البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية50%

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 146

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية
  • البداية
  • السابق
  • 146 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74150 / تحميل: 7941
الحجم الحجم الحجم
البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

البراهين الجليلة في رفع تشكيكات الوهابية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تخلقه ولو استغاث بي لأغثته).

غرق الدنيا أيام نوح:

روى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله لأيّ علّة أغرق الله عزّ وجل الدنيا كلها في زمن نوح وفيهم الأطفال، وفيهم مَن لا ذنب له؟

قالعليه‌السلام : (ما كان فيهم الأطفال؛ لأنّ الله عزّ وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم، فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله عزّ وجل ليهلك بعذابه مَن لا ذنب له، وأمّا الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيب المكذبين، ومَن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه).

معجزة موسى:

قال ابن السكيت للإمام الرضاعليه‌السلام : لماذا بعث الله عزّ وجل موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء آلة السحر، وبعث عيسى بالطب، وبعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكلام والخطب؟

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا بعث موسى كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم، وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات - وهي العلل والأمراض - احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وأثبت به الحجّة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام، فأتاهم من كتاب الله عزّ وجل ومواعظه وأحكامه، ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجّة عليهم).

وبهر ابن السكيت وراح يقول: تالله ما رأيت مثلك اليوم قط فما الحجّة على الخلق اليوم؟

فقالعليه‌السلام : (العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه).

فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب...

٦١

أولو العزم:

قالعليه‌السلام : (إنّما سُمّي أُولو العزم بأُولي العزم لأنّهم كانوا أصحاب الشرائع والعزايم؛ وذلك أنّ كل نبي بعد نوح وكل نبي كان في أيام إبراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهؤلاء الخمسة أولو العزم، فهم أفضل الأنبياء والرسل، وشريعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنسخ إلى يوم القيامة، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمَن ادعى بعده نبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل مَن سمع ذلك منه...).

الحواريون:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : لم سمّي الحواريون الحواريين؟

قالعليه‌السلام : (أمّا عند الناس فإنّهم سُمّوا حواريين لأنّهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو اسم مشتق من الخبز الحوار (1) . وأمّا عندنا فسُمّي الحواريون الحواريين لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير.

قال: فقلت له: فلم سمّي النصارى؟ قال: لأنّهم من قرية اسمها (ناصرة) من (بلاد الشام) نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر).

إبراهيم خليل الله:

روي الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعت أبي يحدث عن أبيهعليه‌السلام أنّه قال: إنّما اتخذ الله عزّ وجل إبراهيم خليله؛ لأنّه لم يرد أحداً، ولم يسأل أحداً قط غير الله عزّ وجل.

إسماعيل صادق الوعد:

روى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: أتدري لم سمي إسماعيل صادق الوعد؟قلت:

____________________

(1) الخبز الحوار هو الذي نخل مرة بعد مرة. وفي القاموس: إنّه الدقيق الأبيض.

٦٢

لا أدري فقال: وعد رجلاً فجلس له حولاً ينتظره.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل أحوال بعض الأنبياء والأمم السالفة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

علل بعض الشؤون الإسلامية:

وأثرت عن الإمامعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في تعليل بعض الشؤون الإسلامية وهي:

القرآن غض:

روى إبراهيم بن العباس عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه روى عن أبيه: أنّ رجلاً سأل الإمام الصادقعليه‌السلام فقال له: ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلاّ غضاضة؟

فقالعليه‌السلام : لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة).

إنّ القرآن الكريم المعجزة الكبرى للإسلام؛ وذلك لما فيه من أحكام خلاّقة تساير الزمن وتساير التطوّر، وليس فيها ما يشذ عن سنن الكون ولا ما يخالف الفطرة، مضافاً لروعة فصاحته وعظيم بلاغته، فمهما تداولته الأيام فهو غض جديد.

علي قسيم الجنة والنار:

قال المأمون للرضاعليه‌السلام : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟ وبأي معنى، فقد كثر فكري في ذلك؟

قالعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (حب علي إيمان وبغضه كفر) فقال: بلى.

فقال الرضاعليه‌السلام : (فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار).

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال أبو الصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا إلى منزله أتيته فقلت له: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحسن ما أجبت به المأمون؟ فقال الرضا: (يا أبا الصلت إنّما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي

٦٣

عليه‌السلام أنّه قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك...).

الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هو رمز لكل مكرمة في الإسلام، فهو قسيم الجنة والنار ليس في ذلك شك، وقد تواترت الأخبار بذلك عن النبي (ص)(1) ، وقد علّل الرضاعليه‌السلام بهذا التعليل الوثيق الذي أعجب به المأمون.

عدم إرجاع فدك:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم لم يسترجع فدك لما ولي أمر الناس؟

قالعليه‌السلام : (لأنّا أهل بيت إذا ولينا الله عزّ وجل لا يأخذ لنا حقوقنا ممّن ظلمنا إلاّ هو، ونحن أولياء المؤمنين إنّما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن يظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا.....).

استولى أبو بكر على فدك وأخذها من يد سيدة نساء العالمين والسبب في ذلك أن لا تقوى شوكة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي حرب اقتصادية

الغرض منها شل الحركة المعادية للحكم القائم، وقد ظلت فدك بأيدي الولاة والحاكمين، وقد استرجعت للسادة العلويين أيام عمر بن عبد العزيز وأيام المأمون، والحديث عنها ذو شجون، والحاكم هو الله تعالى يحكم بين عباده بالحق في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

صحابة النبي (ص):

روى محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: حدثني أبي قال سُئل الرضاعليه‌السلام عن قول النبي (ص): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وعن قوله: (دعوا لي أصحابي)، فقالعليه‌السلام : هذا صحيح يريد مَن لم يغير بعده ولم يبدل قيل وكيف يعلم أنهم قد غيروا أو بدلوا؟ قال: لما يرونه من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليذادن(2) برجال من

____________________

(1) الصواعق المحرقة (ص 75) وفي كنز العمال 6 / 402 قال علي: أنا قسيم النار. وفي كنوز الحقائق للمناوي (ص 92) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي قسيم النار.

(2) ليذادن: أي ليطردن.

٦٤

أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرايب الإبل عن الماء فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: بعداً لهم وسحقاً(1) افترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل).

وليست الصحبة عاصمة عن الخطأ ففي الصحابة سمرة بن جندب وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وغيرهم من رؤوس النفاق والضلال.

انحراف الناس عن علي (ع):

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالعليه‌السلام : (إنّما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله؛ لأنّه كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك؛ لأنّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما كان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه).

لقد وتر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام الأقربين والأبعدين في ذات الله تعالى، وحصد رؤوس المشركين بسيفه الذي أقام به الإسلام، وقد أترعت نفوس القوم بالكراهية والبغض له فمالوا عنه وحكّموا غيره.

سكوت الإمام عن أخذ حقه:

روى الهيثم بن عبد الله الرمّاني قال: سألت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام لِم لم يجاهد أعداءه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله (صلّى الله عليه

وآله)، ثم جاهد في أيام ولايته؟

____________________

(1) روى النجاري 6 / 119 ط الأميرية عن عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وبهذا المضمون روايات كثيرة.

٦٥

قالعليه‌السلام : (لأنّه اقتدى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة تسعة أشهر؛ وذلك لقلّة أعوانه عليهم، وكذلك عليعليه‌السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة أشهر فكذلك لم تعطل إمامة علي مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة؛ إذ كانت العلّة المانعة لهما واحدة).

إنّ الإمام أمير المؤمنين ترك حقّه ولم يجاهد أعداءه؛ وذلك لقلّة الناصر فقد قالعليه‌السلام : (وطفقت أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى...).

إنّ الإمام لم تكن له فئة ينصرونه، ولم يكن يأوي إلى ركن شديد مع كثرة أعدائه ومناوئيه، فصبر سلام الله عليه وترك حقّه إيثاراً للمصلحة العامة، وحفظاً على كلمة المسلمين.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الشؤون الإسلامية التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

٦٦

٦٧

جوامع الكلم

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام جمهرة من غرر الحكم والآداب والوصايا والنصائح وغيرها ممّا ينفع الناس، وقد دلّلت على أنّه كان المربّي الأكبر للعالم الإسلامي في عصره، وأنّه قد جهد على تهذيب المسلمين وتربيتهم بلباب الحكمة، ونلمح لبعض ما أثر عنه:

فضل العقل:

أمّا العقل فهو أفضل نعمة أنعمها الله به على الإنسان وميّزه به عن الحيوان السائم، وقد تحدث الإمام الرضاعليه‌السلام عنه في بعض أحاديثه وهي:

أ - قالعليه‌السلام : (صديق كل امرئ عقله، وعدوّه جهله)(1) .

ما أروع هذه الكلمة الحكيمة فإنّ العقل هو الصديق الأكبر للإنسان الذي يحميه ويصونه وينقذه من محن الدنيا وخطوبها، وعدو الإنسان الأكبر هو الجهل

الذي يلقي به في متاهات سحيقة من هذه الحياة.

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 11، وسائل الشيعة 11 / 161.

٦٨

ب - روى أبو هاشم الجعفري قال: كنّا عند الرضاعليه‌السلام فتذاكرنا العقل والأدب فقالعليه‌السلام :

(يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة، فمَن تكلّف الأدب قدر عليه، ومَن تكلّف العقل لم يزدد بذلك إلاّ جهلاً)(1) .

أمّا الأدب فهو أمر مكتسب يقدر على تحصيله الإنسان، وأمّا العقل فإنّه هبة ومنحة من الله تعالى لا يتمكّن الإنسان من كسبه.

ج - روى الحسن بن الجهم قال ذكر العقل عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال:

(لا يعبأ بأهل الدين ممّن لا عقل له...) قلت له: جُعلت فداك إنّ ممّن يصف هذا الأمر قوما لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول، فقال: (ليس هؤلاء ممّن خاطب الله، إنّ الله خلق العقل فقال له اقبل فأقبل وقال له: ادبر فأدبر فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحب إليّ منك بك آخذ وبك أعطي...)(2) .

إنّه ليس هناك شيء خلقه الله أفضل من العقل، وعليه يرتكز التكليف، فالذي فقد عقله غير مكلّف وغير مأثوم بما يقترفه من أنواع المحرّمات، فالعقل هو أحد الشروط في صحّة التكليف ونفوذه على المكلف.

د - قالعليه‌السلام : (أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه)(3) .

إن الإنسان إذا عرف نفسه كيف صُوّرت، وكيف تنتهي، فقد ظفر بالخير العميم، فإنّ ذلك يبعده عن النزعات الشريرة، ويبعثه نحو النزعات الخيّرة كما يدل ذلك على معرفة خالقه العظيم، وفي الحديث: (مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه).

التفكر في أمر الله:

قالعليه‌السلام : (ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله عزّ وجل)(4).

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 23.

(2) أصول الكافي 1 / 11.

(3) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 196.

(4) الميزان 8 / 369، وسائل الشيعة 11 / 153.

٦٩

إنّ التفكّر في مخلوقات الله، والتأمّل في بدائع خلقه، والنظر فيما يحتويه هذا الكون من الأسرار والعجائب يدلّل ذلك - بصورة واضحة - على الخالق العظيم، وإذا عرف الإنسان ربّه فقد نجا من اقتراف الشر وارتكاب الجريمة، وصار مصدر عطاء وخير لنفسه ومجتمعه.

محاسبة النفس:

قالعليه‌السلام : (مَن حاسب نفسه ربح، ومَن غفل عنها خسر)(1) .

إنّ محاسبة الإنسان لنفسه فيما يعمله من حسنات وسيئات، فيردعها عن اقتراف السيئات، وينمي فيها الخيرات دليل على سمو النفس والظفر بالربح والخير، ومَن غفل عن محاسبة نفسه فإنّها تهبط به إلى مستوى سحيق من الشر ماله من قرار.

الحلم:

قالعليه‌السلام : (لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً) الحديث(2) .

إنّ الحلم من أفضل النزعات الكريمة التي يتصف بها الإنسان، فالحلم عن المسيء، والصفح عن المعتدي عليه من سمو النفس وبلوغها أرقى درجات الكمال، وإنّ الإنسان بالحلم يسود غيره ويكون لمجتمعه رائد خير ودليل هدى.

الصمت:

قالعليه‌السلام : (من علامات الفقه - أي المعرفة - الحلم والعلم، والصمت: إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة، إنّه دليل على كل خير)(3) .

إنّ الصمت وحفظ اللسان يقيان الإنسان من شر عظيم، ويجنباه المكاره التي هي وليدة الكلام والنطق.

التواضع:

قالعليه‌السلام : (التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تُعطاه).

____________________

(1) أصول الكافي 2 / 111.

(2) أصول الكافي 2 / 113.

(3) أصول الكافي 2 / 124.

٧٠

وقالعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان: (التواضع درجات، منها: أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي لأحد إلاّ مثل ما يؤتي إليه إن أتي إليه بسيئة درأها(1) بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين)(2) .

إنّ حقيقة التواضع أن يعطي الإنسان للناس من التكريم والإحسان والبر مثل ما يحب ويتمنى أن يعطى لنفسه.

إنّ التواضع دليل على شرف النفس وسموّها، ومَن تواضع للناس أحبوه وأكرموه، وأحبّه الله ورفعه.

الخصال الكريمة في المؤمن:

قالعليه‌السلام : (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه، فأمّا السنّة من ربّه: فكتمان سرّه، قال الله عزّ وجل:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ، وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ الله عزّ وجل أمر نبيّه بمداراة الناس فقال:( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) وأمّا السنّة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء)(3) .

يا لها من خصال كريمة ترفع مستوى الإنسان إلى قمّة الشرف والكمال، وتجنّبه من الوقوع في المهالك.

أحسن الناس وأسوأ الناس:

قال علي بن شعيب(4) دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال لي:

- يا علي مَن أحسن الناس معاشاً؟

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- يا علي مَن حسن معاش غيره في معاشه.

- يا علي مَن أسوأ الناس معاشاً؟

____________________

(1) درأها: أي دفعها.

(2) الدر العظيم ورقة 216.

(3) وسائل الشيعة 11 / 241.

(4) قال صاحب تنقيح المقال: لم اقف على علي بن شعيب بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفت على

علي بن أبي شعيب المدائني وان له كتابا صغيرا والظاهر كونه اماميا.

٧١

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- مَن لم يعش بخيره في معاشه.

وجعل الإمامعليه‌السلام يوصيه بفعل الخير والإحسان إلى الناس قائلاً:

(يا علي أحسنوا جوار النعم فإنّها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي إنّ شر الناس مَن منع رفده وأكل وحده وجلد عبده(1) ).

وحوت هذه الكلمات الدعوة إلى فعل الخير والإحسان إلى الناس والبر بهم.

الإيمان والإسلام:

قالعليه‌السلام : (الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، وما قسم في الناس شيء أقل من التقوى)(2) .

إنّ اليقين بالله من أقوى درجات الإيمان، وهو من صفات المتقين العظام الذين عزّ وجل امتحن الله قلوبهم للإيمان.

العجب المفسد للعمل:

سأل أحمد بن نجم الإمام الرضاعليه‌السلام عن العجب المفسد للعمل؟

فقالعليه‌السلام :

(العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً ويحسب أنّه يحسن صنعاً. ومنها أن يؤمن العبد فيمن على الله، والله المنة عليه فيه)(3) .

إنّ العجب بالمعنى الثاني ناشئ عن فقدان الإيمان وعدم نضوج الفكر وهو المفسد للعمل.

الذنوب:

قالعليه‌السلام : (كلمّا أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)(4) .

لقد أحدث الناس ألواناً رهيبة من المعاصي والذنوب ما لم تكن معلومة

____________________

(1) البحار 78 / 341.

(2) مواهب الرحمان 1 / 64.

(3) البحار 78 / 335.

(4) وسائل الشيعة 11 / 240.

٧٢

ومعروفة من قبل فصب الله عليهم أنواعا من المحن والبلاء ولم يعرفونها من قبل.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قالعليه‌السلام : (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم!)(1) .

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهج أصيل في الحياة الإسلامية، وإنّ إهماله له مضاعفاته السيئة التي منها: إشاعة المنكرات، وعدم استجابة دعاء الأخيار.

مَن أحبّ عاصياً:

قالعليه‌السلام : (مَن أحبّ عاصياً فهو عاصٍ، ومَن أحبّ مطيعاً فهو مطيع، ومَن أعان ظالماً فهو ظالم، ومَن خذل ظالماً فهو عادل، إنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا تنال ولاية الله إلاّ بالطاعة)(2) .

إنّ مَن أحب عمل قوم حشر في زمرتهم كما في الحديث، فمَن أحبّ العاصي كان عاصياً ومَن أحبّ المطيع كان مطيعاً.

خيار الناس:

سُئل الإمامعليه‌السلام عن خيار العباد فقالعليه‌السلام : (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا)(3) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات الكريمة فهو من أفضل الناس، ومن خيارهم، وإنّه قد بلغ قمّة الكمال والفضل.

شرف العمل:

قالعليه‌السلام : (إنّ الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله)(4) .

____________________

(1) وسائل الشيعة 11 / 394.

(2) وسائل الشيعة 11 / 446.

(3) تحف العقول: (ص 445).

(4) تحف العقول: (ص 445).

٧٣

إنّ العمل لإعاشة العيال جهاد في سبيل الله، وشرف يكتسبه العامل، ومجد يفخر به.

تمامية العقل:

قالعليه‌السلام : (لا يتم عقل امرئ مسلم حتى يكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العزّ في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة).

ثم قالعليه‌السلام : العاشرة وما العاشرة؟ قيل له: ما هي؟

قالعليه‌السلام : (لا يرى أحداً إلاّ قال: هو خير منّي وأتقى، إنّما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال: لعلّ خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه)(1) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات العشر فقد كمل إيمانه، وكمل عقله، وكان على اتصال وثيق بالله تعالى؛ فيعزّه ويعلي ذكره في الدنيا ويمنحه الدرجات العليا يوم القيامة.

حقيقة التوكّل على الله:

سأله رجل عن قول الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (2) فقالعليه‌السلام : (التوكّل درجات: منها أن تثق به في أمرك كلّه فيما فعل بك فما فعل بك كنت راضياً وتعلم أنّه لم يألك إلاّ خيراً ونظراً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له فتوكّل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكّلت علمها إليه والى أُمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها)(3) .

____________________

(1) تحف العقول: (ص 443)

(2) سورة الطلاق: آية 3.

(3) تحف العقول: (ص 443).

٧٤

وأعطى الإمامعليه‌السلام صورة واضحة عن حقيقة التوكّل على الله تعالى، وهو أن يفوّض الإنسان أموره كلها إليه تعالى، فإنّ ذلك هو محض الإيمان واليقين بالله.

أركان الإيمان:

قالعليه‌السلام : (الإيمان أربعة أركان: التوكّل على الله، والرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والتفويض إلى الله قال العبد الصالح:(1) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) (2) .

إنّ الإيمان بالله يقوم على هذه الأركان الأربعة فإذا اتصف بها الشخص فقد بلغ ذروة الإيمان ومنتهاه.

خصال كريمة:

قالعليه‌السلام : (خمس مَن لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: مَن لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في طباعه، والرضى في خلقه، والنبل في نفسه، والمخالفة لربّه)(3) .

إنّ مَن اتصف بهذه الصفات الكريمة قد حاز قصب السبق في الشرف والمروءة، وهو الذي يرجى رفده وكرمه.

شكر النعم:

قالعليه‌السلام : (مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّ وجل)(4) .

إنّ شكر المنعم واجب فمَن لم يشكره وتنكّر له فإنّه لا يشكر الله عزّ وجل على نعمه وألطافه التي أسداها إليه.

وصاياه ونصائحه:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الوصايا والنصائح لخواص شيعته، كان منها ما يلي:

____________________

(1) العبد الصالح: هو مؤمن آل فرعون.

(2) تحف العقول: (ص 445).

(3) تحف العقول: (ص 446).

(4) وسائل الشيعة: 11 / 542.

٧٥

أ - وصيّته لأحمد:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أحمد بن محمد بن أبي نصر بوصية جاء فيها: (لا تمل الدعاء فإنّه من الله بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الناس فإنّا أهل بيت نصل مَن قطعنا ونحسن إلى مَن أساء إلينا فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة)(1).

لقد أوصاه بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال التي يسمو بها الإنسان.

ب - وصيّته لإبراهيم:

وأوصى الإمامعليه‌السلام إبراهيم بن أبي محمود بوصية جاء فيها: (أخبرني أبي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَن أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس. إلى أن قال: يا بن أبي محمود إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا فإنّه مَن لزمنا لزمناه ومَن فارقنا فارقناه، فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة)(2) .

وحفلت هذه الوصية بلزوم اتباع أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بنهجهم والاهتداء بسيرتهم؛ فإنّ ذلك النجاة، والأمن من الهلاك، والفوز برضوان الله تعالى.

ج - نصيحته لأحمد والحسين:

قال أحمد بن عمر والحسين بن يزيد: دخلنا على الرضاعليه‌السلام فقلنا له: إنّا كنّا في سعة من الرزق ونضارة من العيش فتغيّرت الحال بعض التغيّر فادع الله أن يرد ذلك إلينا.

فأجابهما الإمام بلزوم القناعة والرضى بما قسم الله لهما قائلاً:

____________________

(1) وسائل الشيعة 4 / 1129.

(2) وسائل الشيعة 18 / 92.

٧٦

(أيّ شيء تريدون أن تكونوا ملوكاً؟ أيسرّكم أن تكونوا مثل طاهر(1) وهرثمة(2) وأنّكم على خلاف ما أنتم عليه؟).

فانبرى أحدهما قائلا:

لا والله ما سرّني أنّ لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وإنّي على خلاف ما أنا عليه - يعني منحرفاً عن أهل البيت -.

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله يقول:( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (3) .

أحسن الظن بالله، فإنّ مَن حسن ظنّه بالله كان الله عند ظنّه، ومَن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومَن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام)(4).

لقد أوصاهما الإمامعليه‌السلام بالقناعة التي هي كنز لا يفنى، وعرّفهما أنّهما يملكان ما هو أثمن وأغلى من الذهب والفضة، وهو الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام الذي هو من أعظم نعم الله على عباده المخلصين.

د - المساواة بين الغني والفقير:

وأوصى الإمام أصحابه بالمساواة بين الغني والفقير بالسلام، فقد قال: (مَن لقي فقيراً مسلماً فسلّم عليه خلاف سلامه على الغني؛ لقي الله عزّ وجل وهو عليه غضبان)(5) .

ومثّلت هذه الوصية الأخلاق العظيمة عند أهل البيتعليهم‌السلام الذين خلقهم الله رحمة لعباده، فقد ألزموا شيعتهم بالمساواة بين أبناء المسلمين حتى بالسلام وكرهوا التمايز بينهم.

____________________

(1) طاهر هو أبو الطيب الملقب بذي اليمنين لأنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين وفيه يقول بعض الشعراء: (كلتا يديك يمين حين تضربه) كان والياً على خراسان من قبل المأمون وهو الذي أطاع بحكومة الأمين وقتله وأقام المأمون مكانه وكان شيعيا من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام .

(2) هرثمة بن أعين كان من قادة المأمون ومن أصحاب الإمام الرضا وخواصه.

(3) سورة سبأ: آية 12.

(4) تحف العقول (ص 448).

(5) وسائل الشيعة 8 / 442.

٧٧

ه‍ـ - التبسّم في وجه المؤمن:

وأوصى الإمام أصحابه بالتبسّم في وجه المؤمن وعدم مقابلته بالغيظ قال

عليه‌السلام : (مَن تبسّم في وجه أخيه المؤمن كتب الله له حسنة ومَن كتب الله له حسنة لم يعذّبه)(1) .

هذه هي معالي الأخلاق التي كان الأئمةعليهم‌السلام يوصون بها أصحابهم ليكونوا قدوة حسنة إلى الناس.

و - وصيّة عامة:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أصحابه وسائر الناس بهذه الوصية القيّمة: (اتقوا الله أيّها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله بشيء، بعد الإيمان بالله ورسوله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحبّ من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لكم إلى جنان ربّهم؛ فإنّ مَن فعل ذلك كان من خاصة الله)(2) .

لقد حفلت هذه الوصية بالحث على: تقوى الله تعالى، ومعونة الإخوان، وإسداء المعروف إليهم.

صلة الأرحام:

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في حث أصحابه وشيعته على صلة الأرحام كان منها ما يلي:

أ - قالعليه‌السلام : (يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث ستين: فيصيّرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء)(3) .

ب - قالعليه‌السلام : (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم

____________________

(1) وسائل الشيعة 8 / 483.

(2) الدر النظيم ورقة 215.

(3) وسائل الشيعة 15 / 243.

٧٨

فينقصه الله ثلاثين سنة، ويجعل آجله إلى ثلاث سنين)(1) .

ج - قالعليه‌السلام : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (صل رحمك ولو بشربة ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الأجل، محبّة في الأهل)(2) .

إنّ خير وسيلة لترابط المجتمع وتضامنه هو البر بالأرحام والإحسان إليهم فإنّ ذلك يوحّد ما بين عواطفهم ومشاعرهم؛ وبذلك تتكوّن الخلايا الصالحة التي ينشأ منها المجتمع.

من حكم بعض الأنبياء:

روى الإمام الرضاعليه‌السلام بعض الحكم القيّمة التي أدلى بها بعض الأنبياءعليهم‌السلام ، وفيما يلي بعضها:

مناجاة موسى:

قالعليه‌السلام : (إنّ موسى بن عمران لـمّا ناجى ربّه قال: يا ربّ أبعيد أنت منّي فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس مَن ذكرني، قال موسى: إنّي أكون في حالٍ أجل أن أذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال)(3) .

في صحف إبراهيم:

قالعليه‌السلام : (في صحف إبراهيم: أيّها الملك المغرور إنّي لم أبعثك لتبني البناء، ولا لتجمع الدنيا، ولكن بعثتك لترد عنّي المظلوم فإنّي لا أردها ولو كانت من كافر)(4) .

عيسى مع الحواريين:

قالعليه‌السلام : (قال عيسى للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا

____________________

(1) وسائل الشيعة 15 / 245.

(2) أصول الكافي 2 / 151.

(3) الفصول المهمّة (ص 224)، وسائل الشيعة 1 /.

(4) تأريخ اليعقوبي.

٧٩

دنياهم)(1) .

وقد ألمحنا في البحوث السابقة إلى بعض ما أُثر عن الإمامعليه‌السلام من أحوال الأنبياء، وقد حفلت ببعض ما أدلوا به من الكلمات الحكمية.

وعظ وإرشاد:

ونقل الرواة والمؤرّخون طائفة من كلام الإمام وشعره في الوعظ، والإرشاد كان منها ما يلي:

1 - قال محمد بن عبيدة: دخلت على الرضاعليه‌السلام فبعث إلى صالح بن سعيد فوعظنا جميعاً، وكان من وعظه أنّه قال:

(قال أبو جعفر - يعني الإمام محمد الباقرعليه‌السلام - كن خيراً لا شرّ معه، كن ورقاً لا شوك معه، ولا تكن شوكاً لا ورق معه، وشرّاً لا خير معه).

ثم قال: (إنّ الله يبغض القيل والقال، وإيضاع المال وكثرة السؤال).

ثم قال: (إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم قال لهم موسى: اذبحوا بقرة، قالوا: ما لونها؟ فلم يزالوا يشدّدون حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا).

ثم قال: (إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إنّ الحكماء ضيّعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها)(2) .

2 - كتب المأمون إلى الإمام يطلب منه أن يعظه فكتب إليه هذه الأبيات:

إنّك في دنيا لها مدّة

يقبل فيها عمل العاملِ

أما ترى الموت محيطاً بها

يسلب فيها أمل الآملِ

تعجّل الذنب بما تشتهي

وتأمل التوبة من قابلِ

والموت يأتي أهله بغتةً

ما ذاك فعل الحازم العاقلِ(3)

____________________

(1) أصول الكافي 2 / 137.

(2) البحار 72 / 345.

(3) أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 199، نقلاً عن الاختصاص.

٨٠

المسألة السّادسَة

قد نسب الوهابيون إلى الإمامية أموراً ليست في كتبهم، ولا توجد في أصول مذهبهم:

منها: تجويزهم الطواف حول مراقد أئمتهم والحج إلى تلك المشاهد، اكتفاءاً منهم به عن الحج إلى البيت العتيق.

ومنها: تقديمهم القرابين والنذور للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام ، والحال أن النذر لا يكون إلاّ الله.

ومنها: اتخاذهم تلك المراقد مساجد يعبدونها ويصلون إليها كما يصلى إلى الكعبة.

فههنا دعاوى ثلاثة:

الأولى: تجويز الشيعة الطواف حول المراقد المشرفة... ولا يخفى أنها مدفوعة، لعدم جوازه عند الموحدين فضلاً عن المسلمين، فلو طاف أحد حول المراقد قاصداً به العبادة فهو كافر مشرك، وأما إذا طاف لا بذلك القصد بل بقصد التبرك والتشرف أو قاصداً به الإلحاح في طلب النجاح فلا يكون ذلك كفراً وشركاً «ولكل امرئ ما نوى».

ولا يكون الطواف في حد نفسه عبادة حتى يحرم إيقاعه مطلقاً، وإنما هو من الأفعال التي لا تكون عبادة إلاّ إذا أتى العبد به بقصد العبادة.

وقد نص الشارع على أن الأعمال بالنيات، ويزيدك وضوحاً أن الشكر

٨١

إذا وقع لله كان عبادة له، بخلاف ما إذا وقع لغيره تعالى، ولذا جاز الأمر به لغيره في قوله تعالى:( أن اشكر لي ولوالديك ) .

وأوضح من ذلك وقوع الأمر بالسجدة لآدمعليه‌السلام ، ولقد أجمع المفسرون لقوله تعالى:( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجد ) على أن هذه السجدة ليست سجدة عبادة بل سجدة تعظيم، نظير سجدة الملائكة لآدمعليه‌السلام .

فاندفعت شبهة الوهابية كما اندفعت أيضاً شبهة من يقول: إن أهل التوحيد كيف لا يجوزون عبادة غير الله تعالى؟

والحال أن القرآن ناطق بجوازها من قوله تعالى:( وإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) ومن قوله تعالى( يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) وقوله تعالى( ورفع أبويه على عرش وخروا له سجد ) ؟؟

مضافاً إلى أن عليها عمل المسلمين، حيث يطوفون حول البيت ويعظمون الأحجار بالاستلام، فنقول - جواباً عن شبهتهم ودفعاً لتسويلاتهم -:

إن المقصود بالطواف ليس عبادة البناء، وإنما هو كالسجود نحو الكعبة يراد به تعظيم المنسوب إليه، لأن البيت بيت الله تعالى، وأن سجدة الملائكة لآدم لم تكن سجدة عبادة، وإلاّ كان لإبليس أن يجيب بأنها شرك ينافي التوحيد، لا إنه يستكبر ويقول: أنا خير منه.

الثانية: دعوى تقديم الإمامية الذبائح والنذورات إلى المشاهد، ويكذبها

٨٢

الرجوع الى مصنفات الإمامية المصرحة بأن النذر والعهد والأضحية لا تكون إلاّ لله تعالى(١) .

نعم المشاهد مأوى الفقراء والمساكين، فكل من يقدم إليها النذر أو القربان غرضه التفريق على المستحق لا غير، فكل من قال بغير ما قلنا فقد كفر بالله، وكل من نسب ذلك إلى الإمامية فقد كذب وافترى.

الثالثة: دعوى أن الإمامية عباد القبور، فيسجدون إلى القبر.

وفيها: أما أولاً: فلأن الإمامية لا يصلون الى أي قبر كان، ولا جرت عادتهم عليها، فلو صلوا أحياناً فذلك لا لكون القبر عندهم قبلة، وكيف يكون ذلك عند من يدين بالإسلام ويقول: بأن القبلة هي الكعبة؟؟ فهل رأى أحد أن الإمامية يضحون أو يذبحون على خلاف القبلة أو نحو قبور الأئمة مع أن مذابحهم بمرأى ومنظر من عامة الخلق؟

جواز الصلاة إلى القبر عن كراهية

نعم الصلاة إلى القبر مسألة فقهية لا دخل لها بالعقائد الدينية، ولم يذكرها واحد من أهل الفضل في أصول العقائد. ألا ترى أن العلماء قاطبة اختلفوا في الصلاة في أماكن مخصوصة كراهية وتحريماً؟ مثل الصلاة في الحمام وبيوت الغائط وجواد الطرق وإلى نار مضرمة وإلى الصور والتماثيل أو إنسان مواجه مع أن القائل بالحرمة وفساد الصلاة فيها لم يقل بالكفر والشرك.

وفي البخاري: باب كراهة الصلاة في المقابر، وفيه أيضاً: باب من صلى

____________________

(١) وهي جائزة في أي مكان كان حتى في بيت المسلم نفسه.

٨٣

وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به وجه الله عزّ وجل. ثمّ ذكر ما يدل على جواز الصلاة إليها.

قوله: «فأراد به وجه الله» شاهد على أن مورد البحث نفس الصلاة إلى القبر، كما يصلي الإنسان إلى أي جدار كان، من غير أن يجعل القبر مسجداً يصلي نحوه كما يصلي إلى الكعبة، وإلاّ فلا وجه لاختصاص الحرمة وفساد الصلاة بالصلاة إلى القبر، بل يعم سائر الصور التي قالوا فيها بالكراهة.

بل لو صلى الإنسان نحو الحائط وجعله قبلة لصلاته عوضاً عن الكعبة كانت صلاته باطلة، ولو صلى لا بهذه الجهة كانت صلاته صحيحة.

ومثل ذلك الصلاة نحو القبر حيث أراد المصلي بصلاته وجه الله لا وجه صاحب القبر، فإنها إذ لم يرد من الشرع ما يدل على الفساد والحرمة كانت صحيحة، ولذا ذهب في البخاري إلى الكراهة.

واستدل على الجواز بأن عمر رأى أنس بن مالك يصلي عند القبر، فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة.

وبقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها. وبأنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثمّ رفعت، أورده في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.

وأما ثانياً: فلأن ما استدل به ابن تيمية بما عن عائشة أنه: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي مات فيه: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.

٨٤

فالجواب عنه: إن الحديث لا دلالة له على حرمة الصلاة نحو القبر إذا أراد المصلي بها وجه الله تعالى، وإنما يدل على لعن اليهود على اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يعبدونها كما يعبدون موسى وعيسى، أو يجعلونها قبلة نظير بيت المقدس عندهم والكعبة عند المسلمين.

كلام ابن عبد الوهاب وابن تيمية في الصلاة إلى القبر

ويشهد لذلك ما في منهاج السنة من رواية مالك في الموطأ أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

فإن اذل الحديث ناطق بحرمة اتخاذ القبر مسجداً يسجد إليه، ومعلوم أن ذلك شرك لو اعتقده المصلي.

ويدل على ذلك أيضاً قول عائشة: «غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً».

قال السندي شارح النسائي: مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحذر أمته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، من اتخاذهم تلك القبور مساجد: إما بالسجود إليها تعظيماً، أو بجعلها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها.

وعن النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: إنما نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولذا قال في الحديث: «ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً» انتهى.

٨٥

وقال جلال الدين السيوطي في شرحه على النسائي:

قال البيضاوي: لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنها، ويجعلوها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثاناً لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنع المسلمين من مثل ذلك، وأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه فلا يدخل في ذلك الوعيد.

٨٦

المسألة السابعة في هدم المساجد المشيدة حول المراقد المشرفة

مذهب الوهابية على وجوب هدم المساجد المبنية حول المراقد المشرفة واحتجوا لذلك: بأنها أسست على غير تقوى من الله، وبحديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

وقال الإمامية - بل وسائر المسلمين - على جواز البناء وحرمة الهدم، لكونها من مساجد الله الواجب تعظيمها، نظير مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسجد الأموي وبيت المقدس الذي دفن فيه كثير من الأنبياء من ولد إسحق، وعليه السيرة القطيعة أيضاً، وفتوى العلماء بأن من اتخذ فسحة من المكان مسجداً ولو كان في ناحية القبر - نظير مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبره وقبر أبي بكر وعمر - جاز ذلك، كما عرفته من كلام البيضاوي وجلال الدين السيوطي.

والجواب عن الرواية:

أولاً: أنها معارضة بما في البخاري وغيره من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها»، وبأنه لما مات الحسن بن عليعليه‌السلام ضربت امرأته قبة على قبره إلى سنة فإنه يدل على جواز الصلاة في ناحية القبر بالملازمة الواضحة.

وثانياً: أن كون النصارى واليهود شرار الخلق ليس من جهة بناء المسجد على القبر، وإلاّ لما مدح الله تعالى المؤمنين بقوله:( وقال الذين غلبوا على

٨٧

أمرهم لنتخذن عليهم مسجد ) ، بل لأن اليهود والنصارى زادوا على كفرهم كفراً آخراً، حيث أشركوا لأجل تعظيمهم صور الصالحين منهم بجعلها في معابدهم نظير الأصنام المعلقة في الجاهلية على الكعبة.

وأين هذا ممن جعل فسحة من الأرض مسجداً لا يريد به غير التوجه إلى الله ولا تعظيم أحد غير الله؟

والكتاب العزيز ناطق بجوازه، ففي تفسير الجلالين:( وقال الذين غلبوا على أمرهم ) وهم المؤمنون( لنتخذن عليهم ) أي حولهم «مسجداً» يصلى فيه، وفعل ذلك عن باب الكهف.

وفي تفسير الرازي( لنتخذن عليهم مسجد ) نعبد الله فيه ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك - انتهى.

وإذا جاز اتخاذ المسجد على باب الكهف بنص القرآن استبقاء للأثر من دون أن يكون شركاً، فها نحن نعمل بما جوزه القرآن إلى أن يثبت بنص - يعتمد عليه - النسخ أو التخصيص المخرج عن حكمه.

٨٨

خاتمة : مباينة الوهابية لسائر المسلمين

في بيان ما عليه الطائفة الوهابية، وهي عدة أمور اتخذوها شعاراً لهم، منها مباينتهم مباينة عظيمة لسائر طوائف المسلمين، حتى إنهم جعلوا ديارهم ديار توحيد وديار غيرهم ديار شرك، كما هو دأب الخوارج في أصول مذهبهم. وهذه مباينة مذمومة شرعاً، كيف لا وهي تفرق منهي عنه في قوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقو ) وقوله سبحانه:( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) .

وفي البخاري في كتاب الفتنة عن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: هم من أهل جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها.

وليت علماء الوهابية الذين ألفوا رسائل في أصول التوحيد وبينوا فيها أنواع الشرك والكفر يعدون من أقسام الكفر كفر التفرقة عن الجماعة، نظراً إلى قوله تعالى( لست منهم في شيء ) وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام».

ومنها: أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما

٨٩

في البخاري في كتاب الفتن عن أبي عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال مرتين: اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان.

وفيه أيضاً عن سالم عن أبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قام إلى جنب المنبر فقال: الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

وأيضاً عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألاّ إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

وفي شرح السنة عن عقبة بن عمر قال: أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده نحو اليمن وقال: الإيمان ههنا، إلاّ أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان.

في شرك المحبة والرد عليه

ومنها: أنهم جعلوا من أقسام الشرك «شرك المحبة» كما في كتاب مجموعة التوحيد، واستندوا في ذلك إلى قوله سبحانه:( ويجعلون لله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) .

وفيه: أنه لم يتحصل معنى لما جعلوه شركاً، فإن أرادوا أن مجرد محبة غير الله شرك لزم عليهم شرك المسلمين جميعاً لمحبتهم آبائهم وأولادهم وأموالهم وأحبائهم، ولم يقل به أحد ولم يأت به شرع، وإن أرادوا أن المحبة ينتهي بها الأمر إلى عبادة المحبوب من الأنبياء والصديقين، قلنا: إن الانتهاء إليها ممنوع ولا ملازمة إلاّ عند الغلاة، وما عداهم من المسلمين لا يعبدون من يحبونه

٩٠

من نبي أو صديق بل يحبونهم لحب الله، لا إنهم يحبونهم كحب الله، فلا يجدون في أنفسهم إلاّ هذا المقدار من المحبة والمودة للأنبياء والأولياء. ولذا لم يقولوا في حقهم إلاّ ما قاله الله ولا يثبتون لهم إلاّ ما أثبته الله من القرب والمنزلة ورضي لهم من الشفاعة.

والعجب أنه لو سئل من الوهابية: إنكم تحبون رسول الله؟ فيقولون نعم، مع أن محبتهم للنبي لا ينتهي الأمر بهم إلى الشرك الخفي، فكيف تنتهي محبة غيرهم لولي أو صديق أو إمام معصوم إلى الشرك؟

ومنها: اجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة لقوله تعالى:( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله، كما أقدمت السابقة منهم على قتلهم، كم ترك الأول للآخر؟ وكم اقتفى المتأخر أثر المتقدم؟ فتركوا جميعاً وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل بيته وراء ظهورهم.

هذا مع أن في الهدم بعد البناء من هتك احترام الميت ما لا يخفى...

كيف لا والحال اتفقت المذاهب على أن المشي على قبر المؤمن والاتكاء به والجلوس عليه هتك لحرمته؟ فبالأولوية القطعية يكون هدمه وتخريبه هتكاً لها.

٩١

هدم الوهابية للقبور

والذي ينبئك عن أن هدم قبور أئمة البقيع هتكاً لهم وتعرضاً بسوء إليهم ما نشره السلطان ابن سعود في المفاوضات الهندية قائلاً في ص ١٧:

«ذكرتم أسئلة ستة تتعلق بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيته، فقد أعلنا غير مرة رأينا في أن قبر النبي وبيته ندافع عنه بأموالنا وأرواحنا وبكل ما نملك ولم نقف أمام المدينة المنورة ونكتفي بحصارها إلاّ حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمسجده».

وقال أيضاً في بعض مراسلاته إلى بعض العلماء:

«وبعد، فإننا نذكرهم أن القبة النبوية لم يمسها أحد بسوء ولم يخطر ببالنا قط أن نمسها بسوء، وإن للرسول حرمة لدينا لا تدانيها حرمة» انتهى.

فإنه كما ترى معترف بأن الباعث لحفظ مرقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو احترامه بحيث لو مسته يد التخريب كان ذلك سوءاً منافياً للإحترام، وليته أيضاً يعترف بأن احترام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحترام أهل بيته موجب لحفظ مراقدهم وعدم مسهم بسوء، وإلاّ فأي فرق بين الاحترامين؟ أم أي تفكيك بينهما.

والحال أن ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبعاضه بنص القرآن( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) .

وفي البخاري: «فاطمة بضعة مني» فهم أبعاضهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واحترامهم احترامه، وهتكهم هتكه،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان هدم

٩٢

قبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مخالفاً لقول الله تعالى وتركاً للسنة ومساً بسوء كان هدم قبور آل الرسول كذلك أيضاً، والفرق تحكم بحت وقول بغير علم.

البناء على القبور في الأرض المسبلة

ومنها: ذهاب علماء الوهابية إلى أنه لو كان البناء على القبور في أرض مسبلة للدفن وجبت إزالتها لأنها تضيق على الناس، وجعلوا هذا وجهاً مصححاً لهدم القباب في البقيع. لكنه يتوجه عليهم:

أولاً: سؤال الوجه في هدم سائر البناءات التي ليست في البقيع، أو لم توجب الضيق على الناس، فإنه يحرم هدمها حيث أنه تصرف في أموال المسلمين وتضييع عليهم.

وثانياً: إن ذلك في الأراضي المسبلة للدفن دون المباحات الأصلية التي منها البقيع، حيث لم يعهد من أحد وقفها وتسبيلها للدفن، بل ولم يعهد أن أحداً ملكها ثمّ سبلها، فعلى من يدعي الوقف والتسبيل إثبات ذلك كله.. وعلى ما ذكرنا يستحق المسلمون منها مقدار حيازتها بدفن أو بناء على قبر.

وثالثاً: إن الهدم والتخريب فيما لو وجد بناء على قبر في أرض موقوفة للدفن وعلم أصله وأنه وضع بغير حق، وأما لو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم حاله ترك على حاله، لاحتمال أن يكون وضع بحق واللازم حمل فعل المسلم على الصحة فكيف بأفعال المسلمين في طول هذه المدة؟ فإن تلك البناءات والقباب تناولتها أيدي المسلمين في كثير من الأحقاب، وكانت بمرأى من الخلفاء والعلماء ولم ينكرها أحد ولا ادعى أنها بنيت على غير حق إلى أن

٩٣

ظهرت الوهابية فأقدمت على هدم تلك القباب الطاهرة ورفع آثارها وهدم المساجد المبنية حولها، بلا حق أظهروه ولا عدل أفشوه، بل ذلك خلاف منهم لله ولرسوله ولسيرة الخلفاء من بعده.

تجاسر الوهابيين على المسلمين

ومنها: تجاسر الوهابيين على المسلمين بقتلهم وهتك أعراضهم ونهب أموالهم، حتى إن السلطان أقر على ذلك كما أعلن بذلك في المنشور، بعنوان المفاوضات لوفد جمعية خدام الحرمين، لكن جلالة السلطان ابن مسعود برأ نفسه من كل عمل عمله أي رجل من قواده وجنوده مما لا يجوزه الشرع قياساً لحاله بحال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحال قواده بحال خالد بن الوليد حين بعثه النبي إلى رهط من العرب - لا على قتالهم - فخدعهم خالد وقتلهم، فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يديه نحو السماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد» ثلاث مرات.

أقول: مقايسة حال جلالة السلطان بحال خالد بن الوليد ليست من تمام الجهات، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبعث خالداً للمقاتلة، وإنما هي شيء أتى به خالد من عند نفسه، والجنود المبعوثة من جانب السلطان إلى الحجاز إنما بعثت للقتال والجدال مع الخصم.

ومعلوم أن في الأقطار الحجازية من تكون ذمته بريئة ولا عهد ولا ميثاق له في المقاتلة والمجادلة، مع ما فيها أيضاً من النساء والصبيان وغيرهم من الضعفاء، والواجب على السلطان العارف بحقوق الرعية عدم التجاوز عن الحدود الشرعية المقررة في باب الجهات والدفاع عن البلاد، فلا يبعث إليها من يسومهم سوء

٩٤

العذاب ويعامل مع المسلمين المبرئين معاملة الألمان في بلاد بلجيكا والفرنسيين، ويسايرهم بسيرة الأوربيين.

أو يقال في مقام الاعتذار للوفد الهندي كما في المفاوضات المطبوعة اليوم:

«وليس ما وقع في الطائف بدعاً في تاريخ الحروب في العالم، فهذه أفعال الألمان في القرن العشرين مسطورة في بطون التاريخ من أعمال جنودهم في بلاد بلجيكا وبلاد الإفرنسيين، بل هذه أعمال جنود الحلفاء وسيرتهم في سائر البلاد التي دخلوها» انتهى.

فإذا كان هذا حال المسلمين في الجهاد وفتحهم البلاد، وهذا عذرهم إذا اعتدوا على واحد من أنفسهم وإخوانهم في الدين، فعلى الإسلام السلام، لأن سلوك مسلك الكفار خروج عن الدين. كيف لا؟ والحال أن الكفار لا يرون دون إنجاح مقاصدهم لواحد منهم أو من غيرهم عهداً ولا ذمة، وأين هذا من دين المسلمين المؤدبين بآداب سيد المرسلين؟؟

حتى إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل لهم في جهادهم شرائط شرعية واجبة الرعاية. التي لا يراعي واحداً منها أحد من الكفار والمشركين.

ثمّ إن ما قيل أو يقال في مقام الاعتذار من ناحية جلاله سلطان نجد ينافي ما صدر منه في ص ١٦ من المنشور المطبوع باسم المفاوضات ما هذا نصه هو:

«إن ديننا دين الإسلام ومرجعنا في أعمالنا كتاب الله وسنة رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وما عليه الأئمة الأربعة، الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أبو حنيفة، والإمام أحمد رحمهم

٩٥

الله تعالى. فإذا كان لدى أحد من الناس حجة يوردها علينا في أمر من الأمور فيما يتعلق بهذه الأقسام الثلاثة من كتاب الله أو سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من أعمال السلف الصالح أو من أقوال الأئمة الأربعة فليتفضلوا علينا بها لنكون أول المطيعين» انتهى.

أقول: إن كان الأمر كما ذكره جلالة السلطان وصدر من حضرته هذا الإعلان، فإني أقسم عليه برب الكعبة أن يراجع هذه المسائل المحررة في هذه الرسالة حتى يتبين لحضرته الحق وينكشف لديه الصواب، ويظهر له أن ما صنعته الأعراب من هدم المآثر الإسلامية لو كان بأمر منه فليتدارك، وإلاّ فالمشتكى إلى الله تعالى ونحتسب عنده ذلك.

ولنا التسلي بما صدر قبل الإسلام من تخريب مردة الدين الكعبة والبيت المقدس وسائر الأماكن المشرفة، وكذلك ما صدر بعد الإسلام مما صنعه يزيد بن معاوية من قتله ابن رسول الله وتركه تلك الجسوم الطاهرة على وجه الأرض بلا غسل ولا كفن ولا دفن، ثمّ عطفه على تخريب الكعبة وإباحته المدينة، بل وما صنعه الحجاج في واقعة ابن الزبير ورميه الكعبة بالمنجنيق..

ثمّ أقول: لو كانت ذمة جلالة السلطان في الواقع مشغولة، فالتبرئة لا تدفع عن حقوق الناس المتعلقة بالنفوس والأموال، بل الواجب أداء حضرته ما عليه من الحقوق التي صار هو سبباً لتضييقها على صاحبها، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معلوم أنه كان بريء الذمة، وإنما تبرأ جهاراً ليعلم الناس بأن ما فعله خالد من القتل والنهب خلاف لله ولرسوله، ولكنه مع ذلك أرسل علياًعليه‌السلام لتدارك ما أتلفه خالد على الرهط وجنى عليهم. وأين هذا من صنع السلطان؟

٩٦

فالقياس الصحيح بحال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقتضي أن يصنع السلطان مع المسلمين الذين جنت عليهم جنوده وقواده مثل ما صنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أدائه رسوم الجنايات والتعويض لهم بما أخذ منهم، فإن لكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.

ومنها: أن الوهابية منعوا عن الحرية المذهبية في الديار النجدية والحجازية، وضيقوا على المسلمين في الأخذ بمذهبهم وما أباحه الشارع لهم على طريقتهم، فجعلوا يرمون من قال: يا محمد، ويا رسول الله، بالكفر والشرك، ومنعوا الناس من الترحيم والتذكير والتسليم في أوقاتها، ومنعوا عن مسح قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والالتصاق به والتوجه إليه حال الدعاء، ومنعوا عن شرب التتن وغير ذلك مما لم يصرح الشارع بحرمته والانتهاء عنه - لا خصوصاً ولا عموماً.

منع الوهابيين عن الحرية الدينية

وقد أعلنوا - كما في ص ١٧ من المفاوضات الهندية:

«إن كل مسلم حر في كل قول أو عمل يجيزه الإسلام، ونمنع من كل قول أو عمل يحرمه الإسلام، إن الحجاز هو مصدر الإسلام وأساسه، فإذا لم تكن الكلمة العليا فيه لكتاب الله ولسنة رسوله ولما كان عليه السلف الصالح، ففي أي مكان تكون الكلمة العليا لهذه الأسس العظيمة» انتهى.

والجواب عن هذا الإعلان: إن المراد من الحرية المذهبية المعروضة لدى السلطان ليست ما أقدمت عليه الأمم الأوربية كي يستحق الوفد هذا الجواب

٩٧

منه: وإنما يراد بها ما أعلنه الشارع في كتابه وسنة رسوله بقوله:( لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعه ) .

ومقتضى الآية - مضافاً إلى ما عرفت في المقدمة - إباحة ما منعت عنها الوهابية وزجرت الناس عليها، كما أن مقتضى قوله تعالى:( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتاً أو دماً مسفوح ) إباحة التدخين، فإن الآية وردت في تلقين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طريق إبطال شريعة اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه.

والتعبير عن عدم وجود الحرام بعدم الوجدان للإشارة بعد إلقاء الخصوصية إلى كفاية عدم الوجدان في الرخصة الحلية، وإنه طريق إلى معرفة الأحكام الشرعية.

ومثل هذه الآية في الدلالة على حلية شرب التتن قوله تعالى:( وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) حيث دلت على كفاية خلو ما فصل من المحرمات عن ذكر حرمة شرب التتن في الحكم بعدم الحرمة.

ويكفي هذا المقدار من الآيات في نهوض الحجة على البراءة الشرعية وتكون هي الكلمة العليا في الأقطار الحجازية.

ولا يجب على المسلمين أن يجتمعوا على مذهب واحد، وإنما يجب عليهم اتباع الكتاب والسنة حسبما أدت إليه أنظارهم لقوله تعالى:( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ، ولقوله سبحانه:( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا

٩٨

قومهم إذا رجعوا إليهم ) وقوله تعالى:( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .

وفسر أهل الذكر بالعلماء من غير حصر في واحد أو أزيد، فهم المرجع للعوام، كما أن المرجع للعلماء الكتاب والسنة.

وليس في آية أو رواية من حرمة التدخين شيء، والإسراف والتبذير واللغوية جهات خارجية لا تتوجه إلى من يرى الانتفاع بها، وليس التتن مما تنفر الطباع منه كي يعد من الخبائث.

في حلية شرب التتن

ولو سلم فليس بأشد تنفراً من القهوة المرة والعقاقير المتداولة، ولو رأت طائفة أنه حرام ليس لها منع الشارب إذا رأى أن شرب التتن مباح، فإن النهي عن المنكر إنما هو لمن يراه منكراً، وليست مسألة جواز التدخين أو حرمته من المسائل البالغة حد الضرورة كالصلاة والصوم، والأحكام المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلاّ الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يلزم الناس بقول قاله شيخ أو رئيس أو حاكم أو أمير إذا لم يوافقه قول الله وقول رسوله.

قال ابن تيمية في ص ٣٢ من الجزء الثالث من منهاج السنة: من اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر - انتهى.

والقرآن حكم عدل وقول فصل ينادي بحيث يعرفه كل عربي: بأن

٩٩

الحكم بما أنزل الله فلا محيص له عن أن يسند حكمه إلى ركن وثيق، وإلاّ كان حكماً بغير ما أنزل الله.

تمت الرسالة بعون الله وحسن توفيقه يوم الجمعة لخمس بقين في شهر ربيع الأول في شهور سنة ١٣٤٦ هجري.

وقد تم طبعه في النجف الأشرف - العراق في غرة رجب سنة ١٣٨٢ هجري. وأعيد طبعه في الأوفست في طهران في سنة ١٣٩٤ هجري.

وتم طبع هذا الكتاب بطبعته الثالثة بالقاهرة بمعاونة الأستاذ إبراهيم أحمد إبراهيم وكان ذلك يوم ٩ أبريل سنة ١٩٧٧ - ٢٠ ربيع الثاني سنة ١٣٩٧ هجري.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146