خلاصة علم الكلام
الدكتور عبد الهادي الفضيلي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنينعليهماالسلام للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
بِسمِ اللّهِ الرحمِن الرحِيم
الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فيعتد علم الكلام في طليعة المعارف التي أسهمت إسهاماً حياً في دراسة العقيدة الاسلامية أو ما يعرف قديماً بأصول الدين.
فهناك الدراسة القرآنية للعقيدة التي حفلت بها كتب التفسير وعلوم القرآن، والتي أفاد منها هي الأخرى.
ويضاف الى هذه المدونات الحديثية في التوحيد، وكذلك هي الأخرى أفاد منها.
وجديداً انضم الى هذه المعارف الدراسات العلمية التي اعتمدت نتائج العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية في الاستدلال على قضايا التوحيد بخاصة وسائر العقائد بعامة، ولأنها متأخرة زماناً عن الدراسات الكلامية لم يكن بينهما من التفاعل ما قد يؤدي الى شيء من التلاقح.
ولأن علم الكلام - مضافاً الى أهميته في مجال معرفة العقيدة التي أشرت اليها - لا يزال يمدنا بمعطياته وتجاربه العلمية في الدرس العقائدي الاسلامي.
وبغية أن تتكامل لدى الدارس الديني مقدمات العلوم الشرعية التي قدمت منها محاولات متواضعة في النحو والصرف والتربية الدينية والعروض والبلاغة والمنطق واصول الفقه، قمت بهذه المحاولة المتواضعة في وضع هذه المقدمة الكلامية.
وقد نهجت في تأليف الكتاب المنهج الذي سلكته في تأليف المقدمات التي سبقته، فبدأت بتعريف الموضوع ثم بيان أقسامه - إن وجدت- ، ثم الاحكام بعرض مختصر لادلتها، مع المقارنة، والمناقشة أحياناً، فالانتهاء الى النتيجة المطلوبة.
وتوخيت قدر المستطاع الاختصار والتوضيح، الا في مسائل رأيت الفائدة في أن أطيل وأتوسع في بحثها لما لها من أهمية علمية او خلافية، ولأضيف ما جدَّ من آراء ونظريات.
وقرنت العقل بالنقل لما بين العقل والشرع من إلتقاء تام، فلم أسلك المنهج العقلي خالصاً ولا المنهج النقلي محضاً.
وحاولت أن أقتصر وسع الطاقة على آراء المذاهب الكلامية التي لا تزال قائمة حتى عصرنا هذا، وهي:
من السنة: الاشاعرة والماتريدية والصوفية والسلفية.
ومن الشيعة: الامامية والزيدية والاسماعيلية.
ومن غيرهما: الاباضية.
وكان معها من المذاهب التاريخية او التي انتهى معتنقوها: مذهب المعتزلة، لأنه أشهر وأعرق وأشمل مذهب كلامي.
وختاماً: إذ أضع هذه المحاولة المتواضعة بين يدي القراء الكرام، آمل أن أجد من ملاحظات المعنيين والمختصين ما يرفع من مستواها ويصحح من أخطائها، واللّه تعالى ولي التوفيق وهو الغاية.
عبد الهادي الفضلي
علم الكلام
- مقدمته
- منهجه
- مصطلحاته
مقدمة علم الكلام
لا تخلتف مقدمة علم الكلام عن سائر مقدمات العلوم الاخرى في احتوائها: تعريفه، وبيان موضوعه الذي يبحث فيه، والغاية او الفائدة من دراسته وتعلمه، وذلك التزاماً بالمنهج المنطقي في تدوين العلوم الذي يفرض على المؤلف في علم ما أن يبدأ بتدوين مقدمته مضمناً إياها: تعريفه، وبيان موضع بحثه، والغاية من تعلمه.
ثم وبعد المقدمة، يعرض موضوعاته حسب تسلسلها الفني وترابطها العضوي.
ومن بعدها يأتي بالخاتمة منهياً بها علمه المؤلَّف فيه.
وفي هدي هذا، نقول:
تعريفه:
علم الكلام: هو العلم الذي يبحث فيه عن إثبات أصول الدين الاسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها.
شرح التعريف:
يتوفر علم الكلام على بحث ودراسة مسائل العقيدة الاسلامية الحقة بايراد الأدلة وعرض الحجج على اثباتها، ومناقشة الاقوال والآراء المخالفة لها، ومحاكمة أدلة تلكم الاقوال والآراء، وإثبات بطلانها، ونقد الشبهات التي تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان.
فمثلاً: اذا أردنا أن نستدل على ثبوت وجود خالق لهذا الكون، وثبوت أنه واحد لا شريك له، نرجع الى هذا العلم، وعن طريقه نتعرف الأدلة، التي يوردها علماء هذا العلم في هذا المجال.
ذلك أن هذا العلم هو الذي يعرّفنا الأدلة والبراهين والحجج العلمية التي باستخدامها نستطيع أن نثبت أصول الدين الاسلامي ونؤمن بها عن يقين.
كما أنه هو الذي يعرّفنا كيفية الاستدلال بها وكيفية اقامة البراهين الموصلة الى نتائج يقينية.
وهكذا اذا أردنا أن نعرف وجوب النبوة وصحة نبوة النبي، فإننا نعمد الى أدلة هذا العلم التي يستدل بها في هذا المجال، وندرسها، ثم نقيمها برهاناً على ذلك.
وأيضاً اذا أردنا ان ننفي شبهة التجسيم عن الذات الالهية، أو شبهتي التفويض والجبر في أفعال العباد، نرجع الى هذا العلم، وعن طريقه نستطيع معرفة ما يقال من نقد لابطالها.
ومثلها سائر مسائل وقضايا علم الكلام التي سنأتي على عرضها واستعراضها.
ولا بد في الأدلة التي يستدل بها على اثبات أي أصل من أصول الدين، وأية مسألة او قضية من مسائل هذا العلم وقضاياه من أن تكون مفيدة لليقين بالأصل أو المسألة أو القضية.
فمثلاً: لو أقمنا الدليل على ثبوت (المعاد) لا بد في هذا الدليل من أن يؤدي الى اثبات المعاد بشكل يدعونا الى الاعتقاد الجازم والايمان القاطع بثبوت المعاد، أي اليقين بمعاد الناس الى اللّه تعالى ببعثهم من القبور وحشرهم في مشهد القيامة، وعرضهم للحساب، ومن بعد مجازاتهم بالثواب أو العقاب.
ومن هنا قيّدت التعريف بقولي (المفيدة لليقين بها)، والضمير في عبارة (بها) يعود الى اصول الدين.
موضوعه:
عرفنا من خلال تعريفنا لعلم الكلام موضوعه ضمناً وهو ( أصول الدين).
وأصول الدين هي:
١ - الالوهية.
٢ - النبوة.
٣ - الامامة.
٤ - المعاد.
وما ذكر في بعض الكتب الكلامية من عناوين اخرى غير هذه الاربعة معدوداً في الاصول، فهو مندرج ضمن هذه العناوين الاربعة، وانما افرد عند بعضهم للخلاف الذي وقع فيه بين المدارس الكلامية والفرق المذهبية.
وذلك أمثال (العدل) عند الامامية والمعتزلة، فانه من موضوعات الالوهية.
و (الوعد والوعيد) و (المنزلة بين المنزلتين) عند المعتزلة و (القدر خيره وشره من اللّه) عند السنة، فانها مندرجة في الالوهية من جانب، وفي المعاد من جانب آخر.
وسميت موضوعات هذا العلم المذكورة في أعلاه باصول الدين في مقابل الاحكام القائمة على أساس منها والمبتنية عليها التي تعرف بفروع الدين.
وهذا التقسيم للدين الى أصول وفروع مأخوذ من تقسيمهم الدين الى: معرفة وطاعة.
ويعنون بالمعرفة: العقيدة، وبالطاعة: العمل.
ولأن العمل بطبيعته يقوم على المعرفة سميت مفاهيم واحكام المعرفة باصول الدين، ومفاهيم واحكام الطاعة بفروع الدين.
ونستطيع ان نتبين فحوى هذا التقسيم من فهمنا للدين بأنه توجيه لسلوك الانسان
في هذه الحياة.
وسلوك الانسان - كما هو معلوم - ينقسم الى قسمين:
- السلوك النظري.
والسلوك العملي.
فاحكام الدين التي شرّعت لتوجيه السلوك النظري سميت بالمعرفة لانها عقيدة، والعقيدة: معرفة موطنها النظر (الفكر). والتي شرعت لتوجيه السلوك العملي سميت بالطاعة، لانها عمل، والعمل طاعة.
والى هذا تشير المأثورة: (الدين: اعتقاد بالجنان واقرار باللسان وعمل بالاركان).
فائدته:
تتلخص فائدة علم الكلام في التالي:
١ - معرفة اصول الدين معرفة علمية قائمة على أساس من الدليل والبرهان.
٢ - القدرة على اثبات قواعد العقائد بالدليل والحجة.
٣ - القدرة على ابطال الشبهات التي تثار حول قواعد العقائد.
الحاجة اليه:
تأتي الحاجة الى دراسة هذا العلم وأمثاله مما يوصل الى معرفة اصول الدين من وجوب معرفة اصول الدين على كل انسان توافرت فيه شروط التكليف الشرعي والالزام الديني.
ووجوب النظر في قواعد العقائد ومعرفتها وجوب عقلي، أوجبته الفطرة العقلية الملزمة بالتمسك بالدين والالتزام باحكامه وتعليماته.
وخلاصة الدليل:
هي ان يقال: إن اللّه تعالى منعم على الانسان بنعمة الخلق والايجاد.
وشكر المنعم واجب عقلاً، وذلك لأن العقلاء يذمون تاركه.
وكل فعل يستحق صاحبه الذم من قبل العقلاء بسبب تركه له هو واجب عقلي.
وشكره تعالى لا يتحقق الا باطاعته بامتثال أوامره ونواهيه.
وتقدم أن الطاعة فرع المعرفة، فاذن لا بد من المعرفة.
وقد أيدت وأكدت النصوص الشرعية هذا الوجوب، ومنها:
١ - قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله الا اللّه) - محمد ١٩ - ويتم الاستدلال بهذه الآية الكريمة بأن يقال:
إن قوله تعالى (إعلمْ) فعل أمر +
والأمر المجرد من قرائن الاستحباب والجواز دال على الوجوب =
ف(اعلم) يدل على وجوب معرفة الالوهية، ومعرفة تفرد اللّه تعالى بها.
٢ - قوله تعالى: (إنّ في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب) - آل عمران ١٩٠ -.
قال الشيخ الطوسي: «في هذه الآية:
- دلالة على وجوب النظر والفكر والاعتبار بما يشاهد من الخلق، والاستدلال على اللّه تعالى.
- ومدح لمن كانت صفته هذه.
- وردّ على من أنكر وجوب ذلك، وزعم أن الايمان لا يكون إلا تقليداً، بالخبر.
لانه تعالى أخبر عما في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار من
الدلالات عليه، وعلى وحدانيته»(١)
وقال الشيخ الطبرسي: «وقد اشتهرت الرواية عن النبيصلىاللهعليهوآله ، أنه لما نزلت هذه الايات قال: ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها»(٢) .
وفي رواية الشيخ الظواهري: «ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكر فيها»(٣) .
وفي رواية الفاضل المقداد: «ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها»(٤)
وأوضح الفاضل المقداد الاستدلال على وجوب المعرفة بهذه الرواية، بقوله: «رتب الذم على تقدير عدم تدبرها، أي عدم الاستدلال بما تضمنته الآية من ذكر الاجرام السماوية والارضية، بما فيها من آثار الصنع والقدرة والعلم بذلك، الدالة على وجود صانعها وقدرته وعلمه، فيكون النظر والاستدلال واجباً، وهو المطلوب»(٥) .
٣ - قوله تعالى: (اللّه الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن اللّه على كل شيء قدير وأن اللّه قد أحاط بكل شيء علماً) - الطلاق ١٢ -.
تشير الآية الكريمة الى أن الغاية من خلق السموات والارض هي:
- معرفة قدرة اللّه تعالى.
- ومعرفة علمه سبحانه.
وبديهي ان هذه المعرفة لا تتأتى الا بالتدبر والتأمل والتفكر فيهما.
واذا كانت الغاية من خلق السموات والارض هي معرفة اللّه تعالى كما تشير الآية،
___________________________
(١) التبيان ٣/٧٨ - ٧٩.
(٢) مجمع البيان ٢/٢٩٨.
(٣) التحقيق التام ٣٥.
(٤) النافع يوم الحشر ٧.
(٥) من.
كانت معرفته أول الدين كما يقول الامام امير المؤمنين (ع) في اول خطبه النهجية.
ومن هنا كان التوحيد هو الأصل والأساس لسائر اصول الدين وجميع فروعه وشؤونه.
منهج علم الكلام
منهج البحث في علم الكلام أو الطريقة التي يعتمدها الباحث في دراسة مسائله وقضاياه، افكاره ونظرياته، يختلف باختلاف وجهات نظر علمائه ومدارسه التي تعرف بالفرق الكلامية في المنهج الذي ينبغي ان يتبع في دراسة وبحث الفكر الديني.
ويتلخص هذا في أن للمذاهب الاسلامية الكلامية خمسة مناهج معتمدة في البحث والدراسة، وهي:
١ - المنهج النقلي
٢ - المنهج العقلي
٣ - المنهج التكاملي
٤ - المنهج الوجداني
٥ - المنهج العرفاني
المنهج النقلي:
ويتمثل في الاعتماد على:
١ - اجماع الامة.
٢ - اجماع الصحابة.
٣ - سيرة الصحابة.
٤ - اجماع السلف - وهم مسلمو القرن الاول الهجري -.
٥ - الخبر المتواتر.
٦ - خبر الواحد المتلقى بالقبول، وعند بعضهم، خبر الواحد مطلقاً.
٧ - الأخذ بالنص الشرعي - قرآناً او حديثاً - بحمله على ظاهره الحقيقي من غير تأويل.
٨ - عدم جواز الحمل على المجاز.
٩ - التوقف في اعطاء الرأي:
أ - عند عدم وجود نص شرعي في المسألة.
ب - عند تعارض النصين الشرعيين وعدم وجود مرجح شرعي لاحدهما على الآخر.
ح - عند اجمال النص لانه متشابه أو لانغلاق فهم معناه أو لغيرهما.
وهو منهج أهل الحديث من الظاهرية والسلفية.
المنهج العقلي:
ويتمثل في الاعتماد على:
١ - الضرورة العقلية (بداهة العقول).
٢ - سيرة العقلاء.
٣ - البديهيات العقلية (المنطقية) وهي: استحالة الدور واستحالة التسلسل، واستحالة اجتماع وارتفاع النقيضين.
٤ - المبادئ الفلسفية المسلم بها، مثل: مبدأ العلية، مبدأ القسمة الى الواجب والممكن والممتنع.
٥ - اعتبار النصوص الشرعية مؤيدة ومؤكدة لمدركات العقل واحكامه.
٦ - تأويل النصوص الشرعية التي تخالف بظاهرها مرئيات العقول وفق مقتضيات القرينة العقلية.
٧ - الأخذ بالمتشابه بتأويله في ضوء ما ينهي اليه النظر العقلاني.
وهو منهج المعتزلة ومن تأثر بهم.
المنهج التكاملي:
ويتمثل في الاعتماد على:
١ - الجمع بين العقل والنقل لانه لا تعارض بينهما في الحقيقة والواقع.
٢ - الأخذ بظاهر النص ان كان مجرداً من القرائن الصارفة، ولم يتعارض والضرورة العقلية، والا ففي ضوء ما يقترن به من قرائن نقلية أو عقلية، لفظية او معنوية.
٣ - آيات القران يفسر بعضها بعضاً ويقرن بعضها البعض.
٤ - السنة القطعية تقرن القران وتفسره.
٥ - الأثر المنقول لا يعارض القرآن حتى ولو كان صحيحاً وفق قواعد علمي الرجال والحديث.
فإذا لم يمكن تأويله، تسقطه المعارضة من الاعتبار.
٦ - جواز التأويل عند وجود ما يقتضيه.
٧ - الحمل على المجاز مع وجود القرينة الداعية لذلك.
٨ - تفسير المتشابه بالمحكم او تأويله في ضوء المعقولات المرعية. وهو منهج الامامية والاشاعرة ومن سار في هديهما.
المنهج الوجداني:
ويتمثل في اعتماده على سلوك الطرق المؤدية الى تصفية الباطن واستكمال الظاهر،
بغية الفناء في الوصول الى مرحلة الحب الالهي.
وهو منهج الصوفية.
المنهج العرفاني:
وهو منهج تكاملي ايضاً يتمثل في الاعتماد على الجمع بين العقل والنقل والوجدان، فيأخذ من كلٍّ بطرف في حدود ما يتوصل به الى مستوى المعرفة المطلوبة.
وهو منهج الاسماعيلية.
ونهجه ايضاً غير واحد من علماء الفرق الأخرى.
وسأنتهج وسع الطاقة المنهج التكاملي في ما ابديه من ملاحظات، وفيما أقوم به من معالجات ومناقشات.. وباللّه التوفيق، ومنه العون.
الشئ بالاعم الاغلب وفيه أنا نمنع أن غالب المتكلمين في أغلب كلماتهم يعتبرون ذلك فإن قيل الحكماء منهم يعتبرون ذلك وما يجدي للاصولي هو ملاحظة كلام الشارع وهو حكيم فيقال أن الحكمة لا تقتضي ذكر الاتم والاحسن غالبا بل ربما يقتضي ذكر الانقص نعم إذا كان المراد إظهار البلاغة للاعجاز ونحوه فيعتبر ما له مزيد دخل بموافقة مقتضى المقام والخلوص عن التعقيد اللفظي والمعنوي وما يرتبط بالمحسنات اللفظية والمعنوية ولكن مقتضى المقامات مختلفة وما هذا شأنه من كلامهم ليس له مزيد دخل في بيان الاحكام الشرعية الذي هو محط نظر الاصولي ومع تسليم ذلك فنمنع حجية مثل هذا الظن و التحقيق أن المجاز في نفس الامر أغلب من غيره من المذكورات في أكثر كلام المتكلمين ولا يمكن إنكار هذه الغلبة وكذلك التخصيص أغلب أفراد المجاز في العام لا مطلقا وأما حصول الغلبة في غيرهما فغير معلوم بل وندرتها معلومة وعلى هذا يقدم المجاز على الاشتراك والنقل بل ولا يبعد ترجيحه على الاضمار أيضا ويقدم التخصيص على غيره من أقسام المجاز وغيرها لان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب وأما حجية مثل هذا الظن فيدل عليه ما يدل على حجية اصالة الحقيقة مع إحتمال إرادة المجاز وخفاء القرينة فكما أن الوضع من الواضع فهذه الامور المخالفة له الطارئة عليها أيضا من جانب الواضع ولذا يقال أن المعنى المجازي وضع ثانوي فكما يكتفى في المعنى المجازي بالقرائن المعهودة المعدودة فكذا يكتفى في معرفة أن ذلك اللفظ مجاز لا مشترك ولا منقول بقرينة الغلبة سيما والاصل عدم الوضع الجديد و عدم تعدده وعدم الاضمار وغير ذلك ولم نقف على من منع إعتبار مثل هذا الظن من الفقهاء وبالجملة فلا مناص عن العمل بالظن في دلالة الالفاظ خصوصا على قول من يجعل الاصل جواز العمل بالظن إلا ما خرج بالدليل مع أنه يظهر من تتبع تضاعيف الاحكام الشرعية والاحاديث إعتبار هذا الظن فلاحظ وتأمل وإن شئت أرشدك إلى موضع واحد منها وهو ما دل على حلية ما يباع في أسواق المسلمين وإن أخذ من يد رجل مجهول الاسلام فروى إسحاق بن عمار في الموثق عن العبد الصالحعليهالسلام أنه قال لا بأس بالصلاة في فرو يماني وفيما صنع في أرض الاسلام قلت فإن كان فيها غير أهل الاسلام قال إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس ويدل على ذلك العرف أيضا فلاحظ قانون كل لفظ ورد في كلام الشارع فلا بد أن يحمل على ما علم إرادته منه ولو كان معنى مجازيا وإن لم يعلم المراد منه فلا بد من أن يحمل على حقيقة إصطلاحه سواء ثبت له إصطلاح خاص فيه أو لم يثبت بل كان هو إصطلاح أهل زمانه وإن لم يعلم ذلك أيضا فيحمل على اللغوي أو العرفي إن وجد أحدهما بضميمة أصالة عدم النقل فإذا وجد واحد منهما (واتحد) فهو إن تعدد فيتحرى في تحصيل
الحقيقة بإستعمال إماراتها أو القرينة المعينة للمراد ثم يعمل على مقتضاه من الترجيح أو التوقف وإن وجد كلاهما فإن كان المعنى العرفي هو عرف المتشرعة فهو محل النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وإلا فالمشهور تقديم العرف العام لافادة الاستقراء ذلك وقيل يقدم اللغة لاصالة عدم النقل والاول أظهر وأما ثبوت الحقيقة الشرعية ففيه خلاف والمشهور بينهم أن النزاع في الثبوت مطلقا والنفي مطلقا والحق كما يظهر من بعض المتأخرين التفصيل وتحرير محل النزاع هو أن كثيرا من الالفاظ المتداولة على لسان المتشرعة أعني بهم من يتشرع بشرعنا فقيها كان أو عاميا صار حقايق في المعاني الجديدة التي إستحدثها الشارع ولم يكن يعرفها أهل اللغة مثل الصلاة في الاركان المخصوصة والصوم في الامساك المخصوص إلى غير ذلك فهل ذلك بوضع الشارع إياها في إزاء هذه المعاني بأن نقلها من المعاني اللغوية ووضعها لهذه المعاني الجديدة أو إستعملها مجازا في هذه المعاني مع القرينة وكثر إستعمالها فيها إلى أن استغنى عن القرينة فصارت حقائق أو لم يحصل الوضع الثانوي في كلامه باحد من الوجهين وكان إستعماله فيها بالقرينة ويظهر ثمرة النزاع إذا وجدت في كلامه بلا قرينة فإن قلنا بثبوت الحقيقة فلا بد من حملها على هذه المعاني وإلا فعلى اللغوي وقد طال التشاجر بينهم في الاستدلال ولكل من الطرفين حجج واهية و أقوى أدلة النافين أصالة عدم النقل وأقوى أدلة المثبتين الاستقراء فيدور الحكم مدار الاستقراء وقد يستدل بالتبادر بأنا إذا سمعنا هذه الالفاظ في كلام الشارع يتبادر في أذهاننا تلك المعاني وهو علامة الحقيقة وهذا الاستدلال من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان إذ من الظاهر أن المعتبر من التبادر هو تبادر المعنى من اللفظ عند المتحاورين بذلك اللفظ فإذا سمع النحوي لفظ الفعل من اللغوي وتبادر إلى ذهنه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة لا يلزم منه كونه حقيقة فيه عند اللغوي أيضا وربما زاد بعضهم مصادرة وقال الظاهر ان ذلك التبادر لكثرة إستعمال الشارع لا لاجل ألف المتشرعة بهذا المعنى ثم أغرب وقال أن التبادر معلوم وكونه لاجل أمر غير الوضع غير معلوم يعني وضع الشارع وهو مقلوب عليه بأن التبادر معلوم وكونه من أجل وضع الشارع غير معلوم وعلى المستدل الاثبات ولا يكفيه الاحتمال وكيف كان فالحق ثبوت الحقيقة الشرعية في الجملة وأما في جميع الالفاظ والازمان فلا والذي يظهر من إستقراء كلمات الشارع ان مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج والركوع والسجود ونحو ذلك قد صارت حقايق في صدر الاسلام بل ربما يقال إنها كان حقائق في هذه المعاني قبل شرعنا أيضا لكن حصل إختلاف في الكيفية وحصولها فيها وفي غيرها من الالفاظ الكثيرة الدوران في زمان الصادقينعليهماالسلام ومن بعدهما مما لا ينبغي التأمل
فيه كما صرح به جماعة من المحققين وأما مثل لفظ الوجوب والسنة والكراهة ونحو ذلك فثبوت الحقيقة فيها في كلامهماعليهماالسلام ومن بعدهما أيضا محل تأمل فلابد للفقيه من التتبع والتحري ولا يقتصر ولا يقلد ثم أن ما ذكرناه من الوجهين في كيفية صيرورتها حقيقة فالاول منهما في غاية البعد بل الظاهر هو الوجه الثاني وعليه فلا تحصل الثمرة إلا فيما علم أنه صدر بعد الاشتهار في هذه المعاني إلى أن استغنى عن القرينة فإن علم أنه كان بعده فيحمل على الحقيقة وإلا فيمكن صدوره قبله وحينئذ فيمكن إرادة المعاني الجديدة واختفى القرينة ويمكن إرادة المعنى اللغوي والاصل عدمها فيحمل على اللغوي وهذا أقرب فليرجع إلى التفصيل الذي ذكرنا وليتأمل وليتتبع لئلا يختلط الامر والله الهادي ثم اعلم أنه قد نسب إلى بعض المنكرين للحقيقة الشرعية القول بأن الشارع لم يستعمل تلك الالفاظ في المعاني المخترعة بل يقول أنه إستعملها في المعاني اللغوية والزوايد شروط لصحة العبادة فالصلاة مثلا مستعملة في الدعاء وكونه مقترنا بالركعات شرط لصحة الدعاء والشرط خارج عن المشروط وكذلك الغسل هو غسل مشروط بزوايد وهكذا فلا نقل عنده ولا حقيقة جديدة ورد بأنه يلزم أن لا يكون المصلي مصليا إذا لم يكن داعيا فيها كالاخرس أو لم يكن متبعا كالمنفرد وهو باطل ويلزم هذا القائل نفي التركيب والماهيات المخترعة عند الشارع ويظهر الثمرة في إمكان جريان أصل العدم في إثبات الاجزاء والشرائط وعدمه وبيان ذلك أنه لا خلاف ولا ريب في كون الاحكام الشرعية توقيفية لا بد أن يتلقى من الشارع وأما موضوعات الاحكام فإن كان من قبيل المعاملات فيرجع فيها إلى العرف واللغة وأهل الخبرة كالبيع والارش ونحوهما وكذلك كل لفظ يستعمل في كلام الشارع لافادة الحكم أو لافادة بيان ماهية العبادة كالغسل بفتح الغين والمسح ونحوهما وإن كان من قبيل العبادات كالصلاة والغسل ونحوهما فهو أيضا كنفس الاحكام فإنها حقايق محدثة من الشارع لا يعلمها إلا هو وأما هذا القائل فيرجع فيها أيضا إلى اللغة والعرف كالمعاملات لانه لم يقل بكونها منقولات غاية الامر أن يقارنها بما يثبت عنده من الشرايط فإن قلنا بجعل الماهيات الجديدة من جانب الشارع وإحداثها فيصير العبادات من باب مركب ذي أجزاء ينتفي بإنتفاء أحد أجزائه فلا بد في حصول الامتثال به من حصول العلم بجميع أجزائه وشرائطه فإذا شك في كون شئ جزء له أو شرطا له فلا يمكن القول بأن الاصل عدم المدخلية للزوم العلم بالاتيان بالماهية المعينة ولا يكفي في ذلك عدم العلم بعدم الاتيان وأما على القول بعدم تركيب جديد فالمكلف به هو المعنى اللغوي ولا تأمل فيه والباقي أمور خارجة عنه يمكن نفي ما شك في ثبوته من الشرائط الخارجة بأصل العدم كالمعاملات وإما بناء دفع كلام هذا القائل بالبناء على
القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه بأن يقال بطلان قوله على القول بثبوت الحقيقة الشرعية واضح فإن الصلاة إسم لهذا المركب وكذا الغسل والوضوء فكيف يحملها على الدعاء والغسل بفتح الغين وعلى القول بعدمها فبعد وجود القرينة الصارفة عن اللغوي لا بد أن يحمل على الشرعي لكونه أشهر مجازاته وأشيعها فهو غريب لما عرفت من أنه منكر للحقيقة الشرعية بل منكر للماهيات المحدثة ثم بعد القول ببطلان مذهب هذا النافي والبناء على المشهور من كون تلك العبادات ماهيات محدثة فهل يجوز إجراء اصل العدم فيها بمعنى أنا إذا شككنا في كون شئ جزء لها أو شرطا لصحتها فهل يمكن نفيه بأصالة العدم أو لا بد من الاتيان بما يوجب اليقين بحصول الماهية في الخارج فيه خلاف ولا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمة وهي أنهم إختلفوا في كون العبادات أسامي للصحيحة أو الاعم منها وهذا الخلاف أيضا لايتوقف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فيها بل يكتفى فيه بثبوت الحقيقة المتشرعة ومطلق إستعمال الشارع تلك الالفاظ فيها فالنزاع في الحقيقة في أنه متى أطلق لفظ دال على تلك الماهية المحدثة فهل يراد الصحيحة منها أو الاعم والثمرة في هذا النزاع تظهر فيما لم يعلم فساده فهل يحصل الامتثال بمجرد عدم العلم بالفساد لصدق الماهية عليها أو لابد من العلم بالصحة مع الشك في مدخلية شئ في تلك الماهية جزء كان أو شرطا فلا يحكم بمجرد فقدان ذلك بالبطلان على الثاني بخلاف الاول للشك في الصحة وما يظهر من كلام بعضهم من التفرقة بين الشك في الجزء والشرط وإن الاول مضر على القول الثاني أيضا فلعله مبني على أن المركب لايتم إلا بتمام الاجزاء فكيف يقال بصدق الاسم على الثاني مع الشك في جزئية شئ آخر له وفيه أن مبنى كلام القوم على العرف وإنتفاء كل جزء لا يوجب إنتفاء المركب عرفا ولا يوجب عدم صدق الاسم في التعارف ألا ترى أن الانسان لا ينتفي بإنتفاء اذن منه أو إصبع عرفا بخلاف مثل رأسه ورقبته والحاصل أنه لا ريب في أن الماهيات المحدثة أمور مخترعة من الشارع ولا شك أن ما أحدثه الشارع متصف بالصحة لا غير بمعنى أنه بحيث لو اتى به على ما اخترعه الشارع يكون موجبا للامتثال للامر بالماهية من حيث هو أمر بالماهية لكنهم إختلفوا هذا الاختلاف بوجهين أحدهما أن نقول إذاوضع الشارع أسماء لهذه المركبات أو استعمل فيها بمناسبة فهو يريد تلك الماهية على الوجه الصحيح بالمعنى المذكور من الحيثية المذكورة وهذا القدر متيقن الارادة ولكنه لما كان الماهية عبارة من المركب عن الاجزاء بأجمعها من دون مدخلية الشرائط والشرائط خارجة عنها ولا مانع من وضع اللفظ بإزاء الماهية مع قطع النظر عن كونها جامعة للشرائط ولا من وضعه بإزاء الماهية مع ملاحظة
إجتماعها لشرائط الصحة فاختلفوا في أن الالفاظ هل هي موضوعة للماهية مع إجتماع الشرائط أو الماهية المطلقة فمراد من يقول أنها أسام للصحيحة منها أنها أسام للماهية مجتمعة لشرائط الصحة الزايدة على الصحة الحاصلة من جهة الماهية من حيث هي ومراد من يقول بأنها أسام للاعم انها أسام لنفس الماهية الصحيحة من حيث هي القابلة للصحة الزايدة على هذه الحيثية وعدمها والحاصل أن الاول يقول بأن الصلاة مثلا إسم للاركان المخصوصة حالكونها جامعة للشرائط مثل الطهارة عن الحدث والخبث والقبلة ونحو ذلك لا أنها إسم للاركان المخصوصة والشرائط معا والثاني يقول بأنها إسم للصلاة بدون إشتراط إجتماعها للشرائط ولا مع الشرائط فحينئذ تظهر الثمرة فيما لو حصل الشك في شرطية شئ لصحة الماهية فعلى القول بكونها أسامي للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة فلا بد من العلم بحصول الموضوع له في إمتثال الامر بها ولا يحصل إلا مع العلم بإجتماعه لشرائط الصحة وأما على القول الاخر أعني وضعها لنفس الاجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط فيحصل إمتثال الامر الوارد بالعبادة بمجرد الاتيان بها بما علم من شرائطها وما يقال أن الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط معناه الشك في تحقق الشرط المعلوم الشرطية لا الشك في أن لهذا الشئ شرطا يتوقف صحته عليه أم لا والوجه الثاني أن مع قطع النظر عن الشرائط أيضا قد يحصل الاشكال بالنظر إلى ملاحظة الاجزاء فإن النقص في أجزاء المركب قد لا يوجب سلب إسم المركب عنه عرفا كما ذكرنا في الانسان المقطوع الاذن أو الاصبع فالصلاة إذا كانت في الاصل موضوعة للماهية التامة الاجزاء ولكن لم يصح سلبها عنه بمجرد النقص في بعض الاجزاء فيتم القول بكونها إسما للاعم من الصحيحة فيرجع الكلام إلى وضعها لما يقبل هذا النقص الذي لا يوجب خروجها من الحقيقة عرفا وذلك لا يستلزم كون الناقصة مأمورا بها ومطلوبة لان مجرد صدق الاسم عند الشارع لا يوجب كونها مطلوبة له ويظهر الثمرة حينئذ فيما فلو نذر أحد أن يعطي شيئا بمن رآه يصلي فراى من صلى ونقص طمأنينته في إحدى السجدتين مثلا أو لم يقرء السورة في إحدى الركعتين (فبر)؟ النذر بذلك لا يستلزم كون تلك الصلاة مطلوبة للشارع ومأمورا بها فكونها مصداق الاسم معنى وكونها مأمورا و مطلوبا يحصل به الامتثال معنى آخر إذ لا بد في الامتثال مضافا إلى صدق الاسم كونها صحيحة أيضا ويتفاوت الاحكام بالنسبة إلى الامرين ويظهر الثمرة فيما لو أريد إثبات المطلوبية والصحة حينئذ بمجرد صدق الاسم فيما لو شك في جزئية شئ للصلاة ولم يعلم فسادها بدونه فعلى القول بكونها إسما للاعم يتم المقصود وعلى القول بكونها إسما للصحيحة التامة الاجزاء الجامعة للشرائط فلا لعدم معلومية
تمامية الاجزاء حينئذ وجامعيته لشرائط الصحة من الحيثية التي قدمنا ذكرها وغيرها من سائر شرائط الصحة ثم أن الاظهر عندي هو كونها أسامي للاعم بالمعنيين كما يظهر من تتبع الاخبار ويدل عليه عدم صحة السلب عما لم يعلم فساده وصحته بل وأكثر ما علم فساده ايضا وتبادر القدر المشترك منها ويلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة لزوم القول بألف ماهية لصلاة الظهر مثلا فصلاة الظهر للمسافر شئ و للحاضر شئ آخر وللحافظ شئ وللناسي شئ آخر وكذلك للشاك وللمتوهم والصحيح والمريض والمحبوس والمضطر والغريق إلى غير ذلك من أقسام الناسي في جزئيات مسائل النسيان والشاك في جزيئات مسائله وهكذا إلى غير ذلك وأما على القول بكونها أسامي للاعم فلا يلزم شئ من ذلك لان هذه أحكام مختلفة ترد على ماهية واحدة مع أن الصلاة شئ والوضوء والغسل والوقت والساتر والقبلة وغيرها أشياء اخر وكذلك إتصاف الصلاة بالتلبس بها فالظاهر أن لكل شئ منها إسما آخر ولا دخل في إشتراط شئ بشئ إعتباره في تسميته به ومما يؤيد كونها أسامي للاعم إتفاق الفقهاء على أن أركان الصلاة هي ما تبطل الصلاة بزيادتها ونقصانها عمدا أو سهوا إذ لا يمكن زيادة الركوع مثلا عمدا إلا عصيانا ولا ريب في كونه منهيا عنه ومع ذلك يعد ركوعا لا يقال أن مرادهم صورة الركوع لا الركوع الحقيقي وإن لم يكن صحيحا فإن من إنحنى في الصلاة بمقدار الركوع لاجل أخذ شئ من الارض سيما مع وضع اليد على الركبة بحيث يحسب الناظر أنه قد ركع فلا يوجب بطلان الصلاة من أجل زيادة الركن فالمراد إطلاق الاسم في عرف المتشرعة حقيقة وهو لا يتحقق إلا مع كون الركوع إسما للاعم من الصحيحة واحتجوا بالتبادر وصحة السلب عن العاري عن الشرائط وكون الاصل في مثل لا صلاة إلا بطهور الاستعمال في نفي الحقيقة لانه المعنى الحقيقي وفي الاولين منع ولعل المدعى لذلك إنما غفل من جهة الاوامر فإن الامر لا يتعلق بالفاسد وهذا فاسد لعدم إنحصار محل النزاع في الاوامر فالامر قرينة لارادة الصحيحة وذلك لا يستلزم وضعها لها وأما قولهعليهالسلام لا صلاة إلا بطهور فيتوجه المنع فيما ادعوه في خصوص هذا التركيب كما لا يخفى على من لاحظ النظائر كقولهعليهالسلام لا عمل الا بنية ولا نكاح إلا بولي ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وغير ذلك فإن القدر المسلم في اصالة الحقيقة إنما هو في مثل لا رجل في الدار وأما مثل هذه الهيئات التركيبية التي نفس الذات موجودة فيها في الجملة جزما وليس المراد فيها إلا نفي صفة من صفاتها فلا يمكن دعوى أصل الحقيقة فيها وفيما يشكل كونه من هذه الجملة مثل ما اقحم فيه خصوص الصلاة والصيام ونحوهما مما يحتمل فيه هذا الاحتمال السخيف وهو كونها أسامي للصحيحة بحيث يمكن عرفا نفي الذات بمجرد إنتفاء شرط من شروطها بل ومع الشك في حصول شرط من شروطها فهو لا يخرج هذه الهيئة عما هو ظاهر فيه في العرف ولذلك تداولها العلماء هذا
التداول في مبحث المجمل والمبين ولم يحتملوا إرادة نفي الحقيقة والذات إلا على تقدير هذا القول الضعيف وذلك ليس لان الاصل الحمل على الحقيق بل الاصل هنا خلافه بل لان دعوى كون هذه الالفاظ أسامي للصحيحة صارت قرينة لحمل هذه العبادة على مقتضى الحقيقة القديمة التي هي الموضوع له لكلمة لا فقالوا بأن حملها على نفي الذات حينئذ ممكن فحينئذ نقول حمل هذه العبارة على نفي الذات مع كونها ظاهرة في نفي صفة من صفاتها إنمايمكن إذا ثبت كون الصلاة إسما للصحيحة وإلا فهي منساقة بسياق نظائرها سيما مثل قولهعليهالسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإذا أردنا إثبات كون الصلاة إسما للصحيحة بسبب مقتضى الحقيقة القديمة فذلك يوجب الدور إلا أن يكون مراد المستدل أن أصالة الحقيقة يقتضي ذلك خرجنا عن مقتضاه في غيرها بالدليل وبقي الباقي فبهذا نقول أن مثل قولهعليهالسلام لا صلاة إلا بطهور مما كان الفعل المنفي عبادة خارج عن سياق النظائر وباق على مقتضى الاصل فلا ريب أن ذلك خلاف الانصاف فإن هذه في جنب الباقي ليست الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء ولذلك لم يتمسك أحد من العلماء الفحول في ذلك المبحث لاثبات نفي الاجمال بأصالة الحقيقة و تمسكوا بالقول بكونها موضوعة للصحيحة من العبادات والانصاف أن كون هذه منساقة بسياق النظائر من الادلة على كون العبادات أسامي للاعم فهو على ذلك أدل مما أراده المستدل وأيضا نقول بعد التسليم أن هذا إنما يدل على أن الصلاة التي لا طهور لها ولا فاتحة فها ليست بصلاة ولا يدل على أن الصلاة إسم للصحيحة كما لا يخفى إذ لو حصل الفاتحة والطهور للصلاة وشككنا أن السورة أيضا واجبة مع الفاتحة أم لا فهذا الحديث لا ينفي كون الصلاة الخالية عنها صلاة ولا يدل على أن الصلاة إسم لكل ما جامع جميع الشرائط ثم اعلم أن الشهيدرحمهالله قال في قواعد الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود ولا يطلق على الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه فلو خلف على ترك الصلاة أو الصوم إكتفى بمسمى الصحة وهو الدخول فيها فلو أفسدهابعد ذلك لم يزل الحنث ويحتمل عدمه لانه لايسمى صلاة شرعا ولاصوما مع الفساد وأما لو تحرم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا إنتهى والظاهر أن مراده إكتفى بمسمى الصحة في الحنث يعني لو حلف على ترك الصلاة مثلا في مكان مكروه يحصل الحنث بمجرد الدخول وأقول يظهر من قولهرحمهالله إلا الحج لوجوب المضي فيه أن كلامهم في الاوامر والمطلوبات الشرعية إن مرادهم أن الفاسد لايكون مطلوبا له إلا في الحج فإنه يجب المضي في فاسده لا في مطلق التسمية والاصطلاح ولو لاغراض أخر مثل كونها علامة للاسلام وموجبا لجواز أكل الذبيحة بمجرد ذلك حيث قلنا بذلك ونحو ذلك
وذلك لانهرحمهالله إن كان أراد من الاطلاق أعم من الاطلاق الحقيقي فلا ريب أن إطلاق الصلاة مثلا على الفاسدة وإستعمالها فيها في كلام الشارع والمتشرعة فوق حد الاحصاء وإن أراف منه الاطلاق الحقيقي فلا معنى لتخصيص الحقيقة بالحج والتفصيل إذ محض الامر بالمضي لا يوجب كون اللفظ حقيقة فيه فظهر أن مراده الاطلاق على سبيل الطلب والمطلوبية فإن التسمية في كلام الشارع مما لا يقابل بالانكار ولنشر إلى بعض ما يفيد ذلك وهو ما رواه الكليني في الموثق كالصحيح لابان بن عثمان عن الفضل بن يسار عن أبيجعفر عليه الصلاة والسلام قال بني الاسلام على خمس الصلاة و الزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشئ كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه يعني الولاية فإن الظاهر الواضح أن المراد بالاربع هو الاربع من الخمس والتحقيق أن عبادة هؤلاء فاسدة كما دل عليه الاخبار وكلام الاصحاب فالاخذ بالاربع على هذا الوجه لا يمكن إلا مع جعلها أسامي للاعم وذلك لا ينافي كون المطلوب في نفس الامر هو الصحيح والاكتفاء في التسمية بالاعم كما نشير إليه من أن التسمية عرفية وإن كان المسمى شرعيا ومن جملة ما ذكرنا قولهعليهالسلام دعي الصلاة ايام إقرائك فإن صيرورة الصلاة صحيحة إنما يكون بأن لا تكون في أيام الحيض والتسمية بالصلاة إنما كانت قبل هذا النهي وليس المعنى أن الصلاة التي لا تكون في حال الحيض اتركيها في حال الحيض بل المعنى أتركي الصلاة في حال الحيض وإدعاء أن التسمية وإثبات الشرط هنا قد حصلا بجعل واحد يكذبه الوجدان السليم لتقدم التسمية وضعا وطبعا وما ذكر إنما يصح إذا قيل معناه أن الاركان المخصوصة التي هي جامعة لجميع الشرائط ولكونها في غير هذه الايام وإسمها صلاة على القول بكونها إسما للصحيحة لا تفعليها في هذه الايام والمفروض أن كونها في غير هذه الايام إنما استفيد من قوله لا تفعليها في هذه الايام وأما على القول بكونها إسما للاعم فلا يرد شئ من ذلك إذ يصح المنع عن الصلاة مع قطع النظر عن كونها في هذه الايام ومما ذكرنا يظهر ما في قولهرحمهالله لانه لايسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد ولعل نظره ونظر من وافقه إلى أن الظاهر من حال المسلم في نذر الفعل والحلف عليه هو قصد الفعل الصحيح فالحنث إنما هو لاجل الصحة وعدم الصحة لا لانه ليس بصلاة فتعدوا من عدم الصحة إلى نفي الذاب فلو نذر احد أن يصلي ركعتين في وقت خاص فالقائلون بكونها إسما للاعم أيضا يقولون بأن الفاسدة لا تكفي وكذا لو نذر أن يعطي مصليا شيئا فلا يبر نذره بإعطائه لمن علم فساد صلاته ويظهر الثمرة فيما لو جهل حاله بالخصوص من جهة نفس الامر لعدم المعرفة بحال المصلي أو من جهة نفس الحكم للاختلاف الحاصل من جهة الادلة في حقيقة العبادة ولا مرجح عنده
لاعتبار الصحة عنده او عند المصلي الذي يريد ان يعطيه مثلا وعلى هذا فلو حلف أو لا يبيع الخمر فيحنث ببيعها وإن كان بيعها فاسدا كما ذهب إليه الاكثر لاجل تحقق البيع لا ينافي ذلك حمل فعل المسلم على الصحة كما كان ينافيه في المثال المتقدم والظاهر أن ذلك أيضا لكون البيع إسما للاعم وسنشير إلى جريان الخلاف في المعاملات ايضا ومما يؤيد كونها أسامي للاعم أنه لا إشكال عندهم في صحة اليمين على ترك الصلاة في مكان مكروه أو مباح مثلا وحصول الحنث بفعلها ويلزمهم على ذلك المحال لانه يلزم حينئذ من ثبوت اليمين نفيها فإن ثبوتها يقتضي كون الصلاة منهيا عنها والنهي في العبادة مستلزم للفساد وكونها فاسدة مستلزم لعدم تعلق اليمين بها إذ هي إنما تتعلق بالصحيحة على مفروضهم فيحكم بصحتها وبعد تعلق اليمين لا يتحقق الحنث لعدم تحقق الصلاة الصحيحة والقول بأن المراد الصلاة الصحيحة لولا اليمين لا يجعلها صحيحة في نفس الامر حقيقة كما هو مراد القائل ويجري هذا الكلام في المعاملات أيضا إن قلنا بدلالة النهي على الفساد فيها أيضا ومما يؤيده أيضا أنه يلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة أن يفتش عن أحوال المصلي إذا أراد أن يعطيه شيئا لاجل النذر إذا لم يعلم مذهبه وصحة صلاته في نفس الامر فإن حمل فعل المسلم على الصحة لا يكفي هنا فإن غاية ذلك حمل فعل المسلم على الصحيح عنده والصحة قد تختلف بإختلاف الاداء فإذا رأى من نذر شيئا للمصلي رجلا صالحا يصلي بجميع الاركان والاجزاء ولكن لا يدري أنه هل صلى بغسل غير الجنابة بلا وضوء أو مع الوضوء وهو يرى بطلان الصلاة به وذلك الصالح قد يكون رأيه أو رأي مجتهده الصحة والمفروض أن المعتبر في وفاء الناذر على تكليفه ملاحظة الصحيح عنده المطابق لنفس الامر بظنه وكذلك ملاحظة غيره من الاختلافات في الاجزاء وسائر الشروط ولاريب أن الصحيح من العبادة ليس شيئا واحدا حتى يبنى عليه في المجهول الحال على حمل فعل المسلم على الصحة ولم نقف إلى الان على من إلتزم هذه التفحصات و التدقيقات ويعطون على من ظاهره الوفاء وليس ذلك إلا لاجل كونها أسامي للاعم ولعله لاجل ذلك لا يتفحص المؤمنون في الاعصار والامصار عن مذهب الامام في جزئيات مسائل الصلاة مثل أنه هل يعتقد ووب السورة أو ندبها أو وجوب القنوت أو ندبه ويأتمون به بعد ثبوت عدالته نعم إذا علم المخالفة فلا يصح الاقتداء فيما يعتقده باطلا مثل ما لو ترك الامام السورة أو نحو ذلك فما لم يعلم بطلانه يجوز الاقتداء به ويصح صلاته لانه إئتم بمن يحكم بصحة صلاته شرعا والقدر الثابت من المنع هو ما علم بطلانه وإن كان صحيحا عند الامام فليس هذا إلا من جهة كفاية مسمى الصلاة ما لم يعلم المأموم بطلانها على مذهبه لا أنه لا يصح الاقتداء حتى يعلم أنه صحيح على مذهبه بقي الكلام في بيان
بعض ما أشار إليه الشهيدرحمهالله وهوأمور الاول أنه يستفاد منه أن الحقايق الشرعية كماتثبت في العبادات تثبت في المعاملات أيضاوهو كذلك وقد يظهر من بعضهم إختصاص ذلك بالعبادات وهو ضعيف وعلى هذا فيمكن عطف قولهرحمهالله وسائر العقود على تالييه لاالماهيات الجعلية أيضا الثاني أن الخلاف في كون الالفاظ أسامي للصحيحة أوالاعم لا يختص بمثل الصلاة والصوم بل يجري في سائر العقود أيضا وهو أيضا كذلك قال المحققرحمهالله في الشرائع في كتاب الايمان إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد ولا يبر بالبيع الفاسد لو حلف ليبيعن وكذا غيره من العقود وقال الشهيد الثانيرحمهالله في شرحه عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة والمجاز فيهما كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع عند إطلاق قولهم باع فلان داره وغيره ومن ثم حمل الاقرار به عليه حتى لو إدعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة وإنقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة أقول ويمكن حمل كلام المحقق على ما ذكرنا من أن الظاهر والغالب في المسلمين إرادة الصحيح فينصرف إليه لا لان اللفظ حقيقة فيه فقط فلا ينصرف إلى غيره لكونه مجازا وأما ما ذكره الشارح من دعوى التبادر فإن أراد به ماذكرنا فلا ينفعه وإن أراد كونه المعنى الحقيقي ففيه المنع المتقدم وعدم سماع دعوى الفساد في صورة الاقرار أيضا لما ذكرنا كنظائره وأما تمسكه بعدم صحة السلب فلم تحقق معناه لانا لا ننكر كونه حقيقة انما الكلام في الاختصاص وهو لا يثبته وأما قولهرحمهالله وإنقسامه إلى الصحيح والفاسد أعم من الحقيقة فإن أراد أن التقسيم ليس بحقيقة في تقسيم المعنى فيما أطلق المقسم بل أعم من تقسيم اللفظ والمعنى ففيه أن المتبادر من التقسيم هو تقسيم المفهوم والمعنى لا ما يطلق عليه اللفظ ولو كان مجازا وإن أراد أن الدليل لما دل على كون الفاسد معنى مجازيا فلا بد أن يراد من المقسم معنى مجازي يشملهما فهو مع أنه لا يساعده ظاهر كلامهرحمهالله أول الكلام الثالث أن الدخول في العمل على وجه الصحة يكفي في كونه صحيحا أقول والاظهر عدم الاكتفاء فإن الدخول على وجه الصحة غير الاتيان بالفعل الصحيح و المفروض أن الحلف إنما وقع على الثاني فإن الصلاة والصيام ليسا من باب القران المحتمل وضعه للمجموع وللكلام المنزل على سبيل الاعجاز المتحقق في ضمن كل من أبعاضه بل هما إسمان للمجموع وعلى ما ذكره يلزم الحنث وإن لم يتمها فاسدا أيضا وهو كما ترى بل هذا لا يصح على المختار أيضا بل يمكن أن يقال أنه لا يحصل الحنث على المختار لو أتمه فاسدا أيضا عالما بالفساد لما ذكرناه في توجيه كلامهرحمهالله ومن وافقه من إرادة الصحيحة في أمثال ذلك وإن بنى على المختار إذا عرفت هذا فاعلم أن الظاهر أنه لا إشكال
في جواز إجراء اصل العدم في ماهية العبادات كنفس الاحكام والمعاملات بل الظاهر أنه لا خلاف فيه كما يظهر من كلمات الاوايل والاواخر ولم نقف على تصريح بخلافه في كلام الفقهاء وأما ما نراه كثيرا في كلماتهم من التمسك بالاحتياط وإستصحاب شغل الذمة فهو إما مبني على مسألة الاحتياط والقول بوجوبه وستعرف ضعفه أو تأئيد الدليل به فلاحظ الانتصار وقد يتمسك بالاجماع وطريقة الاحتياط في إثبات أصل الحكم كما تمسك به في وجوب صلاة العيدين خلافا للشافعي وفي مسألة المنع عن صلاة الاضحى وغير ذلك وأما إستدلالهم بالاصل في مهية العبادات فهو فوق حد الاحصاء وكيف كان فالمتبع هو الدليل ولا ينبغي التوحش مع الانفراد إذا وافقنا الدليل فكيف وجل الاصحاب إن لم نقل كلهم متفقون في عدم الفرق فمن يعمل بالاصل لا يفرق بين العبادات وغيرها فنقول أن من اليقينيات إنا مكلفون بما جاء به محمدصلىاللهعليهوآله من الاحكام والشرائع والعبادات وكما أن سبيل القطع بمعرفة الاحكام كما وردت منسد لنا فكذلك بمعرفة مهية العبادات وكما يمكن أن يقال التكليف بالعبادات أمر بشئ غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت فكذلك سائر الاحكام الشرعية غير معلوم لنا ولا يحصل الامتثال بها إلا بإتيانها بماهياتها كما وردت وكما أن إنسداد باب العلم مع بقاء التكليف بالضرورة وقبح تكليف ما لا يطاق يوجب جواز العمل بالظن في الاحكام بعد التفحص والتجسس عن الادلة وحصول الظن بسبب رجحان الدليل على المعارضات أو بسبب أصالة عدم معارض آخر فكذلك في ماهية العبادات وكما لا يمكن في ماهية العبادات التمسك بالاصل قبل الفحص والتفتيش وإستفراغ الوسع فكذلك لا يمكن ذلك في نفس الاحكام وسيجئ الكلام في ذلك مستقصى في مباحث التخصيص ومباحث الاجتهاد والتقليد فنقول أنه لا مانع من إجراء أصالة العدم في إثبات مهية العبادات كنفس الاحكام إذ لو قيل أن المانع هو أن إشتغال الذمة بالعبادة في الجملة قاطع لاصالة العدم السابق فيصير الاصل بقاء شغل الذمة حتى يثبت المبرء فمثله موجود في الاحكام أيضا فإن إشتغال الذمة بتحصيل حقيقة كل واحد من الاحكام الذي علم إجمالا بالضرورة من دين محمدصلىاللهعليهوآله قاطع ولذلك إشترطوا في إعمال أصل البرائة وأصالة العدم في الاحكام الشرعية الفحص عن الادلة اولا فنحن نعلم جزما أن لغسل الجمعة مثلا حكما من الشارع لا نعلمه فبعد البحث والفحص وعدم رجحان دليل الوجوب نقول الاصل عدم الوجوب والاصل عدم معارض آخر يترجح على ما ظهر علينا من أدلة الاستحباب ولا يمكننا ذلك قبله ولا يوجب إمتزاج أمور متعددة وثبوت حكم فيها الفرق في ذلك فكما نتفحص من حكم المفرد وبعد إستفراغ الوسع نستريح إلى أصل
البرائة وأصل العدم في عدم ما يدل على خلاف ما فهمناه وظنناه من قبل الادلة فكذلك في ماهية العبادات المركبة فإذا حصل لنا من جهة الاخبار والاجماعات المنقولة بإنضمام ما وصل إلينا من سلفنا الصالحين يدا بيد ان مهية الصلاة لا بد فيها من النية والتكبير والقرائة والركوع والسجود وغيرها من الاجزاء المعلومة وشككنا في أن الاستعاذة قبل القرائة في الركعة الاولى مثلا هل هو أيضا من الواجبات كما ذهب إليه بعض العلماء أم لا ورأينا أن دليله على الوجوب معارض بدليل آخر على الندب فمع تعارضهما وتساقطهما فيبقى إحتمال الوجوب لامكان ثبوت دليل آخر يدل عليه فحينئذ يجوز لنا نفيه بأصل العدم وأصالة عدم الوجوب فإنه يفيد الظن بالعدم ويحصل من مجموع الامرين الظن بأن مهية العبادة هو ما ذكر لا غير وإن قلت بلزوم تحصيل اليقين قلنا بمثله في نفس الحكم مع أنا نقول لم يثبت إنقطاع أصل البرائة السابقة وعدم إشتغال الذمة السابقة إلا بهذا القدر فكيف يحكم بإنقطاعه رأسا حتى يقال لا يمكن التمسك بالاصل لانقطاعه بالدليل مع أن ذلك يجري في الحكم الشرعي أيضا فإن من المعلوم أن أصل العدم في الاحكام الشرعية أيضا القطع بثبوت حكم مجمل لكل واحد من الموضوعات فكيف يحكم بأن الاصل عدم هذا الحكم وثبوت حكم آخر و الحاصل أنا إذا بنينا على كفاية الظن عند إنسداد باب العلم فلا فرق بين الحكم ومهية العبادات هذا مع أن لنا أن نقول في الاخبار أيضا ما يدل على بيان المهية وأن العبادات هي هذه مثل صحيحة حماد الواردة في بيان اداب الصلوة ونحوها فحينئذ يتضح عدم الفرق بينها وبين نفس الاحكام في اجراء اصالة العدم وقد ظهر مما ذكرنا إمكان اثباب مهية العبادات بضميمة أصل العدم مطلقا سواء حصل لنا ظن من جهة خبر أن هذا هو المهية أو حصل الظن من جهة مجموع ما ورد من الادلة في خصوص جزء جزء وأصالة عدم شئ آخر وأما ما يقال أن السبيل منحصر في الاجماع فلا نفهم معناه فإن أراد أنه لا بد أن ينعقد الاجماع على أن هذا هو المهية لا غير فلا سبيل لنا إلى مثل هذا الاجماع ولم يدعه احد من العلماء وإن إدعاه أحد فهو أيضا ظن مثل الظن الحاصل من تلك الرواية أو من الاصل ولا يتم إلا بضميمة أصالة عدم دليل آخر يدل على ثبوت جزء آخر له أو شرط آخر له وإن أراد أن ما حصل الاجماع على صحته فالماهية موجودة فيه جزما ففيه أن هذا ليس إثبات المهية وتعيينها بل هو إثبات لما اندرج فيه المهية جزما لاحتمال إشتمالها على المستحبات التي ليست داخلة في ماهية العبادة مع أن ذلك مما لا يمكن غالبا كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في شئ من الاجزاء مثل الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة الاخفاتية وبطلان الصلاة بتذكر إسقاط الركوع بعد إكمال السجدتين
مع ملاحظة القول بلزوم حذفهما وتدارك الركوع فيما بعده وربما يتكلف في دفع هذا الاشكال بأن المخالف في ال مسألة إذا سلم أنه لو كان دليله باطلا لكان المهية هي على وفق ما اقتضاه دليل خصمه سواء صرح بذلك التسليم أم لا فهذا يكفي في كون المهية إجماعية عند الخصم إذا ظهر له بطلان دليل المخالف وغفلته عن الحق وفيه مع أن هذا إنما يتم بالنسبة إلى المخالفة الخاصة دون سائر المخالفات وذلك لا يثبت المهية مطلقا أن ظهور بطلان دليل المخالف غالبا إنما هو بحسب إجتهاد الخصم وقد يكون الغفلة في نفس الامر من جهة الخصم لا المخالف مع أن هذا الاحتمال حاصل بالنسبة إلى المخالف أيضا بالنظر إلى دليل الخصم فيصير الاجماع تابعا لاجتهاد المجتهد وهو كما ترى ويزيد شناعة ذلك لو تعدد الاقوال أزيد من إثنين كما في الجهر ببسم الله فإن الاقوال فيه ثلاثة الحرمة والوجوب والاستحباب وإن قلت الاجماع حينئذ يحصل بتكرير الصلاة فيصير الامر أشنع ومال هذا القول إلى وجوب الاحتياط وهو مع أنه لم يقم عليه دليل من العقل والنقل يوجب العسر والحرج أو الترجيح بلا مرجح وأما ما أورد على أعمال الاصل في ذلك بأنه إنما يتم إذا جاز العمل بالاستصحاب حتى في نفس الحكم الشرعي مع أنه معارض بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة وإن شغل الذمة اليقيني مستصحب حتى يثبت خلافه ففيه مع أن المحقق في محله كما سيجئ إنشاء الله تعالى حجية الاستصحاب مطلقا أن مرادهم من عدم حجيته في إثبات نفس الحكم الشرعي أن يكون الاستصحاب مثبتا لنفس الحكم مثل أن يقال أن المذي غير ناقض للوضوء مثلا لاستصحاب الطهارة السابقة فإستصحاب الطهارة هو المثبت لعدم كون المذي ناقضا وأصل العدم منفردا لا يثبت به المهية بل هي بضميمة سائر المثبتة لها كما لا يخفى مع أنه مقلوب على المعترض بأنه كيف يجوز التمسك في إثبات إستحباب غسل الجمعة مثلا بعد تعارض الادلة بأصالة عدم شئ آخر يدل على الوجوب فيحكم بالاستحباب فإن الذي يثبت من نفس أدلة الطرفين إنما هو القدر الراجح لاشتراكهما في الرجحان فيبقى نفي الوجوب وتعيين نفس الاستحباب مستفادا من نفس الاستصحاب وأصالة العدم إذ ليس مطلق الرجحان معنى الاستحباب وأما المعارضة بأصالة عدم كونها العبادة المطلوبة ففيه أن الموجود الخارجي كما يحتمل كونه غير العبادة المطلوبة يحتمل كونه هي فجعل أحدهما هو الاصل دون الاخر ترجيح بلا مرجح نعم يمكن أن يقال الاصل عدم تحقق العبادة المطلوبة في الخارج بمعنى عدم حصول اليقين بالاتيان بالعبادة المطلوبة ولا محصل لهذا الاستصحاب إلا بقاء المكلف به في الذمة وهو يرجع إلى إستصحاب شغل الذمة اليقيني وجوابه ان إشتغال الذمة اليقيني مقتض لليقين بإبراء الذمة إذا أمكن والظن الاجتهادي الحاصل من الاصل
بضميمة سائر الادلة قائم مقام اليقين كما هو متفق عليه عندهم مع ان شغل الذمة بأزيد من ذلك لم يثبت من الادلة وأصل البرائة السابق لم ينقطع إلا بمقدار ما ثبت إشغال الذمة به وما ثبت علينا من الادلة وسلمناه هو إشتغال ذمتنا بما يظهر علينا من الظنون الاجتهادية ثبوته وقد يتمسك في إثبات ماهية العبادات بطريق أخر وهو أن يرجع إلى إصطلاح المتشرعة ويقال المتبادر في إصطلاحهم هو هذا فهو مطلوب الشارع أما على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فظاهر وأما على القول بالعدم فمع القرينة الصارفة عن اللغوي يحمل عليه لكونه أقرب مجازاته وأشيعها لكن يشكل ذلك على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة الجامعة لشرائط الصحة مطلقا وعلى القول بكونها إسما للاعم من الصحيحة لو كان الاشكال و التشكيك في الاجزاء وأما لو كان الاشكال في ثبوت شرط لها فيصير مثل المعاملات في جواز الاكتفاء بما يفهم منه عرفا وينفي الشرط المحتمل بالاصل وإنما قلنا أنه لو كان الحيرة والاشكال في الاجزاء فلا يتم هذا الطريق على القول بكونها أسامي للاعم فلان غاية ما يتبادر من الصلاة مثلا هو ذات الركوع و السجود فيخرج صلاة الميت وكذلك يمكن عندهم سلب إسم الصلاة عن صلاة وقع فيها فعل كثير بمحو صورة الصلاة ولا يثبت بهما ماهية الصلاة بتمامها كما لا يخفى وفيه نظر من وجوه أما أولا فلان دعوى الحقيقة الشرعية وثبوت الحقيقة المتشرعة إنما هو في المعنى المحدث الذي أبدعه الشارع في مقابل المعنى اللغوي ويكفي في تصور إرادة ذلك المعنى دون المعنى اللغوي او معنى أخر التصور في الجملة فلا يلزم في ذلك تصوره بالكنه وبجميع الاجزاء والشرائط وما ذكره من الرجوع إلى عرف المشترعة والشارع إنما يناسب تمايز المعاني بوجه ما لا من جميع الوجه بحيث يكون تصور الكنه شرطا في كونه مرادا من اللفظ فالتفصيل المذكور لا دخل له في إثبات ما هو بصدده وأما ثانيا فمنقول إذا بنينا بيان المهية بالرجوع إلى مصطلح المتشرعة أو الشارع فنقول هيهنا مقامان من الكلام الاول بيان تلك المهية المخترعة وتميزها من بين ما هي منه صنفه من المخترعات مثل أن يقال المعنى المخترع الذي نقل الشارع إسم الصلاة إليه هل هو ذات الركوع والسجود أو المشروط بالقبلة والقيام فنرجع إلى عرف المتشرعة ونثبت به مراد الشارع والثاني أن بعد بيان أن المراد أيهما قد يقع الاشكال في كون بعض ما يحتمل كونه فردا للموضوع له فردا له مثل إنا نعلم أن ذات الركوع والسجود هو معنى الصلاة لكن نشك في أن الصلاة المذكورة إذا كانت بحيث وقع في بينها فعل كثير غاية الكثرة هل هو فرد حقيقي لها أم لا نظير ما تقدم في ماء السيل في مسألة عدم صحة السلب والذي يناسب ما نحن فيه هو المقام الثاني
لا المقام الاول فذكر تبادر ذات الركوع والسجود وصلاة الميت لا يناسب المقام وأما ثالثا فنقول لا يتفاوت الحال بتعدد القولين في ألفاظ العبادات إذ حقيقة المتشرعة تابعة لما هي عليها عند الشارع فإن كانت عند الشارع هي الصحيحة فكذلك عند المتشرعة وإن كانت الاعم فكذلك عند المتشرعة وإختلاف عرف المتشرعة وعدم إنتظامها لا يوجب عدم الاعتداد بها وقد بينا سابقا أن الاختلاف اليسير غير مضر في الحقيقة عرفا وإن أضر بها عقلا والمعيار هو العرف خرج ما ثبت فساده بالدليل وبقي ما شك في فساده تحت الحقيقة العرفية لا يقال أن هذه التسمية شرعية وليست بعرفية حتى يجعل من الامور العرفية لانا نقول المسمى شرعية والتسمية ليست بشرعية فالتسمية مبنية على طريق العرف والعادة فإن الشارع أيضا من أهل العرف فالمسمى وإن كان من الامور التوقيفية المحدثة من الشارع لكن طريق التسمية هو الطريق العرفي فافهم وبالجملة لا فرق بين العبادات والمعاملات في ذلك ألا ترى أنهم إستشكلوا في المعنى العرفي للغسل فقيل يدخل فيه العصر في الثياب وقيل يدخل في ماهيته إخراج الماء منه وقيل يحصل بالماء المضاف وقيل يشترط المطلق وهكذا وبعضهم فرق بين صب الماء والغسل ونحو ذلك فكما يؤخذ في ألفاظ المعاملات بما هو المتداول عند عامة أهل العرف وأغلبهم فكذلك يؤخذ في ألفاظ العبادات ما هو المتداول عند المتشرعة سواء قلنا بأنها أسام للصحيحة أو الاعم فنقول مثلا المتبادر عند المتشرعة لو كان الصلاة المتلبسة بالركوع والسجود والقرائة والقيام والتشهد والسلام مع كونها مصاحبة للطهارة من الحدث و الخبث وحصل الشك في أن المهية هل تتم بهذا المجموع أم يجب فيه كون المصلي في مكان مباح أيضا فيمكن إجراء أصل العدم فيه نظير إشتراط الدلك في غسل غير الثياب والعصر فيها وكذا لو قلنا أن المتبادر من الصلاة هو ذات التكبير والقيام والفاتحة والركوع والسجود وشككنا في كون التشهد والسلام أيضا جزء لها أم لا وفي كون السورة أيضا جزء لها أم لا أو هل هو مشروط بشرط آخر أم لا نعم إذا علمنا مدخلية شئ آخر فيه ولم نعلمه بعينه فلا يمكن إجراء الاصل حينئذ ويجب إبراء الذمة بالاتيان بالمحتملات وهذا غير ما نحن فيه ثم أن الفرق بين الشك في الجزء والشرط أيضا قد عرفت أنه لا وجه له لما نبهناك عليه هنا وأشرنا إليه في المقدمة أيضا مع أن تحديد الشرط والجزء في غاية الاشكال ولعل نظر من فرق بينهما إلى أن الشرط خارج عن المهية والجزء داخل فيها وأنت خبير بأن الشرط أيضا قد يكون داخلا في المهية فإن قولنا الطمأنينة بمقدار الذكر شرط في صحة الركوع في قوة قولنا يجب الكون الطويل بالمقدار المعلوم في حال الركوع وكما يمكن أن يقال يجب الطمأنينة في القيام بعد الركوع يمكن أن
يقال يجب المقدار الزايد عن تحقق طبيعة القيام بعد الركوع وهكذا تنبيه يمكن أن يستفاد مما ذكرنا في هذا المقام من باب التائيد والاشارة والاشعار كون مهية الصلاة مثلا هو التكبير والقيام والركوع والسجود ويكفي في تحقق كل ذلك مجرد حصول المهية وأما الزايد على الماهية وغيرها من الواجبات فشروط وزوايد ولعله إلى ذلك ينظر إصطلاح العلماء في الاركان وجعل الركن في كل من المذكورات المسمى وإن بإنتفاء كل منها ينتفي المركب وجعل لباقي الواجبات أحكام أخر فليتأمل تذنيبان الاول قد ذكرنا تقديم عرف الشارع على غيره وهو فيما خص به مما حصل فيه الحقيقة الشرعية واضح لان تعيينه ووضعه لهذا المعنى الذي أحدثه إنما هو لاجل تفهيم المكلفين المخاطبين فإذا خاطبهم به فلا بد أن يحمل على إرادة هذا المعنى وأما فيما لم يخص به بل كان عرفا لاهل زمانه فكذلك أيضا كالدينار وقد يقع الاشكال فيما لو إختلف عرفه الخاص الذي لا يختص به بل يوافقه طائفة من قومه مع عرف طائفة أخرى منهم كلفظ الرطل الذي إختلف فيه أهل المدينة والعراق فإذا خاطب الامامعليهالسلام مع كونه من أهل المدينة مع من كان من أهل العراق فهل يقدم عرف الراوي أو المروي عنه فيه إشكال والحق الرجوع إلى القرائن الخارجية ومع عدمها التوقف الثاني إذا أطلق الشارع لفظا على شئ مجازا مثل قولهصلىاللهعليهوآله الطواف بالبيت صلاة وتارك الصلاة كافر وكذا تارك الحج ونحو ذلك فالظاهر أن المراد منه المشاركة في الحكم الشرعي وفيه وجوه القول بالاجمال لعدم ما يدل على التعيين والقول بالعموم للظهور ولئلا يلغو كلام الحكيم والقول بتساويهما في الاحكام الشائعة لو كان للمشبه به حكم شايع وإلا فالعموم والاوجه الوجه الاخير والظاهر أنه إذا قال فلان بمنزلة فلان أيضا كذلك بل هو أظهر في العموم لصحة الاستثناء مطلقا قانون إختلفوا في جواز إرادة أكثر من معنى من معاني المشترك في إطلاق واحد على أقوال وتحقيق الحق في ذلك يتوقف على بيان مقدمات الاولى أن المشترك حقيقة في كل واحد من معانيه وقد عرفت أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له أي فيما عين الواضع اللفظ للدلالة عليه بنفسه في إصطلاح به التخاطب وقيد الاستعمال مبني على إعتبار الاستعمال في الحقيقة والقيد الثاني لاخراج المجاز فإن دلالته على المعنى ليس بنفسه بل انما هو من جهة القرينة واما المشترك فانه وان كان قد عين في كل وضع للدلالة على المعنى بنفسه لكن الاجمال وعدم الدلالة إنما نشاء من جهة تعدد الوضع فالقرينة في المشترك إنما هي لاجل تعيين أحد المعاني المدلول عليه إجمالا لا لنفس الدلالة فإن الدلالة حين الاطلاق حاصلة إجمالا لكنها غير معينة حتى تنصب القرينة
بخلاف المجاز فإنا إذا علمنا من قرينة أن المعنى الحقيقي غير مراد فنتوقف في المعنى المراد حتى يعين بقرينة أخرى ولا يتحقق لنا من نفسه شئ لا إجمالا ولا تفصيلا وهذا معنى ما يقال أن المجاز يحتاج إلى قرينتين صارفة ومعينة بخلاف المشترك وقد يكتفى بقرينة واحدة إذا إجتمع فيه الحيثيتان لا أقول أن مدلول المشترك عند الاطلاق واحد من المعنيين غير معين كما يتوهم من ظاهر كلام الكساكي بل مدلوله واحد معين عند المتكلم غير معين عند المخاطب لطريان الاجمال بسبب تعدد الوضع وأما القيد الاخير فهو لاخراج الاستعمال فيما وضعت له في إصطلاح آخر فإستعمال الفعل في مطلق الحدث في إصطلاح النحوي ليس حقيقة وإن كان مستعملا فيما وضع له في الجملة وقد يستغنى عنه بإعتبار الحيثية كما أشرنا إليه في أول الكتاب الثانية أن اللفظ المفرد أعني ما ليس بتثنية وجمع إذا وضع لمعنى كلي أو جزئي حقيقي فمقتضى الحكمة في الوضع أن يكون المعنى مرادا في الدلالة عليه بذلك اللفظ منفردا توضيحه ان غرض الواضع من وضع الالفاظ هو التفهيم بنفسه فلو كان في دلالة اللفظ الموضوع بإزاء معنى كلي أو جزئي مدخليته لشئ أخر أو كان للمعنى شريك أخر في إرادة الواضع بأن يريد دلالة اللفظ عليه أيضا لما كان ذلك المعنى هو تمام الموضوع له ولا بد من التنبيه عليه لا أقول أن الواضع يصرح بأني أضع ذلك اللفظ لهذا المعنى بشرط أن لا يراد معه شئ آخر وبشرط الوحدة ولا يجب أن ينوي ذلك حين الوضع أيضا بل أقول إنما صدر الوضع من الواضع مع الانفراد وفي حال الانفراد لا بشرط الانفراد حتى تكون الوحدة جزء للموضوع له كما ذكره بعضهم فيكون المعنى الحقيقي للمفرد هو المعنى في حال الوحدة لا المعنى والوحدة فلا يتم ما يفهم من بعض المحققين أيضا من أن الموضوع له هو المعنى لا بشرط الوحدة ولا عدمها فقد يستعمل في الواحد وقد يستعمل في الاكثر والموضوع له هو ذات المعنى في الصورتين فإن الموجود الخارجي الذي هو الموضوع له مثلا هو جزئي حقيقي وإن كان قد يكون الموضوع له كليا بالنسبة إلى أفراده وإعتبار الكلية والجزئية الجعليتين والحاصلتين من ملاحظة إنضمامه مع الغير وعدمه إنما هو بإعتبار المعتبر ومع عدم الاعتبار فالمتبع هو ما حصل العلم بكونه موضوعا له وهو ليس إلا المعنى في حال الانفراد لا بشرط الانفراد ولا لا بشرط الانفراد فإن شئت توضيح ذلك فاختبر نفسك في تسميتك ولدك هل تجد من نفسك الرخصة بأن تقول أني وضعت هذا الاسم له بشرط أن يراد الوحدة أو لا بشرط الوحدة ولا عدمها فهذا الاطلاق والتقييد إنما هو بإعتبار الوضع لا الموضوع له والمفروض عدم ثبوت ذلك الاعتبار من الواضع والاصل عدم والحاصل أن المعنى الحقيقي توقيفي لا يجوز التعدي فيه عما علم وضع الواضع له وفيما نحن فيه لا نعلم كون غير المعنى الواحد
موضوعا له اللفظ فلا رخصة لنا في إستعمال اللفظ بعنوان الحقيقة إلا في المعنى حالة الوحدة لا بشرط الوحدة الثالثة المجاز مثل الحقيقة في أنه لا يجوز التعدي عما حصل الرخصة من العرب في نوعه فإن الحقيقة كما أنها موضوعة بوضع شخصي فالمجاز موضوع بوضع نوعي ولا بد من ملاحظة الوضع النوعي أيضا وإن الرخصة في أي نوع حصل والحاصل أنه لا يجب الرخصة من العرب في كل واحد من الاستعمالات الجزئية اذا حصل الرخصة في كليها وهذه الرخصة ليست بنص من العرب وتصريح منه بل يحصل لنا من إستقراء إستعمالاته الجزئية العلم بتجويزه لهذا النوع من الاستعمالات في ضمن أي فرد من أفراد ذلك النوع وقد ذهب المحققون من علماء الادب إلى عدم وجوب الرخصة في الجزئيات إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد يوجد تلك الاستعمالات في جزئيات صنف من أصناف نوع من العلاقات المعتبرة في المجاز أو نوع من انواع جنس منها ولم يوجد في صنف آخر من ذلك النوع ولا نوع آخر من ذلك الجنس فالذي نجد الرخصة من أنفسنا هو الحكم بتجويز فيما لم نطلع عليه من سائر جزئيات ذلك الصنف المستعمل في بعضها بسبب إستقراء ما وجد فيه الاستعمال لا في جزئيات الصنف الاخر وهكذا الكلام في النوع من الجنس مثلا إذا رأينا العرب يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل لكنا وجدنا ذلك فيما كان للكل تركب حقيقي خارجي وكان الجزء مما له قوام في تحقق الكل كالرقبة في الانسان والعين في الربيئة فلا يجوز القياس بإستعمال سائر الاجزاء في المركبات الحقيقية وجميع الاجزاء في المركبات الاعتبارية وكذلك وجدنا أنهم يستعملون اللفظ الموضوع للكل في الجزء إذا كان المركب مركبا حقيقيا كالاصابع في الانامل في قوله تعالى يجعلون أصابعهم في آذانهم واليد في الاصابع إلى نصف الكف في آية السرقة وإلى المرفق في آية الوضوء وإلى الزند في آيه التيمم فلا يجوزالقياس في غيرالمركبات الحقيقية وأيضا انا وجدنا العرب يستعمل الالفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية في المعاني المجازية مع القرينة الصارفة منفردا منفردا أعني لا يريد في الاستعمال الواحد إلا معنى مجازيا واحدا وبالجملة المجازات المستعملة وحداني غالبا ولم يحصل لنا العلم بترخيصهم في إستعمال اللفظ في مجازين وعدم العلم بالرخصة كاف في عدم جواز الاستعمال فإن جواز الاستعمال مشروط بحصول العلم أو الظن بالرخصة الرابعة المتبادر من التثنية والجمع هو الفردان أو الافراد من ماهية واحدة لا الشيئان أو الاشياء المتفقات في الاسم فيكون حقيقة في ذلك فإن التبادر علاقة الحقيقة وعدم تبادر الغير من علائم المجاز فإن شئت اختبر نفسك في مثل رأيت مسلمين أو مسلمين فإنه يتبادر منه رجلان مسلمان أو رجال مسلمون لا الرجلان
المسميان بمسلم والرجال المسمون بمسلم فيعتبر في الاعلام المثنيات والمجموعات مفهوم كلي في مفردها مجازا مثل المسمى بمسلم أو المسمى بزيد مثلا ثم يثنى ويجمع ويؤيد ما ذكرنا ويؤكده أنه لو قلنا بكفاية مجرد إتفاق اللفظ في التثنية والجمع للزم الاشتراك في مثل عينين إذا جوزنا إستعماله حقيقة في الشمس والميزان أو البصر والينبوع فلا بد من التوقف فيلزم هيهنا قرينة أخرى لان التثنية للنوعين لا للفردين من نوع والمجاز خير من الاشتراك فيتكثر الاحتياج إلى القرائن الخامسة المتبادر من النكرة المنفية المفيدة للعموم هو نفي أفراد ماهية واحدة وأيضا الاسم المنكر إذا اعتبر خاليا عن اللام والتنوين وعلامة التثنية والجمع حقيقة في الماهية لا بشرط شئ وإذا لحقه التنوين يراد به فرد من أفراد تلك الماهية غير معين وإذا لحقه الالف والنون أو الواو و النون مثلا يراد به فردان أو أفراد من تلك المهية وإذا لحقه الالف واللام فأما أن يشار بها إلى الفرد أولا فالثاني يراد به تعريف الجنس وتعيينه والاول فإما أن يراد به الاشارة إلى فرد غير معين فهو المعهود الذهني وهو في معنى النكرة أو إلى فرد معين فهو المعهود الخارجي أو إلى جميع الافراد فهو الاستغراق إذا عرفت هذا فاعلم أن دخول حرف النفي على النكرة لا تفيد إلا نفي أفراد تلك المهية و إذا ثبت أن اللفظ المشترك حقيقة في كل واحد من المعاني منفردا منفردا فلا شئ يوجب دخول معنى آخر من معانيه فيما دخله حرف النفي إذا تمهد لك هذه المقدمات فنقول إستعمال المشترك في أكثر من معنى يتصور على وجوه منها إستعماله في جميع المعاني من حيث المجموع ومنها إستعماله في كل واحد منها على البدل بأن يكون كل واحد منها مناطا للحكم والفرق بينهما الفرق بين الكل المجموعي والافرادي ومنها إستعماله في معنى مجازي عام يشمل جميع المعاني وقد يسمى ذلك بعموم الاشتراك والظاهر أنه لا إشكال كما أنه لا خلاف في جواز الاخير وأما الاول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم الجواز اما حقيقة فظاهر وأما مجازا فلاشتراط إستعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل بكون الجزء مما ينتفي الكل بإنتفائه مع إشتراط كون الكل مما له تركب حقيقي كما مرت إليه الاشارة وهو منتف فيما نحن فيه وأما المعنى الثاني فهو محل النزاع فقيل فيه أقوال ثالثها الجواز في التثنية والجمع دون المفرد ورابعها الجواز في النفي دون الاثبات ثم إختلف المجوزون على أقوال ثالثها كونه مجازا في المفرد وحقيقة في التثنية والجمع والاظهر عندي عدم الجواز مطلقا أما في المفرد فعدم الجواز حقيقة لما عرفت في المقدمة الثانية من أن اللفظ المفرد موضوع للمعنى حال الانفراد والعدول عنه في إستعماله فيه في غير حال الانفراد ليس إستعمالا فيما وضع له حقيقة وأما عدم الجواز مجازا فلما عرفت في المقدمة الثالثة من عدم ثبوت
الرخصة في هذا النوع من الاستعمال فلو ثبت إرادة أكثر من معنى فلا بد من حمله على معنى مجازي عام يشمل جميع المعاني وأما ما ذكره بعضهم من أن العلاقة فيه هو أن اللفظ الموضوع للكل وهو كل واحد من المعاني مع الوحدة المعتبرة في الموضوع له قد استعمل في المعنى باسقاط قيد الوحدة وهو جزء الموضوع له فيظهر ما فيه مما ذكرنا في المقدمات مع أن ذلك يستلزم وجود سبعين مجازا في إستعمال واحد في مثل العين بالنسبة إلى سبعين حقيقة وهو اجنبي بالنسبة إلى موارد إستعمالات العرب وأما في التثنية والجمع حقيقة فلما عرفت في المقدمة الرابعة من أنهما حقيقتان في فردين أو أفراد من ماهية لا في الشيئين المتفقين في اللفظ والاشياء كذلك وللزوم الاشتراك وتكثر الاحتياج إلى القرائن لو كان كذلك والمجاز خير من الاشتراك واما مجازا فلعدم ثبوت الرخصة في هذا المجاز فإن الظاهر أن المجاز في التثنية والجمع إنما يرجع إلى ما لحقه علامتهما لا إلى العلامة والملحق به معا فإن الالف والنون ونحوهما لا يتفاوت فيهما الحال في حال من الاحوال فإن لفظ عينان أو عينين مثلا يراد به الشيئان سواء أردت منهما الفردين من عين أو شيئين مسميين بالعين إنما التفاوت في لفظ العين فيراد في أحد الاستعمالين منهما أعني الاستعمال الحقيقي الماهية المعينة الواحدة ويشار بالالف والنون ونحوهما إلى الفردين منها أو أكثر وفي الاستعمال الاخر لا يمكن إرادة كل واحد بأن يكون مجازا مرسلا من باب إستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء فلا بد أن يراد منها المسمى بالعين ليكون كليا له أفراد فيشار بالالف والنون حينئذ إلى الفردين من المسمى بالعين أو أكثر وهذا واضح مما ذكرنا وهذا المجاز خارج عن المتنازع ويكون من قبيل عموم الاشتراك أللهم إلا أن يقال أن مدلول العلامات ليس مجرد الاشارة إلى الاثنينية أو التعدد بل الاثنينية الخاصة والتعدد الخاص أعني ما يراد بها إثنان من مهية أو أفراد منها فيكون التثنية والجمع مستبدا بوضع عليحدة فيمكن حينئذ القول بالتجوز في هذا اللفظ بأجمعه فيستعمل اللفظ الموضوع لافادة الفردين من ماهية أو الافراد من مهية في شيئين متفقين في الاسم لا لكونهما فردين من المسمى بهذا الاسم بل لكونهما مشابهين لفردين من مهية معينة وعلاقة المشابهة إشتراكهما في الاسم وصدق الاسم عليهما لفظا وإن لم يرتبطا معنى والحاصل تشبيه الاشتراك اللفظي بالمعنوي فيكون إستعارة إلا أن ذلك لا يثمر فايدة بعد تجويز إرادة الفردين من المسمى بالعين مجازا وذلك لان ثمرة النزاع في إستعمال اللفظ حقيقة ومجازا يحصل بذلك المجاز فإذا علم بالقرينة إرادة المعنى الحقيقي فيصح الحمل على هذا المجازي أعني عموم الاشتراك فثبوت المجاز الاخر الذي هو داخل في محل النزاع غير