• البداية
  • السابق
  • 339 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29631 / تحميل: 9041
الحجم الحجم الحجم
خلاصة علم الكلام

خلاصة علم الكلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فتحيضت به ثم مرّة ثانية ، فإن أيام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.

المطلب الثاني : في أحكامه.

و هي عشرة :

الأول : يحرم عليها ما يفتقر إلى الطهارة كالصلاة فرضاً ونفلاً ، والطواف كذلك ، ومس كتابة القرآن ، ويكره لها حمل المصحف ، ولمس هامشه ، وقد تقدم(1) البحث فيه.

و لو تطهرت لم يرتفع حدثها ، نعم يُستحب لها الوضوء عند كلّ صلاة ، والجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى ، بقدر زمان صلاتها ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثم تستقبل القبلة فتذكر الله سبحانه بقدر ما كانت تصلّي »(2) ولا يرفع هذا الوضوء حدثا ، ولا يبيح ما شرطه الطهارة.

و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلى الفراغ؟ إشكال.

الثاني : يحرم عليها قراء‌ة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها ، بل يُكره لها ما عداها ، لأنّها عبادة ذات سجود ، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الاكبر كالصلاة ، وقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل الحائض والجنب يقرآن شيء ئا؟ قال : « نعم ما شاء‌ا إلّا السجدة »(3) .

وقال الشافعي : تحرم قراء‌ة القرآن مطلقاًً(4) ، وله قول آخر : أنّه مكروه(5) وكره عليعليه‌السلام لها قراء‌ة القرآن ، وبه قال الحسن البصري ،

____________

1 ـ تقدم في مسألة 71.

2 ـ الكافي 3 : 101 / 3 ، التهذيب 1 : 159 / 455.

3 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384.

4 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، فتح العزيز 2 : 143 ، الوجيز 1 : 28 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241.

5 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 356 وفيه القول بالجواز.

٢٦١

والنخعي ، والزهري ، وقتادة(1) ، ولم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، وسوغ لها القراء‌ة مطلقاًً سعيد بن المسيب ، وداود ، وابن المنذر ، ومالك(2) ، وقد تقدم(3) .

فروع :

أ ـ لا يكره لها شيء من الأذكار ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ويذكران الله على كلّ حال »(4) .

ب ـ يكره لها قراء‌ة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته ، وكذايحرم المس.

ج‍ ـ لو نذرت قراء‌ة العزائم في وقت ، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراء‌تها ، وفي وجوب القضاء إشكال ، ينشأ من أنها عبادة موقتة ، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة ، ومن استلزام نذر المعين المطلق.

الثالث : الصوم ، فلا يصح منها فرضا ولا نفلا ، فهو مانع من صحته دون وجوبه ، والتحقيق المنع منه ، والقضاء تابع لثبوت سببه دونه.

وفي الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلّي )(5) .

____________

1 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

2 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، فتح العزيز 2 : 143 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

3 ـ تقدم في المسألة : 68.

4 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384 ، علل الشرائع : 288 باب 210.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 83 ، سنن البيهقي 1 : 308.

٢٦٢

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس : « تفطر »(1) .

الرابع : الاستيطان في المساجد ، ذهب إليه علماؤنا ، ولا أعرف فيه مخالفاً ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصابته جنابة ، فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما ، حتى يخرج منه ويغتسل ، وكذلك الحائض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها »(3) .

فروع :

أ ـ يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث ، وهو أحد وجهي الشافعي والآخر : التحريم(4) ، الا المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.

ب ـ لا بأس لها أن تأخذ شيئاً من المساجد ، ويحرم عليها الوضع ، لأنّ حدثها أعظم من الجنابة ، وسأل زرارة الباقرعليه‌السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : « إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه »(5) .

____________

1 ـ التهذيب 1 : 393 / 1215 ، الاستبصار 1 : 145 / 498.

2 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

3 ـ الكافي 3 : 73 / 14.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 418 ، كفاية الأخيار 1 : 48 ، الوجيز 1 : 25 ، المغني 1 : 166.

5 ـ الكافي 3 : 106 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1233.

٢٦٣

ج ـ لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلى التيمم في خروجها منه إشكال ، وأوجبه ابن الجنيد(1) ، وبه رواية مرسلة سلفت(2) .

الخامس : الجماع ، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريمه في قبل الحائض ، لقوله تعالى :( فاعتزلوا النساء في المحيض ) (3) وعلى إباحة الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة ، واختلفوا في مواضع :

أ ـ الاستمتاع بما بين السرة والركبة غير القُبل ، فالمشهور عندنا الإباحة وتركه أفضل ، وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، ومحمد بن الحسن ، وأبو إسحاق المروزي ، وابن المنذر ، وروي أيضاً عن النخعي ، والشعبي(4) ، عملاً بالأصل ، ولقولهعليه‌السلام : ( إصنعوا كلّ شيء غير النكاح )(5) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عما لصاحب المرأة الحائض منها : « كلّ شيء عدا القبل بعينه »(6) .

وقال السيد المرتضى بالتحريم(7) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف(8) ، لقول عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يباشر

____________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

2 ـ سلفت آنفا في الحكم الرابع من أحكام الحيض.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المجموع 2 : 366 ، المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، عمدة القارئ 3 : 267 ، شرح النووي ـ لصحيح مسلم 2 : 335 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، شرح فتح القدير 1 : 147.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 211 / 644 ، سنن ابي داود 1 : 67 / 258 ، سنن النسائي 1 : 152 و 187.

6 ـ الكافي 5 : 538 / 1 ، التهذيب 1 : 154 / 437 ، الاستبصار 1 : 128 / 438.

7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

8 ـ المجموع 2 : 365 ، فتح العزيز 2 : 428 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، عمدة القارئ 3 : 266 ،

٢٦٤

نساء‌ه فوق الازار وهن حيض(1) . ولا دلالة فيه.

ب ـ المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغُسل ، وبه قال أبو حنيفة إنّ انقطع لأكثر الحيض ، وإن انقطع قبله قال : لا يحل حتى تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(2) ، لقوله تعالى :( حتى يطهرن ) (3) بالتخفيف.

و قوله :( والذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم ) (4) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقاًً ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع ، فيبقى ما عداه على الجواز.

وسئل الكاظمعليه‌السلام عن الحائض ترى الطُهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إلي »(5) .

وقال الصدوق : لا يجوز حتى تغتسل(6) ، وبه قال الزهري ، وربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(7) ،

____________

المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 335 ، المحلى 2 : 176 ، شرح فتح القدير 1 : 147 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

1 ـ صحيح البخاري 1 : 82 و 83 ، صحيح مسلم 1 : 242 / 293 ، سنن الترمذي 1 : 239 / 132 ، سنن النسائي 1 : 151 و 189 ، سنن ابن ماجة 1 : 208 / 635 و 636.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 150 ـ 151 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 422 ، المغني 1 : 387 ، الشرح الكبير 1 : 349 ، بداية المجتهد 1 : 57 ـ 58 ، المحلى 2 : 173 ، التفسير الكبير 6 : 72 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ـ 89 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 348.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المؤمنون : 5 و 6 ، المعارج : 29 و 30.

5 ـ الكافي 5 : 539 ـ 540 / 2 ، التهذيب 1 : 167 / 481 ، الاستبصار 1 : 136 / 468.

6 ـ الفقيه 1 : 53 ، الهداية : 22.

7 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 81 ، بداية المجتهد 1 : 57 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المغني 1 : 387 ، الشرح

٢٦٥

لقوله تعالى :( فإذا تطهَّرن فأتوهُنَّ مِنْ حيثُ أمركُم الله ) (1) . ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم.

وقال داود : إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها ، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(2) .

وقال قتادة والأوزاعي : عليه نصف دينار(3) . وليس بجيد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطئ للحائض.

ج ـ لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض ، أو الحكم لم يكن عليه شيء ، وكذا إن كان ناسياً ، وهو أحد وجهي أحمد ، وفي الآخر : يجب على الجاهل والناسي للعموم(4) ، ويبطل بقولهعليه‌السلام : ( عفي لأمتي عن الخطأوالنسيان )(5) .

وإن كان عالماً بهما فقولان ، أكثر علمائنا على وجوب الكفارة(6) ، وبه قال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني ، وأحمد ، والشافعي في القديم(7) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى امرأة حائضاً فليتصدق

____________

الكبير 1 : 349 ، المحلى 2 : 173 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ، تفسير الكبير 6 : 73 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336.

1 ـ البقرة : 222.

2 ـ المجموع 2 : 370 ، حلية العلماء 1 : 216.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351.

4 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 659 / 2043 و 2045 نحوه.

6 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والشيخ الطوسي في الخلاف 1 : 225. مسألة 194 ، وابن إدريس في السرائر : 8.

7 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

٢٦٦

بدينار ، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار )(1) .

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يتصدق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي أوسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار »(2) .

وقال الشيخ في النهاية بالاستحباب(3) ، وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله ، أو أتى امرأة في دبرها ، أو حائضاً ، فقد بريء مما جاء به محمد )(5) ، ولم يذكر الكفارة.

ومن طريق الخاصة رواية عيص قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله عنه » قلت : إنّ فعل فعليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله »(6) وللأصل ، وهو الأقوى عندي.

د ـ المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « دينار في أوّله ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره »(7) .

____________

1 ـ سنن الترمذي 1 : 245 / 137 ، كنز العمال 16 : 352 / 44884 نقلاً عن الطبراني ، سنن البيهقي 1 : 314 نحوه.

2 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار : 134 / 459.

3 ـ النهاية : 26.

4 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 424 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المنتقى للباجي 1 : 117 ، عمدة القارئ 3 : 266. المغني 1 : 385 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 242 / 135 ، سنن ابن ماجة 1 : 209 / 639 ، سنن الدارمي 1 : 259 مسندأحمد 2 : 408 و 476.

6 ـ التهذيب 1 : 164 / 472 ، الاستبصار 1 : 134 / 460.

7 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار 1 : 134 / 459.

٢٦٧

وقال الصدوق : يتصدق على مسكين بقدر شبعه(1) ، وقال الشافعي : في إقبال الدم دينار ، وفي إدباره نصفه(2) وقال أحمد : هو مخير بين الدينار ونصفه(3) ، وقال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني : يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(4) .

فروع :

أ ـ لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغُسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إنّ شاء »(5) .

ب ـ لو وطأ الحائض مستحلاً كفر ، ومحرماً يفسق ويعزر.

ج‍ ـ إذا أخبرته بالحيض ، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالى :( ولا يحل لهن أنْ يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) (6) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.

وإن كان يتهمها بقصد منع حقه ، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.

د ـ لو كرر الوطء ، فأقوى الاقوال تعدد الكفارة وجوباً أو استحباباً ، على الخلاف إن اختلف الزمان ، أو كفر عن الأول ، وإلّا فلا عملاً بالأصل.

__________________

1 ـ المقنع : 16.

2 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، الوجيز 1 : 25 ، كفاية الأخيار 1 : 49.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351 ، المجموع 2 : 361 ، فتح العزيز 2 : 424 ، مسائل أحمد : 26 ، بداية المجتهد 1 : 59 ، المحلى 2 : 187 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، تفسير البحرالمحيط 2 : 168.

4 ـ المجموع 2 : 361 ، عمدة القارئ 3 : 266 ، المحلى 2 : 187 ، سبل السلام 1 : 171 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ الكافي 5 : 539 / 1 ، التهذيب 1 : 166 / 477 ، الاستبصار 1 : 135 / 463.

6 ـ البقرة : 228.

٢٦٨

هـ ـ الأول والوسط والاخير بحسب عدد أيام عادتها ، فاليوم الأول وثلث الثاني أول الاربعة ، وثلث الثاني وثلثا الثالث الأوسط ، والباقي الأخير.

و ـ لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغُسل ، ولا يشترط التيمم ، وقال الشافعي : إذا تيممت حلّ وطؤها(1) . وقال مكحول : لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، ولا يكفي التيمم للآية(2) ، وقال ابن القاسم : لا توطأ بالتيمم ، لأنّه بالملاقاة ينتقض(3) . وقال أبو حنيفة : لا يحل وطؤها حتى تصلّي به ، لأنّه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(4) .

فلو تيممت ثم أحدثت حدثا ، قال الشافعي : لا يحرم وطؤها ، لأنّه لايبطل التيمم القائم مقام الغُسل ، وإنّما يوجب التيمم عنه(5) .

واذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان : التحريم بناء‌ا على أن التيمم إنّما يستباح به فريضه واحدة ، وإذا صلّت به لم يحل لها فعل الفريضة ، ولا يلزم الحدث ، لأنّه مانع من الصلاة ، وهنا التيمم لم يبح إلّا فريضة واحدة.

وعدمه لأنّ التيمم القائم مقام الغُسل باق ، ولهذا يجوز لها صلاة النافلة(6) . وهذه الاصول عندنا فاسدة.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 368 و 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، مغني المحتاج 1 : 111 ، المنتقى للباجي 1 : 118.

2 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 96 ، حلية العلماء 1 : 216 ، والآية 222 من سورة البقرة.

3 ـ المدونة الكبرى 1 : 48 ـ 49.

4 ـ حلية العلماء 1 : 217.

5 ـ المجموع 2 : 368.

6 ـ المجموع 2 : 368.

٢٦٩

ز ـ لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء ، وقال بعض الحنابلة : يجب للعموم(1) ، وقياسا على الإحرام(2) . وهو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطةعنه.

ح ـ لا كفارة على المرأة لعدم النص ، وقال أحمد : يجب لأنّه وطء يوجب الكفارة(3) .

السادس : يحرم طلاقها مع الدخول ، وحضور الزوج ، وانتفاء الحائل والحبل بإجماع العلماء ، فإن طلق لم يقع عندنا ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

السابع : يجب عليها الغُسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الامصار ، وهو شرط في صحة الصلاة إجماعاً ، وفي الطواف عندنا خلافاً لأبي حنيفة(4) .

وهل هو شرط في صحة الصوم ، بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم »(5) .

وبدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب ، وهو قول أكثر الجمهور(6) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليست حيضتك في يدك )(7) .

____________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 210 / 640 ، سنن أبي داود 1 : 69 / 264.

2 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

3 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 352.

4 ـ المغني 3 : 397 ، الشرح الكبير 3 : 409.

5 ـ التهذيب 1 : 293 / 1213.

6 ـ المجموع 2 : 150 ، المغني 1 : 244 ، الشرح الكبير 1 : 260.

7 ـ صحيح مسلم 1 : 245 / 299 ، سنن ابن ماجة 1 : 207 / 632 ، سنن أبي داود 1 : 68 / 161 ،

٢٧٠

و قال أبو يوسف : بدن الحائض والجنب نجس(1) .

الثامن : يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاه بالإجماع ، وقالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان »(3) ولأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.

التاسع : يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عندالشيخ(4) ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )(6) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.

و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة ، سلّمنا ، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها ، والفرق بينه وبين سجود السهو كون المأتي جزء‌اً من الصلاة إنّ سلّمنا الحكم فيه.

____________

سنن النسائي 1 : 146 و 192 ، سنن الترمذي 1 : 241 ـ 242 / 134 ، سنن الدارمي 1 : 248 ، مسند أحمد 2 : 70 ، سنن البيهقي ـ 1 : 189 ، معرفة السنن والآثار 1 : 441.

1 ـ شرح العناية 1 : 94 ـ 95 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 265 / 69 ، سنن ابي داود : 68 / 262 و 69 / 263 ، سنن الترمذي 1 : 234 / 130.

3 ـ الكافي 3 : 104 / 3 ، التهذيب 1 : 160 / 459.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ المجموع 2 : 367 ، مغني المحتاج 1 : 217 ، المبسوط للسرخسي 2 : 132 ، شرح فتح القدير 1 : 468 ، المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 204 / 224 ، سنن النسائي 1 : 87 ـ 88 ، سنن ابن ماجة 1 : 100 / 271 ـ274 ، سنن الدارمي 1 : 175 ، مسند أحمد 2 : 20 و 51 و 73.

٢٧١

وقال بعض علمائنا بجوازه(1) وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر بالسجود ، واشتراط الطهارة ينافيه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إنّ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد »(2) .

اذا ثبت هذا فإن السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت ، إذ جوازه يستلزم وجوبه ، أما السامع ففي الايجاب عليه نظر ، أقربه العدم ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراء‌ته مستمعاً »(3) ومراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود ، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.

وهل يمنع منه الحائض والجنب؟ روايتان : المنع اختاره في النهاية(4) ، لأنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجدة ، إذا سمعت السجدة؟ فقال : « تقرأ ولا تسجد »(5) ، والجوازاختاره في المبسوط(6) لما تقدم في الرواية(7) .

وقال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة : تومئ برأسها ، وبه قال سعيد بن المسيب(8) ، وعن الشعبي : يسجد حيث كان وجهه(9) .

__________________

1 ـ هو المحقق في المعتبر : 60.

2 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

3 ـ الكافي 3 : 318 / 3 ، التهذيب 2 : 291 / 1169.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ التهذيب 2 : 292 / 1172 ، الاستبصار 1 : 320 / 1193.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 114.

7 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

8 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

9 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

٢٧٢

تذنيب : لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد(1) ـ لأنّا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطاً.

و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد ، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.

وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(2) .

قال أحمد : فإذا توضأ لم يسجد لأنّه فات سببها(3) .

ولا يتيمم لها مع وجود الماء ، لأنّ شرطه فقدان الماء ، وإن كان عادماً للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل ، لأنّه لم يفت سببها ولم يفت محلهابخلاف الوضوء.

العاشر : يكره لها الخضاب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تختضب الحائض ولا الجنب »(4) ، وليس للتحريم ، لأنّ أبا إبراهيمعليه‌السلام سئل تختضب المرأة وهي طامث؟ فقال : نعم(5) .

ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض ، بأن تختضب قبل عادتها.

مسألة 85 : إذا حاضت بعد دخول الوقت وأهملت الصلاة مع القدرة

____________

1 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 4 ، المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

3 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 814.

4 ـ التهذيب 1 : 182 / 521 ، الاستبصار 1 : 116 / 388.

5 ـ الكافي 3 : 109 / 2 ، التهذيب 1 : 182 / 523.

٢٧٣

واتساع الوقت لها وللطهارة وجب عليها القضاء ، وإن كان قبل ذلك لم يجب.

وإن طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي مقدار الطهارة وأداء ركعة وجب الأداء ، فإن لم تفعل وجب القضاء ، وإن كان أقل لم يجب بل يستحب ، وسيأتي البحث في ذلك إنّ شاء الله تعالى.

مسألة 86 : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر ، ويكفي الارتماس ، نعم لا بدّ فيه من الوضوء ، سئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال : « نعم »(1) .

ويجب فيه النيّة لأنّه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة واستدامة حكمها ، ولاتجب الموالاة ، بل الترتيب.

ويجب استيعاب الجسد بما يسمى غسلاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه »(2) ويستحب فيه المضمضة والاستنشاق.

فروع :

أ ـ لا تجب نيّة السبب ، بل تكفي نيّة رفع الحدث أو الاستباحة ، ولا فرق بين أن تقدم الوضوء أو تؤخره ، خلافاً لبعض علمائنا ، حيث أوجب نيّة الاستباحة في المتأخر(3) .

ب ـ لو اجتمع الحيض والجنابة لم يجز لها الغُسل إلّا بعد انقطاع دم

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 106 / 274 ، الاستبصار 1 : 98 / 317.

2 ـ الكافي 3 : 82 / 4 ، التهذيب 1 : 400 / 1249 ، الاستبصار 1 : 148 / 508.

3 ـ هو ابن ادريس في السرائر : 29.

٢٧٤

الحيض ، لا للجنابة ولا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان ، وإن نوت رفع حدث الحيض ، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضاً ، لتسويغ الصلاة عندهما ، وعدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه ، وإن نوت رفع الحدث مطلقاًً فالأقرب الاجزأ من غير وضوء.

ج ـ عرق الحائض طاهر إذا لم يُلاق النجاسة ، وكذا المائعات التي تباشرها ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال : « كان نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسكب عليه الماء وهي حائض »(1) . وسئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال : « نعم لا بأس به »(2) .

مسألة 87 : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في عادتها بإجماع العلماء فإن المعتاد كالمتيقن ، وسئل الصادقعليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها »(3) .

أما المبتدأة والمضطربة ففيهما قولان ، قال الشيخ في المبسوط : أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة والصوم ، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض ، وان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض ، وتقضي ما تركته من صلاة وصيام(4) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر »(5) وبه قال الشافعي(6) .

____________

1 ـ الكافي 3 : 110 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1238.

2 ـ التهذيب 1 : 269 / 793 ، الاستبصار 1 : 186 / 649.

3 ـ الكافي 3 : 78 / 1 ، التهذيب 1 : 396 / 1230.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 42.

5 ـ التهذيب 1 : 394 / 1218 ، الاستبصار 1 : 146 / 499.

6 ـ الوجيز 1 : 26 ، فتح العزيز 2 : 456.

٢٧٥

وقال المرتضى في المصباح : الجارية التي يبدأ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام(1) ، وهو أقوى ، احتياطاًً للعبادة الثابتة في الذمة بيقين ، ولم يحصل يقين المسقط ، والحديث نقول بموجبه ، فإنه محمول على ذات العادة ، إذ المراد بالدم هو دم الحيض ، ولا تعلم أنّه حيض إلّا في العادة ، وهو قول آخر للشافعي(2) .

مسألة 88 : ذهب علماؤنا إلى أن المرأة تستظهر بعد عادتها ـ وبه قال مالك(3) ـ لقول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثم تمسك قطنة فانصبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إنّ أحب ، وحلت لها الصلاة »(4) وعن الرضاعليه‌السلام قال : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة »(5) .

وقال الشافعي : اذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(6) ، ولا يجوز لها ان تتوقف زماناً تطلب فيه ظهور حالها ويتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتمّ لها مدة اكثر الحيض ، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم ، ولمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز. والملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوماً أو يومين ، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى ، وسيأتي.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 56.

2 ـ فتح العزيز 2 : 456.

3 ـ بُلغة السالك 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، حلية العلماء 1 : 225.

4 ـ المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ المجموع 2 : 543.

٢٧٦

فروع :

أ ـ الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدم ، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض ، وإن خرجت نقية فقدطهرت ، تغتسل وتُصلّي من غير استظهار.

ب ـ إنّما يكون الاستظهار لو قلت العادة من العشرة ، أما اذا كانت العشرة فلا استظهار ، إذ لا حيض بعدها.

ج‍ ـ يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض ، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين ، بل بيوم واحد.

د ـ اختلف علماؤنا في قدر الاستظهار ، قال الشيخ في النهاية : تستظهر بيوم أو يومين ، وبه قال ابن بابويه والمفيد(1) ، وفي الجمل : تصبر حتى تنقى(2) .

وقال المرتضى : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(3) .

والأول أقرب ، لما تقدم من قول الباقرعليه‌السلام : « فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين »(4) وقال الرضاعليه‌السلام : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين »(5) .

واحتجاج المرتضى بقول الصادقعليه‌السلام : « ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة »(6) ضعيف السند.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، أحكام النساء للمفيد : 7 ، المقنع : 16 وفيه : استظهرت بثلاثة أيام.

2 ـ الجمل والعقود للطوسي : 163.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 57.

4 ـ هو المحقق في المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ التهذيب 1 : 172 / 493 ، الاستبصار 1 : 150 / 517.

٢٧٧

هـ ـ ظاهر كلام الشيخ والمرتضى(1) أن الاستظهار على سبيل الوجوب ، إذ المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة ، ويحتمل الاستحباب ، والمقتضي احتمال الحيض ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلّت »(2) .

و ـ إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ـ ولا يجب لو انقطع للعشره لأنّها مدة الحيض ـ فإن خرجت نقية اغتسلت ، وإن كانت متلطخة ، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى ، أو تمضي عشرة أيام.

وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقرعليها‌السلام : « فإن خرج الدم لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت »(3) فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض ، وإن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنّه صادف أيام الطهر.

ز ـ لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه ، فإن رأت قبل العاشر وانقطع عليه فالجميع حيض ، وكذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين ، إذ لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام ، ولو تجاوز العشرة فهي مستحاضة وسيأتي حكمها ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضاً منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً ان استمر ثلاثة فمازاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض ، وإن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، وأما قول المرتضى فحكاه المحقق في المعتبر : 57.

2 ـ التهذيب 1 : 402 / 1258.

3 ـ التهذيب 1 : 161 / 462 وفيه عن الامام الصادقعليه‌السلام .

٢٧٨

الفصل الثالث : في المستحاضة

و فيه مطلبان :

الأول : في أحكامها.

مسألة 89 : دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع ، ودم الاستحاضة أصفر بارد »(1) وقد يتفق الأصفر حيضاً كما لو وجد في أيام الحيض ، وكذا قد يوجد دم الاستحاضة أسوداً حاراً عبيطاً إذا كان بعد أيام الحيض ، وأكثر أيام النفاس ، وبعد اليأس ، لما تقدم من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر.

مسألة 90 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً ـ وهو أن يظهر على القطنة كرؤوس الابر ولا يغمسها ـ وجب عليها تغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصوم وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(3) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن المستحاضة : « وان

__________________

1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.

2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 244 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.

3 ـ سنن الدارمي 1 : 202 ، سنن الترمذي 1 : 220 / 126.

٢٧٩

كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(1) وأما القطنة فلأنّها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.

قال الشيخ : وتغيير الخرقة(2) ، وفيه نظر ، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل(3) ، وبه قال مالك(4) .

وقال أبو حنيفة : تتوضأ لوقت كلّ صلاة(5) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( المستحاضة تتوضأ لوقت كلّ صلاة )(6) وروايتنا أرجح لأنّها مفسرة لا إجمال فيها.

وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب على المستحاضة الغُسل لكلّ صلاة من غير وضوء(7) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن عباس وابن الزبير(8) ، لأنّ ام حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى الله

__________________

1 ـ الكافي 3 : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 64.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، تفسير القرطبي 3 : 85 ، المحلى 1 : 253 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 389 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، عمدة القارئ 3 : 277.

5 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، الهداية للمرغيناني 1 : 32 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، سبل السلام 1 : 99 ، المحلى 1 : 253 ، فتح العزيز 2 : 437.

6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.

7 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399.

8 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، المجموع 2 : 536 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، واُنظر سنن الدارمي 1 : 220 و 221 و 224.

٢٨٠

العقل الحديث.

وليس اساس هذه المشكلة هو تفسير القرآن على المنهج القديم، كما ظن اخي مالك، وكما يذهب اليه اكثر من بحث أمر إعجاز القرآن على وجه من الوجوه.

ولكن الشعر الجاهلي قد صب عليه بلاء كثير، آخرها وأبلغها فساداً وإفساداً ذلك المنهج الذي ابتدعه (مركَليوث) لينسف الثقة به، فيزعم أنه شعر مشكوك في روايته وانه موضوع بعد الاسلام.

وهذا المكر الخفي الذي مكره مركليوث وشيعته وكهنته، والذي ارتكبوا له من السفسطة والغش والكذب ما ارتكبوا كما شهد بذلك رجل من جنسه هو (آربري)، كان يطوي تحت ادلته ومناهجه وحججه إدراكاً لمنزلة الشعر الجاهلي في شأن اعجاز القرآن لا إدراكاً صحيحاً مستبيناً، بل إدراكاً خفياً مبهماً، تخالطه ضغينة مستكينة للعرب والاسلام.

وهذا المستشرق وشيعته وكهنته كانوا أهون شأناً من أن يحوزوا كبيراً بمنهجهم الذي سلكوه، وادلتهم التي احتطبوها لما في تشكيكهم من الزيف والخداع، ولكنهم بلغوا ما بلغوا من استفاضة مكرهم وتغلغله في جامعاتنا، وفي العقل الحديث في العالم الاسلامي، بوسائل أعانت على نفاذهم، ليست من العلم ولا من النظر الصحيح في شيء.

وقد استطاع رجاله من أهل العلم أن يسلكوا الى إثبات صحة الشعر الجاهلي مناهج لا شك في صدقها وسلامتها بلا غش في الاستدلال وبلا خداع في التطبيق وبلا مراء في الذي يسلم به صريح العقل وصريح النقل، الا انهم لم يملكوا بعدُ من الوسائل ما يتيح لهم أن يبلغوا بحقهم ما بلغ اولئك بباطلهم.

وقد ابتليت أنا بمحنة الشعر الجاهلي عندما ذر قرن الفتنة أيام كنت طالباً في الجامعة، ودارت بي الايام حتى انتهيت الى ضرب آخر من الاستدلال على صحة الشعر الجاهلي لا عن طريق روايته وحسب، بل من طريق أخرى هي ألصق بامر اعجاز القرآن.

فاني محصت ما محصت من الشعر الجاهلي حتى وجدته يحمل هو نفسه في نفسه أدلة

٢٨١

صحته وثبوته، إذ تبينت فيه قدرة خارقة على البيان.

وتكشف لي عن روائع كثيرة لا تحد، واذا هو عَلَم فريد منصوب لا في آداب العربية وحدها، بل في آداب الأمم قبل الاسلام وبعد الاسلام.

وهذا الانفراد المطلق، ولا سيما انفراده بخصائصه عن كل شعر بعده من شعر العرب انفسهم، هو وحده دليل كاف على صحته وثبوته.

ولقد شغلني اعجاز القرآن كما شغل العقل الحديث، ولكن شغلني أيضاً هذا الشعر الجاهلي وشغلني اصحابه فأديّ بي طول الاختبار والامتحان والدراسة الى هذا المذهب الذي ذهبت اليه، حتى صار عندي دليلاً كافياً على صحته وثبوته.

فأصحابه الذين ذهبوا ودرجوا وتبددت في الثرى أعيانهم رأيتهم في هذا الشعر أحياء يغدون ويروحون، رأيت شابهم ينزو به جهله وشيخهم تدلف به حكمته، ورأيت راضيهم يستنير وجهه حتى يشرق، وغاضبهم تربد سحنته حتى تظلم، ورأيت الرجل وصديقه، والرجل وصاحبته، والرجل الطريد ليس معه أحد، ورأيت الفارس على جواده، والعادي على رجليه، ورأيت الجماعات في مبداهم ومحضرهم، فسمعت غزل عشاقهم، ودلال فتياتهم، ولاحت لي نيرانهم وهم يصطلون، وسمعت أنين باكيهم وهم للفراق مزمعون.

كل ذلك رأيته وسمعته من خلال ألفاظ هذا الشعر، حتى سمعت في لفظ الشعر همس الهامس وبحة المستكين وزفرة الواجد وصرخة الفزع، وحتى مثلوا بشعرهم نصب عيني كأني لم أفقدهم طرفة عين ولم أفقد منازلهم ومعاهدهم ولم تغب عني مذاهبهم في الارض ولا مما أحسوا ووجدوا، ولا مما سمعوا وأدركوا ولا مما قاسوا وعانوا، ولا خفي عني شيء مما يكون به الحي حياً في هذه الارض التي بقيت في التاريخ معروفة باسم (جزيرة العرب).

وهذا الذي أفضيت اليه من صفة الشعر الجاهلي - كما عرفته - أمر ممكن لمن اتخذ لهذه المعرفة اسبابها بلا خلط ولا لبس ولا تهاو ولا ملل.

وهذه المعرفة هي أول الطريق الى دراسة شعر أهل الجاهلية من الوجه الذي يتيح

٢٨٢

لنا أن نستخلص منه دلالته على أنه شعر قد انفرد بخصائصه عن كل شعر جاء بعده من شعر أهل الاسلام.

فاذا صح ذلك - وهو عندي صحيح لا أشك فيه - وجب أن ندرس هذا الشعر دراسة متعمقة ملتمسين فيه هذه القدرة البيانة التي يمتاز بها أهل الجاهلية عمن جاء بعدهم، ومستنبطين من ضروب البيان المختلفة التي أطاقتها قوى لغتهم وألسنتهم.

فاذا تم لنا ذلك فمن الممكن القريب يومئذ أن نتلمس في القرآن الذي أعجزهم بيانه خصائص هذا البيان المفارق لبيان البشر»(١) .

وذهب السيد الطباطبائي الى أن القرآن الكريم بصفته معجزة خالدة هو معجز في المعنى كما هو معجز في المبنى، قال في تفسير الآية : (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) :

وفي الآية تحد ظاهر، وهي ظاهرة في أن التحدي بجميع ما للقرآن من صفات الكمال الراجعة الى لفظه ومعناه لا بفصاحته وبلاغته وحدها، فان انضمام غير أهل اللسان اليهم لا ينفع في معارضة البلاغة شيئاً، وقد اعتنت الآية باجتماع الثقلين واعانة بعضهم لبعض.

على أن الآية ظاهرة في دوام التحدي، وقد انقرضت العرب العرباء أعلام الفصاحة والبلاغة اليوم فلا أثر منهم، والقرآن باق على اعجازه متحدٍّ بنفسه كما كان»(٢) .

وخلاصة ما انتهى اليه مالك بن نبي في دراسته هي :

١ - ان النبوة ظاهرة دينية مستمرة تتكرر بانتظام منذ أول نبي بعث الى البشر حتى خاتمهم نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واستمرار ظاهرة تتكرر بنفس الكيفية يعتبر شاهداً علمياً يمكن استخدامه لتقرير

____________________

(١) الظاهرة القرآنية - المقدمة ٢٦ - ٣٢.

(٢) الميزان ١٣ / ٢٠١.

٢٨٣

مبدأ وجودها بشرط التثبت من صحة هذا الوجود بالوقائع المتفقة مع العقل ومع طبيعة المبدأ.

٢ - وكما أن النبوة ظاهرة دينية إلهية تميزت بخصائصها التي بها تعرف وتنازعها سواها من النبوات عير الالهية.

كذلك الوحي الالهي المدون في الصحف والكتب - هو الآخر - يشكل ظاهرة دينية إلهية اخرى منذ صحف ابراهيم (ع) حتى قرآن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد عبّر عنها ب(الظاهرة القرآنية).

فالصحف والكتب المنزلة من اللّه تعالى على انبيائه ورسله لانها ظاهرة، لها خصائصها الخاصة بها، ومعالمها التي تعرف بها وتمتاز بها عما سواها من الكتب غير الالهية والأخرى المحرّفة.

٣ - ان المقارنة بين القرآن بغية معرفة أنه حلقة خاتمة في سلسلة ظاهرة الوحي الالهي المدوّن (الظاهرة القرآنية) أو (ظاهرة الكتاب السماوي)، ينبغي أن تعتمد دراسة كتاب النبي الاسرائيلي (أرمياء)، وذلك لأن البروفسور مونتيه montet قد توصل في دراسته للوثائق الدينية في كتابه الموسوم ب(تاريخ الكتاب المقدس) الى تجريد الكتاب المقدس من كل صفات الصحة التاريخية فيما عدا كتاب (ارمياء).

كما أن مجمع أساقفة نيقية قد ألغى كثيراً من أخبار الانجيل مما زرع الشك حول ما تبقى منه.

أما القرآن الكريم فقد امتاز بميزة فريدة هي أنه تنقل منذ نزوله حتى الآن دون أن يتعرض لادنى تحريف أو ريب.

وهذا ما يعطيه الصلاحية لئن يعتمد عليه في المقارنة كوثيقة تاريخية مطلقة الصحة.

وقد انهت المقارنة مالك بن نبي الى النتيجة التي هدف اليها من أن القرآن الكريم

٢٨٥

استمرار لظاهرة الوحي الالهي المدون، كما أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله استمرار لظاهرة النبوة والبعث الالهي للانبياء والرسل(١) .

______________________

(١) يقرأ : كتاب الظاهرة القرآنية.

٢٨٤

٢٨٥

٢٨٦

الامامة

- الامامة

- العصمة

٢٨٧

٢٨٨

الامامة

الامامة : - لغة - مصدر على زنة (فِعالة) المضاعف، يقال : أَمَّ القوم وبالقوم يؤُمهم أَمَّاً وإماماً وإمامة، مثل : كتب يكتب كَتْباً وكِتاباً وكتابة.

واسم الفاعل من الفعل (أم يؤم) : (آم)، (أصله آمم) ثم ادغم مثلاه.

ولكن غلب استعمال المصدر فيه فقيل : إمام - بصيغة المذكر - للمذكر والمؤنث، ويجمع على (أيمة) بالياء، و(أئمة) بالهمزة.

ومعناه - معجمياً - : القدوة، أو من يقتدى به في قوله أو فعله، سواء كان محقاً أو مبطلاً.

واستعمل في القرآن الكريم في الامام المحق كما في قوله تعالى : (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) - الانبياء ٧٣ -، وفي الامام المبطل كما في قوله تعالى (فقاتلوا ائمة الكفر) - التوبة ١٢ -

وكلامياً :

عرّف النصير الطوسي الامامة بقوله : «الامامة : رياسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنياوية وزجرهم عما يضرهم بحسبها»(١) .

____________________

(١) قواعد العقائد ٤٥٧.

٢٨٩

وعرفها العلامة الحلي بقوله : «الامامة : رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي - ص -»(١) .

وعرفها العضد الايجي بقوله : «هي خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه (يعني الامام) على كافة الامة»(٢) .

«وعرفها الماوردي بما نصه : الامامة : موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»(٣) .

وبالقاء شيء من الضوء على هذه التعاريف المذكورة وأمثالها يتبين لنا أن الشيعة يؤكدون على أن الامامة تشمل في وظيفتها السلطتين : الروحية والزمنية.

وبتعبير قانوني مدني : السلطتين : الدينية والمدنية (السياسة)، وذلك لأن السنة - كما سنرى - قصروا وظيفة الامامة في الشؤون السياسية.

وفي هذا الضوء يأتي تعريف الايجي - وهو من أعلام متكلمة السنة - غير موائم لما ذهبوا اليه.

واختلف في الامامة : هل هي من أصول الدين أو من فروعه ؟.

ذهب الى الاول اصحابنا الامامية، قال استاذنا الشيخ المظفر : «نعتقد أن الامامة أصل من أصول الدين»(٤) .

وذهب الى الثاني أهل السنة، قال العضد الايجي : «المرصد الرابع في الامامة ومباحثها : عندنا من الفروع، وإنما ذكرناها في علم الكلام تأسياً بمن قبلنا»(٥) .

__________________

(١) الباب الحادي عشر ٤٦.

(٢) المواقف ٣٩٥.

(٣) الاسلام والخلافة ١٩ نقلاً عن : الاحكام السلطانية ٣.

(٤) عقائد الامامية ٩٣.

(٥) المواقف ٣٩٥.

٢٩٠

وقال الآمدي : «واعلم أن الكلام في الامامة ليس من أصول الديانات»(١) .

وكما اختلف في أن الامامة أصل أو فرع، اختلف أيضاً في وجوبها ونفيه.

بمعنى : هل يلزم نصب امام للمسلمين أو لا يلزم ؟ ؟.

فذهب بعض الخوارج الى انها غير واجبة..

وذهب الباقون من الفرق الاسلامية الى وجوبها.

واختلف القائلون بوجوبها في دليله (أعني دليل وجوب نصب الامام) على قولين

١ - ذهب اهل السنة :

الى أن نصب الامام واجب سمعاً لا عقلاً، أي أن دليل الوجوب هو النقل لا العقل.

٢ - ذهب المعتزلة والشيعة :

الى أن نصب الامام واجب عقلاً، أي أن دليل الوجوب دليل عقلي.

ثم اختلف القائلون بالوجوب العقلي في من يجب عليه نصب الامام على قولين :

١ - ذهب المعتزلة الى انه واجب على العقلاء (اي الناس)، ومثلهم في هذا أهل السنة.

٢ - ذهب الامامية والاسماعيلية الى انه واجب على اللّه.

واختلف القائلون بوجوبه على اللّه في الغاية والغرض من الوجوب على قولين هما :

١ - ذهب الامامية : انه لحفظ قوانين الشرع.

٢ - ذهب الاسماعيلية ليكون معرفاً للّه تعالى.

ويمكننا أن نلخص هذه الاقوال بالتالي :

__________________

(١) غاية المرام ٣٦٣.

٢٩١

الامامة او

نصب الامام

غير واجب واجب

على الناس على اللّه

ونخلص من هذه أيضاً الى أن في المسألة قولين رئيسين هما :

١ - ان نصب الامام يتم عن طريق اختيار الناس له. وهو قول المعتزلة والسنة والاباضية.

٢ - ان نصب الامام يتم عن طريق تعيينه بالنص عليه من قبل اللّه تعالى، وهو قول الشيعة.

بيان دليل أهل السنة :

قال العضد الايجي : «وأما وجوبه علينا سمعاً فلوجهين :

الاول : أنه تواتر اجماع المسلمين في الصدر الاول بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال ابو بكر (رضي) في خطبته : (ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به) فبادر الكل الى قبوله، وتركوا له أهم الاشياء، وهو دفن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر الى زماننا هذا من نصب إمام متبع في كل عصر.

فان قيل : لا بد للاجماع من مستند، ولو كان، لَنُقِلَ، لتوفر الدواعي.

٢٩٢

قلنا : استغني عن نقله بالاجماع، أو كان من قبيل ما لا يمكن نقله من قرائن الاحوال التي لا يمكن معرفتها الا بالمشاهدة والعيان لمن كان في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : أن فيه دفع ضرر مظنون وأنه واجب إجماعاً.

بيانه : أنا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود والمقاصات واظهار شعار الشرع في الاعياد والجمعات، انما هو مصالح عائدة الى الخلق معاشاً ومعاداً، وذلك لا يتم الا بامام يكون من قبل الشارع يرجعون اليه فيما يعن لهم، فانهم - مع اختلاف الاهواء وتشتت الآراء، وما بينهم من الشحناء - قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك الى التنازع والتواثب، وربما أدّى الى هلاكهم جميعاً، ويشهد له التجربة، والفتنن القائمة عند موت الولاة الى نصب آخر، بحيث لو تمادى لعطلت المعايش، وصار كل أحد مشغولاً بحفظ ماله ونفسه تحت قائم سيفه، وذلك يؤدي الى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين.

فان قيل : وفيه اضرار، وأنه منفي بقولهعليه‌السلام : (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).

وبيانه من ثلاثة أوجه :

الاول : تولية الانسان على من هو مثله ليحكم عليه فيما يهتدي اليه وفيما لا يهتدي إضرار به لا محالة.

الثاني : قد يستنكف عنه بعضهم كما جرت به العادة، فيفضي الى الفتنة.

الثالث : أنه لا يجب عصمته - كما سيأتي - فيتصور منه الكفر والفسوق، فان لم يعزل أضر بالامة بكفره وفسقه، وان عزل أدى الى الفتنة.

قلنا : الاضرار اللازم من تركه أكثر بكثير، ودفع الضرر الاعظم عند التعارض واجب»(١) .

__________________

(١) المواقف ٣٩٥ - ٣٩٦.

٢٩٣

بيان دليل الشيعة :

قال الفاضل المقداد : ان الامامة لطف، وكل لطف واجب على اللّه، فالامامة واجبة على اللّه تعالى.

أما الكبرى فقد تقدم بيانها.

وأما الصغرى فهو أن اللطف - كما عرفت - ما يقرب العبد الى الطاعة ويبعده عن المعصية، وهذا المعنى حاصل في الامامة.

وبيان ذلك : أن من عرف عوايد الدهماء وجرب قواعد السياسة، علم ضرورةً أن الناس اذا كان لهم رئيس مطاع مرشد فيما بينهم يردع الظالم عن ظلمه والباغي عن بغيه وينتصف للمظلوم من ظالمه، ومع ذلك يحملهم على القواعد العقلية والوظائف الدينية ويردعهم عن المفاسد الموجبة لاختلال النظام في امور معاشهم وعن القبائح الموجبة للوبال في معادهم بحيث يخاف كل مؤاخذته على ذلك، كانوا مع ذلك الى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، ولا نعني باللطف الا ذلك، فتكون الامامة لطفاً وهو المطلوب.

واعلم : أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الامامة، اذ الامامة خلافة عن النبوة، قائمة مقامها الا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة، وكما أن تلك واجبة على اللّه تعالى في الحكمة، فكذا هذه»(١) .

ويرجع هذا الاختلاف بين المذهبين الشيعي والسني الى مدى سعة وضيق جهة الالتقاء بين النبوة والامامة.

ذلك أن الشيعة يرون أن الامامة في وظيفتها هي امتداد للنبوة، فكما كانت وظيفة النبي تتمثل في ممارسته للسلطتين الدينية والسياسية، وان السلطة السياسية هي من الدين وليست اجتهاداً من النبي لأن النبي - في رأيهم - غير ممكن أن يرجع الى اجتهاد، لأن الاجتهاد عرضة للخطأ، ولأن نتائجه ظنية، والنبي معصوم، والمعصوم لا يخطأ.

مضافاً اليه : أن احكامه التي يقوم بتطبيقها بصفته رئيساً للدولة، أي سياسياً،

__________________

(١) النافع يوم الحشر ٦٧ - ٦٨.

٢٩٤

هي أحكام واقعية، بمعنى انها علم يقيني لا مجال للظن فيها، لانها نابعة من انكشاف واقع القضية لديه موضوعاً وحكماً لا من استخدامه وسيلة الاجتهاد التي قد تصيب وقد تخطئ، وذلك لاتصالهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوحي، وعدم صدور أي سلوك منه لا يلتقي مع ما يوحي به اليه، فهو في الواقع لا يحتاج الى الاجتهاد، لان الاجتهاد طريق موصل الى الحكم لدى من ليس له طريق آخر مأمون العثار والخطأ ومضمون الاصابة والوصول الى الحكم بواقعه وهو طريق الوحي.

كذلك وظيفة الامامة تتمثل في ممارسة الامام للسلطتين الدينية والسياسية.

بينما ذهب أهل السنة الى أن الامامة وظيفة سياسية تعتمد على اجتهاد الامام، كما كان الرسول - كما يرون - يعتمد في سياسته بصفته رئيساً للدولة على اجتهاده، ذلك انهم «فرقوا بين احكام الدين واحكام السياسة، ومالوا الى اعتبار الرسول مجتهداً في الشؤون السياسة وكل ما يتصل بسلطته الزمنية، يقول ابن القيم : السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، وان لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي، ومن قال لا سياسة الا بما نطق به الشرع فقد غَلَطَ وغَلّطَ الصحابة»(١) .

فالسنة - كما هو واضح مما تقدم - يفصلون بين احكام الدين واحكام السياسة كالذي هو معروف حالياً في الفكر القانوني المعاصر، والذي يوسم ب(نظرية الفصل بين الدين والدولة).

ونخلص من هذا الى أن الشيعة انما قالوا بان وجوب نصب الامام بالنص أو التعيين من اللّه، لأن الامام عندهم امتداد لوظيفة النبوة روحياً وسياسياً، فكما أن النبي يعين من قبل اللّه تعالى كذلك الامام.

أما السنة فلأنهم فصلوا بين السلطتين الروحية والزمنية واعتبروا الامام قائماً بوظيفة النبي الزمنية أو السياسية، وهي تعتمد الاجتهاد، قالوا يتم نصبه عن طريق اختيار الناس له.

____________________

(١) الزيدية ٣٠ ونص ابن القيم منقول عن الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص ٧.

٢٩٥

وحاول الدكتور احمد محمد صبحي في كتابه (الزيدية) أن يدافع عن أهل السنة ويدفع عنهم القول بالفصل بين الدين والدولة بقوله : «على أنه من الخطأ تصور موقف أهل السنة فصلاً بين السياسة والدين، وانما هو مجرد تفرقة بين شرعٍ مصدره الكتاب والسنة وسياسةٍ قائمة على الاجتهاد الذي هو بدوره مصدر من مصادر التشريع في الاسلام، ولم يُعرف الفصل التام بين السياسة والدين الا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وبتأثير من الفكر السياسي الاوربي»(١) .

والمستغرب من الدكتور صبحي أنه لم يفرق بين المصدر والوسيلة، فاعتد الاجتهاد - وهو وسيلة ينتهجها المجتهد لاستنباط واستخراج الحكم الشرعي من مصدره وهما الكتاب والسنة - مصدراً من مصادر التشريع.

وظني أنه التبس الأمر عليه بين القياس وامثاله من مصادر اخرى غير الكتاب والسنة، وبين الاجتهاد، ولم يدرك أن الاجتهاد طريقة يستخدمها المجتهد لأخذ الحكم من هذه المصادر.

فالقياس والاجماع والاستحسان وأمثالها أمور قائمة في واقها كالكتاب والسنة، والفارق ان من لم يكن مجتهداً لا يقوى على استفادة الحكم منها، وبعكسه من كان مجتهداً فانه يستطيع اذا استعمل اجتهاده أن يستفيد الحكم منها.

وبالاضافة الى ما تقدم استدل كل من الشيعة والسنة بالقرآن الكريم على رأيه في وجوب نصب الامام بالتعيين الالهي أو الاختيار من قبل الناس.

دليل السنة :

استدل أهل السنة بقوله تعالى : (وأمرهم شورى بينهم) - الشورى ٣٨ -.

والشورى - لغة - اسم من المشاورة، يقال : شورى ومشاورة وتشاور ومَشُوْرَةَ - بضم الشين وسكون الواو - ومَشْوَرَة - بسكون الشين وفتح الواو -.

وتعني المفاوضة في الكلام بمراجعة البعض الى البعض لاستخراج الرأي.

____________________

(١) ص ٣٠.

٢٩٦

وهي من قولهم (شرت العسل) اذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه.

وتطلق أيضاً على الأمر الذي يتشاور فيه، يقال : (صار هذا الشيء شورى بين القوم) اذا تشاوروا فيه.

وذكر في سبب نزول الآية الكريمة أن الانصار كانوا قبل قدوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة المنورة اذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه، فمدحهم اللّه تعالى به.

وتقرير الاستدلال بها :

أن الآية الكريمة مطلقة لأن مورد النزول هنا ليس بقرينة مقيدة.

والاطلاق يقتضي حملها على كل أمر يطلب فيه التشاور ما عدا الاحكام والحدود الشرعية لانها خارجة بالتخصص لدليل العقل القاضي بان عدم خروجها من هذا الاطلاق يستلزم إلغاء تشريعها.

ولأن الخلافة لم يرد فيها نص شرعي يبين كيفيتها وشروطها ومواصفاتها تندرج تحت ما يطلب فيه المشورة أو الشورى.

والذي يلاحظ على هذا الاستدلال :

١ - ان الآية ليست في مقام التشريع، وانما هي في مقام بيان أهمية وقيمة التشاور في الامور العامة التي تتطلب ذلك.

وهذا يقتضينا عدم الأخذ بها اذا كان في القرآن الكريم ما يفاد منه تشريع الخلافة كما في الآية الآتية التي استدل بها الشيعة على ذلك.

٢ - ان الآية لم تبين من الذين يقتضي أن يقوموا بمهمة التشاور، وعليه لا بد من الاحتياط المبرئ لذمة المكلف من مسؤولية التكليف والخروج من عهدتها بجمع كل الاطراف المعنية وادخالها في عملية التفاوض والتشاور.

وهذا ما لم يتحقق تاريخياً منذ اختيار اول خليفة حتى عهدنا الحاضر، والامر من الوضوح بمكان لا يفتقر معه الى إقامة دليل.

٢٩٧

دليل الشيعة :

واستدل الشيعة بقوله تعالى : (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) - البقرة ١٢٤ -.

وتقرير الاستدلال بالآية الكريمة :

١ - أن الآية صريحة في ان الامامة لا تكون لأحد الا بجعل من اللّه تعالى، أي بتعيين منه.

٢ - ان الامامة عهد اللّه، أي مسؤولية إلهية مهمة فلا تناط الا بمن لديه أهلية القيام بها، وهي أن يكون غير ظالم لنفسه أو لغيره، وهذا لا يتحقق الا اذا كان الامام معصوماً، لأن العصمة ملكة ثابتة ودائمة، وبعكسها العدالة فانها قابلة للحدوث والتجدد، ففي حالة زوالها تزول معها الامامة، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه.

وجاء في بعض تفسيرات الآية : أن المراد بالامامة هنا النبوة، ورده السيد الطباطبائي بقوله: قوله تعالى : (اني جاعلك للناس إماماً) أي مقتدى يقتدي بك الناس، ويتبعونك في أقوالك وأفعالك.

فالامام هو الذي يقتدي ويأتم به الناس، ولذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد به النبوة، لأن النبي تقتدي به أمته في دينهم، قال تعالى : (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن اللّه) - النساء ٦٣ -، لكنه في غاية السقوط.

أما أولاً ، فلأن قوله : (إماماً) مفعول ثانٍ لعامله الذي هو قوله : (جاعلك) واسم الفاعل لا يعمل اذا كان بمعنى الماضي، وانما يعمل اذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فقوله : (اني جاعلك للناس إماماً) وعدله -عليه‌السلام - بالامامة في ما سيأتي، مع أنه وحي لا يكون الا مع نبوة، فقد كان (ع) نبياً قبل تقلده الامامة، فليست الامامة في الآية بمعنى النبوة (ذكره بعض المفسرين).

وأما ثانياً : فلأنا بيّنا في صدر الكلام : أن قصة الامامة انما كانت في أواخر عهد ابراهيم (ع) بعد مجيء البشارة له باسحق واسماعيل، وانما جاءت الملائكة بالبشارة في

٢٩٨

مسيرهم الى قوم لوط وإهلاكهم، وقد كان ابراهيم حينئذٍ نبياً مرسلاً، فقد كان نبياً قبل أن يكون إماماً، فامامته غير نبوته»(١) .

وفي حديث الامام الصادق (ع) : «وقد كان ابراهيم نبياً وليس بامام حتى قال اللّه : (اني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) من عَبَدَ صنماً أو وثناً لا يكون إماماً»(٢) . وذلك تطبيقاً منهعليه‌السلام للآية الكريمة : (ان الشرك لظلم عظيم) - لقمان ١٣ -.

ولان ابا بكر الصديق (رض) كان قبل اسلامه مشركاً لا يكون - كما يرون - مؤهلاً للامامة الالهية.

ومن هنا كان النص من اللّه تعالى على الامام علي (ع) لانه لم يسبق منه شرك أو ظلم لنفسه بالشرك أو بغيره.

وما دمنا وصلنا الى هذا لا بأس بصرف عنان البحث الى ذكر أدلة كل من الطرفين على الامام الخاص بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أدلة السنة على إمامة ابي بكر :

١ - النص الجلي :

استدل السنة الذين يرون أن النبي نص على أبي بكر نصاً جلياً بالحديث المشهور وهو :

(ان امرأة أتت الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتسأله أمراً من الامور فأجابها وطلب منها أن ترجع اليه متى أرادت، فقالت : أرأيتَ أن جئتُ فلم أجدك ؟ قال : ان لم تجديني فاتي ابا بكر).

وبالحديث الآخر :

_____________________

(١) الميزان ١ / ٢٧٠ - ٢٧١.

(٢) مجمع البحرين ١ / ٤٠٦.

٢٩٩

(اقتدوا باللذين من بعدي : ابي بكر وعمر).

وبحديث ابي هريرة :

(قال : سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللّه، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللّه يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً، فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن).

٢ - النص الخفي :

واستدل أهل السنة الذين يذهبون الى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص الخفي بالواقعة المشهورة، وهي :

«ان الرسول في اثناء مرضه أمر أن يؤم ابو بكر المسلمين في الصلاة، والصلاة هي الامامة الصغرى.

فأولى به ان يكون هو صاحب الامامة الكبرى إمامة المسلمين دنيا وديناً».

ويؤخذ عليهما :

أن الاستدلال بالنص يتنافى وما ذهب اليه جمهورهم من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف، ولم ينص على أحد بالخلافة.

وعليه :

لا ريب في أنها اختلقت ليعارض بها النصوص الواردة في استخلاف علي والنص عليه من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالامامة.

٣ - الشورى :

وهو رأي جمهور أهل السنة الذين يذهبون الى أن رسول اللّه ترك أمر الامامة لاجتهاد المسلمين.

«ورأى المسلمون أن أبا بكر هو ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339