فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248201 / تحميل: 11107
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فصاروا حزب إبليس ».

وهو كالأوّل في الدلالة على إمامتهم ؛ إذ شأن الإمام أن يكون أمانا من الاختلاف ؛ لعلمه وعصمته ، فلا يختلف في الدين من اتّبعه ، ولا في الدنيا ؛ لمنعه الناس عن ظلم بعضهم بعضا لو بسطت يده.

وقريب من هذه الأخبار ما استفاض عن رسول الله : «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح »(١) و «إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل »(٢) .

قال ابن حجر بعد كلامه السابق : « جاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضا :إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا .

وفي رواية مسلم :ومن تخلّف عنها غرق .

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٩٨٧ ح ١٤٠٢ ، مسند البزّار ٩ / ٣٤٣ ح ٣٩٠٠ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ـ ٤٦ ح ٢٦٣٦ ـ ٢٦٣٨ وج ١٢ / ٢٧ ح ١٢٣٨٨ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ وج ٦ / ١٧ ح ٥٥٣٦ وص ١٤٧ ح ٥٨٧٠ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٩ وج ٢ / ٢٢ ، المعرفة والتاريخ ـ للفسوي ـ ١ / ٢٩٦ ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية ـ للدارقطني ـ ٦ / ٢٣٦ السؤال ١٠٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٧٣ ح ٣٣١٢ وج ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ ١ / ٧٦ ، عيون الأخبار ١ / ٣١٠ ، المعارف : ١٤٦ ، البدء والتاريخ ١ / ٢٢٠ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٠٦ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩١ رقم ٦٥٠٧ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ١٧٣ ـ ١٧٧ ، أساس البلاغة : ٢٦٨ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٧٨ ح ٦١٨٣ عن « مسند أحمد » ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، جواهر العقدين : ٢٦٠ عن « مسند أبي يعلى » وغيره ، الصواعق المحرقة : ٢٣٤ عن أحمد ومسلم وغيرهما ، كنز العمّال ١٢ / ٩٨ ح ٣٤١٦٩.

(٢) المعجم الكبير ٣ / ٤٦ ح ٢٦٣٧ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ وج ٦ / ١٤٧ ح ٥٨٧٠ ، المعجم الصغير ١ / ١٤٠ وج ٢ / ٢٢ ، كفاية الطالب : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤٢ ح ٥١٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، جواهر العقدين : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

٢٦١

وفي رواية :هلك.

و:إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له.

وفي رواية :غفر له الذنوب »(١) .

وروى الحاكم في « المستدرك »(٢) عن أبي ذرّ ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ».

وحكى مثله في « كنز العمّال »(٣) ، عن البزّار ، عن ابن عبّاس.

وحكى مثله أيضا بإبدال « غرق » ب‍ « هلك » ، عن ابن جرير والحاكم ، عن أبي ذرّ(٤) .

وكذا عن الطبراني ، عن أبي ذرّ ، مع زيادة قوله : «ومثل باب حطّة في بني إسرائيل »(٥) .

وهذه الأخبار كالتي قبلها في الدلالة على المطلوب ؛ لأنّه صريحة في أنّ أهل البيتعليهم‌السلام محلّ الاتّباع ووجوب الطاعة ، وأنّه باتّباعهم تحصل

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.

(٢) ص ٣٤٣ من الجزء الثاني [ ٢ / ٣٧٣ ح ٣٣١٢ ] ، وص ١٥١ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٢١٦ من الجزء السادس [ ١٢ / ٩٥ ح ٣٤١٥١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مسند البزّار ٩ / ٣٤٣ ح ٣٩٠٠ عن أبي ذرّ.

(٤) كنز العمّال ١٢ / ٩٤ ح ٣٤١٤٤ وص ٩٨ ح ٣٤١٦٩ ؛ وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠.

(٥) كنز العمّال ١٢ / ٩٨ ح ٣٤١٧٠ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ح ٢٦٣٧ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٠٤ ح ٣٤٧٨ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠.

٢٦٢

النجاة والغفران ، وبالتخلّف عنهم يكون الهلاك ؛ وهو مقتضى الإمامة

ولذا جاء في الخبر : «عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ».

ونقله في « الكنز »(١) ، عن الدارقطني ، عن ابن عبّاس.

* * *

__________________

(١) ص ١٥٣ من الجزء المذكور [ ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٠ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٧٨ ح ٣٩٩٨.

٢٦٣

٢٨ ـ حديث : اثنا عشر خليفة

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ(١) :

الثامن والعشرون : في « صحيح البخاري » ، في موضعين بطريقين ، عن جابر وابن عيينة ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(٢) .

وفي رواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال أمر الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(٣) .

وفي « صحيح مسلم » أيضا : «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٣٠.

(٢) انظر : جامع الأصول ٤ / ٤٥ ح ٢٠٢٢ عن « صحيح البخاري » ، وانظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٤٤٦ رقم ١٤٢٦ وج ٣ / ١٨٥ رقم ٦٢٧ وج ٨ / ٤١٠ ـ ٤١١ رقم ٣٥٢٠.

(٣) انظر : صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٦ / ٣.

(٤) صحيح مسلم ٦ / ٤.

وانظر : سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ـ ٤٢٨١ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٤ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ٥ / ٨٦ و ٨٧ و ٨٨ و ٨٩ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٣ و ٩٨ و ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١ و ١٠٦ و ١٠٧ و ١٠٨ ، مسند أبي يعلى ٨ / ٤٤٤ ح ٥٠٣١ وج ٩ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ح ٥٣٢٢ و ٥٣٢٣ وج ١٣ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ح ٧٤٦٣ ، المعجم الكبير ٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧ ح ١٧٩١ ـ ١٨٠١ وص ١٩٩ ح ١٨٠٨ و ١٨٠٩ وص ٢٠٦ ح ١٨٤١ وص

٢٦٤

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » في موضعين ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(١) .

وكذا في « صحيح أبي داود »(٢) و « الجمع بين الصحيحين »(٣) .

وقد ذكر السّدّي في تفسيره ـ وهو من علماء الجمهور وثقاتهم(٤) ـ ،

__________________

٢٠٨ ح ١٨٤٩ ـ ١٨٥٢ وص ٢١٤ ح ١٨٧٥ و ١٨٧٦ وص ٢١٥ ح ١٨٨٣ وص ٢١٨ ح ١٨٩٦ وص ٢٢٣ ح ١٩٢٣ وص ٢٢٦ ح ١٩٣٦ وص ٢٣٢ ح ١٩٦٤ وص ٢٤٠ ـ ٢٤١ ـ ٢٠٠٧ وص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ح ٢٠٤٤ وص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٢٠٥٩ ـ ٢٠٦٣ وص ٢٥٥ ح ٢٠٦٧ ـ ٢٠٧١ وص ٢٥٦ ح ٢٠٧٣ ، المعجم الأوسط ٢ / ١٢٢ ح ١٤٥٢ وج ٣ / ٢٧٩ ح ٢٩٤٣ وج ٤ / ٣٦٦ ح ٣٩٣٨ وج ٦ / ٢٨٥ ح ٦٢١١ ، مسند الطيالسي : ١٠٥ ح ٧٦٧ وص ١٨٠ ح ١٢٧٨ ، الفتن ـ لنعيم بن حمّاد ـ : ٥٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥١٨ ح ١١٢٣ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٣ ح ٦٩٧٦ ـ ٦٩٩٨ ، أخبار القضاة ٣ / ١٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٠ ح ٦٦٢٦ ـ ٦٦٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧١٥ ـ ٧١٦ ح ٦٥٨٦ و ٦٥٨٩ ، تاريخ أصبهان ٢ / ١٤٧ رقم ١٣٢٧ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٣٣ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٥٥٠ ح ٤٨٥ و ٤٨٦ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٢٤ وص ٥١٩ ـ ٥٢٠ ، تاريخ بغداد ١٤ / ٣٥٣ رقم ٧٦٧٣ ، الكفاية في علم الرواية : ٧٣ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٢٧ ح ٧٧٠٥ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٣٧ ح ٤٦٨٠ ، البداية والنهاية ٦ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٩٠.

(١) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤٨٧ ح ٨٠٧ عن « الجمع بين الصحاح الستّة ».

(٢) انظر : سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ـ ٤٢٨١.

(٣) الجمع بين الصحيحين ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ذ ح ٥٢٠.

(٤) والسّدّيّ هو : أبو محمّد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الأعور ، الحجازي الكوفي القرشي ، مولاهم ، المعروف بالسّدّيّ الكبير ، كان يقعد في سدّة باب الجامع بالكوفة ، فسمّي السّدّيّ ، توفّي سنة ١٢٧ أو ١٢٨ ه‍.

روى عن جملة من الصحابة ـ كأنس وابن عبّاس ـ ، وروى عنه كبار القوم والتابعين ، وأخرج له مسلم والأربعة.

٢٦٥

قال : « لمّا كرهت سارة مكان هاجر ، أوحى الله إلى إبراهيم فقال : انطلق بإسماعيل وأمّه حتّى تنزله بيت النبيّ التهاميّ ـ يعني : مكّة ـ ، فإنّي ناشر ذرّيّتك وجاعلهم ثقلا على من كفر بي ، وجاعل منهم نبيّا عظيما ، ومظهره على الأديان ، وجاعل من ذرّيّته اثني عشر عظيما ، وجاعل ذرّيّته عدد نجوم السماء »(١) .

__________________

وقد وثقه أعلام الجمهور وأئمّة الجرح والتعديل عندهم ، ووصفوه بالإمام المفسّر

روى البخاري عن ابن أبي خالد أنّه قال : السّدّي أعلم بالقرآن من الشعبي.

وقال عنه يحيى القطّان : ما رأيت أحدا يذكر السّدّي إلّا بخير ، وما تركه أحد.

وسئل عنه يحيى فقال : السّدّي عندي لا بأس به.

وقال أحمد بن حنبل : ثقة.

وسمع عبد الرحمن بن مهدي يوما تضعيف السّدّي فغضب غضبا شديدا وقال : سبحان الله! إيش ذا؟!

وقال العجلي : ثقة ، روى عنه سفيان وشعبة وزائدة ، عالم بتفسير القرآن ، راوية له.

وقال النسائي في الكنى : صالح الحديث.

وقال في موضع آخر : ليس به بأس.

وقال ابن عديّ : وهو عندي مستقيم الحديث ، صدوق ، لا بأس به.

وذكره ابن حبّان في « الثقات ».

وقال الحاكم ـ في باب الرواة الّذين عيب على مسلم إخراج حديثهم ـ : تعديل عبد الرحمن بن المهدي أقوى عند مسلم.

انظر : العلل ومعرفة الرجال ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٥٤٤ رقم ٤٥٨١ ، التاريخ الكبير ١ / ٣٦١ رقم ١١٤٥ ، تاريخ الثقات ـ للعجلي ـ : ٦٦ رقم ٩٤ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٤ / ٢٠ ، الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٢٧٦ رقم ١١٦ ، المدخل إلى معرفة الصحيح ـ للحاكم ـ ٢ / ٧٠٩ رقم ٣٠٥٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٤ رقم ١٢٤ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩ ، الإتقان في علوم القرآن ٢ / ٥٣٤.

(١) انظر : الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ١٧٢ ح ٢٦٩ عن السدّي ، بحار الأنوار ٣٦ / ٢١٤ ح ١٦.

٢٦٦

وقد دلّت هذه الأخبار على إمامة اثني عشر إماما من ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا قائل بالحصر إلّا الإمامية في المعصومين ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ١ / ٦٠٥ ح ١٣٨٥ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٥١ ـ ٦٠ ح ٥ ـ ٢٥ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ٧٢٨ ح ٩٩٨ ، كمال الدين ١ / ٢٥٩ ح ٤ وص ٢٦٩ ح ١٣ ، الغيبة ـ للنعماني ـ : ٧٤ ـ ٧٩ ، الغيبة ـ للطوسي ـ : ١٢٧ ـ ١٥٧ ح ٩٠ ـ ١١٤ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٥٨ ـ ٣٦١ ، دلائل الإمامة : ٢٣٧.

٢٦٧

وقال الفضل(١) :

ما ذكر من الأحاديث الواردة في شأن اثني عشر خليفة ، فهو صحيح ثابت في « الصحاح » من رواية جابر بن سمرة.

وأمّا ابن عيينة فهو ليس بصحابيّ ولا تابعيّ ، بل يمكن أن يكون أحدا من سلسلة الرواة ؛ وهو من عدم معرفته بالحديث وعلم الإسناد يزعم أنّ ابن عيينة وجابر متقابلان في الرواية.

ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة ، فقد اختلف العلماء في معناه

فقال بعضهم : هم الخلفاء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمئة سنة ، وبعدها وقع الفتن والحوادث ، فيكون المعنى : أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر ، كلّهم من قريش.

وقال بعضهم : إنّ عدد صلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر ، وهم :

الخلفاء الراشدون ـ وهم خمسة ـ ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وخمسة أخر من خلفاء بني العبّاس ، فيكون هذا إشارة إلى الصلحاء من الخلفاء القرشية(٢) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٨.

(٢) ما أورده الفضل هنا هو بعض ما حار فيه علماء الجمهور ـ في مراد الحديث ومعناه ـ واضطربوا فيه اضطرابا كبيرا ، فقد تباينت آراؤهم وأقوالهم في تعيين الاثني عشر خليفة تباينا فاحشا

قال ابن العربي المالكي ـ بعد أن أحصى ٤٥ أميرا ـ : « ولم أعلم للحديث معنى ، ولعلّه بعض حديث »!

٢٦٨

وأمّا حمله على الأئمّة الاثني عشر ؛ فإن أريد بالخلافة : وراثة العلم والمعرفة ، وإيضاح الحجّة ، والقيام بإتمام منصب النبوّة ، فلا مانع من الصحّة ، ويجوز هذا الحمل.

وإن أريد به الزعامة الكبرى ، والإيالة العظمى ، هذا أمر لا يصحّ ؛ لأنّ من اثني عشر اثنين كان صاحب الزعامة الكبرى ؛ وهما : عليّ وحسن ، والباقون لم يتصدّوا للزعامة الكبرى.

ولو قال الخصم : إنّهم كانوا خلفاء لكن منعهم الناس عن حقّهم.

قلنا : سلّمت إنّهم لم يكونوا خلفاء بالفعل ، بل بالقوّة والاستحقاق.

وظاهر أنّ مراد الحديث : أن يكونوا خلفاء قائمين بالزعامة والولاية ، وإلّا فما الفائدة في خلافتهم في إقامة الدين؟! وهذا ظاهر ، والله أعلم.

__________________

ونقل النووي عدّة أوجه أوردها القاضي عياض ، لا يعود أيّ منها إلى محصّل! قال في آخرها : « ويحتمل أوجها أخر ، والله أعلم بمراد نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله »!

وشرّق ابن كثير في تفسيره ، ثمّ غرّب في تاريخه فذكر آراء آخرين ، وعقّب عليها معترضا بقوله : « فهذا الذي سلكه البيهقي ، وقد وافقه عليه جماعة فإنّه مسلك فيه نظر »!

وقال ابن بطّال القرطبي ، عن المهلّب : « لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث ـ يعني : بشيء معيّن ـ »!

وقال ابن الجوزي : « قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلّبت مظانّه ، وسألت عنه ، فلم أقع على المقصود به »!

وقال العسقلاني ـ بعد أن أورد أقوال من سبقه ـ : « والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح ، ويعكّر عليه ما أخرجه الطبراني »!

انظر : عارضة الأحوذي ٥ / ٦٦ ـ ٦٧ ح ٢٢٣٠ ، شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ١٢ / ١٥٨ ـ ١٦٠ ح ١٨٢١ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٣١ ، البداية والنهاية ٦ / ١٨٥ ـ ١٨٧ ، فتح الباري ١٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٦ ح ٧٢٢٢ و ٧٢٢٣ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ١٢ ـ ١٥.

٢٦٩

ثمّ إنّ كلّ ما ذكره من الآيات والأحاديث وأراد بها الاستدلال على وجود النصّ بالخلافة في شأن عليّ ، قد علمت أنّ أكثرها كان بعيدا عن المدّعى ، ولم يكن بينها وبين المدّعى نسبة أصلا.

وما كان مناسبا فقد علمت أنّه لا يدلّ على النصّ ، فلم يثبت بسائر ما أورده مدّعاه ، فأيّ فائدة في قوله : « والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى »؟!

* * *

٢٧٠

وأقول :

لا يخفى أنّ التقابل بين جابر وابن عيينة لا يتوقّف على كونهما صحابيّين ، بل يتوقّف على انتهاء السلسلة إليهما ؛ غاية الأمر أن تكون رواية ابن عيينة مرسلة ، وهو كثير في أخبار صحاحهم!

ولم أعثر في مراجعتي ل‍ « صحيح البخاري » إلّا على رواية واحدة في آخر « كتاب الأحكام » ، عن جابر ، قال : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :يكون اثنا عشر أميرا ؛ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال :كلّهم من قريش (١) .

وحكى في « ينابيع المودّة »(٢) عن كتاب « العمدة » ، أنّ البخاري روى الحديث من ثلاثة طرق.

ولا ريب أنّ المراد به : أئمّتنا ؛ لأمور :

الأوّل : إنّه لو لا إرادتهم ، لكان الخبر كاذبا إن أراد جميع أمراء قريش ، وغير مفيد بظاهره إن أراد البعض.

الثاني : إنّ بعض أحاديث المقام يفيد بظاهره وجود الاثني عشر في تمام الأوقات بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قيام الساعة ، وهو لا يتمّ إلّا على إرادة أئمّتنا ؛ كخبر مسلم في أول « كتاب الإمارة » ، عن جابر ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، أو

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩.

(٢) في الباب السابع والسبعين [ ٣ / ٢٨٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٤٨١ ح ٧٨٢ ـ ٧٨٤.

٢٧١

يكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش »(١) .

ومثله في « مسند أحمد »(٢) .

وكخبر مسلم ـ أيضا ـ ، عن جابر : «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة »(٣) .

الثالث : ما رواه مسلم في المقام المذكور ، عن عبد الله ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان »(٤) .

ورواه البخاري في أوّل « كتاب الأحكام » ، في « باب الأمراء من قريش »(٥) .

ورواه أحمد ، عن ابن عمر(٦) .

فإنّ المراد به : حصر الإمامة الشرعيّة في قريش ما دام الناس ، لا السلطة الظاهريّة ، ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الأوقات ، فيكون قرينة على أنّ المراد من الحديث الأوّل : حصر الخلفاء الشرعيّين في اثني عشر ، وهو لا يتمّ إلّا على مذهبنا.

الرابع : ما رواه أحمد(٧) ، عن مسروق ، قال : كنّا جلوسا عند

__________________

(١) صحيح مسلم ٦ / ٤.

(٢) ص ٨٩ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

(٣) صحيح مسلم ٦ / ٣.

(٤) صحيح مسلم ٦ / ٣.

(٥) صحيح البخاري ٥ / ١٣ ح ١١ باب مناقب قريش ، وج ٩ / ١١٢ ح ٤ باب الأمراء من قريش.

(٦) ص ٢٩ و ١٢٨ من الجزء الثاني. منهقدس‌سره .

(٧) ص ٣٩٨ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

٢٧٢

عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟

فقال عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك.

ثمّ قال : نعم ، ولقد سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ».

وروى نحوه أيضا بعد قليل(١) .

وذكره ابن حجر وحسّنه في « الصواعق »(٢) .

فإنّه دالّ على انحصار الخلافة في اثني عشر ، وإنّهم خلفاء بالنصّ ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كعدّة نقباء بني إسرائيل » ، فإنّ نقباءهم خلفاء بالنصّ ، لقوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) (٣) .

مع أنّ سؤال الصحابة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو عن خلفائه بالنصّ ، لا بتأمير الناس أو بالتغلّب ؛ إذ لا يهمّ الصحابة السؤال عن ذلك ؛ لأنّ تأمير الناس وتغلّب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتّى يهمّ الصحابة السؤال عنه ؛ ولأنّ السلاطين بلا نصّ لا يحتاج إلى السؤال عنهم وعن عددهم ؛ لأنّ العادة جرت على وجود مثلهم وأنّهم لا ينحصرون بعدد.

فظهر أنّ السؤال إنّما هو عن الخلفاء بالنصّ ، وعنهم أجاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) ص ٤٠٦ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

(٢) في الفصل الثالث من الباب الأوّل [ ص ٣٤ ]. منهقدس‌سره .

(٣) سورة المائدة ٥ : ١٢.

٢٧٣

ولا قائل بأنّ الخلفاء اثنا عشر بالنصّ غير أئمّتناعليهم‌السلام ، فيكونون هم المراد بالاثني عشر في هذا الحديث ، فكذا في الحديث السابق(١) .

الخامس : إنّ المنصرف من الخليفة من استخلفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا قبل حدوث دعوى حصول الخلافة بلا نصّ ، بل لا يتصوّر الصحابة وكلّ العقلاء أن يتركهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا إمام منصوب منهم ، حتّى يسألوا عن غيره أو الأعمّ منه ، أو يفهموا من إخباره إرادة الغير أو الأعمّ.

فلا بدّ أن يراد بالاثني عشر في الحديثين ، أئمّتنا ، فهم أئمّة الأمّة بالفعل ، ولهم الزعامة العظمى الإلهيّة عليها.

ولا يضرّ في إمامتهم الفعليّة عدم نفوذ كلمتهم ؛ لأنّ معنى إمامتهم وولايتهم أنّهم يملكون التصرّف وإن منعهم الناس ، كالأنبياء المقهورين ، فإنّهم ولاة الأمر وإن تغلّب عليهم الظالمون.

وكما أنّه لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في نبوّة النبيّ الممنوع عن التصرّف ؛ لا يصحّ أن يقال : لا فائدة في إمامة الإمام الممنوع عنه.

فإنّ الفائدة لا تنحصر بالتصرّف ؛ لكفاية أن يكون بهم إيضاح الحجّة وإنارة المحجّة ونشر العلم.

بل لو لم يتمكّنوا حتّى من هذا لحبس أو نحوه ، ففائدتهم أنّ وجودهم حجّة لله على عباده ، ودافع لعذرهم ، كما قال سبحانه في شأن الرسل :( لِئَلأَيَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٢) .

__________________

(١) أي حديث الاثني عشر خليفة.

(٢) سورة النساء ٤ : ١٦٥.

٢٧٤

فكما أنّ النبيّ حجّة لم تبطل نبوّته بحبسه أو غيبته ؛ كما غاب نبيّنا في الغار ، وغاب موسى عن قومه ، فكذا الإمام ، ولا أثر لطول الغيبة أو قصرها في الفرق.

وأمّا الحملان اللذان ذكرهما الفضل ـ أعني : إرادة من لم تقع الفتن في أيّامهم ، أو الخلفاء الصلحاء ـ ، فيرد عليهما :

أوّلا : إنّ المراد بهذه الأخبار ، دوام الإسلام وعزّته إلى آخر الدنيا الذي تنتهي به الأئمّة الاثنا عشر ـ كما سبق ـ ، لا أنّ المراد : انتهاء عزّة الإسلام في قليل من السنين ويسير من الخلفاء.

وثانيا : إنّ ظاهر هذه الأخبار اتّصال عزّة الإسلام في مدّة خلافة الاثني عشر ، فلا يتّجه حمله على المتفرّقين.

ودعوى إرادة المجتمعين باطلة ؛ فإنّها لا تجامع أحد الحملين

أمّا الأوّل ؛ فلكثرة الفتن في أيّام الاثني عشر بمبدإ الإسلام.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ من الخلفاء ـ في مبدإ الإسلام ـ يزيد بن معاوية وعبد الملك وأشباههما ، ممّن هم غير صلحاء بالاتّفاق.

وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الدين قائم في أيّام معاوية ؛ وهو قد ألحق العهار بالنسب علانية(١) ، وحارب الحقّ جهرة(٢) ، وقتل خيار عباد الله

__________________

(١) وذلك لمّا أقدم على إلحاق زياد بن سمية بأبي سفيان بعد أن ولد على فراش عبيد الثقفي ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر » ، كما في : صحيح البخاري ٣ / ١١٥ ح ٧ وج ٤ / ٤٩ ح ٨ ، صحيح مسلم ٤ / ١٧١ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٩١ ح ٢٢٧٣ و ٢٢٧٤ ، سنن الترمذي ٣ / ٤٦٣ ح ١١٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٦ ـ ٦٤٧ ح ٢٠٠٤ ـ ٢٠٠٧ ، سنن الدارمي ٢ / ١٠٦ ح ٢٢٣١ و ٢٢٣٢ ، الموطّأ : ٦٤٧ ح ٢٢ ، مسند أحمد ١ / ٥٩ و ٦٥.

(٢) بقتاله لإمام زمانه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

٢٧٥

صبرا ، كحجر وأصحابه(١) ، وابن الحمق وأمثاله(٢) ؟!

__________________

(١) أمّا حجر فهو : حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة الكندي ، الملقّب بحجر الخير ، وراهب أصحاب رسول الله ، كان من أفاضل الصحابة ، وفد مع أخيه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد القادسية وفتوح الشام ، وكان من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وشهد معه وقعتي الجمل وصفّين ، وكان على كندة ، أرسل في طلبه معاوية إلى أن وصل إلى مرج عذراء قرب دمشق ـ وكان هو الذي فتحها وأوّل من كبّر في نواحيها ـ فأمر به أن يقتل أو يلعن عليّاعليه‌السلام ويتبرّأ منه ، فلم يتبرّأ ، فصلّى ركعتين وقدّم فقتل صبرا ومعه ابنه وأصحابه ، ومشهدهم مشيد يزار.

ونقل أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يقول : يومي منك يا حجر طويل!

وأمّا أصحابه الّذين استشهدوا معه ، فهم : شريك بن شدّاد الحضرمي ، صيفي ابن فسيل الشيباني ، قبيصة بن ضبيعة العبسي ، محرز بن شهاب السعدي ، كدام ابن حيّان العنزي ، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي ـ الذي دفنه زياد بأمر معاوية حيّا ـ ؛ وكان معاوية قد أمر بقتلهم ، فقتلوا بمرج عذراء ، بغوطة دمشق رحمه الله ، لا لشيء سوى إنّهم لم يتبرّأوا من إمام زمانهم أمير المؤمنين عليّ ٧ ؛ وكان ذلك سنة ٥١ ه‍.

انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢١٨ ـ ٢٣١ ، أسد الغابة ١ / ٤٦١ رقم ١٠٩٣ ، الإصابة ٢ / ٣٧ رقم ١٦٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣١ ح ٥٩٧٢ ـ ٥٩٨٤ ، معجم البلدان ٤ / ١٠٣ رقم ٨٢٥١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٢٦ ـ ٣٣٨ ، الاستيعاب ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٢ رقم ٤٨٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٢ رقم ٩٥.

(٢) أمّا عمرو فهو : عمرو بن الحمق بن كاهل ـ ويقال : كاهن ـ الخزاعي ، هاجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحديبية ، شهد مع الإمام عليّعليه‌السلام مشاهده كلّها ، وكان من أصحاب حجر بن عديّ.

طلبه معاوية وكان قد فرّ إلى الموصل ، فقتله عامل معاوية على الموصل عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي.

وروي أنّه حينما فرّ التجأ إلى غار في الجبل ـ وكان مريضا ـ فلدغته أفعى فمات ، فدخل الجند عليه واحتزّوا رأسه وبعثوا به إلى زياد ، ثمّ بعث به زياد إلى معاوية ، فألقي برأسه في حجر زوجته ـ وكان قد حبسها معاوية ـ فقالت : غيّبتموه عنّي طويلا ثمّ أهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا بها من هديّة ، غير قالية ولا مقليّة ؛

٢٧٦

وفي أيّام يزيد وعبد الملك ؛ وقد هدما الكعبة(١) ، وهتكا حرمة الله ورسوله ، ولم يتركا لله محرّما إلّا فعلاه ، ولا حرمة إلّا أضاعاها(٢) ، والناس

__________________

فكان رأس عمرو أوّل رأس احتزّ في الإسلام وطيف به وأهدي!

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا لعمرو يوما فقال :اللهمّ متّعه بشبابه ؛ فمرّت ٨٠ سنة لا ترى شعرة بيضاء في لحيته.

انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٢١ و ٢٢٤ حوادث سنة ٥١ ه‍ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٩ حوادث سنة ٥٠ ه‍ ، أسد الغابة ٣ / ٧١٤ رقم ٣٩٠٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٣ رقم ١٩٠٩ ، مختصر تاريخ دمشق ١٩ / ٢٠ رقم ١٢٥ ، الإصابة ٤ / ٦٢٤ رقم ٥٨٢٢.

وأمّا من قتله معاوية من أمثال ابن الحمق :

فقد دسّ السمّ لمالك الأشتر على يد عبد لعثمان ، حتّى قال معاوية : إنّ لله جنودا من عسل!

ومحمّد بن أبي بكر ، فقد قتله عامله على مصر عمرو بن العاص ، ثمّ وضعه في جوف حمار ميّت وأحرقه ، وكان ذلك سنة ٣٨ ه‍.

والحضرميان مسلم بن زيمر وعبد الله بن نجيّ ، صلبهما زياد بن أبيه بأمر من معاوية.

انظر : الغارات : ١٦٦ ـ ١٦٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٣١ حوادث سنة ٣٨ ه‍ ، أسد الغابة ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ رقم ٤٧٤٤ ، الاستيعاب ٣ / ١٣٦٦ ـ ١٣٦٧ رقم ٢٣٢٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٨١ ـ ٤٨٢ رقم ١٠٤ ، الإصابة ٦ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ رقم ٨٣٠٠ ، المحبّر : ٤٧٩.

(١) أمّا يزيد فقد رمى الكعبة المشرّفة بالمنجنيق فهدمها وأحرقها ، وذلك سنة ٦٤ ه‍ عند حصار عبد الله بن الزبير ، كما هدمها عبد الملك سنة ٧٣ ه‍.

انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٦١ و ٥٣٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٦٤ وج ٤ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، المنتظم ٤ / ١٨١ و ٢٧٥.

(٢) ومن موبقاتهما علاوة على كونهما من بني أميّة الشجرة الملعونة في القرآن ، ونزوهما على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتسلّطهما على رقاب المسلمين بغير حقّ :

قتل يزيد ريحانة النبيّ وسبطه الإمام الحسين عليه السلام ، وأسره وسببه وتسييره للهاشميات وأهل بيت النبوّة والرسالة عليهم السلام ، وقوله الكفر شعرا بعد وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام بين يديه ، وقتل النفوس المحترمة ، حتّى قتل أكثر من عشرة

٢٧٧

لهما أعوان ، وبهم قام لهما السلطان؟!

فأين الإسلام وعزّته؟! وأين الدين وقيامه؟!

وثالثا : إنّ الحمل الأوّل لا يناسب عدد الاثني عشر ؛ لأنّ من لم تقع الفتن في أيّامهم أضعاف هذا العدد.

والحمل الثاني مناف لأخبارهم ؛ لإفادتها أنّ خلافة الصلحاء منحصرة في ثلاثين سنة

روى الحاكم في « المستدرك »(١) ، عن سفينة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «خلافة النبوّة ثلاثون سنة ».

وقال ابن حجر في « الصواعق »(٢) : « الحادي عشر : أخرج أحمد ، عن سفينة ، وأخرجه أيضا أصحاب السنن ، وصحّحه ابن حبّان وغيره ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :الخلافة ثلاثون عاما ، ثمّ يكون بعد ذلك الملك.

وفي رواية :الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثمّ تصير ملكا عضوضا ».

__________________

آلاف نفس في وقعة الحرّة ، واستباحة المدينة المنوّرة ثلاثة أيّام ؛ وشربهما الخمر ، وترك الصلاة ، واللعب بالطنابير والكلاب ، ونكاح المحارم ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض والحرمات وغيرها كثير.

انظر مثلا : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٤٩ ، تاريخ دمشق ٢٧ / ٤٢٩ ، الردّ على المتعصّب العنيد : ٥٣ ـ ٦٢ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٩ ـ ٢٦١.

(١) ص ١٤٥ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥٦ ح ٤٦٩٧ ]. منهقدس‌سره .

(٢) في الفصل ٣ من الباب الأوّل [ ص ٤١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : سنن الترمذي ٤ / ٤٣٦ ح ٢٢٢٦ ، سنن أبي داود ٤ / ٢١٠ ح ٤٦٤٦ و ٤٦٤٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٥ ، مسند أحمد ٥ / ٢٢٠ و ٢٢١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٨ ح ٦٩٠٤.

٢٧٨

فكيف يصحّ عندهم حمل الخلفاء الاثني عشر على الصلحاء؟!

على أنّ الحكم بصلاح من زعمهم من الصلحاء باطل ؛ لما ستعرف في الجزء الثالث(١) .

وأمّا ابن عبد العزيز(٢) ؛ فيكفيه أنّه من الشجرة الملعونة في القرآن(٣) ، الّذين رآهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينزون على منبره نزو القردة ،

__________________

(١) سيأتي ذلك في الجزء السابع وفق تجزئتنا الجديدة للكتاب.

(٢) هو : أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ، وأمّه : أمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب.

ولد سنة ٦٣ ه‍ ، وولي الخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك سنة ٩٩ ه‍ ، ودامت أيّام ملكه سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيّام.

جلد رجلا بالسوط لشتمه معاوية.

كان مترفا منعّما ، يختال في مشيته ، من أعطر الناس وألبسها ، كان يشترى له الثوب بأربعمئة دينار ، وعندما يلمسه يقول : ما أخشنه وأغلظه!

قال عبد الله بن عطاء التميمي : كنت مع عليّ بن الحسين في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضّة ، وكان من أمجن الناس وهو شابّ.

وقال بعضهم : كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتّى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز ؛ من كثرة الطيب فيها ـ يعني : المسك ـ.

وكان هو أوّل خليفة دوّنت له صنعة الغناء والألحان ، فقد صنع أيّام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلّها!

كان من المتشدّدين بالقول بأنّ كلّ شيء بقضاء وقدر ، قدرا لازما ، وقضاء مبرما حتميا ، لا دخل للعبد فيه ولا تأثير ؛ ليبرّر للأمويّين سياستهم وتسلّطهم وأفعالهم ؛ وله رسالة في معتقده هذا ؛ وقد ناظر غيلان الدمشقي في ذلك ، وكان يقول له : يا غيلان! والله ما طنّ ذباب بيني وبينك إلّا بقدر.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢٥٣ و ٢٥٧ ، الأغاني ٩ / ٢٨٩ و ٣٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٣٤٦ ـ ٣٥٣ ، الاستيعاب ٣ / ١٤٢٢ ، تاريخ دمشق ٤٨ / ١٩٣ ، مناقب آل أبي طالب ٤ / ١٥٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ١١٤ رقم ٤٨.

(٣) إشارة إلى قول الله عزّ وجلّ :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) سورة الإسراء ١٧ : ٦٠.

٢٧٩

فساءه ذلك ولم ير ضاحكا بعدها(١) .

وأمّا ابن الزبير ؛ فهو من أبعد الناس عن الخلافة والصلاح

روى مسلم في باب ذكر كذّاب ثقيف ومبيرها من « كتاب الفضائل » ، أنّ ابن عمر لمّا مرّ على ابن الزبير وهو مقتول قال : « أما والله لأمّة أنت أشرّها لأمّة خير »(٢) .

وهذه شهادة من ابن عمر أنّ ابن الزبير شرّ الأمّة.

وروى البخاري في « كتاب الفتن » ، في باب « إذا قال عند قوم شيئا ثمّ خرج فقال بخلافه » ، عن أبي برزة الأسلمي ، أنّه حلف بالله إنّ ابن الزبير إن يقاتل إلّا على الدنيا(٣) .

وروى أحمد في « مسنده »(٤) ، أنّ عثمان بن عفّان لمّا قال له عبد الله ابن الزبير : هل لك أن تتحوّل إلى مكّة؟! قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :« يلحد بمكّة كبش من قريش اسمه عبد الله ، عليه مثل نصف أوزار الناس ».

وروى أحمد أيضا(٥) : عن سعيد بن عمرو ، قال : أتى عبد الله بن عمر ابن الزبير وهو جالس في الحجر ، فقال : يا بن الزبير! إيّاك والإلحاد

__________________

(١) تقدّم أنّ المراد بالشجرة الملعونة هم بنو أميّة ، فانظر تخريج ذلك مفصّلا في ج ١ / ١٦٨ ه‍ ٤ من هذا الكتاب.

وانظر زيادة على ذلك : مسند أبي يعلى ١١ / ٣٤٨ ح ٦٤٦١ ، تفسير الطبري ٨ / ١٠٣ ح ٢٢٤٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٨١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٥٠٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٩١.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ح ٥٦.

(٤) ص ٦٤ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

(٥) ص ٢١٩ من الجزء الثاني. منهقدس‌سره .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وبعد هذا: أنت المدعي وأنت الشاهد وأنت الحاكم؟

وهل يوجد في العالم حكم هكذا؟ أو قانون كهذا القانون؟

أنت سمعت رسولَ الله يقول هكذا وابنته لم تسمع ذلك منه؟

الرسول أخبرك وما أخبر ابنته التي كانت أراضي فدك بيدها وتحت تصرّفها؟

وأي كتاب ورَّثه الرسول؟ القرآن؟ القرآن كان ملكاً للرسول حتى يورِّثه؟ وهل النبوّة تورّث؟ وهل كان نبي إذا مات تنتقل النبوّة إلى أولاده وورثته؟ ومَن الذي ورث النبوّة من رسول الله؟

وهل أنت ولي الأمر أم الذي ولىّ الله بقوله:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) مَن ولي الأمر بعد الرسول؟

أنت ولي الأمر، أم الذي بايعته أنت يوم غدير خم بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّمت عليه بإمرة المؤمنين؟ وهو عليّ بن أبي طالب.

أترى أن تعلم هذا الحديث وعليّ بن أبي طالب لا يعلم؟ وهو أكثر التصاقاً وأشدّ اتصالاً والتزاماً بالرسول، حسب اعترافك، وهو باب مدينة علم الرسول.

وإن كان النبي لا يورّث فلماذا بقيتْ حجراته تحت تصرّف زوجاته؟

ولماذا لم تصادر تلك الحجرات؟

مع العلم أنّ تلك الحجرات كانت ملكاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصريح قوله تعالى:( لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ) فيتبيّن أنّ البيوت كانت للرسول، فبأيّ قانون شرعي وبأيّ مبرّر ديني سكنت زوجات

٤٠١

الرسول في تلك الحجرات إلى آخر حياتهن؟

ولماذا شمل التأميم السيدة فاطمة عزيزة رسول الله وبضعته ولم تشمل زوجاته.

(وقد جعلنا ما حاولتهِ في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون، ويجاهدون الكفّار، ويجالدون المردة الفجّار) وهل يجوز صرف الأموال المغصوبة في سبيل الله لتقوية المسلمين؟

وهل كانت جيوش المسلمين بحاجة إلى هذه الأموال التي أُخذت ظلماً؟

(وذلك بإجماع من المسلمين) ما قيمة هذا الإجماع المناقض لكتاب الله؟

وأيّ إجماع هذا وآل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته لا يعترفون بهذا الأمر ولا يوافقون بهذه التصرّفات؟

وهل ينفع الإجماع على الظلم وعلى مخالفة كتاب الله وسنة النبي؟

وكأنّ أبا بكر أراد بكلامه هذا استمالة قلوب المسلمين كي لا يخالفه أحد، وإلاّ فقد ثبت أنّ أبا بكر هو المدّعي الوحيد لحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث) ولم يجمع المسلمون على صحّة هذا الحديث المخالف لصريح كلام الله تعالى.

نعم في كتاب (كشف الغمّة): إنّه لما ولّي عثمان قالت عائشة: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر. فقال عثمان: لا أجد لها موضعاً في الكتاب ولا في السنّة، ولكن كان أبو بكر وعمر يعطيانك من حصة أنفسهما، وأنا لا أفعل فقالت: فآتني ميراثي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أليس جئتِ وشهدتِ أنتِ ومالك بن أوس النضري أنّ الرسول

٤٠٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورِّث؟ فأبطلتِ حق فاطمة وجئتِ تطلبينه؟... إلى آخره(١) .

أقول: العجب أنّ شهادة عائشة بنت أبي بكر تُقبل، وشهادة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تُقبل، وشهادة مالك بن أوس النضري البوّال على عقبيه تُقبل، وشهادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب نفس رسول الله وأعزّ الخلق إليه لا تقبل! اقرأ ثم احكم.

وبهذا اتضح لنا كلامه: (لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي) نعم، لم ينفرد به وحده، بل ساندته وشهدت له ابنته عائشة صاحبة المواقف المشهورة تجاه فاطمة وزوجها عليّ.

(هذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك ولا تدَّخر دونك) مجاملات فارغة لا حقيقة لها أصلاً، وما أكثر هذه المجاملات عند رجال السياسة.

(أنتِ سيدة أُمّة أبيك، والشجرة الطيّبة لبنيك، لا يُدفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي) هذه الكلمات وإن كانت حقائق، إلاّ أنّها استُعملت للخداع، والتلوّن في الكلام، وسيأتيك - في المستقبل - كلام حول آراء السياسيين، والأساليب التي يستعملونها حسب الظروف.

(فهل ترين أن أُخالف في ذلك أباكصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟).

أيّها الناس! إنّ أبا بكر يجتنب مخالفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّ سيّدة نساء العالمين وبضعة رسول الله التي أذهب الله عنها

____________________

(١) كشف الغمّة ج ١ / ٤٧٨.

٤٠٣

الرجس وطهّرها تطهيراً تخالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل يقبل عقلك؟

هل يرضى وجدانك بهذا؟

وأيّة مخالفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خضع المسلم للقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ هل العمل بآيات المواريث بين الأنبياء يعتبر مخالفة لرسول الله؟ وهل تصديق كلام بنت رسول الله المعصومة بصريح القرآن، وتصديق كلام زوجها عليّ الذي كان نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون مخالفة لرسول الله؟

ماذا أقول إذا انقلبت المفاهيم، وانعكست الحقائق، وتبدّلت المقاييس وتغيّرت الموازين، وصار المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟

الرجل يدّعي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلاماً مخالفاً للقرآن، مناقضاً للشريعة الإسلامية، وآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطيّبة لا يعترفون بهذا الكلام، بل يكذّبونه على ضوء القرآن، ثم يتورّع الرجل (على زعمه) من مخالفة ذلك الكلام المفترى على الرسول.

والآن استمع إلى ردّ السيدة فاطمة الزهراء لهذه المفتريات والأكاذيب.

٤٠٤

جوَاب فَاطِمَة الزهْرَاءعليها‌السلام

فقالتعليها‌السلام :

سبحان الله،

ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتاب الله صادف (١)

ولا لأحكامه مخالفاً

بل كان يتَّبع أثره

ويقفو سُوَره (٢).

أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور

وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغي له من الغوائل في حياته (٣).

هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً

وناطقاً فصلاً

يقول:

( يرثني ويرث من آل يعقوب)

( وورث سليمان داود) .

فبيَّن (عزّ وجل) فيما وزَّع عليه من الأقساط

__________

(١) صادفاً: معرضاً: يقال: صدف عن الحق إذا أعرض عنه.

(٢) يقفو: يتبع.

(٣) الغوائل - جمع غائلة -: الحادثة المهلكة.

٤٠٥

وشرع من الفرائض والميراث

وأباح من حظّ الذكران والإناث

ما أزاح علَّة المبطلين

وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين (١)

كلاّ، ( بلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) .

__________

(١) التظنّي: إعمال الظن. الغابرين: الباقين.

٤٠٦

مطابقة كلمات الرسول مع القرآن

قالت: (سبحان الله) في مقام التعجّب، استعظاماً لهذا الافتراء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصادق المصدّق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(ما كان رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتاب الله صادفاً) ما كان الرسول معرضاً عن كتاب الله المجيد.

(ولا لأحكامه مخالفاً) بأن يقول شيئاً يخالف القرآن، وحديث: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث...) مخالف للآيات التي تصرّح بوراثة الأنبياء، وإنّهم يرثون ويورّثون.

حاشا نبي الله أن يخالف كلام الله (بل كان يتبع أثره) يسير مع القرآن وعلى ضوء القرآن وتحت ظلاله.

(ويقفو سوره) أي سور القرآن، ويتبعها سورة بعد سورة، فكيف يقول شيئاً يخالف كلام الله، ويناقض أحكام الله؟

(أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور) تقول السيدة فاطمةعليها‌السلام قد جمعتم بين جريمتين: جريمة الغدر وهي غصب فدك، وجريمة الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أي هل تضيفون إلى الغدر اعتذاركم على العذر بالكذب، وهذا كمن يقتل إنساناً ظلماً ثم يعتذر من عمله بأنّ المقتول كان سارقاً، فهو قد جمع بين جريمة القتل وجريمة الكذب والافتراء.

٤٠٧

(وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته) تقولعليها‌السلام ليس هذا بشيء جديد، فإنّ القيام ضد آل الرسول بعد وفاته يشبه المؤامرات والنشاطات المسعورة التي كانت ضده في حياته، فلقد أراد المنافقون أن يقتلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة، ويُنفروا ناقته على شفير الوادي لتسقط ناقة النبي في الوادي فيهلك رسول الله، والتفصيل مذكور في محلّه، راجع تفسير قوله تعالى:( يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ... الآية)(١) .

(هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فصلاً) هذا القرآن حال كونه حاكماً عادلاً، ناطقاً قاطعاً للخصومات، نجعله مرجعاً نتحاكم إليه. هذا القرآن يقول:( ...يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) في قصّة زكريا وقد مرّ الكلام حول الآية.

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) قد ذكرنا ما تيسّر أيضاً حول وراثة سليمان من داودعليهما‌السلام .

وأنتم تقولون: إنّ رسول الله قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث) كيف يخالف رسول الله القرآن؟ وكيف يعرض عن حُكم وراثة الأنبياء.

(فبيَّن عزّ وجل فيما وزّع عليه من الأقساط)

لقد بين الله تعالى فيما قسّم من نصيب كل من الورثة.

(وشرع من الفرائض والميراث) الفرائض: هي الحصص المفروضة المقدّرة للورثة كالنصف والثُلث والرُبع والسُدس والثُمن كما هو مذكور في الكتب الفقهية.

____________________

(١) التوبة: ٧٣.

٤٠٨

(وأباح من حظ الذكران والإناث) في شتّى مراتب الورثة من الزوج والزوجة والأب والأُم والأولاد والبنات والمراتب المتأخّرة عنهم.

(ما أزاح علّة المبطلين) لقد بيَّن الله في القرآن وشرع وأباح ما فيه الكفاية لإزالة أمراض أهل الباطل، وكل مَن جاء بالباطل.

(وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين) لم يبق مجال للشك والشبهة لأحدٍ من الأجيال الموجودة أو الآتية.

(كلاَّ) ليس الأمر كما تقولون، أو كما تدَّعون، وليس الأمر ملتبساً عليكم.

( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ) بل زيّنت لكم أنفسكم حُبُّ الرئاسة وكرسي الحكم، ومنصّة القدرة، فنسبتم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحديث حتى يتحقّق هدفكم، وتنالوا غايتكم.

( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ) نصبر ونستعين بالله تعالى على تحمّل هذه المآسي والمصائب.

والآن استمع إلى دفاع أبي بكر عن نفسه، وانتبه إلى تبدّل الكلام، وتذبذب المنطق، وتغيّر الأسلوب، وعدم الاهتمام بالتناقض في الكلام.

٤٠٩

جَوَابُ أبي بَكْر

فقال أبو بكر:

صدق الله وصدق رسوله

وصدقت ابنته

أنتِ معدن الحكمة

وموطن الهدى والرحمة

وركن الدين

وعين الحجّة

لا أُبعدُ صوابكِ

ولا أنكر خطابكِ

هؤلاء المسلمون بيني وبينك

قلَّدوني ما تقلّدت

وباتفاق منهم أخذتُ ما أخذت

غير مكابرٍ ولا مستبد

ولا مستأثر

وهم بذلك شهود

٤١٠

إنهيار الباطل أمام حُجَّة الحق

لمّا زيّفت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الحديث الذي اختلقه أبو بكر ونسبه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبطلت ذلك الادّعاء بالأدلة القاطعة والحجج الساطعة، عجز أبو بكر عن تفنيد الحجج والبراهين التي استدلت بها السيدة فاطمة. ولهذا دخل من باب آخر، كي لا يتحمّل المسؤولية هو وحده، بل تكون المسؤولية على المسلمين الذين وافقوا على تصرّفاته، فقال: (صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته) تصديق لآيات المواريث بين الأنبياء، وتصديق للرسول الذي لا يخالف القرآن وكأنّه ينسحب عن الحديث الذي نسبه إلى النبي (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) وتصديق لكلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين وعين الحجّة) اعترافات عجيبة تدل على التنازل والانسحاب (لا أُبعدُ صوابكِ ولا أُنكر خطابكِ) إقرار بصواب قولها، واعتراف بصدق خطابها وكلامها، ولكن كلّه صوريّ: أي باللسان لا بالعمل، فالزهراء صادقة القول في ادّعائها فدك، لا يشك أحد في ذلك ولكن السلطة المعترفة بصدق كلامها لا تردّ إليها حقوقها، لماذا؟ وكيف؟

(هؤلاء المسلمون الحاضرون بيني وبينك هم قلّدوني الخلافة) وهذا اعتراف صريح منه أنّه لم يصل إلى الخلافة بالنص والتعيين من رسول الله (صلّى الله عليه

٤١١

وآله وسلّم) وإنّ رسول الله لم يستخلفه، بل المسلمون قلّدوه الخلافة.

(وباتفاق منهم أخذت ما أخذت) أنظر إلى تبدّل المنطق فقد قال أوّلاً: إنّه استولى على فدك عملاً بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (نحن معاشر الأنبياء... الخ)، وبعد أن أبطلت السيدة فاطمة هذا الكلام تشبّث بوسيلة أخرى، وهي اتفاق المسلمين على غصب فدك.

مَن هم المسلمون الذين اتفقوا على أخذ أبي بكر فدك؟

بنو هاشم، أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رؤساء الصحابة أمثال: سلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ونظرائهم؟

إنّ كلمة: (وباتفاق منهم أخذت ما أخذت) هي عبارة عن كلمته السابقة: (وذلك بإجماع المسلمين) وقد ذكرنا قيمة ذلك الإجماع وقس عليها قيمة هذا الاتفاق منهم على أخذ فدك فاطمة.

(غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود) حينما استشهد أبو بكر بالمسلمين كان لزاماً على السيدة فاطمة أن توجّه عتاباً لاذعاً إليهم:

٤١٢

فاطِمَةُ الزهْرَاء تُوجّهُ الخِطَابَ إلى الحَاضِرين

فالتفتت فاطمةعليها‌السلام إلى الناس وقالت:

معاشر الناس

المـُسرعة إلى قيل الباطل

المـُغضية على الفعل القبيح الخاسر (١)

أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟

كلاّ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم

فأخذ بسمعكم وأبصاركم

ولبئس ما تأوّلتم

وساء ما به أشرتم

وشر منه اعتضتم (٢)

لتجدنَّ - والله - محمله ثقيلاً

وغبَّه وبيلاً (٣)

إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه الضرّاء

وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.

__________

(١) المغضية: الساكتة الراضية.

(١) اعتضتم: من الاعتياض وهو أخذ العوض.

(٢) الغبّ - بكسر الغين: العاقبة. الوبيل: الشديد الثقيل.

٤١٣

فاطمة الزهراء في عتابها مع المتخاذلين

وجّهت السيدة فاطمة عتابها الأخير إلى تلك الجماهير المتجمهرة، التي كانت تستمع إلى ذلك الحوار الحادّ، وقالت:

(معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل) أي القول الباطل، أي أسرعتم إلى قول باطل إذ أنّكم قلّدتم هذا الرجل ما قلّدتم، واتفقتم معه - حسب ادعائه - على غصب حقوقي.

(المغضية على الفعل القبيح الخاسر) الإغضاء هو إدناءِ الجفون على العين، كالذي ينظر إلى الأرض أو ينظر في حِجره، كناية عن السكوت والرضا بالفعل القبيح الخاسر الذي هو سبب خسران صاحبه.

(أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) هل نسيتم الآيات النازلة فينا؟ أو لم تفهموا الآيات التي تلوتها في وراثة الأنبياء؟ أم قلوبكم مقفلة مغلقة فلا تنفتح لكلام الله وأحكامه في القرآن؟

(كلاَّ) ليس السبب عدم التدبّر في القرآن (بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم) أي غلب على قلوبكم وغطّاها سوء أعمالكم كالحجاب الكثيف، كما تغطّي الخمرة عقل شاربها فلا يفهم ولا يشعر، وتختل عنده الأمور.

(فأخذ بسمعكم وأبصاركم) كالغفلة المستولية على القلب، المؤثّرة على السمع والبصر، فلا يسمع الغافل الصوت ولا يبصر الشيء بسبب انشغال قلبه وغفلته.

٤١٤

(ولبئس ما تأوَّلتم) في آيات القرآن وأحكام الإسلام وتغييرها عن مجراها الحقيقي (وساء ما به أشرتم) تقصد التعاون والاتفاق على غصب حقوق آل محمدعليهم‌السلام .

(وشرّ ما منه اعتضتم) أي ساء ما أخذتم به عوضاً عمّا تركتم أي بئس الباطل الذي أخذتموه عوضاً عن الحق، وكلها كنايات وإشارات يفهمها الأذكياء.

(لتجدَّن - والله - محمله ثقيلاً وغبّه وبيلاً) إشارة إلى المسؤولية الكبرى يوم القيامة، والحمل الثقيل والأمر الشديد الذي يعاقبون عليه أشد العقاب، ويعذّبون عليه أشد العذاب.

(إذا كشف لكم الغطاء) إذ متّم وانتقلتم إلى عالم الجزاء.

(وبان ما وراءه الضرّاء) وظهر لكم الشيء الذي وراءه الشدّة.

(وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون) وهكذا أدمجت السيدة فاطمة حديثها وخطابها مع الآيات المناسبة للمقام.

لقد أتمّت السيدة فاطمة الحجّة على الجميع، وأدّت ما عليها من الواجبات، وسجّلت آلامها في سجل التاريخ والآن:

شكوى إلى رسول الله

ثم عطفت على قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (١)

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ (٢)

____________________

(١) الهنبثة: الأمر الشديد المختلف.

(٢) الخطب - بضم الخاء والطاء - جمع خطب - بفتح الخاء - وهي المصائب الشديدة.

٤١٥

إنا فقدناك فقدَ الأرض وابلها (١)

واختل قومك فاشهدهم وقد نكبوا (٢)

وكل أهل له قُربى ومنزلة

عند الإله على الأدنين مقتربُ

أبدَتْ رجال لنا نجوى صدورهم (٣)

لما مضيتَ وحالت دونك التُّربُ

تجهّمتنا رجال واستُخفّ بنا

لما فُقدتَ، وكل الإرث مغتصَبُ (٤)

وكنتَ بدراً ونوراً يُستضاء به

عليك تنزل من ذي العزّة الكتبُ

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فقد فُقدتَ، فكلّ الخير مُحتجبُ

فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا

لما مضيت وحالت دونك الكُثُبُ (٥)

إنا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شَجَنٍ (٦)

مِن البرية لا عجم ولا عربُ

وفي ناسخ التواريخ زيادة هذه الأبيات:

سيعلم المتولّي ظلم حامتنا

يوم القيامة أنّى سوف ينقلبُ

وسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

له العيون بتهمال له سكبُ

وقد رزُينا به محضاً خليقته

صافي الضرائب والأعراق والنسبُ

فأنت خير عباد الله كلّهمُ

وأصدق الناس حين الصدق والكذبُ

وكان جبريل روح القدس زائرنا

فغاب عنا فكل الخير محتجبُ

ضاقت عليَّ بلادٌ بعدما رحبتْ

وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نَصَبُ

وفي كشف الغمّة وغيره: ثم عطفت على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فتمثّلت بقول هند بنت أثاثة: قد كان بعدك... إلى آخره.

____________________

(١) الوابل: المطر الغزير الكثير.

(٢) نكبوا: عدلوا عن الطريق.

(٣) نجوى - هنا -: الأحقاد.

(٤) مغتصب: مغصوب.

(٥) الكثب - بضم الكاف والثاء - جمع كثيب وهو الرمل.

(٦) رزينا: من الرزيّة وهي المصيبة. والشجن: الحزن.

٤١٦

وقيل هذه الأبيات لهند بنت أبان بن عبد المطلب تمثّلت بها السيدة فاطمة، وعلى كلٍ فقد ألقت السيدة فاطمة نفسها على قبر أبيها وهي تنشد هذه الأبيات.

وفي كشف الغمّة: فما رأينا أكثر باكٍ ولا باكية من ذلك اليوم.

ولمّا أيست السيدة الزهراءعليها‌السلام من أبي بكر واستعادة حقوقها المغتصبة منه رجعت إلى دارها وهي تقول:

(اللّهمّ إنّهما ظلما بنت نبيِّك حقَّها، فاشدد وطأتك عليهما)(١) .

وفي صحيح البخاري - كتاب الخمس -:... فغضبت فاطمة بنت رسول الله، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفّيت.

وفي صحيح البخاري أيضاً - كتاب بدأ الخلق -:... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت(٢) فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت.

وروى مثله مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير في باب قول النبي: لا نورِّث - ورواه البيهقي في السنن ج ٦ ص ٣٠٠، وأحمد بن حنبل في مسنده ج ١ ص ٦، وابن سعد في طبقات الصحابة ج ٨ ص ١٨، وغيرهم.

____________________

(١) وفاة الصدّيقة الزهراء للمقرَّم ص ٧٨.

(٢) أي غضبت.

٤١٧

التّجَاسُرُ عَلَى أهْلِ بَيْتِ الرسُول

قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة: لما سمع أبو بكر خطبتها المذكورة وما وقع بين الناس من الاختلاف والهمهمة في سوء تلك المقدّمة، وخاف أن تنعكس القضية شقّ عليه ذلك فصعد المنبر فقال:

أيّها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله؟ ألا مَن سمع فليقل، ومَن شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه مربّ لكل فتنة هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحبّ أهلها إليها البغي ألا إنّي لو أشاء لقلت، ولو قلت لَبُحت، إنّي ساكت ما تُركت.

ثم التفت إلى الأنصار فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني مقالة سفهائكم وأحق مَن لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا: إنّي لست باسطاً يداً ولساناً على مَن لم يستحق ذلك منّا. ثم نزل.

ثم قال ابن أبي الحديد: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعترض؟ فقال: بل يصرّح. قلت: لو صرّح لم أسألك. فضحك فقال: لعلي بن أبي طالب!! قلت: هذا الكلام كله لعلّي يقوله؟ قال: نعم إنّه المـُلك يا بني.

٤١٨

قلت: فما مقالة الأنصار؟

قال: هتفوا بقول عليّ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم. فسألته عن غريبة (أي شرح الكلمات) فقال:

أمّا الرعة - بالتخفيف - أي الاستماع والإصغاء. والقالة: القول. وثعالة: اسم الثعلب، مثل ذؤالة للذئب. وشهيده ذَنَبه: أي لا شاهد له على ما يدّعيه إلاّ بعضه وجزء منه، وأصله مَثَل: قالوا: إنّ الثعلب أراد أن يُغري الأسد بالذئب فقال له: إنّه قد أكل الشاة التي كنت أعددتها لنفسك، وكنت حاضراً، قال: فمَن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذَنَبه وعليه دم. وكان الأسد قد افتقد الشاة، فقبل شهادته، وقتل الذئب. و(مربّ): ملازم من أربّ بالمكان و (كروها جذعة): أعيدوها إلى الحال الأُولى يعني الفتنة والهرج و(أم طحال) امرأة بغي في الجاهلية يضرب بها المثل، فيقال: أزنى من أم طحال.

نحن لا نقول شيئاً على هذه الكلمات التي استعملها أبو بكر في آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، ولا نعاتبه على أدبه في المنطق وتعبيره في الكلام!، ولكن نقول: قرّت عينك - يا رسول الله - فهكذا يُقال في حق ابنتك وعزيزتك وحبيبتك فاطمة الزهراء، وهكذا يُقال في حق أخيك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

وكل هذا على منبرك وفي مسجدك وفي جوار مرقدك.

قرّت عيناك يا أبا فاطمة الزهراء وبشراك بل بشريان!! فهذه كرامة أهل بيتك، وعترتك عند أبي بكر وأشباهه!

٤١٩

السيدة أُمّ سلمة تستنكر

وفي الدر النظيم للشيخ جمال الدين الشامي قال - بعد خطبة فاطمةعليها‌السلام في المسجد وكلام أبي بكر -: فقالت أم سلمةرضي‌الله‌عنها حين سمعت ما جرى لفاطمةعليها‌السلام :

ألِمثل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقال هذا القول؟

هي والله الحوراء بين الإنس، والنَفَس للنفس، رُبّيت في حجور الأتقياء، وتناولتها أيدي الملائكة، ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خير نشأة، وربيت خير مربى، أتزعمون أنّ رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يُعلمها، وقد قال الله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) أفأنذرها وخالفت متطلبه؟

وهي خيرَة النسوان وأُمّ سادة الشبّان، وعديلة مريم، تمّت بأبيها رسالات ربّه، فو الله لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقرّ، ويوسدها يمينه ويلحفها بشماله.

رويداً ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمرأى منكم، وعلى الله تردون واهاً لكم، فسوف تعلمون.

قال: فَحُرمت عطاءها تلك السنة!.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568