصة القول: إنّكم قمتم بجرائم متسلسلة ومتعدّدة، بعضها أفجع وأفظع من بعض.

(وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي) لأنّ الشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ويحدثنا القرآن الكريم عن كلام الشيطان الغوي:( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (١) نعم إنّ الأعمال التي قامت بها رجال السلطة ضد آل الرسول لم تكن إجابة واستجابة لله ولرسوله، بل كانت استجابة للشيطان الغوي، وقد تقدّم كلام

____________________

(١) إبراهيم: ٢٢.

٣٦٦

شبيه بهذا فيما سبق.

(وإطفاء أنوار الدين الجلي) للدين الإسلامي أنوار يهتدي بها الناس، وهي محاسن الأحكام والقوانين الروحانية التي يتمتّع بها الدين، ويسعون لإطفاء تلك الأنوار.

(وإخماد سنن النبي الصفي) وفي نسخة: (إهماد) أي القضاء على طريقة الرسول وهنا تشبيه السنّة النبوية بالنور، وتشبيه القضاء عليه بالإخماد.

(تسرّون حسواً في ارتغاء) هذه الجملة تشير إلى قضية معروفة وهي إنّ اللبن حينما يُحلب تعلوه رغوة فيأتي الرجل فيُظهر أنّه يريد شرب الرغوة فقط، ولكنّه يشرب الماء سراً، وبهذا يضرب المثل لمـَن يدّعي شيئاً ويريد غيره.

فهو يشرب اللبن سراً ولكنّه يدعي أنّه يحسو الرغوة، فيقال: فلان يسرّ حسواً في ارتغاء. والارتغاء شرب الرغوة.

هكذا تخبر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام عن الهدف الحقيقي لهؤلاء، أنّهم يدّعون شيئاً ولكنّهم يريدون شيئاً آخر، يدّعون الوقاية من وقوع الفتنة ولكنهم يريدون غلق بيت آل محمد، والقضاء على كيان أهل البيت.

(وتمشون لأهله ووُلده في السراء والضراء) وفي نسخة: (في الخَمَر والضراء) والخَمَر - بفتح الخاء والميم - هو ما يسترك من الشجر وغيره، والضراء - بفتح الضاد وتخفيف الراء -: الشجر الملتف، أو الأرض المنخفضة، والمقصود: أنّكم تؤذون أهل رسول الله وأولاده بالمكر والخديعة وبصورة سريّة غير مكشوفة، ولهذه الغاية قطعتم عنهم موارد الرزق ليكونوا فقراء ضعفاء مسلوبي الإمكانيات كي لا يميل إليهم أحد.

٣٦٧

(ونصبر منكم على مثل حزّ المـُدى) نحن نصبر منكم على الأذى والمكاره التي تصلنا منكم كمَن يصبر على تقطّع أعضائه بالسكين.

(ووخز السنان في الحشى) مثل مَن طعنوه بسنان الرمح في أحشائه، أي ليست القضية سهلة حتى يمكن التغاضي عنها والتناسي، بل هي مأساة كبيرة، وجريمة عظيمة.

(وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا) وبعد هذا كلّه لتبرير موقفكم العدائي، وتغطية أعمالكم تزعمون أي تدّعون كذباً: أن لا إرث لنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنكرون أهمّ الأمور، وأوضح الأشياء في الدين الإسلامي، وهو قانون الوراثة في القرآن والسنّة.

( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ) وفي نسخة: (تبغون) أدمجت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هذه الآية في حديثها كما هي عادتها بسبب استئناسها بتلاوة القرآن، تقول: إنّ إنكار الوراثة ليس في الحكم الإسلامي، فهل أعجبكم أن تحكموا بأحكام الجاهلية التي كانت تبعاً للأهواء الفردية، منبعثة عن أغراض شخصية، وهي حرمان البنات من الإرث، وتخصيص الإرث للذكور فقط.

( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) آية أخرى أدمجتها في حديثها، وهل يوجد حكم أو قانون أحسن من الحكم الصادر من الله تعالى عند الذين يوقنون بالله الحكيم؟ ويعتقدون بالإسلام، أليس القانون الإسلامي قد قضى على قوانين الجاهلية؟ فجعل الإرث للبنات والبنين؟

(بلى، تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته) بلى الأمر واضح عندكم كالشمس التي تظهر في ضحوة النهار، في سماء صافية لا سحاب فيها ولا ضباب، هكذا اتضح عندكم أنّي ابنته قطعاً وبلا شك.

٣٦٨

(أفلا تعلمون؟) هذه الأمور وهذه الحقائق؟ أو أفلا تعلمون أنّي ابنته.

(أيّها المسلمون) الحاضرون المستمعون إلى خطابي، يا مَن رشّحتم أبا بكر للخلافة.

يا أُمّة محمد أنا بنت محمد، أنا ابنة رسول الإسلام.

(أأُغلب على إرثيه) يغلبونني على أخذ إرثي وحقّي؟

وفي نسخة: (أأُبتزّ إرث أبيه) أيسلبونني إرث أبي؟ والهاء - هنا - للوقف والسكون.

٣٦٩

خطبة فَاطِمَةُ الزهْرَاءعليها‌السلام

يا ابن أبي قحافة!

أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟

لقد جئت شيئاً فرّياً!! (١).

أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول:

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (٢) .

وقال - فيما اقتصّ من خبر زكريا - إذ قال:

( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٣)

وقال:

( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ ) (٤) .

وقال:

( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) (٥) .

وقال:

( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٦) .

__________

(١) فريّاً: أمراً عظيماً أو منكراً قبيحاً.

(٢) النمل: ١٦.

(٣) مريم: ٦.

(٤) الأنفال: ٧٥.

(٥) النساء: ١١.

(٦) البقرة: ١٨٠.

٣٧٠

وزعمتم أن لا حظوة لي! (١) .

ولا إرث من أبي!

أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟

أم تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟

أوَلست أنا وأبي من أهل ملَّة واحدة؟

أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟

فدونكها مخطومة مرحولة (٢) .

تلقاك يوم حشرك.

فَنِعم الحَكَم الله.

والزعيم محمّد.

والموعد القيامة.

وعند الساعة يخسر المبطلون.

ولا ينفعكم إذ تندمون.

ولكل نبأ مستقر، فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يُخزيه، ويحلّ عليه عذاب مقيم.

ثم رَمَتْ بِطَرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معشر النقيبة.

وأعضاد الملَّة.

وحَضَنَة الإسلام (٣) .

____________________

(١) الحظوة: النصيب.

(٢) ناقة مخطومة ومرحولة، الخطام - بكسر الخاء: الزمام. ومرحولة من الرحل وهو للناقة كالسرج للفرس.

(٣) حضنة: جمع حاضن بمعنى الحافظ.

٣٧١

ما هذه الغَميزة في حقّي؟ (١) .

والسِّنَة عن ظلامتي؟

أما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبي يقول:

(المرء يُحفظ في وُلده)؟.

سرعان ما أحدثتم.

وعجلان ذا إهالة.

ولكم طاقة بما أُحاول.

وقوّة على ما أطلب وأُزاول (٢) .

أتقولون: مات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فخطب جليل.

استوسع وهنة (٣) .

واستنهر فتقه (٤) .

وانفتق رتقه.

وأظلمت الأرض لغيبته.

وكسفت النجوم لمصيبته.

وأكدت الآمال (٥) .

وخشعت الجبال.

وأُضيع الحريم (٦) .

____________________

(١) الغيمزة: الضعف أو الغفلة

(٢) أُزاول: أقصد.

(٣) استوسع وهنه: اتسع غاية الاتساع. وهنة، وفي نسخة: وهيه أي شقّه وخرقه.

(٤) كالمعنى المتقدّم.

(٥) أكدت: انقطعت.

(٦) الحريم: ما يحميه الرجل ويقاتل عنه.

٣٧٢

وأُزيلت الحرمة عند مماته.

فتلك - والله - النازلة الكبرى (١) .

والمصيبة العظمى.

لا مثلها نازلة.

ولا بائقة عاجلة (٢) .

أعلن بها كتاب الله - جلّ ثناؤُه - في أفنيتكم (٣) .

في ممساكم ومصبحكم.

هتافاً وصراخاً.

وتلاوة وألحاناً.

ولَقبلَه ما حلَّ بأنبيائه ورُسله.

حكم فصل، وقضاء حتم.

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (٤) .

__________

(١) النازلة: الشديدة.

(٢) البائقة: الداهية.

(٣) أفنيتكم: جمع فناء - بكسر الفاء - جوانب الدار من الخارج أو العرصة المتسعة أمام الدار.

(٤) آل عمران: ١٤٤.

٣٧٣

فاطمة الزهراء تخاصم الرئيس

(يا بن أبي قحافة) هنا وجّهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام خطابها إلى رئيس الدولة، ولم تقل له: يا خليفة رسول الله لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلفه، ولم تخاطبه بالكنية (يا أبا بكر) لأنّه تعظيم له، وإنّما قالت له: يا بن أبي قحافة. وسيتضح لك وجه هذا النسب، في المستقبل في شرح كلماتها مع زوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟) بأيّ قانون ترث أباك إذا مات ولا أرث أبي إذا مات؟؟ هل تعتمد على كتاب الله في منعي عن إرث أبي؟

(لقد جئت شيئاً فرياً) لقد جئتَ بافتراء عظيم، وكذب مختلق على القرآن.

لقد ذكرنا - فيما مضى - أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام كانت تستحقّ فدكاً عن طريق النِحْلة وعن طريق الإرث، فلما طالبت بفدك عن طريق النِحْلة وأقامت الشهود على ذلك صنعوا ما صنعوا، والآن جاءت تطالب بفدك عن طريق الميراث.

(أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم) أليس هذا القرآن موجوداً عندكم؟ فلماذا تركتم العمل به وطرحتموه وراءكم؟

إذ يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) أليس هذا تصريحاً بقانون التوارث والوراثة بين الأنبياء؟ أما كان سليمان وابنه داود من الأنبياء؟

٣٧٤

إنّ السيدة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهمت من الآية أن معنى:( وورث سليمان داود ) هو إرث المال، وهكذا فهم أبو بكر وهكذا جميع المسلمين الحاضرين يومذاك وهم يستمعون إلى كلام السيدة فاطمة، هؤلاء كلهم قد فهموا أنّ المقصود من الإرث في هذه الآية هو إرث المال، ومعنى ذلك أنّ سليمان ورث أموال أبيه داود، ولم يفهموا غير هذا.

وهكذا الكلام في قوله تعالى - فيما اقتص من خبر زكريا -: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) إنّ زكرياعليه‌السلام سأل الله تعالى أن يرزقه ولداً يرثه المال.

ولكن بعد قرون عديدة جاء المدافعون عن السلطة، فقالوا: في تفسير الآيتين: ورث سليمان داود العلم لا المال، وهكذا: وليّاً يرثني العلم لا المال، وهم يقصدون بهذا التفسير تأييد الذين حرموا السيدة فاطمة من ميراث أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولا بأس أن نتحدّث - بما تيسّر - حول الآيتين لعلّنا نصل إلى نتيجة مطلوبة:

أوّلاً: لفظ الإرث والميراث يستعمل شرعاً وعرفاً ولغة في المال، فإذا قلنا: فلان وارث فلان. فالظاهر أنّه وارثه في المال. لا أنّه وارثه في العلم أو المعرفة، إلاّ إذا كانت هناك قرينة أي دليل يدل على إرث العلم والمعرفة كقوله تعالى:( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) وقوله: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) .

فأمّا قوله:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) فالمقصود إرث المال لا إرث العلم والملك وما شابه؛ لأنّ سليمان كان نبيّاً في حياة أبيه داود، كما قال تعالى - في قصّة الزرع الذي نفشت فيه غنم القوم -( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا

٣٧٥

حُكْمًا وَعِلْمًا ... ) (١) وقد ذكر الزمخشري في الكشّاف ج٢٣ في تفسير قوله تعالى:( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ) رُوي أنّ سليمان غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس، وقيل: ورثها من أبيه، وأصابها أبوه من العمالقة، وقال البيضاوي: وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها... إلى آخره.

فإنّك تجد أنّ سليمان ورث أباه داود تلك الخيول والأفراس، وورثه غيرها من التركة والأموال التي تركها داود، وبهذين القولين ثبت أنّ سليمان لم يرث العلم والنبوّة من أبيه داود؛ لأنّ سليمان كان نبيّاً في زمان أبيه داود كما كان هارون نبيّاً في زمان أخيه موسى بن عمرانعليهما‌السلام وثبت أيضاً أنّ سليمان ورث أباه داود المال.

وأمّا ما يتعلّق بدعاء زكرياعليه‌السلام ربّه:( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي ) فقد قال بعض الشواذ: يرثني نبوّتي، فهو يريد نفي الوراثة عن الأنبياء، ولكنّ الآية الكريمة بنفسها تكشف الحقيقة عن مراد زكريا.

فقوله:( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) يدل على أنّه ليس المقصود إرث النبوّة؛ لأنّه يكون المعنى أنّ زكريا سأل ربّه أن يهب له وليّاً يرثه النبوّة ويكون ذلك الولي مرضياً عند الله، وهذا كقول القائل: اللهم ابعث لنا نبياً واجعله عاقلاً مرضياً في أخلاقه، وهذا لغو وعبث، ولا يستحسن من زكريا أن يسأل ربه أن يجعل ذلك النبي رضياً أي مرضياً في أخلاقه؛ لأنّ النبوّة أعظم من هذه الصفات، وجميع هذه الصفات تندرج تحت النبوّة، وقد قال فخر الدين الرازي: إنّ المراد بالميراث في الموضعين (الآيتين) هو وراثة المال.

وللمفسّرين كلام حول دعاء زكرياعليه‌السلام لا بأس بذكره ملخّصاً:

__________

(١) سورة الأنبياء: آية ٧٩.

٣٧٦

قال الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير الآية: ويقوّي ما قلنا أنّ زكريا صرّح بأنّه يخاف بني عمّه بعده بقوله:( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ) وإنّما يطلب وارثاً لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلاّ بالمال دون النبوّة والعلم؛ لأنّهعليه‌السلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيّاً من ليس بأهل للنبوّة، وأن يورث علمه وحكمته مَن ليس لهما بأهل؛ ولأنّه إنما بُعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فكيف يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته؟

فإن قيل: إنّ هذا يرجع في وراثة المال؛ لأنّ في ذلك إضافة الضن والبخل إليه.

قلنا: معاذ الله أن يستوي الأمران، فإنّ المال قد يُرزق به المؤمن والكافر والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمّه إذا كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا ينبغي، بل في ذلك غاية الحكمة، فإنّ تقوية الفسّاق وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين، فمَن عدّ ذلك بخلاً وضناً فهو غير منصف وقوله:( خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي ) يُفهم منه أنّ خوفه إنّما كان من أخلاقهم وأفعالهم ومعاني فيهم لا من أعيانهم...) انتهى كلامه.

لقد تلخّص من مجموع الأقوال: أنّ المقصود من الوراثة في آية سليمان بن داود وآية زكريا هو وراثة المال، والنتيجة أنّ الوراثة كانت بين الأنبياء.

(وقال: وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي وذوو الأرحام والقرابة بعضهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم، وهذه الآية عامة في التوارث بين الأرحام والأقارب.

وقال:( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) أي

٣٧٧

يأمركم الله ويفرض عليكم في توريث أولادكم إذا متّم للابن مثل نصيب البنتين، وهذه الآية أيضاً عامّة في جميع المسلمين بلا تخصيص للأنبياء أنّهم لا يورّثون أولادهم.

وقال:( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) إنّ الآية هكذا: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا... ) أي إن ترك مالاً، وهذه آية ثالثة عامّة في الوراثة وليس فيها تخصيص للأنبياء أو نفي الوراثة بين الأنبياء.

(وزعمتم أن لا حظوة لي) أي ادَّعيتم أن لا نصيب ولا منزلة لي (ولا إرث من أبي) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولا رحم بيننا) ولا قرابة ولا صلة لأنّكم أنكرتم الوراثة الثابتة بيني وبين أبي، فقد أنكرتم كل صلة وعلاقة وقرابة بيني وبين أبي.

(أفخصَّكم الله بآية أخرج منها أبي) وفي نسخة: (أَفَحَكَم الله بآية) إنّ آيات الإرث عامّة وشاملة لجميع المسلمين، فهل استثنى الله أبي من آيات الإرث فلا وراثة بين النبي وأهله؟

(أم تقولون: إنّ أهل ملَّتين لا يتوارثان) فالكافر لا يرث المسلم؟

(أو لست أنا وأبي من أهل ملَّة واحدة؟) هل تشكون في إسلامي وكوني مسلمة، وعلى شريعة الإسلام؟

يا للمصيبة‍‍!

لقد بلغ الأمر ببضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنته الوحيدة وسيّدة نساء العالمين أن تتكلّم هكذا، وتحتج بهذا المنطق؟ فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

(أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟) إنّ آيات الإرث عامّة فإن كانت مخصَّصة للرسول كان الرسول يعلم ذلك،

٣٧٨

ويخبر ابنته، مع العلم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر ابنته ولا غيرها من الناس بهذا الحكم الخاص، وهل من المعقول أن يُخفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحكم من ابنته مع شدّة اتصالها به وكثرة تعلّقه بها، وشدّة الحاجة إلى بيان الحكم لها لئلاّ تطالب بالإرث بعد وفاة أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

تقول السيدة فاطمة أم تقولون: إنّكم أنتم أعلم بالقرآن وآياته الخاصة والعامة من أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نزل القرآن على قلبه؟ أم أنتم أعلم من ابن عمّي علي بن أبي طالب باب مدينة علم الرسول؛ إذاً لو كان الأمر هكذا لكان زوجي يخبرني، وما كان يأمرني أن أحضر في المسجد وأطالب بحقوقي وإرث أبي.

هذه جميع الصُور التي يمكن أن يتصوّرها الإنسان في هذه المسألة، وكلها منتفية، وإذن فالقضية سياسية، وليست دينية، بل هي مؤامرة ضد آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحاربة اقتصادية لتضعيف جانبهم الاقتصادي.

(فدونكها مخطومة مرحولة) إلى هنا كان الخطاب عامّاً لجميع المسلمين الحاضرين في المسجد، وهنا وجهّت خطابها إلى رئيس الدولة وحده، وقالت: (فدونكها) أي خذها، خذ فدك وشبّهت فدك بالناقة التي عليها رحلها وخطامها، والرحل للناقة كالسرج للفرس، والخطام: الزمام، والمقصود: خذ فدك جاهزة مهيّأة، وفي هذا الكلام تهديد، وهذا كما يقال للمعتدي: افعل ما شئت، وانهب ما شئت هنيئاً مريئاً.

ولهذا أردفت كلامها بقولها: (تلقاك يوم حشرك) إشارة إلى أنّ الإنسان يرى أعماله يوم القيامة قال تعالى:( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ) .

٣٧٩

(فنِعم الحَكم الله) في ذلك اليوم الحكم لله الواحد القهّار، لا لك، الذي لا يجور، الذي لا يخفى عليه شيء من مظالم العباد.

(والزعيم محمّد) المحامي الذي يخاصمك هو سيّد الأنبياء، وهو أبي، يطالبك بحق ابنته فاطمة.

(والموعد القيامة) وهو يوم الفصل الذي كان ميقاتاً، وعند الله تجتمع الخصوم.

(وعند الساعة يخسر المبطلون) يخسر الذين ادّعوا الباطل، وادّعوا ما ليس لهم.

(ولا ينفعكم إذ تندمون) لا ينفع الندم في ذلك اليوم؛ إذ الإنسان قد يندم في الدنيا على عمله فينفعه الندم إذ إنّه لا يعود إلى ذلك العمل، ولكن في القيامة لا ينفع الندم إذ لا عمل هناك وإنما هو الحساب.

(ولكل نبأ مستقرّ فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم) وهذا تهديد بعذاب الآخرة، الدائم المستمر.

ثم رَمَتْ بطرفها نحو الأنصار وهم أهل المدينة الذين نصروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما هاجر من مكّة إلى المدينة، واستنصرتهم بعد أن ذكّرتهم بسوابقهم المشرقة في عهد الرسول.

وقالت: (يا معشر النقيبة) أيتها الطائفة النجيبة، وفي نسخة: (يا معاشر الفتية) نسبت إليهم الفتوّة والشهامة كي تهيّج عزائمهم وعواطفهم.

(وأعضاد الملّة) أعوان الدين.

(وحضَنَة الإسلام) أيّها المحافظون على الإسلام، احتضنتم الإسلام كما تحتضن المرأة ولدها أو كما يحتضن الطائر بيضه.

(ما هذه الغميزة في حقّي؟) ما هذا التغافل والسكوت عن حقّي؟

(والسِنة عن ظلامتي؟) السِنة - بكسر السين - الفتور في أوّل النوم.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568