فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248208 / تحميل: 11107
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بالحجام » فجاء فقال: « جز شعر هذا الرجل » ثم نزع الرداء عنها، وألحفها إياه الحاف الرجل، فقال: « اخرج فلا سبيل لهذا عليك، وأنكح وتزوج من النساء ما يحل لك » فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، امرأتي وابنة عمي، ألحقتها بالرجال، من أين أخذت؟ قالعليه‌السلام : « من أبي آدمعليه‌السلام ، إن حواء خلقت من ضلعه، وأضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء ».

[ ٢١١٩٥ ] ٢ - وقد روينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، أنه قال في الخنثى: « إن بال منهما جميعا نظر إلى أيهما يسبق البول منه، فإن ( خرج منهما )(١) معا، ورث نصف ميراث الرجل ونصف ميراث المرأة ».

[ ٢١١٩٦ ] ٣ - الصدوق في المقنع: فإن ترك الرجل ولدا خنثى، فإنه ينظر إلى إحليله إذا بال فإن خرج البول مما يخرج من الرجال ورث ميراث الرجال، وإن خرج مما يخرج من النساء ورث ميراث النساء، وإن خرج البول من الموضعين معا ورث نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى.

[ ٢١١٩٧ ] ٤ - وفي الهداية: روي أن شريح القاضي بينما هو في مجلس القضاء إذ أتته امرأة فقالت: أيها القاضي، اقض بيني وبين خصمي، فقال لها: ومن خصمك؟ قالت: أنت، قال: أفرجوا لها، فدخلت فقال لها: وما ظلامتك؟ فقالت: إن لي ما للرجال وما للنساء، قال شريح: فإن أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) يقضي على المبال، قالت: فإني أبول بهما جميعا ويسكنان معا، قال شريح: والله ما سمعت بأعجب من هذا، قالت: وأعجب من هذا، قال: وما هو؟ قالت: جامعني زوجي

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٣٨٨ ح ١٣٧٨.

(١) في المخطوط: خرجا جميعا، وما أثبتناه من المصدر.

٣ - المقنع ص ١٧٦.

٤ - الهداية ص ٨٥.

٢٢١

فولدت منه، وجامعت جاريتي فولدت مني، فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا، ثم جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: يا أمير المؤمنين، لقد ورد علي شئ ما سمعت بأعجب منه، ثم قص عليه [ قصة المرأة ](١) .

فسألها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن ذلك، فقالت: هو كما ذكر، فقال لها: « من زوجك؟ » فقالت: فلان، فبعث إليه فدعاه قال: « أتعرف هذه؟ » قال: نعم هي زوجتي، قال: فسأله عما قالت، فقال: هو كذلك، فقال أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ): « لانت أجرأ من راكب الأسد، حيث تقدم عليها بهذه الحال » ثم قال: « يا قنبر، ادخلها بيتا مع امرأة تعد أضلاعها » فقال زوجها: لا آمن عليها رجلا، ولا آمن عليها امرأة، فقال علي ( صلوات الله عليه ): « علي بدينار الخصي » وكان من صالحي أهل الكوفة، وكان يثق به، فقال له: « يا دينار، ادخلها بيتا وعرها من ثيابها، وأمرها أن تشد مئزرا، وعد أضلاعها » ففعل دينار ذلك، فكان أضلاعها سبعة عشر: تسعة في اليمين، وثمانية في اليسار، فألبسها ثياب الرجال القلنسوة والنعلين، وألقى عليها الرداء، وألحقها بالرجال.

فقال زوجها: يا أمير المؤمنين، ابنة عمي وقد ولدت مني، تلحقها بالرجال؟ فقال: « إني حكمت فيها بحكم الله تبارك وتعالى، خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، وأضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء تمام ».

[ ٢١١٩٨ ] ٥ - البحار، عن كتاب صفوة الاخبار: قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في الخنثى إن بالت من الرحم فلها ميراث النساء، وإن بالت من الذكر فله ميراث الذكر، وإن بالت من كليهما عد أضلاعه، فإن زادت

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

٥ - بحار الأنوار ج ١٠٤ ص ٣٥٥ ح ٦.

٢٢٢

واحدة على ضلع الرجل فهي امرأة، وإن نقصت فهي رجل.

[ ٢١١٩٩ ] ٦ - ومن كتاب الأربعين للسيد عطاء الله بن فضل الله(١) : روي عن الحسن البصري قال: أتت امرأة إلى شريح القاضي فقالت: أخلني، فأخلاها فقالت: أنا امرأة ولي فرج وإحليل، فقال من أين يخرج البول سابقا؟ قالت: منهما جميعا، فقال لقد أخبرت بعجب، فقالت: وأعجب منه، أنه تزوجني ابن عمي واخدمني جارية وطئتها فأولدتها، فدهش شريح فقام ودخل على عليعليه‌السلام فأخبره، فاستدعى بزوجها فاعترف، فقالعليه‌السلام لامرأتين: « أدخلاها البيت وعدا أضلاعها » ففعلتا فوجدتا في الجانب الأيمن ثمانية عشر ضلعا، وفي الأيسر سبعة عشر، فأخذ شعرها، وأعطاها حذاء والحقها بالرجال، فقيل له في ذلك، فقالعليه‌السلام : « اخذت هذا من قصة حواء، فإن أضلاعها كانت سبعة عشر من كل جانب، وأضلاع الرجل تزيد عليها بضلع، فلهذا ألحقتها بالرجال ».

[ ٢١٢٠٠ ] ٧ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ان ترك الرجل ولدا خنثى، فإنه ينظر إلى إحليله إذا بال، فإن خرج بوله مما يخرج من الرجال ورث ميراث الرجال، وإن خرج مما يخرج من النساء ورث ميراث النساء، فإن خرج البول منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث عليه، فإن خرج البول من الموضعين معا فله نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى ».

[ ٢١٢٠١ ] ٨ - الشيخ الطوسي في رسالة الايجاز: وروي أنه تعد أضلاعه، فإن نقص أحد الجانبين ورث ميراث الذكور، وإن تساويا ورث ميراث النساء.

__________________

٦ - بحار الأنوار ج ١٠٤ ص ٣٥٦ ح ١٣.

(١) في المخطوط: عطاء الدين، وما أثبتناه من البحار هو الصواب ( راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ١٤٦ ).

٧ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

٨ - الرسائل العشر ص ٢٧٥.

٢٢٣

٣ -( باب من ينظر إلى الخنثى إذا بال ليعلم، ومن ينظر إلى فرجيه ليعلم وجودهما)

[ ٢١٢٠٢ ] ١ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن محمد بن عيسى بن عبيد البغدادي، عن موسى بن محمد بن علي بن موسىعليهما‌السلام ، قال: قال موسى: كتب إلي يحيى بن أكثم، يسألني عن عشر مسائل أو تسع، فدخلت على أخي - يعني علي الهاديعليه‌السلام - فقلت: جعلت فداك، إن ابن أكثم كتب إلي يسألني عن مسائل أفتيه فيها، فضحك ثم قال: « فهل افتيته؟ » قلت: لا، قال: « ولم؟ » قلت: لم أعرفها، قال:: « وما هي؟ » قلت: كتب إلي: أخبرني - إلى أن قال - وأخبرني عن الخنثى، قول عليعليه‌السلام فيها: « يورث الخنثى من المبال » من ينظر إذا بال؟ وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل، مع أنه عسى أن يكون رجلا وقد نظر إليه النساء، وهذا ما لا يحل، فكيف هذا؟ - إلى أن قال -: قال - يعني علي الهاديعليه‌السلام -: « وأما قول عليعليه‌السلام في الخنثى: أنه يورث من المبال، فهو كما قال، وينظر إليه قوم عدول، فيأخذ كل واحد منهم المرآة، فيقوم الخنثى خلفهم عريانا، وينظرون في المرآة فيرون الشبح، فيحكمون عليه » الخبر.

٤ -( باب أن المولود إذا لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء، حكم في ميراثه بالقرعة، وكيفيتها، وأنها لا تختص بالامام)

[ ٢١٢٠٣ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : أنه سئل عن مولود ليس له ما للرجال وليس له ما للنساء، فقال: « فتبارك الله أحسن الخالقين يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم هذا يقرع عليه

__________________

الباب ٣

١ - الاختصاص ص ٩١.

الباب ٤

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٣٩٠ ح ١٣٨١.

٢٢٤

الامام، فيكتب على سهم: عبد الله، وعلى سهم آخر: أمة الله، ثم يقول الامام المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، خلقت هذا الخلق كما أردت، وصورته كيف شئت، اللهم وإنا لا ندري ما هو ولا يعلم ما هو إلا أنت، فبين لنا أمره وما يجب له فيما فرضت، ثم يطرح السهمين في سهام مبهمة، ثم تجال ثم يخرج فأيهما خرج ورثه عليه ».

[ ٢١٢٠٤ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء، فإنه يؤخذ سهمان، يكتب على سهم: عبد الله، وعلى سهم: أمة الله، ثم يجعل السهمان في سهام مبهمة، ثم يقوم الامام أو المقرع فيقول: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود حتى نورثه ما فرضت له في كتابك، ثم تجال السهام فأيهما خرج ورث عليه ».

[ ٢١٢٠٥ ] ٣ - الصدوق في المقنع: فإن لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء، فإنه يؤخذ سهمان فيكتب على سهم: عبد الله، وعلى الآخر: أمة الله، ثم يجعل السهمان في سهام مبهمة، ثم يقول الامام أو المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة(١) أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود حتى يورث ما فرضت له في كتابك، ثم يجال السهمان فأيهما خرج ورث عليه.

__________________

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

٣ - المقنع ص ١٧٧.

(١) في المصدر زيادة: الرحمن الرحيم.

٢٢٥

٥ -( باب ميراث من له رأسان أو بدنان على حقو( * ) واحد)

[ ٢١٢٠٦ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إذا ترك الرجل ولدا له رأسان، فإنه يترك حتى ينام، ثم ينبههما فإن انتبها جميعا ورث ميراثا واحدا، وإن انتبه أحدهما وبقي الآخر نائما ورث ميراث اثنين ».

[ ٢١٢٠٧ ] ٢ - الصدوق في الهداية: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه قضى في مولود له رأسان، أنه يصير عليه حتى ينام، ثم ينبه فإن انتبها جميعا معا ورث واحدا، وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائما ورث [ ميراث ](١) اثنين.

[ ٢١٢٠٨ ] ٣ - البحار، عن الأربعين للسيد عطاء الله: روي عن جعفر الصادقعليه‌السلام ، قال: « لما ولي عمر أتي بمولود له رأسان وبطنان وأربعة أيد ورجلان وقبل ودبر واحد، فنظر إلى شئ لم ير مثله قط، نظر إلى أسنانه أعلاه اثنان وأسفله واحد، وقد مات أبوه، فبعضهم يقول: هو اثنان ويرث ميراث اثنين، وبعضهم يقول: واحد يرث ميراث واحد، فلم يدر كيف الحكم فيه، فقال: اعرضوه على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، واطلبوا الحكم منه، فعرضوا عليه فقال عليعليه‌السلام : « انظروا إذا رقد، ثم يصاح، فإن انتبه الرأسان جميعا فهو واحد، وإن انتبه الواحد وبقي الآخر نائما فاثنان » فقال عمر: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن.

__________________

الباب ٥

* الحقو بفتح الحاء: الخصر ومعقد الإزار من بدن الانسان ( لسان العرب ج ١٤ ص ١٩٠ ).

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

٢ - الهداية ص ٨٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣ - بحار الأنوار ج ١٠٤ ص ٣٥٧ ح ١٤.

٢٢٦

[ ٢١٢٠٩ ] ٤ - ابن شهرآشوب في المناقب: وفيما أخبرنا به أبو علي الحداد، بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن - في خبر - قال: أتي عمر بن الخطاب برجل له رأسان وفمان وأنفان وقبلان ودبران وأربعة أعين في بدن واحد، ومعه أخت، فجمع عمر الصحابة وسألهم عن ذلك فعجزوا، فأتوا علياعليه‌السلام وهو في حائط له، فقالعليه‌السلام : « قضيته أن ينوم، فإن غمض الأعين، أو غط(١) من الفمين جميعا فبدن واحد، وإن فتح بعض الأعين، أو غط أحد الفمين فبدنان ».

__________________

٤ - المناقب ج ٢ ص ٣٧٥، وعنه في البحار ج ١٠٤ ص ٣٥٥ ح ٥.

(١) غط، الغطيط: هو الصوت الذي يخرج مع نفس النائم ( لسان العرب ج ٧ ص ٣٦٢ ).

٢٢٧

٢٢٨

أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

١ -( باب أنه يرث كل واحد منهم من الآخر مع الاشتباه والقرابة ونحوها، وعدم وارث أقرب، ثم ينتقل ميراث كل منهم إلى وارثه)

[ ٢١٢١٠ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد اللهعليهم‌السلام ، أنهم قالوا في الغرقى، وأصحاب الهدم، لا يدرى أيهم مات قبل صاحبه، قالوا: « يرث بعضهم بعضا ».

[ ٢١٢١١ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولو أن قوما غرقوا أو سقط عليهم حائط وهم أقرباء، فلم يدر(١) أيهم مات قبل صاحبه، لكان الحكم فيه أن يورث بعضهم من بعض ».

الصدوق في المقنع: مثله.

__________________

أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٣٩٠ ح ١٣٨٢.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

(١) في المخطوط: يدروا، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المقنع ص ١٧٨.

٢٢٩

٢ -( باب أنه إذا كان لاحد الغريقين أو المهدوم عليهما مال دون الآخر، فالمال للآخر، ثم لوارثه دون وارث صاحب المال)

[ ٢١٢١٢ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « لو أن رجلين أخوين ركبا في سفينة فغرقا، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، ولكل واحد منهما ورثة، وللواحد منهما مائة ألف، وليس للآخر شئ، فإن الذي لا شئ له يورث المائة ألف فيرثها ورثته، ولا يرث ورثة الآخر شيئا ».

[ ٢١٢١٣ ] ٢ - الصدوق في المقنع: وإذا غرق اخوان لأحدهما مال وليس للآخر شئ، ولا يدرى أيهما مات قبل صاحبه، فإن الميراث لورثة الذي ليس له شئ، إذا لم يكن لهما ( أحد أقرب )(١) بعضهما من بعض.

٣ -( باب أنه لو مات اثنان بغير سبب الغرق والهدم، واقترنا أو اشتبه السابق، لم يرث أحدهما من الآخر شيئا إلا أن يعلم السبق بقرينة، وكراهة كتم موت الميت في السفر)

[ ٢١٢١٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إذا ماتا جميعا في ساعة واحدة، فخرجت أنفسهما في لحظة واحدة، لم يورث بعضهما من بعض ».

الصدوق في المقنع: مثله(١) .

__________________

الباب ٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٣٩٠ ح ١٣٨٢.

٢ - المقنع ص ١٧٨.

(١) في المصدر: قريب أقرب من.

الباب ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

(١) المقنع ص ١٧٨.

٢٣٠

٤ -( باب تقديم المرأة في الميراث على الرجل من المهدوم عليهم)

[ ٢١٢١٥ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإذا غرق رجل وامرأة، أو سقط عليهما سقف، ولم يدر(١) أيهما مات قبل صاحبه، كان الحكم أن يورث المرأة من الرجل، ويورث الرجل من المرأة، وكذا إذا كان الابن، ورث الأب من الابن، ثم يورث الابن من الأب ».

[ ٢١٢١٦ ] ٢ - الصدوق في المقنع: وإذا غرق رجل وامرأة، أو سقط عليهما حائط، ولم يدر أيهما مات قبل صاحبه، فإنه تورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة، وكذلك إذا كان الأب والابن، ورث الأب من الابن ثم ورث الابن من الأب.

٥ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم)

[ ٢١٢١٧ ] ١ - الشيخ الطوسي في رسالة الايجاز: إذا غرق جماعة أو انهدم عليهم حائط في حالة واحدة، ولا يعرف أيهم مات قبل صاحبه، فإنه يورث بعضهم من بعض، من نفس تركته لا مما(١) يرثه من صاحبه، وأيهما قدمت كان جائزا لا يختلف الحال فيه، وروى أصحابنا أنه يقدم الأضعف في الاستحقاق، ويؤخر الأقوى.

__________________

الباب ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٩.

(١) في المخطوط: يدروا، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المقنع ص ١٧٨.

الباب ٥

١ - الرسائل العشر: ٢٧٦.

(١) في المخطوط: « ما »وما أثبتناه من المصدر.

٢٣١

٢٣٢

أبواب ميراث المجوس

١ -( باب أنهم يرثون بالسبب والنسب الصحيحين والفاسدين في الاسلام)

[ ٢١٢١٨ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه كان يورث المجوسي من وجهين، ومعنى ذلك أن يكون المجوسي قد تزوج ابنته فتلد منه ثم يسلمان، فتكون هذه المرأة أم الولد وأخته وابنة الزوج وامرأته.

[ ٢١٢١٩ ] ٢ - الشيخ الطوسي في رسالة الايجاز: يرث المجوسي جميع قراباته التي يدلي(١) بها، ما لم يسقط بعضها بعضا، ويرثون(٢) أيضا بالنكاح وإن لم يكن سائغا في شرع الاسلام - إلى أن قال - وأما بالأسباب فإنه يتقدر ذلك في البنت أو الأم أن تكون زوجة، وفي الابن أن يكون زوجا، فيأخذ الميراث من الوجهين معا، ويتقدر فيمن يأخذ بالقرابة، فان الجد من قبل الأب يمكن أن يكون جدا من قبل الأم، فإذا اجتمع الاخوة مع الأخوات أخذ نصيب جدين - إلى أن قال - وهذا الذي ذكرنا هو المشهور عن عليعليه‌السلام ، عند الخاص والعام.

__________________

أبواب ميراث المجوس

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٣٨٦ ح ١٣٧١.

٢ - الرسائل العشر ص ٢٧٩.

(١) في المخطوط: بدني، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: يورتون.

٢٣٣

٢ -( باب تحريم قذف المجوس)

[ ٢١٢٢٠ ] ١ - عوالي اللآلي: روي أن رجلا سبا مجوسيا بحضرة الصادقعليه‌السلام ، فزبره ونهاه، فقال له: إنه تزوج بأمه، فقالعليه‌السلام : « أما علمت أن ذلك عندهم النكاح!؟ ».

[ ٢١٢٢١ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « لا ينبغي ولا يصلح للمسلم أن يقذف يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا، بما لم يطلع عليه منه، وقال: أيسر ما في هذا أن يكون كاذبا ».

[ ٢١٢٢٢ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال لبعض أصحابه: « ما فعل غريمك؟ » قال: ذاك ابن الفاعلة، فنظر إليه أبو عبد اللهعليه‌السلام نظرا شديدا، فقال: جعلت فداك، إنه مجوسي نكح أخته، قالعليه‌السلام : « أوليس ذلك من(١) دينهم نكاح!؟ ».

٣ -( باب أن من اعتقد شيئا لزمه حكمه، وجاز الحكم عليه به)

[ ٢١٢٢٣ ] ١ - عوالي اللآلي: روي عنه، - يعني الصادقعليه‌السلام - أنه قال: « كل قوم دانوا بشئ يلزمهم حكمه ».

__________________

الباب ٢

١ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ٥١٣ ح ٧٤.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٠ ح ١٦٢٢.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٨ ح ١٦١٤.

(١) في المصدر: في.

الباب ٣

١ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ٥١٤ ح ٧٥.

٢٣٤

كتاب القضاء

٢٣٥

٢٣٦

فهرست أنواع الأبواب اجمالا:

أبواب صفات القاضي، وما يجوز أن يقضي به.

أبواب آداب القاضي.

أبواب كيفية الحكم، وأحكام الدعوى.

٢٣٧

٢٣٨

أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به

١ -( باب أنه يشترط فيه الايمان والعدالة، فلا يجوز الترافع إلى قضاة الجور وحكامهم إلا مع التقية والخوف، ولا يمضي حكمهم وإن وافق الحق)

[ ٢١٢٢٤ ] ١ - محمد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن يونس - مولى علي - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « من كانت بينه وبين أخيه منازعة، فدعاه إلى رجل من أصحابه يحكم بينهما فأبى الا ان يرفعه إلى السلطان، فهو كمن حاكم إلى الجبت والطاغوت، وقد قال الله:( يُرِ‌يدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ - إلى قوله -بَعِيدًا ) (١) ».

[ ٢١٢٢٥ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ‌ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِ‌يدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) (١) فقال: « يا أبا محمد، إنه لو

__________________

أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به

الباب ١

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٥٤ ح ١٧٩.

(١) النساء ٤: ٦٠.

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٥٤ ح ١٨٠.

(١) النساء ٤: ٦٠.

٢٣٩

كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له، كان ممن حاكم إلى الطاغوت ».

[ ٢١٢٢٦ ] ٣ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِ‌يقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ ) (١) ثم قال: « ان الله عز وجل، علم أن في الأمة حكاما يجورون، أما أنه لم يعن حكام أهل العدل، ولكنه عنى حكام أهل الجور، أما انه لو كان لأحدكم على رجل حق فدعاه إلى حكام أهل العدل، فأبى عليه إلا أن يرافعه إلى حكام أهل الجور ليقضوا له، كان ممن تحاكم إلى الطاغوت، وهو قول الله عز وجل:( أَلَمْ تَرَ‌ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِ‌يدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُ‌وا أَن يَكْفُرُ‌وا بِهِ ) (٢) » الآية.

[ ٢١٢٢٧ ] ٤ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال يوما لأصحابه: « إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه ».

[ ٢١٢٢٨ ] ٥ - وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « ولاية أهل العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم وقبولها والعمل لهم فرض من الله، وطاعتهم واجبة، ولا يحل لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم، وولاة الجور واتباعهم والعاملون لهم في معصية الله، غير جائز لمن دعوه إلى خدمتهم والعمل لهم وعونهم، ولا القبول منهم ».

__________________

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٠ ح ١٨٨٤.

(١) البقرة ٢: ١٨٨.

(٢) النساء ٤: ٦٠.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٠ ح ١٨٨٥.

٥ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٢٧ ح ١٨٧٦.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

عيَادَةُ النِّساء لِفَاطمِة الزهْراءعليها‌السلام

لا نعلم - بالضبط - السبب الحقيقي والدافع الأصلي الذي دعا بنساء المهاجرين والأنصار لعيادة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فهل كان هذا بإيعاز من رجالهن؟ فما الذي دعا أولئك الرجال لإرسال نسائهم إلى دار السيدة فاطمة؟

أو هل حصل الوعي عند النساء وشعرن بالتقصير بل الخذلان لبنت رسول الله، فانتشر هذا الشعور بين النساء فأنتج ذلك حضورهن للعيادة، للمجاملة أو إرضاء لضمائرهن المتألّمة لما حدث وجرى على سيدة النساء؟

أو كانت هناك أسباب سياسية فرضت عليهنّ ذلك؛ فحضرن لتلطيف الجوّ وتخفيف توتّر العلاقات بين السيدة فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين السلطة الحاكمة في ذلك اليوم؟

خاصة وأنّ الموقف الاعتزالي الذي اختارته السيدة فاطمة لنفسها، وانسحابها عن ذلك المجتمع لم يكن خالياً عن التأثير، بل كان جالباً لانتباه الناس، وبالأخص حين حمل الإمام أمير المؤمنين السيدة فاطمة يطوف بها على بيوت المهاجرين والأنصار، تستنجد بهم وتستنهضهم فلم تجد منهم الإسعاف بل وجدت منهم التخاذل، وقد مرّت عليك نتيجة الحوار الذي جرى بين السيدة فاطمة الزهراء وبين معاذ بن جبل، وعرفت موقف ابنه من ذلك الردّ السيئ.

وعلى كل تقدير فلا يعلم - أيضاً - عدد النساء اللاتي حضرن عند السيدة فاطمة الزهراء وهي طريحة الفراش، ولكنّ المستفاد أنّ العدد لم يكن قليلاً

٤٤١

بل كان العدد كثيراً يعبأ به.

فانتهزت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام الفرصة، واستغلّت اجتماع النساء عندها لأن تضع النقاط على الحروف، وتكتب في سجلّ التاريخ الأعمال البشعة التي قام بها بعض المسلمين تجاه عترة نبيّهم وذرّيّته الطاهرة.

والنساء يشكلّن نصف المجتمع أو أكثر من النصف، وكل امرأة مرتبطة برجلٍ من زوج أو أب أو أخ أو ابن، فهي بإمكانها أن تقوم بدورٍ فعّال في المجتمع وخاصة في حقل الدعاية والإعلام والنشر.

فلماذا تسكت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في هذا الاجتماع؟ ولماذا لا تذكر استياءها من أولئك المتطرّفين؟

(قلن لها: كيف أصبحتِ من علتّكِ يا ابنة رسول الله؟) هكذا جرت العادة والآداب أنّ العائد يسأل المريض عن صحّته وعلّته، فيجيبه المريض عمّا يشعر به من المرض والألم، ولكنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام لم تجبهن عن مرضها وتدهور صحّتها، بل أجابتهن عن آلامها النفسية، ومصائبها الشخصية، فالتحدّث عن هذه الأمور أولى وأوجب من التحدّث عن أحوالها الصحيّة لأنّ تلك المصائب هي التي جرَّت العلّة والمرض إلى السيدة فاطمة وسلبتها العافية والصحّة، فالتحدّث عن السبب أولى من التحدّث عن المسبّب، والإخبار عن العلّة أفضل من الإخبار عن المعلول.

وهنا أجابت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام على أسئلة النسوة كما تقتضي الحال.

لا تتعجّب إن كانت السيدة فاطمة ما نسيت أُصول الفصاحة والبلاغة والأدب الرفيع والمستوى الأعلى بسبب انحراف صحّتها بل قالت:

٤٤٢

فاطِمةُ الزهْرَاءُ تَضَعُ النقَاطَ عَلَى الحرُوف

(أصبحتُ - والله - عائفة لدنياكن) نعم، إنّها تبدي تنفّرها عن الحياة الدنيا، وكراهتها لذلك المجتمع الذي لا يؤمن بالقيم.

(قالية لرجالكن) ويحقّ لها أن تبدي اشمئزازها وغضبها على رجال المدينة، الذين كان موقفهم تجاه السيدة فاطمة الزهراء موقفاً غير طيّب، فلقد مرَّ عليك أنّهم أبدوا انزعاجهم من بكاء السيدة فاطمة الزهراء على فقد أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يتجاوبوا معها في إسعافها والوقوف معها.

(لفظتهم بعد أن عجمتهم) أي رميتهم من فمي بعد أن عضضتهم، كما يرمي أحدنا اللقمة من فمه ويشمئز منها.

(وشنئتهم بعد أن سبرتهم) أي أبغضتهم ومللتهم بعد أن اختبرتهم، وكرهتهم بقلبي بسبب سوء تصرّفاتهم.

(فقبحاً لفلول الحد) شبّهت السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام رجال أهل المدينة بالسيف الذي انثلم حدّه فلا يقطع، إشارة إلى قعودهم عن نصرتها، وخذلانهم إيّاها، فكأنّهاعليها‌السلام تستقبح فيهم سكوتهم عمّا جرى على بنت نبيّهم من الظلم والاضطهاد.

(واللعب بعد الجد) والمقصود: عدم المبالاة بالحق بعد اهتمامهم بذلك، فإنّهم كانوا جادّين في نصرة الإسلام، ولكن الآن صاروا وكأنّهم يلعبون ألعاباً سياسية.

٤٤٣

(وقرع الصفاة) والمراد: التذلل والانقياد لكل مَن قادهم:

(وصدع القناة) وفي نسخة: (خور القناة) إشارة إلى استرخاء الرمح بسبب انشقاقه، وينبغي أن يكون الرمح صلباً حتى يمكن الطعن به، وإذا كان الرمح رخواً لا يمكن أن يُطعن به.

(وخطل الآراء) وفي نسخة: (أفول الرأي) وفي نسخة أخرى: (خطل القول) وعلى كل تقدير فهو إشارة إلى انحراف آرائهم وفسادها، وشذوذ مواقفهم السلبية، والإيجابية.

أما مواقفهم السلبية فهي تجاه أهل بيت نبيهمعليهم‌السلام وعدولهم عن أهل البيت إلى غيرهم، وأما الإيجابية فاعترافهم بالسلطة المناوئة لآل الرسول.

(وزلل الأهواء) ما أقبح تلك الرغبات المنحرفة التي لعبت بمقدرات المسلمين على مرّ التاريخ وعلى مرّ القرون، وتلك العثرات المنبعثة عن اتباع الأهواء الضالة المضلة، ومن مشتهيات الأنفس.

( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) هذه الآية من سورة المائدة آية (٨٠) وقبلها:( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً منْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) .

إنّهاعليها‌السلام أدمجت هذه الآية في حديثها للمناسبة بين الموردين، ويظهر وجه المناسبة بالمقارنة بين الآيات وبين موقف أولئك المتخاذلين.

(لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها) إنّهاعليها‌السلام تلقي المسؤولية -

٤٤٤

مسؤولية الأجيال كلّها على أعناق أولئك الأفراد، إذ إنّها لما حضرت في المسجد وخطبت، وأتمّت الحجّة على الحاضرين واستنجدت بالمهاجرين والأنصار فثبت التكليف الشرعي في حقّهم، وحيث إنّهم لم ينصروها فهم مسؤولون عن مضاعفات ذلك الخذلان أمام الله وأمام التاريخ.

(وحمَّلتهم أوقتها) أي حمّلتهم ثقل المسؤولية وشومها.

(وشننت عليهم عارها) شننت الماء على التراب: أرسلته وصببته بصورة متفرّقة، وفي نسخة: (سننت) أي صببت بصورة متصلة غير متفرّقة، وعلى كل تقدير فالمعنى، أنّ عليهم سبّة التاريخ وعاره للأبد بسبب ذلك الجفاء الذي أبدوه تجاه أهل البيت.

(فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين) وفي نسخة أخرى: (فجدعاً وعقراً وبُعداً) هذه كلمات دعاء عليهم بسبب ظلمهم لآل الرسول؛ والظلم: وضع الشيء في غير ما وضُع له، والظلم على درجات ومراتب، فهناك الظلم بالنملة، وهناك الظلم بالأُمّة الإسلامية عبر التاريخ، والظلم بأولياء الله الذين يرضى الله لرضاهم، ويغضب لغضبهم.

ويستحق الظالمون أن يُدعى عليهم بالجدع والعقر والبُعد، فيقال: جدعهم الله جدعاً وعقرهم الله عقراً، ومعناهما: قطع الله أيديهم وآذانهم وشفاههم وجرح الله أبدانهم.

(ويحهم) ويح: كلمة تستعمل في مقام التعجّب، وقد يكون معناها الويل.

(أنَّى زحزحوها عن رواسي الرسالة؟) وفي نسخة: (زعزعوها) تتعجّبعليها‌السلام من سوء اختيارهم، أي كيف نحّوا خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مواضعها الثابتة التي هي بمنزلة الجبال

٤٤٥

لحركة الأرض وسيرها بصورة منظمة وحفظها من الاضطراب؟!

(وقواعد النبوّة) القواعد: جمع قاعدة وهي - هنا - الأساس للبناء، فكما أنّ البناء إذا بُني على غير أساس ينهدم فكذلك الخلافة، إذا وُضعت في غير موضعها اللائق بها تنهار معنوياً، ويختل نظامها، وتضطرب أركانها.

(ومهبط الروح الأمين) كان جبرئيل يهبط في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيوت أهل بيته، وبيت فاطمة مهبط الروح الأمين.

(والطبين بأمر الدنيا والدين) الفطن الحاذق بأمور الدنيا المتعلّقة بالحياة، وكذلك القضايا المتعلّقة بالدين في جميع المجالات وشتّى الأحكام، وتقصد بذلك أهل بيت الرسولعليهم‌السلام وتخصّ زوجها الحكيم العظيم الإِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(ألا: ذلك هو الخسران المبين) أي والله، خسران واضح خسرته الأُمّة الإِسلامية في جميع مجالات حياتها من الحياة الفردية والزوجية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والصحيّة والسياسية والعمرانية والدينية والدنيوية والأُخروية.

كل ذلك حين سلبت الأمّةُ السلطةَ والقدرةَ من أهل بيت الرسول، وتصرّف في القيادة الإِسلامية أفراد كانوا هم والإِسلام على طرفي نقيض، إذ كان الإِسلام شيئاً آخر.

فكانت إراقة الدماء البريئة أسهل وأهون عندهم من إراقة الماء.

والتلاعب بالأحكام الإِلهيّة والقوانين الإِسلامية كالتلاعب بالكرة وغيرها من الألاعيب.

إنّ المآسي التي شملت الأُمّة الإِسلامية - عبر التاريخ - ممّا تقشعرّ منها

٤٤٦

الجلود، وتضطرب منها القلوب، كل ذلك من جرّاء القيادة غير الرشيدة التي تسلّمها أفراد من هذه الأُمّة.

وليس في هذا الكتاب مجال لاستعراض تلك المجازر الجماعية، والمذابح المؤلمة التي قام بها بعض حكّام المسلمين على مرّ التاريخ الإِسلامي.

فقد ستروا الكرة الأرضية بقشرة من المقابر التي ضمّت الآلاف المؤلّفة من النفوس البريئة، التي كانت ضحايا لأَهواءِ أفراد، وفداءً لكراسيّهم ومناصبهم وملذّاتهم، وأمّا الكبت والاضطهاد والحرمان والجوع والبؤس الذي ساد العباد والبلاد فحدّث ولا حرج.

نعم، هذا هو الخسران المبين، ولا يزال الحبل ممدوداً حتى اليوم وبعد اليوم.

(وما الذي نقموا من أبي الحسن؟) أي: أيّ شيء عابوه من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى نحوّه عن السلطة، وقدّموا غيره عليه؟

أنقصاً في العلم؟

أو جهلاً في الفتيا؟

أو سوءاً في الخلق؟

أو عاراً في الحسب؟

أو ضعفاً في الدين؟

أو عدم كفاءة في الأمور؟

أو جبناً في النفس؟

أو خِسّةً في النسب؟

أو قلّة في الشرف؟

أو بخلاً بالمال؟

أو أي عيب في مؤهّلاته وكفاءاته؟

٤٤٧

كل ذلك لم يكن، بل كان عليعليه‌السلام : أعلم هذه الأمّة جمعاء، وهو باب مدينة علم الرسول، وأقضاهم في الفتوى.

وأشبه الناس خلقاً بالرسول الذي كان على خُلُق عظيم.

وابن شيخ الأَباطح: أبي طالب، مؤمن قريش.

وأعبد الناس في هذه الأمّة.

وأشجعهم نفساً، وأقواهم قلباً، وأكثرهم جهاداً.

وكتلة من الفضائل.

وفي أوج الشرف والعظمة.

وأسخاهم كفّاً، وأبذلهم للمال.

إذن فما هو السبب في صرف الخلافة عنه إلى غيره؟

إنّ السيدة فاطمةعليها‌السلام تجيب على هذا السؤال، وتقول:

(نقموا منه - والله - نكير سيفه) أي عابوا شدّة سيفه، والمقصود: أنّ عليّاً كان قد قتل في الحروب والغزوات رجالات هؤلاء وأسلافهم، وحطّم شخصيّاتهم، فكانوا يكرهونه بسبب سيفه الخاطف للأرواح.

(وقلة مبالاته بحتفه) أي عدم اهتمامه واكتراثه بالموت، فالمجاهد الذي ينزل إلى جبهة القتال ينبغي أن يكون قليل المبالاة بالموت، فكما أنّه يَقتل كذلك يُقتل، وكان عليعليه‌السلام يقول: والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقَع على الموت أو وقع الموت عليه.

(وشدِّة وطأتهُ ونكال وقعته) يقال: فلان شديد الوطأة أي شديد الأخذ وشديد القبض، والمقصود قوّة العضلات ومعرفة القتال، ونكال الوقعة أي كان يصنع صنيعاً يحذّر غيره ويجعله عبرة له، أي كانت ضربته وصدمته للأعداء نكالاً أي يورث الحذر والعبرة للآخرين.

(وتنمّره في ذات الله عزّ وجل) النمر شديد الغضب، إذا غضب

٤٤٨

لنفسه لم يبال: قلّ الناس أم كثروا، ولا يردّه شيء، ولا يحول دون هدفه حائل ولا يمنعه مانع، والرجل الشجاع الذي يجاهد بلا مبالاة ولا خوف، بل بكل غضب وشجاعة يقال في حقّه: تنمّر، أي صار شبيهاً بالنمر في الاقتحام.

لقد تلخّص من كلامهاعليها‌السلام أنّ سبب انحراف الناس عن عليعليه‌السلام كان لأغراض شخصية، وأمراض نفسية متأصّلة في قلوبهم.

فلقد قتل عليعليه‌السلام يوم بدر وأُحد وحنين والخندق وغيرها عدداً كبيراً لا يُستهان به من أقطاب الشرك، ورجالات الكفر، وشخصيّات الجاهلية، أمثال: عتبة وشيبة والوليد وعمرو بن عبد ودّ وعقبة بن الوليد وغيرهم، وأكثر قبائل العرب كانت موتورة بسيف عليعليه‌السلام .

وحتى، وبعد أن أسلمت تلك القبائل كانت رواسب الحقد والعداء كامنة في نفوسهم.

والنجاح الكبير الذي أحرزه عليعليه‌السلام في جميع المجالات من الطبيعي أن يهيّج الحسد في القلوب، والتقدّم الباهر الذي كان من نصيب عليعليه‌السلام في شتّى الميادين كان في قمّة فضائله.

فالآيات القرآنية التي نزلت في حقّه.

والأحاديث النبوية التي شملته دون غيره.

والموفّقيّة التي حازها عليعليه‌السلام وحده.

وخصائصه التي امتاز بها عن غيره من العالمين.

كان لها أسوأ الأثر في النفوس المريضة.

وكانت تلك الرواسب والآثار كامنة في الصدور، كأنّها نار تحت رماد حتى توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلا الجو،

٤٤٩

وارتفع المانع فعند ذلك زال الرماد، وظهرت النار، وجعلت تلتهب وتشتعل.

بالله عليك انظر:

لقد مرّ عليك أنّ جماعة من الصحابة خطبوا السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام من أبيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفضهم النبي، وحينما خطبها علي من الرسول وإذا به يجد الترحيب والتجاوب على أحسن ما يمكن.

أليس هذا ممّا يهيج الحسد في النفوس؟

ويأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر أن يذهب إلى مكّة بسورة البراءة ليقرأها على أهل مكّة، ويخرج أبو بكر بالسورة متوجّهاً نحو مكّة، فينزل جبرئيل على الرسول قائلاً: إنّ ربّك يأمرك أن تبلّغ هذه السورة بنفسك، أو يُبلّغها رجل منك. فيأمر النبي عليّاً أن يتوجّه نحو مكّة، ويتولّى قراءة السورة على أهل مكّة، ويأمر أبا بكر بالرجوع.

أليس هذا الأمر يهيج الحسد في القلوب؟

وهكذا وهلمّ جرّاً، سِر مع عليعليه‌السلام عبر تاريخ حياته تجده المقدَّم على غيره في كافّة المجالات، ويمطره جبرئيل بآيات من الذكر الحكيم تقديراً لبطولاته، وتنويهاً لإنجازاته، وتقبّلاً لصدقاته، ومدحاً لخدماته.

والمسلمون يقرأون تلك الآيات آناء الليل وأطراف النهار راضين أو مرغمين.

ومن العجيب: أنّ علياً كان يخوض غمار الحروب بأمر الرسول، ولأجل التحفّظ على حياة الرسول، الرسول الذي كان الإسلام متمثّلاً ومتجسّداً فيه وقائماً به، فكيف كان الناس يكرهون عليّاً وهو الجندي ولا يكرهون الرسول وهو القائد للجيش؟‍‍‍‍‍!

٤٥٠

في البحار عن أبي زيد النحوي قال: سألت الخليل بن أحمد العروضي فقلت: لِمَ هجر الناس عليّاًعليه‌السلام وقُرباه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه، وعناؤه في الإسلام عناؤه؟؟

فقال: بَهَر - والله - نورُه أنوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى أشكالهم أميَل، أما سمعت الأول يقول:

وكل شكلٍ لشكله ألفُ

أما ترى الفيل يألف الفيلا

وأنشدنا الرياشي عن العباس بن الأحنف:

وقائلٍ كيف تهاجرتما؟

فقلت قولاً فيه إنصافُ:

لم يك من شكلي فهاجرته

والناس أشكال وأُلاّفُ

وقال ابن عمر لعليعليه‌السلام : كيف تحبّك قريش وقد قتلت في يوم بدر وأُحد من ساداتهم سبعين سيّداً، تشرب أنوفهم الماء قبل شفاههم؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ما تركت بدر لنا مذيقا

ولا لنا من خلقنا طريقا

ومن الواضح أنّ الأمور ليست عيوباً ونقائص حتى يكره الناس عليّاً بسببها ومعنى كلام الزهراءعليها‌السلام : (نقموا منه - والله - نكير سيفه) من باب قول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير أنَّ سيوفهم

بهنَّ فلول من قراع الكتائبِ

والمقصود: أنّهم عابوا عليّاً على فضائله ومناقبه، وعلى إنجازاته وخدماته وعلى شجاعته وتضحياته، وجهاده وبطولاته، وليست هذه عيوباً حتى يُعاب علي عليها.

هذا ومن المؤسف أنّ الموضوع يناسب الشرح والتفصيل أكثر من

٤٥١

هذا، ولكن رعاية لأسلوب الكتاب نُرجئ البحث إلى فرصة أُخرى أو كتاب آخر.

(والله لو تكافوّا عن ذمام نبذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه لاعتلقه)

شبّهت السيدة فاطمةعليها‌السلام المجتمع الإِسلامي أو الأمّة الإسلامية بالقافلة، وشبّهت الخلافة والقيادة الإِسلامية بالزمام وهو المقود، أي الحبل الذي يقاد به البعير، وشبّهت عليّاًعليه‌السلام بالدليل الذي يتقدّم القافلة، ويأخذ بزمام البعير ليقود المسيرة.

ولم تنس السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام أن تقول: (نبذه رسول الله إليه) أي إنّ القيادة الإِسلامية إنّما صارت لعليعليه‌السلام بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قام في الناس رافعاً صوته: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه).

وبعد هذا تقسم بالله قائلة: (والله) فالمسألة مهمّة وعظيمة جدّاً جدّاً وتستحق أن يقسم الإِنسان بالله لأجلها.

(لو تكافّوا) أي كفّوا أيديهم، أي منع بعضهم بعضاً، بحيث لو أراد أحدهم تناوله منعه الآخرون (لاعتلقه) أي اعتلق عليعليه‌السلام الزمام، أي قام بالواجب كما ينبغي وقاد المسيرة على أحسن ما يتصوّر، وأفضل ما يرام.

ثم وصفتعليها‌السلام نتائج تلك القيادة الرشيدة لو كان يفسح لها المجال، وذكرت الفوائد والمنافع والخيرات والبركات التي كانت تعمّ الأمّة الإِسلامية على مرّ القرون والأجيال فقالت:

(ثم لسارَ بِهم سيراً سجحاً) أي سار القائد بالمسيرة سيراً ليّناً سهلاً، بكل هدوء وطمأنينة، فإنّ البعير إذا سار بالراكب سيراً عنيفاً فلا بدَّ وأنّ

٤٥٢

الراكب يتأذّى من الحركة العنيفة، وتتحطّم أعصابه لما في ذلك من الإزعاج والقلق.

ثم البعير نفسه يتألّم حينما يجاذبه الراكب الحبل الذي قد دخل في ثقب أنفه وربّما يجرح أنفه أيضاً، فيتأذّى الراكب والمركوب، ولكنّ السيدة فاطمة تقول:

(لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه) وفي نسخة: (ولا يكلّ سائره ولا يملّ راكبه) أي الحبل أو الخشب الذي جعل في أنف البعير ويقال له (الخشاش) لا يجرح أنف البعير، ولا ينزعج راكب البعير، والمقصود: سلامة الراكب عن كل مشقّة حال السير.

(ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً) وفي نسخة: (منهلاً رويّاً) إنّ الدليل الذي يتقدّم القافلة لا بد وأن ينزل بهم منزلاً حسناً، ومكاناً لائقاً للراحة، على شاطئ نهرٍ أو عين ماء، ليأخذوا حاجتهم من الماء، ويسقوا دوابهم وغير ذلك.

تقول السيدة فاطمةعليها‌السلام : كان عليعليه‌السلام يقود المسيرة إلى منهل نمير، والمنهل: المورد أي محل ورود الإِبل، والنمير: العذب، النابع من عين لا ينقطع ماؤها، والفضفاض: الواسع.

(تطفح ضفّتاه، ولا يترنّق جانباه) النهر إذا كان ممتلئاً يفيض جانباه وإذا كان عذباً لا يتكدّر جانباه بالطين كما هو المشاهد من تكدّر الماء بالطين على جوانب النهر، بل وحتى البحر.

فالكثرة والسعة في المجرى والعذوبة والنظافة وعدم التلوّث بالطين وغيره من صفات ذلك الماء.

وكلّها إشارات وكنايات إلى الحياة السعيدة التي كان الناس يعيشونها لو كان الأمر بيد الإِمام أمير المؤمنين، فالخيرات كانت تشمل أهل الأرض،

٤٥٣

والعدل يسود المجتمع، والسلامة كانت تعمّ الجميع، والرفاهية والاستقرار والطمأنينة والأمان والحرية - بمعناها المعقول - والسعادة في الدنيا، والنعيم في الآخرة كان من نصيب الجميع.

(ولأصدرهم بطاناً) وكانت نتيجة ذلك الورود هو الصدور من المنهل، والخروج من ذلك المورد بالشبع والارتواء، فلا جوع ولا حرمان، ولا فقر ولا مسكنة.

(ونصح لهم سرّاً وإعلاناً) النصح: حُب الخير، وعدم الغش، والمعنى: أنّ عليّاً كان يسعى في إسعادهم وجلب الخير لهم بصورة سرّية وعلنيّة، أي ما كان يطلب من وراء تلك القيادة إلاَّ الخير للناس لا لنفسه.

(ولم يكن يحلَّى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ريّ الناهل وشبعة الكافل) وهنا تذكر السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام موقف زوجها من تلك القيادة والزعامة العامّة.

وقبل كل شيء: ينبغي أن لا ننسى أنّ في العالم أفراداً يحبّون القيادة والرئاسة لأنفسهم، أي يحبّون أن يحكموا على الناس، ويتصرّفوا كما يشاءون وكما يريدون، ويحبّون الرئاسة؛ لأنّها وسيلة تحقيق أهدافهم وأُمنياتهم الشخصية فهم يتنعّمون من وراء تلك الرئاسة بشتّى أنواع النعم، ويختارون لأنفسهم أفضل حياة.

وهناك أفراد - وقليل ما هم - يحبّون الرئاسة والقيادة ليخدموا الناس، ويصلحوا المجتمع، ويجلبوا الخير والسعادة للشعوب، ليعيش الناس آمنين مطمئنين، ولتكون لهم حياة مشفوعة بالراحة والخير والنعيم.

إنّ هذه الطائفة من أولياء الله لا يشعرون بالنقص في أنفسهم كي يكمّلوا أو يستروا ذلك النقص بالفخفخة والجبروت، بل إنّهم يشعرون بالكمال في أنفسهم، فهم في غنى عن الناس، والناس بحاجة إليهم، إن

٤٥٤

هؤلاء لو حكموا لنفعوا الناس وأصلحوهم، وأمنّوا حياتهم من جميع نواحيها.

وفي الوقت نفسه لا يستفيدون ولا ينتفعون من حطام الدنيا، ولا تطيب نفوسهم أن يتنعّموا بأموال الفقراء، ويبنوا قصورهم على عظام الضعفاء، إنّهم يحملون نفوساً أبيّة وأنوفاً حميّة، وأرواحاً طيّبة تستنكف التنازل إلى هذا المستوى السافل.

بعد هذا يتضح لنا كلام السيدة فاطمةعليها‌السلام حول موقف زوجها تجاه القيادة لو كان يفسح له المجال، ولا يغلق عليه الطريق.

تقول: (ولم لم يكن يحلّى من الغنى بطائل) أي لو كان علي جالساً على منصّة الحكم ما كان يستفيد من أموال الناس لنفسه فائدة كثيرة، وما كان يصيب من بيوت الأموال لنفسه فائدة كثيرة، وما كان يصيب من أموال الناس وكنوز الثروة خيراً.

(ولا يحظى من الدنيا بنائل) ما كان ينال من ثروات الدنيا بالعطاء سوى مقدار إرواء نفسه من العطش، وإشباع عائلته من الجوع.

احفظ هذه الجملة وانظر إلى حياة الحكّام والسلاطين في العالم، تجدهم يسكنون أفخم المساكن، ويلبسون أفخر الملابس، ويأكلون ألذَّ المآكل، ويركبون أحسن المراكب، ويؤثثون بيوتهم بأغلى الأثاث، ويعيشون أفضل المعيشة.

ولا تسأل عن الذخائر التي يدّخرونها ليوم ما؟!

كل ذلك من بيت المال، وكل ذلك من أموال الدولة وأموال الشعب!!

نعم، إنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هكذا تعرّف زوجها، والتاريخ الصحيح يصدّق كلامها والواقع يؤيّد ادعائها.

فلقد حكم الإِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام أربع

٤٥٥

سنوات وشهوراً، فكانت حياته هكذا مائة بالمائة،

فلقد كتبعليه‌السلام إلى عثمان بن حنيف كتاباً يقول فيه: (ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بِقُرصيه... فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من أرضكم شبراً؛ بلى، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلّتها الخضراء، فشحّت عليها نفوس قوم وسختْ عنها نفوس قوم آخرين...) إلى آخر كلامهعليه‌السلام .

وهنا سؤال لابد من الإجابة عليه وهو: إذا كان الإمام عليعليه‌السلام بهذه الأوصاف التي ذكرتها الزهراءعليها‌السلام ووصفته بها... فلماذا - حينما حكم على الناس، وتسلّم القيادة وجلس على منصّة الخلافة - حدثت الاضطرابات الداخلية، والحروب الأهلية الدامية، والمشاكل والمصائب والمذابح التي شملت الأُمّة الإِسلامية في عهده؟؟

نجيب على هذا بما يلي:

لا شك أنّ المجتمع الإسلامي في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مجتمعاً صالحاً من جميع النواحي، ولكن الذين حكموا المجتمع بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال ربع قرن قد غيّروا وبدّلوا وتصرّفوا تصرّفات غير مُرْضية.

ولو ألقيت نظرة إمعان على تاريخ الحكّام الذين تسلّموا السلطة بعد الرسول مباشرة خلال خمسة وعشرين عاماً؛ لرأيت كمّيّة وافرة من الأوامر والفتاوى والأحكام المضادّة للشريعة الإِسلامية من الكتاب والسنّة، من تغيير الوضوء والأذان وكيفيّة الصلاة وعدد ركعاتها إلى الحج إلى الجهاد إلى النكاح وإلى الطلاق وهكذا وهلَّم جرَّا.

ولو أردنا أن نذكر الشواهد والأمثلة لهذه المواضيع لطال بنا الكلام،

٤٥٦

ولكنّنا نكتفي - هنا - بمثال واحد كنموذج. ولك أن تقتبس من هذا المثال بقيّة الأمثلة:

مجزرة خالد بن الوليد

خرج خالد بن الوليد بجيشه إلى بعض قبائل المسلمين. وكان في تلك القبيلة رجل من المسلمين اسمه: مالك بن نويرة، قد أسلم على يد النبي وشهد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنّة وشهد عمر بن الخطاب بإسلامه فقتله خالد بن الوليد بغير ذنب سوى ذنب واحد، وهو أنّ زوجته كانت من أجمل نساء قومها وقد رآها خالد بن الوليد وطمع فيها، ولم يجد طريقة للاستيلاء عليها سوى قتل زوجها المسكين فقتله خالد، وفي نفس الليلة زنى بزوجته.

وحينما رجع خالد إلى المدينة لم يجد أيّ عقاب أو عتاب من رئيس الدولة يومذاك هذا هو المتفق عليه بين المؤرخين بلا استثناء، مع العلم أنّ الإِسلام لم يسمح بنكاح المعتدّة ما دامت في العدّة، والرجل لم يتزوج بها.

هذه المأساة التي تجدها في أكثر التواريخ، أتعلم كم تشتمل هذه الفاجعة من إهدار الدماء البريئة وهتك الأعراض، وارتكاب الجرائم، والتلاعب بكرامات الناس ومقدّراتهم؟

وكم تتبدّل نظرة الناس إلى الدين وإلى الدولة الإِسلامية؟

وقد مرَّ عليك موقف هؤلاء اتجاه بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحيدة العزيزة واتجاه زوجها العظيم، وولديها الحسن والحسينعليهم‌السلام ؟

٤٥٧

القيادة الإسلامية المفكَّكة

إنّ الإسلام والقيادة الإسلامية وصلت إلى يد عليعليه‌السلام وهي مفكّكة العرى محطّمة الجوانب، مشوّهة السمعة.

ولمّا أراد الإِمام علي أن يصلح تلك المفاسد، وأن يعيد الإِسلام إلى طريقه السوي ويلبسه حلّة القداسة والجمال، وإذا به يجد أصحاب المطامع يقومون ضدّه، ويشهرون سيوفهم في وجهه، فتكوّنت الحروب الداخلية وقامت المجازر على قدمٍ وساق.

واعلم أنّ الذين أقاموا الحروب الداخلية ووضعوا نواتها الأساسية هم أربعة فقط: طلحة والزبير وعائشة ومعاوية.

وكان الزبير وطلحة يهدفان الوصول إلى الحكم من خلال إثارة الاضطرابات في حكومة خليفة رسول الله، وقد اتخذا عائشة ذريعة لذلك.

أمّا معاوية، فكان يهدف المحافظة على كرسيّه في الشام، كما صرّح هو بذلك فيما بعد.

وقد ذكرنا الشيء اليسير من تلك المآسي في الجزء الأوّل والثاني والثالث من شرح نهج البلاغة.

وأنت إذا راجعت وقارنت فسوف تنكشف لك أمور، وتتضح لك أسرار.

نحن لا زلنا في شرح الخطبة:

(ولبان لهم الزاهد من الراغب) إنّ السيدة فاطمةعليها‌السلام لا تزال توالي حديثها عن زوجها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإنّه لو كان يستلم القيادة كان يقنع من الدنيا بالشيء اليسير اليسير، وذلك بمقدار

٤٥٨

إرواء عطشه وإشباع عائلته، وعند ذلك كان يظهر للناس الزاهد الحقيقي الذي لا يطمع في أموال الناس، كما يظهر الراغب الطامع الذي كان يخضم مال الله خضم الإِبل نبتة الربيع وأمثاله.

(والصادق من الكاذب) وظهر لهم الصادق الذي يصدق في أقواله وأفعاله من الكاذب الذي يكذب في ادعاءاته وتصرّفاته، وتكذّب أفعاله أقواله وشعاراته.

ثم إنّهاعليها‌السلام ختمت هذه المقطوعة من حديثها بالآية الكريمة، وطبّقتها على هذه الأمّة، فقالت:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ منَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (١) .

ما أنسب هذه الآية بهذا المقام وما أجمل هذا التشبيه في هذا الكلام؟

وتقصد السيدة فاطمة أنّ الناس لو كانوا يقبلون كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في تعيين علي بالخلافة وكانوا ينقادون له لكانت الدنيا لهم روحاً وريحاناً وجنّة نعيم، ولكنّهم خالفوه واختاروا غيره، وبعملهم هذا كذَّبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تكذيباً عملياً، فسوف يشاهدون الويلات تنصبُّ عليهم.

وأردفت هذه الآية بمثلها، فقالت:( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ) (٢) .

وسيأتيك القول بالتفصيل عن الويلات والمآسي التي انصبَّت على الأُمّة الإِسلامية من جرّاء تلك القيادة الشاذّة ومضاعفاتها.

(ألا: هلمّ واستمع) وفي نسخة: (هلممن واستمعن) فعلى النسخة

____________________

(١) الأعراف: ٩٦.

(٢) الزمر: ٥١.

٤٥٩

الأُولى يكون الخطاب عاماً للجميع، وعلى النسخة الثانية يكون الخطاب خاصاً بالنساء اللاتي حضرن عيادتها.

(وما عشت أراك الدهر عجباً) أي كلما عشتَ أو مدة عيشك في الدنيا رأيت العجائب التي لا بالبال ولا بالخاطر.

(وإن تعجب فعجب قولهم) هذه الجملة من آية في سورة الرعد وهي: (وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا تراباً أإنا لفي خلق جديد) اقتبست السيدة فاطمةعليها‌السلام هذه الجملة من الآية وأدمجتها في حديثها، والمقصود أن الناس يتعجبون من بعض الأمور وليست بعجيبة، ولا تستحق التعجب، وهناك أمور وقضايا عجيبة ينبغي أن يتعجب منها، لأنها أمور لا تنسجم مع الشرع ولا مع العقل ولا الوجدان ولا الضمير، ولا تدخل تحت أي مقياس من المقاييس الصحيحة.

والأمر العجيب هو ما يلي:

(ليت شعري إلى أي سناد استندوا؟

وعلى أيّ عماد اعتمدوا؟

وبأيّة عروة تمسّكوا؟

وعلى أيّة ذريّة أقدموا واحتنكوا؟)

إنّ الناس كانوا يستندون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينقادون له، ويعتمدون على أقواله، ويطيعون أوامره؛ لأنّه مرسل من عند الله، ومتصل بالعالم الأعلى، قد توفّرت فيه الأهلية بجميع معنى الكلمة، فلا عجب في ذلك إذا خضع له الناس، وقدَّموه على كل شيء، ولكنّ العجب كل العجب أنّ بعض الناس بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تنازلوا إلى مستوى نازل جدّاً فسلّموا القيادة إلى أفراد لا توجد فيهم المؤهّلات.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568