الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة23%

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 253

  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57935 / تحميل: 9980
الحجم الحجم الحجم
الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوضوء

المعتبر (مجلد ١ صفحة ١٤٢) " الخامس: لايلزم تخليل شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ولا الاهداب كثيفا كان الشعر أو خفيفا، بل لا يستحب. وأطلق الجمهور على الاستحباب.

وقال ابن عقيل: ومتى خرجت اللحية ولم تكثر فعلى المتوضأ غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته، لانه لم تستر مواضعها ".

تذكرة الفقهاء (مجلد ١ صفحة ١٦) " قال أبوحنيفة في الشعر المحاذي لمحل الفرض يجب مسحه.

وفي رواية أخرى عنه مسح ربعه، وهي عن أبي يوسف أيضا، وعنه ثانية سقوط الفرض عن البشرة، ولا يتعلق بالشعر وهي عن أبي حنيفة أيضا.

واعتبر أبوحنيفة ذلك بشعر الرأس فقال إن الفرض إذا تعلق بالشعر كان مسحا، وهو خطأ لقوله عليه السلام " إكشف وجهك فإن اللحية من الوجه " لرجل غطى لحيته في الصلاة، بخلاف شعر الرأس، فإن فرض البشرة تحته المسح، وهنا الفرض تحته الغسل فإذا انتقل الفرض إليه انتقل على صفته وأما إن كان الشعر خفيفا لايستر البشرة فالاقوى عندي غسل ما تحته، وإيصال الماء إليه، وبه قال ابن عقيل، وهو مذهب الشافعي، لانها بشرة ظاهرة من الوجه. وقال الشيخ لايجب تخليلها كالكثيفة، والفرق ظاهر ".

تحرير الاحكام (مجلد ١ صفحة ٩) " لايجب تخليل الاهداب، ولا الشارب، ولا العنفقة، ولا الحواجب، سواء كانت كثيفة أو خفيفة، بل يجب غسل هذه المواضع إن فقد الشعر، وإلا فإمرار الماء على ظاهر الشعر.

وقول ابن أبي عقيل متى خرجت اللحية، ولم تكثر فعلى المتوضئ غسل الوجه حتى يصل الماء إلى بشرته، غير معتمد ".

٨١

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ١٧) " مسألة: مس القبل والدبر باطنا أو ظاهرا من المحرم أو المحلل لا ينفض الوضوء، ولا يوجبه، ذهب إليه أكثر علماء‌نا كالشيخين رحمهما الله وابن أبي عقيل وأتباعهم وقال ابن الجنيد: إن من مس ماانضم عليه الثقبان نقض وضوء‌ه، ومس ظهر الفرج من الغير إذا كان بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحلل والمحرم احتياطا، ومس باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلل والمحرم.

وقال أبوجعفر بن بابويه: إذا مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة ومن فتح إحليله إعاد الوضوء والصلاة ".

(وصفحة ٢١) " مسألة: أوجب الشيخ ابتداء غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن، وفي غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الاصابع، فإن نكس أعاد الوضوء وجوبا ورواه ابن بابويه في كتابه وابن أبي عقيل أوجبه، وكذا ابن الجنيد، وسلار، وابن حمزة، وابن زهرة، وهو الظاهر من كلام أبي الصلاح، وعلي بن بابويه وقال السيد المرتضى إنه مستحب، وليس بواجب، فلو نكس عمدا لم يبطل وضوؤه، ولم يكن قد فعل محرما، وهو اختيار ابن إدريس والوجه الاول ".

(وصفحة ٢٢) " مسألة: لا خلاف في أنه يجب غسل الوجه واليدين مستوعبا للجميع، فلو لم يكف الكف الاول وجب الثاني، ولو لم يكفيا وجب الثالث، وهكذا. ولا يتقدر الوجوب بقدر معين. وأما إذا حصل الغسل بالكف الاول والمرة الاولى هل يستحب المرة الثانية في غسل الوجه واليدين؟ أكثر علمائنا على استحبابها كابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والشيخين، وأتباعهم، ولم يذكره علي بن بابويه وقال ابنه أبوجعفر: الثانية لايؤجر عليها.

" ما رواه عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله عليه السلام قال " من لم يتيقن أن واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين مسألة: وفي الثالثة قولان، قال الشيخ وابن بابويه

٨٢

وابن إدريس وأكثر علمائنا إن الثالثة بدعة، وبه قال أبوالصلاح، قال لايجوز تثليث الغسل فإن ثلث بطل الوضوء وقال ابن الجنيد الثالثة زيادة غير محتاج إليها وقال المفيد رحمه الله الغسل مرة فريضة، وتثنيته إسباغ وفضيلة، وتثليثه تكلف، فمن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا، وقال ابن أبي عقيل: السنة الاتيان بالماء على الاعضاء مرتين، الفرض من ذلك مرة لاتجزي الصلاة إلا بها والاثنتين سنة لئلا يكون قد قصر المتوضي في المرة الاولى، فتكون الاخرى تأتي على تقصيره، فإن تعدى المرتين لايؤجر على ذلك، جاء التوقيف عنهم عليهم السلام. وكلام ابن الجنيد والمفيد وابن عقيل يدل على تسويغ الثالثة، والحق ما اختاره الشيخ رحمه الله ".

(وصفحة ٢٣) " مسألة: المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس، والرجلين بإصبع واحدة، اختاره الشيخ في أكثر كتبه، وابن أبي عقيل، وابن الجنيد، وسلار، وأبو الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس".

(وصفحة ٢٤) " مسألة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: لا يستقبل شعر الرأس في المسح، فإن خالف أجزأه، لانه ترك الافضل. وفي أصحابنا من قال لا يجزيه.

وقال في الخلاف لايجوز، وقال أبوجعفر بن بابويه: ولا يرد الشعر في غسل اليدين ولا في مسح الرأس والقدمين. وابن إدريس ذهب إلى أن الاستقبال مكروه.

وقال ابن أبي عقيل: كيف مسح أجزأه وإبن حمزة أوجب ترك الاستقبال، وهو الظاهر من كلام الشيخ في التهذيب.

وقال السيد المرتضى الفرض مسح مقدم الرأس دون ساير أبعاضه من غير استقبال الشعر، ولا شبهة في وجوب مسح المقدم، وأما ترك استقبال الشعر فهو عند أكثرهم واجب، ومنهم من يرى أنه مسنون.

والحق عندي ما ذهب إليه الشيخ أولا.

لنا: أنه يصدق عليه الامتثال في الامر بالمسح سواء استقبل أو استدبر. وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال " لابأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ".

٨٣

"..مسألة: الذي اخترناه في كتبنا مثل منتهى المطلب والتحرير وقواعد الاحكام والتلخيص وغيرها أنه يجوز المسح على الرجلين منكوسا، بأن يبتدئ من الكعبين إلى رؤوس الاصابع على كراهية، والاولى الابتداء من رؤوس الاصابع إلى الكعبين، وليس واجبا، وهو اختيار الشيخ في المبسوط، والنهاية، وابن أبي عقيل، وسلار، وابن البراج، وقال ابن إدريس يجب الابتداء من رؤوس الاصابع إلى الكعبين، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه والسيد المرتضى، وإن كان في كلامهما احتمال وهو الاقوى عندي ".

" مسألة: المشهور بين علمائنا سقوط وجوب ترتيب المسح بين الرجلين، بل يجوز مسحهما دفعة واحدة بالكفين، ومسح اليمنى قبل اليسرى، وبالعكس، وقال سلار يجب مسح اليمنى قبل اليسرى، قال وفي أصحابنا من لايرى بين الرجلين ترتيبا. وقال ابن أبي عقيل عقيب ذكر ترتيب الاعضاء: وكذا إن بدأ فمسح رجله اليسرى قبل اليمنى رجع فبدأ باليمنى ثم أعاد اليسرى.

وقال ابن الجنيد لو بدأ بيساره على يمينه في اليد أو الرجل على يساره بعد يمينه، ولا يجزيه إلا ذلك.

وقال ابن بابويه يبدأ بالرجل اليمنى في المسح قبل اليسرى، وكذا قال ولده أبوجعفر. والوجه الاول.

لنا: أنه تعالى أوجب مسح الرجلين مطلقا، وهو يصدق مع الترتيب، وعدمه، فيخرج عن العهدة بأيهما كان إذ لا دلالة للكلي على الجزئي، ولان الاحاديث وردت مطلقة ".

الدروس (صفحة ٤) " درس: سنن الوضوء وضع الاناء على اليمين، والاغتراف، والتسمية، والدعاء، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق ثلاثا ثلاثا، والدعاء فيهما، وتثنية الغسل، لا المسح فيكره، وتحرم الثالثة، وتبطل إن مسح بمائها. وإنكار ابن بابويه التثنية ضعيف، كما عف قول ابن أبي عقيل بعدم تحريم الثالثة ".

٨٤

الذكرى (صفحة ٨٣) " وفي الخلاف لايجب إيصال الماء إلى أصل شئ من شعر الوجه، مثل شعر الحاجبين والاهداب والعذار والشارب بالاجماع. وابن أبي عقيل لما ذكر حد الوجه قال: وما سوى ذلك من الصدغين والاذنين فليس من الوجه، ولم يذكر العذار، فإطلاقه قد يشمله ".

(وصفحة ٨٨) " مسائل: الاولى، الكعبان عندنا: معقد الشراك (وقبتا) القدم وعليه إجماعنا، وهو مذهب الحنفية وبعض الشافعية. وأكثر الاصحاب عبر عنهما الناتيان في وسط القدم، أو ظهر القدم، وقال المفيد: هما قبتا القدمين أمام الساقين غير مابين المفصل والمشط.وقال ابن أبي عقيل: الكعبان ظهر القدم.

و (قال) ابن الجنيد: الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق ".

(وصفحة ٨٩) " الخامسة هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟ المشهور العدم لاطلاق الآية والاخبار.

وظاهر ابني بابويه وابن أبي عقيل وجوبه. وبه أفتى ابن الجنيد، وسلار، عملا بالوضوء البياني واخذ بالاحتياط. وفي كلام بعضهم يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى، والعمل بالترتيب أحوط ".

(وصفحة ٩٠) " مسائل ثلاث: الاولى اختلف الاصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين فابن الجنيد وابن أبي عقيل للاحتياط والوضوء البياني، والاكثر لا للاصل ولقوله تعالى " وأرجلكم " مع عدم قيام مناف له كما في اليدين ". (وصفحة ٩٤) " تنبيه: المشهور تحريم الثالثة، لانها إحداث في الدين ما ليس منه، وهو معنى البدعة.

قال بعضهم: ولمنعها عن الموالاة الواجبة، وهو بناء على المتابعة، ولمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام " الوضوء واحدة فرض، واثنتان لايؤجز، والثالثة بدعة " وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل بعدم التحريم لقول الصادق عليه السلام في رواية زرارة " الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه ".

قلنا هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة ".

٨٥

" المفيد جعل الزايد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها، وابن أبي عقيل إن تعدى المرتين لايؤجر على ذلك، وابن الجنيد الثالثة زيادة غير محتاج إليها، وبالغ أبوالصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة وهو حسن ".

رسائل الكركي (مجلد ٣ صفحة ١٩٢) " الخفيف من الشعر ما تتراء‌ى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، أو ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة. وقد يؤثر الشعر في أحد الامرين دون الآخر بحسب السبوطة والجعودة، والكثيف يقابله في المعنيين. ثم الفرق بين الخفيف والكثيف في إيجاب تخليل الاول بحيث يصل الماء إلى منبته، هو ما ذهب إليه العلامة في المختلف والتذكرة، وعزاه في المختلف إلى ابن الجنيد والمرتضى، وعبارتهما غير مصرحة بمراده، لكن هي قبل التأمل الصادق موهمة، وفي التذكرة نسبه إلى ابن أبي عقيل ".

روض الجنان (صفحة ١٢٦) " وقال علي بن بابويه يجب مسح الوجه جميعه، استنادا إلى روايات بعضها ضعيف السند، ويمكن حملها على الاستحباب، واختار المحقق في المعتبر التخيير بين مسح جميع الوجه وبعضه، لكن لايقتصر على أقل من الجبهة من الجانبين عملا بالاخبار، ونقله عن ابن أبي عقيل.

ولابد من إدخال جزء من غير محل الفرض من باب المقدمة من جميع الجهات في جميع الاعضاء.

ويجب البدأة في مسح الجبهة بالاعلى فلو نكس بطل إما لمساواة الوضوء أو تبعا للتيمم البياني ".

مدارك الاحكام (مجلد: ١ صفحة ١٥٠) والحكم بوجوب الوضوء خاصة بالاستحاضة القليلة مذهب أكثر الاصحاب، وهو المعتمد، للاخبار الصحيحة الدالة عليه.

وقال ابن أبي عقيل " لايجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل ".

وقال ابن الجنيد رحمه الله بإيجابها غسلا واحد في اليوم والليلة. وهما ضعيفان ".

٨٦

(وصفحة ٢١٨) وقال ابن أبي عقيل الكعبان في ظهر القدم.

وقال ابن الجنيد رحمه الله الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق، وهو المفصل الذي قدام العرقوب ".

(وصفحة ٢٤٧) المضمضة هي إدارة الماء في الفم، والاستنشاق اجتذابه بالانف. والحكم باستحبابهما هو المعروف من المذهب، والنصوص به مستفيضة.

وقال ابن أبي عقيل " إنهما ليسا بفرض ولا سنة ". وله شواهد من الاخبار، إلا أنها مع ضعفها قابلة للتأويل، نعم روى زرارة في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال " المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء " ونحن نقول بموجبها، فإنهما ليسا من أفعال الوضوء وإن استحب فعلهما قبله كالسواك والتسمية ونحوهما ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ٢ صفحة ٢٣) (الثامن) اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم فيمن صلى ناسيا للاستنجاء، فالمشهور وجوب الاعادة وقتا وخارجا.

وعن ابن الجنيد تخصيص وجوب الاعادة بالوقت واختيار الاستحباب خارجه.

وعن الصدوق في الفقيه وجوب الاعادة في البول دون الغائط فلا يعيد، وزاد في البول إعادة الوضوء أيضا.

وعن ابن أبي عقيل ان الاولى إعادة الوضوء ولم يقيد ببول ولا غائط. وروايات المسألة مختلفة جدا.

٨٧

مندوبات الوضوء

مختلف الشيعة (جلد ١ صفحة ٢١) مسألة: المشهور عند علمائنا استحباب المضمضة والاستنشاق، وقال ابن أبي عقيل إنهما ليسا عند آل الرسول عليهم السلام بفرض ولا سنة.

لنا: أنهما من العشرة الحنفية، وما رواه الشيخ عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام، وحكى وضوء أمير المؤمنين علي عليه السلام قال " ثم تمضمض وقال أللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك ثم استنشق وقال الدعاء ".

الذكرى (صفحة ٩٣) " قول الباقر عليه السلام في رواية زرارة " ليستا من الوضوء " يعني من واجباته وروى زرارة أيضا عنه عليه السلام " ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة، إنما عليك أن تغسل ماظهر " يحمل على نفي سنة خاصة، أي مما سنه النبي صلى الله عليه وآله حتما، فإن ذلك قد يمسى سنة لثبوته بالسنة وإن كان واجبا.

ويمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل ليسا بفرض ولا سنة بهذا أيضا، فيرتفع الخلاف في استحبابهما "."..

مسائل: الاولى استحبابه يعم الصايم والمحرم، أما الصايم فلرواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام " يستأك الصايم أي النهار شاء، ولا يستاك بعود رطب " وما فيها من الدلالة على فضل السواك، وعلى كراهيته بالرطب للصايم، كما أفتى به ابن أبي عقيل والشيخ في الاستبصار ".

روض الجنان (صفحة ٤٢) " والمضمضة والاستنشاق على المشهور، وقول ابن أبي عقيل أنهما ليسا بفرض ولا سنة ضعيف، أومؤول بالسنة المحتمة، فيرادف الفرض، والجمع بينهما للتأكيد، وكثيرا ما يذكر في كتابه السنة ويريد بها الفرض ".

٨٨

الحدائق النا ضرة (مجلد ٢ صفحة ١٥٦) " (منها) المضمضة والاستنشاق على المشهور فتوى والاظهر نصا، ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال " إنهما ليسا عند آل الرسول عليهم السلام بفرض ولا سنة ".

والاخبار في ذلك مختلفة على وجه يعسر جمعها.

(وصفحة ١٦١) " وما نقله في المختلف عن ابن أبي عقيل هو بعينه مضمون رواية زرارة المتقدمة لان من شأنه قدس سره في كتابه بل جملة المتقدمين التعبير بمتون الاخبار، وحينئذ فيحمل كلامه على ماتحمل عليه الرواية.

(وصفحة ٢٦٤) ويظهر من العلامة في المختلف اختيار ذلك أيضا، بل نسبه فيه إلى المشهور ولم ينقل القول بالمسمى فيه أصلا، حيث قال المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة ثم نقله عن الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس، ثم نقل جملة من عبائر الاصحاب المشتملة على المسح بثلاث أصابع...

المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة " ثم نقله عن الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس، ثم نقل جملة من عبائر الاصحاب المشتملة على المسح بثلاث أصابع. وبذلك أيضا صرح الشهيد في الدروس.

(وصفحة ٢٩٨) ولا يخفى عليك ما فيه من الصراحة في المعنى المشهور.

وجملة من عبارات الاصحاب كابن أبي عقيل والسيد المرتضى وأبي الصلاح والشيخ في أكثر كتبه وابن إدريس والمحقق قد اشتركت في وصف الكعبين بأوصاف متلازمة، من وصفه بالنتوء في ظهر القدم عند معقد الشراك في بعض. وكونه في ظهر القدم في أخرى، وكونه معقد الشراك في ثالثة. والتنوء في وسط القدم في رابعة، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في خامسة، وأنهما معقدا الشراك في سادسة، وكونهما قبتي القدم في سابعة. والعلامة رحمه الله قد ادعى انصباب هذه العبارات على ماذهب إليه وادعى

٨٩

اشتباهها على غير المحصل، وشيخنا البهائي طاب ثراه أوضح هذه الدعوى بأن هذه العبارات لاتأبى الانطباق على ماذهب إليه العلامة من المعنى الثالث من معاني الكعب المتقدمة، لان غاية ما يتوهم منه المنافاة وصفه بالنتوء في وسط القدم، والعلامة قد فسره في التذكرة والمنتهى بذلك لكنه يقول ليس هو العظم الواقع أمام السابق بين المفصل والمشط بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم، وهو الذي ذكره المشرحون، وهو كما تقدم نتوء في وسط ظهر القدم أعني وسطه العرضي ولكن نتوء غير ظاهر لحس البصر لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق... جملة من عبارات الاصحاب كإبن أبي عقيل والسيد المرتضى وأبي الصلاح والشيخ في أكثر كتبه وابن إدريس والمحقق قد اشتركت في وصف الكعبين بأوصاف متلازمة، من وصفه بالنتوء في ظهر القدم عند معقد الشراك في بعض. وكونه في ظهر القدم في أخرى، وكونه معقد الشراك في ثالثة، والنتوء في وسط القدم في رابعة، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في خامسة، وأنهما معقدا الشراك في سادسة، وكونهما قبتي القدم في سابعة.

(وصفحة ٣٤٥) (الرابع) المشهور بين الاصحاب تحريم الغسلة الثالثة، وقد صرح جملة من الاصحاب: منهم الصدوق والشيخ في الخلاف فيما تقدم من عبارتيهما بمدعاهما، ونقل عن المبسوط والنهاية أيضا.

ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بعدم التحريم، لكن الذي في المختلف عن ابن أبي عقيل التعبير عن ذلك بنفي الاجر، كما هو مضمون رواية زرارة المتقدمة وقد عرفت ما في هذا اللفظ.

والشيخ المفيد رحمه الله في المقنعة أثبت التحريم فيما زاد على الثلاث وجعل الثالثة كلفة. والاظهر المشهور ".

جواهر الكلام (مجلد: ٢ صفحة ١٤٨) ولو خالف و (غسل منكوسا لم يجز على الاظهر) كما في صريح المبسوط والمعتبر والمنتهى والقواعد والتحرير والارشاد وجامع المقاصد وظاهر المقنعة والوسيلة والتنقيح، ونسبه

٩٠

في المختلف إلى سلار وابن أبي عقيل وابن الجنيد، وقال إنه رواه ابن بابويه في كتابه، وأنه ظاهر أبي الصلاح لكن ماوصل إلي من عبارة المراسم لا ظهور فيها بذلك كعبارة المهذب والكافي، وأما الغنية فصريحة في إرادة التحديد، ولعله لذا لم ينقل عنهم في كشف اللثام، فلاحظ وتأمل.

(وصفحة ١٥٥) وفي الخلاف بعد أن الاصل براء‌ة الذمة، وإيجاب التخليل يحتاج إلى دليل، وعليه اجماع الفرقة وظاهر إطلاق المصنف وغيره وما سمعت من الاخبار عدم الفرق بين الكثيفة والخفيفة كما نص عليه في المعتبر والتحرير والمنتهى والارشاد وجامع المقاصد والروضة، بل نسبه في الدروس إلى الشهرة ظاهرا منها اختياره، بل ربما نقل عن المبسوط، وقد سمعت إطلاق كلامه في الخلاف، وقيل إن خفت اللحية وجب تخليلها، واختاره في القواعد والمختلف واللمعة، كما عن ظاهر ابني الجنيد وأبي عقيل والسيد في الناصريات، والمراد بالتخفيف ما تتراء‌ى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، ويقابله الكثيف كما يظهر من بعضهم، بل نص عليه في جامع المقاصد والروضة وغيرهما، لكن لايخفى عليك ما في هذا التفسير من الاجمال، لاختلاف المجالس وأحوال الشعر وجلوس المخاطب، فلعل إناطته بالعرف أولى من ذلك وإن كان هو لبيانه.

(وصفحة ١٦٣) بل في التنقيح وكشف اللثام نسبته إلى الاكثر، وحكاه في المختلف عن الشيخ وابني حمزة وأبي عقيل وسلار، وقال إنه رواه ابن بابويه في كتابه، خلافا لابن إدريس في السرائر، فحكم بالكراهة، وعن المرتضى في أحد قوليه، فحكم باستحباب البداء‌ة من المرفق، والاصح الاول، لكثير مما تقدم في الوجه، بل هنا أولى، لظهور كثير من الوضوء‌ات البيانية فيه، ففي بعضها أنه صلى الله عليه وآله (أفرغه على ذراعيه من المرفق إلى الكف لايردها إلى المرفق) بل خبر علي بن يقطين المشهور المشتمل على المعجزة كاد يكون صريحا في ذلك، بل هو صريح، بل قد سمعت مافي خبر ابن عروة التميمي من التصريح بذلك.

٩١

(وصفحة ١٧٠) وفي المدارك أنه المشهور بين الاصحاب وفي المختلف ان المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة، واختاره الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبوالصلاح وابن البراج وابن إدريس، انتهى.

(وصفحة ١٩٥) (والافضل مسح الرأس مقبلا، ويكره مدبرا على الاشبه) بأصول المذهب وقواعده، ووفاقا للسرائر والمعتبر والنافع والمنتهى والمختلف والتحرير والارشاد والقواعد والالفية وجامع المقاصد والروضة وغيرها على اختلاف فيها لايقدح في أصل جواز النكس، وهو قضية إطلاق الهداية والجمل والعقد والاشارة والمراسم وغيرها، والمنقول عن الاصباح والمبسوط وابن أبي عقيل والشهيد في البيان والمقداد في التنقيح وغيرهم، ولعله لذا قال في الحدائق إنه المشهور، وقيل لايجوز النكس، كما هو خيرة الصدوق في الفقيه والمرتضى في الانتصار والشيخين في المقنعة والخلاف وظاهر التهذيب بل صريحه، وهو المنقول عن ظاهر النهاية وصريح الوسيلة، واختاره الشهيد في ظاهر الدروس، ونسبه فيها إلى الشهرة بين الاصحاب.

(وصفحة ٢١٥) (وهما قبتا القدمين) كما في النافع والروضة والتنقيح ناسبا له في الاخير إلى أصحابنا وقبتا القدمين أمام الساقين مابين المفصل والمشط، فالكعب في كل قدم واحد، وهو ماعلا منه في وسطه على الوصف المتقدم، كما في المقنعة، بل في التهذيب الاجماع ممن قال بوجوب المسح عليه، وهما معقد الشراك، كما في الاشارة والمراسم وعن الكافي، والعظمان اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك، كما في السرائر، والنابتان في وسط القدم عند معقد الشراك كما في الغنية، وحكى عليه الاجماع المتقدم عن الشيخ، والعظمان النابتان في وسط القدم كما في الخلاف والجمل والعقود وعن المبسوط، حاكيا في الاول الاجماع المتقدم، والعظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك كما في الانتصار وعن مجمع البيان، ومكان الظهر وسط كما في المهذب، حاكيا في الاول عليه الاجماع المتقدم وفي الثاني نسبته إلى

٩٢

الامامية، وهما ظهر القدم كما عن ابن أبي عقيل، وفي ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي قدام العرقوب كما عن ابن الجنيد، والعظمان النابتان في وسط القدم وهما معقد الشراك كما في المعتبر والمنتهى، ناسبا له في الاول إلى فقهاء أهل البيت عليهم السلام، وفي الثاني إلى علمائنا، ومعقد الشراك وقبتا القدم، وعليه إجماعنا كما في الذكرى، والعظمان اللذان في ظهر القدم كما عن النهاية الاثيرية، ناسبا له إلى الشيعة، ونحوه في ذلك مانقل عن صاحب لباب التأويل، وافقنا عليه محمد بن الحسن الشيباني من العامة، وخالف الباقون، فذهبوا إلى أنهما العظمان النابتان يمين الساقين وشمالهما، كما نقلذلك عنهم في المقنعة والتهذيب والخلاف والانتصار والمعتبر والمنتهى وغيرها.

(وصفحة ٢٢١) وقد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له، أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل، وهو الذي في أرجل الغنم والبقرة، وبحث عنه علماء التشريح، وبه قال الاصمعي ومحمد بن الحسن الشيباني كما نقله عنهما العامة في كتبهم، وهو الكعب على التحقيق الذي أراده العلامة رحمه الله، وعبارة ابن الجنيد والسيد المرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن أبي عقيل وابن إدريس والمحقق لاتأتي الانطباق عليه، والعلامة لاينكر أن الكعب نات في وسط القدم، كيف وقد فسره بذلك في المنتهى والتذكرة وغيرهما، ولكنه يقول هو ليس العظم الواقع أمام الساق بين المفصل والمشط، بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم.

(وصفحة ٢٢٧) ظاهر الروضة الوجوب، وهو المحكي عن ابني الجنيد وأبي عقيل وعلي بن بابويه، وفي كشف اللثام أنه يقتضيه إطلاق ابن سعيد وجوب تقديم اليمين على اليسار، قلت: ونحوه الشيخ في الخلاف، قال (الترتيب واجب في الوضوء في الاعضاء كلها، ويجب تقديم اليمين على اليسار إلى أن قال دليلنا الاجماع من الفرقة).

(وصفحة ٢٧٦) قال في المقنعة " وتثليثه تكلف، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا " وإبن الجنيد

٩٣

" الثالثة زيادة غير محتاج إليها " مع عدم صراحة الثاني بعدم الحرمة، كالمنقول عن إبن أبي عقيل أنه إن تعدى المرتين لايؤجر عليه، ويدل عليه مضافا إلى مادل على حرمة إدخال ماليس من الدين في الدين خصوص مرسلة إبن أبي عمير عن الصادق عليه السلام " والثالثة بدعة " منضما إلى قوله عليه السلام في خبر عبدالرحيم القصير " قال رسول الله صلى الله عليه وآله " كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ".

(وصفحة ٣٣٥) (و) من سننه (المضمضة والاستنشاق) لا واجبان فيه كما عن إسحاق وأحمد، للاصل والوضوء‌ات البيانية، وللاجماع المحصل والمنقول، والسنة التي كادت تكون متواترة، بل هي كذلك بالنسبة إليه، نعم هما مسنونان بلا خلاف أجده فيه بين أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين عدا ما نقل عن ابن أبي عقيل من أنهما ليسا عند آل الرسول صلى الله عليه وآله بفرض ولا سنة، وهو ضعيف جدا، للاجماع المحكي صريحا وظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الاصحاب، وللاخبار المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، منها مارواه ابن سنان عن الصادق عليه السلام " المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله كمضمرة سماعة هما من السنة ".

٩٤

النجاسات: البول

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٥٥) " قال في المسائل الناصرية: كل حيوان يؤكل لحمه، فبوله وروثه طاهر، وكذا قال أبو الصلاح وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل، وابن البراج، وأفتى ابن إدريس بالطهارة أيضا، وهو قول سلار.

وأما الشيخان رحمهما الله فإنهما استثنيا ذرق الدجاج من الحكم بطهارة رجيع مايؤكل لحمه، وهو يدل على حكمهما بالتنجيس إلا أن الشيخ رحمه الله ذهب إلى طهارته في الاستبصار، وهو المعتمد.

(وصفحة ٥٦) " مسألة: قال الشيخ في المبسوط: بول الطيور وذرقها كلها طاهر، إلا الخشاف، فإنه نجس.

وقال ابن أبي عقيل: كل ما استقل بالطيران فلا بأس بذرقه، وبالصلاة فيه.

وقال ابن بابويه لا بأس بخرء ما طار وبوله، ولابأس ببول كل شئ أكلت لحمه.

والمشهور نجاسة رجيع ما لايؤكل لحمه من طيور وغيرها، وهو المعتمد ".

الذكرى (صفحة ١٣) " الاول والثاني: البول والغايط من ذي النفس غير المأكول ولو بالعرض كالجلال، لقول الصادق عليه السلام " إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " وأخرج ابن بابويه وابن أبي عقيل والجعفي الطير، لقول الصادق عليه السلام " كل شئ يطير فلا بأس بخرئه وبوله ".

مدارك الاحكام (مجلد: ٢ صفحة ٢٥٩) " أما الارواث فلم أقف فيها على نص يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه

٩٥

العموم، ولعل الاجماع في موضع لم يتحقق فيه المخالف كاف في ذلك.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما: رجيع الطير، فذهب ابن بابويه وابن أبي عقيل والجعفي رحمه الله تعالى إلى طهارته مطلقا.

وقال الشيخ في المبسوط " بول الطيور وذرقها كلها طاهر إلا الخفاش " وقال في الخلاف " ماأكل فذرقه طاهر، وما لم يؤكل فذرقه نجس وبه قال أكثر الاصحاب ".

(وصفحة ٢٦٠) وفي الحسن عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال كل شئ يطير لا بأس بخرئه وبوله وهي متناولة للمأكول وغيره.

وأجاب العلامة رحمه الله في المختلف عن هذه الرواية بأنها مخصوصة بالخشاف إجماعا فيختص بما شاركه في العلة، وهو عدم كونه مأكولا. وفساده واضح أما أولا: فلمنع الاجماع على تخصيص الخشاف، فإنه رحمه الله قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه وابن أبي عقيل القول بالطهارة مطلقا، ونقل استثناء الخشاف عن الشيخ في المبسوط خاصة.

الحدائق الناضرة (مجلد: ٥ صفحة ٦) الاول رجيع الطير وهذا من الكلية الثانية، فذهب الصدوق إلى طهارته مطلقا حيث قال في الفقيه " ولا بأس بخرء ما طار وبوله " وهو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، ونقله الاصحاب أيضا عن ابن أبي عقيل والجعفي.

(وصفحة ٧) قال في الفقيه " ولا بأس بخرء ما طار وبوله " وهو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، ونقله الاصحاب أيضا عن ابن أبي عقيل والجعفي، وهو قول الشيخ في المبسوط إلا أنه استثنى منه الخشاف قال " بول الطيور وذرقها كله طاهر إلا الخشاف ".

(وصفحة ١٠) واعترضه في المدارك بأن فساده واضح (أما أولا) فلمنع الاجماع على تخصيص الخشاف فإنه قدس سره قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه وابن أبي عقيل القول بالطهارة مطلقا ونقل استثناء الخشاف عن الشيخ قدس سره في المبسوط خاصة.

٩٦

جواهر الكلام (مجلد: ٥ صفحة ٢٧٥) نعم ينبغي أن يعلم أن محله في غير الطير من غير المأكول ذي النفس، لظهور القول بطهارة بولها وخرئها من الفقيه كما عن الجعفي وابن أبي عقيل، بل هو صريح المبسوط في غير الخشاف، والمفاتيح والحدائق مطلقا كما عن حديقة المجلسي وشرحه على الفقيه والفخرية وشرحها الرياض الزهرية وكشف الاسرار، بل هو ظاهر كشف اللثام وشرح الدروس، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا، لكن في غير الخشاف، بل وفيه أيضا.

(وصفحة ٢٨٨) قال في مبسوطه في آخر كتاب الصيد: إن رجيع مايؤكل لحمه ليس بنجس عندنا إلى آخره.

بل ظاهر الشيخ الاجماع كظاهر العلامة في المنتهى، وأما الصدوق فظاهره في الفقيه أو صريحه الطهارة، كما حكاه عنه وعن المرتضى وسلار وأبي الصلاح وظاهر ابني أبي عقيل والبراج في المختلف، فانحصر الخلاف حينئذ في المفيد. ومع ذلك كله فهو الموافق للاصل، للعمومات والمعتبرة المستفيضة الدالة على نفي البأس عن فضلة مأكول اللحم منطوقا ومفهوما، وما سمعته من الاجماعات المحكية المعتضدة بالتتبع لكلمات الاصحاب أيضا ".

٩٧

الخمر

المعتبر (مجلد ١ صفحة ٤٢٢) " مسألة: الخمر نجسة العين، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم، والشافعي وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم، وقال محمد بن بابويه وابن أبي عقيل منا: ليست نجسة، وتصح الصلاة مع حصولها في الثوب وإن كانت محرمة.

لنا قوله تعالى " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " والآية دالة من وجهين: أحدهما ان الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة. والثاني: انه أمر بالاجتناب، وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب لجميع الانواع لان معنى اجتنابها، كونه في جانب غير جانبها.

ويويد ما قلناه مارواه الاصحاب عن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ولا يصلي في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٥٨) " وقال أبوعلي بن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما، لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا، لا لانهما نجسان. وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب والجسد.

وقال أبوجعفر بن بابويه لابأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته مع أنه حكم بنزح ماء البئر أجمع بانصباب الخمر فيها ".

" احتج ابن بابويه وابن أبي عقيل بالاصل، وبما رواه أبوبكر الحضرمي " قال قلت لابي عبدالله عليه السلام أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ في حب أشرب منه قال نعم إن أصل النبيذ حلال وإن أصل الخمر حرام " وعن الحسين بن أبي سارة قال قلت لابي عبدالله عليه السلام إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال لابأس إن الثوب لايسكر وبغير ذلك من الاحاديث وقد نقلناها في كتاب مصابيح الانوار وغيره، ولان المسكر لايجب إزالته عن الثوب والبدن

٩٨

بالاجماع لوقوع الخلاف فيه، وكل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع، إذ لا خلاف في وجوب إزالة النجاسة عنهما عند الصلاة ".

مجمع الفائدة والبرهان (مجلد ١ صفحة ٣٠٨) ومنها: مافي الخبر الصحيح من نهيه عليه السلام عن بعض ظروف الخمر فيكون لنجاستها.

وحمل الشيخ الاخبار الدالة على الطهارة، على التقية للجمع، وردها في المنتهى بعدم الصحة، وما ادعى أحد صحتها على ما أعرف. وفيها تأمل لعدم ثبوت الاجماع كما صرح به السيد ويدل عليه مكاتبة علي بن مهزيار حيث كان الخلاف بين الاصحاب موجودا، وقول الصادق وابن أبي عقيل بالطهارة على ما نقل في المختلف.

ودلالة الآية غير ظاهرة ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٩٥) وأما دليل نجاسة الخمر فهو نقل الاجماع في المختلف عن الشيخ وعن السيد، إلا عن شاذ لا اعتبار به، قال في المنتهى: وهي قول أكثر أهل العلم، وقوله تعالى: " إنما الخمر " إلى قوله " رجس، من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " لان الرجس هو النجس بالاتفاق على ما قاله الشيخ في التهذيب، ولوجوب الاجتناب من جميع الوجوه، ولكون عدمه موجبا لعدم الفلاح، والهلاك، والاخبار الكثيرة، منها: مكاتبة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لابأس بأن يصلي فيه إنما حرم شربها، وروي غير زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال " إذا أصاب ثوبك خمر ونبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن صليت فيه فأعد صلاتك " فأعلمني ماآخذ به؟ فوقع عليه السلام بخطه وقرأته: خذ بقول أبي عبدالله عليه السلام ".

وهذا أجود الاخبار سندا حيث أظن صحته وإن كان مكاتبة وهو حجة كالمشافهة، وهو ظاهر، وما رأيت أحدا قال بصحته، بل قالوا

٩٩

بعدمها، وقال في المنتهي: إنه حسن، وهو غير ظاهر فارجع إلى مأخذه وأصله.

مدارك الاحكام (مجلد ٢ صفحة ٢٩٠) وقال ابن أبي عقيل رحمه الله: من أصاب ثوبه أو جسده حمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما، لان الله تعالى إنما حرمهما تبعدا لا لانهما نجسان، وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب والجسد. ونحوه قال الصدوق رحمه الله في من لا يحضره الفقيه.

(وصفحة ٢٩٢ ٢٩٣) والحكم بنجاسة العصير إذا غلى واشتد ولا يذهب ثلثاه مشهور بين المتأخرين ولا نعلم مأخذه، وقد اعترف الشهيد رحمه الله في الذكر والبيان بأنه لم يقف على دليل يدل على نجاسته، وذكر أن المصرح بنجاسته قليل من الاصحاب، ومع ذلك فأفتى في الرسالة بنجاسته، وهو عجيب.

ونقل عن ابن أبي عقيل بطهارته، ومال إليه جدي قدس سره في حواشي القواعد، وقواه شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى، وهو المعتمد، تمسكا بمقتضى الاصل السالم من المعارض.

الحدائق (ملجد ٥ صفحة ٩٩) " وأصرح منه ما نقل عن ابن أبي عقيل حيث قال " من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لانهما نجسان.

وعزى في الذكرى إلى الجعفي وفاق الصدوق وابن أبي عقيل وكذا في الدروس.

(وصفحة ١١١) " تنبيهات (الاول) المفهوم من كلام الاصحاب رضوان الله عليهم ان حكم جميع الانبذة المسكرة حكم الخمر في التنجيس، قال في العالم " ولا نعرف في ذلك خلافا بين الاصحاب " والظاهر أن مراده من قال من الاصحاب بنجاسة الخمر وإلا فقد عرفت مذهب الصدوق وابن أبي عقيل والجعفي في قولهم بالطهارة.

(وصفحة ١٢٢) وفي المختلف " الخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس. ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد والشيخ أبي جعفر والمرتضى وأبي

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

المروية عن عليّ (عليه السلام) وأبنائه الأئمّة الهُداة، حقيقة التوحيد في كلماتهم كما أوردها الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق عن المعتزلة بدون تفاوت إلاّ في بعض النقاط التي سنُنبه عليها في المباحث الآتية:

فقد روى محمّد بن بابويه المعروف بالصدوق، في كتابه التوحيد، عن الهيثم بن عبد الله الرماني، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ (عليه السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) خطَب الناس في مسجد الكوفة، فقال: (الحمد لله الذي لا مِن شيءٍ كان، ولا مِن شيءٍ كوّن ما قد كان، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته، وبما وسَمَها من العجز على قدرته، وبما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه، لم يخلُ منه مكان فيُدرك بأنّيته، ولا له شبيه مثالٍ فيوصف بكيفيّته، ولم يغِب عن علمه شيءٌ فيعلم بحيثيّته، مباينٌ لجميع ما أحدث في الصفات، وممتنعٌ عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات، لا تحويه الأماكن لعظمته، واحدٌ لا بعدد، ودائمٌ لا بأمَد، وقائم لا بعمَد، ليس بجنسٍ فتعادله الأجناس، ولا بشبحٍ فتضارعه الأشباح، ولا كالأشياء فتقَع عليه الصفات) (١).

وجاء في توحيد الصدوق أنّ رجلاً سأله في البصرة عن حقيقة التوحيد فقال: (إنّ القول بالوحدانية يصحّ على أربعة أوجه: اثنان منها لا تجوز عليه سبحانه، واثنان ثابتان له. فأمّا ما لا يجوز منها عليه، فقول القائل: واحد يلاحظ العدَد؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، ولذا كفَر من قال: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكذا إطلاق الواحد عليه يلاحظ أنّه واحد من الناس، ويُراد بذلك النوع من الجنس، وهذا لا يجوز عليه سبحانه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربنا عن ذلك وتعالى علوّاً كبيراً، وأمّا اللذان يجوَّزان عليه سبحانه فهما الواحد بمعنى نفي الشبيه له، وبمعنى أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ، كذلك ربّنا عزّ وجل) (٢).

وبهذا التحديد القصير لحقيقة التوحيد جمَع كل ما ذكره المعتزلة في

____________________

(١) انظر توحيد الصدوق ص ٥٢ تجد الخطبة بكاملها حول صفات الله سبحانه وبيان حقيقة التوحيد كما يليق بذاته تعالى.

(٢) انظر المصدر السابق ص ٦٧.

١٤١

معنى الوحدانية؛ لأنّ ما لا شبيه له في الأشياء، لا يكون جسماً، ولا يوصَف بصفات الأجسام، ولا يُحدّ بشيء من الأشياء، وليس له أبعاض وأجزاء، ولا يجري عليه زمان ولا تحيط به الحواس، إلى غير ذلك من الأوصاف التي أوردها المعتزلة لبيان حقيقة التوحيد، كما وأنّ ما لا ينقسم في وجودٍ أو عقلٍ أو وهم، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا يكون محلاًّ للأعراض والحوادث، لأنّ انقسام الشيء ولو في عالم الذهن لا يُمكن أنْ يكون إلاّ باعتبار أجزائه، وعوارضه، وإذا لم يصحّ فيه الانقسام، لابدّ وأنْ يكون مجرّداً عن جميع الحالات والكيفيّات.

وجاء عنه أنّه قال: (إنّ الله ليس بشبح فيرى، ولا بجسمٍ فيجرى، ولا بذي غايةٍ فيتناهى، ولا بمحدِث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، كلمّ موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ومَن زعَم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود) (١) .

وجاء عن الفتح بن يزيد الجرجاني أنّه سأل الإمام الرضا (عليه السلام): هل يعلم الله الشيء الذي لم يكن أنْ لو كان كيف يكون؟ فقال: (أمّا سمعت إليه يقول: ( لو كان فيهما آلهةً إلاّ الله لفسدتا ) ، وقوله: ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، وقال، عن أهل النار: ( أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا ) ، وقال: ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) ، فقد أثبت سبحانه لنفسه أنّه يعلم الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون) (٢).

وقد أورد الإمام (عليه السلام) هذه الآيات التي أثبتت له العِلم بما لم يكن، إلزاماً للقائلين بأنّ العلم لا يتعلّق بالمعدوم حيث شاع القول بذلك في عصره على أحد زعماء المعتزلة (٣).

وأورد الصدوق في كتابه التوحيد جملة أُخرى من الأحاديث عن الأئمّة (عليهم السلام)، في تحديد معنى التوحيد تتضمّن تنزيه الله سبحانه عمّا أثبته له المشبّهة والمحدّثون من أهل السنّة، كما أورد السيّد الرضي في نهج البلاغة مجموعة من خطَب أمير المؤمنين (عليه السلام) حول هذا المعنى، وهو

____________________

(١) نفس المصدر ص ٦١.

(٢) نفس المصدر ص ٤٨.

(٣) وتنسب هذه المقالة إلى الجهم بن صفوان أوّل المتكلّمين في القدر، وإلى هشام بن محمّد الغوطي أحد زعماء المعتزلة في عصر الإمام الرضا (عليه السلام).

١٤٢

أوّل مَن تطرّق لهذه المواضيع من المسلمين وذلك قبل وجود المعتزلة بعشرات السنين.

أمّا التوحيد عند الأشاعرة الذين يمثّلون رأي المحدّثين والفقهاء، وعامّة أهل السنّة، فقد قال أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميّين) في وصفه: (إنّ الله واحدٌ أحد لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، وهو على عرشه كما تنصّ الآية: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، وأنّ له يدَين بلا كيف لقوله: ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ، ولقوله: ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وله عينان، لقوله: ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) ، وله وجه لقوله: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ) ، وأنّ أسماء الله لا يُقال أنّها غير الله كما يدّعي المعتزلة والخوارج، وله علم لقوله: ( أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ) ، ولقوله: ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ ) ، وأثبتوا له القوّة لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) .

وأضافوا إلى ذلك أنّ سيّئات العباد يخلقها الله، وجميع الأعمال مخلوقةٌ له سبحانه، ولا يقدر العباد أنْ يخلقوا منها شيئاً، وأنّه يقدر أنْ يصلح الكافرين ويلطف بهم ليكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أنْ لا يصلحهم ولا يلطف بهم، وأرادهم كافرين، وأنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة تمامه، يراه المؤمنون دون الكافرين؛ لأنّهم عنه محجوبون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل مِن مستقر (١).

وقد أورد الأسفراييني في كتابه التبصير عن معتقدات أهل السنّة (٢) والجماعة ما هو قريب من ذلك، والأشاعرة كغيرهم من المذاهب الإسلامية، يثبتون له بعض الصفات وينفون عنه غيرها، ولكنّهم يختلفون اختلافاً واقعياً في كيفية اتصافه بتلك الصفات، ومع أنّهم ينفون عنه الجسمية والمكان والحلول يثبتون له ما لا ينفكّ عن هذه الأُمور، ويبدو ممّا ذكرناه من مجمل عقيدة الأشاعرة وأتباعهم المحدّثين أنْ بين رأيهم في حقيقة التوحيد من جهة، ورأي الإمامية والمعتزلة من جهة أُخرى تفاوتاً موجباً لتغايره بلحاظ كل من الرأيين.

____________________

(١) انظر مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري ص ٣٣٠ وما بعدها إلى صفحة ٣٣٣.

(٢) انظر التبصير في الدين ص ١٤٩ وما بعدها.

١٤٣

وقد اتفقت الفِرَق الثلاث على أنّ صفاته منها ما هو ذاتي ثابت لذاته: كالعلم والقدرة والحياة، والإرادة والسميع، والبصير، ومنها ما هو إضافي يثبت لذاته بعد وجود المنشأ لانتزاعها: كالرازق، والخالق، والمالك، والمميت، وغير ذلك ممّا تتّصف به الذات بعد وجود منشأ لانتزاعها؛ لأنّ صدق الخالق والمالك والرازق والمُميت عليه سبحانه، إنّما صحّ باعتبار وجود المخلوق والمملوك، والإماتة، ولا شكّ بحدوث هذه الصفات تبَعاً لمنشأ انتزاعها أمّا الصفات الذاتية، فالأشاعرة وبعض المعتزلة يدّعون أنّها قديمة مغايرة لذاته، فهو عالمٌ بعلم، وقادرٌ بقدرة، وسميعٌ بسمع وهكذا الحال في بقية الصفات، وأمّا الإمامية فقد اتفقوا على أنّ صفاته ليست أُموراً زائدة على ذاته، وإلاّ لزِم تعدد القديم، أو حدوث الصفات ولا يُمكن الالتزام بكلٍّ منهما (١).

ولقد قسّم المتكلّمون الصفات إلى قسمين سلبية وثبوتية، فالسلبية هي نفي ما لا يليق بذاته عنه، ككونه جسماً آو جوهراً وعرضاً وغير ذلك، والثبوتية، فهي التي تليق بذاته كالعلم والقدرة والسمع والبصر والمُحيي والرازق وغيرها من الصفات التي أثبتها له المتكلّمون والفلاسفة الإسلاميّون.

وقد اتفق الإمامية والمعتزلة على عدم كونه جسماً؛ لأنّ كونه جسماً يلزمه أنْ يكون متحيّزاً، وأنْ يكون جوهراً لو كان متحيّزاً، وإذا كان جوهراً، فإمّا أنْ لا ينقسم أصلاً أو ينقسم، وكلاهما لا يجوز عليه سبحانه.

أمّا الأوّل: فلأنّ الجوهر الذي لا ينقسم هو الجزء الذي لا يتجزّأ، والجزء الذي لا يتجزّأ أصغر الأشياء، وتعالى الله عن ذلك.

وأمّا الثاني: فلو انقسم كان جسماً مركّباً، والتركيب الخارجي يتنافى مع الوجوب الذاتي، هذا بالإضافة إلى أنّه لو كان متحيّزاً، لكان مساوياً لسائر المتحيّزات في الماهية، واللازم من ذلك، إمّا القِدَم أو الحدوث؛ لأنّ المتماثلات لابدّ من توافقها في الأحكام (٢).

____________________

(١) انظر المواقف للإيجي ص ٤٥ وما بعدها من الجزء الثامن.

(٢) انظر المواقف للإيجي الجزء الثامن من المجلّد الرابع ص ٢٠ و٢١ وما بعدهما تجد عرضاً وافياً لبقية الأدلّة على نفي الجسمية ولوازمها من التحيّز وخلافه.

١٤٤

ولم يخالف بذلك سوى المشبّهة، وهم الحنابلة والكرامية، فقد ذهبوا إلى إنّه متحيّز بجهة العلو، ويظهر من الأشعري أنّ عقيدة أهل السنّة بأجمعهم على ذلك (١)، وعلى أيّ الأحوال فالمشبّهة من الحنابلة والمحدّثين، يدّعون أنّه متحيّز كبقية الأجسام بنحوٍ يصحّ الإشارة إليه، وهو مماس للصفحة العليا من العرش على حد تعبيرهم، ويجوز عليه التحوّل من مكانٍ إلى آخر، وأنّ العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، ويزيد عن العرش من كلّ جهة أربعة أصابع وأضافوا إلى ذلك أنّ المؤمنين المخلصين يعانقونه في الآخرة.

وادعى بعض الحشوية من المحدّثين أنّه جسمٌ مركّب من لحمٍ ودم، وقال آخرون: إنّه نور يتلألأ كالسبيكة البيضاء، ويبلغ طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وقال آخرون: أنّه شيخٌ أشمط الرأس واللحية، إلى غير ذلك من الانحرافات والخرافات التي لا يقرّها العقل ولا المنطق، ولا مصدر لها من كتاب أو سنّة، وليس في القرآن سِوى بعض الآيات التي قد يتراءى لأوّل نظرة فيها أنّه جسم كبقية الأجسام، ولكنّها محاطة بآيات أُخرى، ونصوص من السنّة، وقرائن في تلك الآيات الموهمة لكونه جسماً، تؤكّد أنّ المعنى الموهوم من ظاهرها غير مراد منها.

وقال بعضهم، في تفسير قوله تعالى ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) : إنه يقعد معه على سريره، وادعى معاذ العنبري - أحد الحشوية من السنّة - أنّ الله على صورة إنسان، وله كلّ ما للإنسان حتى الفرج، وأضاف بعضهم انّه رأى صورة آدم فخلق نفسه على مثالها، وأنّه يضحك حتى تبدو نواجذه، وفي رجليه نعلان من ذهب في روضةٍ خضراء تحمله الملائكة، وأنّ الملائكة مخلوقة من زغَب ذراعيه.

وجاء عن داود الظاهري أنّ الملائكة عادته حينما اشتكى من وجَع في عينيه، وينزل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان في كلّ عام، وفي الآخرة لا يعرفه الناس إلاّ بعد أنْ يظهر لهم العلامة التي امتاز بها في ساقه، فإذا كشف لهم عن ساقه سجدوا له، ورووا أنّ فاطمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله) تأتي يوم القيامة وعليها قميص الحسين (عليه السلام) لتخاصم يزيد بن معاوية إلى الله؛ لأنّه قتل ولدها الحسين، وسبى عياله وأطفاله، فإذا رآها الله

____________________

(١) انظر ص ٣٢٣ من مقالات الإسلاميّين في الفصل الذي عقده لبيان عقيدة أهل السنّة.

١٤٥

سبحانه دعا يزيد بن معاوية إليه وادخله تحت قوائم عرشه، كي لا تظفر به فاطمة (عليه السلام)، فيدخل يزيد ويختبئ منها، ثمّ تتظلّم فاطمة وتبكي، فيخرج الله سبحانه لها قدمه، وبها جرح من سهم نمرود، على حدّ زعمهم، فيقول لها: انظري إلى جرح قدمي، هذا من آثار سهم نمرود وقد عفوت عنه.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد إنّهم رووا في الصحاح أنّ آدم مخلوق على صورته تعالى، وأنّ النار عندما تتغيّظ وتزفر لا تسكن حتى يضع رجله فيها، ويُنسب إلى حمّاد بن أبي سلَمة الأُستاذ الأوّل لأبي حنيفة وأحد فقهاء الرأي، إنّ الله ينزل ليلة عرَفة من السماء إلى الأرض على جملٍ أحمر في هودجٍ من ذهب (١) .

والقول بالتجسيم لازم لكلّ من يلتزم بظواهر الآيات كالحنابلة وأتباعهم، أمّا الأشاعرة فمع أنّهم يلتزمون بظواهر الآيات بدون تصرّف فيها، فقد التزموا بأنّ لله وجهاً ويدين وعيناً، ولكنّهم اعتبروها أوصافاً قائمة بذاته تهرّباً من التجسيم الذي يدّعيه بعض الحنابة والحشوية تمشّياً مع العقل الذي يرى التجسيم منافياً للوحدانية (٢).

وجاء عن عليّ (عليه السلام) حول المشبّهة والمُجسّمة: (كذب العادلون بك إذ شبّهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزّأوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم، وأشهد أنّ مَن ساواك بشيء مِن خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافرٌ بما نزلت به محكمات آياتك، ونطقت به شواهد حُجج بيّناتك) (٣).

وقد بالغ الكتّاب والمؤلّفون في الفِرَق والمذاهب في نسبة التجسيم إلى هشام بن الحكم، ونسبوا إليه بعض المقالات المنافية لأُصول الاسلام، والتي لا يقرّها العقل، ولا تنسجم مع سيرة هشام وعلمه وصلته بالأئمّة من أهل البيت (عليه السلام)، فقد جاء في التبصير للأسفراييني، أنّه كان يقيس

____________________

(١) انظر ما ذكرنا من أقوال المجسّمة وأدلّتهم الجزء الثامن من المواقف ص ٢٦، وشرح النهج لابن أبي الحديد طبع مصر ج ١ ص ٢٩٤ و٢٩٥ وما بعدها.

(٢) انظر شرح النهج ٢٩٦.

(٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٢ ص ١٤٤.

١٤٦

معبوده على الناس، وأنّه سبعة أشبار بشبره وأنّه يتلألأ نوراً، وحكى عنه أبو الهذيل العلاّف أحد زعماء المعتزلة وقد سأله: أيّهما أكبر معبوده أم جبل أبي قبيس؟ فقال: إنّ الجبل لا يرقى عليه تعالى، وحكى عنه أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميّين، أنّه قال: إنّ الله جسمٌ محدودٌ عريضٌ عميق طويل، طوله مثل عرضه وعمقه مثل طوله، وأنّه ذو لونٍ وطعمٍ ورائحة ومجسة إلى غير ذلك من المقالات التي ينسبها إليه كتّاب الفِرَق وغيرهم، وقد وصفه المعتزلة بالخروج عن الاسلام، وهاجمه الجبائي وغيره منهم، وقال فيه بعضهم:

ما بال مَن ينتحل الاسلام

متّخذاً إمامه هشاما (١)

ويبدو من ذلك أنّ الحملات العنيفة التي واجهها هشام، من أخصامه المعتزلة والمحدّثين والفقهاء من السنّة كانت بدافع التشنيع عليه؛ لأنّه كان يُخاصم الفريقين ويناظرهم ولا يثبتون له في جميع مواقفهم معه، كما تؤكّد ذلك المرويّات في ترجمته، وليس في كلماته ما يشير إلى التجسيم المنسوب إليه، وكلّ ما ورد عنه أنّه قال: إنّ الله جسم لا كالأجسام، قال ذلك على سبيل المعارضة والجدَل لأخصامه المعتزلة القائلين بأنّه شيء لا كالأشياء، وهذا النوع من الجدَل لا يدلّ على أنّه اتخذه رأياً له، ولا مذهباً يدين به كما يدّعي كتّاب الفِرَق والمذاهب.

ولو افترضنا أنّه كان يدين بذلك، فليس في هذا الرأي ما يوجب الكفر والإلحاد كما وصفه بذلك النظّام والجبائي وغيرهما من المعتزلة والمحدّثين، وليس في كلماته ما يشير إلى حديث الأشبار السبعة من قريب أو بعيد التي نسبها إليه الجاحظ والنظّام، هذا بالإضافة إلى أنّ هشام بن الحكم كان من تلامذة الأئمّة من أهل البيت (عليه السلام) الذين أعلنوا حرباً لا هوادة فيها على المجسّمة وأصحاب المقالات التي لا تتّفق مع قداسة الخالق وتنزيهه عن صفات مخلوقاته، وكان على صلةٍ أكيدة بهم، ومفضّلاً على الأجلّة من شيوخ أصحابهم.

وقال فيه الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تزال مؤيّداً بروح القدس يا

____________________

(١) انظر التبصير في الدين ص ١٠٦ ومقالات الإسلاميّين ج ١ ص ٢٥٧ والشافي للسيّد المرتضى ص ١١.

١٤٧

هشام، ما نصرتنا بلسانك)، وجاء عنه أيضاً أنّه دخل على الإمام الصادق وكان شابّاً قبل أنْ يختطّ عارضاه بالشعر، وفي مجلسه أجلاّء الشيوخ من شيعته وتلاميذه، فوسّع له في مجلسه، وأدناه منه ثمّ قال: (هذا ناصرنا بقلبه ويده ولسانه)، وقال فيه مّرة أُخرى: (هشام بن الحكم رائد حقّنا، والمؤيّد لصِدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، مَن تبعه وتبِع أمره تبعنا، ومَن خالفه وألحَد فيه فقد خالفنا وألحد فينا)، إلى غير ذلك من المرويّات الكثيرة في فضله وسلامة عقيدته، والتي تؤكّد بصراحة أنّه كان يُطبّق مبدأ الأئمّة من أهل البيت وتعاليمهم في أقواله وأفعاله وآرائه.

وكيف تصحّ في حقّه تلك التهم والمقالات الفاسدة المنافية لأُصول الإسلام ونصوص القرآن، مع تعظيم الأئمّة له، وتقديرهم لجهوده وجهاده؟ إنّ نسبة هذه المقالات إلى هشام بن الحكَم وجوازها عليه لا ينفكّ عن جوازها على الأئمّة أنفسهم الذين رفعوا شأنه، وفضّلوه على الأجلّة من أصحابهم.

وممّا يؤكّد عدم صحّة تلك المرويّات عنه أنّها لم ترِد عن غير أعداء الشيعة وأعدائه بصورة خاصة؛ لأنّه وقف لهم ولغيرهم من الملحدين وأهل البِدَع والمنحرفين بالمرصاد، وله مواقف حاسمة مع عمرو بن عبيد أحد زعماء المعتزلة، وإبراهيم بن سيار النظّام وغيرهما في الإمامة وغيرها من الأصول الإسلاميّة، وجاء فيما رواه أبو عمر الكشّي في رجاله، أنّ إبراهيم النظام كان ينكر بقاء أهل الجنّة إلى الأبد، مدّعياً أنّ البقاء الأبدي لا يكون لغير الله، وقد جرى حوار بينه وبين هشام بن الحكَم حول هذا الموضوع، قال فيه هشام: إنّ بقاء الله لا يحتاج إلى سبب وعلّة، وبقاؤهم لا يكون إلاّ بسبب، هو إرادة الله ومشيئته، فلا يلزم من بقائهم مشاركتهم لله سبحانه.

ولمّا أصرّ النظّام على أنّهم بعد استيفاء نصيبهم من النعيم يجمدون على الحالة التي كانوا عليها، قال هشام: أوَلَيس في الجنّة كلّ ما تشتهي الأنفس؟ ومِن الجائز أنْ يشتهوا البقاء فيها إلى الأبد، قال النظّام: نعم ولكنّهم لا يلهمون إلى ذلك، وإنْ سألوه أعطاهم ما يريدون.

قال هشام: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنّة نظر إلى ثمرة من ثمارها، فتدلّت إليه الشجرة ليقطف منها تلك الثمرة، ثمّ حانت منه لفتة أُخرى، فنظر إلى ثمرةٍ أُخرى منها فمدّ يده ليأخذها فأدركه الجمود الذي تدّعيه،

١٤٨

ويداه معلقتان بشجرتين فارتفعت الأشجار يصبح والحالة هذه مصلوباً، أَفبلغك أنّ في الجنّة مصلوباً؟ قال النظّام: إنّ ذلك محال، فقال هشام: إنّ ما أتيت به أمحل منه يا جاهل.

ومهما كان الحال، فالخصومة الشديدة التي كانت بينه وبين أصحاب المقالات والآراء المخالفة لأُصول الاسلام، ولا سيّما خصومته لأقطاب المعتزلة كعمرو بن عبيد، والنظّام والجاحظ وأمثالهم، هذه الخصومة هي التي دفَعت أعداءه إلى الكذِب والتشويش عليه، ولو افترضنا أنّه كان من القائلين بالتجسيم، وأنّه كان دَيصانياً في بداية أمره، ثمّ أصبح جهمياً، وأخيراً أصبح إمامياً متحمّساً لفكرة الإمامية، ولو افترضنا أنّه كان ديصانياً وجهمياً قبل تشيّعه لأهل البيت (عليه السلام)، فلابدّ وأنْ يكون قد رجَع عن القول بالتجسيم بعد المرحلة الأخيرة التي استقرّ عليها، كما يبدو ذلك من سيرته، ومعاملة الأئمّة الهداة (عليه السلام) له.

وجاء في بعض المرويّات أنّ الإمام جعفر بن محمّد (عليه السلام) قد منعه من الدخول عليه؛ لأنّه يقول بالتجسيم، واعتذر عن ذلك بأنّه لم يعلم بأنّه يتخطى رأي إمامه بذلك، أمّا بعد أنْ علم بذلك، فهو تائب إلى الله (١)، على أنّ ذلك كلّه مجرّد افتراض، والرواية المذكورة لا تؤيّدها الدراسة لتاريخ هشام بن الحكم وتتبّع آثاره، والذي تؤيّده الشواهد المتعدّدة أنّ هشاماً منذ نشأته لم ينحرف عن التشيّع، وقضى مدّة حياته صلباً في تشيعه، وخصماً عنيداً لكلّ مَن يُحاول التشويش عليه من أيّ فرقةٍ كان.

والرواية الحاكية لخصومته مع عمرو بن عبيد في البصرة حول الإمامة، تنصّ على أنّه كان يوم ذاك في مطلع شبابه، لم يختط عارضاه بالشعر كما جاء فيها، وقد جاء في الشافي للسيّد المرتضى، أنّ الإمام الصادق كان يرفعه على شيوخ أصحابه مع حداثة سنّه، وأنّه وهو في ريعان شبابه كان يُدافع ويناضل عن التشيّع وأُصوله (٢).

ومن ذلك نستفيد أنّه لم يعتنق غير التشيّع مذهباً، ولم يتبنّ غير أُصوله وفروعه، وكيف يجوز في حقّه أنْ يكون ديصانياً تارة، وجهمياً أُخرى، مع كونه خصماً عنيداً لأعداء التشيّع قبل أنْ يختطّ عارضاه

____________________

(١) انظر هشام بن الحكم للشيخ عبد الله نعمة.

(٢) انظر الشافي للسيّد المرتضى ص ١٢ و١٣.

١٤٩

بالشعر أي في مطلع شبابه وهذا السنّ لا يُساعد عادة على استعراض المذاهب ودراستها والتنقّل من مذهب إلى مذهب، على أنّ هذه النسبة جاءته مِن قِبل أخصامه المعتزلة الذين كانوا يرونه من أنكد أخصامهم الأقوياء، ونسَج المتأخّرون منهم على منوالهم، وما زال الكتّاب يلصقون به وبغيره من أعلام الشيعة، كلّ ما يُسيء إلى سمعتهم ويُوهن من أُمورهم، ويجترون أقوال المتقدّمين بدون تحقيق أو تمحيص.

وجاء في تاريخ الفِرَق الإسلامية أنّ أصل التشبيه يرجع إلى طائفتين: طائفة الروافض من الشيعة، وطائفة الحشوية من المحدّثين، ويمثّل الطائفة الأُولى هشام بن الحكم (١)، وقد ذكرنا أنّ مصدر إلصاق هذه التهمة به هو الكلمة المنسوبة إليه وهي، (إنّه جسمٌ لا كالأجسام)، وهي على تقدير صدورها منه صورة ثانية عن مقالة المعتزلة، (إنّه شيءٌ لا كالأشياء)، والمقصود منها أنّه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، ولا تدلّ على أكثر من ذلك، ومع ذلك فقد استباحوا إلصاق هذه المقالات الباطلة به، ولم ينسبوا إلى الأشعري والمحدّثين القول بالتشبيه والتجسيم، مع أنّ كلماتهم أدلّ على التجسيم المطلق من هذه الكلمة.

قال أبو الحسن الأشعري، في شرح معتقدات أهل السنّة: (إنّ الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، وأنّه ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ وله يدان وعينان ووجه وغير ذلك من الأعضاء، وعقّب ذلك بقوله: وبكلّ ما ذكرنا من قولِهم نقول وإليه نذهب (٢)، وذكر في التبصير نحواً من ذلك، واستدلّ على رؤية الله سُبحانه بأنّ ما لا تصحّ رؤيته لم يتقرّر وجوده، هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن الحنابلة الذين أنزلوه إلى مستوى البشر، ومع ذلك فالشيعة عند عليّ الغرابي، هُم المشبّهة والمجسّمة بزعامة هشام بن الحكَم.

أمّا القائلون بأنّ له يداً وعيناً ووجهاً وأنّه يُرى بالأبصار، وينزل إلى السماء الدنيا وغير ذلك ما هو ثابت عن أهل السنّة الأشاعرة وغيرهم،

____________________

(١) انظر تاريخ الفِرَق الإسلامية لعلي الغرابي.

(٢) انظر صفحة٣٢٠ وما بعدها إلى ص٣٢٥ الجزء الأول من مقالات الإسلاميّين، وانظر التبصير في الدين ص١٣٨.

١٥٠

هؤلاء هم الموحّدون الحقيقيّون عند الغرابي وغيره من كتّاب السنّة.

ومن صفاته السلبية، أنّه ليس بجوهر ولا عرض؛ إذ لو كان جوهراً لكان متحيّزاً، والتحيز يلزمه التجسيم وكونه محتاجاً إلى غيره، هذا بالإضافة إلى أنّ الجوهر وجوده غير ماهيته، والواجب متّحد وجوداً وماهية، ولو كان عرضاً احتاج إلى محل يعرض عليه؛ لأنّ الأعراض إنّما تتقوّم بغيرها.

ومنها أنّه ليس زمانياً بمعنى أنّ وجوده لا يحتاج إلى الزمان، ولو كان زمانياً لزِم كون الزمان قديماً، وكونه مفتقراً إلى غيره كما هو الحال في كلّ زماني، مضافاً إلى أنّ الزمان يتجدّد، والحال في المتجدّد لابدّ وأنْ يكون متجدّداً، وتعالى الله عن ذلك، وليس معنى كونه قديماً هو التقدّم الزماني، كما وأنّ بقاءه لا يعني وجوده في زمانين أو أكثر، وإلاّ لزِم كونه زمانياً.

ومنها أنّه لا يتّحد بغيره لامتناع صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، وينسب القول بذلك إلى الصوفية؛ لأنّهم يدّعون بأنّه متّحد بأبدان العارفين، وأنّه نفس الوجود، وكلّ موجود هو الله على حدّ زعمهم.

ومنها أنّه لا يحلّ بغيره؛ لأنّ الحال مفتقر إلى المحل، وكلّ مفتقر إلى غيره ممكن، مضافاً إلى أنّ الحلول يستدعي التبعية، والغني بذاته لا يكون تابعاً لغيره، ولو افترضنا ذلك لزِم كون المحل قديماً فيتعدّد القديم، والقول بالحلول منسوبٌ إلى المتصوّفة القائلين بأنّ الله يحل في أبدان العارفين، وأنّ الإنسان متى وصل إلى أعلى مراتب المعرفة فقد اتحد مع الإله، فتسقط عنه جميع التكاليف.

وفكرة الحلول والاتحاد لازمة لقول النصارى في المسيح، لأنّه تعالى إمّا حالٌّ في المسيح أو متّحدٌ معه، أو أنّ صفته قد حلّت فيه، وعلى جميع التقادير إمّا أنْ يكون الحلول ببدن المسيح أو بنفسه، وقد بيّنا أنّ الاتّحاد محال عقلاً مع فرض الاثنينية، والحلول يؤدّي إلى النتائج التي ذكرناها (١).

ومنها أنّه لا يتّصف بشيء من الأعراض المحسوسة بالحسّ الظاهر أو الباطن كالطعم واللون والرائحة والألم، والحقد، والحزن، والخوف وغير ذلك؛ لأنّ هذه كلّها من توابع المزاج والأجسام المركّبة من عناصر

____________________

(١) انظر المواقف جزء ٨ ص ٢٩ و٣٠ وكشف الحق ونهج الصدق للعلاّمة الحلّي ص ١٧.

١٥١

مختلفة، وأجزاء متباينة لكلّ واحد منها آثار وخواص تخصّه، وقد أثبتنا أنّه تعالى ليس بجسمٍ لتكون له هذه الآثار والخصائص الثابتة للأجسام.

الصفات الوجودية

لقد ذكرنا سابقاً أنّ المتكلّمين قسّموا الصفات إلى قسمين ثبوتية وسلبية، وقد ذكرنا قسماً من الصفات السلبية، أمّا الصفات الوجودية فهي إمّا راجعة للذات ابتداءً وبلا توسّط شيءٍ آخر، وأمّا أنْ تكون صفة للذات باعتبار الأفعال الصادرة عنها، قال الشيخ المفيد: (صفات الله على ضربين، أحدهما منسوبٌ إلى الذات، فيقال عنها أنّها صفاتٌ للذات، وثانيهما منسوبٌ إلى الأفعال فتكون صفة لها، والمراد من صفات الذات هو كونها مستحقّة لها استحقاقاً لازماً، لا لشيء سِواها، ومعنى صفات الأفعال، هو أنّها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده.

فصفات الذات له تعالى، هي وصْفَه بأنّه حيٌّ عالمٌ قادر، ألا ترى أنّه لم يَزل مستحقّاً لهذه الصفات ولا يزال، ووصْفُنا له بصفات الأفعال معناه أنّه قبل صدور الفعل لا يصحّ وصفه سبحانه بتلك الصفة، فقبل خلقه الخلْق لا يُوصف بأنّه خالق، وقبل إماتته الخلق لا يقال عنه مميت، إلى غير ذلك مّن الصفات التي لا يصحّ حملها على الذات إلاّ بعد وقوع الفعل منه سبحانه.

وأضاف إلى ذلك أنّ صفات الذات لا يوصف صاحبها بأضدادها، ولا يخلو منها، أمّا صفات الأفعال فيوصف مستحقّها بضدّها كما يصحّ خلوّه عنها، فلا يوصف بالموت ولا بالعجز ولا بالجهل، كما لا يوصف بخلوّه عن الحياة والعلم والقدرة؛ لأنّ هذه الصفات ثابتة لذاته تعالى، ويصحّ أنْ يقال فيه أنّه غير خالق اليوم ولا رازق لزيد، ولا محيي للميّت الفلاني،  ولا مُبدِئ لشيء في هذه الحالة) (١).

____________________

(١) انظر تصحيح اعتقادات الصدوق للشيخ المفيد ص ١١.

١٥٢

والمتحصّل من ذلك أنّ نسبة الصفات إليه تعالى ليست على نهجٍ واحد؛ لأنّ منها ما يُنسب إلى ذاته ابتداءً ولا توسّط لشيء، ومنها ما ينسب لذاته بلحاظ ما يصدر عنه من الأفعال، والظاهر أنّ القسم الثاني من الصفات ليس داخلاً في النزاع القائم بين الأشاعرة وغيرهم، في أنّ صفاته عين ذاته أم غيرها؟ لأنّ هذه الصفات إنّما تجري عليه سبحانه بلحاظ ما يصدر عنه، فهي تابعة لمنشأ انتزاعها، كما وأنّ القسم الأوّل من الصفات لا إشكال في أنّه الموضوع للنزاع القائم بين الطرفين الأشاعرة وغيرهم، وقبل الإشارة إلى وجهة نظر الفريقين في هذه المسألة، لابدّ من البحث في الصفات وبيان المراد منها مع الإشارة إلى رأي الفلاسفة والمتكلّمين منها على ضوء ما جاء في كلماتهم حول هذه المواضيع.

القُدرة

وقد عدّوا من جملة صفات الذات القدرة، ومعناها عند المتكلّمين، أنّه لا شيء من الفعل والترك ضروري بالنسبة إليه سبحانه؛ لأنّه قد أوجد هذا الكون بنظامه حسب مشيئته، ولو لم يشأ لم يكن، وقال الفلاسفة: إنّ القدرة بهذا المعنى نقصان لا يليق بذاته سبحانه، وإيجاده للكون هو من لوازم ذاته، فيمتنع خلوّه منه، فالقدرة لازمة له كلزوم العلم وسائر الصفات الكمالية، فكما يستحيل انفكاكها عنه، يستحيل انفكاك القدرة عنه، وفي جواب ذلك قال المتكلّمون: أنّه لو لم تكن القدرة بمعنى إنْ شاء فعل وإنْ شاء ترَك بحيث لم يكن الفعل والترك ضروريّين، يلزم أحد أُمور أربعة، إمّا نفي الحادث، أو عدَم استناده إلى المؤثّر، أو التسلسل، أو تخلّف الأثر عن المؤثّر.

بيان الملازمة، أنّه لو كان موجباً بذاته، إمّا أنْ لا يوجد حادث أو يوجد، فإنْ لم يوجد لزِم نفي الحادث، وهو مُخالف للضرورة والوجدان، وإنْ وجِد حادث، فإمّا أنْ لا يستند الحادث الموجود إلى مؤثّر موجد، أو

١٥٣

يستند، فإنْ لم يستند الى مؤثّر، لزِم عدم استناد الحادث إلى مؤثّر، وإنْ استند الحادث الموجود إلى مؤثّر، فإمّا أنْ يكون المؤثّر قديماً أو حادثاً، فإنْ لم يكن قديماً ولا منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر، وذلك المؤثّر إذا لم يكن قديماً أو منتهياً إلى القديم، لابدّ له من مؤثّر آخر، فيلزم التسلسل، وإنْ كان المؤثّر منتهياً إلى القديم لزِم تخلّف الأثر عن المؤثّر؛ لأنّا قد فرضناه حادثاً منتهياً إلى القديم الموجب بذاته، ولازم ذلك كون الأثر مقارناً للموجب، ولو كان مقارناً خرَج عن كونه حادثاً، ولزم تعدد القديم، وهو خلاف المفروض (١).

والقدرة الثابتة لذاته تعالى تشمل جميع الأشياء، حسنة كانت أم قبيحة، لأنّ المقتضى للقدرة على جميع الممكنات، هو ذاته، ونسبتها إلى جميع الممكنات متساوية، وإذا ثبتت على بعضها ثبتت على البعض الآخر، ولم يُخالف بذلك إلاّ الفلاسفة وبعض المعتزلة. أما الفلاسفة، فقالوا: إنّ الله واحد والواحد لا يصدر عنه أكثر من واحد، فلا يقدر على جميع الممكنات، ولذا التزموا بأنّ الله أوجد العقل الأوّل، وبقية المُمكنات تصدر عنه بالوسائط.

وذهب المجوس إلى أنّ الله لا يقدر إلاّ على الخير، أمّا الشرّ فليس من مقدوره، وإنّما هو من فعل الشيطان، كما ذهب النظام وأتباعه من المعتزلة إلى أنّ الله لا يقدر على القبيح، لأنّه مع العلم بقبحه يكون فعله سفَهاً، وإنْ كان جاهلاً بقبحه يكون ناقصاً، وتعالى الله عن ذلك.

وذهب أبو القاسم البلخي وجماعة منهم إلى أنْ الله لا يقدر على ما أقدر عليه عباده؛ لأنّه أمّا أنْ يكون طاعة مشتملة على المصلحة أو معصية فيه المفسدة، أو مجرّداً عنهما، والجميع لا يجوز عليه تعالى لأن أفعاله لا تكون لهذه الاعتبارات (٢) .

وذهب الجبائيان إلى أنّ الله لا يقدر على عين فعل العبد؛ لأنّه لو أراد الله فعلاً من أفعال العبد، وأراد العبد عدمه فإنّ وقعا اجتمع النقيضان، وإنْ لم يقعا، ارتفع النقيضان، وإنْ وقع أحدهما لا يكون الثاني مقدوراً.

____________________

(١) انظر المواقف ج ٨ ص ٥٠ وشرح التجريد للعلامة الحلّي.

(٢) انظر مقالات الإسلاميّين ص ٢٥١، المواقف ص ٦٣.

١٥٤

والجواب، إمّا عن شبهة المجوس، فإنّ القدرة على الشرّ، لا تستلزم فعله، لوجود الصارف عنه أحياناً.

وأمّا عن دعوى النظام وأتباعه، فعلى مبدأ الأشاعرة المنكرين للقبح والحُسن الذاتيّين، لا يلزم أيّ محذور من قدرته على القبيح؛ لأنّ تعلّق القدرة به يكشف عن عدم قبحه، وأمّا على مبدأ الإمامية، فالمراد من قدرته على الحسن والقبيح، أنّه يدعو إلى الحسن بدون أنْ يكون له صارف عنه، أمّا القبيح فمع أنّه داخل تحت قدرته كغيره من الممكنات لا داعي له إلى فعله، بالإضافة إلى وجود الصارف عنه، وعدم صدوره عنه لا يدلّ على نفي القدرة عنه، فهو مقدور باعتبار ذاته، وممتنع عليه عرَضاً لوجود الصارف عنه.

وأمّا عن دعوى البلخي، فالطاعة والعبث وغيرهما من الاعتبارات إنّما تَعرِض للأفعال الصادرة من العبد، ولا تؤثّر في ذاتيّة الفعل، فكونه طاعة أو معصية وصْفان يعرضان للفعل من حيث قصد الفاعل، والدواعي القائمة بنفسه وما يُرافق الفعل من آثار سيّئة أو طيّبة، وبالنسبة إليه تعالى لا تجري فيه جميع هذه الاعتبارات.

وأمّا عن دعوى الجبائيّين وأتباعهما، فلو تعلّقت إرادة الله سُبحانه بالفعل لا يمكن أنْ تؤثّر إرادة العبد المتعلّقة بالترك؛ لأنّها أقوى منها، وهذا لا يمنع من كون الترك مقدوراً للعبد في هذه الحالة ذاتاً، وإنْ امتنع في حقّه عرَضاً لوجود المزاحم الأقوى منها تأثيراً.

العلم

ومنها أنّه عالمٌ بالكون وما فيه، من غير فَرقٍ بين الكلّيات والجزئيّات، والأعدام الممكنة والممتنعة، والجواهر والأعراض، وكلّ ما كان وما يكون في الخارج أو الذهن، ويؤيّد هذه الدعوى على عمومها ما جاء في الآية من سورة الأنبياء: ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) والآية من سورة الإنعام:

١٥٥

( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) .

وممّا يدل على ذلك أنّه أوجد الموجودات على أكمل الوجوه، وأتقن صنعها، وغير العالم يستحيل أنْ يصدر منه الفعل المتقن مرّة بعد أُخرى، هذا بالإضافة إلى أنّ كلّ شيءٍ سِواه ممكن، والممكن لابدّ في وجوده من علّة تقتضي إيجاده، وذاته تعالى هي العلّة في إيجاد جميع الموجودات والممكنات، وهو عالم بذاته، والعلم بالعلّة يستتبع العلم بالمعلول الصادر عنها من غير فَرقٍ بين أقسام الممكنات وأنواعها، وقد ادعى بعض المتكلّمين، أنّ الله لا يعلم ذاته؛ لأنّ العلم إضافة بين العالم والمعلوم، ولابدّ من المغايرة بينهما، فلو قلنا بأنّه يعلم ذاته يلزم مغايرة علمه لذاته.

والجواب عن هذه الدعوى، إنّ المغايرة بين العلم والمعلوم يكفي فيها أنْ تكون اعتبارية، وهي موجودة في المقام، فذاته من حيث إنّها عالمة، مغايرة لها من حيث إنّها معلومة، ويكفي هذا النوع من المغايرة بالنسبة إليه سبحانه.

وادّعى آخرون بأنّ الله لا يعلم الجزئيات ولا الشيء قبل وجوده، أمّا أنّه لا يعلم الجزئيات فلأنّها تتغيّر وتتبدّل وإذا تغيّر المعلوم وتبدّل لابدّ من تغيّر العلم، وقد ثبت أنّ علمه عين ذاته فيلزم الذات تغيّرها، وأمّا عدم علمه بالأشياء قبل وجودها، فلأنّه لو تعلّق بها العلم، كان وجودها واجباً فيلزم انقلاب الممكن واجباً، إذ لو لم توجد لزم انقلاب علمه جهلاً.

والجواب عن الدعوى الأُولى، إنّ العلم بالجزئيات لا يتغيّر حتى ولو تغيّر الجزئي المعلوم؛ لأنّ المتغيّر هو الإضافة المتعلّقة بالمعلوم، فزيد إذا وجد ينسب وجوده إلى علم الله وإذا انعدم تنتفي نسبة وجوده إلى علمه، أمّا العلم فهو على حاله لم يتغيّر ولم يتبدّل، فالتغير في الإضافات، لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية الثابتة للذات، وهذا نظير قولنا: زيد يقدر على عمرو فلو مات عمرو لا تنتفي قدرة زيد عليه، ولكنّ هذه الإضافة الخاصّة قد انتفت بموت عمرو؛ ولأنّها أمرٌ اعتباري لا وجود له خارجاً.

والجواب عن الدعوى الثانية، بأنّ تعلّق علمه بالمتجدّدات لا يُخرجها عن كونها ممكنة ذاتاً؛ لأنّ علمه تعلّق بها على هذه الصفة، فإذا وجب وجودها بعد ذلك لوجود سببه، لا تخرج عن إمكانها الذاتي؛ لأنّ وجوبها

١٥٦

لحصول سببه، وكلّ ممكن قد يُصبح واجباً بالعرض ولا مانع من اجتماعهما (١) .

____________________

(١) شرح التجريد للعلاّمة الحلّي ص١٧٦ والمواقف ص٧١ وما بعدها ومعالم الفلسفة للشيخ محمّد جواد مغنية ص١٣٩.

١٥٧

الحياة والإرادة

ومنها أنّه حيّ مُريد لأنّه عالمٌ قادر، وكلّ عالمٍ قادر لابدّ وأنْ يكون حيّاً، وليست الحياة بالنسبة إليه كالحياة بالنسبة لغيره، فحياة غيره هي عبارة عن اعتدال المزاج والحركة والحس، وغير ذلك من المقوّمات أمّا بالنسبة إليه سُبحانه، فعند الإمامية القائلين بوحدة الذات والصفات عبارة عن معنى سلبي، أي لا يستحيل عليه أنْ يعلم ويقدر؛ لأنّ ثبوت الصفة فرع عن عدم استحالتها، وعند الأشاعرة وبعض المعتزلة القائلين بتغاير الصفات مع الذات، أنّها صفة توجب صحّة العلم الكامل والقدرة الشاملة، إذ لولا اختصاصه بصفة توجب صحّة العلم والقدرة، لكان اختصاصه بصحّة العلم والقدرة ترجيحاً بدون مرجح (٢).

وأمّا كونه مريداً فقد اتّفق الجميع على ذلك بدليل أنّه سبحانه أوجد بعض الممكنات دون بعض، مع أنّ قدرته تعمّ جميع الممكنات وعلمه محيطٌ بجميع الكائنات، ولا سبب لذلك إلاّ تعلّق إرادته ببعضها دون البعض الآخر، وقد اختلفوا في معنى إرادته سبحانه، فأبو الحسين الصالحي والنظّام والجاحظ والعلاّف، وأبو القاسم البلخي وغيرهم، ذهبوا إلى أنّها عبارة عن علمه بما في الفعل من المصالح والمنافع، وتسمّى عندهم (بالداعي إلى إيجاد الفعل).

وقال النجّار: إنّها معنىً سلبي، بمعنى أنّه غير مستكره ولا مغلوب.

____________________

(٢) انظر شرح التجريد ص ١٧٧ والمواقف ص ٨١.

١٥٨

وقال الكعبي: إنّ إرادته بالنسبة لأفعال نفسه علمه بالمصلحة، ولأفعال غيره أمَره بها. وقال الحكماء: إنّها العلم بالنظام على الوجه الأكمل، ويسمّونها (العناية)، وقال ابن سينا: (العناية هي إحاطة علم الأوّل تعالى بالكل، وبما يجب أنْ يكون عليه الكل، حتى يكون على أحسن النظام).

وقال الأشاعرة والحنابلة والجبائيان من رؤساء المعتزلة، إنّها صفة زائدة على العِلم، وفي شرح التجريد أنّها عبارة عن الداعي إلى الفعل، وليست أمراً زائداً على الذات كما يدّعي الأشاعرة؛ للزوم تعدّد القدماء وليست أمراً حادثاً في ذاته، كما يدّعي الكراميّة، أو لا في محل كما يدّعي أبو علي وأبو هاشم من المعتزلة، إذ لو كانت حادثة في ذاته أو لا في محل لزِم التسلسل، لاحتياج الحادث إلى موجد بإرادة، والكلام بعينه يجري في الإرادة الثانية (١).

وقال الشيخ المفيد في أوائل المقالات: أنّ إرادته لأفعاله هي نفس أفعاله، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال، وبذلك جاءت الآثار عن أئمة الهدى مَن آل محمّد (عليه السلام) وهو مذهب الإمامية إلا من شذّ منهم (٢).

ومن صفاته تعالى، أنّه سميعٌ بصير، قال الإيجي في المواقف، والعلاّمة الحلّي في شرح التجريد ما حاصله أنّ ذلك ممّا علم بالضرورة من دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، واتّفق عليه جميع المسلمين، ودلّ عليه القرآن الكريم واستدل جماعة على ثبوت هذين الوصفين له، بأنّه قد ثبت اتصافه بالحياة وكل حيّ لابدّ وأن يتّصف بالسمع والبصر، إذ لو لم يتّصف بهما لاتّصف بضدّهما، واتّصافه بضدّهما نقصٌ لا يجوز عليه سبحانه، والمراد منهما علمه بالمسموعات، والمبصرات؛ لأنّ السمع والبصر الثابتان له، لو كانا بآلة تشبه الآلات الموجودة لدى سائر مخلوقاته، لزم كونه جسماً مركباً من أجزاء متباينة، لكلّ جزء منها وظيفة تختصّ به، وذلك ممتنع بالنسبة إليه تعالى كما ذكرنا سابقاً، فلابدّ وأنْ يكون المراد منهما غير السمع والبصر

____________________

(١) انظر شرح التجريد ص ١٧٧ والمواقف ص ٨١.

(٢) انظر أوائل المقالات للشيخ المفيد ص ١٩.

١٥٩

الثابتين لغيره من المخلوقات (١).

قال الشيخ المفيد: إنّ استحقاق القديم سُبحانه لهذه الصفات كلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وأنّ المعنى في جميعها العلم، فالمراد من كونه سميعاً وبصيراً، علمه بالمسموعات والمبصرات وأضاف قائلاً: ولست أعلم من متكلّمي الإمامية خلافاً في هذا الباب وهو مذهب البغداديين من المعتزلة، وقد خالف فيه المشبهة من أصحاب الصفات، والبصريّون من أصحاب الاعتزال (٢)، وهو مذهب الفلاسفة والكعبي، وأبي الحسين البصري.

وذهب الأشاعرة وجمهور المعتزلة إنّهما صفتان زائدتان على العلم (٣) .

____________________

(١) انظر المواقف ص ٨٨ الجزء الثامن، فإنّه بعد أنْ أورد هذا الاستدلال أبطله، وانتهى أخيراً إلى القول بأنّ العمدة في إثبات هذين الوصفين له تعالى ظواهر الآيات الدالّة على ذلك.

(٢) انظر أوائل المقالات ص ٢١.

(٣) انظر المواقف ص ٨٩، والظاهر أنّهم يعتمدون على ظواهر النصوص في ذلك وعبارة المواقف تنصّ على أنّ الأكثرية الغالبة من المعتزلة متّفقون مع الأشاعرة في هذه المسألة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253