البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية37%

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 146

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية
  • البداية
  • السابق
  • 146 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74068 / تحميل: 7928
الحجم الحجم الحجم
البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

* المرأة كاملة لا نقص فيها:

3 - ما يَظهر من بعض الفوارق الجزئيّة بين الرجل والمرأة في الخِلْقَة والإحساسات لا يكون نقصاً في أحدهما، بل إنّ مَثَل المرأة والرجل مثل السيّارة الصغيرة المُعَدَّة لحمل المسافرين، والسيّارة الكبيرة المُعَدّة لحمل الحديد والأحجار - إنْ صحّ التعبير - فقد جُعِلَتْ كلّ واحدة منهما لشأن، فلا نقص في أحدهما، وإنّما اختلافهما هو لمصلحة.

فإنّ المرأة خُلِقَتْ عاطفيّة أكثر من الرجل؛ لدورها في تربية الأطفال، والرجل خُلق عقلانيّاً أكثر؛ وذلك لاحتياج المجتمع إلى كلا الأمرين، فَجَعْل التساوي المطلق بينهما خلاف تركيب خلقهما.

فلو أُلقي عمل الرجل على المرأة أو عمل المرأة على الرجل كان ذلك كما إذا حملتْ السيّارةُ الصغيرة الحديدَ والحجارة، أو حملتْ السيارةُ الكبيرة الركابَ، ففي الأوّل عطب السيّارة، وفي الثاني عطب المسافرين.

٢١

* مشروع الزواج:

4 - ينبغي أنْ يكون في كلّ بلد (صندوق الزواج) ليُعين على تزويج العزّاب والعازبات، ومساعدتهم في تكوين عشّ الزوجيّة، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) (1) .

ونرى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يهتمّ لتزويج مَن لم يكن متزوّجاً.. وكذلك الإمام أمير المؤمنين، وسائر الأئمّة الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

فقد روي عن الصادق (عليه السلام): (أنّ رسول الله زوّج المقداد بن الأسود ضِبَاعة ابنة الزبير بن عبد المطّلب، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم) (2) .

كما أمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتزويج جويبر في قصّة مفصّلة (3) .

____________________

1 - سورة المائدة: آية: 2.

2 - بحار الأنوار: ج22، ص437، ب13، ح2.

3 - راجع بحار الأنوار: ج22، ص117، ب37، ح89، وفيه: عن محمّد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثمالي قال:

كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأَذِنَ له، فدخل عليه فسلّم، فرحّب به أبو جعفر (ع) وأدناه وساءله، فقال الرجل:

جُعِلتُ فداك إنّي خطبتُ إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عنّي وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة، هجمة عض لها قلبي تمنّيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): (اذهب فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): زوّج منحج ابن رياح مولاي ابنتك فلانة ولا تردّه).

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر (عليه السلام)، فلمّا أنْ توارى الرجل قال أبو جعفر: ( ‎ إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يُقال له: جويبر أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قِبَاح السودان، فضمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأوّل، وكساه شملتين، وأمره أنْ يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء الله حتّى كثر الغرباء ممّن يدخل في الإسلام من أهل =

٢٢

____________________

= الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عزّ وجل إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنْ طهّر مسجدك، وأخرج من المسجد مَن يرقد فيه بالليل، ومُرْ بسدّ أبواب كلّ مَن كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي ومسكن فاطمة (عليها السلام)، ولا يمرّنَّ فيه جُنُب، ولا يرقد فيه غريب).

قال: فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسدّ أبوابهم إلاّ باب علي (عليه السلام)، وأقرّ مسكن فاطمة (صلّى الله عليها) على حاله.

قال: ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر أنْ يتّخذ للمسلمين سقيفة، فعُمِلَتْ لهم وهي الصفة، ثمّ أمر الغرباء والمساكين أنْ يظلّوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتعاهدهم بالبُرّ والتمر والشعير والزبيب، إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقونهم لرقّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإنّ رسول الله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمةٍ منه له ورقّة عليه، فقال: (يا جويبر، لو تزوّجتَ امرأة فعفّفتَ بها فرجَك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، مَن يرغب فيّ؟ فو الله ما مِن حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام مَن كان في الجاهليّة شريفاً، وشرف بالإسلام مَن كان في الجاهليّة وضيعاً، وأعزّ بالإسلام مَن كان في الجاهليّة ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان مِن نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم: أبيضهم وأسودهم، وقُرَشِيِّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبّ الناس إلى الله عزّ وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لِمَنْ كان أتقى لله منك وأطوع.

ثمّ قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه مِن أشرف بني بياضة حَسَبَاً فيهم، فقل له: إنّي رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأُعلم، فأُذن له وسلّم عليه، ثمّ قال: يا زياد بن لبيد: إنّي رسول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليك، في حاجة فأبوح بها، أمْ أسرّها إليك؟ =

٢٣

____________________

=

فقال له زياد: بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

فقال له زياد: أَ رسول الله أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟

فقال له: نعم، ما كنتُ لأكذب على رسول الله (ص)؟

فقال له زياد: إنا لا نزوّج فَتَيَاتِنَا إلاّ أكفّاءنا مِن الأنصار، فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبره بعذري.

فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا أُنزل القرآن، ولا بهذا ظهرتْ نبوّة محمّد ‎ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلتْ إلى أبيها: ادخل إليّ، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعتُه منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسله، وقال: يقول لك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقالت له: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله (ص) بحضرته، فابعث الآن رسولاً يردّ عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً، فقال له زياد: يا جويبر، مرحباً بك، اطمئن حتّى أعود إليك، ثمّ انطلق زياد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له بأبي أنت وأمّي إنّ جويبراً أتاني برسالتك، وقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: زوّج جويبراً ابنتك

الدلفاء، فلم أَلِنْ له في القول، ورأيتُ لقاءك، ونحن لا نزوّج إلاّ أكفّاءنا من الأنصار.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفؤ للمؤمنة، والمسلم كفؤ للمسلمة، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.

قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فقالتْ له: إنّك إنْ عصيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفرتَ، فزوّج جويبراً.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثمّ أخرجه إلى قومه، فزوّجه على سُنّة الله وسُنَّة رسوله، وضمن صداقها.

قال: فجهَّزها زياد وهيّأها ثمّ أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟

فقال: والله مالي من منزل.

قال: فهيَّئوها وهيّئوا لها منزلاً وهيّئوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبراً ثوبّين، وأُدْخِلَتْ الدلفاء في بيتها وأُدخل جويبر عليها معتماً، فلمّا رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيّبة، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى طلع الفجر، فلمّا سمع النداء خرج وخرجتْ زوجته إلى الصلاة فتوضّأت وصلّتْ الصبح، فسُئلت: هل مَسَّكِ؟ =

٢٤

____________________

=

فقالت: مازال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج.

فلمّا كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك، وأَخْفَوا ذلك من زياد، فلمّا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فأُخْبِرَ بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له: بابي أنت وأمّي يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَمَرْتَنِي بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبتْ عليّ تزويجه.

فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فما الذي أنكرتم منه؟

قال: إنّا هيّأنا له بيتاً ومتاعاً، وأُدْخِلَتْ ابنتي البيت وأُدخل معها معتماً، فما كلّمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج، ثمّ فعل مثل ذلك في الليلة الثانية، ومثل ذلك في الليلة الثالثة، ولم يَدْنُ منها ولم يكلّمها إلى أنْ جِئْتُكَ، وما نراه يريد النساء، فانْظُر في أمرنا؟

فانصرف زياد، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى جويبر، فقال له: أَمَا تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟! بلى يا رسول الله إنّي لَشَبِق نَهِم إلى النساء.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

قد خبّرت بخلاف ما وصفتَ به نفسك، قد ذكروا لي أنّهم هيّؤوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأُدخلتْ عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتماً فلم تنظر إليها ولم تكلّمها ولم تَدْنُ منها، فما دهاك إذن؟

فقال له جويبر: يا رسول الله دخلتُ بيتاً واسعاً، ورأيتُ فراشاً ومتاعاً وفتاةً حسناء عطرة، وذكرتُ حالي التي كنتُ عليها، وغربتي وحاجتي وضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين، فأحببتُ إذْ أَوْلاَنِي الله ذلك أنْ أشكره على ما أعطاني، وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر، فنهضتُ إلى جانب البيت، فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله حتّى سمعتُ النداء فخرجتُ، فلمّا أصبحتُ رأيتُ أنْ أصوم ذلك اليوم ففعلتُ ذلك ثلاثة أيّام وليالها، ورأيتُ ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً ولكنّي سأرضيها وأرضيهم الليلة إنْ شاء الله.

فأرسل رسول الله (ص) إلى زياد، فأتاه وأعلمه ما قال جويبر، فطابتْ أنفسهم.

قال: وَفَى لهم جويبر بما قال، ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله، فما كان في الأنصار أَيِّم أنفق منها بعد جويبر.

٢٥

وقد زوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيت المال الشابّ الأعزب الذي استمنى (1) .

و في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى أبي، فقال له: هل لك من زوجة؟

قال: لا.

فقال أبي: ما أُحب أنّ لي الدنيا وما فيها، وإنِّي بتّ ليلة وليستْ لي زوجة.

ثمّ قال: الركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثمّ أعطاه أبي سبعة دنانير، ثمّ قال: تزوّج بهذه.

ثمّ قال أبي: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اتّخذوا الأهل فإنّه أَرْزَقُ لكم) (2) .

____________________

1 - فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(إنّ أمير المؤمنين أُتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل، فضرب يدَه حتّى احمرّتْ، ثمّ زوّجه من بيت المال)، راجع: غوالي اللئالي: ج2، ص356 و 357، ح35 و 36، باب الحدود.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح5.

٢٦

* الزواج ومواصلة الدراسة:

5 - يلزم إلغاء العادة الغربيّة القاضية بعدم زواج الطلاّب والطالبات إلى حين التخرّج، وكذلك القاضية بعدم زواج الجندي إلى حين إتمامه دورة التدرب.. فإنّ معنى ذلك فتح دور الدعارة وفساد الشباب والفتيات، وتعميم العادة السرِّيَّة الضارّة بالصحّة، وإعطاء الفرصة للبغاء والانحراف الجنسي..

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا جاءكم مَن ترضون خُلُقَه ودِيْنَه فزوِّجوه، وأنْ لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (1) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا أتاكم مَن ترضَون دينه وأمانته فزوّجوه، فإنْ لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (2) .

ثمّ إنّ المتزوّج أقدر على الدراسة والخدمة من الأعزب، إذ اشتغال الفكر بقضايا الجنس يمنع الإنسان عن التركيز في الدراسة أو الخدمة..

____________________

1 - غوالي اللئالي: ج3، ص340، باب النكاح، ح252. بحار الأنوار: ج100، ص373، ب21، ح9.

2 - نوادر الراوندي: ص12. وبحار الأنوار: ج100، ص374، ب21، ح15.

٢٧

قال تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (النكاح سنّتي، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي) (2) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (ركعتان يُصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يُصلّيهما غير متزوّج) (3) .

وعن الصادق (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (تزوّجوا، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: مَن أحبّ أنْ يتّبع سُنَّتي فإنّ سُنَّتي التزويج) (4) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما بُنِيَ بناء أحبّ إلى الله عزّ وجل من التزويج) (5) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن تزوّج أحرز نصف دينه، فليتَّق الله في النصف الآخر) (6) .

____________________

1 - سورة النور: آية: 32.

2 - جامع الأخبار: ص101، الفصل52. وبحار الأنوار: ج100، ص220، ب1، ح23.

3 - ثواب الأعمال: ص40، ثواب صلاة المتزوّج. و بحار الأنوار: ج100، ص219، ب1، ح15.

4 - وسائل الشيعة: ج14، ص6، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح14.

5 - وسائل الشيعة: ج14، ص3، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح4.

6 - وسائل الشيعة: ج14، ص5، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح11.

٢٨

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (المتزوّج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب) (1) .

وفي قبال ذلك قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ‎ (رُذَّال موتاكم العزّاب) (2) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكثر أهل النار العزّاب) (3) .

____________________

1 - مستدرك الوسائل: ج4، ص155، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

3 - وسائل الشيعة: ج14، ص8، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح7.

٢٩

* المرأة في المجتمع الغربي (1) :

المرأة موضوع كَثُر الكلام حوله، وغالب الكتّاب الإسلاميِّين - الداعين إلى الفضيلة والعفاف - يقارنون بين حال المرأة قبل الإسلام وحال المرأة في ظلّ الإسلام، وهي مقارنة صحيحة.. لكنّ الكلام لا ينتهي عند هذا الحدّ، وإنّنا بحاجة إلى الفرق بين المرأة في المجتمع الإسلامي وبين المرأة في المجتمع الغربي.

ولا نريد الإسهاب في هذا الموضوع، وإنّما نريد عَرْض طرف من أحوال المرأة في المجتمَعَين، لنرى هل تتوفّر راحة المرأة جسديّاً وفكريّاً، وصحّتها وثقافتها، ونظافة سمعتها، وإشباع غرائزها، وطهارة المجتمع الذي تعيش فيه.. في ظلّ الإسلام أمْ في ظلّ الكفر؟

تعيش المرأة في ظلّ الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل من الحقوق والواجبات.. فهي شق له في كلّ شيء.. إلاّ بعض الأمور التي استُثنيتْ من جهة عدم المقتضي أو وجود المانع.

____________________

1 - نقلنا هذا المبحث عن كتاب (في ظلّ الإسلام) للإمام الشيرازي.

٣٠

* فهي تشارك الرجل في:

الصلاة، والصيام، والخُمس، والزكاة، والحج..

ولكن، حيث إنّ لها وظائف بيتيّة، بالإضافة إلى خشونة الجهاد التي لا يناسب ضعفها ودقّة جهازها ووفرة مشاعرها الرقيقة، لا يحمّلها الإسلام الجهاد على الإطلاق، بل في ضرورة الضرورة فقط، كما هو مشروح في كتب الفقه (1) . كما تشاركه في:

الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وولاية الصالحين، والبراءة من المجرمين..

هذا بالنسبة إلى العبادة..

____________________

1 - راجع: موسوعة الفقه: ج47 - ج48 كتاب الجهاد للإمام المؤلّف.

٣١

* أمّا المعاملة بمعناها الوسيع، فلها:

التجارة، والرهن، والضمان، والوديعة، والمزارعة

والمساقاة، والمضاربة، والشركة، والصلح، والعارية، والإجارة

والوكالة، والوقف، والهِبَة، والوصيّة، كما يجري عليها الحَجْر والفلس

* ولها:

النكاح والطلاق - إذا اشترطت - والنذر، والحلف، والعهد

والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والإقرار، والجُعَالة، والصيد، والذباحة

والشُفْعَة، وإحياء الموات، واللقطة، والشهادة، والديات، والقصاص، والإرث..

٣٢

كما أنّ الطعام والشراب بالنسبة إليها، كسائر الرجال، وغير ذلك.

نعم لها بعض الأحكام الخاصّة في بعض هذه الأبواب لأمور خارجة، مثلاً:

في الإرث لها أقل من حقّ الرجل؛ لأنّ الرجل هو القائم بالنفقة، وعليه تَبِعَة المسكن والمَلْبَس، وليس الطلاق بيدها، لأنّ حقّ القيّمومة للرجل، وذلك لأنّ إدارة البيت لا بدّ وأنْ توكل إلى واحد، وحَزْم الرجل أكثر من المرأة؛ ولذا جُعِلَتْ إليه، وفي قبال هذا الواجب جُعِلَ حقّ الطلاق؛ لتكافئ الحقوق والواجبات. وهكذا.. وهكذا..

قد كانت المرأة في ظلّ الإسلام تعيش آمنة سعيدة مرفّهة، لها حقوقها، وعليها واجباتها.. حتّى جاء الغرب فرآها محرومة من حقوقها!! فدافع بكلّ ما أوتي من حول وطول لإرجاع الحقوق إليها!! وجنّد لذلك كلّ عميل وذَنَب بإمكانيّاته المنتفخة.. فشوّقها للذهاب والإيّاب إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمسابح والمدارس المختلطة، كما جعل من حقّها التبرّج والسفور واتّخاذ الأخدان والحضور في الحفلات الساهرة

٣٣

وتعاطي اللذّة البريئة: النظر، والكلام المتكسّر، والملامسة، والأمر الأخير!! واعتبر كلّ دعوة إلى الحشمة والوقار، والحياء والعفاف والفضيلة والأخلاق.. دعوة رجعيّة تنافي الحرِّيَّة!

فالمرأة إلى أين وصلتْ حالتُها في ظلّ النُظُم الغربيّة، بعدما كان لها كلّ تجلّة واحترام في ظلّ النُظُم الإسلاميّة، لنرى كيف انهارت المرأة وانهارت معها الحياة العائليّة، مِن جرّاء الدساتير الكافرة التي لا تدين بالله واليوم الآخر.

وبعد هذا نسأل حماة الغرب: هل المرأة في ظلّ أنظمتكم أرفه حالاً و أهنأ عيشاً وأكثر سعادة، أمْ في ظلّ الإسلام؟

ولقد شهد المنصفون من الأجانب بما للإسلام من فضل على المرأة (1) :

* يقول (سيديو):

والقرآن - وهو دستور المسلمين - رفع شأن المرأة بدلاً من خفضها، فقد جعل محمّد حصّة البنت في الميراث تعدل نصف حصّة أخيها،

____________________

1 - انظر: الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٤

مع أنّ البنات كنّ لا يَرِثْنَ في زمن الجاهليّة، ومحمّد - وان جعل الرجال قوّامين على النساء - بيد أنّ للمرأة حقّ الرعاية والحماية على زوجها.

* ويقول (غوستاف لوبون):

والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعاً عظيماً، بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المُكَرَّرة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثيّة أحسن ممّا في أكثر قوانيننا الأوروبِّيّة.

ويقول: هنا نستطيع أنْ نكرّر إذن قولنا: إنّ الإسلام الذي رفع المرأة كثيراً، بعيد من خفضها، ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا: أنّه أوّل دين فعل مثل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا: إنّ جميع أديان الأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة.

٣٥

وهنا مقتطفات من كتاب (الحجاب) للمودودي، للبرهنة على مدى انحطاط المرأة في ظلّ الكفر وما يسمّى بالديمقراطيّة، ونكتفي هنا بالنقل من دون ذكر المصادر التي نقلها الكتاب عنها.. واليك النصوص:

- (وجاء قوم، فمهّدوا الأسباب لإكراه النساء، وتقدّموا بِحِرْفَة البغاء، إلى أنْ أصبحت تجارة دوليّة منظّمة).

- (أمر الإجهاض.. ليس هناك قطر من الأقطار إلاّ وتقترف فيه هذه الشنيعة علناً وعلى نطاق واسع، فهذه إنكلترا يسقط فيها تسعون ألف حمل في كلّ سنة على أقل تقدير، وتكون في كلّ مئة من المتزوّجات فيها خمس وعشرون - على الأقل - إمّا يُبَاشرْنَ الإسقاط بأيديهنّ، أو يَسْتَعِنّ عليه بالمتخصِّصين، وترتفع هذه النسبة فوق هذا في غير المتزوّجات، فقد أُنشئتْ في بعض المدن هناك نوادٍ منظّمة للإسقاط.. ويكثر في لندن عدد دور التمريض التي تكون معظم المريضات فيها من المسقطات).

٣٦

- (وفي فرنسا: نشر قائد لبعض الفِرَق العسكريّة إعلاناً للجنود التابعة له، جاء فيه: قد بلغنا أنّ عامّة الرجّالة والخيّالة يشتكون من تزاحم رجال البنادق على دور بغاء الجنديّة.. وأنّ مكتب القيادة لا يزال يسعى لزيادة عدد النساء؛ حتّى يكفينَ لجميع الجنود، ولكن قبل أنْ يتمّ ذلك نوصي رجال البنادق أنْ لا يطيلوا مكثهم داخل تلك الدور ويتعجّلوا بقضاء شهواتهم ما استطاعوا).

- (وفي فرنسا: ليس على مَن كان يريد الاتصال بآنسة من الآنسات إلاّ أنْ يُعْلِم الوكالة - الوكالة البغائيّة - بعنوان تلك الآنسة، وعلى الوكالة بعد ذلك أنْ تراود الآنسة على الأمر، ودلّتْ سجلاّت هذه الوكالة على أنّه لم تكن طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي إلاّ وعامل كثير من أناسها هذه الوكالة وتمتّعوا بخدماتها).

- (لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسيّة بين الأقارب في النسب: كالأب والبنت، والأخ والأخت، في بعض الأقاليم الفرنسيّة).

٣٧

- (ولقد كان عدد النساء اللواتي كنّ يحترفن البغاء قبل الحرب العالميّة الأولى: نصف مليون).

* وصرّح (مسيو فردينان دريفوس) أحد أعضاء المجلس الفرنسي منذ بضع سنوات:

إنّ حرفة البغاء لم تُعَدُّ الآن عملاً شخصيّاً بل قد أصبحت تجارة رئيسيّة، وحرفة منظّمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح الغزيرة، فلها في هذه الأيّام وكلاء يهيّئون (المواد الخام) وآخرون يتجوّلون في البلاد، ولها الآن أسواق منظّمة تستورد فيها وتصدّر منها الفتيات والصبايا كالأموال التجاريّة، وأكثر ما يُطلب في هذه الأسواق من الأموال هو بنات دون العاشرة.

وربّما تبلغ البهيميّة في القائمين بها أقصى حدود الظلم والقساوة، فيقال: إنّ محافظ بلديّة في شرقي فرنسا اضطرّ إلى التدخّل في هذا الأمر؛ لنجدة فتاة كانت قد فرغت في يومها من سبعة وأربعين وارداً، وكان عدد منهم بَعْدُ بالباب يترقّبون!

٣٨

وجاءت الحرب العالميّة الأولى، فابتدعتْ بدعة (البغاء المتطوّع) علاوة على (البغاء التجاري) .. فجعلت هؤلاء النساء يتعاطين بصورة منظّمة، وأصبح تشجيعهنّ وإعانتهنّ فضيلة خُلُقِيَّة، عند أولي الدعارة والفجور، وعنيتْ الجرائد اليوميّة الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال العمل إليهنّ.. وقد نشرت جريدة واحدة في عدد واحد (199 إعلاناً) عن أمرهنّ.

يقول (بول بيورو): إنّ جميع الأزواج المتزوّجون في مجتمعاتنا قوم خونة متجرّدون من الوفاء اللازم للعِشْرَة الزوجيّة.

وقد نجم عن هذه الموبقات الأمراض السرِّيَّة الفتَّاكة، فقد أعفتْ الحكومة الفرنسيّة في السنتَين الأوّلين من سِنِيّ الحرب العالميّة الأُولى خمسة وسبعين ألفاً؛ لكونهم مصابين بمرض الزهري، وابتلي بهذا المرض وحده (242 جنديّاً) في آن واحد في ثكنة متوسّطة.

* ويقول الدكتور الفرنسي (ليريد):

إنّه يموت في فرنسا (ثلاثون ألف نسمة بالزهري) وما يتبعها من الأمراض الكثيرة في كلّ سنة (1) .

____________________

1 - الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٩

ولهذه الأمور رغبت الرجال عن النكاح، فبقيت النساء والرجال - على حدّ سواء - يتعاطون البغاء، وفسد النظام العائلي.

فسبعة أو ثمانية في الألف هو معدّل الرجال والنساء الذين يتزوّجون في فرنسا اليوم.

وكثر الطلاق كثرة مدهشة، حتّى إنّ محكمة الحقوق بمدينة (سين) فسختْ (294 نكاحاً) في يوم واحد.

إلى كثير.. وكثير.. من أمثال هذه المآسي التي حلّت على البشريّة من جرّاء إعطاء المرأة هذه الحرِّيَّة!!

فهل في ذلك خدمة للمرأة؟

أو للرجل؟

أو للمجتمع؟

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

المسألة الرابعة

في تزيين المشاهد بالذهب والفضة والحلي والحلل، وايقاد السراج فيها وتظيلها، فالوهابي حرم كل ذلك واحتج عليه: تارة باللغو والعبث وأنها مما لا ينتفع به الميت، وأخرى بما عن الشافعي من أن عمر رأى قبة على قبر ميت فنحاها وقال: دعوه يظله عمله، وثالثة بحديث ابن عباس: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».

حجية الإمامية القائلين بالجواز:

(أولاً) أصالة الإباحة الدال عليها قوله تعالى:( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ، وقد أسمعناكها مفصلاً في المقدمة الأولى.

(وثانياً) مقايسة زينة المشاهد ومعلقاتها وحليها وحللها بزينة الكعبة وحللها وكسوتها، فإن الجهة واحدة والإسراف واللغوية وعدم الاستفادة بها علة مشتركة. والحال أن سيرة الخلفاء الراشدين على تعظيم الكعبة بذلك، بل وسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً - كما تشهد لها التواريخ بل وكتب الحديث.

قال ابن خلدون في مقدمته: وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظم البيت وتبعث إليه الملوك بالأموال والذخائر كسرى وغيره. وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة، وقد وجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعون ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة

٦١

مرتين بمائتي قنطار وزناً وقال له علي بن أبي طالب: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو استعنت بهذا المال على حربك فلم يفعل، ثمّ ذكر لأبي بكر فلم يحركه.. إلى أن قال أبو وائل: جلست إلى شيبة قال: جلس إلي عمر بن الخطاب فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلاّ قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم يفعله صاحبك فقال: هما اللذان يقتدي بهما.

قال ابن خلدون: وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة الأفطس، فإنه أخرج الأموال وقسمها على عساكره».

وأقول: ومن بعد الأفطس كان الأمر على ما كان عليه زمن الخلفاء، فتهدى للبيت ولحرم رسول الله الأموال والذخائر إلى أن قامت فتنة الوهابية في المدينة ومكة المشرفة، فأباحوا ما في الحرمين الشريفين إعراضاً منهم عن سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسير أصحابه التابعين له بإحسان.

وفي البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى:( واجعلنا للمتقين إمام ) قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.

كراهية التظليل

(وثالثاً) إن ما نقل عن عمر غايته كراهية التظليل دون الحرمة، كيف وقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر تحت السقف بمرأى ومنظر من المسلمين والصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.

مضافاً، إلى ما في البخاري والعقد الفريد من أنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثمّ رفعت... ومعلوم أن القبة تظل القبر

٦٢

ولأجل ذلك يصح المصير إلى أن الكراهة ربما ترتفع ببعض المصالح العامة، مثل حفظ الزائر والقارئ للقرآن عند القبر عن الحر والبرد، وهي مصلحة راجحة إلى المسلمين وإن لم ينتفع بها الميت.

(ورابعاً) أن رواية ابن عباس - لو صحت - لخالفتها السنة وعمل المسلمين فإن الإسراج عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه المسلمون من زمن الخلفاء إلى يومنا هذا.

(وخامساً) أن كون الإسراج لغواً وعبثاً يدفعه انتفاع المؤمنين بالضياء من الزائرين، سيما القادمين من مكان بعيد، البائتين في نواحي القبر، وكذلك ينتفع به القارئ للقرآن في تلك المشاهد، فلا يكون إسرافاً كما توهم.

٦٣

المسألة الخامسَة في زيارة قبور الأئمةعليهم‌السلام

قالت الوهابية: لا تجوز زيارة قبور الأئمة ولا شد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.

قال ابن تيمية في ص ١٣١ من الجزء الأول من كتاب منهاج السنة: قد علم من ضرورة دين الإسلام أن النبي لم يأمر بما ذكروه - يعني الإمامية - من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم:( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسر ) .

قال ابن عباس: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ثمّ عبدوهم.. إلى آخر كلامه.

وقال أيضاً في جملة كلام له على الإمامية: إنهم يعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن. وقد صنف شيخهم المفيد كتاباً سماه مناسك المشاهد، جعل

٦٤

قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس - انتهى.

واحتج من قال بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر النبي - كابن الآلوسي - بما في البخاري من حديث «لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد» - انتهى.

واحتج ابن عبد الوهاب في جملة كلماته في كشف الشبهات على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها والالتزام بها وبآدابها - من الزيارة والدعاء والتوسل وطلب الشفاعة: بأن هذه من جعل الآلهة. قال: ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمه بصلاحهم أنهم( قالوا لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) وقول أناس من الصحابة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف أن هذا مثل قول بني إسرائيل أن اجعل لنا إلهاً - انتهى.

أقول: الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن مباحث:

المبحث الأول تجويز الإمامية زيارة القبور

إن الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين، وأنها مستحبة شرعاً، فضلاً عن زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا، فضلاً عن عمل النبي في زيارته شهداء أُحد وحضورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزيارة البقيع:

٦٥

وفي سنن النسائي وابن ماجة وإحياء العلوم للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

وفيها عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص في زيارة القبور.

وفيها أيضاً عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.

وفيها أيضاً عن ابن مسعود: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، فإنها تذكركم الآخرة ولا تقولوا هجراً.

وفي الإحياء عن ابن أبي مليكة قال: أقبلت عائشة يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت: أليس كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نهى عنها؟ قالت: نعم ثمّ أمر بها.

وفي الصحاح والسنن الأحاديث الواردة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيفية زيارة الأموات، وأن الزائر متى خرج إلى البقيع يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين.

هذه في فضل زيارة الصلحاء، ويكفيك من الأحاديث المعتبرة في فضل زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رواه البيهقي والغزالي وغيرهم من أنه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زارني وجبت له شفاعتي» وهذه شفاعة اختصّ بها الزائر غير شفاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العامة للمؤمنين.

٦٦

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة.

وعن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني».

وعن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً.

وعن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان مبرورتان»... إلى غير ذلك من الأحاديث المتكاثرة البالغة حد التواتر.

قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته: والذي نعتقده أن رتبة نبينا أعلى مراتب المخلوقين، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم، وأنه يسمع سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلاّ أنه لا يشد الرحل إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه.

جواز زيارة النبي حياً وميتاً

أقول:

(أولاً) أنه إذا جازت زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه حياً في قبره جازت زيارة أهل بيته وأصحابه لهذه الجهة، فلا وجه لتخصيصه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالزيارة دون غيره من الأنبياء والصلحاء، كما أنه لا وجه لتخصيص النبي بالزيارة من بين التوسل والاستشفاع والاستغاثة، فإنه إذا اثبت حياته المستقرة وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع نداء من يناديه تابعتها آثارها كما لا يخفى.

٦٧

و(ثانياً) أنه لا وجه لمنع الشيخ شد الرحال إلى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير رواية البخاري، وهي مردودة من وجوه:

أولها: إعراض المسلمين عنها لو كانت لها دلالة، لاستمرار سيرتهم على شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته، كما كان يشد إليه الرحال على حياته، فلقياس إحدى الحالتين على الأخرى مدرك واضح، سيما بالنظر إلى قوله: «من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً».

وثانيها: مخالفتها للنصوص المذكورة الصحيحة المعتضدة بعمل الأصحاب الصريحة في جواز شد الرحال إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه وأهل بيته من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج ولم يزرني فقد جفاني» وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج وقصدني في مسجدي كانت له حجتان» ولم يقلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وقصد مسجدي كما قاله الشيخ.

وثالثها: إن المستثنى منه الحديث؛ إما خصوص المساجد أو عموم الأسفار. فعلى الأول: المعنى لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلاّ إلى ثلاثة مساجد.

كما صرح بالمستثنى منه الشيخ سليمان النجدي في الهدية السنية قائلاً: وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «لا تشد الرحال إلى مسجد إلاّ لثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا».

٦٨

وعليه لا يعم الحديث المشهد، كما لا يعم سائر الأسفار، ولم يقل بعمومه لها أحد وهذا نظير ما لو قال الموالي لعبده «لا تمض إلاّ إلى ثلاثة أطباء فلان وفلان وفلان» وسماهم بأسمائهم، فإنه لا يفهم منه في أي محاورة وأي لسان حرمة المضي إلى غير الاطباء من العلماء والزهاد.

(وعلى الثاني) يلزم النهي عن مطلق شد الرحال إلى الأسفار المباحة، ولم يقل به أحد مع أنه يلزم تخصيص الأكثر الذي لا يصح حمل الكلام عليه.

المبحث الثاني : تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة ليس بشرك

في نقل البحث مع ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية فنقول:

إن قولهم: «تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الأئمة بزيارتها والارتحال إليها شوقاً وحباً شرك، وجعل للإله نظير الطلب من موسى مع إيمانهم بالله أن يجعل لهم إلهاً»، الجواب عنه:

أولاً: المنع عن أنهم طلبوا من موسى إلهاً شفيعاً يتقربون به إلى الله وإنما طلبوا منه إلهاً مدبراً، ولذا لما أضلهم السامري وأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسي، كفروا واعتقدوا أن العجل هو خالقهم ومدبرهم حيث أن له خواراً.

ويفصح عن ذلك قوله:( هذا إلهكم وإله موسى ) فانه ما كان لموسى إلهٌ وشفيعٌ غير إلهه الخالق المدبر.

وقال المفسرون: المعنى قال السامري إن هذا إلهكم وإله موسى، وأن

٦٩

موسى نسي ربه هنا وذهب يطلبه في موضع آخر، والقوم إما كانوا في غاية البلادة والجلافة حيث اعتقدوا أن العجل المعمول هو إله السماء والأرض، أو كان اعتقادهم في العجل اعتقاد الحلولية، وعلى التقديرين لا وجه لإنكار ابن عبد الوهاب أن القوم أرادوا من موسى إلهاً خالقاً مدبراً.

ثانياً: إنا لو سلمنا كون القوم باقين على إيمانهم حين ما طلبوا من موسى ذات أنواط، لكن الكفر والشرك ليس في طلبها، ولذا لم يكفرهم موسى بل قال لهم( إنكم قوم تجهلون ) وإنما الكفر والشرك يكون في عبادتها.

ومعلوم أن عبادة غير الله توجب الكفر والشرك، ولكن أين هذا ممن لا يعبد الشفيع في توسله به والاستشفاع منه؟؟

وتوهم أن ذلك عبادة لغير الله، مدفوع بخروجه عن الفهم المستقيم، كما نبهناكم عليه...( بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) .

وثالثاً: إن جعل الشفيع والوسيلة إلى الله تعالى إذا كان من عند الله تعالى لا يضر بالإيمان الخالص بالله، ألا ترى أن الأنبياء سفراء ووسائط بين الخلق والخالق، يتوسل الناس بهم ويشد الرحال إليهمعليهم‌السلام شوقاً وحباً وتبركاً بهم، وقضاء للحاجة من الله تعالى بواسطتهم، ولا يكون ذلك من جعل الآلهة؟؟

ومثل ذلك شد الرحال إليهمعليهم‌السلام بعد وفاتهم لغرض الحاجة والدعاء والمسألة، أنهم يسمعون نداء من يناديهم واستغاثة من يستغيث بهم.

٧٠

المبحث الثالث : أدلة الوهابية على حرمة الزيارة

في البحث مع ابن تيمية فنقول إنه استدل في منهاج السنة على حرمة الزيارة بحديث ابن عباس: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرات القبور».

والجواب عنه:

أولاً: أنه خبر واحد ظني لا يقاوم الأخبار المتوترة المفيدة للقطع، فلا ترفع اليد عن القطع بالظن.

وثانياً: أن اللعن قبل النسخ. كما تدل عليه رواية ابن أبي مليكة عن عائشة حين أقبلت من المقابر وفيه: قلت أليس كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها؟ قالت: نعم ثمّ أمر بها. وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نهيتكم من زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر.

قال محمد بن عبد الهادي في حاشية النسائي في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «نهيتكم الخ: جميع بين الناسخ والمنسوخ والنهي والإذن.

وثالثا: النهي متوجه إلى النساء، لحرمة خروجهن من بيوتهن بغير الإذن، أو لما في الخروج من لزوم الفساد.

قال ابن تيمية: الشيعة يعظمون المشاهد مشابهة للمشركين.

ويرده: إن الشيعة وسائر المسلمين يعظمون قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الأئمة تعظيماً للدين ولكونها شعائر الله، ومن الحرمات التي أوجب سبحانه احترامها وحرم على الأمة هتكها.

٧١

وحسبك لوجوب تعظيم قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حكاه الغزالي - الذي هو من أئمة الشافعية - عن كعب الأحبار: أنه ما من فجر يطلع إلاّ ونزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى حفوا بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك وحتى إذا انشقت الأرض في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه - الحديث.

ومثل قبر النبي في كونه مهبط الرحمة قبور أهل بيته وأصحابه المنتجبين، فلا يترك زيارتهم تبركاً بقبورهم وحباً وشوقاً إليهم، كما كان الناس يحبونهم ويشتاقون إلى زيارتهم حال حياتهم. وليست الزيارة عبادة للمزور، وإلاّ لما جازت شرعاً زيارة المؤمن حياً مع أنها جائزة وراجحة إجماعاً.

طعن ابن تيمية على الشيعة والرد عليه

وأما قول ابن تيمية: «النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد» فالجواب عنه: أنه قول بلا دليل مع أن لنا الدليل من أمر النبي بزيارة قبره وقبور سائر المؤمنين، ولولا أمره لما كان المسلمون يزدلفون إلى زيارة قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجعلونه شعاراً لهم ويحجون إليه في كل عام كما يحجون إلى بيت الله الحرام، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حج وزار قبري كان كمن زارني».

وفي إحياء العلوم في باب زيارة النبي قال نافع: كان ابن عمر - رأيته مائة مرة أو أكثر - يجىء إلى القبر فيقول: «السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي».

وهذا هو العكوف على القبر الذي أنكرته الوهابية على المسلمين وادعت أنه الشرك.

٧٢

وتندفع بأن الشرك إنما هو مع عدم مشروعية الزيارة، وإلاّ فمع المشروعية والأمر من الشارع لا تكون الزيارة عبادة لغير الله، ألا ترى أن إطاعة أئمة الدين لا يكون خروجاً من الدين، حيث أنه بأمر من رب العالمين؟؟ ومن هنا نقول: إن سجدة الملائكة لآدمعليه‌السلام ما كانت شركاً، ولا الأمر بها إشراكاً.

وأما قول ابن تيمية على كل من يجوز الزيارة من فرق المسلمين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والأولياء.

فالجواب عنه: إن المسلمين لا يؤدون منسكاً خاصاً عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيته وأصحابه إلاّ ما هو الوارد شرعاً، وهي عدة من السنن:

في سنن الزيارة

أحدها: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم ) وقوله تعالى:( وسلام على آل يس ) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه:( وسلام على المرسلين ) .

وأصرح من الجميع قوله سبحانه( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حي ) وقوله تعالى( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حي ) .

(ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً فمن أول: «السلام

٧٣

عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ما ورد في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة قبور المؤمنين.

وثانيها: التمسح بالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوازها، والوهابية صاروا إلى المنع عنها، معللاً بأنها عادات المشركين.

والجواب عنها:

أولاً: إن المتبع في أمثال ذلك - مما لم يرد عنه نهي من الشارع - أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.

وثانياً: إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيروته حراماً، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلاً: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا - انتهى.

وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرماً عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العبادة لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.

نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على

٧٤

الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفاً لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراماً مع عدم الاستنان شرعاً.

فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلاّ الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

ورابعاً: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب موافقة أهل الكتاب.

وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.

وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصوموه.

وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بالحجر الأسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعاً إجماعاً، وعليه الصحاح والسنن.

ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك...

٧٥

فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.

والعجب مع ذلك مما في رسالة الشيخ أحمد الرومي نقلاً عن الأزرق عن قتادة في قوله تعالى:( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا- انتهى.

فإنه إن كان المسح به حراماً وكان شركاً خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت - كما قاله الغزالي -: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الأرض.

قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل:( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) .

فإن قلت - كما قاله الغزالي في ص ٢٠٩ من إحياء العلوم -: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركاً بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلاّ بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.

قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الإمامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلاّ ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب القبر وسؤال الشفاعة منه

٧٦

والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى:( وما كان الله معذبهم وأنت فيهم ) وقوله تعالى( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وقوله تعالى:( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيم ) .

وقد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق... وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني أسرائيل.

وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين ما في صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثمّ صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.

وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثمّ دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.

أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياته ولم يكن من جعل الآلهة وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لاتحاد الوجه.

وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراماً شرعاً واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حرام منع غيره ممن يرى أنه مباح شرعاً، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست

٧٧

مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضرورية المسلمة عند كل طائفة من المسلمين ولا يجب على كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة أخرى وإلاّ لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها، مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.

وثالثها: صلاة الزيارة يصليها الزائر عقيب الزيارة في أي مكان شاء ويهدي ثوابها إلى روح المزور، ولا بأس بها شرعاً لأن الصلاة خير موضوع ولكونها نظير قراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت.

وقد أورد في البخاري في باب علامات النبوة: أنه خرج النبي يوماً فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت ثمّ انصرف.

فالغرض بيان جواز الصلاة عند القبر أولاً، وجواز الصلاة عند قبر المزور ترحماً على الميت وإهداء لثوابها إليه ثانياً، فتكون من النسك الجائزة، فينتدفع بذلك ما في كتاب مجموعة التوحيد: من أن الغلاة - عنى بها الإمامية - إذا وصلوا إلى القبور يصلون عندها ركعتين... إلى قوله: فلا تكون صلاتهم لله تعالى بل للشيطان.

أقول: فلو قال أن صلاتهم لله شكراً له تعالى لما وفقهم إلى زيارة قبور الأنبياء والأولياء ومنحهم من الفضل ما لم يمنح به غيرهم، لكان بمجنب عن متابعة الهوى وأبعد من الكذب والافتراء. والسلام على من اتبع الهدى.

ورابعها: سؤال الزائر من الله حاجته عقيب الصلاة، وهذا جائز وليس شركاً - لا جلياً ولا خفياً - كما في الرسائل النجدية، فإن الدعاء لم يقيد بوقت خاص ولا مكان مخصوص لقوله تعالى:( ادعوني أستجب لكم ) .

٧٨

نعم أنكرت الوهابية جواز التوجه حال الدعاء نحو الحجرة النبوية، مصرحين بالمنع في رسائلهم، ويردهم قوله تعالى:( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .

وفي البخاري: كان النبي يصلي على راحلته أينما توجهت به.

(ودعوى) الوهابية - تبعاً لابن القيم -: أن ذلك من التشبه بعبدة الأصنام الذين يقفون تجاه اللات والعزى حال الدعاء، ولذا ورد شرعاً النهي عن الصلاة في أوقات خاصة وأماكن مخصوصة، فإنه لقطع مفسدة التشبه بعبادات أهل الشرك.

مدفوعة بأنه لو كان التوجه حال الدعاء نحو المقبرة ذريعة إلى الشرك لزم الشارع أن يعينه بالنهي عنه، كما نهى عن الصلاة في الأماكن المكروهة أو المحرمة، ولما لم يبين مرجوحية التوجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة لا يمكننا الحكم بالمرجوحية بعد ثبوت الرخصة العامة في الآيات المذكورة، والحجة الشرعية تقتضي الأخذ بعموم العام إلى أن يأتي المخرج القطعي..

وليس لنا في قبال الآيات البينات حجة وافية لرفع اليد عنها، فالحكم بخلافها سلوك منهج لم يأذن به الله تعالى، كل ذلك مضافاً إلى ما حكم به الإمام مالك حين ما سأله المنصور فقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو الله أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به - الحديث.

٧٩

ولا يخفى أن هذه الرواية ذكرها جملة من أعاظم علماء السنة بأسانيد صحيحة فراجع شفاء السقام للإمام السبكي وخلاصة الوفاء للسمودي والمواهب اللدنية للعلامة القسطلاني، إلى غير ذلك من أقوال للعلماء في كتبهم حتى يظهر لك أنه لا وجه للحكم بالشرك على من توجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146