فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد10%

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 568

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 568 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 248082 / تحميل: 11091
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وظهر، قالت خديجة: وا خيبة مَن كذَّب محمداً وهو خير رسول ربّي.

فنادت فاطمة - من بطنها -: يا أُمّاه لا تحزني ولا ترهبي، فإنّ الله مع أبي.

فلمّا تمّ حملها وانقضى، وضعت فاطمة فأشرق بنور وجهها الفضاء.

وقد مرّ عليك في (المقدمة) الحديث المروي عن السيدة خديجة حول تكلُّم السيدة فاطمة الزهراء وهي في بطن أُمّها.

٤١

فاطمة الزهراءعليها‌السلام تطلُّ على الحياة

من العجب: الاختلاف الواضح في تاريخ ولادتها، وأنّها هل كانت قبل المبعث أو بعده؟ فإنّك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث تصرِّح بولادتها بعد المبعث بخمس سنين أو ثلاث سنين، وتجد عدداً من الأقوال التي تلحّ وتركّز على ميلادها قبل المبعث بخمس سنين، وتجد القول الأول للشيعة مرويّاً عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ويوافقهم بعض علماء العامّة.

والقول الثاني خاص بعلماء العامّة ومحدّثيهم، وإليك بعض تلك الأحاديث حول ميلادها بعد المبعث:

١ - الكافي (للكليني): وُلدت بعد النبوّة بخمس سنين وبعد الإسراء بثلاث سنين، وقُبض النبي ولفاطمة يومئذٍ - ثماني عشرة سنة!... الخ.

٢ - المناقب (لابن آشوب): وُلدت فاطمة بعد النبوّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكّة ثماني سنين ثم هاجرت... الخ.

٣ - في البحار عن الإمام الباقرعليه‌السلام : وُلدت فاطمة بنت محمد بعد مبعث رسول الله بخمس سنين، وتُوفّيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.

٤ - روضة الواعظين: وُلدت فاطمة بعد مبعث النبي بخمس سنين... الخ.

٤٢

٥ - إقبال الأعمال: قال الشيخ المفيد في كتاب (حدائق الرياض): يوم العشرين من جمادى الآخرة كان مولد السيدة فاطمة الزهراء سنة اثنتين من المبعث.

٦ - مصباح الكفعمي: وُلدت في العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث، وقيل سنة خمسٍ من المبعث.

٧ - المصباحين: في اليوم العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمةعليها‌السلام في بعض الروايات، وفي رواية أخرى: سنة خمس من المبعث، والعامّة تروي أنّ مولدها قبل المبعث بخمس سنين.

٨ - دلائل الإمامة عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي... إلخ(١).

هذه نبذة من أقوال أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وقدماء علماء الشيعة (رحمهم الله) حول ولادة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعد المبعث.

وأمّا أقوال علماء العامة:

١ - معرفة الصحابي لأبي نعيم: إنّ فاطمة كانت أصغر بنات رسول الله سنَّاً، وُلدت وقريش تبني الكعبة.

٢ - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: كان مولد فاطمة قبل النبوّة وقريش حينئذٍ تبني الكعبة.

٣ - ابن الأثير في (المختار من مناقب الأخيار).

____________________

(١) التقطنا هذه الأحاديث من بحار الأنوار ج ٤٣.

٤٣

٤ - الطبري في (ذخائر العقبى).

٥ - السيوطي في (الثغور الباسمة).

هذا ولعلّ الباحث يجد هذا القول في أكثر كتب العامّة حول مولد الزهراء.

وقد مرّت عليك طائفة من الأحاديث المروية عن كتب العامّة حول انعقاد نطفتها من طعام الجنّة.

بعد الإطلاع على هذه الأحاديث ولو بصورة موجزة يتضح لنا أنَّ ولادة السيدة الزهراء كانت قبل المبعث؛ إذ لم يكن قبل المبعث معراج ولا هبوط جبرئيل ولا ميكائيل على النبي بالوحي، وبهذا ينكشف لنا تزوير الأقوال المصرحة بولادتها قبل المبعث بخمس سنين وأنّ القائلين بذلك لهم غاية تدفعهم، وهدف يدعوهم إلى اختلاق هذا القول، وهو نسف الأحاديث الواردة عن نزول الطعام من السماء وانعقاد نطفة السيدة فاطمة من أطعمة الجنّة وثمارها.

وهدف آخر: وهو أنَّهم يحاولون أن يثبتوا أنّ فاطمة الزهراء كان مزهوداً فيها، ولا يرغب فيها أحد، ولهذا بلغت من العمر ثمانية عشر سنة (على زعمهم) ولم يخطبها أحد في خلال تلك الفترة.

وسيأتي مزيد من القول حول هذا الموضوع في المستقبل في فصل البحث عن زواجها.

وعلى كلٍّ فقد روى الطبري في (ذخائر العقبى) والصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) والقندوزي في (ينابيع المودّة) عن خديجةعليها‌السلام قالت: فلما قربت ولادتي أرسلت إلى القوابل من قريش فأبين عليَّ لأجل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فبينما أنا كذلك إذ دخل عليَّ أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور

٤٤

ما لا يوصف، فقالت إحداهنّ: أنا أُمكِ حوّاء. وقالت الأُخرى: أنا آسية. وقالت الأُخرى: أنا أُم كلثوم (كلثم) أُخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم، جئنا لنلي أمرك.

وقد وردت هذه الرواية بصورة أُخرى:

... فلما أرادت خديجة أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأْتينها فيلين منها ما تلي النساء ممّن تلد، فلم يفعلْن، وقلْن لا نأْتيك، قد صرتِ زوجة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت لها إحداهنّ: أنا أُمُّكِ حواء، وقالت الأُخرى: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأُخرى: أنا كلثم أُخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم بنت عمران (أُم عيسى). جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء. قال: فولدت فاطمة.

فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها.

وروي عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف كانت ولادة فاطمة؟

فقال: نعم... فلمّا حملت [ خديجة ] بفاطمة، كانت فاطمة تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة فقال لها: يا خديجة مَن تحدّثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة ويجعلهم خلفاءه في أرضه، بعد انقضاء وحيه.

٤٥

... ثمّ أشارعليه‌السلام إلى نزول النسوة الأربع على خديجة لمساعدتها على أمر الولادة...

ثم قالعليه‌السلام : فوضعت [ خديجة ] فاطمة مطهَّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض، أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة...

ودخل عشر من الحور العين، كلّ واحدة منهن معها طست من الجنّة وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين - أشدّ بياضاً من اللبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر - فلفّتها بواحدة وقّنعتها بالثانية.

ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: أشهد لا إله إلاّ الله، وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، وأنّ بعلي سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط.

ثمّ سلّمت [ فاطمة ] عليهنّ، وسمّت كل واحدة منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة.

وحَدَث في السماء نور زاهر، لم تره الملائكة قبل ذلك.

وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة، بُورك فيها وفي نسلها.

فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرَّ عليها (١) .

وروى ابن عساكر في التاريخ الكبير: وكانت خديجة إذا ولدت ولداً، دفعته لمـَن يرضعه، فلمّا ولدت فاطمة لم ترضعها أحد غيرها.

ورواه ابن كثير في البداية والنهاية.

____________________

١ - بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٢.

٤٦

التّسمِيَة

تعتبر تسمية الطفل المولود أو التسمية (بصورة عامّة) من سنن الله تعالى الأولى وقد سمَّى الله تعالى آدم وحوَّاء يوم خلقهما، وعلَّم آدم الأسماء كلّها، وقد سار الناس على هذه السنّة أو السيرة. فالتسمية لا بدَّ منها عند البشر المتحضّر، ولعلّ البشر المتوحّش في الغابات بسبب ابتعادهم عن الحضارة لا يعرفون التسمية ولا يسمُّون.

وتختلف أسماء البشر على مرِّ الأجيال والعصور، وعلى اختلاف لغاتها فقد توجد هناك مناسبة بين الاسم والمسمَّى، وقد لا توجد، وقد يكون للإسلام معنى في قاموس اللغة وقد لا يكون له معنى، بل هو اسم مخترع لا من مادة لغوية.

أما أولياء الله فإنَّ التسمية تعتبر عندهم ذات أهمية كبرى، ولا يخلو الأمر عن الحقيقة، أنَّ الإنسان ينادى ويدعى باسمه، فكم هناك فرق بين الاسم الحسن الجيِّد، وبين القبيح السيئ؟

وكم هناك فرق بين تأثير نفس صاحب الاسم بهذا وذاك؟ وهكذا تأثّر السامع للاسم؟ فهذه امرأة عمران ولدت بنتاً فقالت:( وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ) .

واختار الله لنبيّه يحيىعليه‌السلام هذا الاسم قبل أن تنعقد نطفته في رحم أُمِّه؛ لأنَّ زكريا سأل ربّه قال:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) (١) .

____________________

(١) مريم: ٧.

٤٧

وأنت إذا أمعنت النظر في قوله تعالى:( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ) يتضح لك أنَّ تعيين أسماء أولياء الله يكون من عنده عزّ وجلّ، وأنَّ الله يتولّى تسميتهم ولم يكلها إلى الأبويْن.

إذا عرفت هذا فهلمَّ معي إلى طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم السيدة فاطمة الزهراء ووجه التسمية، وأنّها إنّما سُمّيت بفاطمة لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، ولا وليدة إعجاب واستحسان فقط، بل روعي فيها مناسبة الاسم مع المسمّى، بل صدق الاسم على المسمَّى، وبهذه الأحاديث يتضح ما نقول.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل:

١ - فاطمة

٢ - والصدِّيقة

٣ - والمباركة

٤ - والطاهرة

٥ - والزكية

٦ - والراضية

٧ - والمرضية

٨ - والمحدَّثة

٩ - والزهراء...(١) .

والآن... إليك شرحاً موجزاً لهذه الأسماء المقدَّسة:

____________________

(١) البحار: ج ٤٣ / ١٠.

٤٨

فاطمةعليها‌السلام

لقد وردت أحاديث متنوِّعة في سبب تسميتهاعليها‌السلام بفاطمة.

وقبل أن نذكر تلك الأحاديث نقول: إنّ اسم فاطمة مشتق من الفطم وهو بمعنى القطع، يقال: فطمتِ الأُم طفلها، وفطمتُ الحبل.

قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله تعالى) - ما معناه -:... كثيراً ما يجيء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول، كقولهم: سرٌّ كاتم، أي: مكتوم، ومكان عامر، أي: معمور، وكما قالوا في قوله تعالى:( فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ) أي: مرضيّة.

والآن إليك بعض تلك الأحاديث:

١ - لأنّها فَطمت شيعتها من النار.

رُوي عن الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ جبرئيل قال له:... سُمّيت فاطمة، في الأرض، [ لأنّها ] فطمت شيعتها من النار(١) .

٢ - لأنّ الله فطمها وشيعتها من النار.

روي عن الإمام الرضا عن آبائهعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: يا فاطمة أتدرين لمـَ سُمّيتِ فاطمة؟

قال عليعليه‌السلام : لمـَ سُمّيت؟

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣ / ١٨.

٤٩

قال: لأنّها فُطمت هي وشيعتها من النار (١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: سُمّيت فاطمة؛ لأنّ الله فطمها وذريّتها من النار، مَن لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئتُ به(٢) .

وروى ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:... وإنّما سمّاها فاطمة؛ لأنّ الله فطمها ومحبّيها من النار(٣) .

وروى القندوزي الحنفي عن أبي هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: إنّما سُمّيت ابنتي فاطمة؛ لأنّ الله فطمها وذريَّتها ومحبّيها عن النار(٤) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: لفاطمة وقفة على باب جهنم... فتقول: إلهي وسيّدي، سمَّيتني فاطمة، وفطمتَ بي مَن تولاّني وتولّى ذريَّتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد.

فيقول الله (عزّ وجلّ): صدقت يا فاطمة، إنّي سمّيتكِ فاطمة وفطمتُ بكِ مَن أحبَّكِ وتولاّك، وأحبّ ذرّيَّتك وتولاّهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أُخلف الميعاد... إلى آخر الخبر(٥) .

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣ / ١٤، وذكره محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص ٢٦ طبعة القاهرة، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص ١٩٤، والصفوري والشافعي في نزهة المجالس، وروى قريباً منه الخركوشي في كتاب (شرف النبي) وابن بطة في كتاب الإبانة، وغيرهم.

(٢) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٣) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ١٣ ص ٣٣١ طبعة القاهرة / ذخائر العقبى للطبري ص ٢٦ طبعة القاهرة / كنز العمال للمتّقي الهندي ج ١٣ ص ٩٤ طبعة حيدر آباد دكن / فيض القدير للمناوي الشافعي ج ١ ص ٢٠٦ طبعة القاهرة / وغيرها.

(٤) ينابيع المودّة للقندوزي ص ٣٩٧ طبعة إسلامبول / نور الأبصار للشبلنجي ص ٤١ طبعة مصر.

(٥) بحار الأنوار ج ٤٣ ص ١٥.

٥٠

٣ - لأنّها فُطمت من الشرّ.

رُوي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: تدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟

قلت: اخبرني يا سيّدي؟

قال: فُطمت من الشر.

ثم قال: لو لا أنّ أمير المؤمنين تزوَّجها، لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه(١) .

وقد روى هذا الحديث جماعة من علماء العامَّة منهم: ابن شيرويه الديلمي عن أم سلمة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لو لم يخلق الله عليّاً لما كان لفاطمة كفؤ).

ورواه الخوارزمي الحنفي في مقتل الحسينعليه‌السلام ص ٦٥، والترمذي في المناقب، والمناوي الشافعي في كنوز الحقائق، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودَّة عن أم سلمة وعن العباس عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - لأنّ الخَلق فُطموا عن معرفتها.

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:... وإنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخَلق فُطموا عن معرفتها(٢) .

٥ - لأنّ الله فطمها بالعِلم.

روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: لما وُلدت فاطمةعليها‌السلام أوحى الله (عزّ وجلّ) إلى مَلك، فأنطق به لسان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاها فاطمة.

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣ ص ١٦.

(٢) بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٦٥.

٥١

ثم قال [ تعالى ]: إنّي فطمتكِ بالعلم، وفطمتك عن الطمث.

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : واللهِ لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم، وعن الطمث بالميثاق(١) .

وكان هذا الاسم محبوباً عند أهل البيتعليهم‌السلام يحترمونه ويحترمون مَن سُمِّيت به؛ فقد سأل الإمام الصادقعليه‌السلام أحد أصحابه - وقد رزقه الله بنتاً - بِم سمَّيتها

قال الرجل: سميتها فاطمة.

قال الإمام الصادق: فاطمة؟ سلام الله على فاطمة أما إن سمّيتها فاطمة فلا تلطمها ولا تشتمها وأكرمها.

وعن السكوني قال: دخلت على أبي عبد الله - الصادق -عليه‌السلام وأنا مغموم مكروب قال لي: يا سكوني ما غمك؟

فقلت: وُلدت لي ابنة...

فقال: ما سمَّيتها

قلت: فاطمة

قال: آه آه آه

ثم قال: أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها(٢) .

وفي سفينة البحار عن أبي الحسن (الكاظم) قال: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد... وفاطمة من النساء.

إنّ الحديث الأوّل الذي مرّ في تسميتهاعليها‌السلام بفاطمة، عن الإمام الباقرعليه‌السلام قد ذيّله الإمام بقوله: (والله لقد فطمها الله

____________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٣.

(٢) وسائل الشيعة ج٧ باب أحكام الأولاد.

٥٢

تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق).

إنّ المقصود من كلمة (الميثاق) هنا هو عالم الذر، ذلك العالم الذي أشار إليه قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) (١)

وملخّص القول: إنّ الله تعالى أخرج ذرّيّة آدم من صلبه كهيئة الذر، فعرضهم على آدم وقال: إنّي آخذ على ذرّيّتك ميثاقهم أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئاً وعليَّ أرزاقهم، ثم قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أنّك ربنا.

فقال للملائكة: اشهدوا.

فقالوا: شهدنا.

وقيل: إنّ الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه ويفهمونه ثم ردَّهم إلى صلب آدم، والناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل مَن أخرجه الله في ذلك الوقت، وكل مَن ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأُولى، ومَن كفر وجحد فقد تغيَّر عن الفطرة الأُولى.

وهذا القول مستخلص من طائفة كبيرة من الأحاديث والأخبار المعتبرة، وهذا العالم يسمَّى عالم الذر، ويسمّى عالم الميثاق، والإمام الباقرعليه‌السلام يشير في كلامه إلى أنّ الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء كانت طاهرة من العادة الشهرية من ذلك العالَم ومن ذلك الوقت.

وأمّا الأحاديث التي تتحدّث عن عالم الذر فكثيرة جداً، ونكتفي هنا بذكر بعضها:

١ - في الكافي عن الإمام أبي عبد الله (الصادق)عليه‌السلام قال: سُئل

____________________

(١) الأعراف ١٧٤

٥٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأيّ شيء سبقت ولد آدم؟

قال: إنّني أوّل مَن أقرَّ بربّي، إنّ الله أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا: بلى. فكنتُ أوّل مَن أجاب.

٢ - عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه.

وزاد العياشي: يعني في الميثاق.

٣ - وعن زرارة أنّه سئل من الإمام الباقرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) قال: من ظَهرِ آدم ذرّيتَه إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر، فعرَّفهم وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه.

٤ - ولمّا حج عمر بن الخطاب واستلم الحجر قال: أما والله إنّي لأعلم أنّك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أنّ رسول الله استلمك ما استلمتك.

فقال له علي: يا أبا حفص لا تفعل فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستلم إلاَّ لأمر قد علمه ولو قرأت القرآن فعلمت من تأْويله ما علم غيرك لعلمت أنّه يضر وينفع، له عينان وشفتان ولسان ذلق يشهد لمـَن وافاه بالموافاة.

فقال له عمر: فأوجدني ذلك في كتاب الله يا أبا الحسن.

فقال عليعليه‌السلام : قوله تبارك وتعالى:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شهدنا ) ، فلمّا أقرّوا بالطاعة أنّه الرب وأنّهم العباد أخذ عليهم الميثاق بالحج إلى بيته الحرام، ثم خلق الله رقا أرقَّ من الماء وقال للقلم: أُكتب موافاة خلقي ببيتي الحرام. فكتب القلم موافاة بني آدم في الرق ثم قيل للحجر:

٥٤

افتح فاك. ففتحه فألقم الرق. ثم قال للحجر: احفظه واشهد لعبادي بالموافاة. فهبط الحجر مطيعاً لله.

يا عمر أو ليس إذا استلمت الحجر قلت: أمانتي أدَّيتها، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة؟ فقال عمر: اللّهمّ نعم. فقال له علي: من ذاك.

وإنّك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث التي تتضمّن البحث عن عالم الذر في كتاب الكافي للكليني، والبحار للمجلسي، وغيرها من موسوعات الأحاديث.

وقد التبس الأمر على بعض علمائنا، فلم يفهموا الآية فجعلوا يشكّكون في تلك الأحاديث (سامحهم الله) بالرغم من كثرتها بل بالرغم من صريح الآية.

وخلاصة الكلام أنّ عالم الذر هو عالم الميثاق، ومن ذلك العالم بل وقبل ذلك كانت الأفضلية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين، ومن جملتهم ابنته الطاهرة فاطمة الزهراء.

ولا يصعب عليك قبول هذا القول، فإنّ هناك أحاديث كثيرة رواها علماء الفريقين من الشيعة والسنّة قد بلغت أو تجاوزت حدَّ التواتر، وهي تؤيِّد هذا الموضوع، أمّا الأحاديث المذكورة في كتب الشيعة فيعسر إحصاؤها وعدُّها، وأمّا في كتب السنّة فقد روى الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس ج٢ ص٢٢٣) قال: قال الكسائي وغيره: لما خلق الله آدم... إلى أن قال: وعليه جارية لها نور وشعاع، وعلى رأْسها تاج من الذهب، مرصَّع بالجواهر لم ير آدم أحسن منها. فقال: يا ربّ مَن هذه؟

٥٥

قال: فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رب مَن يكون بعلها؟ قال: يا جبرئيل افتح له باب قصر من الياقوت. ففتح له، فرأى فيه قبَّةً من الكافور، فيها سرير من ذهب، عليه شاب حسنه كحسن يوسف فقال: هذا بعلها علي بن أبي طالب... الحديث.

وروى العسقلاني في (لسان الميزان ج٣ ص٣٤٦):

عن الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن جابر بن عبد الله، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما خلق الله آدم وحوَّاء تبخترا في الجنّة وقالا: مَن أحسن منَّا؟ فبينما هما كذلك. إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار. قالا: يا ربّ ما هذه؟ قال: صورة فاطمة سيّدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي بعلها. قال فما القرطان قال: ابناها، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

٥٦

الصِّدِّيقة

لقد مرَّ عليك أنّ من جملة أسمائهاعليها‌السلام الصدِّيقة، بكسر الصاد والدال المشدّدة (صيغة المبالغة) في التصديق أي الكثيرة الصدق.

والصِدِّيق أبلغ من الصدوق، وقيل: الصدِّيق: من كثر منه الصدق. وقيل: بل مَن لم يكذب قط. وقيل: الكامل في الصدق، الذي يصدِّق قوله بالعمل، البار، الدائم التصديق وقيل: مَن لم يتأت منه الكذب لتعوِّده الصدق. وقيل: مَن صدق بقوله واعتقاده، وحقّق صدقه بفعله. كذا في تاج العروس.

وقيل: المداوم على التصديق بما يوجبه الحق، وقيل: الذي عادته الصدق. وقيل: إنه المصدِّق بكل ما أمر الله به وبأنبيائه، لا يدخله في ذلك شك، ويؤيّده قوله تعالى:( وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) (١) .

هذه تعاريف في معنى الصدِّيق، ولكن المستفاد من الآيات الكثيرة والروايات المتعدّدة أنّ مرتبة الصدِّيقين في عداد مراتب الأنبياء والشهداء،

____________________

(١) الحديد: ١٩.

٥٧

ولهم حساب خاص بهم ودرجة مخصوصة بهم. استمع إلى هذه الآيات ليظهر لك ما قلنا:

١ -( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) (١) .

٢ -( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ) (٢) .

٣ -( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ) (٣) .

٤ -( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) (٤) .

وفي تفسير قوله تعالى:( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) قيل: سُميَّت صدِّيقة لأنّها تُصدِّق بآيات ربّها، ومنزلة ولدها وتصدِّقه فيما أخبرها به، بدلالة قوله تعالى:( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا ) وقيل: لكثرة صدقها، وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.

بعد استعراض هذه الآيات والأقوال، يمكن لنا أن نستفيد أنّ التصديق بالله وبالأنبياء والكتب السماوية والأحكام الشرعية تارة يكون باللسان دون العمل.

ففي الوقت الذي يصدّق الإنسان بأنّ الله تعالى يراه مع ذلك يعصي الله عزّ وجل ويعلم بأنّ الله تعالى قد أوجب عليه حقوقاً مالية أو غير مالية مع ذلك لا يؤدّي تلك الحقوق ويعلم بأنّ الله حرَّم الخمر والربا والزنا، ومع ذلك لا يرتدع عن تلك المعاصي فهو مصدّق بالله وبالحلال والحرام، والثواب والعقاب، والجنّة والنار، ولكنّ عمله لا يطابق هذا التصديق، أي لم

____________________

(١) النساء: ٦٨.

(٢) مريم: ٤١.

(٣) مريم: ٥٦.

(٤) المائدة: ٧٥.

٥٨

يبلغ به التصديق درجة المطابقة بين القول والفعل أو بين الاعتقاد والعمل.

ولكنّ الصدِّيقين هم الذين يعتقدون الحق ويؤمنون به، ويعملون على ضوء تلك المعتقدات، وهؤلاء عددهم قليل ونادر في كل زمان وفي كل مكان.

وأنت إذا قارنت بين هذه التعاريف وبين أعمال الناس؛ يظهر لك بكل وضوح أنّ عدد الصدِّيقين قليل جداً جداً، ولعلّ في بعض البلاد لا يوجد صدّيق واحد.

وبعد هذا كلّه سوف يسهل عليك أن تعرف أنّ السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد بلغت مرتبة الصدِّيقين، وسمَّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصدِّيقة. كما في (الرياض النضرة ج٢ ص٢٠٢) وفي (شرف النبوّة) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعلي:

أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا:

أُتيتَ صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي.

وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي ولم أُوت أنا مثلها زوجة.

وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك ولم أُوتَ من صلبي مثلهما.

ولكنّكم منّي وأنا منكم.

وسأل المفضل بن عمرو عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: قلت: مَن غسَّل فاطمة؟

قال: ذاك أمير المؤمنين

[ قال المفضَّل ] فكأنّني استعظمت ذلك من قوله،

فقال: كأنّك ضقتَ بما أخبرتك به؟

قلت: قد كان ذلك جعلت فداك!

٥٩

قال: لا تضيقنَّ، فإنّها صدِّيقة، ولم يغسِّلها إلاّ صدِّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسِّلها إلاّ عيسى(١) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام - في حديث له عن السيّدة فاطمةعليها‌السلام - أنّه قال:... (وهي الصِّديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى)(٢) .

____________________

(١) علل الشرائع: ص ١٨٤ باب ١٤٨ ح١.

(٢) بحار الأنوار ج٤٣ ص١٠٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المقصد السادس

في البجليين والخثعميين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي (1)

كان زهير رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا ، له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة. وكان أولا عثمانيّا ، فحجّ سنة ستين في أهله. ثمّ عاد فوافق الحسينعليه‌السلام في الطريق ، فهداه الله ، وانتقل علويّا.

روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال : كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسينعليه‌السلام تخلّف زهير ، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير ، حتّى نزلنا يوما في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ، ونزلنا في جانب ، فبينا نحن نتغذّى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين فسلّم ودخل ، فقال : يا زهير بن القين إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده حتّى

__________________

(1) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 983.

١٦١

كأنّ على رءوسنا الطير(1) .

قال أبو مخنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه! سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت ، قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ؛ فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوّض وحمل إلى الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قال لي : أنت طالق ، الحقي بأهلك ، فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد ، إنّي سأحدّثكم حديثا ، غزونا بلنجر ؛ ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وأصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ، فأمّا أنا فإنّي أستودعكم الله ، قال : ثمّ والله ما زال أوّل القوم حتّى قتل معه(2) .

وقال أبو مخنف : لمّا عارض الحر بن يزيد الحسينعليه‌السلام في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبى الحسين عليه ، ثمّ إنّه سايره ، فلمّا بلغ ذا حسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فإنّه نزل بنا من الأمر ما قد ترون » إلخ ، فقام زهير وقال لأصحابه : أتتكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا : بل تكلّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين وقال له خيرا(3) .

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 302.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 302.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 307.

١٦٢

وروى أبو مخنف : أنّ الحرّ لمّا ضايق الحسينعليه‌السلام بالنزول وأتاه أمر ابن زياد أن ينزل الحسين على غير ماء ولا كلأ ولا في قرية ، قال له الحسين : « دعنا ننزل في هذه القرية » ، يعني نينوى ، أو هذه يعني الغاضريّة ، أو هذه يعني شفيّة. فقال الحر : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا ، فقال زهير للحسين : يا بن رسول الله إنّ قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « ما كنت لأبدأهم بقتال » ، فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فإنّها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسينعليه‌السلام : « وأيّة قرية هي »؟ قال : هي العقر ، فقال الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من العقر » فنزل بمكانه وهو كربلا(1) .

وقال أبو مخنف : لمّا أجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ، وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت أخته زينب منه وقالت : يا أخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرّم بعد العصر ، وجاءه العبّاس فقال : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثمّ قال : « يا عبّاس اركب إليهم حتّى تسألهم عمّا جاء بهم » فركب العبّاس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظهّر وزهير بن القين فسألهم العبّاس ، فقالوا جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم العبّاس : لا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له : ألقه فأعلمه ، ثمّ القنا بما يقول ، فذهب العبّاس راجعا ، ووقف أصحابه. فقال حبيب لزهير : كلّم القوم إن شئت وإن شئت كلّمتهم أنا ، فقال زهير أنت بدأت فكلّمهم ، فكلّمهم بما تقدّم في ترجمته ، فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنّه لتزكي نفسك ما

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 310.

١٦٣

استطعت ، فقال له زهير : إنّ الله قد زكّاها وهداها فاتّق الله يا عزرة ، فإنّي لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممّن يعين الضّلال على قتل النفوس الزكيّة. فقال عزرة : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت إنّما كنت عثمانيّا. قال : أفلا تستدل بموقفي هذا على أنّي منهم! أما والله ما كتبت إليه كتابا قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولا قطّ ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم ؛ فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله. قال : وأقبل العبّاس فسألهم إمهال العشيّة ، فتوامروا ثمّ رضوا فرجعوا(1) .

وروى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال : لمّا كانت الليلة العاشرة خطب الحسين أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه : « هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ». فأجابه العبّاس وبقيّة أهله بما تقدّم في تراجمهم. ثمّ أجابه مسلم بن عوسجة بما ذكر وأجابه سعيد بما يذكر. ثمّ قام زهير فقال : والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل كذا ألف قتلة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك(2) .

وقال أهل السير : لمّا صفّ الحسينعليه‌السلام أصحابه للقتال وإنّما هم زهاء السبعين جعل زهير على الميمنة ، وحبيبا على الميسرة ، ووقف في القلب ، وأعطى الراية

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 314.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 316 ، راجع الإرشاد : 2 / 92.

١٦٤

لأخيه العبّاس(1) .

وروى أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي(2) عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي(3) ، قال : لمّا زحفنا قبل الحسينعليه‌السلام خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا أمّة وكنتم أمّة ، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ السوء عمر سلطانهما كلّه ، إنّهما يسمّلان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ، ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه ، وهاني بن عروة وأشباهه. قال : فسبّوه وأثنوا على عبيد الله وأبيه ، وقالوا : والله لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير ، فقال لهم زهير : عباد الله إنّ ولد فاطمةعليها‌السلام أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم ، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام ، قال : فرماه شمر بسهم وقال له : اسكت أسكت الله نامتك ، فقد أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال زهير : يا ابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر : إنّ الله قاتلك

__________________

(1) الإرشاد : 2 / 95.

(2) في المصدر : الشامي.

(3) ليس في المصدر : البجلي.

١٦٥

وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : أفبالموت تخوّفني!؟ والله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم ، قال : ثمّ أقبل على الناس رافعا صوته ، وصاح بهم : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوما هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. قال : فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ أبا عبد الله يقول لك : أقبل ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ ، فذهب إليهم(1) .

وروى أبو مخنف عن حميد بن مسلم قال : حمل شمر حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام برمحه ، وقال : عليّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله ، فصاحت النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح الحسين : يا بن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، حرقك الله بالنار.

وحمل زهير بن القين في عشرة من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير أبا عزّة الضبابي من أصحاب الشمر وذوي قرباه ، وتبع أصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم ، فكثروهم وقتلوا أكثرهم وسلم زهير(2) .

قال أبو مخنف : واستحرّ القتال بعد قتل حبيب ، فقاتل زهير والحرّ قتالا شديدا فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر فخلّصه ، فقتل الحرّ ثمّ صلّى الحسينعليه‌السلام صلاة الخوف ، ولمّا فرغ منها تقدّم زهير فجعل يقاتل قتالا لم ير مثله ولم يسمع بشبهه وأخذ يحمل على القوم فيقول :

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 319 ـ 320.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 326.

١٦٦

أنا زهير وأنا بن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

ثمّ رجع فوقف أمام الحسين وقال له :

فدتك نفسي هاديا مهديا

اليوم ألقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الشهيد الحيّا

فكأنّه ودّعه ، وعاد يقاتل فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه(1) .

وقال السروي في المناقب : لمّا صرع وقف عليه الحسينعليه‌السلام فقال : « لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتليك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير »(2) .

وفيه أقول :

لا يبعدنّك الله من رجل

وعظ العدى بالواحد الأحد

ثمّ انثنى نحو الخميس فما

أبقى لدفع الضيم من أحد

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( كأنّ على رءوسنا الطير ) : هذا مثل يضرب في السكون من التحيّر فإنّ الطير لا يقع إلاّ على ساكن.

( بلنجر ) : بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة آخر الحروف وهي مدينة في الخزر عند باب الأبواب(3) ، فتحت في

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 328 بتفاوت.

(2) المناقب : 4 / 103.

(3) راجع معجم البلدان : 1 / 489.

١٦٧

زمان عثمان على يد سلمان بن ربيعة الباهلي أو سلمان الفارسي كما ذكره ابن الأثير(1) . وقتل سلمان بن ربيعة بعد فتحها ، فقال فيه عبد الرحمن الباهلي :

وإنّ لنا قبرين قبر بلنجر

وقبرا بأرض الصين يا لك من قبر

يعني بالأوّل قبر سلمان الباهلي وبالثاني قبر قتيبة بن مسلم الباهلي.

( فقوله ) : فقال لنا سلمان يحتمل الباهلي لأنّه رئيس الجيش ، ويحتمل الفارسي لأنّه في الجيش على ما ذكره ابن الأثير في الكامل.

( نينوى ) : قرية عند كربلا. ( الغاضريّة ) : قرية عند كربلا أيضا تنسب لبني غاضرة من أسد.

( شفية ) : قرية عند كربلا أيضا ، وتضبط بضم الشين المعجمة والفاء المفتوحة والياء المثنّاة تحت المشدّدة والتاء آخر الكلمة ، ولم أر من ذكرها في المعاجم.

( نذار ) : بفتح النون وكسر الراء أي : خافوا وهو اسم فعل من الإنذار ، وهو الإبلاغ مع التخويف وبناؤه على الكسر.

( العصمة ) : أي المنعة بالإسلام يقال من شهد الشهادتين فقد عصم نفسه أي منعها.

( يسمّلان ) : يقال : سمل عينه أي فقأها بميل محميّ.

( أسكت الله نامتك ) : النأمة بالهمزة والنامة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور.

( أبرمتنا ) : أي أضجرتنا. ( استحرّ ) : أي اشتدّ ، قال ابن الزبعرى :

حين حكت بقباء بركها

واستحر القتل في عبد الأشل

( استلحم ) : الرجل إذا احتوشه العدو في القتال.

__________________

(1) الكامل : 2 / 483.

١٦٨

سلمان بن مضارب بن قيس الأنماري البجلي

كان سلمان ابن عمّ زهير لحا فإنّ القين أخو مضارب وأبوهما قيس. وكان سلمان حجّ مع ابن عمّه سنة ستين ، ولمّا مال في الطريق مع الحسينعليه‌السلام ، وحمل ثقله إليه مال معه في مضربه.

قال صاحب الحدائق : إنّ سلمان قتل فيمن قتل بعد صلاة الظهر ، فكأنّه قتل قبل زهير(1) .

سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنماري الخثعمي (2)

كان سويد شيخا شريفا عابدا كثيرا الصلاة ، وكان شجاعا مجرّبا في الحروب. كما ذكره الطبري والداودي.

قال أبو مخنف : إنّ الضحّاك بن عبد الله المشرقي جاء إلى الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه فدعاه إلى نصرته فقال له : أنا أنصرك ما بقيت لك أنصار ، فرضي منه بذلك حتّى إذا أمر ابن سعد بالرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام وعقروا خيولهم أخفى فرسه في فسطاط ، ثمّ نظر فإذا لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلاّ سويد هذا وبشر بن عمرو الحضرمي ؛ فاستأذن الحسين ، فقال له : « كيف لك بالنجاء »؟ قال : إنّ فرسي قد أخفيته فلم يصب فأركبه وأنجو ، فقال له : شأنك ، فركب ونجا بعد لأي كما ذكره في حديثه(3) .

وقال أهل السير : إنّ بشرا الحضرمي قتل ، فتقدّم سويد وقاتل حتّى أثخن

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 987.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 330.

١٦٩

بالجراح وسقط على وجهه فظنّ بأنّه قتل ، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسين. وجد به إفاقة ، وكانت معه سكّين خبّأها ، وكان قد أخذ سيفه منه ، فقاتلهم بسكّينه ساعة ، ثمّ إنّهم عطفوا عليه فقتله عروة بن بكار التغلبي ، وزيد بن ورقاء الجهني(1) .

عبد الله بن بشر الخثعمي

هو عبد الله بن بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير بن عامر بن رائسة بن مالك بن واهب بن جليحة بن كلب بن ربيعة بن عفرس بن خلف بن أقبل بن أنمار ، الأنماري الخثعمي ؛ كان عبد الله بن بشر الخثعمي من مشاهير الكماة الحماة للحقائق وله ولأبيه ذكر في المغازي والحروب.

قال ابن الكلبي : بشر بن ربيعة الخثعمي هو صاحب الخطّة بالكوفة التي يقال لها جبانة بشر(2) .

وهو القائل يوم القادسيّة :

أنخت بباب القادسيّة ناقتي

وسعد بن وقّاص عليّ أمير

وكان ولده عبد الله ممّن خرج مع عسكر ابن سعد ، ثمّ صار إلى الحسينعليه‌السلام فيمن صار إليه أيّام المهادنة.

قال صاحب الحدائق وغيره : إنّ عبد الله بن بشر قتل في الحملة الأولى قبل الظهر(3) .

__________________

(1) راجع اللهوف : 165 ، والمناقب : 4 / 102.

(2) لم أعثر عليه في مضانّه.

(3) الحدائق الورديّة : 122.

١٧٠

المقصد السابع

في الكنديين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي البهدلي

كان يزيد رجلا شريفا شجاعا فاتكا فخرج إلى الحسينعليه‌السلام من الكوفة من قبل أن يتصل به الحر.

قال أبو مخنف : لمّا كاتب الحر ابن زياد في أمر الحسين وجعل يسايره ، جاء إلى الحرّ رسول ابن زياد مالك بن النسر البدي ثمّ الكندي ، فجاء به الحرّ وبكتابه إلى الحسين كما يذكر في ترجمة الحرّ وكما قصصناه. فعنّ مالك ليزيد هذا ، فقال يزيد : أمالك بن النسر أنت؟ قال : نعم. فقال له : ثكلتك أمّك ، ما ذا جئت به؟ قال : وما جئت به؟ أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي! فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، ألم تسمع قول الله تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (1) فهرأ مالك(2) .

__________________

(1) سورة القصص : 41.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 309 بتفاوت في النقل.

١٧١

وروى أبو مخنف : أنّ أبا الشعثاء قاتل فارسا فلمّا عقرت فرسه ؛ جثا على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، وكان راميا وكان كلّما رمى قال :

أنا ابن بهدله

فرسان العرجلة

فيقول الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة » ، فلمّا نفدت سهامه قام فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، ثمّ حمل على القوم بسيفه وقال :

أنا يزيد وأبي مهاصر

كأنني ليث بغيل خادر

يا رب إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر(1)

فلم يزل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.

وفيه يقول الكميت الأسدي :

ومال أبو الشعثاء أشعث داميا

وأنّ أبا حجل قتيل مجحل

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( هرأ ) : الرجل بكلامه أكثر الخنا والخطأ به ، فمعنى العبارة : أجابه مالك بجواب غير لائق لخطائه وخناه. وربما صحفت الكلمة بهزا ، فمعناها : أجابه مالك بكلام فيه سخرية.

( بهدلة ) : حي من كندة منهم يزيد هذا. ( العرجلة ) : القطعة من الخيل وجماعة المشاة. ( مهاصر ) : جدّه وهو بالصاد المهملة ، ويمضى في بعض الكتب بالجيم وهو غلط من النسّاخ.

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 330 بتفاوت في النقل.

١٧٢

الحارث بن امرئ القيس الكندي

كان الحارث من الشجعان العبّاد. وله ذكر في المغازي. وكان خرج في عسكر ابن سعد ، فلمّا ردوا على الحسينعليه‌السلام كلامه ، مال معه وقاتل وقتل.

قال صاحب الحدائق : إنّه قتل في الحملة الأولى(1) .

زاهر بن عمرو الكندي

كان زاهر بطلا مجرّبا وشجاعا مشهورا ومحبّا لأهل البيت معروفا. قال أهل السير : إنّ عمرو بن الحمق لمّا قام على زياد قام زاهر معه ، وكان صاحبه في القول والفعل ، ولمّا طلب معاوية عمروا طلب معه زاهرا فقتل عمروا وأفلت زاهر ، فحجّ سنة ستّين ، فالتقى مع الحسينعليه‌السلام فصحبه وحضر معه كربلا.

وقال السروي : قتل في الحملة الأولى(2) .

وقال الشيخ الطوسي وغيره : إنّ من أحفاده محمّد بن سنان الزاهري صاحب الرواية عن الرضا والجوادعليهما‌السلام المتوفى سنة مائتين وعشرين(3) .

بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي

كان بشر من حضر موت وعداده في كندة. وكان تابعيّا وله أولاد معروفون بالمغازي. وكان بشر ممّن جاء إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة.

وقال السيّد الداودي : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال ، قيل لبشر

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) المناقب : 4 / 113 ، وراجع البحار : 45 / 72 ، ومستدركات علم رجال الحديث : 3 / 416.

(3) راجع رجال النجاشي : 328 ، الرقم 888 ، ورجال الشيخ : 101 ، معجم رجال الحديث : 16 / 151.

١٧٣

وهو في تلك الحال : إنّ ابنك عمرا قد أسر في ثغرى الري. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر وأن أبقى بعده. فسمع الحسينعليه‌السلام مقالته ، فقال له : « رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك ». فقال له : أكلتني السباع حيّا إن أنا فارقتك يا أبا عبد الله ، فقال له : « فأعط ابنك محمّدا ـ وكان معه ـ هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه » ، وأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(1) .

وقال السروي : إنّه قتل في الحملة الأولى(2) .

جندب بن حجير الكندي الخولاني (3)

كان جندب من وجوه الشيعة ، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، خرج إلى الحسينعليه‌السلام فوافقه في الطريق قبل اتّصال الحرّ به ، فجاء معه إلى كربلا.

قال أهل السير : إنّه قاتل فقتل في أوّل القتال.

وقال صاحب الحدائق : إنّه قتل هو وولده حجير بن جندب في أوّل القتال(4) .

ولم يصحّ لي أنّ ولده قتل معه. كما أنّه ليس في القائميّات ذكر لولده ، فلهذا لم أترجمه معه.

__________________

(1) راجع تنقيح المقال : 1 / 173.

(2) المناقب : 4 / 113.

(3) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 100 ، الرقم 969. وفي كتاب تسمية من قتل ص 155 : بعنوان حجير بن جندب.

(4) الحدائق الورديّة : 122.

١٧٤

المقصد الثامن

في الغفاريين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عروة بن حرّاق الغفاري

وأخوه

عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري (1)

كان عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم ، وكان جدّهما حرّاق من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وممن حارب معه في حروبه الثلاث. وجاء عبد الله وعبد الرحمن إلى الحسينعليه‌السلام بالطف.

وقال أبو مخنف : لمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كثروا وأنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه ، فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان ، فقالا : يا أبا عبد الله السلام عليك ، حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك ، فقال : « مرحبا بكما ، ادنوا منّي » ، فدنوا منه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه وإنّ أحدهما ليرتجز ويتمّ له الآخر.

__________________

(1) أوردهما الشيخ في رجاله ص 103 بعنوان عبد الله وعبد الرحمن ابنا عرزة.

١٧٥

فيقولان :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأطهار(1)

بالمشرفيّ والقنا الخطّار(2)

فلم يزالا يقاتلان حتّى قتلا.

وقال السروي : إنّ عبد الله قتل في الحملة الأولى وعبد الرحمن قتل مبارزة(3) . وقال غيره : إنّهما قتلا مبارزة ، وهو الظاهر من المراجلة.

جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري (4)

كان جون منضمّا إلى أهل البيت بعد أبي ذر ، فكان مع الحسنعليه‌السلام ، ثمّ مع الحسينعليه‌السلام وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق.

قال السيّد رضي الدين الداودي : فلمّا نشب القتال وقف أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه في القتال ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « يا جون أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقتنا » ، فوقع جون على قدمي أبي عبد الله يقبلهما ويقول : يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم!؟ إنّ ريحي لنتن وإنّ حسبي للئيم وإنّ لوني لأسود ، فتنفس عليّ في الجنّة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني ، لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ،

__________________

(1) في المصدر : بني الأحرار.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 328.

(3) المناقب : 4 / 113.

(4) عدّه الشيخ في عداد أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 99 ، الرقم 966. وفي الإرشاد بعنوان : جوين مولى أبي ذر. راجع الإرشاد : 2 / 93.

١٧٦

فأذن له الحسينعليه‌السلام ، فبرز وهو يقول :

كيف ترى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ والقنا المسدّد

يذبّ عن آل النبي أحمد

ثمّ قاتل حتّى قتل(1) .

وقال محمّد بن أبي طالب : فوقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال : « اللهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد »(2) .

وروى علماؤنا عن الباقرعليه‌السلام عن أبيه زين العابدينعليه‌السلام أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جونا بعد أيّام تفوح منه رايحة المسك(3) .

وفي جون أقول :

خليلي ما ذا في ثرى الطف فانظرا

أجونة طيب تبعث المسك أم جون

ومن ذا الذي يدعو الحسين لأجله

أذلك جون أم قرابته عون

لئن كان عبدا قبلها فلقد زكا

النجار وطاب الريح وازدهر اللون

__________________

(1) راجع البحار : 45 / 23 ، واللهوف : 163.

(2) تسلية المجالس : 2 / 292 ـ 293.

(3) راجع البحار : 45 / 23 ، ونفس المهموم : 264.

١٧٧
١٧٨

المقصد التاسع

في بني كلب

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عمير الكلبي (1)

هو عبد الله بن عمير بن عبّاس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي ، أبو وهب ، كان عبد الله بن عمير بطلا شجاعا شريفا ، نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا ، فنزلها ومعه زوجته أمّ وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط.

قال أبو مخنف : فرأى القوم بالنّخيلة يعرضون ليسرّحوا إلى الحسينعليه‌السلام ، فسأل عنهم ، فقيل له : يسرّحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ، فقال : والله!! لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإنّي لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك ؛ قال : فخرج بها ليلا حتّى أتى حسينا فأقام معه ،

__________________

(1) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 104 ، الرقم 1024.

١٧٩

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس ، خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله ، فقالا : من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب وبرير ، فقال لهما الحسين : اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير فقال : أبا عبد الله! رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما ، فرأى الحسين رجلا آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال [ الحسين ] : « إنّي لأحسبه للأقران قتّالا » اخرج إن شئت ، فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير. ويسار مستنتل أمام سالم ، فقال له عبد الله : يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس!؟ أو يخرج إليك أحد من الناس إلاّ وهو خير منك!؟ ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد ، فإنّه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم ، فصاح به أصحابه قد رهقك العبد ، فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل إلى الحسينعليه‌السلام يرتجز أمامه وقد قتلهما جميعا فيقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إنّي امرؤ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النكب

إنّي زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم مقدما والضرب

قال : فأخذت أمّ وهب امرأته عمودا ، ثمّ أقبلت نحو زوجها تقول : فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيبين ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ، وتقول : [ إنّي ] لن أدعك دون أن أموت معك ، ( وإنّ يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع ردّ امرأته )(1) فجاء إليها الحسينعليه‌السلام وقال : « جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ ،

__________________

(1) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568