الميزان العادل بين الحق والباطل

الميزان العادل بين الحق والباطل25%

الميزان العادل بين الحق والباطل مؤلف:
المحقق: الشيخ حميد البغدادي
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 151

الميزان العادل بين الحق والباطل
  • البداية
  • السابق
  • 151 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80238 / تحميل: 8332
الحجم الحجم الحجم
الميزان العادل بين الحق والباطل

الميزان العادل بين الحق والباطل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الميزان العادل بين الحق والباطل

تأليف: العلاّمة الحجة السيد رضا الهندي

تحقيق: الشيخ حميد البغدادي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الإهداء

إليك:

يا هادي الأمّة.. إليك يا مَن ما أوذي نبي مثلما أوذيت..

إليك:

يا سيّدي يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك..

اُهدي

هذه البضاعة المزجاة

الراجي شفاعتك يوم المحشر

حميد

٥

٦

( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ )

آل عمران: ٦٤

٧

٨

مقدمة التحقيق

الحمد لله الأوّل قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، الذي أنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان هدىً للعالمين، والصلاة والسلام على النور الساطع، والرحمة النازلة، الهادي المهدي إمام الهدى وخاتم الرسل، سيّد الأوّلين والآخرين، نبي الرحمة محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).

والسلام على أهل بيته سفن النجاة، الذين بهم بدأ الله وبهم يختم.

وبعد..

فإنّ الإنسان مفطور على عبادة رَبّه وكادح إليه كدحاً، ومنذ فجر التأريخ نرى الصراع القائم بين الإنسان ونوازعه، وبين الخير والشرّ.

وأرسل الله الرسل لعباده، ليقرّبهم إليه، ويعينهم على الوصول إلى الطريق المستقيم، وما انفكّت الأمم تتلقّى المدد

٩

الربّاني الذي يدلي لها حبل النجاة لتتعلّق به.

ولا زال الشيطان كذلك يسوّل لأوليائه ويزيّن لهم الباطل، حتى يبتعدوا رويداً رويداً عن مسيرة الحق إلى أن يمسخ عقولهم.

واستمرّت مسيرة الوحي عبر القرون، رغم التضحيات ورغم الآلام، ولعلّ أبسط مراجعة لتأريخ الأنبياء العظام يبين لنا مبلغ ما عانوه من المحن، ليساعدوا الإنسان على التحرّر من الشيطان.

إلى أن انتهت المسيرة بقائد الركب الخالد الذي حمل هموم الأنبياء وهموم الإنسان منذ بداية الخليقة إلى آخر الزمان. وجاء معه القرآن الكريم الكتاب الذي لو نُزِّل:( عَلَى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) الحشر: ٢١.

الكتاب الذي يحمل للإنسانية خلاصها من بربريتها وما ديّتها.

والكتاب الذي بشّرت به كتب الأنبياء وبشّرت به رسله.

وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، لأنّه دين الخلاص، ولأنّه الصراط المستقيم.

وكان أهل الكتاب من أكثر الناس انتظاراً للمنقذ واعتقاداً بحتميّة ظهوره، وكان المتوقّع أن يكونوا أسرع الناس إيماناً وهم

١٠

يعرفونه بعلامات سطّرتها كتبهم وحفظتها قلوب رهبانهم. فآمن بعضهم وجحد آخرون.

وما ذلك إلاّ عصبية في نفوسهم:( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) النمل: ١٤.

فلم يكن الخلاف العقيدي هو أُس الخلاف على أنّهم أظهروا ذلك وأبطنوا خلافه.

( يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران: ٧١.

ومرّت الأيام وهم يضمرون في أنفسهم الضغينة، فصار الدين أداة للحرب والسطو والقتل وزهق الأنفس واستباحة المحارم، وتلك الحروب الصليبية أصدق شاهد على ذلك، فما كان الذين وراءها يتحركون إلاّ لمطامع، والدين أبعد ما يكون عنها.

ولسنا بصدد البحث عن العوامل السياسية التي تكمن خلف الصليبية الحاقدة والصهيونية الغاصبة.

وإنّما الغرض من هذا الكتاب إنّما هو الجانب العقيدي ومقدار ما تجنّته الكتب التي تنسب إلى السماء، على الرب والرسل المنتجبين.

١١

ونحن ندعوهم بقلوب يحدوها الأمل أن تجمعنا وإيّاهم كملة النور والحق:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران: ٦٤.

ندعوهم في هذا الزمان الذي تفتّحت به العقول إلى مراجعة كتبهم ومقارنتها، بكتاب الدين الحنيف والقرآن الخالد. وندعوهم للإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين:( آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كَلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة: ٢٨٥.

١٢

ترجمة موجزة للمؤلف

السيد رضا ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي(١) النجفي، ولد في النجف الأشرف في ثامن ذي القعدة ١٢٩٠ هـ - كما حدّث به (رحمه الله) آقا بزرگ الطهراني(٢) .

كان والده من أعاظم العلماء توفي سنة ١٣٢٣ هـ(٣) وهاجر به والده إلى سامراء سنة ١٢٩٨ هـ حين اجتاح النجف وباء الطاعون(٤) ، لحضور درس المجدّد الشيرازي(٥) .

وكانت سامراء آنذاك حاضرة الحوزة العلمية حيث اجتمع

____________________

(١) لهجرة أحد آبائه إلى الهند في عصر من عصور الاضطهاد: مقدمة ديوان السيد رضا الهندي (رحمه الله) للسيد عبد الصاحب الموسوي.

(٢) نقباء البشر في القرن الرابع عشر، القسم الثاني من الجزء الأوّل/ آقا بزرگ الطهراني: ٧٦٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) مقدمة الديوان: ٩.

(٥) نقباء البشر: ٧٦٨.

١٣

العلماء والفقهاء حول المجدّد الشيرازي، حافلة بنوادي البحث والتدريس وكان للأدب العربي فيها شأن مرموق، فنهل السيد الرضا من موارده العذبة فيها ومكث في سامراء مكبّاً على طلب العلم(١) ، فنشأ بها على والده، وتعلّم المبادئ، وقرأ مقدمات العلوم وبعض كتب الأدب، حتى عاد مع أبيه سنة ١٣١١هـ إلى النجف الأشرف فأتمّ السطوح وحضر الفقه والأصول على والده والشيخ محمد طه نجف والسيد محمد آل بحر العلوم والشيخ حسن ابن صاحب الجواهر والشيخ المولى الشرابياني والآخوند الخراساني(٢) .

* مكانته العلميّة:

لم تسلّط الأضواء على الجوانب العلميّة للسيد الرضا، حيث طغى عليه الجانب الأدبي وشعره الرائع حيث زاول الأدب زمناً طويلاً، فأبدع فيه إبداعاً كان المجلّى فيه بين جمع كبير من الأدباء والعباقرة في زمانه(٣) ، وحمل راية الأدب في النجف زماناً طويلاً يزيد على أربعين سنة(٤) ، كلّ ذلك قلّل من سطوع

____________________

(١) مقدمة الديون: ٩.

(٢) نقباء البشر: ٧٦٨ - ٧٦٩.

(٣) هكذا عرفتهم / جعفر الخليلي ١: ٢٨.

(٤) نقباء البشر: ٧٦٩.

١٤

ذلك الجانب العلمي المهم في حياة السيد إذ عُرِف بالنبوغ المبكّر والصلاح والتقوى منذ نعومة أظفاره وانكبابه على الدرس حتى شهد له الشيخ محمد طه نجف بالاجتهاد المطلق سنة ١٣٢٢ هـ(١) .

وكان (رحمه الله)، زاهداً بالزعامة الدينية على الرغم من مؤهّلاته، شديد التواضع، رفيع الخُلق، جمّ المناقب(٢) ، وديع النفس بعيداً عن الكبر والزهو، لين العريكة تقيّاً صالحاً ورعاً ديّناً خشناً في ذات الله(٣) .

بعثه المرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وكيلاً عنه إلى ناحية الفيصيلية، فكان هناك مرجعاً في الأحكام(٤) وملاذاً للناس.

كان لوالده الحجة الكبير السيد محمد اليد الطولى في العلوم الغريبة: الجفر والرمل والاوفاق والأوراد وغير ذلك، وقد جدّ السيد الرضا في الاشتغال بمعرفتها عنده حتى تضلّع بها وأجازه والده(٥) .

____________________

(١) و (٢) مقدمة الديوان: ١٠.

(٣) و (٤) نقباء البشر: ٧٦٩.

(٥) نقباء البشر: ٧٦٩.

١٥

قال عنه الشيخ حرز الدين: كان عالماً فاضلاً ورعاً زاهداً عابداً، أديباً شاعراً بارعاً، مثالاً للإباء والعز والشرف والنبل، وكان أصولياً منطقياً عروضياً، مستحضراً للمواد اللغويّة(١) .

والسيد المترجم له، من أعظم الأدباء والشعراء وقلّما قرأ له أحد إلاّ شُغِف بشعره، وله تعلّق شديد بأهل البيت (عليهم السلام) حيث كان أعذب شعره فيهم (عليهم السلام) وكفى ذلك الفم الطاهر فخراً أن أنشد القصيدة الكوثرية التي لا يمل الإنسان من تلاوتها، ولا تكلّ الأسماع عن سماع موسيقاها البديعة.

وقد رثى جده الحسين (عليه السلام) بلهجة الحزين الموتور بعدّة قصائد(٢) ، تناقلها الخطباء وحفظوها ونشروها في الآفاق، وقلّما تجد خطيباً لا يحفظ للسيد (قدّس سره)، وكنت أتمنى أن تسنح لي الفرصة للكتابة مفصّلاً عن سيدنا الهندي (رحمه الله) ولكن هذا الكتاب الذي هو منهج دراسي لا تلائمه المقدمة الطويلة وعسى أن يوفقني الله للكتابة عنه (رحمه الله) في المستقبل.

* مؤلّفاته:

١ - بلغة الراحل: كتاب في المعتقدات والأخلاق، لم يطبع.

____________________

(١) معارف الرجال ١: ٣٢٤ - ٣٢٥.

(٢) معارف الرجال ١: ٣٢٥.

١٦

٢ - الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي، لم يطبع.

٣ - شرح على باب الظهار: من كتاب والده في الفقه.

٤ - سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد: كتاب حافل بفلسفة التاريخ بأبجد، ويعدُّ نحواً من التأليف لم يسبق إليه، مخطوط.

٥ - الرحلة الحجازية: رسالة وصف فيها رحلته إلى الحج سنة ١٣٤٧ هـ، مخطوطة.

٦ - تقريرات أستاذه السيد محمد بحر العلوم، مخطوط.

٧ - درر البحور في العروض، مخطوط.

٨ - شرح رسالة غاية الإيجاز لوالده، مخطوط.

٩ - الميزان العادل بين الحق والباطل، وهي الرسالة الماثلة بين يديك، ألّفها استجابة لرغبة الشيخ حسن علي بن بدر القطيفي حيث طبعها المذكور على نفقته سنة ١٣٣١ هـ وتقرّر تدريسها في مدارس الدولة في أواخر العهد العثماني، ولكن الانجليز منعوا نشرها بعد احتلالهم للعراق.

وخلّف السيد ثلاثة ذكور: السيد أحمد، السيد محمد، السيد علي وكلّهم شعراء(١) .

* وفاته:

توفي يوم الخميس ٢٢ / جمادي الأولى / ١٣٦٢ هـ فجأة

____________________

(١) نقباء البشر: ٧٧٠.

١٧

خارج النجف(١) .

وكان قد تنبّأ بقرب وفاته إذ رأى في المنام أنّ والده يدعوه لزيارة أحد الأضرحة المقدسة(٢) .

وعلى كل حال (حمل جثمانه الطاهر على الرؤوس إلى قضاء (أبو صخير) ثم إلى النجف، وصلى عليه صاحبه السيد أبو الحسن الأصفهاني، واُدخل ضريحه ليلة الجمعة في مقبرة والده بمحلّة الحويش قرب مسجد الشيخ مرتضى الأنصاري، وأقيمت له الفاتحة في مسجد الشيخ. وتأسّفه كثير من أهل الفضل والدين لفضله وقدسيته، وأنّه مات ولم يعرف قدره ومنزلته العلمية والأدبية.

فهنيئاً له مات داعياً إلى الحق مبلّغاً ومرشداً)(٣) .

____________________

(١) و (٣) معارف الرجال ١: ٣٢٦.

(٢) هكذا عرفتهم ١: ٣٧.

١٨

ملاحظة

يرجى وضع صورة السيد الهندي في هذه الصفحة

١٩

ملاحظة

يرجى اخذ صورة للصفحة الأولى من الطبع الأولى في هذه الصفحة.(تلاحظ هذه العبارة)

٢٠

الميزان العادل بين الحق والباطل

يتكوّن الكتاب من ثلاثة مقاصد، توزّعت على سبع وثلاثين درساً ومقدمة، ضمّن (قدّس الله روحه الطاهرة) المقدمة بعض الأوّليّات التي يعتمدها في الاستدلال البرهاني، وبعض ملاحظاته التوضيحية قبل البدء في البحث.

ومقصده الأوّل في الإلهية.

وهو بحث قيّم ومركّز استعرض فيه (رضوان الله عليه) أهم ركائز التوحيد وصفات الواجب الثبوتية والسلبية، واستعرض فيه دعاوى التوراة من صفات الحق وبطلان ذلك بالدليل والبرهان، وما ادّعته المسيحية من إلوهية نبي الله عيسى (عليه السلام) ودحض تلك الدعوى.

وهذا المقصد يتكوّن من ثلاثة عشر درساً، ختمها بتنبيه.

والنبوّة هي مقصده الثاني.

ضمّنها مقدمة تفسيرية للشريعة والحكمة الإلهيّة من

٢١

إرسال الرسل ونصب الشرائع، وعدم كفاية العقول لإدراك المصالح الواقعية.

ويبتدأ دروسه في شرح النبوة وإثبات عصمة الأنبياء ونزاهتهم وطيب مولدهم وتنزههم عن الرذائل والمعاصي، وبهتان التوراة لأنبياء الله ورسله، وردّه وتنزيه ساحة الأنبياء من الدنس.

استغرق هذا المقصد سبعة عشر درساً اختتمها بنبوّة نبينا سيد الرسل ومعجزاته (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأنّا نؤمن بكتب الله ورسله.

واختصّ مقصده الثالث بالكتب السماوية.

وقدّم له بمقدمة اشتملت على فوائد ست، لمعرفة كيفية ثبوت الكتاب السماوي، وكيفية إثبات تحريفه، وجعلها كالأساس لأبحاثه القادمة، والتي استعرض فيها الكتب الرائجة عند القوم من يهود ونصارى، ومدى صحة هذه الكتب - الأصلية، منها كالتوراة والأناجيل أو الفرعية ككتب الأنبياء السالفين ورسائل الرسل والحواريين - وانتهى بتسلسل بديع إلى انحراف تلك الكتب وعدم ثبوت صلتها بالسماء، واختتم بحثه الرائع بمعجزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن الكريم الكتاب الخالد على مرّ الدهور والعصور.

٢٢

نحن والكتاب

الكتاب يتضمن عرضاً سهلاً وسريعاً لأوّليات ما يحتاجه كل طالب علم، بخصوص الأديان السماوية الكبرى من كتبهم المعروفة وعقائدهم وانحرافاتهم، وكَتبه (طيّب الله ثراه) للتدريس كما مرّ، وهو حريّ بذلك. ونحن نأمل أن يحتل هذا الكتاب مكانه اللائق بين الكتب التي تدرسها الحوزة.

وكان عملي الأساس: هو تحقيق الكتاب وضبط نصوصه واستخراج مصادر البحث وتدقيق الموجود منها وعيّنت الصفحة من الكتاب المقدّس المتعارف الآن وهو طبعة دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط لسهولة الوصول إلى موضع الاستدلال وأضفت حرف (جـ) إذا كان الشاهد موجوداً في الأناجيل وما تلتها من كتب العهد الجديد، وقد بذلت ما في وسعي لأجل ذلك والطريقة المتّبعة آنذاك هي ذكر مختصر المصدر فبدّل سِفر التكوين يذكرون (تك) مثلاً وهكذا،

٢٣

فأبدلناها بذكر السفر كاملاً كما هو مُتّبع الآن ولذلك حذفت من التنبيهات التي ذكرها السيد المقدّس في أوّل كتابه، التنبيه المتعلّق بالرموز لعدم الحاجة إليه. وقد اعتمدنا الطريقة الحديثة في الإملاء وفي ذكر الفروع.

وذكرت عنوان لكل درس مستوحى منه، وجعلته بين معقوفتين.

وحاولت بأن أن لا أُثقل في الحواشي لأملي بأن يكون الكتاب منهجاً دراسياً.

وتتميماً للفائدة ذكرت الملاحق التالية:

١ - الملحق الأوّل، قائمة تعريفيّة لأهم ما ورد في الكتاب من أعلام وأماكن.

٢ - الملحق الثاني خصّصته بالخرائط القديمة للشرق الأوسط وفلسطين والقدس في تلك الأزمنة حيث أنها تُعين الباحث كثيراً.

٣ - الملحق الثالث استعرضت فيه جملة من الكتب ذات الصلة بالموضوع، تكون بمثابة المصدر للأُستاذ والتلميذ..

ثم سنختم الكتاب بجملة من الفهارس.

اسأل الله التوفيق في العمل والإخلاص في النية، واحمده على أن هيّئ الأسباب لإخراج هذا السفر إلى النور، وهو حلم

٢٤

طالما راودني، سائلاً المولى أن يوفقنا لخدمة الدين الحنيف، وأخيراً لا يسعني إلاّ أن أشكر سماحة الحجة الدكتور السيد عبد الصاحب الموسوي الذي وفَّر لي الصورة لنسخة الرسالة وتحمّل أعباء طبعه، وكذلك الأصدقاء الذين ساعدوني في إخراجه بهذه الصورة لا سيّما الشيخ العزيز أحمد الكناني والسيد أبو علاء الموسوي.

اسأله تعالى أن يمنّ علينا بالقبول وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حميد الزبيدي البغدادي

نهار التاسع لثاني الربيعين من سنة ألف وأربعمئة وسبعة عشر

في عش آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قم المقدسة حرسها الله من كل سوء.

٢٥

٢٦

الميزان العادل بين الحق و الباطل

تأليف: العلاّمة الحجّة السيد رضا الهندي

تحقيق: الشيح حميد البغدادي

٢٧

٢٨

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

الحمد لله الذي لم يُشرك في حكمه أحداً، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً. وصلى الله على خاتم رسله. والهادي إلى سبله. محمد وآله الطاهرين. وصحبه المنتجبين وسلّم تسليماً كثيراً.

وبعد: فقد ألّفت هذا المختصر المشتمل على بيان الفرق بين عقائد المسلمين والكتابيّين إجابة لبعض إخوان الدين، وخدمةً للتوحيد والموحدين وسمّيته:(الميزان العادل بين الحق والباطل) ورتبّته على ثلاثة مقاصد:

الأوّل: في الإلهيّة.

الثاني: في النبوّة.

الثالث: في الكتب المقّدسة. واسأل الله سبحانه أن يعصمني من الزلل، في القول والعمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. إنه هو البرّ الرحيم.

٢٩

تنبيهات

(الأوّل) إذا نسبنا عقيدة إلى أهل ملّة من هذه الملل الثلاث فلابدّ في صحّة النسبة من أحد أمرين:

إمّا اتّفاق أهل تلك الملّة عليها بحيث لا يخالف فيها منهم إلاّ الشاذ الذي لا يعتد به، أو دلالة كتابهم المعتبر عندهم على ذلك.

(الثاني) نعتبر في الدلالة أن تكون باللفظ الصريح الذي لا يقبل التأويل.

(الثالث) إذا رأيت في كتابنا نسبة القبيح إلى الله تعالى أو إلى أحد أنبيائه فلا تحملنا على الاستخفاف وسوء الأدب، بل غرضنا إلزام كل فريق بما تقتضيه عقيدته أو يصرّح به كتابه.

(الرابع) إنّا نعتقد أنّ الله تعالى أنزل توراةً على موسى وإنجيلاً على عيسى وكتباً أخرى على غيرهما من الأنبياء وكلّها كتب مقدسة ولكنّها غير هذه الكتب المسماة فعلاً بتلك الأسماء كما ستعرف ذلك في المقصد الثالث إن شاء الله. فإذا جرى منا الاستخفاف بالتوراة والإنجيل فإنما نريد هذه الكتب الرائجة عندهم.

ولنقدم قبل الشروع مقدمة تشتمل على فوائد:

الأولى: إنّ علم العقائد علم لا يسع الناس جهله؛ لأنّ الإنسان العاقل إذا نشأ فرأى الناس فريقين طبيعيّين ومليّين ووجد المليّين متفقين على أنّ للإنسان بعد موته نشأة أخرى أبدية، وأنّ للصانع ديناً

٣٠

خاصّاً من عمل بمقتضاه ربح في تلك النشأة بالسعادة الدائمة، ومن أهمله حصل فيها على الشقاوة اللازمة، فهو مجبور بالطبع على النظر والبحث ليصل إلى أحد الأمرين. إمّا الحكم بنفي الصانع فيستريح من التكاليف، أو إثباته ليجتهد أيضاً في معرفة دينه المطلوب وامتثال أوامره فيأمن بذلك من العذاب الأبدي ويفوز بالنعيم السرمدي، ومع إهمال الفحص لا يأمن من الوقوع في هذا الخطر العظيم.

الثانية: الحاكم في معرفة الصانع وما يترتب عليها من المسائل إنّما هو العقل؛ لأنّ الرجوع إلى الكتب الإلهيّة لا يعقل إلاّ بعد معرفة أنّ لنا إلهاً وأنّ هذه كتبه.

الثالثة: الأحكام العقلية منها ضرورية، وهي التي يحكم بها العقل ابتداءً وتكون عنده بمنزلة المحسوسات التي لا تقبل التشكيك ويقال لها الأوّليات. ومنها نظرية وهي التي لا يمكن التوصل إلى إثباتها إلاّ بتوسط الأوّليات، والذي نحتاج إليه من القسم الأوّل خمسة أمور:

١ - يمتنع كون الشيء سابقاً لنفسه.

٢ - يمتنع كون الشيء سابقاً ومسبوقاً لشيء واحد.

٣ - يمتنع وقوع أحد الأمرين المتساويين من غير مرجّح.

٤ - يمتنع وجود أحد الأمرين المتلازمين بدون الآخر.

٥ - يمتنع اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما معاً عن محلّ واحد في آنٍ واحد من جهة واحدة.

الرابعة: الصورة الذهنية إذا نسبنا حالها إلى الوجود الخارجي فهي على ثلاثة أقسام:

(الأوّل) الواجب لذاته: وهو ما حكم العقل بلزوم وجوده وامتناع عدمه، لذاته ومن لوازمه القِدم.

(الثاني) الممتنع: وهو ما حكم العقل بامتناع وجوده لذاته.

(الثالث) الممكن: وهو ما جوّز العقل عليه كلا الأمرين من الوجود والعدم على السواء، ومن لوازمه الحدوث. ولا ريب في وجود الثاني ذهناً كالجسم غير المتحيّز. وكذا الثالث وهو جميع الموجودات المحسوسة إنّما الخلاف في وجود الأوّل وعليه مدار الأبحاث الآتية وهي تتمّ في ثلاثة مقاصد:

٣١

٣٢

المقصد الأوّل

في الإلهيّة

٣٣

٣٤

الدرس الأوّل

[إثبات أنّ الإله هو الصانع الواجب الوجود لذاته]

الإله هو الصانع القديم الواجب الوجود لذاته، وقد اتفق العقلاء كافة ما عدا شرذمة من الناس على وجوده؛ لدلالة العقول الصحيحة عليه، وشهادة جميع الموجودات بالاحتياج إليه، وذلك لأنّ كل موجود ندركه بحواسنا فهو إمّا عين أو عرض.

والأوّل هو الأجسام وأجزائها. والثاني هو ما يعرض لها من الصفات.

فأمّا الأعيان فإنّها حادثة لأنّها لا تنفك عن الحركة والسكون، وهما حادثان(١) وما لا ينفك عن الحادث(٢) حادث.

وأمّا الأعراض فإنّها حادثة أيضاً؛ لاحتياجها إلى المحلّ الذي

____________________

(١) أما الحركة فحدوثها بديهي لأنّا نشاهدها تعرض للجسم بعد سكونه، وأمّا السكون فإنّه ينعدم بعروض الحركة فهو ممكن إذ لو كان واجباً لذاته لامتنع عدمه وإذا كان ممكناً كان حدثاً.

(٢) وذلك لأنّه محتاج في وجوده إليه، فلو كان قديماً لاستغنى عنه، وهو خلاف الفرض.

٣٥

تقوم به، وقد عرفت حدوثه، والمحتاج إلى الحادث حادث. وإذا ثبت حدوث جميع الموجودات ثبت(١) احتياجها إلى الموجد، فإن فرضناه حادثاً أيضاً دخل(٢) في جملتها واحتاج الجميع إلى موجد آخر، وإن كان واجباً ثبت المطلوب(٣) .

____________________

(١) لتساوي العدم والوجود بالنسبة إلى الممكن، فلو لم تكن له علّة مرجّحة لجانب الوجود لزم وقوع أحد الأمرين المتساويين من غير مرجّح وهو ممتنع.

(٢) إذ لا يعقل أن يكون هو الموجد لنفسه؛ لأنّ العلّة سابقة على المعلول فيلزم حينئذٍ سبقه لنفسه وهو ممتنع أيضاً.

(٣) إذ لولا ذلك لم يخل الحال من أحد أمرين: (الأوّل) أن تكون هذه الممكنات المعلول بعضها لبعض على هيئة الحلقة، أي تنتهي إلى علّة تكون معلولة للمعلول الأخير. (الثاني) أن تكون على هيئة السلسلة غير المتناهية بأن يكون كلّ واحد منها معلولاً لسابقه إلى ما لا نهاية له ويسمّى الأوّل دوراً، والثاني تسلسلاً وكلاهما باطلان، أمّا الأوّل فلأنّه يفضي إلى كون الشيء سابقاً لنفسه ولسابقه؛ وذلك أنّ المعلول الأخير متأخّر عن العّلة الأولى لكونه معلولاً لمعلولاتها فلو كان علّة لها لزم كونه سابقاً لها فيكون سابقاً لسابقه فيكون سابقاً لنفسه أيضاً، وقد عرفت امتناعهما. وأما الثاني فلأنّ السلسلة المتألّفة من المكنات ممكنة أيضاً لأنّها مركّبة منها والمركّب محتاج إلى كلّ من أجزائه والمحتاج إلى غيره لا يكون واجباً لذاته وإذا كانت ممكنة فهي أيضاً محتاجة إلى الموجد ولا يعقل أن تكون هي الموجودة لنفسها لبطلانه بالأولى من الأوليّات، ولا أن يكون أحد أجزائها موجداً لها؛ إذ يلزم من سبقه على نفسه وعلى علله وهو باطل فيجب أن يكون موجدها خارجاً عنها، وإذا كان كذلك كان واجباً لفرض اشتمالها على جميع الممكنات.

٣٦

الدرس الثاني

[صفات الواجب السلبيّة]

الواجب لا يكون عيناً ولا عرضاً لما عرفت من حدوثهما، ولا ضدّاً لغيره؛ لأنّ الأضداد: هي الأمور الوجودية المتعاندة في الوجود المتعاقبة على المحل الواحد، فلو كان ضدّاً لغيره جاز أن يعاقبه، أي يقع بعده فيكون حادثاً.

ولا مماثلاً لشيء لأنّ كلاً من المتماثلين لابدّ وأن يشتمل على أمر جامع تكون به المماثلة، وأمر مايز يكون به التعدد، فلو كان مماثلاً لشيء لكان مركّباً من المايز والجامع، ولو كان مركّباً لكان محتاجاً في وجوده إلى كلّ من أجزائه، وذلك ينافي الوجوب الذاتي.

٣٧

الدرس الثالث

[فساد ما ذكرته التوراة والإنجيل من صفات الإله]

وممّا بيّناه يتّضح فساد ما اعتقده الكتابيّون، وصرحت به كتبهم من أنّ الله تعالى:

على شكل الإنسان(١) .

وإنّ له شعراً كالصوف النقي(٢) .

ورجلين فيهما شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف(٣) .

وحقوين منهما إلى فوق مثل النحاس اللاّمع، ومنهما إلى تحت كالنار اللامعة كقوس السحاب يوم المطر(٤) .

____________________

(١) سفر التكوين ١: ٢٦، ٢٧ و٥: ١ و٩: ٦. رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ١١: ٧.

(٢) سفر دانيال ٧: ٩، ص ١٦٧٥.

(٣) سفر الخروج ٢٤: ١٠، ص ١٢٥. [والموجود في النسخة التي اعتمدناها في التحقيق فيه تفاوت حيث ذكر: وتحت رجليه شبه صنعة وليس في رجليه شبه صنعه وإليك النصّ: (ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شِبْهُ صَنْعةٍ من العقيق الأزرقِ الشفاف وكذات السماء في النقاوة)]. المحقّق

(٤) حزقيال ١: ٢٧، ص ١١٧٦.

٣٨

ولباساً أبيض كالثلج(١) .

وأذيالاً تملأ الهيكل(٢) .

ومنظراً يشبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح(٣) .

وإنّ آدم وحوّاء سمعا صوت الربّ الإله ماشياً في الجنة(٤) .

وإنّ الربّ نزل على سيناء إلى رأس الجبل(٥) .

وإنّه نزل في السحاب فوقف موسى عنده هناك و نادى باسم الربّ فاجتاز الربّ قدّامه(٦) .

وأنّه اختار صهيون، اشتهاها مسكناً له(٧) . تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(١) سفر دانيال ٧: ٩، ص ١٦٧٥.

(٢) سفر إشعياء ٤: ١ و٦: ١، ص ٩٩٨.

(٣) رؤيا يوحنا اللاهوتي ٤: ٣، ص ٤٠٠ جـ.

(٤) سفر التكوين ٣: ٨، ص ٦.

(٥) سفر الخروج ١٩: ٢٠، ص ١١٩.

(٦) سفر الخروج ٣٤: ٥. (نزل في السحاب) ص ١٤٣. وسفر الخروج أيضاً ٣٤: ٦ (فاجتاز الربّ) ص ١٤٣ - ١٤٤.

(٧) المزامير ١٣٢: ١٣، ٩٢٧.

٣٩

الدرس الرابع

[علم الله محيط بالممكنات]

لا ريب في أنّ الله عالم بجميع الأشياء لأنّه هو الصانع لها، والصنع لا يكون إلاّ بالإرادة والمراد لا يعقل أنّ يكون مجهولاً.

وبما أنّ جميع مصنوعاته ممكنة والممكن يحتاج إلى العلّة في بقائه كما يحتاج إليها في إيجاده وإلاّ لخرج عن كونه ممكناً وهو ممتنع(١) ، فيلزم أيضاً أن يكون علمه تعالى محيطاً بها في جميع الأحوال والأزمنة إحاطة تامة لا يحتاج معها إلى ترتيب المقدمات، أو اتخاذ العلاقات أو الآلات أو غير ذلك لأنّ ذلك مما يفتقر إليه أهل العلوم الكسبية.

وأمّا علمه تعالى فهو عبارة عن الإحاطة التامة بجميع الموجودات لا تخفى عليه خافية، ولا يلتبس عنده بعضها ببعض، وإلاّ لعجز عن تدبيرها تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

____________________

(١) إذا خرج عن كونه ممكناً كان إمّا واجباً أو ممتنعاً وكلاهما ممتنع، لسبق العدم عليه، فلا يكون واجباً، ولوجوده فعلاً فلا يكون ممتنعاً.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151